المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ في الجهاد والمقاومة - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ٣

[بسام العسلي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأول

- ‌ الموقف في دار الخلافة العثمانية

- ‌ محمد علي باشا في مصر

- ‌ معركة نافاران

- ‌الفصل الثاني

- ‌ ذريعة الاستعمار (البراغماتية)

- ‌ عشية ليل الاستعمار

- ‌ بدايات المقاومة

- ‌أ - فئات من المجاهدين

- ‌ب - ثورة ابن زعمون:

- ‌ج - سيدي السعدي والجهاد

- ‌د - ثورة الآغا محيي الدين بن المبارك

- ‌هـ - بومزراق - باي تيطري:

- ‌و- الحاج أحمد (باي قسنطينة):

- ‌ز - حمدان خوجة والصراع السياسي:

- ‌ حمدان عثمان خوجة:

- ‌ أحمد بوضربة:

- ‌ المفتي الحنفي سيدي محمد بن العنابي:

- ‌ الإدارة الإفرنسيةوتكوين وحدات خاصة

- ‌ الإدارة الإفرنسية(من التردد إلى التصميم)

- ‌الفصل الثالث

- ‌ في النظرية الاستعمارية

- ‌ في الجهاد والمقاومة

- ‌قرءات

- ‌ 1 -قصة اليهودي ومروحة دوفال

- ‌ 2 -نداء (دوبرمون) إلى أهل الجزائرعشية الغزوة الصليبية الإفرنسية

- ‌ 3 -معاهدة الاستلام التي وقعها داي الجزائر(حسين باشا) يوم 4 تموز (يوليو) 1830 م

- ‌ 4 -من تقرير اللجنة الإفريقية(سنة 1833)

- ‌ 5 -رسائل وثائقية(للحاج أحمد باي قسنطينة)

- ‌المراجع الرئيسية للبحث

- ‌الفهرس

الفصل: ‌ في الجهاد والمقاومة

2 -

‌ في الجهاد والمقاومة

لم تكن الجزائر المجاهدة (المحروسة) يوم اجتاحتها جحافل الغزاة البرابرة بالبلد الفارغ من القدرة (فقد كان سكانه في حدود العشرة ملايين). ولم يكن أفراد شعبه بالجهلة، (فقد كان معظم أبنائه من المتعلمين الذين يجيد أكثرهم القراءة والكتابة) وإذا كانت بعض التخصصات العلمية مفقودة، فقد كان هناك ما يملأ هذا الفراغ من الخبرات الطبية المتوارثة والتي عادت اليوم للظهور رغم كل تطور علمي وتقني (التداوي بالأعشاب والطرائق الطبيعية الخ ..) ولم يكن الشعب الجزائري فقيرا، أو بائسا، فقد كانت موارده وفيرة وتجارته مزدهرة بحسب كل الشواهد المتوافرة. ولم يكن أفراد هذا الشعب يجهلون استخدام السلاح، إذ كانت لهم خبراتهم القتالية بسبب ممارساتهم المستمرة للجهاد في البر والبحر.

من هنا ظهرت الصعوبة الأولى التي جابهت الإرادة الاستعمارية والتي أصيبت بالإحباط إذ أنها لم تتمكن بعد انتصارها الأولي من الحصول على انتصارات سهلة ورخيصة. ولكن على الرغم من ذلك، فلا بد من الإشارة إلى الثغرات التي ظهرت في

ص: 167

أوساط المقاومة وأضعفتها، مما ساعد الإرادة الإفرنسية على تنفيذ مخططاتها الاستعمارية:

1 -

خاضت قوات المقاومة معاركها بصورة متنافرة، ومتضادة في معظم الأحيان، وكان كل مركز من مراكز القوى هذه يعتقد في نفسه القدرة على مجابهة (جيش الغزو). وقد استطاعت بعض المعارك الظافرة من تعزيز هذا الشعور بالقوة الوهمية. وتجاهلت قيادات مراكز هذه القوى الإرادة الواحدة الموجهة للقوى الاستعمارية والتي يمكن لها باستمرار تأمين تفوق بالقوى وبوسائط القتال لإحراز نصر عسكري حاسم.

2 -

لم تفد مراكز القوى المقاومة من تجاربها القتالية السابقة، فقد أمكن لها تحقيق الانتصارات في معاركها باستمرار عن طريق استنزاف قدرة العدو قبل الانتقال للمعركة الحاسمة. في حين خاضت فرنسا معاركها في هذه المرة بطريقة الجزائر ذاتها، حيث عملت على استنزاف القدرة الجزائرية في معارك متتالية قبل الوصول إلى الحسم. وكانت موارد فرنسا تسمح لها بالتعويض عما تفقده في حروب الاستنزاف فى حين كانت وسائل المجاهدين محدودة في التعويض عن خسائرهم، وهذا ما يفسر انهيار قيادات المقاومة بعد خسارة كل معركة حاسمة.

3 -

خاضت الجزائر معاركها السياسية بمعزل عن معاركها العسكرية، ولقد تولى (حضر الجزائر) قيادة الصراع السياسي مع السلطات الاستعمارية بصورة إفرادية، وبصورة منعزلة تقريبا عن القيادات العسكرية في الأقاليم. ومن هنا كان الطابع العام للصراع السياسي فرديا. وقد أسهمت الإدارة الاستعمارية بتعزيز هذه الفردية

ص: 168

لإضعاف كل تكتل سياسي، فكان الجزائريون يقولون ما يريدون وتفعل الإدارة الاستعمارية ما تريد.

4 -

لقد رافق عزل الجزائر عسكريا ضرب نطاق مماثل من العزلة السياسية. فأمكن بذلك إضعاف المقاومة معنويا، الأمر الذي انعكس على القدرة القتالية للمجاهدين.

5 -

ساعد هذا المناخ على ظهور المغامرين والطامعين والانتهازيين الذين أسهموا في إضعاف قدرة الجزائر على الصمود والمقاومة. وشكلوا طابورا خامسا لمصلحة أعداء البلاد. وعلى الرغم من (صحوة كثير من هؤلاء) غير أن عودة الوعي جاءت متأخرة فانتهى الأمر بهم إلى نهايات مأساوية إذ أصبحوا منبوذين داخليا ومنبوذين من الإدارة الاستعمارية بعد أن استنزفت غايات وجودهم.

6 -

مارست الأقلية اليهودية دورا كبيرا في تثبيت دعائم الاستعمار الإفرنسي في الجزائر بفضل تحالفها معه، وعلى الرغم من أن (فكرة الصهيونية) لم تكن قد ظهرت بعد، إلا أن تجربة يهود الجزائر قد أفسحت المجال أمام (المخططات الاستعمارية) للإفادة من هذه التجربة وتطويرها خلال مرحلة المد الاستعماري عبر العالم العربي - الإسلامي.

7 -

لم تحاول المقاومة الجزائرية، ولو مجرد محاولة، مهادنة الاستعمار الصليبي، فقد عرفت بفضل خبراتها المتوارثة، وبفضل عقيدتها الإسلامية الصلبة، ما يراد لها عبر الهجمة الصليبيه الشرسة، فانسحب من وجه الاستعمار، وتقوقعت في عزلتها، محتفظة بأصالتها الثوروية، متمسكة بقواعد ثباتها وصمودها،

ص: 169

مجاهدة بكل قدراتها على إحباط مخططات أعداء الدين - مختارة في كل مناسبة الطرائق المناسبة، فإذا كانت قد عجزت عن إيقاف الزحف الصليبي على الجزائر المحروسة إلا أنها لم تعجز عن ازدراء هؤلاء الصليبيين (بالسلبية والصمت).

8 -

وكما كان شعب الجزائر المجاهد هو المحرض على الجهاد، وهو الذي يوجه التيار أمام القادة في عهود النصر (أيام الأتراك العثمانيين ضد الإسبانيين، وخلال أعمال الجهاد في البحر). فقد بقي هذا الشعب هو المحرض على الجهاد أيام الانتكاسات والهزائم؛ إذ انه كان يتحرك خلف القيادات الأكثر إخلاصا والأكثر إلتزاما بحمل أعباء الجهاد في سبيل الله. وهذا ما يفسر على سبيل المثال قدرة (باي قسنطينة) على الصمود طويلا، رغم كل الظروف الصعبة التي كانت تحيط به. وعلى الرغم من كل

المؤامرات الداخلية والخارجية.

قد يكون من المثير بعد ذلك ملاحظة هذه العوامل، ومراقبة تطوراتها عبر الصراع الطويل الذي خاضته الجزائر المجاهدة طوال ليل الاستعمار.

لقد انتصرت فرنسا في الجولة الأولى، وأسقطت (الداي حسين باشا) غير أنها لم تتمكن من الانتصار على شعب الجزائر. وتمكنت من تمزيق القيادات الجزائرية، غير أنها لم تتمكن من تمزيق الشعب الجزائري. ونجحت في تكوين فئة من العملاء، غير أنها لم تتمكن من تحطيم ما يملكه الشعب من أنفة وكبرياء ودمرت المساجد الإسلامية غير أنها لم تتمكن من إضعاف المسلمين ونهبت ثروات الجزائر

ص: 170

وما فوق أرضها، غير أنها لم تتمكن من سحب الأرضية الصلبة من تحت أقدام المجاهدين في سبيل الله. لقد أصيبوا بهزيمة، ونزلت بهم نازلة، غير أن القاعدة الإسلاميه أقوى من كل هزيمة وأكبر من كل نازلة، فكان لا بد من الاستمرار في حوار الإرادات عبر صراع مرير لم تعرف له البشرية مثيلا في ضراوته وعنفه وقسوته. وكان من المحال على شعب الجزائر الاستمرار في الصمود والمقاومة لولا التزامه (بحروب الإيمان).

ص: 171