الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
2 -
نداء (دوبرمون) إلى أهل الجزائر
عشية الغزوة الصليبية الإفرنسية
بعث مارشال فرنسا (دوبرمون) وهو يقود حملته لغزو الجزائر، منشورا عملت أجهزة الاستخبارات والمباحث الإفرنسية على الترويج له، ونشره في الأوساط الجزائرية كتمهيد للحملة، وتضمن المنشور ما يلي:
(باسم المبديء المعبود نستعين؛ ويا سادتي القضاة والأشراف وأكابر المشايخ والاختيارية، اقبلوا مني أكمل السلام وأشمل أشواق قلبي بمزيد العز والإكرام. أما بعد!
اعلموا هداكم الله إلى الرشد والصواب أن سعادة ملك فرنسا، الملك شارل العاشر، سيدي عز جنابه الأعلى وعز نصره، قد أنعم علي بتوليته إياي - كونت دوبرمون - منصب قائد الحملة، ويا أعز أصدقائنا ومحبينا سكان الجزائر، ومن ينتمي إليكم من شعب المغرب. اعلموا:
أن حاكمكم الداي حسين قد تجرأ على تحقير العلم الإفرنسي المستحق كل الاعتبار، وأقدم على إهانته، وبسبب جهله هذا ضرب القنصل الإفرنسي - دوفال - بالمروحة. ولم يعرف أنه
بعمله هذا إنما هو يجلب إليكم الكوارث والضربات، وأنه دعى عليكم الحرب من قبلنا، وأن عزة ملك فرنسا، القادر، دام ملكه، نزع الله من قلبه رحمته المعهودة ورأفته المعروفة المشهورة نجاه هذا الداي حاكمكم الذي جلب على نفسه الانتقام الهائل - لقلة بصيرته وعماوة قلبه - وقد اقترب منه القدر المحتوم وعن قريب يحل به ما استحقه من العذاب المهين. أما انتم يا شعب المغاربة، شعب الجزائر وجيرانه، اعلموا وتأكدوا يقينا أني لست قادما لمحاربتكم، وعليكم البقاء في أماكنكم آمنين مطمئنين، وأن تتابعوا أعمالك. وتمارسوا صنائعكم وحرفكم براحة، وأعدكم أنه ليس بيننا من يزيد ضركم لا في مالكم ولا في أعيانكم، وأضمن لكم أن بلادكم وأراضيكم وحقولكم ومتاجركم، وكل ما هو لكم صغيرا كان أو كبيرا، فسيبقى على ما هو عليه، ولا يتعرض لشيء من ذلك جميعه أحد من قومنا، فآمنوا بصدق كلامي. ثم إننا نعدكم وعدا حقيقيا مؤكدا غير متغير أن تبقى جوامعكم ومساجدكم معهودة معمورة على ما هي عليه الآن وأكثر، وأن لا يتعرض لكم أحد في أمور دينكم وعبادتكم. وأن حضورنا عندكم ليس هو لأجل محاربتكم. وإنما قصدنا محاربة حاكمكم (الباشا الظالم) الذي بدأ وأظهر لنا العداوة والبغضاء. فيا أيها الأحباب سكان المغرب (الجزائر وجيرانها)! وحتى تحصلوا بهلاكه وبزوال سلطانه على كل خير، وحتى يفرج عنكم ما أنتم فيه من الغم والشدة وسوء الحال، أسرعوا واغتنموا الفرصة، ولا تعمى أبصاركم عما أشرقه الله عليكم من نور اليسر والخلاص. ولا تغفلوا عما فيه مصلحتكم، بل استيقظوا لكي تتركوا حاكمكم (الباشا) هذا وتتبعوا طريقنا الذي يؤول إلى خيركم وصلاحكم وتحققوا أنه تعالى لا يبغي قط ضررا بخليقته، بل يريد
لكل واحد من مخلوقاته ما يخصه من وافر نعمه التي أسبغها على سكان أرضه.
يا أيها الجزائريون أهل الإسلام! إن كلامنا هذا تعبير عن الحب الكامل لكم، ويشتمل على الصلح والمودة، فإن أنتم بعثتم مندوبيكم إلى مبعوثنا، فنتكلم حينئد وإياهم، والمرجو من الله تعالى أن تؤدي محادثتنا مع بعضنا بعض إلى ما فيه منافعكم ومصالحكم. هذا وأما إن كان منكم معاذ الله خلاف ذلك، حتى تختاروا مقاومتنا ومحاربتنا فاعلموا أن كل ما يصيبكم من المكروه والشر إنما يكون بسببه من جهتكم، فلا تلوموا إلا أنفسكم، وأيقنوا أنه ضد إرادتنا، فليكن عليكم محققا أن عساكرنا المنصورة تحيط بكم بأيسر مرام، ودون تعب، وأن الله تعالى يسلطها عليكم، فإنه تعالى كما يأمر من يجعل له النصر والظفر بالرحمة والتسامح مع الضعفاء المظلومين، فكذلك يحكم بأشد العذاب على المفسدين في الأرض، فلا بد لكم أن تعرضتم لنا بالعداوة والشر من الهلاك عن آخركم.
هذا ما بدا لي أيها السادة أن أكلمكم به، فهو نصيحة مني إليكم، فلا تغفلوا عنه، واعلموا أن صلاحكم هو في قبوله والعمل بما جاء به، وأن هلاككم لا يرده عنكم أحد إن أنتم أعرضتم عما نصحتكم وأنذرتكم به، واعلموا يقينا مؤكدا بأن كلام ملكنا المنصور المحفوظ من الله تعالى هو كلام لا يمكن تغييره، لأنه مقدر. والمقدر لا بد من تحقيقه، والسلام على من اتبع وسمع وأطاع، (1).
(1) تاريخ الجزائر - مجاهد مسعود - الجزء الأول - 111 - 112.