الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
الإدارة الإفرنسية
(من التردد إلى التصميم)
اجتاحت القوات الإفرنسية الجزائر، وظهرت نوايا الإفرنسيين منذ البداية، فقد أخذت الأعمال العدوانية تمتد من المدن إلى القرى، ومن الساحل إلى الداخل، ورافق ذلك جهد لإبادة الشعب الجزائري بالجملة، ولم تقتصر عمليات الإبادة على إقليم معين، أو فئة من المواطنين، وكانت هناك خطة عسكرية واضحة ينفذها جيش الغزو بشن حرب متطرفة ذات طابع وحشي شاذ. ولم يعد الأمر مقتصرا على أعمال عسكرية في أيام محدودة، وإنما أصبحت الجزائر كلها مسرحا غارقا بالدماء تشتعل فيه النيران باستمرار. ولم تميز قوات الغزو بين الأشخاص والممتلكات، فالحرائق والسرقات والتخريب تختلط بالقتل والتعذيب. وليس ثمة تمييز بين الرجال والنساء والأطفال والشيوخ. وأدى ذلك إلى بروز الهوة السحيقة التي فصلت منذ البداية بين المواطنين والمستعمرين. ولم يعد باستطاعة الإفرنسيين معرفة المرتكز الذي يستطيعون الاعتماد عليه في إدارتهم للبلاد. فقد غادر معظم الأتراك البلاد، ولم يكن باستطاعتهم الاعتماد على العرب (المقيمين منهم أو الرحل). كما لم يكن باستطاعتهم الاعتماد على القبائل الجبلية الطموحة لحريتها، والتي
لا يمكن لها الخضوع للأجنبي. فكانت تلك أول عقبة جابهت الاسعمار.
خلال تلك الفترة الحرجة، اندلعت نيران ثورة تموز - يوليو 1830، فأطاحت بحكم ملك فرنسا (شارل العاشر) وحملت إلى الحكم (لويس فيليب). وظهر خلال ذلك احتمال استدعاء جيش الغزو إلى فرنسا، وترك البلاد التي فتحوها إلى أهلها وساكنيها. وتم بالفعل إرجاع (الكونت دوبورمون) وبعض الضباط القادة من هيئة أركانه، بالإضافة إلى إعادة بعض القوات. ولم يبق في الجزائر إلا قوات قليلة في عددها وعدتها، ضعيفة في قيادتها.
وفي الوقت ذاته، أخذت أوروبا في متابعة أحداث فرنسا بقلق، خوفا من عودة أيام الثورة الكبرى إلى فرنسا، وندمت على أنها لم تتدخل ضد فرنسا عندما قامت بغزو الجزائر، حتى لا تمتلك المقدرة والموارد المالية والمواد الأولية التي تضمن لها المزيد من القدرة القتالية إذا ما تجددت حروب على نمط (الحروب النابوليونية).وشعر سفير فرنسا في لندن (تاليران)(1) بمخاوف رجال السياسة الأوروبيين، فحاول طمأنتهم، ونصح حكومته بأن تقوم بأعمالها في الجزائر بمنتهى الحذر والحرص والكتمان، وأن
(1) تاليران: (CHARLES MOURICES DE TALLEYRAND - PERI - GORD)
ابر بخفاف: (PRINCE DE BENEVENT) ديبلوماسي إفرنسي من مواليد باريس (1754 - 1838 م) عمدة أوتون خلال أيام النظام الملكي، وأصبح رئيسا للمجلس الوطني سنة 1790، ثم وزيرا للخارجية أثناء حكومة المديرين (ديريكتوار) ثم عضوا قنصليا في آخر أيام نابليون. كان له دور كبير في إعادة الملكية الإفرنسية، ومارس نشاطا بارزا في مؤتمر فيينا سنة 1815. ثم عين سفيرا في لندن من قبل لويس فيليب واشتهر بخياله الخصب وإمكاناته الكبيرة.
تتجنب آثارة الرأي العام الأوروبي ضدها. ومن أشهر برقياته في هذا الصدد: (يجب أن لا تتكلموا أبدا عن الجزائر).
حاول القادة الإفرنسيون أثناء ذلك القضاء على المقاومة الجزائرية بالقوة، على نحو ما سبق ذكره في حملات الإفرنسيين على (المدية) غير أنهم فشلوا في ذلك وقادهم هذا الفشل إلى استخلاص نتيجتين:
الأولى: تجنب الإقدام على مغامرات غير محسوبة بدقة خشية تكرر الفشل.
والثانية: أن المقاومة في الجزائر لم تضعف بالقضاء على حكم الداي العثماني. وأن السكان مصممون على الاستمرار في المقاومة (وهم أقوياء وشجعان ولديهم خبرات قتالية عالية).
ونتيجة لذلك، وأمام الظروف الدولية، تقرر اللجوء إلى اتباع أساليب تبادلية تعتمد على المراوغة وكسب الوقت إلى أن تتوافر ظروف أفضل. مع القيام بإصلاحات إدارية تساعد على تحسين موقف الإفرنسيين. غير أنه كان من المحال تحقيق النجاح في هذه الإصلاحات، ذلك لأن فرنسا كانت ترسل إلى مستعمرتها فيما وراء البحار المغامرين من ضباطها وجنودها، وكانت تنظر إلى هذه الممتلكات الجديدة نظرة الجشع، فكانت تريد استثمار الجزائر بأعنف الطرف وأقل المصاريف، ومعاملة الجزائريين بالعنف والقسوة. وأدى ذلك إلى زيادة المقاومة، مما حمل الساسة الإفرنسيين على التردد، وطرح التساؤلات التي كان من أبرزها: هل يجب البقاء في الجزائر أم لا؟ وإذا كان لا بد من الاحتفاظ بها فما هي أفضل طريقة لإدارتها؟ وقد أجاب البارون. - منتلبير - على هذين
السؤالين في قصر اللوكسمبورغ - في آذار - مارس - سنة 1831 بقوله: (أن احتلال الجزائر هام جدا إلى درجة ان الوزير الذي يجرؤ على توقيع صك الجلاء يستحق أن يحاكم بتهمة الخيانة العظمى) وفي اليوم التالي أعلن مارشال فرنسا (في 10 آذار - مارس) أثناء مناقشة الميزانية الحربية: (أن الأمر الحقيقي هو أن نحتل الجزائر، ولا يوجد أي مجال لأي اعتراض بأن الحكومة تفكر في الجلاء عنها). وفي 19 شباط (فبراير) 1932 - أعلن وزير الخارجيه الإفرنسية - الدوق دو بروغلي - (1)(لقد ظهر بعض القلق والحذر عما يشاع من وجود اتفاقات سياسية تمنع الحكومة من ممارسة ما تريده في الجزائر، وأنا أوكد لأعضاء مجلس النواب، بأنه لا يوجد أي تعهد مع أية دولة أخرى تجاه هذا الموضوع. وأن فرنسا هي مطلقة الحرية بالتصرف في الجزائر بما يتناسب مع شرفها (؟) ومصالحها).
غير أنه كان من الصعب على الحكومة الإفرنسية تجاهل مجموعة العوامل التي باتت تجابه الموقف. وظهرت فكرة إرسال لجنة تحقيق واجبها دراسة الموقف على الطبيعة، وإعداد تقرير يتضمن اقتراحات واضحة حول مستقبل البلاد. وكانت العوامل التي أدت إلى تشكيل هذه اللجنة التي حملت اسم (اللجنة الإفريقية) هي:
1 -
المناقشة الحادة التي جرت في البرلمان حول تخصيص ميزانية لمواصلة الحرب في الجزائر.
2 -
الحملة التي قام بها بعض
(1) دوبروغلي: LEONCE VICTOR DUC DE BROGLIE وزير خارحة أيام الملك لويس فيليب (1785 - 1870). وهو من عائلة مارست دورا كبيرا في حياة فرنسا بسبب ما قدمته من القادة العسكريين ورجال السياسة والمال والعلماء - ويعود أصل العائلة إلى (بييمونت).
الجزائريين المنفيين - وبصورة خاصه حمدان خوجة - ضد تصرفات الإدارة الإفرنسية في الجزائر.
3 -
تهدئة ثورة الرأي العام الأوروبي المضاد لفرنسا وكسب الوقت.
4 -
تحديد موقف رسمي من قضية الاحتفاظ بالجزائر أو التخلي عنها.
5 -
دراسة الأساليب الممكنة والطرائق الناجعة لإدارة الجزائر. وقد أصدر المارشال (سولت) تصريحا أعلن فيه رسميا: (أن الهدف من تشكيل اللجنة هو جمع المعلومات التي تساعد الحكومة على معرفة الموقف العام للجزائر في حاضرها ومستقبلها).
وافق ملك فرنسا (لويس فيليب)(1) على تشكيل هذه اللجنة في 7 تموز - يوليو - 1833 كما قرر الملك في الوقت ذاته أن تنضم هذه اللجنة بعد عودتها من الجزائر، إلى لجنة أخرى (أكثر اتساعا)
(1) لويس فيليب: (LOUIS - PHILIPPE I.ER) ابن فيليب - المساواة (PHILIPPE - EGALITE) ولويس دوبوربون - بانتيير؛ ولد في باريس سنة 1773، وأصبح ملكا لفرسا سنة 1830 حتى سنة 1848 ومات فى كلير مونت (CLAIRE) في إنكلترا سنة 1850 م. وكان قد أسهم بدور كبير وحاسم في معركة فالمي (VALMY) على المارن والتي انتصر فيها الإفرنسيون على البروسيين سنة 1792 م. وكذلك في معركة جيماب (JEMMAPES) وهي القرية البلجيكية القريبة من لييج والتي انتصر فيها ديمورييه أيضا (DUMOURIEZ) على النمساويين سنة 1792، وعاش بعد ذلك في المنفى حياة غامضة، ثم تزوج من ماري إميلى دوبوربون، وعاد إلى فرنسا في عهد الملك لويس الثامن عشر، حيث نودي به قائدا عاما للملكة، ثم ملكا في 7 آب - اغسطس - وساعده في البداية بعض الوزراء. الليبيراليين، غير أنه لم يلبث أن زاد في اعتماده تدريجيا على المحافظين وأبعد عنه الليبيراليين. فقامت ضده حركة ثورية (عصيان) أمكن له قمعها في 5 و6 حزيران - يونيو - 1840 بعد أن استمرت منذ سنة 1832 م. وقضى كذلك على كل الحركات المضادة التي قادها ضده النابوليون. وأثار تحالفه مع إنكلترا نقمة الشعب الإفرنسي.
لاتخاذ القرارات المناسبة. وقد وصلت هذه اللجنة إلى الجزائر يوم 2 - أيلول - سبتمبر - من السنة ذاتها. وبدأت عملها على الفور لتنفيذ تعليمات الحكومة التي حددت لأعضاء اللجنة مجموعة من التعليمات والنقاط التي ترغب الحكومة في معرفتها، والتي تتطلب منها إيجاد حلول للمشاكل الهامة التي كانت تواجهها الجزائر. كما أعطت الحكومة إلى (اللجنة الإفريقية) برنامج عمل مفصل تسير على ضوئه. وتبرز النقاط التي احتواها برنامج العمل المذكور أن الحكومة الإفرنسية قررت مسبقا ما ستفعله بالجزائر - الإبقاء على الاحتلال. وأن إرسال اللجنة المذكورة ما هو إلا محاولة لإعطاء موقفها صورة شرعية عادلة يكسبها شعبية واسعة ودعما جماهيريا (في فرنسا لا في الجزائر). وعلى هذا الأساس استقبلت اللجنة في اليوم التالي لوصولها أرض الجزائر ممثلي السلطات العسكرية والمدنيه في الجزائر، وأعضاء الغرفة التجارية، ولجنة استعمار الأراضي، ووفود المستوطنين الإفرنسيين - الكولون - ووفد التجار الأوروبيين، ووفد أعيان العرب الحضريين - المور - بالإضافة إلى وفد عن يهود الجزائر.
قسمت اللجنة الإفريقية عملها على أفرادها بحسب اختصاصاتهم، فاختص رئيسها (الجنرال بوني)(1) بالمسائل العسكرية، والجنرال (مونفور)(2) بالطرق والقناطر، والسيد (دوفال داي)(3) بالبحرية. والسيد (لورانس)(4) بالإدارة والتشريع والقضاء. والسيد (د. أوبرسار)(5) بالمالية والضرائب والعقارات.
(1) الجنرال بوني: (GEN. BONNET)
(2)
مونفور: (MONTFORT) .
(3)
دوفال داي: (D. DAILLY)
(4)
لورانس: (LAURENCE)
(5)
د. أوبرسار: (D.AUBERSSART)
والسيد (وينار)(1) بالتحارة والصناعة والجمارك، والسيد (دي لا بينسونيير)(2) بالزراعة واستثمار الأراضي. وبقي نائب البرلمان (بيسكاترري)(3) كاتبا للجنة.
كانت (التعليمات) التي سلمتها الحكومة إلى اللجنة تحتوي على 24 صفحة وفيها أسئلة كان على اللجنة أن تجيب عليها، ومنها: هل تحتفظ فرنسا بالجزائر أو تتخلى عنها؟ وفي الحالتين: ما هي فائدة فرنسا؟ ثم ما هي طريقة العمل المناسبة إذا كان الاحتفاظ بالجزائر هو الحل المقترح؟ وما الوسائل التي يجب على الحكومة استخدامها لتنفيذ الاقتراح؟ وكانت التعليمات أيضا تقضي بأن تشرح اللجنة جميع أوجه الحالة الراهنة في الجزائر. مع وصف حالة السكان الجزائريين، وطبقاتهم الاجتماعية وحالة الأراضي. والأمر الواضح هو أن مهمة اللجنة قد حددت بالبحث عن الرسائل للاحتفاظ بالجزائر على ضوء تجربة السنوات السابقة وليس الإجابة على ما إذا كان الاحتفاظ بالجزائر جائزا أو ممكنا.
عقدت (الجنة الإفرقية) أول جلسة عمل لها يوم 6 أيلول (سبتمر) 1833، ثم انطلقت بعد ذلك للقيام بجولة في مدينة الجزائر وضواحيها، فزارت المؤسسات العامة، وسهل متيجة متنقلة من (الحميز) إلى (البليدة) وأثناء ذلك زارت المراكز العسكرية، وتنقلت في الطرق الجديدة باحثة عن المنشآت الصناعية التي قيل لها أنها قد أقيمت فوق أرض الجزائر. وفي 14 من أيلول - سبتمبر -
(1) رينار: (REYNARD)
(2)
د لابينسونيير: (DE LA PISSONNIERE)
(3)
بيسكانوري: (PISCATORY)
قامت اللجنة بزيارة (عنابة) وتجولت في بعض مناطقها التي أصبحت خاضعة للإفرنسيين. وفي 4 تشرين الأول - أكتوبر - ذهبت إلى مدينة (وهران) وتجولت في ضواحيها. وزارت خليج (أرزيو في 15 تشرين الأول - أكتوبر -. وحاولت زيارة (مستغانم) غير أنها لم تتمكن من ذلك. وفي 16 من الشهر المذكور، زار بعض أعضاء اللجنة مدينة (بجاية) التي كان الإفرنسيون قد استولوا عليها حديثا. وأخيرا عادت اللجنة إلى مدينة الجزائر في 23 تشرين الأول - أكتوبر -، لتبدأ في اليوم التالي جلساتها التي بلغ عددها (30) جلسة. تمت خلالها مناقشة الموقف من كل النواحي. وكانت العلاقات مع العرب هي أساس البحث فطرحت مناقشة الموقف من ثلاث زوايا:
1 -
اتباع سياسة المهادنة - اللين - مع العرب حتى يمكن دمجهم في المجتمع الأوروبي الجديد.
2 -
مواصلة الحرب ضدهم دونما أي هوادة حتى تتم إبادتهم أو دحرهم وإبعادهم عن المناطق التي احتلتها القوات الإفرنسية أو التي ستقوم باحتلالها.
3 -
إحلال التشريعات الإفرنسية محل التشريعات المحلية بهدف إبعاد العرب تدريجيا عن المناطق التي تدخل تحت السيطرة الإفرنسية.
تلخصت أفكار اللجنة الإفريقية ووجهات نظرها بالتالي:
1 -
أن السلطة الإفرنسية بالجزائر غير ملزمة بالاتفاقات التي يتم عقدها مع الوطنيين الجزائريين باعتبار أن هذه الاتفاقات والمعاهدات تدخل في إطار (استراتيجية الحرب وليست سلاما دائما).
2 -
من المحال أن تطبق فرنسا النظام الذي كانت تتبعه الإدارة العثمانية، لأن الأتراك كانوا على دين العرب ولهم نفس العادات
والتقاليد العربية. ولذا يجب على فرنسا تطبيق النظام والتقاليد الإفرنسية.
3 -
إحلال جاليات غربية محل السكان الأصليين، وإفساح المجال لغير الإفرنسيين للهجرة والاستيطان في الجزائر على أن تعطى الأفضلية للإفرنسيين.
4 -
تركيز جميع السلطات في الجزائر - المدنية منها والعسكرية - في قبضة سلطة عليا، هي سلطة الحاكم العام الذي اقترحت اللجنه إيجاد منصبه. مع تحديد صلة كل وزارة إفرنسية بهذا (الحاكم العام) مع تشكيل مجلس بلدي يساعده في عمله، وتكوين هيئة إدارية تشابه في تكوينها النظام المتبع في فرنسا (الوطن الأم.)
5 -
الاحتفاظ بالجزائر تحت اسم (الممتلكات الإفرنسية في إفريقيا).
6 -
تشكيل المجلس البلدي من عناصر مختلطه فيها ممثلين عن العرب واليهود على ألا يزيد عدد العرب عن عدد الإفرنسيين، ومهمة المجلس النظر في أمور الإدارة المحلية.
عادت هذه اللجنة بعد ذلك إلى فرنسا، فشكلت لجنة أكبر، عقدت أول جلساتها في 22 كانون الأول - ديسمبر 1833 ثم استمرت هذه الجلسات التي زادت على 51 جلسة انتهت في شباط - فبراير - 1834. وأقرت اللجنة معظم مقترحات (اللجنة الإفريقية). وكان من أبرز النقاط في قرار (اللجنة الموسعة) ما يلي:
1 -
الاحتفاظ بالمؤسسات الدينية الخيرية، حرصا من اللجنة
على تأمين الموارد الاقتصادية للخزينة الإفرنسية، حيث قدر الدخل السنوي لأملاك (مكة والمدينة) بمبلغ (400) ألف فرنك فيما إذا تمت إدارة هذه الأملاك بصورة جيدة (1).
2 -
أوصت اللجنة بجعل الجزائر كلها أملاكا إفرنسية - دائمة وثابتة - وأنه يجب على فرنسا ألا تبقى في المدن الساحلية فقط، بل يجب عليها جعل تلك المدن مراكز أمامية لإمداد الجيش بضرورة حملات عسكرية توسعية في داخل البلاد لإخضاع كامل البلاد للسيطرة الإفرنسية.
3 -
مقاومة كل فكرة للتخلي عن الجزائر: (إذ أن التخلي عنها هو إهانة جديدة لشرف فرسا (؟) علاوة على أنه يشكل صدمة لذاتية الأمة الإفرنسية الشرعية مما يؤدي أيضا إلى التضحية بالتجارة وبالتوسع السياسي لفرنسا وإلى تحطيم الآمال) وهكذا فحين جرى التصويت في البرلمان الإفرنسي جاءت النتيجة 17 صوتا لصالح الاحتفاظ بالجزائر مقابل صوتين لصالح التخلي عنها.
وظهر للجزائريين قبل كل شيء، وللعالم كله، أن القضية ليست قضية تأديب (للداي حسن باشا) أو إخراج للأتراك من الجزائر يتبعها انسحاب إفرنسي، وإنما القضية قضية (احتلال واستعمار استيطاني). وأسفرت فرنسا عن وجهها بعد تردد، وأظهرت تصميمها على متابعة الطريق على الرغم من بعض الاحتجاجات في فرنسا ذاتها. مثل النائب الذي رفع صوته عند
(1) قدرت اللجنة عدد منازل وعقارات المؤسسات الخيرية - أملاك مكة والمدينة في مدينة الجزائر (2601) منزلا من أصل خمسة آلاف منزل، بالإضافة إلى (149) منزلا في وهران و (91) منزلا في مدينة عنابة.
مناقشة قضية الجزائر في البرلمان الإفرنسي ليقول: (أن احتلال الجزائر ليس إلا محاولة جنونية، وهو هوة سحيقة تستنزف جميع خيرات البلاد الإفرنسية) أو قول مقرر الميزانية الحربية عند مناقشة موازنة سنة 1843: (إنني أفضل أن استبدل الجزائر يأجمعها بكوخ صغير من أراضي الراين).
خلال تلك الفترة من سنة 1834، لم تكن فرنسا قد سيطرت عسكريا إلا على المنطقة الساحلية، فقد احتلت وهران (سنة 1830) في الغرب وتبعتها مستغانم وأرزيو (سنة 1833). وكانت مدينة الجزائر وأطرافها بأيديهم في الوسط. أما في الشرق، فقد خضعت عنابة (بونه) لحكم متناوبا للسلطات الوطنية والإفرسمة، إذ احتلها الإفرنسيون مرات متعاقبة وأخلوها بعد أن مني الإفرنسيون بخسائر جسيمة، وصلت أحيانا إلى حد ذبح الحامية الإفرنسية بكاملها. أما بين عنابة والجزائر، وفي موقع متوسط بينهما، فقد كان هناك خليج بحري تقوم بجنوبه (بوجي) التي احتلتها في سنة 1833 حملة إفرنسية جاءت إليها من فرنسا مباشرة. غير أن قوات هذه الحملة بقيت محاصرة داخل المدينة، حيث كان رجال القبائل المنتشرين على مقربة منها يهاجمون القوات الإفرنسية باستمرار.
ولم يكن من السهل إخضاع هذه القبائل أو مخالفتهم. أو اجتياز الطرق عبر أراضيهم، فبقيتا القوات الإفرنسية محاصرة فوق أرض الساحل. ولقد حاول الإفرنسيون التوسع نحو الداخل، غير أن تقدمهم كان بطيئا جدا بسبب المقاومة المتصاعدة. ولم تكن سهول متيجة (متوجة) في جنوب مدينة الجزائر هادئة أو خاضعة خضوعا تاما للإفرنسيين وذلك بسبب سيطرة القبائل العربية العديدة على أرض هذا السهل.