الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(5)
لوحة حضارية نقلتها فرنسا إلى الجزائر
(الأرتال الجهنمية)
أعلنت فرنسا منذ وطئت جحافلها أرض الجزائر أنها تقوم بعملها (لتمدين المتوحشين) وتعريفهم (بالحضارة الغربية) فاتبعت في ذلك أساليبها الحضارية التي رافقت (ليل الاستعماري للجزائر) بطوله. وقد يكون من المناسب التوقف قليلا عند الملامح الحضارية الأولى، والتي تطورت باستمرار مع التطور الحضاري لفرنسا.
جاء في أحد التقارير الرسمية - الإفرنسية -.
(بناء على تعليمات القيادة الإفرنسية، خرجت قوة من الجنود - في مدينة الجزائر - وانقضت قبل الفجر على أفراد القبيلة، وهم نيام تحت خيامهم، فذبحتهم جميعا دون أن يستطيع أحد الدفاع عن نفسه، وقد لقي الجميع حتفهم دونما تمييز بين رجل أو امرأة، وعاد الإفرنسيون من هذه الحملة وهم يحملون رؤوس القتلى على أسنة الرماح) ..
وجاء في تقرير فرسي آخر:
(بيعت كل الماشية إلى قنصل الدانمارك. وعرضت بقية الغنائم للبيع في سوق باب عزون في عاصمة الجزائر ذاتها، ووزع ثمنها على
ذابحي أصحابها. وفي ليل ذلك اليوم أصدرت الشرطة - البوليس - أمرها إلى أهل المدينة بإضاءة الأنوار في حوانيتهم علامة على الابتهاج).
وجاء في تقرير أحد اللجان الرسمية الإفرنسية:
(لقد ذبحنا أناسا كانوا يحملون إجازات بالتنقل، كما قضينا على مناطق بأكملها اتضح فيما بعد أن ضحايانا فيها أبرياء. رجال عرفوا بالقداسة بين عشيرتهم، وآخرون لا تنقصهم صفة الاحترام بين ذوي قرابتهم لمجرد أنهم مثلوا أمامنا سائلين الرحمة بزملائهم. وقد وجدنا قضاة ليحكموا عليهم ورجالا متمرنين لشنقهم).
وكتب الماريشال سانت أرنو - إلى أهله:
(إن بلاد بني منصر بديعة، وهي من أجمل ما رأيت في أفريقيا، فقراها متقاربة وأهلها متحابون. لقد أحرقنا فيها كل شيء ودمرنا كل شيء
…
إني أفكر فيكم جميعا، وأكتب إليكم ويحيط بي أفق من النيران والدخان. لقد ذهبت إلى أفراد قبيلة (البراز)
فأحرقتهم جميعا، ونشرت حولهم الخراب، وأنا الآن عند (السنجاد) أعيد فيهم الشيء نفسه ولكن على نطاق أوسع).
وكتب موتيناك في كتاب له أسماه - رسائل جندي - ما يلي:
(لقد كانت مذبحة شنيعة حقا، كانت المساكن والخيام في الميادين والشوارع والأفنية التي انتشرت عليها الجثث في كل مكان. وقد أحصيناهم في جو هادىء بعد الاستيلاء على المدينة، فكان عدد القتلى من النساء والأطفال ألفين وثلاثمائة. أما عدد الجرحى فلا يكاد يذكر، لسبب بسيط، وهو أننا لم نكن نترك جرحاهم على قيد الحياة).
وكتب القائد الإفرنسي - الكونت هيربسيون - ما يلي:
(فظائع لا مثيل لها، أوامر بالشنق تصدر عن نفوس كالصخر، يقوم بتنفيذها جلادون قلوبهم كالحجر، بالرمي بالرصاص أحيانا، وباستعمال السيف في أحيان أخرى، في أناس مساكين كل ذنبهم أنهم لا يستطيعون إرشادنا إلى ما نطلب منهم أن يرشدونا إليه. ومع ذلك فإن الميل إلى سفك الدماء، وحب التعذيب بإزهاق الأرواح جملة، وبإبادة القرى والقبائل، وإحراق البيوت والتمثيل بالموتى والإجهاز على لجرحى، والفتك بالأطفال والشيوخ والنساء، والاتجار بأعضائهم المبتورة، وحليهم ومتاعهم الغارق في دمائهم. هذا الميل لم يجد في كل الذي رويت لك طرفا منه - ما يشبعه أو يرضيه، فأخذ الإفرنسيون يتفنون في ابتكار وسائل أخرى لم يعرفها تاريخ البشرية على كثرة ما حفل به هذا التاريخ من الفظائع والآثام، فهدتهم غريزة التدمر والتخريب النامية عندهم إلى طريقة أسموها أنفسهم (بجهنم) وخلاصة هذه الطريقة، أن يسد الجنود الإفرسيون باب الكهف أو المغارة التي يلجأ إليها الجزائريون بنسائهم وأطفالهم ومواشيهم فرارا من الموت والقتل والإحراق، ثم يشعلوا في بابها نارا حامية، فيختنق القطيع البشري داخل المغارة مع قطعان الماشية التي صاحبته إلى جوفها، فإذا انبلح الفجر، ذهب الإفرنسيون لمشاهدة هياكل الثيران والحمير والخرفان ويظهر أنها اندفعت بغريزتها نحو مخرج الكهف بحثا عن الهواء الذي انعدم في الداخل فتكدست بعضها فوق بعض، وتكومت جثث الرجال والنساء والأطفال بين هذه الحيوانات ومن تحتها. وشوهد رجل ميت وهو جاث على ركبتيه وقد أمسكت يداه قرن ثور محترق وبجواره امرأة ميتة تحتضن بين ذراعيها طفلها الميت، مما
يدل على أن هذا الرجل قد اختنق وهو يدافع عن امرأته وطفله اللذين اختنقا أيضا إثر هجوم الثور عليهما) (1)
(1) - تاريخ الجزائر - الأستاذ مجاهد ميعود 1/ 339 - 341.