المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أحمد بوضربة: - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ٣

[بسام العسلي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأول

- ‌ الموقف في دار الخلافة العثمانية

- ‌ محمد علي باشا في مصر

- ‌ معركة نافاران

- ‌الفصل الثاني

- ‌ ذريعة الاستعمار (البراغماتية)

- ‌ عشية ليل الاستعمار

- ‌ بدايات المقاومة

- ‌أ - فئات من المجاهدين

- ‌ب - ثورة ابن زعمون:

- ‌ج - سيدي السعدي والجهاد

- ‌د - ثورة الآغا محيي الدين بن المبارك

- ‌هـ - بومزراق - باي تيطري:

- ‌و- الحاج أحمد (باي قسنطينة):

- ‌ز - حمدان خوجة والصراع السياسي:

- ‌ حمدان عثمان خوجة:

- ‌ أحمد بوضربة:

- ‌ المفتي الحنفي سيدي محمد بن العنابي:

- ‌ الإدارة الإفرنسيةوتكوين وحدات خاصة

- ‌ الإدارة الإفرنسية(من التردد إلى التصميم)

- ‌الفصل الثالث

- ‌ في النظرية الاستعمارية

- ‌ في الجهاد والمقاومة

- ‌قرءات

- ‌ 1 -قصة اليهودي ومروحة دوفال

- ‌ 2 -نداء (دوبرمون) إلى أهل الجزائرعشية الغزوة الصليبية الإفرنسية

- ‌ 3 -معاهدة الاستلام التي وقعها داي الجزائر(حسين باشا) يوم 4 تموز (يوليو) 1830 م

- ‌ 4 -من تقرير اللجنة الإفريقية(سنة 1833)

- ‌ 5 -رسائل وثائقية(للحاج أحمد باي قسنطينة)

- ‌المراجع الرئيسية للبحث

- ‌الفهرس

الفصل: ‌ أحمد بوضربة:

2 -

‌ أحمد بوضربة:

كان أحمد بضربة من حضر الجزائر أيضا، غير أن دوره لم يكن واضحا بقدر ما كان دور (حمدان عثمان خوجة). وقد عرف عنه أنه كان من التجار الميسورين في الجزائر، ومن الذين لم يكونوا على علاقة جيدة مع الحكام الأتراك، غير أنه كان راضيا بوضعه على الأقل، فأقام فترة من حياته بمدينة (مرسيليا) حيث مارس التجارة فيها، وتزوج من إفرنسية، ثم تورط هناك بقضية إفلاس مالي حملته على مغادرة مرسيليا والعودة إلى الجزائر، وخلال هذه الفترة تعلم اللغة الإفرنسية، وعرف عادات الإفرنسيين وتقاليدهم. حتى إذا ما غزت فرنسا الجزائر، ووصلت إلى العاصمة، ظهر (أحمد بوضربة) في مقر (الكونت دوبورمون) قائد الحملة بصحبة (حسن بن حمدان بن عثمان خوجة) ومعهما كاتب السلطان للمفاوضة على تسليم المدينة. مقتنعا بما أعلنه الإفرنسيون: (من

أنهم جاؤووا محررين للجزائريين من الاضطهاد التركي). وتوطدت العلاقات منذ هذا اللقاء بين قائد الحملة و (بوضربة). فكان القائد الإفرنسي - دوبرمون - يستشيره في أمور الجزائر الداخلية ويثق به، حتى أنه ولاه رئاسة أول مجلس بلدي في (مدينة الجزائر)(1) غير

(1) شكل (دوبورمون) في اليوم التالي للاحتلال (6 تموز - يوليو) لجنة حكومية إفرنسية بمهمة إدارة البلاد. وتشكيل (هيئة مركزية) من الجزائريين برئاسة (أحمد بوضربة) وعضوية (الحاج علي بن أمين السكة، وابن مرابط، وإبراهيم بن المولى محمد وحسن قلعايجي ومحمد ابن الحاج عمر والحاج قدور بن عشاش) ثم انضم إليها اليهوديان (ابن بكري وابن دوران). وكان معظم هؤلاء من (حضر الجزائر) حيث كانت السلطة الإفرنسية تعتقد بأن هذه الفئة من الفئات التي يمكن الاعتماد عليها نظرا لأنها لم تكن ذات شأن أيام الحكم التركي. ولكن سرعان ما أدرك الإفرنسيون خطأ اعتقادهم، فاتهموا (الحضريين) بالتآمر والطموح. نفوا زعماءهم من مدينة الجزائر.

ص: 138

أن (بوضربة) أدرك بسرعة أهداف الإفرنسيين من احتلال الجزائر، ووقف على أساليبهم الخادعة، فأخذ في المكر لهم والإيقاع بهم، ومبادلتهم خداعا بخداع. مما حمل مؤرخا فرنسيا على وصفه بقوله:(كان بوضربة رجلا فطنا ومهذبا، واسع الدهاء، غير أنه يفتقر إلى المبادىء الأخلاقية، فكان يخلق المشاكل أكثر مما يسهم في إيجاد حل لها). ولم يلبث الإفرنسيون أن اتهموه بأنه كان يتزعم (لجنة المغاربة) التي كانت تعمل لصالح استعادة الحكم الإسلامي في الجزائر، والتي كانت على اتصال مستمر مع الداي السابق (الباشا حسين). ولم تلبث أسهم (بوضربة) أن تدهورت، شأنه في ذلك شأن جميع الحضريين أمثاله، الذين رأى فيهم الإفرنسيون مصدر خطر على الاحتلال الإفرنسي، فتم إبعاد بوضربة إلى باريس مع من تم إبعاده من (لجنة المغاربة) وهم الذين لفتوا إليهم الأنظار بمظهرهم الجزائري - الإفريقي، وباتصالاتهم مع رجال الصحافة والصالونات والبرلمانيين. على كل حال، فقد كان هناك ثمة اختلاف بين (بو ضربة) وبين (حمدان عثمان خوجة) ويعرض (بو ضربة) في مذكراته (بحمدان خوجة) ويصفه:(بأنه من الذين حملوا أقلامهم لاستعمالها في هجمات - شخصية) ويفخر بنفسه فيقول: (بأنه ليس من هذا النوع، وأنه ينظر إلى الأمور نظرة واقعية، وأنه يتحرى الحقيقة، وأنه يعمل لصالح مواطنيه ولفرنسا في نفس الوقت، وقد ظهر (بوضربة) أيضا أمام (اللجنة الإفريقية) في 7 تموز - يوليو - 1833 م. فكتب إليها مذكرة، وتبرز هذه المذكرة التناقض بين الرجلين (بو ضربة - وخوجة) فبينما كان (خوجة) ثائرا على الإفرنسيين، غير مؤمن بالتعاون معهم، يظهر (بوضربة) وهو ينتقد الأوضاع، غير أنه يقترح حلولا

ص: 139

عملية لفائدة التعاون الإفرنسي - الجزائري. ومذكرة (بوضربة) مقسمة إلى سبعة فصول تضم عناوين مثل: (التنظيم البلدي وتطبيق القضاء والعدل، والتنظيمات الخاصة بالمناطق الداخلية، وإدارة المؤسسات الخيرية وغيرها). وقد اعتمدت (اللجنة الإفريقية) على أفكار بوضربة (لأنها - حسب تعبير رئيس اللجنة الإفرنسي - لم تكن كلها تمنيات مثالية - (يوتوبيا) بل إن الحكومة الإفرنسية قد طبقت بعضها، ولا سيما الأفكار الخاصة بالتنظيم القضائي والإدارة البلدية).

وجه (بوضربة) نصائحه إلى فرنسا بأن تتبع في الجزائر سياسة العدل والحزم المقترن باللين والاعتدال عند التعامل مع الجزائر، لأن ذلك هو الوسيلة الوحيدة التي تؤدي إلى نتائج طيبة. ونصح كذلك بأن تتفادى فرنسا تطبيق نظام الأتراك في حكم الجزائريين،

فتعتمد على البايات، باعتبار أن هذا التنظيم لا يتلاءم مع تنظيم الإدارة المتبع في فرنسا. ومن آرائه - الجدلية - في هذا الموضوع اقتراحه بأن تعين فرنسا (آغا فرنسيا) على القبائل الجزائرية وليس (آغا) عربيا. ودافع (بوضربة) عن اقتراحه بأن الجزائريين يشكون في الآغا الذي هو منهم، إذا دافع عنهم أمام الإفرنسيين بخلافه إذا كان فرنسيا، فإنهم لا يشكون في إخلاصه إذا دافع عنهم، فهم مثلا لن يتهموه بأنه كان عميلا لبلاده بخلاف العربي. وانتقد (بو ضربة) طريقة الاحتلال الإفرنسي وقال:(أن أسوأ ما تميز به هو عدم اتباعه لنظام ثابت) وأنه (لم يضمن الحماية لأحد - حتى الذين ساندوه أمثاله - فكانت النتيجة أن كل الذين كانوا مع الاحتلال قد تخلوا عنه. وأن الذين كانوا سيرحبون به لم تعد لديهم الجرأة للإعلان عن

ص: 140

شعورهم) وطالب بوضربة فرنسا: (بأن نعلن صراحة عن موقفها من القبائل التي خضعت لها، ومن تلك التي تريد الخضوع لها، ثم من تلك التي لا زالت تقاوم الاحتلال. فالتردد والغموض لا يزيدان الموقف إلا تعقيدا) وطلب من فرسا أيضا: (أن لا تعفي الأهالي من الضرائب ولكن تفرضها بعدل، وأن تعاقب المذنبين بحكمة). واقترح (بوضربة) أن تدمج العرب في البيئة الإفرنسية الجديدة: (عن طريق بناء القرى والمجمعات التي يستوطنها الإفرنسيون على أن يسمح للعرب بالاستقرار في هذه المستعمرات مما يسمح بالتعارف بين المجموعتين، وتضمن للعرب الاطلاع على حضارة الإفرنسيين، بالإضافة إلى أن هذه الطريقة تنهي شيئا فشيئا مقاومة العرب لفرنسا) واقترح أيضا: (إنشاء جريدة - صحيفة - لبث الأفكار وتنوير الرأي المحلي - لأن العربي في رأيه -فضولي بطبعه، وسوف يقرأ هذه الجريدة بشغف كبير. ولكنه نصح أن لا تحتوي الجريدة على مناقشة القضايا الدينية، لأن العرب عندئذ سينفرون منها. وبدلا من الدين، يجب أن تناقش الجريدة، وتقدم معلومات عن الصناعة والفلاحة والمواضيع العلمية. وقال بوضربة في هذا الصدد أن كل جزائري تقريبا يعرف القراءة والكتابة، لذلك فإن إنشاء هذه الجريدة سيفتح آفاقا جديدة أمام الجزائريين والإفرنسيين معا. وقال أيضا: أن في كل قرية جزائرية مدرستين، باستثناء منطقة جرجرة التي لاحظ أن التعليم فيها منحصر في طبقة خاصة، وهي طبقة الشيوخ والرؤساء). وكان (بوضربة) يظهر متفائلا حتى حدود الحماسة وهو ينادي (بإجراء تغييرات على النظام الإفرنسي القائم عندئذ في الجزائر) فقد طالب بإنهاء نظام العنف الذي كان قائما والذي دام ثلاث سنوات (واستبداله بنظام آخر قائم على اللين

ص: 141

وحماية حرية المواطنين وممتلكاتهم. وعندئذ - بناء على رأيه - سيرى الإفرنسيون أن النتائج ستكون مختلفة، إذ أنهم لن يجدوا سخطا أو مقاومة وإنما سيجدون تعاونا ورضى).

وأعلن (بوضربة) أنه يقف في صالح عدة قضايا، من ذلك إقامة فرقة جزائرية (الزواف - أو الزواويين) للمشاركة في حماية البلاد، على شرط أن تؤدي الدور الإيجابي المنتظر منها، وأن تتوافر لها شروط العمل الضرورية. أما بخصوص دمح اليهود في حياة الجزائريين العامة، فإن (بوضربة) لم يمانع في ذلك، ولكنه ألح على ألا يتم هذا الدمج على حساب العرب. وقال بأن على فرنسا أن تعطي الضمانات الكافية على ألا تنال الطائفة اليهودية في الجزائر شيئا من مراكز النفوذ الكبيرة في البلاد. ويمكن الإعلان عن هذه الضمانات - بحسب رأيه - عن طريق إصدار بيان عام يوقع عليه علماء البلاد والمسؤولين عن الشؤون الدينية.

أما عن القوات التي كانت لدى الجزائر في تلك الفترة، فقد حاول (بوضربة) تهدئة مخاوف الإفرنسيين من احتمال تجمع تلك القوات للقيام بالثورة. فقال لهم:(بأن هناك 16 ألف رجل مسلح في مركز اسطاوالي، و4 آلاف من القبائل الراجلين - من أهالي جرجرة - غير أنه من المحال على هذه القوات أن تتجمع من جديد، وإذن فلا خوف على الإفرنسيين من اندلاع ثورة ضدهم).

ويبدي (بوضربة) بعض الآراء الهامة حول أملاك الدولة في (سهل متوجة - متيجة) فهو يقول أن دار السلطان (مدينة الجزائر وضواحيها بما في ذلك سهل متيجة) كانت تملك بين 12 و13 مزرعة ر السهل المذكور، بعض هذه المزارع كان عن طريق الإيجار.

ص: 142

وكانت هناك وزارة خاصة تقوم بإدارة المزارع وتعهدها، وكانت كل مزرعة تحتوي 60 - 80 زوج البقر. وكانت حدود ملكية كل قبيلة في السهل منظمة تنظيما دقيقا وثابتا، ولذلك لم تكن هناك نزاعات بين القبال على الحدود.

وقال (بوضربة) أن معظم سهل متيجة يعود إلى سكان مديمة الجزائر، ولا سيما طبقة الحضر منهم. أما الأراضي المشاعة فلا توجد إلا في داخل الوطن التي هي منطقة قبلية تخضع لإدارة الشيخ محليا وإدارة الدولة التي يمثلها القائد.

وهناك آراء أخرى غريبة عبر عنها (بوضربة) حول الوجود الإفرنسي في الجزائر، فقد قال:(بأنهم أرادوا الاكتفاء باحتلال السواحل والمدن، فإنهم لن يحصلوا على نتيجة في الجزائر). - لذلك نصحهم - بأن يعزموا على البقاء الدائم في البلاد، وأن يكونوا لهم خلفاء من أهلها حتى تتوافر لهم شروط الإقامة. ونصحهم بأنهم إذا احتلوا قسنطينة (وكان حديثه سنة 1834 أي قبل ثلاث سنوات من الاحتلال الفعلي لقسنطينة). فيجب عليهم تعيين حاكم إفرنسي عليها.

وقال أن عدد سكان (قسنطينة) عندئذ يتراوح بين 20 و30 ألفا. وأن عادات هؤلاء وطبائعهم تختلف اختلافا واضحا عن عادات سكان الأرياف في الإقليم. ونصح الإفرسيين بأن يتعرفوا، قبل القيام بأي توسع، على إخلاص حلفائهم الجزائريين - وبذلك يتفادون تعريض جندهم للخطر المحقق. غير أنه أشار عليهم بضرورة إعادة المساجد التي استولى عليها الجيش الإفرنسي واستخدمها لأغراض خاصة.

ص: 143