المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ بناء الدولة الإسلامية - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ٤

[بسام العسلي]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌المقدمة

- ‌الوجيز في حياة الأمير عبد القادر

- ‌الوجيز في أبرز الأحداث المعاصرة لحياةالأمير عبد القادر

- ‌الفصل الأول

- ‌ الأصالة وبناء القاعدة الصلبة

- ‌ بناء دولة الحرب

- ‌آ - تنظيم الجيش:

- ‌ب - التسلح والصناعة الحربية:

- ‌ج - الحصون والتنظيم الدفاعي:

- ‌د - التنظيم الإداري والتموين:

- ‌ بناء الدولة الإسلامية

- ‌ في أفق العمليات والتكتيك

- ‌الفصل الثاني

- ‌ أعداء الداخل والخارج(1833)

- ‌ معاهدة عبد القادر - دو ميشال(1834م)

- ‌ معركة المقطع(26 حزيران - يونيو - 1835 م)

- ‌ الانتقام الإفرنسي واحتلال (معسكر)(6 كانون الأول - ديسمبر - 1835)

- ‌ الصراع المرير على تلمسان(1836)

- ‌ معاهدة (عبد القادر - بيجو)31 -أيار - مايو (1837 م)

- ‌ نقض المعاهدة واستئناف الحرب(1838 - 1839 م)

- ‌ سنوات الصراع المرير(1840 - 1844 م)

- ‌ على حدود المغرب(1845 م)

- ‌ وداعا يا جزائر الأحرار(1848 - 1852)

- ‌قراءات

- ‌معاهدة الأمير عبد القادر - دو ميشال(26 شباط فبراير - 1834 م)

- ‌معاهدة الأمير عبد القادر - بيجو(معاهدة تافنة)23 صفر 123 هـ = 20 أيار - مايو 1837م

- ‌من رسالة الأمير عبد القادر إلى ملك فرنسا(لويس فيليب)

- ‌رسالتين من أمير المؤمنين عبد القادرإلى الماريشال بيجو

- ‌لوحة حضارية نقلتها فرنسا إلى الجزائر(الأرتال الجهنمية)

- ‌المراجع الرئيسية للبحث

- ‌الفهرس

الفصل: ‌ بناء الدولة الإسلامية

3 -

‌ بناء الدولة الإسلامية

كان الهدف الأسمى والأشمل لعبد القادر هو جعل عرب الجزائر شعبا واحدا، ودعوتهم للمحافظة التامة على دينهم، وبعث روح الوطنية فيهم، وإيقاظ كل قدراتهم الكامنة، لبناء مجتمع الحرب والسلم، ولدعم اقتصاد الحرب بزيادة الإنتاج في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة. ولم يكن الطريق ممهدا، واصطدم بعقبات كثيرة، غير أنه تابع بذل جهوده بدون كلل أو ملل لإيقاظ الشعور الديني للعرب وتوحيدهم وتوجيههم نحو الهدف الأسمى (الجهاد في سبيل الله ضد الغزاة - أعداء الدين والوطن). ومن أجل ذلك فقد عمل منذ البداية على تنظيم التعليم العام ونشره بين القبائل. وقد تحدث عن ذلك بقوله:(كان من واجبي كحاكم مسلم أن أدعم علوم الدين وأن أبعثها. لذلك فتحت المدارس في المدن وبين القبائل. فكان الأطفال في هذه المدارس يتعلمون بدون مقابل العبادات والصلاة وحفظ تعاليم القرآن وفروضه ومعرفة القراءة والكتابة والحساب بصورة جيدة) وكان الذين يريدون مواصلة تعليمهم بعد ذلك يرسلون إلى الزوايا والمساجد لتعلم التاريخ وعلوم الدين. وخصصت للطلبة رواتب على حسب معارفهم ودرجاتهم. وظهر لي أن العلم هام جدا،

ص: 57

فعملت على تشجيعه، حتى إنني عفوت أكثر من مرة عن أناس مجرمين محكوم عليهم بالموت لمجرد أنهم طلبة ومعروف أن المرء في بلادنا يحتاج إلى وقت طويل حتى يصل إلى مرتبة عالية من التحصيل في العلم. لذلك لم تكن لدي الشجاعة لإضاعة ثمار احتاجت إلى سنوات من الجهد في يوم واحد. إن الساكن في كوخ قد يقطع نخلة لا تريحه، ولكن كم سنة يجب عليه أن ينتظر قبل أن يصبح بإمكانه تذوق ثمار نخلة أخرى يغرسها. ولكي أساعد الطلبة على دراستهم بذلت أقصر جهد ممكن للمحافظة على الكتب والمخطوطات من الضياع. وكان هناك أكثر من سبب يدفعني إلى بذل هذه الجهود، ذلك أنه بالنسبة إلينا يلزم المرء عدة شهور لكتابة نسخة واحدة. ومن أجل ذلك أعطيت أوامري المشددة في جميع المدن والقبائل لبذل أقصى عناية ممكمة من أجل المحافظة على المخطوطات. واشتملت أوامري على فرض عقوبات شديدة لمعاقبة كل من يتلف أو يفسد مخطوطا. ولما كان جنودي يعرفون مدى اهتمامي بهذا الموضوع فقد كانوا يحرصون على إحضار كل ما تقع عليه أيديهم من مخطوطات أثناء الغزوات. وكانوا يقومون بذلك بعناية فائقة. ولكي أشجع غيرتهم وحماستهم في هذا المجال كنت دائما أعطيهم جوائز كبيرة على ذلك. وشيئا فشيئا جمعت مجموعة ضخمة من هذه المخطوطات ووضعتها في أماكن أمينة في الزوايا والمساجد وأوكلتها إلى الطلبة الذين كانوا موضع ثقني. وبنفس الهمة التي وضعت بها نظام التعليم العام أسست نظام القضاء. فقد خصصت للقضاة رواتب شهرية، بالإضافة إلى علاوات يتقاضونها لقاء قيامهم ببعض الواجبات الأخرى، كان النطام الذي أريده يقوم على أن ممثلي القضاء يجب أن يظهروا في كل مكان، بل أن يتبعوا جيشي في مسيرته. ولم أكن أسمح بأي تنفيد

ص: 58

للإعدام إلا بعد حكم مطابق لشريعة الله التي لم أكن سوى منفذ لها. ولذلك كان يرافق جيشي أينما ذهب، قاض ومساعدين، أحدهما رئيس الشرطة (الذي كان ينفذ الأحكام). ولم يكن الناس ينظرون إليه باشمئزاز على فعله ذلك، ما دام ليس هو في الواقع المنفذ للقتل بل القانون. ولا شك أن كثيرا قد عانوا من نظامي هذا، ولكن لم يعان أحد بدون حكم شرعي. وجميعهم قد ارتكبوا نوعا ما من الجرائم أو خانوا دينهم. إن شريعتنا صريحة، في أن كل من أعان العدو ببضائعه فقد أحل بضائعه، وكل من أعانه بسلاحه فقد أحل حياته. ولقد أصبحت الطرق آمنة تماما، بفضل يقظة خلفائي وأعواني وقادتي، وبفضل المسؤولية التي حملتها القبائل عن كل الجرائم والسرقات التي تقع في مناطقها. وكانت يقظة الشرطة قد جعلت الناس آمنين مطمئنين، وبعبارة أخرى، فرغم وجودي بين شعب يعيش تحت الخيام، وكان لذلك من الصعب أن يدار وأن يوجه لاتساع المساحة التي كان منتشرا فيها، فقد استطعت أن أصل إلى عهد أصبحت فيه سرقة الخيول بالليل غير معروفة، وأصبحت المرأة تستطيع الخروج وحدها دون أن تخاف المهانة. وعندما يعلق الناس على هذه النتيجة الكبيرة ويطلبون السبب، كان العرب يجيبون:(إن مصائد السلطان منصوبة وليس هناك حاجة لنصب مصائدنا الخاصة). وفي الوقت ذاته أدت إصلاحاتي إلى الارتفاع بالروح العامة. فالعهر قد حورب بشدة. ولو شاء الله لانتهيت بإعادة العربب إلى طريق القرآن الذي ابتعدوا عنه كثيرا. لقد منعت منعا باتا استعمال الذهب والفضة في ثياب الرجال، لأنني كنت أكره التبذير والتحلل الذي يؤدي إليه، ولم أتسامح إلا بتزيين الأسلحة والسروج. أليس من واجبنا أن نعز وأن نكبر ما ساهم كثيرا في

ص: 59

سلامتنا؟ أما النساء فإن الحظر لم يشملهن. إن الجنس الضعيف يحتاج إلى تعويض، لأن الرجل في إمكانه التمتع بجميع أنواع اللذائذ التي يرغب فيها، الحرب والصيد والأشغال الفكرية والحكومة والدين والعلوم.

لقد كنت أول من ضرب المثل بلبس ثياب بسيطة بساطة ثياب أكثر خدمي تواضعا. وما فعلت ذلك خوفا من تمييز نفسي أمام ضربات قنابل العدو. ولكنني فعلته لأنني كنت أرغب أن لا أفرض على العرب إلا ما أفرضه على نفسي، وأن أظهر لهم أنه من الأفضل أمام الله أن نشتري سلاحا وذخيرة وخيلا للحرب من اأن تكون ثيابنا مزينة وغالية ولكن غير مفيدة.

أما الخمر والميسر فقد منعتهما تماما، كما منعت التدخين. وليس معنى ذلك أن ديننا يمنع التدخين ولكن جنودي كانوا فقراء، ولذلك كنت حريصا على أن أبعدهم عن عادة معروفة بزيادة الفقير فقرا حتى أنها أوصلت بعض الناس إلى ترك عائلاتهم في فقر مدقع، وحتى بيع ثيابهم من أجل إشباع نهمهم في التدخين. حقا لقد بقي بعض الناس يدخنون، ولكن ذلك كان في مناسبات فقط وفي سرية أيضا. وكانت هذه الخطوة كسبا كبيرا. أما المرابطون والطلبة وكل من له علاقة بالحكومة فقد أبطلوا عادة التدخين تماما. وعلى أية حال فإن هذا يظهر إلى أي مدى نجحت في كسب الطاعة).

أمكن للأمير عبد القادر توحيد الوطن الجزائري، وإقامة دولة (الحرب) واتبع في ذلك وسائل مختلفة، وأساليب متنوعة. وقد تحدث هو عن ذلك بقوله: (لم يعد في الصحراء سوى أربعة مراكز لم تصلها بعد سلطتي، وهي ميزاب ووارقلة وتقرت ووادي سوف. أما أولاد

ص: 60

(سيدي الشيخ)(1) فقد اعترفوا جميعا بسلطتي. حقا لقد منحتهم بعض الامتيازات، وسمحت لهم بدفع ضرائب منخفضة، ولكنهم كانوا قبيلة من المرابطين، ومن واجبي أن أعاملهم بدرجة خاصة من الإكرام. وأما أهل القصور - والذين يستوطنون مجموعة من القرى الصحراوية - فهم لا يدفعون إلا القليل، ولا يهمني أن أكون متصلبا معهم، وهم ينظرون إلى موقفي هذا منهم على أنه رفق بهم لفقرهم). ولقد فرض الأمير سيطرته على إقليمي وهران وتيطري بالقوة - على نحو ما سيأتي شرحه - غير أنه اتبع أساليب أخرى في فرض هذه السيطرة على القبائل الكبرى، المنتشرة في تلك القطعة الساحرة من جبال (جرجرة) والممتدة من مدينة الجزائر ثرقا حتى بجاية. وذلك نظرا لما تميزت به هذه القبائل من النزوع الشديد للاستغلال، والولع المتطرف بالحرية، مما مكنهم من الاستعصاء على كل المحاولات لإخضاعهم، وساعدهم على الاحتفاظ بشرائعهم وعاداتهم وتقاليدهم، وسط حكومات متقلبة قامت وسقطت من حولهم. وكان من الواضح أن هذا المربض للجنود سيعطي عبد القادر، إذا ما كسبه إلى جانبه، عنصر دعم ثابت لا يتراجع وسيكون له عونا للزحف على أعدائه إذا ما تطلب الأمر، ولهذا قرر عبد القادو، أن يحقق وحده باللين والإغراء ما عجز الآخرون عن تحقيقه بقوة السلاح، وهكذا ظهر فجأة في أيلول (سبتمبر) 1839 في (برج حمزة) متبوعا بخمسين فارسا فقط، وكان إلى جانبه خليفته المخلص (ابن سالم). وقد سأله

(1) مجموعة من القبائل في الجنوب الغربي من الجزائر، وجزء من الجنوب الشرقي للمغرب، وقد قاموا بعدة ثورات ضد الإفرنسيين منها ثورة (1864) وثورة (1881) بقيادة الشيخ (بو عمامة). وسيتم التعرض لهذه الثوارت في البحث المقبل من هذه المجموعة.

ص: 61

بعضهم عما يريد عمله فأجابهم (أريد أن أكسب تأييد جرجرة). وقطع الركب المرتفعات الأولى بسرعة. وكان منظر هذه الكوكبة الصغيرة من الفرسان، منحدرة إلى أعماق الوديان والشعاب أو صاعدة مرتفعات تكاد تكون عمودية، قد أثار العجب والاستغراب بين الجبليين الذين كانوا ينظرون من أكواخهم إلى هذا المنظر المثير. وانتشر الخبر بسرعة عن تقدم (الأمير عبد القادر) فتداعى الناس من كل جانب لتحية ضيفهم الشهير. وزاد العدد الذي تجمع حول خيمته على الآلاف. وغص مدخل الخيمة بالشيوخ والمرابطين واشتد الزحام حول الخيمة، وأخذ بعضهم في التسلل بخشونة لرفع أطراف الخيمة وإشباع فضوله بالتعرف على (الأمير) غير أن المرافقين ردوهم عنه قائلين لهم:(عودوا إلى الوراء، إنكم ستدوسون سيدنا). وعندما رأى عبد القادر خيبة الأمل وهي ترتسم على وجوههم، قال لمرافقيه:(دعوهم يقتربوا، دعوهم يقتربوا - إنهم أشداء صلاب مثل جبالهم، اعذروهم فأنتم لا تستطيعون تغيير طباعهم في يوم واحد). وعندما طلب عبد القادر مقابلة زعماء الأهالي، كان الجواب:(إننا نطيع أمناءنا ومرابطينا) وعندئذ تقدم الأمناء للترحيب وتقديم الولاء. وسألهم عبد القادر عمن يمثل الجميع، فأجابوه:(ليس عندنا زعيم واحد نمنحه كل الصلاحيات. إن أمناءنا الذين اختيروا بالانتخاب الشعبي هم الذين يعبرون عن إرادتنا العامة). فكان حقا جواب قوم يحرصون على حريتهم وهنا أمر عبد القادر بإفساح المجال، وطلب إلى الجمهور المتراص أن يجلس، فتكونت بذلك دائرة كبيرة ووقف هو في الوسط. والسبحة في يده. وبدأ حديثه إليهم حديثا يمر بالعقل ليصل إلى القلب، وطالبهم الإنضواء تحت لوائه لدعم قضية الحق التي يدافع عنها، قضية الله ورسوله. ومما قاله لهم: (أنه تمكن من هزم

ص: 62

الكفار الذين جاءوا لاحتلال أرضهم، أكثر من مرة، وكان جهاده ضدهم مجيدا من أجل الإسلام. وأن كل غرب الجزائر قد أطاع أوامره، وإذا شاء فإنه من السهل عليه أن يخضع شرق البلاد بغربها، وأن يقلب بساط غربها على شرقها، تماما كما يقلب البساط الذي يقف عليه) واستمر عبد القادر في مخاطبته لهم قائلا:(وإذا قلتم لي أن الشرق أقوى من الغرب، فإن جوابي هو أن الله قد أيدني بنصره لوضوح الأهداف التي تقودني وتوجهني .. وتأكدوا أنني لو لم أقف في وجه الإفرنسيين المعتدين، ولو لم أظهر لهم صعفهم وعدم قدرتهم، لانقضوا عليكم انقضاض البحر الهائج. ولرأيتم عندئذ ما لم يخطر على قلب بشر لا في الماضي أو في الحاضر. إن الإفرنسيين قد تركوا بلادهم، ولم يأتوا إلا لاحتلال أرضنا واسترقاق أهلها، غير أنني سأكون لهم الشوكة التي وضعها الله في أعينهم وإذا ساعدتموني فأرميهم في البحر. أما إذا لم تساعدوني فإنهم سيسترقونكم ويدوسون حرماتكم فاشكروا الله على أنني أنا عدوهم الألد. استيقظوا يا أهل جرجرة، وانتبهوا من غفلتكم. وثقوا أن ليس في قلبي سوى الرغبة في سعادة وصلاح ورفاهية جميع المسلمين. وأن كل ما أطلبه منكم اليوم هو الطاعة والوفاق والمحافظة التامة على شرائع ديننا المقدس حتى ننتصر على الكفار، ولا أطلب منكم لتعضيد جيشنا سوى ما فرضه الله العلي القدير. إنني لا أرغب في تعيير تقاليدكم، ولا في إبطال قوانينكم وأعرافكم، ولكن القيام بالعمليات الحربية تتطلب مسؤولا. إنني أدعوكم إلى الجهاد في سبيل الله، فاختاروا رئيسا عليكم. وإنني أقترح عليكم اختيار (ابن سالم) فإذا ما اخزتموه فيكون لكم الدليل والموجه في ساعة الخطر والعسرة، والله شاهد على ما أقول. أما إذا لم يلامس قولي هذا مكانا في قلوبكم، فسيأتي يوم

ص: 63

تندمون فيه، ولات ساعة مندم. إنني أحاول إقناعكم بالتي هي أحسن لا بالقوة. وإنني أدعو الله أن يهديكم إلى سواء السبيل). وعندما انتهى عبد القادر من حديثه، إنطلقت صيحة عامة تقول:(اعطنا ابن سالم! اعطنا ابن سالم. وخذ منا الزكاة، وخذ منا العشور، وقدنا ضد الكافرين، إننا أبناؤك وجندك وخدمك).

وبعد أن ولى (ابن سالم) خليفة للأمير على (جرجرة) وسط الأفراح والمهرجانات، تابع الأمير عبد القادر مسيهرته السلمية عبر قرى الأرض الطيبة. وكانت مسيرته مجموعة من الأفراح والأعياد التي استمرت ثلاثين يوما. إذ ما كان السكان يعرفون في كل مرة مكان توقفه، حتى كانوا يسرعون إليه ببساطتهم العفوية وحماستهم المثيرة وهم يحملون معهم (ضيفتهم) التي كانت عبارة عن قصاع كبيرة من الأرز المغطى بقطع اللحم. وكان كل واحد يضع قصعته أمام خيمة الأمير، ويصر على أن يتناول الأمير منها قائلا له:(كل - إنها ضيفتي) ولكي يتفادى عبد القادر جرح العواطف، فقد كان مضطرا أن يذوق من كل قصعة على حدة. وبذلك تعرف أهل (جرجرة) على أميرهم، وتعرف هو عليهم، وكانت هذه المعرفة هي طريق الحب المتبادل، والولاء المطلق الذي استمر حتى آخر أيام الأمير فوق أرض الجهاد.

ص: 64