المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌د - ثورة الآغا محيي الدين بن المبارك - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ٣

[بسام العسلي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأول

- ‌ الموقف في دار الخلافة العثمانية

- ‌ محمد علي باشا في مصر

- ‌ معركة نافاران

- ‌الفصل الثاني

- ‌ ذريعة الاستعمار (البراغماتية)

- ‌ عشية ليل الاستعمار

- ‌ بدايات المقاومة

- ‌أ - فئات من المجاهدين

- ‌ب - ثورة ابن زعمون:

- ‌ج - سيدي السعدي والجهاد

- ‌د - ثورة الآغا محيي الدين بن المبارك

- ‌هـ - بومزراق - باي تيطري:

- ‌و- الحاج أحمد (باي قسنطينة):

- ‌ز - حمدان خوجة والصراع السياسي:

- ‌ حمدان عثمان خوجة:

- ‌ أحمد بوضربة:

- ‌ المفتي الحنفي سيدي محمد بن العنابي:

- ‌ الإدارة الإفرنسيةوتكوين وحدات خاصة

- ‌ الإدارة الإفرنسية(من التردد إلى التصميم)

- ‌الفصل الثالث

- ‌ في النظرية الاستعمارية

- ‌ في الجهاد والمقاومة

- ‌قرءات

- ‌ 1 -قصة اليهودي ومروحة دوفال

- ‌ 2 -نداء (دوبرمون) إلى أهل الجزائرعشية الغزوة الصليبية الإفرنسية

- ‌ 3 -معاهدة الاستلام التي وقعها داي الجزائر(حسين باشا) يوم 4 تموز (يوليو) 1830 م

- ‌ 4 -من تقرير اللجنة الإفريقية(سنة 1833)

- ‌ 5 -رسائل وثائقية(للحاج أحمد باي قسنطينة)

- ‌المراجع الرئيسية للبحث

- ‌الفهرس

الفصل: ‌د - ثورة الآغا محيي الدين بن المبارك

على الثورة، فاتهم (آغا العرب) بالخيانة، وطلبه للمحاكمة، وخرج هو بالجيش الإفرنسي إلى (بئر خادم) ومن هناك وجه جزءا من الجيش إلى (القليعة) وإلى (سوق علي) قرب (بوفريك) التي كانت قاعدة الثوار. وقد اشترك في القتال الذي دار في بداية شهر تشرين الأول - أكتوبر - 1832 م، كل من الجيش الإفرنسي، وفرقة (صيادي إفريقية) وفرقة (الزواف) الخاصة، وانتهت المعركة بهزيمة المجاهدين الثوار وانسحابهم إلى الجبال والمدن المجاوره. (وفر الآغا محيي الدين مع الحاج سيدي السعدي والتحقا بالأمير عبد القادر، حيث أصبح الآغا محيي الدين خليفة للأمير عبد القادر على مدينة مليانة).

‌د - ثورة الآغا محيي الدين بن المبارك

لم يكن الآغا (محيي الدين بن المبارك) مغمورا في قومه، فقد كان قائدا مرابطا في (مدينة القليعة) عندما اقتحمت القوات الإفرنسية الجزائر. وقد حاول القائد الإفرنسي (برتزين) إخماد الثورة اللاهبة في سهل متيجة عن طريق تعيين (محيي الدين بن الصغير بن سيدي مبارك) في منصب (آغا العرب). غير أن محيي الدين لم يقبل المنصب إلا بعد أن تعهدت له فرنسا بدفع مبلغ (70) ألف فرنك سنويا. وتعهد لها هو ببقاء العرب جيث هم، بشرط أن يبقى الإفرنسيون حيث هم أيضا. وبعبارة أخرى، كان هذا الشرط تجميدا للأوضاع، وأصبح الإفرنسيون محاصرين في مدينة الجزائر. والتزم الطرفان بتنفيذ هذه الشروط في سنة 1831م. وكان (الآغا) يوصي في جميع رسائله إلى القائد العام الإفرنسي، بعدم السماح لأي إفرنسي أن يتصل بالأهالي أو يذهب إليهم، وكان يصر

ص: 104

على أن يكون هو الصلة الوحيدة بين العرب والإفرنسيين. ويذكر بعض المؤرخين أن مراسلاته القليلة قد أصبحت هي وسيلة الإفرنسيين الوحيدة للتعرف على أحوال العرب. وقد مارس (الآغا محيي الدين) قيادته لقومه بحكمة وكفاءة، فأمكن له بذلك، وبفضل ما عرف عنه من التقى والورع، فرض سلطته ونظامه على العرب في المنطقة ووضع حدا لأعمال الفوضى. وقام بعزل بعض شيوخ القبائل وتعيين غيرهم، فعين الحاج (محمد المخفي) شيخا على قبائل الخشنة، خلفا لابن العمري الذي قتل أثناء الثورة. وأبقى (أحمد بن أورشيف) على قبائل (بني موسى)، و (مسعود بن عبد الواد) على قبيلة (السبت) وكان الرجلان قد شاركا في الثورة ضد فرنسا. وعين أيضا (العربي بن موسى) على قبائل (بني خليل) خلفا (لمحمد بن الشرقي). وقد جاءت هذه التعيينات فدعمت من قوة قادة الثورة، الأمر الذي أغضب الإفرنسيين إذ أنه عزلهم وجردهم من كل اتصال مع الأهالي. فعملت الإدارة الإفرنسية على اتهام الآغا بأنه يعمل لحسابه الخاص، وأنه كان يتصل بالقبائل لتشجيعها على الثورة ضد فرنسا، وأنه عندما قامت هذه الثورة العامة قد انضم إليها سرا. وأن تظاهره بالعجز هو من أجل دعم الثورة. وزاد موقفه حرجا بعدوان الإفرنسيين على (قبيلة العوفية) في (7 نيسان - أبرل - 1832 م). حيث لم يكن باستطاعة القبائل العربية إلا الانتصار بعضها لبعض، وكان لا بد (للآغا محيي الدين) من أن يتخذ موقفا واضحا ضد الإفرنسيين وممارساتهم، مما أغضب القائد العام الإفرنسي الذي - عزل الآغا - عن منصبه. وعين (حمدان بن عثمان خوجة) ليكون الواسطة بينه وبين الآغا. وخصص شرطة خاصة لمضايقة الآغا ومطاردته وتتبع أخباره ومراقبة تحركاته. كما أخذ في انتهاك الاتفاق

ص: 105

بين الآغا وبينه (على البقاء كل من العرب والإفرنسين في مواقعهم، وامتناع الإفرنسيين عن الاتصال بالأهالي إلا عن طريقه). وأخذ في الاتصال بالعرب مباشرة، متجاوزا الآغا ومتجاهلا له. وتطور الصراع بين الرجلين، فأرسل القائد العام (دورو فيغو) حملة قوية (بقيادة الجنرال بروسارد) بمهمة مهاجمة القليعة، وتدمير قوى الثورة، وإلقاء القبض على (الآغا محيي الدين) وحمله إلى مدينة الجزائر تمهيدا لمحاكمته. غير أن (الآغا) عرف نوايا خصمه، فلجأ إلى قبيلة (بني مناد). وعندما لم يجد (بروسارد) الآغا، ذهب إلى أسرته واعتقل اثنين منها (وهما سيدي علال وسيدي محمد) ابنا عم الآغا، وكلاهما من المرابطين، وحملهما إلى الجزائر، وألقى بهما في السجن، لمدة زادت على السبعة أشهر. وعندما أرسل الآغا مساعده (حميدو) بمهمة نقل رسالة من قبله إلى القائد (الجنرال فوارول) قام هذا بتحويل الأمر إلى (الجنرال دورو فيغو) الذي كان يحقد على الآغا، فقام باعتقال (حميدو) وقرر محاكمته، ولم يحتمل (حميدو) الصدمة فمات في سجنه. وعلى الرغم من هذا الحادث، فقد استمر (الآغا) في محاولاته، فكرر الكتابة إلى القائد العام الإفرنسي للتأكيد على براءته مما هو منسوب إليه من اتهامات. وعندما يئس (الآغا محيي الدين) من الوصول إلى نتيجة إيجابية، كتب مباشرة إلى ملك فرنسا - لويس فيليب - وإلى وزير حربيته، موكدأ إخلاصه. ومنها الرسالة التي وجهها يوم 24 حزيران - يونيو - 1832 إلى الملك الإفرنسي يخاطبه فيها باسم العرب الذين تجمعوا حوله (بني مناد) ويطالبه بوضع حد لحكم (دوروفيغو) المتعسف، وإحلال العدل الذي وعدت به فرنسا الجزائريين. وكذلك رسالته إلى وزير الحربية بتاريخ 21 تشرين الأول - أكتوبر - 1832م - والتي

ص: 106

اشتكى فيها من القائد العام واتهمه بارتكاب الأخطاء، والإصغاء إلى أنصار عودة الحكم التركي إلى الجزائر، والعمل ضد كل ما يكتبه إليه من نصائح وآراء تخص العلاقات مع العرب. وأدى ذلك إلى زيادة تطرف القائد العام (دورو فيغو) وإمعانه في اسخدام أساليب القهر ضد عرب الجزائر، فحاول القضاء على الآغا محيي الدين بالاغتيال السياسي، وكلف أحد المترجمين بالبحث عن قاتل لاغتيال الآغا غير أن هذه الوسيلة فشلت. فقرر معاقبة مدينتي (البليدة والقليعة) على دعمهما للثوره وفرض عليهما غرامة قدرها (مليون ومائة ألف فرنك). وكان عدد سكان القليعة لا يتجاوز (1500) نسمة وهم في حالة من الفقر لا تسمح لهم بدفع الغرامة المفروضة عليهم، فقامت أسرة (المبارك) الذي كان زعيمها في سجن الإفرنسين بالجزائر، بدفع مبلغ عشرة آلاف فرنك. في حين قام (حاكم القليعة) بدفع مبلغ (1400 فرنك) فقط بالنيابة عن سكان القليعة. وأخذ القائد العام (الدوق دوروفيغو) بعد ذلك في ممارسة سلطاته للاتصال مباشرة بشيوخ القبائل وفرض الهيمنة الإفرنسية عليهم. فحاول في بداية الأمر تعيين (أحمد بن شنعان) من قبيلة (بني جاد) والذي ذكر الإفرنسيون أنه اتصل بهم عشية معركة (اسطاوالي) في 19 حزيران - يونيو - 1830 ليحل محل (الآغا محيي الدين). ولكن أهل المنطقة رفضوه وقاوموه. وعندما حاول القائد العام فرضه على (أهل البليدة) بالقوة، رفض هؤلاء بدورهم قبول هذا التعيين ووجهوا تهديدهم إلى (أحمد بن شنعان) بالقتل. فلجأ إلى العاصمة بعد أن أقام فترة قصيرة في البليدة. وعدل الدوق عن تعيينه، غير أنه قرر القيام بحملة ضد (البليدة) فهرب أهلها منها والتجؤوا إلى الجبال المجاورة. ودخلها الجيش الإفرنسي، فعاث

ص: 107

فيها فسادا ثم رجع إلى العاصمة (مكللا بالعار لا بالغار - كما يقول الإفرفسيون ذاتهم). كما قرر الدوق تعيين رؤساء جدد (شيوخ) على القبائل غير موالين للآغا (محيي الدين). فعين (ابن رباح) على قبائل بني موسى. وعين (سي حمود) على قبائل (بني خليل) وأبقى (الحاج المخفي) على قبائل الخشنة. وتجاوز (الدوق دورو فيغو) بعد ذلك هذه المرحلة فأخذ في الإعداد لتصفية قادة المقاومة، وأولهم (العربي بن موسى) قائد (بني خليل، و (مسعود بن عبد الواد) قائد (السبت). و (الآغا محيي الدين) على اعتبار أن هؤلاء القاده أظهروا باستمرار استعدادهم لتحريض العرب ضد فرنسا. وأراد استدراجهم إلى الجزائر، فكتب بتاريخ 6 تشرين الأول - أكتوبر - 1832 إلى أهل البليدة، طالبا منهم إرسال وفد إلى الجزائر يضم هؤلاء القادة. فشعر الآغا (محيي الدين) بالخطر، وامتنع عن الذهاب وانضم إلى (الأمير عبد القادر الجزائري) على نحو ما سبقت الإشارة إليه. أما القائدان الآخران فقد راودتهما الشكوك، وشعرا بالمكيدة، فترددا بالذهاب واشترطا الأمان. وأرسل إليهما الدوق الأمان عن طريق صديقهما (الحاج المخفي) الذي لا يشكان في نيته. وجاء معهما المخفي إلى الجزائر. فتم اعتقالهما بمجرد وصولهما الجزائر، وألقي بهما في السجن. واحتج صديقهما (الحاج المخفي) كما أرسلت عرائض الاحتجاج من القبائل، غير أن الدوق جاء بقضاة حاكموهما ونفذ الإفرنسيون حكم الإعدام فيهما. وكان لاستشهاد (العربي بن موسى ومسعود بن عبد الواد) على هذه الصورة الغادرة دوره في زيادة غضب القبائل العربية. ونفذ حكم الإعدام في شباط (فبراير) عام 1833 م - قبل شهرين من عودة (دوروفيغو) إلى باريس ثم موته في حزيران - يونيو - من السنة ذاتها.

ص: 108