الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
عشية ليل الاستعمار
اجتمع مجلس الوزراء الإفرسي يوم 30 كانون الثاني (يناير) 1830 وقرر بعد دراسة استمرت أربع ساعات القيام بحملة ضد الجزائر، وأقر الملك (شارل العاشر)(1) مشروع الحملة يوم (7) شباط - فبراير - وأصدر مرسوما ملكيا بتعيين (الكونت دي
(1) شارل العاشر: (CHARLES X) ولد في فرساي (1757 - 1836 م) حفيد لويس الخامس عشر وشقيق لويس السادس عشر ولويس الثامن عشر والذي خلفه على العرش سنة (1824 م) وقد اشتهر بخفته (رعونته) وبمزاجه المتقلب وطباعه الخاصه. وما أن أصبح ملكا حتى أصدر قانون العقوبات لحماية المقدسات، والتعويض على النازحين الذين شردتهم الثورة الإفرنسية، والقوانين ضد حرية الصحافة. وقد أثار الجزويت (البروتستانت الإفرنسيين) والمجمعات الرهبانية النقمة ضده مما حرمه من محبة الشعب وتأييده، وبصورة خاصة في عهد وزيره (فيليت: VILETTE) وهي النقمة التي لم ينقص منها انتصار (نافاران) ضد المسلمين، ولا استبدال رئيس الوزراء فيليت برئيس الوزراء (مارتينياك: MARTIGNAC) سنة 1828 وقد رفض مجلس النواب منح الثقة لرئيس الوزراء الجدد (بولينياك: POLIGNAC) فتم حل المجلس النيابي وأجريت انتخابات جديدة جاءت نتائجها لمصلحة المعارضة. وتم حل الحكومة في 15 تموز - يوليو - 1830 م. وإسقاط شارل العاشر حيث حل محله لويس فيليب (في فترة احتلال الجزائر).
بورمون) (1) قائدا عاما للحملة والأميرال (دوبيري) قائدا للأسطول. وفي يوم (12) آذار - مارس - 1830م، أخطرت الحكومة الإفرنسية السفراء الأجانب المعتمدين في باريس - بمذكرة رسمية - عزمها على توجيه حملة عسكرية ضد الجزائر، وذلك لحل الأزمة المتفاقمة والتي وصلت ذروتها بالحصار المفروض على الجزائر منذ يوم 16 حزيران - يونيو - 1827 م. وكان العرش الإفرنسي في حاجة لانتصار عسكري يحمل هدفا كبيرا هو (الانتقام للمسيحية) أما الذريعة فكانت موجودة (بضربة مروحة الداي).
وفي يوم (14) حزيران - يونيو - تمكنت الحملة التي يقودها (دي بورمون) من إنزال قواتها في سيدي فريج. وكانت هذه الحملة مكونة من:
(35)
ألف جندي مشاة.
(24)
ألف بحار.
(4512)
حصان.
(675)
قطعة بحرية منها (103) قطع حربية ضخمة.
وبالمقابل كان جيش الجزائر يضم (50) ألف مقاتل. غير أن هذا الرقم لا يمثل القوة الحقيقية التي حشدت لمجابهة الغزو
(1) الكونت لويس دي بورمون: COMTE LOUIS DE BOURMONT جنرال إفرنسي، برز أيام إمبراطورية نابليون بونابرت، وهو من مواليد (مين ولوار)(1773 - 1846م) تخلى عن نابليون الذي كان يعتمد عليه في معركة ليني (LIGNY) سنة 1815؛ وباع الأسرار التي اطلعه عليها نابليون إلى الإنكليز مما ساعدهم على الانتصار في واترلو، وانضم (دي بورمون) إلى لويس الثامن عشر بعد أن قبض مبلغا كبيرا من المال لقاء خيانته (لنابليون) وأصبح (ماريشال فرنسا) بسبب دعمه للملكية. وتولى قيادة الحملة ضد الجزائر.
الإفرنسي للأسباب التالية: 1 - أن القدرة الحقيقية هي أكبر من هذا الرقم غير أن أخطاء حشد القوات أدت إلى زج قوات أصغر بكثير. 2 - أنه لم تستخدم هذه القوات في معركة واحده فاستطاعت القوات الإفرنسية المجمعة تدمير القوات الجزائرية على التتابع. 3 - أن إدارة الحرب في الطرفين لم تكن متكافئة مما أضعف من القدرة القتالية للقوات الجزائرية. وهو ما تبرزه مسيرة الأحداث على مسرح العمليات (1).
كان حاكم الجزائر (الوالي حسين باشا) يتابع تفاصيل الحملة قبل وقوعها. ولكن يظهر أنه لم يكن على علم بمكان نزولها. فقد كان يعتقد أنها لن تتعدى الضرب من البحر، شأنها شأن الحملات الأوروبية السابقة.
(1) جاء في كتاب: 1920 - 1830 - LA RESISTANCE ARMEE ALGERIENNE) والصادر عن وزارة الدفاع الوطني - الجزائر - 1974 ص 17 - بأن قوة جيش الجزائر هي (50) ألف. في حين جاء في (تاريخ الجزائر - الأستاد مجاهد مسعود - الجزء الأول ص 114) ما يلي: (وأرسل الداي إلى عماله في المدائن والضواحي يدعوهم إلى الجهاد الأكبر، ويستفز حماستهم للدفاع عن بلادهم وأوطانهم
…
فوعدوا بإرسال جميع الرجال القادرين على حمل السلاح، ووضعهم تحت إمرته، حتى فاق عدد الجنود التي وعدوا بها الباشا (200) ألف رجل لم يصل منهم إلا القليل. أما تاريخ الجزائر الحديث - بدايه الاحتلال - الدكتور أبو القاسم سعد - الله - القاهرة 1970 - فيذكر في ص 32 - 35 - تفصيل هذه القوات بالتالي:(لم يكن جند الإنكشارية - في الجيش النظامي يزيد على (6) آلاف، أما ولاة الأقاليم، فقد وعد الحاج أحمد باي قسنطينة بزج (30) ألف محارب، ووعد حسن باي وهران بتقديم (6) آلآف محارب. ووعد مصطفى بومزراق باي التيطري بتقديم (20) ألف محارب. وجمع شيوخ جرجرة بين (16 و18) ألف محارب) وجمع أهالي مزاب (4) آلاف محارب. غير أن معظم هذه القوات لم تصل، وعلى سبيل المثال، فإن باي تيطري حين وصل إلى الميدان لم يأت معه أكثر من ألف رجل. (وكان قد وعد بزج (20) ألف منهم (10) آلاف برماحهم).
وما دام قد حصن الواجهة البحرية، فإنه لا خوف من عواقب الحملة. ومن جهة أخرى، كان لا يزال على الاعتقاد بأن الإفرنسيين لن يتخلوا عن فكرة التفاوض، على الرغم من استعداداتهم للحملة، وكان يساعده على اعتقاده هذا كثرة الرسل والبعثات التي جاءت طالبة التفاوض منذ إعلان الحصار. وكان الباشا يعتمد أيضا على مساعدات بريطانيا، التي كان قنصلها، بالإضافة إلى قنصل نابولي، يقوم بنشاط ملحوظ منذ عام 1827 م وكانت مصالح بريطانيا تقتضي استمرار الإدارة الحالية في الجزائر، على نحو ما كانت تقتفيه مصالحها في المشرق. وحين كتب محمد علي ناصحا الباشا، رد عليه (بأن يبيع الفول للمسيحيين بدل إعطائه النصائح بدون جدوى). وكان حسين باشا قد بعث برسله للتجسس على أخبار الإفرنسيين في إيطاليا وإسبانيا ومرسيليا وطولون وباريس وجبل طارق ومالطا. وحين جاءته هذه الرسل تنذره بأن فرنسا تستعد للقيام بحملة ضده، اعتقد أن ذلك لن يتعدى غارة بحرية ستفشل لا محالة. وعين والي الجزائر (حسين باشا) صهره (الآغا إبراهيم) لقيادة جيش الجزائر، منذ ضرب السفينة الإفرنسية لابروفانس في 3 آب - أغسطس - 1829 م، وسلمت له عندئذ خطة الإفرنسيين للهجوم على الجزائر ومكان إنزال قواتهم وعدد جنودهم ومدافعهم. ومع ذلك لم يستعد لأي شيء وكان يدعي أن قبائل الجزائريين سترغم الإفرنسيين على الفرار منذ نزولهم إلى البر. ولكنه لم يصدر تعليماته أو أوامره لهؤلاء المقاتلين الجزائريين أن يأتوا من بواديهم لمواجهة العدوان. فكان كل جيشه مكونا من أهالي سهل متيجة الذين لا يعرفون سوى بيع الحليب. وكان إبراهيم يدعى أن لديه (5) آلاف لص سيطلقهم ليلا للهجوم على معسكر العدو، وإشاعة
الفوضى والاضطراب حتى يقتل الإفرنسيون بعضهم بعضا. ولم يكتف (الآغا إبراهيم) بعدم القيام بأية استعدادات لمجابهة احتمالات العدوان، وإنما وقف لمعارضة اقتراحات زملائه (أمثال الحاج أحمد باي قسنطينة) والتي تقضي بالاعتماد على (استنزاف قدرات العدو) والاشتباك معه بمعارك صغرى (كمائن وإغارات) وهو النوع الذي يتقن الجزائريون استتخدامه بسبب سرعتهم وخفة
حركتهم ومعرفتهم الجيدة للأرض. وقرر (إبراهيم) في مخطط دفاعه على صدم قوات العدو بمعركة تصادمية في المواجهة، وكان إبراهيم يقول:(أنه الوحيد الذي كان يعرف مناورات العدو الحربية وطرائقه التعبوية - التكتيكية). وفي مرحلة الإعداد للمعركة، أعطى (إبراهيم) كل جندي عشر رصاصات فقط. وكانت هذه الرصاصات في نظره (كافية للإطاحة بنصف الجيش الإفرنسي، وبعد ذلك لن تكون هناك حاجة لتوزيع البارود).
عندما كان (الآغا إبراهيم) يجابه الموقف بمثل هذه الاستعدادات البدائية، وعندما كان الداي (حسين باشا) يعتمد على تقديراته المتفائلة - أكثر من اللازم، كان العالم كله يعرف أن حملة فرنسا قد باتت وشيكة (حتى أن القناصل المعتمدين في الجزائر اتخذوا كل التدابير الضرورية لحماية أنسفهم وممتلكاتهم من أعمال الفوضى والنهب التي قد يقوم بها الإنكشارية وقطاع الطرق من الجزائريين والانتقال إلى مركب القيادة الإفرسية عند بدء العدوان (1). غير أن أعمال النهب والفوضى جاءت من قبل جنود
(1) تضمن تقرير لأحد القناصل نشر في: REVUE D'HISTOIRE ET DE CIVILISATION DU MAGHREB. FACLTE DES LETTRES D'ALGER. JANVIER 1968 NO 4 P.P. 35 - 49) بأن قيادة الحملة قد سمحت لعدد من =
جيش الغزو، كما أن القيادة الإفرنسية لم تسمح للقناصل بمرافقة الحملة بسبب صعوبات كثيرة على ما زعمته قيادة الحملة. المهم في الأمر هو أن هذه الحملة وصلت إلى الجزائر على موجات متتالية، تكونت الموجة الأولى من مائتي قطعة بحرية وصلت إلى مياه الجزائر منذ 13 حزيران - يونيو - 1830 وألقت مراسيها في ميناء (سيدي فرج). وقامت السفن بإنزال القوات فورا واستولت على رأس (سيدي فرج) وعلى قلعة صغيرة غير بعيده عن الرأس المذكور، واستمر الإنزال بعد ذلك دونما توقف وبدون مقاومة تقريبا. وجاءت بعد ذلك الموجة الثانية وهي مكونة من (110) قطع بحرية من أنواع مختلفة وأحجام متباينة، ألقت مراسيها يوم 16 حزيران - يونيو، وقامت بإنزال كل ما تحمله من الجنود والمواد التموينية والذخائر الحربية، وعادت بعد ذلك إلى فرنسا حتى تنقل حمولات جديدة.
وصلت بعد ذلك قطع حربية بحرية من كل الأنواع، وهي تغدو جيئة وذهابا بين طولون والجزائر لتنقل كل يوم المزيد من القوات مع تأمين متطلبات القوات التي بلغ عدد أفرادها (30 ألف مقاتل) منهم (25) ألفا من المشاة و (5) آلاف من رجال المدفعية والمهندسين و (1500) فارس مع خيولهم و (3500) من القناصة
= الضباط الأجانب المعتمدين بمرافقة الحملة، وذلك بصفة مراقبين فقط. وهم: 1 - عن إنكلترا: العقيد مونتي (MONTHE) قائد سفينة مانسل. 2 - عن النمسا: الأمير فريدريك شوارتز نبرغ. 3 - عن إسبانيا: قائد الكتيبة جوكين فيللا لونغا، والرائد مانويل سوريا، والعقيد جوزيه غيرورو دو تور، وانتوان لازانكا، والنقيب كونت ميرازول (الذي وصل بعد الاستيلاء على الجزائر).4 - عن بروسيا: النقيب كلارك. 5 - عن روسيا: العقيد فيليزولف والملازم دوبينسكي (عن تقارير سويدية وثائقية في موضوع الاستيلاء على الجزائر سنة 1830 م).
والجوالة - عناصر الاستطلاع - وقوات الدرك ووحدات أخرى خقيفة.
وأقام القائد الإفرنسي (بورمون) مقر قيادته في زاوية المرابط (سيدي فرج) حيث كانت الزاوية تشرف على الخليج بكامله. وكانت تضم مسجدا صغيرا يحيط به جدار، وبه بعض الغرف. وحول الزاوية كانت مزارع الشعير والحنطة وأشجار التين والبرتقال والزيتون. وبداخل المسجد كان هناك صندوق ذخائر سيدي فرج الذي كان مرصعا بالفضة والمرجان. فاختار (بورمون) المسجد لإقامته ونومه، وانتشر القادة في الأنحاء الأخرى وقد اختار كل واحد المكان المناسب لإقامته.
بقيت القوات الإفرنسية في مراكزها حتى يوم 19 حزيران - يونيو - دونما أي محاولة للتحرك، حتى تقنع الجزائريين بضعف القوة الإفرنسية وتغريهم بمهاجمتها جبهيا. وفي الوقت ذاته للإفادة من هذا الوقت من أجل ضم القوات الجديدة التي تصلهم من فرنسا، وأثناء ذلك قام الجنود الإفرنسيون بحفر الخنادق المتتالية لحماية معسكرهم، واختاروا لمدفعيتهم المرابض المناسبة.
عرف (حسين باشا) بخطورة الموقف عندما نزل الجيش الإفرنسي فعلا في سيدي فرج، فتحرك بسرعة، وطلب إلى ولاة الأقاليم الثلاثة (قسطينة ووهران وتيطري) إرسال الدعم، كما أرسل إلى داخل البلاد المراسيل يدعون الناس للجهاد، فاستجاب لندائه الرسميون والأهالي على السواء.
وأرسل أيضا إلى باي وهران يأمره بتحصين الميناء، كما أرسل إلى باي قسنطينة يأمره بتحصين ميناء عنابة، وأمر الباشا بإجراء إحصاء لعمال مدينة الجزائر وإرسالهم إلى القلاع للدفاع عنها.
ورغم هذه الاستعدادات الظاهرية، والتي لم تكن كافية بقدر ما كانت متأخرة، فقد كشف الواقع عن بعض الأخطاء. فبدلا من أن يستعمل (الداي حسين باشا) هذه القوات لصد الهجوم الإفرنسي من سيدي فرج، فإنه احتفظ بها على مسافة عدة كيلومترات بعيدا عن العاصمة. وحين عبر له بعض الأجانب عن استغرابه لهذا الإجراء، أجابه حسين:(بأنه فعل ذلك ليسهل تحطيم العدو). وكان حسين ينظر بثقة إلى جنوده وتحصيناته، وكان يعتقد بأن القصبة لا تهزم وأنها تستطيع أن تقاوم عدة سنوات. ولم يدعم معسكراته سوى ببعض مئات من الجنود. ثم جمع (الداي حسين باشا) ديوانه العسكري. واستشار رجاله في الأمر، فقر رأيهم على أن يتركوا الإفرنسيين وشأنهم في سيدي فرج حتى يكملوا إنزال قواتهم واعتدتهم ووسائطهم القتالية، ثم ينقضوا عليهم بجموعهم - ما هو موجود الآن وما هو قادم من الداخل، فيقذفون بالإفرنسيين في البحر، فيتخلصوا بذلك منهم، ويغنموا أموالهم وذخائرهم، كما وقع مثل ذلك من قبل مع الإسبانيين (حملة شارلكان). وعندئذ تقرر إقامة معسكرين لحشد القوات في (مصطفى والي) و (اسطاوالي) وهما يبعدان (5) كيلومترات عن جنوبي شبه جزيرة (سيدي فرج). وأقام قائد الجيش (إبراهيم آغا) في (اسطاوالي) ولكنه لم يحاول تنظيم القوات التي وردت إليه من سكان سهل متيجة وأهالي جرجرة. وكانت القوات تذهب كل يوم إلى معسكر الحراش الذي يبعد مسافة أربع ساعات من (اسطاوالي) وتعود كل صباح. وقد رفض (إبراهيم) مقترحات باي (قسنطينة) التي تقضي بتوزيع القوات الجزائرية - العثمانية، وجعل جزء منها غرب (سيدي فرج) لحماية العاصمة ومنع العدو من الوصول إليها. وانتقد (الباي أحمد)
خطة إبراهيم) وقال: (بأن وضع القوات على ما هي عليه سيكون - مرشدا للقوات الإفرنسية فى زحفها نحو العاصمة. وطالب بالعناية بالجيش، وأن يأخذ كل قائد مجموعة منه ويعدها إعدادا كافيا). كما طالب (الباي أحمد) بحفر الخنادق حول المعسكر. ولكن رد (الآغا إبراهيم) كان سلبيا ومثبطا. فقد أجاب الباي بأنه: (يجهل التكتيك الحربي الأوروبي الذي يخالف التكتيك الحربي العربي). فلم يبق أمام (الباي أحمد) سوى الصمت. وفي آخر لحظة، اقتنع (الآغا إبراهيم) بضرورة حفر الخندق الذي كان يرى (أنه سيكون معطلا لجيشه لا لجيش العدو) وقد أذاع الجيش:(بأن كل عربي بدون سلاح يستطيع الحضور إلى المعسكر لأخذه) وعندما حضروا للمعسكر ليلا أعطاهم الفؤوس بدلا من الأسلحة وأمرهم بحفر الخندق، فتم تنفيذ ذلك في ليلة واحدة. ولكن الخندق لم يكن مفيدا، إذ أنه لم يؤمن حماية المقاتلين الجزائريين ولم يؤخر تقدم العدو.
حدثت خلال هذه الفترة بعض الأحداث الصغرى التي تجدر الإشارة إليها، نظرا لأنها تعتبر بمثابة المؤشرات للحالة الخاصة والعامة أثناء عملية الغزو. ومن ذلك إقدام بعض الجزائريين على مهاجمة الجنود الأتراك في الليل ثم الهرب. وعندما اشتكى الجنود إلى الباشا، نصحهم (بغض النظر) وعدم تضخيم الأمر. وحاول (حسين باشا) على إثر ذلك التقرب من الأهالي، فأمر بإعدام سبعة من جند الإنكشارية بسبب اعتداءاتهم على الجزائريين، وأخذ يحقد على جنوده الأتراك، وازداد اعتماده على الجزائريين. ومن ذلك أيضا، رفض (الآغا إبراهيم) معاقبة جندي إنكشاري لأنه قتل جزائريا لكي يبيع رأسه في المدينة على أنه رأس جندي إفرنسي. وقد
أثار هذا الحادث حفيظة الجنود الجزائريين الذين كانوا في جيشه. ومن ذلك أيضا ما حدث أثناء هذه الساعات الحرجة، عندما ذهب جزائري (يدعى أحمد بن شنعان) إلى المعسكر الإفرنسي للتعرف على ما إذا كان الفرنسيون قد جاءووا مستعمرين أو محررين. وبعد قضاء ليلة واحدة، تركوه يعود من حيث أتى بعد أن زودوه بنسخ كثيرة من البيان الذي أعدوه ووجهوه إلى الجزائريين وأهالي المغرب العربي عامة. (انظر نص هذا البيان في قراءات - 2 - آخر الكتاب).
وفي هذا الوقت ذاته توجه مترجم سوري كان في الجيش الإفرنسي، إلى المعسكر الجزائري محاولا إقناع القيادة بالتفاوض مع الإفرنسيين، ولكنه حمل من هناك إلى (حسين باشا) الذي أمر بقتله بعد أن ظن أنه يحاول التأثير عليه بوصفه للقوات الإفرنسية بالكثرة والضخامة. ومن ذلك، قيام بعض الجزائريين بإجراء اتصالات مع الإفرنسيين، والتظاهر بصداقة فرنسا، وإعطاء تقارير خاطئة عن حالة البلاد وحالة الجيش. ومن ذلك أيضا ما ذكر من أن (إبراهيم باشا) قد تسلم من الباشا حسين صالح) من المال لتوزيعها على المجاهدين لتشجيعهم، ولكنه لم يعط أحدا منهم شيئا. وكان (الباشا حسين) قد وعد الجزائريين بدفع مبلغ (500) فرنك لكل من يحمل له رأسا للعدو. وكلف (الآغا إبراهيم) بدفع المبلغ في مكانه مقابل وصل استلام. غير أن (الآغا) لم يدفع شيئا. وكان يقول لمن يأتيه برأس العدو:(تعال خذ المبلغ بعد المعركة). وذكر كذلك: (أن الآغا إبراهيم) ترك معسكره دون حراسة قوية (بحيث كان يستطيع كل إنسان دخوله والخروج منه بدون أن يعترضه معترض). وعندما تقرر مهاجمة المعسكر الإفرنسي: (خرج إبراهيم وحاشيته من المعسكر إلى سيدي فرج تاركا المعسكر خاليا إلا من حوالي (40) شخصا
لحراسة الأثاث، ولكنهم كانوا بدون سلاح). وهكذا - وكما وصف أحد مسؤولي الجزائر - الحاج حمدان خوجة - الموقف بقوله:(لقد ذهب الآغا إبراهيم لمحاربة الإفرنسيين، بدون جيش منظم، وبدون ذخيرة، وبدون مؤونة، وبدون شعير للخيل، وبدون المقدرة الضرورية على مواجهة الحرب)(1). فكانت (غلطة، من الوالي حسين باشا، لا تغتفر. لأنه عين الآغا إبراهيم لممارسة قيادة هو غير كفء لها في وقت هو من أخطر ما جابهته الجزائر).
مضى أسبوع تقريبا على إنزال القوات الإفرنسية في المنطقة المحصنة طبيعيا حيث كانت المرتفعات الأرضية تحمي ميمنتهم وقلبهم. وفي مساء 18 حزيران - يونيو - أقام والي الجزائر (حسين باشا) مأدبة عشاء أشبه ما تكون (بمؤتمر حرب) حضرها: (باي قسنطينة وخليفة باي وهران، وباي تيطري، وخوجة الخيل وقائد الجيش الآغا إبراهيم) وتقرر مهاجمة المعسكر في صبيحة اليوم التالي.
بدأت المعركة الحاسمة مع بزوغ الشمس ليوم 19 حزيران - يونيو - والتقف القوتان في معركة جبهية أظهر فيها العرب والترك شجاعة نادرة وكفاءة عالية مما أوقع القوات الإفرنسية في مأزق حقيقي ووصل المجاهدون إلى تحصينات الإفرنسيين، ورفعوا علم الجزائر فوقها. ولاحت بواكير النصر لمصلحة المسلمين غير أن القوات الإفرنسية تلقت دعما قويا تعززه المدفعية في اللحظة الحرجة وتحول الموقف بسرعة. فأخذت (جيوش الباشا) بالتراجع والانسحاب، وهو التراجع الذي لم يلبث أن تحول إلى (هزيمة)
(1) المرجع: تاريخ الجزائر الحديث - الدكتور أبو القاسم سعد بالله - ص 32 - 37.
بسبب الضغط المتعاظم للقوات الإفرنسية التي أفادت من تفوقها فانطلقت كالسيل مجتاحة في طريقها معسكر (مصطفى والي) الذي تركه المقاتلون وهم يفرون في كل اتجاه ليقع جميعه غنيمة باردة في قبضة الإفرنسيين. وهرب (الآغا إبراهيم) من الميدان مخلفا وراءه جيشه وخيامه وأعلامه والفرقة الموسيقية. واختفى في دار ريفية مع بعض خدمه. وبدل أن يعزله (حسين باشا) فورا ويعين قائدا تتوافر له الكفاءة والقدرة لإعادة الروح المعنوية المنهارة، ومواجهة قوات العدو، أرسل إلى صهره (حمدان خوجة) الذي كان موضع ثقته ليحاول إقناعه بضرورة استلام القيادة من جديد، وقد وجده (خوجة) في حالة انهيار تام، فلم يتمكن من إقناعه لمتابعة تنفيذ مهمته إلا بعد جهد كبير. غير أن (الآغا إبراهيم) لم يتمكن من تنفيذ واجباته، فعندما تقدم الجيش الإفرنسي من (اسطاوالي) مارا (بسيدي خلف) اختفى إبراهيم من جديد.
وأمام ذلك، عزله (حسين باشا) ودعا المفتي (محمد العنابي) وأعطاه سيفا وأمره بجمع الشعب وإقناع الناس بالجهاد دفاعا عن البلاد. وكان المفتي رجلا فاضلا ولكنه كان صالحا للافتاء لا للقيادة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقط أحاط الناس - رجال الحضر - بالمفتي، وحاولوا إقناعه بعقم محاولات الدفاع عن موقف بات الأمل ضعيفا في إنقاذه. لا سيما وأن قوات الإفرنسيين قد أخدت في الاقتراب من (قلعة مولاي حسن - المعروفة باسم قلعة الإمبراطور) مما زاد الموقف اضطرابا وجعل الأمل بنجاح المقاومة أكثر بعدا. أما قيادة الجيش فقد تولاها (الباي مصطفى بومزراق). ولكن تغيير القيادة لم يعد مجديا أو مثمرا، هذا على الرغم مما تميز
به القائد الجديد من الخبرة القتالية والشجاعة. فكان كل ما عمله هو جمع الغنائم واختيار البنادق الطويلة لإطلاق الرصاص بنفسه على الإفرنسيين. وتحصين البساتين حول مدينة الجزائر. وفي هذا الوقت كانت القوات الإفرنسية قد توقفت لإعادة تنظيم قواتها وتحصين مواقعها التي وصلت إليها. وبعد مناوشات بسيطة خلال هذه الفترة تمكن الإفرنسيون من إفراغ بقية السفن، وأصبحوا على استعداد لمتابعة التقدم نحو الجزائر التي لم يبق بينهم وبينها أكثر من ستة كيلومترات. فهيؤوا هجوما منظما، وانقضوا على جنود الداي الذين خاضوا المعركة بشجاعة عالية، وأظهر الأتراك والعرب والبربر من العناد قدرا كبيرا حتى أن معظمهم لم يغادر مواقعه واستمر في المقاومة حتى أبادت نيران العدو القوات المدافعة عن مواقعها. واستطاع الإفرنسيون التقدم حتى أشرفوا على المدينة، واقتربوا من (برج مولاي الحسن) وهو مركز الدفاع الأكبر لإطلاق نيران مدافعهم عن القلعة.
أثناء ذلك كان وزير المالية (الخزنجي) المكلف بقيادة الحامية المدافعة عن (برج مولاي الحسن) والذي كان موضع ثقة الداي (حسين باشا) قد أخذ في التآمر مع الإفرنسيين على سيده الداي، مدفوعا إلى ذلك بما عرف عنه من الطموح - أو الطمع - الذي وصل به إلى درجة الحقد. والذي كان له دوره في القضاء على حياة قائد الجيش السابق (يحيى آغا) ثم أخذ في التقرب من الإنكشارية في محاولة لكسب تأييدهم له للاستيلاء على السلطة. وها هو الآن يحاول التفاوض مع الإفرنسيين ويعد مشروعا للتفاوض على شروط الصلح، في حين كانت الحامية تدافع ببطولة عن القلعة من يوم 1 تموز - يوليو - حتى يوم 4 منه، وأثناء ذلك كانت المدفعية الإفرنسية قد
أحدثت ثغرات في الجدران ودمرت قواعد القلعة، وقتل القسم الأكبر من أفراد الحامية، ونفدت جميع المؤن والأسلحة، ولم يبق إلا ثلاثة مقاتلين خافوا أن تحتل القوات الإفرنسية قلعتهم وتستخدمها ضد المواطنين الجزائريين في المدينة والقصبة، فأوقدوا النار في مستودعات البارود، فدك البرج وتهادى على الأرض، وهلك خلق كثير. وأدى ذلك إلى مزيد من الهياج والاضطراب، إذ عرف الناس أنه لم يعد هناك ما يحميهم من اجتياح الإفرنسيين.
أخذت روح الهزيمة في الهيمنة بسرعة على الأاجهزة الإدارية والاجتماعية، وكان للبيان الذي وزعه الإفرنسيون دوره في الترويج للهزيمة بين أوساط من يطلقون على أنفسهم عادة اسم (المعتدلين) والذين اقتنعوا بأن الإفرنسيين قد جاؤوا حقا كمحررين للجزائريين من سيطرة الأتراك العثمانيين. وكانوا يعتقدون أن (فرنسا المتحضرة) لا يمكن أن تعد بشيء إلا إذا كانت مستعدة لتنفيذه. فأصبح هؤلاء من أنصار (الحل السلمي). ونجح البيان الإفرنسي بذلك من (شل القدرة القتالية) لدى بعض الجزائريين، على الرغم من أن هذا البيان قد صيغ بأسلوب غامض، وبطريقة دعائية (إعلامية). المهم في الأمر، هو أن هذه الروح الانهزامية دفعت مجموعة من ممثلي التجار وأصحاب الأموال للاجتماع في قلعة (باب البحرية) يوم 2 تموز (يوليو). وقرروا أن ضياع المدينة أصبح أمرا محتما. وأنه إذا ما دخلها الإفرنسيون عنوة فإنهم سيستبيحونها، وسينهبون ثرواتها ويعتدون على النساء ويقتلون الأطفال، ورأوا تفاديا لذلك، عدم مقاومة الجيش الإفرنسي عند دخول المدينة، وأرسلوا وفدا عنهم إلى القصبة لمقابلة الباشا، واطلاعه على ما اتفقوا عليه. وأجابهم الباشا عند مقابلته لهم: (بأنني سأقاوم ما دمت
حيا، وإن أردتم التسليم فسأتلف القصبة وأموت فيها) ثم نهض ليوقد النار في خزينة البارود، وما استطاعوا صده عن ذلك إلا بجهد جهيد. غير أن هذا الحادث أضعف من إرادة (الباشا حسين). فأرسل (بومرزاق مصطفى) إلى القائد العام الإفرنسي بعد ظهر يوم 4 تموز - يوليو - ليعرض عليه أمر الصلح، ويعد بإعطائه نفقات الحملة الحربية، ويؤكد له صداقة الباشا، وحرية التجارة الإفرنسية في البر والبحر. ولكن الجنرال (دوبرمون) القائد العام رفض هذه المقترحات، مدعيا أنها لا تساوي ثلم شرف فرنسا، ولا تعادل ثمن دماء الإفرنسيين وخسائرهم، فقد قتل منهم (400) رجل، وجرح أكثر من ألفي شخص. وبعد ساعتين تقدم إلى القائد العام تاجران من أغنياء الجزائر، وقالا له: أنهما مندوبان عن أشراف المدينة ويطلبان الهدنة والصلح. ولما أقبل المساء ذهب (بومزراق) مع قنصل إنكلترا إلى المعسكر الإفرنسي. وأظهر مصطفى استعداده لخيانة سيده، وحمل رأسه إليه، وتنصيب (الخزنجي) مكانه، غير أن (بورمون) أجابه:(بأنه لم يأت لمساعدة المتآمرين ولكنه جاء حتى يحارب، وأنه يقبل اقتراح حسين باشا الذي ينص على الاستسلام). وعندها سأل (بومزراق) و (القنصل الإنكليزي) عن الشروط التي يريدها، فدخل (بورمون) وحررها وسلمها إلى (بومرزاق) الذي عاد بها إلى (حسين باشا) فوقعها هذا بعد أن قرأها على رجاله وحاشيته (1).
كان أول ما فعله الكونت (دوبورمون) هو حل منظمة الإنكشارية التي كان عدد أفرادها العزاب (3500) والمتزوجين
(1) أنظر - قراءات 3 - نص (وثيقة الاستلام).
حوالي (الألف). وأفاد (اليهود) من هذا الموقف فانطلقوا في حملة انتقامية من أسيادهم وحماتهم سابقا، فنهبوا أموالهم ومنازلهم، واعتقلوا عددا من العثمانيين عندما تأكدوا من اقتراب الجيش الإفرنسي، وأخذوا يرقصون في الشوارع معلنين ولاءهم للسيد الإفرنسي الجديد. أما (دوبورمون) فاكتفى بترحيل الإنكشارية غير المتزوجين إلى آسيا الصغرى بعد تجريدهم من أسلحتهم. وبعد ذلك، تبادل حسين باشا - الذي كان قد بلغ الخامسة والستين من عمره - وبورمون - الزيارات، فزار الباشا أولا بورمون مصحوبا بحوالي خمسين شخصا من العرب والأتراك، وطالب باسترداد أثاثه وحاجاته التي منها كيس يحتوي على (30) ألف قطعة ذهبية.
وكانت زيارة الباشا يوم 7 تموز - يوليو - وفي اليوم التالي زاره بورمون وخيره في المكان الذي يريد الذهاب إليه، فاختار أولا مالطا، ولكن خوفا من بريطانيا خيره (بورمون) في مكان آخر، فاختار (نابولي) التي كان ملكها صديقا للباشا، فقبلت رغبته، وفي 31 من الشهر ذاته، وصل حسين باشا باي الجزائر السابق إلى (نابولي) على متن السفينة الإفرنسية (جان دارك) وكان برفقته (110) أشخاص من بينهم (الآغا إبراهيم - صهر الباشا) ووزير المالية (الخزنجي) ومن بينهم أيضا (57) امرأة من الحرائر والوصيفات.
لقد كانت الاتفاقية الموقعة بين الداي حسين باشا وقائد الحمله (دوبورمون) خاصة بمدينة الجزائر، في حين كان الداي (حسين) حاكما لكل الجزائر، وكان من المفروض أن ينتقل من ولاية إلى ولاية (من بايليك إلى بايليك) ومن مدينة إلى مدينة، وألا يستسلم بمجرد خسارته لأول معركة لم يتم الإعداد لها بصورة
مناسبة. فخان بذلك قضية الجزائر، وفرط بالأمانة وترك لشعب الجزائر مسؤولية تصحيح (الخطأ التاريخي) أو (الجريمة التاريحية).
دخلت القوات الإفرنسية إلى مدينة الجزائر مع شروق شمس (الخامس من تموز - يوليو - 1830) وأصبح هذا اليوم نقطة تحول حاسمة في تاريخ الجزائر. إذ يعتبر الحد الفاصل بين نهاية الإسلام وبداية المقاومة المتصاعدة، وأخذت الأجيال تتناقل مع كل تطور ذكريات (عشية ليل الاستعمار) الذي بدأ في صباح ذلك اليوم.
وطئت أقدام الغزاة البرابرة أرض الجزائر الطاهرة. واقتحموا أسوار (المحروسة) فنزعوا الأعلام الجزائرية عن الحصون والأبراج ودور الحكومة، ورفعوا مكانها الأعلام الاستعمارية، واستولت القوات الإفرنسية على خزينة الدولة الجزائرية وأملاكها بعد احتلالها العاصمة. وانطلقت لنهب (الأملاك الأميرية) أو المؤسسات العامة، وأموال الحكومة وكنوزها وثرواتها وما تضمه مستودعاتها من المواد الغذائية والأعتدة الحربية، وتم تقويم هذه المسروقات بمبلغ (150) مليونا من الفرنكات الذهبية. (وقد سجل المؤرخون بأن ضباط الحملة الاستعمارية اختلسوا (100) مليون فرنك لأنفسهم، ولم يطلعوا الحكومة على أكثر من (50) مليون فرنك ذهبي. مدعين أن هذا هو المبلغ الذي وجدوه في الخزانة الجزائرية.
كانت الغنائم التي حصل عليها الإفرنسيون - بالإضافة إلى محتويات الخزانة الجزائرية - تشمل ألفي مدفع، منها ثمانمائة مدفع
من البرونز الخالص، قيمتها على مقتضى ثمن وزن البرونز، (4) ملايين فرنك ذهبي. وكان في مخازن الحكومة من الصرف والبضائع المختلفة ما قدر الفاتحون ثمنه بثلاثة ملايين فتكون جملة
الغنائم - بحسب تقويم الاستعماريين ذاتهم -:
نقدا: 48،864،527 فرنكا.
مدافع برونز النحاس: 4،000،000 فرنكا.
صوف وبضائع مختلفة: 2،000،000 فرنكا.
المجموع: 55،864،527 فرنكا.
حصلت فرنسا بذلك على أكثر من ضعف نفقات حملتها على الجزائر:
وحصلت فرنسا على ما تحتاجه من المواد الأولية المخزونة في الجزائر.
وابتلعت فرنسا ما كان للجزائر عليها من الديون المتراكمه. وكانت هذه هي الدفعة الأولى من عملية النهب الاستعماري، التي رافقت (ليل الاستعمار الإفرنسي في الجزائر) وانطلق جند الغزاة البرابرة، في ذروة نشوة النصر، لتطوير عملية النهب العامة بعمليات نهب خاصة لم تعرف لها شبيها إلا في غزوات التتار البرابرة. ولم يسلم منها حتى دور القناصل والتجار الغربيين الذين كانوا يقيمون في الجزائر.
وحملت الغنائم (والمدافع البرونزية) والكنوز والثروات إلى فرنسا لتزيين تاج (الحرية والإخاء والمساواة) بأول ثمرة من ثمار الثورة التي كانت تعيش حياة الملكية، والملكية التي كانت ترتدي ثياب الثورة.