الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هـ - بومزراق - باي تيطري:
ما ان استقرت السلطة الإفرنسية في الجزائر العاصمة، حتى أخذت في البحث عن الوسائل والطرائق التي يمكن لها استخدامها للسيطرة على البلاد، وحاولت في البداية أن تعتمد على الأقليات، اليهود بصورة خاصة، وكذلك الفئات غير التركية (حضر الجزائر). ويذكر أن (كلوزول) قائد الجيش الإفرنسي بعد (دوبورمون) قد طلب من أعيان مدينة الجزائر قائمة بأسماء العائلات الكبيرة في المدينة ليعين منها (بايا) على إقليم (تيطري). وحاول الإفرنسيون الاستمرار في تقليد العثمانيين عند إسناد منصب (الباي) إلى من يرغبون، فكانوا يخلعون على الشخص الذي يسمونه (بايا) القفطان المميز للباي ويسلمونه سيفا، غير أن الفرنسيين لم يلبثوا أن ألغوا بسرعة منصب الباي. المهم في الأمر هو أن (كلوزول) اختار مصطفى بن الحاج عمر (أو مصطفى بن عمار) ليكون بايا على تيطري خلفا للباي (مصطفى بومزراق) الذي كان قد اتفق مع الإفرنسيين ثم ثار ضدهم فخلعوه.
وكان على (مصطفى بن عمار) مواجهة ثورة (الباي السابق) ومواجهة ثورة (ابن بومزراق) وأن يقمع اضطرابات الإقليم الثائر، وتنفيذ ما يطلبه الإفرنسيون من إخضاع للإقليم. وزاد من صعوبة الموقف أن الإفرنسيين اشترطو عليه الإبقاء على الإدارة السابقة، وعدم إجراء أي تغيير يدعم من سلطته .. فمضى (مصطفى بن عمار) إلى ممارسة الحد الأدنى من واجباته (القضاء والمخالفات ونحوها) والاقتصار في نشاطاته على حدود مدينة المدية (1) ولكن إذا
(1) كان الإفرسنيون بقيادة (كلوزول) قد دخلوا (المدية) يوم 23 تشرين الثاني - نوفمبر - =
نجح الإفرنسيون في إلقاء القبض على (بومزراق) وسمحوا له بالذهاب إلى الإسكندرية فإن ابنه (سي احمد) قد بقي على مسرح الأحداث ينتظر الفرصة المناسبة. (ويقال أن كلوزول قد اعترف بأنه ارتكب خطأ عندما لم يعتقل سي احمد عندما اعتقل والده). وأقام (سي احمد) في المدية مقر حكم والده، وقاد الثائرين ضد (مصطفى بن عمار) واحتل دار الباي الريفية، وكان يدخل المدينة ويغادرها دون أن يحاول الباي ابن عمار اعتقاله. وعندما تفاقم الأمر طلب ابن عمار النجدة من القائد الإفرنسي العام في الجزائر. فجاء (برتزين) بنفسه، وعندها انسحب (سي احمد بن مصطفى بن بومزراق) إلى الجبال المحيطة. وعاد (برتزين) إلى الجزائر مصطحبا معه (مصطفى بن عمار).
استثمر (سي احمد بومزراق) انتصاره على الإفرنسيين، فطاردهم أثناء انسحابهم من المدية. واشتبك معهم عند مضائق جبل (موازية) وانتصر عليهم، وقتل منهم عددا كبيرا، واستولى على كميات كبيرة من الأسلحة والمواد التموينية. وأقام بومزراق في (المدية). وأثناء ذلك. كان الأمير (عبد القادر بن محيي الدين الجزائري -) ينظم دولة الجزائر، ويحشد القوى ضد الإفرنسيين، والتف حوله الشعب الجزائري من إيالة (تيطري) و (وهران). فما كان من (سي احمد بن مصطفى بومزراق) إلا أن أسلم القيادة
= 18300 م، وأخذوا (بومزراق أسيرا). وعينوا بدله (مصطفى بن عمار) في تاريخ الجزائر مجاهد مسعود - ص 118. أو (مصطفى بن الحاج عمر) في التاريخ الجزائر الحديث - سعد الله - ص 64) وترك (كلوزول) في المدينة حامية إفرنسية بقيادة (دانليون) وعاد إلى
الجزائر.
(للأمير عبد القادر) وانضم إلى قواته، ومما حفظه له التاريخ قوله:(لقد غرر الإفرنسيون بأبي، وأرغموه على أن يكون عميلهم ضد الشعب، غير أنه أدرك بعد فوات الأوان، أن من واجب كل جزائري ألا يرضى بالاستعمار، ولقد استسلم لهم بعد أن أعطوه كلمة الشرف بأنه لن يمس بأذى، ولن يخرج من بلاده، وبعد ذلك رأوا أنه لا بد لهم من إخراجه من الجزائر، فاستولوا على أمواله، وشردوا أسرته، وعلى كل حال، فإن ما قامت به فرنسا من التنكر لباي تيطري ليس بالأمر المستغرب، لأن فرنسا اعتادمت على إعطاء كلمة الشرف ثم العمل على سحبها وفقا لما تقتضيه الظروف. ويعرف العالم أجمع حقيقة أن فرنسا لا ذمة لها ولا مروءة ولا شرف. وأن المعاهدات التي تبرمها مع هذا أو ذاك هي معاهدات قصيرة العمر جدا). لقد كان غدر الاستعمار الإفرنسي بالجزائريين عاملا أساسيا في جملة العوامل التي أسهمت في توسيع الهوة الفاصلة بين الأجهزة الاسعمارية والأجهزة الوطنية الجزائرية، وظهر ذلك بصورة خاصة في (وهران) حيث لم يترك المواطنون الوهرانيون وسيلة إلا استخدموها للدفاع عن مقدساتهم وحرياتهم وكرامتهم، وبذلوا جهد المستطاع لحشد كل القدرات والقوى المتوافرة للجهاد ضد أعداء الدين والوطن، وكان في جملة جهودهم المبذولة إرسال وفد منهم إلى (العلامة محيي الدين) ومطالبته بتولي القيادة ورفع راية الجهاد. غير أنه اعتذر عن ذلك بسبب سوء حالته الصحية، وكبر سنه. فما كان منهم إلا أن توجهوا إلى سلطان المغرب - نظرا لاتصال التراب الوهراني بالمغربي وقرب وهران من المغرب - فقبل ملك المغرب ما طلبه منه أهل وهران، وأرسل جيشا بقيادة أحد الأمراء ليكون قائدا عاما على وهران. وقد اتخذ الأمير
المغربي من (وهران) قاعدة له، وانطلق بالمجاهدين حتى وصل إلى (مليانة) وبقي هناك لمدة ستة أشهر، وخافت فرنسا من بأسه، كما خافت من تعاظم قوة (أحمد باي قسنطينة) وظهر احتمال تعاون القوات المغربية والجزائرية ضد فرنسا، لإخراجها من الجزائر، فأرسلت القيادة العامة في الجزائر تقريرا مطولا إلى وزارة الدفاع الإفرنسية طالبة استخدام كل جهد مستطاع لحمل المغرب على سحب قواته التي كان يقودها ابن عم الملك في (وهران). واستجابت وزارة الدفاع لهذا النداء. فوجهت إنذارا إلى سلطان المغرب:(بأنه إذا لم يأمر قواته بالانسحاب من الجزائر خلال فترة ثمانية وأربعين ساعة، فإنها ستضطر إلى إعلان الحرب على المغرب لتدخله السافر في قضاياها).
استقبل أهل (وهران) الإنذار الإفرنسي بالهزء - وحتى بالسخرية ظنا منهم أن (سلطان المغرب) سيكون أكثر حزما في مواجهة الإنذار الإفرنسي. غير أن أملهم قد خاب عندما استجاب سلطان المغرب للإنذار، وأمر قواته بالانسحاب الفوري تاركا أهل وهران وحدهم لمجابهة العاصفة الإفرنسية. وعلى أثر ذلك، اجتمع العلماء والأعيان. وقرروا التوجه من جديد إلى (العالم محيي الدين) في محاولة لحشد القوى، لا سيما وأن العالم محيي الدين كان من أكثر القاده المؤهلين لرفع راية الجهاد بسبب ما عرف عنه من الصلاح والتقوى والوطنية. وذهب وفد وهراني قابل (العالم محيي الدين) وأعلموه صراحة بأن مصير الجزائر أصبح أمانة في يديه، وأنه الوحيد الذي يستطيع حمل هذه (الأمانة) وأنه إذا ما رفعض الاضطلاع بالمسؤولية خلال تلك المرحلة الخطيرة. فإنه سيحمل وحده نتائج هذا الرفض - أمام الله والتاريخ -. ولم يعد باستطاعة