المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثانيالتماثل الصوتي الناقص (الإبدال) - أثر القراءات القرآنية في الصناعة المعجمية تاج العروس نموذجا

[عبد الرازق بن حمودة القادوسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: القراءات والأصوات

- ‌الفصل الأول: القراءات والحركات

- ‌المبحث الأول:التماثل الصوتي في الفتح

- ‌المبحث الثانيالتماثل الصوتي في الكسر

- ‌المبحث الثالثالتماثل الصوتي في الضم

- ‌المبحث الرابعالتماثل في السكون

- ‌الفصل الثانيالقراءات والصوامت

- ‌المبحث الأولالتماثل الصوتي التام (الإدغام)

- ‌المبحث الثانيالتماثل الصوتي الناقص (الإبدال)

- ‌المبحث الثالثالهمز بين التحقيق والتخفيف

- ‌المبحث الرابعهَاءُ السَّكْتِ

- ‌الباب الثاني: القراءات والبنية الصرفية

- ‌الفصل الأولتغيير بنية الأفعال

- ‌المبحث الأولالتغيير في الحركات(البناء للفاعل والمفعول)

- ‌المبحث الثانيالتغيير فى الصوامت (بالزيادة)

- ‌الفصل الثانيتغيير بنية الأسماء

- ‌المبحث الأولتغيير المشتق

- ‌المبحث الثانيالتغيير في صيغة الجمع

- ‌الباب الثالث: القراءات والدلالة

- ‌الفصل الأولالمُعَرَّب

- ‌الفصل الثانيالتغير الدلالى

- ‌المبحث الأولتغير الدلالة لتغير الصوت

- ‌المبحث الثانيتغير الدلالة لتغير البنية

- ‌الخاتمة

- ‌فهرسالقراءات القرآنية الواردة فى الدراسة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الثانيالتماثل الصوتي الناقص (الإبدال)

‌المبحث الثاني

التماثل الصوتي الناقص (الإبدال)

الإبدال عند اللغويين " إِقَامَةُ حَرْفٍ مَكَانَ حَرْفٍ مَعَ الإِبْقَاءِ على سَائِرِ حُرُوفِ الكلمةِ"(1). والإبدال الذي يتناوله هذا المبحث، هو الإبدال الذي يشترط لكي تعد الكلمتان من بابه أن تكون بين الصوتين علاقة تدعو إلى إحلال أحدهما محل الآخر.

قال أبو سعيد السيرافي: " إنما يُعْلَمُ ما تَنَاسَبَ من الحروف باللغة أن يُبْدَلَ حرفٌ من أخيه ويكون معه في قافية واحدة، مثل: مَدَحَ ومَدَهَ، والنون والميم في قافية والعين والهمزة، مثل: استأديت واستعديت، وهذا كثير، يُبْدَلُ الحرف من أخيه فَيُدْغَمُ فيه إذا قَرُبَ ذلك القُرْبِ"(2).

ويقول الأستاذ الدكتور: عبد الصبور شاهين كأنه يشرح مقولة الفراء: "الصوتان المُبْدَلُ أحدُهما من الآخر لا يمكن إلا أن يكونا على علاقة مخرجية ووصفية وفي ضوء هذه العلاقة نستطيع أن نضع تعليلا لما لدينا من أمثلة حدث فيها إبدال فإذا انتفت فَثَمَّةَ مجالٌ للقول بالإبدال بل يكون كل منهما أصل لغوي بذاته فمثال ما كانت بين الصوتين فيه علاقة مخرجية ما روته المعاجم من أن: "كل جريء سَبَنْدَى وسَبَنْتَى"، فبين الدال والتاء وَحْدَةٌ في المخرج، واتفاق في صفة الشِّدَةِ واختلاف بالجَهْرِ والهَمْسِ، وهذه العلاقة تسمح بانتقال أحد الصوتين إلى الآخر على ألسنة الناطقين باللغة. كما ينبغي الإشارة إلى ضرورة اتحاد المعنى بين اللفظين المُبْدَلَيْنِ اتحاداً كاملاً؛ لأن اختلافه يدل على انعدام الصلة بينهما غالبا، وعلى استقلال كل منهما بوضعه"(3).

وعندما تحدث ابن جني عن الحرفين المتقاربين يستعمل أحدهما مكان صاحبه اشترط أن يؤول أحد اللفظين على الآخر عند التصرف، نحو: فلان

(1) أبو الطيب اللغوي: الإبدال: 9.

(2)

شرح كتاب سيبويه: 3/ 193.

(3)

أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: 269.

ص: 98

خَامِلُ الذكر وخَامِنُهُ، فالفعل منهما: خمل يخمل خمولا، أما إذا استقل كل منهما بتصريف خاص، لم يَسُغْ أَنْ يُقُالَ بَالْبَدَلِ بينهما" (1).

ويقرر الأستاذ الدكتور: إبراهيم أنيس أن لفظة "إبدال" تدل على " أن التطور واقع على لفظ الكلمة، أي في أصواتها، لا في معناها، ومعلوم أن تطور الأصوات إنما يتجه بها إلى أن تماثل نظائرها أو أن تخالفها، ولكل من المماثلة والمخالفة حدود فالمماثلة يشترط فيها وجود علاقة بين الصوتين من تجانس أو تقارب، والمخالفة إنما تحدث دائما في اتجاه أصوات اللين وما أشبهها وبخاصة النون واللام "(2).

ويتم المعنى السابق بقول الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين:" فما خرج عن ذلك لم يكن بوسعنا تفسيره إلا على أساس استقلاله في أصل وضعه اللغوي. والغالب فيما جاء على قاعدة المماثلة أو المخالفة أن ينتسب إلى لهجتين مختلفتين، أما غيرهما فيمكن أن يجتمع الأصلان في لهجة واحدة "(3).

(1) الخصائص: 2/ 82.

(2)

الأصوات اللغوية: 152.

(3)

أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: 271.

ص: 99

وقد جمع أحد اللغويين المعاصرين (1) عينة من الكلمات التي وقع فيها إبدال على أساس من التقارب أو التجانس بين الصوتين البدل والمبدل منه، وقد خرج بالنتائج الآتية:

م

صوتا الإبدال

عدد الروايات

1 س مع ص

48

2 س مع ش

25

3 ك مع ق

23

4 م مع ب

18

5 ح مع خ

17

6 ع مع غ

16

7 ص مع ض

9

8 ث مع س

9

9 ت مع ط

8

10 د مع ط

8

11 ز مع س

8

12 ء مع و

8

وهكذا

إلى أن تبلغ حالات التبادل رواية واحدة في قليل من المتقارب، كالميم مع الفاء والحاء مع الهاء، وكثير من المتباعد، كالباء مع الدال، والقاف مع الفاء (2).

والواضح أن كثرة أمثلة الأزواج الثلاثة الأولى – في الجدول السابق - هي التي دعت القدماء من علماء اللغة إلى أن يعتبروا الإبدال بين كل زوجين منها

(1) عبد الصبور شاهين: أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: 292، 293. وعلى الرغم من أن هذه العينة من واقع معجم لسان العرب لابن منظور، فإنها جاءت صادقة لحد كبير مع القراءات لسبب بسيط يتمثل في أن المعاجم العربية ومنها اللسان أخذت غالب أمثلتها في هذا المجال من القراءات القرآنية.

(2)

عبد الصبور شاهين: أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: 292، 293.

ص: 100

قياسا وأن يفسروا ما ورد فيها من الروايات على أنه من الإبدال الجائز قياسا، لا على اللغات المنتسبة إلى بيئات مختلفة (1).

ويروي صاحب اللسان عن قطرب: " أن قوما من بني تميم يُقَالُ لهم "بَلْعَنْبَرِ" يَقْلِبُونَ السين صاداً عند أربعة أحرف: الطاء، والقاف، والغين، والخاء، إذا كُنَّ بعد السين، ولا يبالون أثانية كانت أم رابعة بعد أن يَكُنَّ بعدها يقولون: سراط وصراط، وبسطة وبصطة، وسيقل وصيقل، وسرقت وصرقت، ومسبغة ومصبغة، ومسدغة ومصدغة، وسَخَّرَ لكم وصَخَّرَ لكم، والسَّخَبُ والصَّخَبُ"(2).

ومن أمثلة الإبدال بين الصاد والزاي قول الجوهري: العلوز لغة في العلوص (3)

والقَنْز لغة في القَنْص وحكى يعقوب أنه بَدَل (4). ويروي ابن سيده: الحَزْد لغة في الحَصْد مُضَارَعَةً، ومثلها: الزَّقْرُ والصَّقْرُ، مُضَارَعَةً (5).

وقد حفلت المعاجم العربية المطولة بالحديث عن الإبدال وأنواعه، وخير من يمثل هذا التوجه (المخصص) لابن سيده؛ لأنه عقد بابا للبدل، تناول فيه الحروف التي يقع فيها البدل، والعلة من البدل فأرجعه إلى ثلاثة أسباب هي: طلب الخفة وكثرة الاستخدام ومناسبة الأصوات بعضها البعض. ثم تناول مراتب حروف البدل في القوة والضعف، ثم تناول اللغات التي تبدل فيها السين صادا، ثم عقد بابا لم يجيء مقولا بحرفين وليس بدلا، ثم ختم الباب بما يجري مجرى البدل (6) وفي خضم تناول المعجميين لهذا الباب كان للقراءات القرآنية دورها البارز في الحفاظ على صور عدة من باب الإبدال الصوتي لم يغفلها المعجميون، بل اتخذواً منها شواهد في معاجمهم على وقوع هذه الظاهرة في اللغة؛ ولأنها صارت قرآناً يتعبد بتلاوته نالت اهتماماً كبيراً من اللغويين والنحويين والقراء على السواء.

(1) عبد الصبور شاهين: أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: 292، 293.

(2)

اللسان: (صدغ).

(3)

هو وجع يصيب البطن ويقال له أيضا اللوى، انظر: الصحاح: (علز).

(4)

اللسان: (قنز).

(5)

اللسان: (زقر).

(6)

انظر: المخصص: 3/ 273 - 286.

ص: 101

وأفاد الزبيدي في تاجه من القراءات التي ورد فيها الإبدال إفادة جمة فهو لا يترك مادةً وردت فيها قراءة بالإبدال إلا نَبَّهَ عليها. وليس له في دراسة هذه الظاهرة منهج واضح؛ لأن طبيعة المعجم تدرس مفردات اللغة بشكل منفصل، مما يفوت على الدارس تكوين صورة واضحة المعالم.

والزبيدي عندما يتناول مفردات هذه الظاهرة كان أحيانا ينسبها إلى بيئتها وأحيانا أخرى لا ينسبها، وأحيانا يعلل لها، وفي الكثير من الأحيان لا يعلل لها وسوف تتضح طريقة تناوله لها من خلال دراسة شواهد الظاهرة في الأسطر القادمة.

أمثلة الإبدال التي تناولها التاج:

م

الآية

القراءة

القارئ

موضعها

المبدل والبدل

الصفة

المادة

1 الصِّرَاطَ

السِّرَاطَ

يعقوب الحضرمي

الفاتحة:6

ص- س

تجانس

سرط

2 الزِّرَاطَ

أبوعمرو، وحمزة

ص - ز

تقارب

زرط

3 بَسْطَةً

بَصْطَةً

(حمزة وأبو عمرو)

البقرة:247

س- ص

تجانس

بصط

4 حَتَّى

عَتَّى

ابن مسعود.

المؤمنون:45

ح - ع

تجانس

حتت

5 الْمُصَيْطِر

الْمُسَيْطِر

(ابن محيصن)

الطور:37

س- ص

تجانس

سطر

6 كُشِطَتْ

قُشِطَتْ

ابن مسعود.

التكوير:11

ك - ق

تقارب

قشط

7 بِضَنِين

بِظَنِين

(ابن كثير)

التكوير:24

ض- ظ

تقارب

ضنن

ص: 102

8 بِمُصَيْطِر

بِمُسَيْطِر

(الكسائي وأبي عمرو وقنبل)

الغاشية:22

س- ص

تجانس

سطر

بصط

9 تَقْهَرْ

تَكْهَر

ابن مسعود.

الضحى:9

ق - ك

تقارب

كهر

10 يَصْدُرُ

يَزْدُرُ

(لم يذكروا قارئها)

الزلزلة:6

ص - ز

تجانس

زدر

11 بُعْثِرَ

بُحْثِرَ

(ابن مسعود)

العاديات:9

ع - ح

تجانس

بحثر

يشير الجدول السابق إلى ما يلي:

1 -

كل الأصوات التي وقع فيها الإبدال هي من قبيل المتجانس أو المتقارب.

2 -

أغلب حالات الإبدال بين السين والصاد.

3 -

المعنى واحد قبل الإبدال وبعده، وكذلك في التصريف.

وهذا يؤكد أن الصور السابقة كلها من باب الإبدال الصوتي الذي يتناول لفظ الكلمة فقط دون معناها.

حينما يلتقي صوتان مجهوران أو مهموسان فإن أحدهما يُقْلَبُ إلى الآخر فيصيران مهموسين أو مجهورين (1)، والسين والصاد صوتان مهموسان والزاي مضارعهما المجهور؛ لذلك فإن أحد هذه الأحرف يُبْدَلُ من الآخر. وقد تحدث الزبيدي عن هذه الظاهرة في أكثر من موضع، كما ذكر بعضا من البيئات التي يحدث فيها هذا القلب وعلل أيضا لحدوث هذه الظاهرة.

وقد كان للقراءة القرآنية أثرها الواضح في تناول الزبيدي لهذه الظاهرة، حيث كانت بالنسبة له الشاهد التطبيقي الذي عَوَّلَ عليه، كما استفاد استفادة كبيرة من تلك الثروة اللغوية التي نتجت عن تناول اللغويين والنحاة والقراء لهذه الظاهرة فكانت مقتبساته من كلامهم مادة شارحه لمداخل معجمه.

ومن هذه المواضع تناوله لما يلي:

(الصِّرَاط): من قوله تعالى: {اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقيم} (2).

[التاج: زرط، وصرط].

(1) انظر: الأصوات اللغوية لإبراهيم أنيس: 117.

(2)

الفاتحة: 6.

ص: 103

(يَصْدُرُ): من قوله تعالى: {يَوْمَئذ يَصْدُر النَّاسُ أشْتَاتاً} (1) حيث قرئ: "يَزْدُر"(2). [التاج: زدر].

(بَصْطَةً): من قوله تعالى: {وزَادَه بَصْطَةً} (3)، حيث قرئ "بَسْطَةً". [التاج: بسط، بصط].

(مُسَيْطِر): من قوله تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهم بِمُسَيْطِر} (4)، وقوله تعالى:{أمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُم المُصَيْطِرُونَ} (5)، حيث قرئ بالسين. [التاج: سطر].

في الحروف السابقة حدث التبادل بين الأصوات الآتية: الصاد، والسين والزاي. والعلة في ذلك حسب معطيات الدرس الصوتي الحديث تكمن في مخارج وصفات هذه الأصوات؛ وذلك كما يلى:

• صوت الزاي: أسناني لثوي، رخو، مجهور، مرقق.

• صوت الصاد: أسناني لثوي، رخو، مهموس، مفخم.

• صوت السين: أسناني لثوي، رخو، مهموس، مرقق.

وبمقارنة هذه الأصوات نلاحظ أنها جميعا من مخرج واحد (أسناني لثوي)، وأنها اتفقت في بعض الصفات، فالسين والصاد صوتان متجانسان؛ لأنه لا فرق بينهما إلا أن السين مرققة، والصاد هو نظيرها المفخم. وأن الزاي أقرب إلى السين من الصاد؛ لأنهما لم يختلفا إلا في صفة واحدة من ثلاثة وهي أن الزاي

(1) الزلزلة: 6.

(2)

انظر: التبيان: 2/ 177، والنشر: 2/ 284، ومعجم القراءات لأحمد:5/ 451 ومعجم القراءات للخطيب: 10/ 535.

(3)

البقرة: 247. وقراءة السين لخلف عن حمزة، والدوري عن أبي عمرو، وهشام ورويس، انظر: النشر: 2/ 261.

(4)

الغاشية: 22، ورسم المصحف (مصيطر) بصاد أسفلها سين، وقراءة السين الخالصة لابن عامر والكسائي وأبي عمرو وابن ذكوان وقنبل وحفص وهشام انظر: السبعة: 186، والدر المصون: 14/ 322، والإتحاف:460، ومعجم القراءات لأحمد مختار: 5/ 372.

(5)

الطور:37، والسين قراءة قنبل وهشام وابن محيصن، انظر: الإتحاف: 715.

ص: 104

مجهورة والسين مهموسة. ولكن يحكم بتجانس هذه الأصوات الثلاثة لتوحد المخرج، وبعض الصفات (1).

وعلى ضوء مفهوم التماثل الصوتي، يصح أن نقول إن تجانس هذه الأصوات هو السبب الرئيس الذي يقف وراء قراءة قوله تعالى:(الصِّرَاط) بالصاد، و (السِّرَاط) بالسين، و (الزِّرَاط) بالزاي الخالصة. فالأصل في (السراط) السين وهو صوت مرقق، ولكن لما جاور الطاء، وهو صوت شديد مفخم، كان من الأسهل في النطق أن يبدل من السين نظيرها المفخم وهو الصاد. يقول الأستاذ الدكتور: عبد الصبور شاهين: "والتأمل في هذه الأمثلة التي قلبت فيها الصاد زايا يجد أنها جميعا تخضع لقانون المماثلة، الأمر الذي جوز أن يجري مثله على لسان فرد واحد، كما يمكن أن يجري على لسان أفراد ينتمون إلى بطون مختلفة في قبيلة واحدة، أو في قبائل مختلفة أيضا"(2).

فالسِّرَاط: الطريق، "والصَّادُ والزَّاي لُغَتانِ فيه، والصَّادُ أَعْلى، للمُضارَعَة وإِنْ كانت السِّينُ هي الأَصلُ، قالَ الفَرَّاءُ: والصَّادُ لغةُ قريشٍ الأَوَّلين الَّتِي جاء بها الكتابُ وعامَّةُ العَرَبِ يَجْعَلُها سيناً، وبه قَرأَ يَعْقوبُ الحَضْرَميُّ، ورُوَيْس. وقولُ من قالَ: الزِّراط، بالزَّاي المُخَلَّصَةِ، وبه قَرأَ بعضُهم (3) "(4).

[التاج: صرط].

قال السمين: "وأصلُه السينُ، وقد قَرَأ به قنبل حيث وَرَدَ، وإنما أُبْدِلَتْ صاداً لأجل حرف الاستعلاء وإبدالُها صاداً مطردٌ عنده نحو: صَقَر في سَقَر، وصُلْح في سُلْح، وإصْبَع في اسبَع، ومُصَيْطِر في مُسَيْطر، لما بينهما من التقارب

وقد تُقْرَأ زاياً مَحْضَةً ولم تُرْسم في المصحف إلا بالصادِ مع اختلافِ قراءاتِهم فيها كما تقدم" (5).

(1) انظر: اللغة العربية معناها ومبناها لتمام حسان: 79، وأثر القراءات في الأصوات والنحو العربي لعبد الصبور شاهين:293.

(2)

أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي:296.

(3)

قراءة أبي عمرو، ورواية الكسائي عن حمزة، انظر: الحجة لابن خالويه: 303 والعنوان لابن خلف: 8، والتبيان للعكبري:1/ 7، ومعجم للخطيب: 1/ 17 – 19.

(4)

التاج: 19/ 345.

(5)

الدر المصون: 1/ 41.

ص: 105

ويذكر الزبيدي - عند تناوله لقوله تعالى: {وزَادَه بَصْطَةً} (1) - أن "البَسْطُ في جَميع مَا ذُكر من مَعانيه في السِّين يَجوز فيه الصَّاد. وأَصْلُ صادِهِ سِينٌ قُلِبت مع الطَّاءِ صاداً لقُرْبِ مَخَارِجِهَا"(2).

ويكرر قريبا من هذا المعنى في مادة (س ط ر) فيقول: "وفي التَّنْزِيلِ العَزِيز {لَسْتَ عَلَيْهم بِمُسَيْطِر} (3) أَي بمُسَلَّط وقد تُقْلبُ السِّينُ صاداّ لأَجْلِ الطَّاءِ. وقال الفَرَّاءُ: في قوله تعالى: {أمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُم المُصَيْطِرُونَ} (4) قال المُصَيْطِرُونَ كِتَابَتُها بالصاد وقراءَتُها بالسين. يقال: قد تَسَيْطَرَ عَلَيْنَا وتَصَيْطَرَ بالسَّيْن والصّاد والأَصلُ السّين، وكُلُّ سينٍ بعدَهَا طاءٌ يَجُوزُ أن تقلب صاداً، يقال: سطر وصطر وسطا عليه وصطا"(5).

(يَزْدُر) قراءة في قوله تعالى: {يَوْمَئذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً} (6).

في (ز د ر) يتناول إبدال الصاد زايا فيقول: " قال ابنُ سِيدَه: وعِنْدِي أَنَّ الزَّايَ مُضَارعة وإِنما أَصلُها الصَّاد

وقُرِئ: {يَوْمَئذ يَزْدُر النَّاسُ أشْتَاتاً} (7) وسائِر القُرَّاءِ قَرَؤُوا " يَصْدُر" وهو الحَقّ. قال شيخُنَا: أَما إشْمام صادِه زاياً فهي قراءَة حَمْزَةَ والكِسَائِيّ (8). وأمّا قِرَاءَةُ الزَّاي الخالِصَة فلا أَعْرِفُهَا وإن ثَبَتَتْ فهي شاذَّةٌ " (9).

(1) البقرة: 247. وقراءة السين لخلف عن حمزة، والدوري عن أبي عمرو وهشام ورويس، انظر: النشر: 2/ 261.

(2)

التاج: 19/ 154.

(3)

الغاشية: 22، ورسم المصحف (مصيطر) بصاد أسفلها سين، وقراءة السين الخالصة لابن عامر والكسائي وأبي عمرو وابن ذكوان وقنبل وحفص وهشام انظر: السبعة: 186، والدر المصون: 14/ 322، والإتحاف:460، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 372.

(4)

الطور:37، والسين قراءة قنبل وهشام وابن محيصن، انظر: الإتحاف: 715.

(5)

التاج: 12/ 26.

(6)

سورة الزلزلة: 6.

(7)

انظر: التبيان:2/ 177، والنشر: 2/ 284، ومعجم القراءات لمختار:5/ 451 ومعجم القراءات للخطيب:10/ 535.

(8)

انظر القراءة في: النشر: 2/ 284، والإتحاف:344.

(9)

التاج: 11/ 418.

ص: 106

ويُخْلَصُ مما سبق إلى أن كثرة تبادل كل من: السين، والصاد، والزاي هي التي دعت القدماء من علماء اللغة إلى أن يعتبروا الإبدال بين كل زوجين منها قياساً وأن يفسروا ما ورد فيها من الروايات على أنه من الإبدال الجائز قياساً، لا على اللغات المنتسبة إلى بيئات مختلفة (1).

(كُشِطَتْ): من قوله تعالى: {وَإِِذََا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} (2)، حيث قرئ "قُشِطَتْ".

(تَقْهَرْ): من قوله تعالى: {فَأمَّا اليَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} (3)، حيث قرئ "تَكْهَرْ".

ذكر الزبيدي في مواضع عدة أن الكاف يُبْدَلُ منها القاف والعكس، من هذه المواضع مادتي (ق ش ط) و (ك ش ط) حيث دار شرح المادتين حول قِرَاءَةِ عَبْدِ اللهِ بن مَسْعُودٍ لقوله تعالى:{وَإِِذََا السَّمَاءُ قُشِطَتْ} (4) بالقاف، وقد شكلت القراءة حيزاً كبيراً من شرح المادتين، ذكر خلال هذا الحيز أن تَمِيماً وأَسَداً يقولون: قَشَطْتُ بالقَاف. وأَنَّ قريشاً وقيساً يقولون: كَشَطْتُ بالكاف، والمعنى واحد وأن هذا البدل وقع في كثير من الكلمات، نحو: القَحْطِ والكَحْطِ، والقَافُور والكافُور

ويروي عن يعقوب قوله: "ولَيْسَتِ الكافُ في هذا بَدَلاً من القَافِ لأَنَّهُمَا لُغَتَانِ لأَقْوامٍ مُخْتَلِفينَ"(5).

وكونهما لأقوام مختلفين لا ينفي عنهما البَدَلَ، ولكنه بَدَلٌ معروفٌ في بيئة محددةٍ والذي يؤكد البدل فيه أنه واقعٌ في كل تصاريف المادة مع تَوَحُّدِ المعنى، مما دعا الجوهري إلى إهماله على أن (قَشَطَ) لغةٌ في (كَشَطَ) على طريق البدل، وأن هذا البدل مُطَّرِدٌ في كثير من الكلمات كما مرَّ. وفي (ك هـ ر) يستهل الزبيدي المادة بقوله: " الكَهْرُ: القَهْر، وقرأَ ابنُ مَسْعُود:{فَأمَّا اليَتِيمَ فَلَا تَكْهَرْ} (6)

(1) انظر: أثر القراءات القرآنية في الأصوات لعبد الصبور شاهين: 192، 193.

(2)

التكوير: 11.

(3)

الضحى: 9.

(4)

انظر القراءة في الدر المصون: 14/ 281، ومعجم القراءات للخطيب:10/ 363.

(5)

التاج: 20/ 59.

(6)

هي قراءة ابن مسعود والشعبي وإبراهيم التيمي، انظر: الطبري في الجامع: 24/ 249، والقرطبي: جامع الأحكام: 19/ 235، وأبي حيان: البحر المحيط: 10/ 441، والدر المصون: 14/ 362، ومعجم القراءات للخطيب: 10/ 484.

ص: 107

وَزَعَم يعقوبُ أنَّ كافَه بدلٌ من قافِ القهر، كَهَرَه وقَهَرَه بمعنىً" (1). فهو يستدل بالقراءة على أن (الكَهْرُ) قد يأتي ويقصد به (القَهْر) على سبيل إبدال القاف كافا. وبمقارنة الصوتين من حيث المخرج والصفات يتضح أن صوت:

• القاف: لهوي، شديد، مهموس، مفخم.

• الكاف: طبقي، شديد، مهموس، مرقق.

وبذلك يتبين التقارب الشديد بين الصوتين، وهذا التقارب هو الذي دعا إلى وقوع البدل بينهما.

(حَتَّى): من قوله تعالى: {حَتَّى حِين} (2) حيث قرئ بالحاء والعين في (حتى).

(بُعْثِرَ): من قوله تعالى: {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القُبُورِ} (3)، حيث قرئ "بُحْثِرَ" بالحاء.

تناول الزبيدي قوله تعالى: {حَتَّى حِين} في مادتي: (ح ت ت)(4)، و (ع ت ت)(5) ونص فيهما على أن (عَتَّى) لُغَةُ هُذَيْلٍ وثَقِيفٍ في (حَتَّى)، واستدل بقراءة ابن مسعود فقال: "وفي الحديث أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بَلَغَهُ أَنَّ عبدَ الله بن مسعود يُقْرِئُ الناسَ: {عَتَّى حِين} (6) يريد {حَتَّى حِين} ، فقال: إِنَّ القُرْآنَ لم يَنْزِلْ بِلُغَةِ هُذَيْلٍ فأقْرِئِ الناسَ بلغةِ قُرَيْشٍ (7).

فالعين في هذه القراءة قد أبدلت من الحاء، والذي سوغ هذا الإبدال أن العين هو النظير المجهور للحاء، يتضح ذلك من عرض صفاتهما ومخرجهما كما يلي:

• الحاء: حلقي، رخو، مهموس، مرقق.

(1) التاج: 14/ 82.

(2)

يوسف: 35، والمؤمنون:25،54، والصافات: 174،178، والذاريات:43.

(3)

العاديات: 9.

(4)

التاج: 4/ 490.

(5)

التاج: 5/ 8.

(6)

انظر النشر: 1/ 34، والدر المصون: 9/ 19.

(7)

انظر أيضا: جامع الأحكام للقرطبي: 1/ 45، وروح المعاني للألوسي: 9/ 12 والجامع للسيوطي: 27/ 333، مسند عمر بن الخطاب رقم:30179.

ص: 108

• العين: حلقي، رخو، مجهور، مرقق.

فالصوتان اتفقا في المخرج، وصفتي الرخاوة، والترقيق. إلا أن الحاء مهموس والعين مجهور. وهذا التوحد في المخرج، والتقارب في الصفات هو الداعي للإبدال. وعلى هذا التحليل يحمل قوله تعالى:{إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القُبُورِ} (1)، حيث قرئ "بحثر"(2).

ويعلل الأستاذ الدكتور: عبد الصبور شاهين لحدوث هذه الصور من البدل فيقول: "السبب في حدوث مثل هذه الألفاظ على ألسنة العرب إنما هو انقسام المجتمع آنذاك إلى حضري أو متأثر بحضارة مجاورة، وإلى بدوي أو متأثر ببداوة مجاورة، وقد لاحظ أيضا أن الحضر يمتازون بهمس المجهورات، وإرخاء الشديد من الأصوات وترقيق المفخم منها غالبا في حين يغلب على البدوي أن يجهر بالمهموس، أو ينطق الرخو شديدا، وأن يفخم الأصوات المرققة"(3).

ويُخْلَصُ مما سبق إلى أن الإبدال مبحث من المباحث الصوتية التي يُطَالَبُ بها المعجميُّ عند صناعته لمعجمه؛ لأنه ضروري في تحديد العلاقة بين بعض المفردات التي اختلفت في صوت واحد نحو: "حَتَّى وعَتَّى"، و" بَعْثَرَ وبَحْثَرَ" و"السِّرَاط والصِّرَاط "

هل هذه المفردات تختلف في المعنى أم تتفق؟. ومطالع المعجم لاشك أنه في حاجة إلى ذلك، ومن هذا المنطلق قد اهتم الزبيدي في معجمه بهذه الظاهرة متخذاً من القراءات القرآنية وما دار حولها من نقاشات لغوية زاداً له في معجمه. ويمكن إجمال مردود هذا المبحث على الصناعة المعجمية في النقاط الآتية:

1 -

أفاد المعجم من درس الإبدال طرائق عدة لنطق بعض الكلمات، مما يفتح بابا من أبواب اليسر لمستخدم العربية من ناحية، ويفسر اختلاف النطق للكلمة الواحدة في بعض اللهجات من ناحية أخرى. وذلك نحو:"الصراط" و"السراط" و"الزراط" بالصاد والسين والزاي، والمعنى واحد، من قبيل الإبدال الاختياري أو تعدد اللغات. ونحو: يصدر ويزدر، وقشطت وكشطت، وبعثر وبحثر، وتقهر وتكقهر.

2 -

كما أن هذا الدرس أفاد المعجم في معرفة أصل الكلمة، وما حدث لها من تغيير في الأصوات، وبالتالي أسهم ذلك في فهم المعنى، نحو:"مدكر" بالدال وأن أصلها بالذال من (ذكر)، وأن ما حدث فيها هو من باب الإبدال والإدغام.

3 -

ومن أهم نتائج هذا المبحث أن الدراسة كشفت عن مواد في المعجم العربي كان الفضل في وجودها للقراءة القرآنية القائمة على الإبدال، منها:

1) مادة (زدر): بنيت على قراءة "يَزْدُرُ"(4) في قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا} (5).

2) مادة (زرط): بنيت على قراءة "الزِّرَاط"(6) في قوله تعالى: {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (7). حيث إنها لغة فيه.

3) مادة (دكر): قال عنها الخليل: إنها ليست من كلام العرب (8). وأول ظهورها كمادة كان في التهذيب (9)، وقد بناها على قوله تعالى:{فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} (10). ثم توسع فيها كل من اللسان والتاج في ضوء الآية نفسها.

(1) العاديات: 9.

(2)

هي قراءة ابن مسعود، انظر: جامع البيان للطبري: 24/ 568، وجامع الأحكام للقرطبي: 20/ 163، والدر المصون: 14/ 391، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 456.

(3)

أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: 298.

(4)

انظر: التهذيب: 13/ 126، واللسان، والتاج (زرد).

(5)

الزلزلة: 6.

(6)

انظر: التهذيب: 13/ 124، والمحيط لابن عباد:2/ 292، والعباب للصاغاني، واللسان، والقاموس، والتاج (زرط).

(7)

الفاتحة: 6.

(8)

العين: 5/ 327.

(9)

11/ 64.

(10)

القمر: 17.

ص: 109

4) مادة (قشط): أول ظهورها كمادة كان لدى الأزهري في التهذيب (1)، وبناها على قراءة "قُشِطَتْ" (2) في قوله تعالى:{إِذَا السَّمَاءُ كُُشِطَتْ} (3).

5) مادة (كهر): ذكرها الخليل في العين (4)، وبناها على قراءة "تَكْهَر" (5) في قوله تعالى:{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَر} (6).

6) مادة (بحثر): أول ظهورها كان في التهذيب (7)، وكانت تشكل ما بين السطر إلى الثلاثة، استمر هذا الحال في المعاجم حتى القاموس المحيط، ثم إن اللسان والتاج توسعا فيها بناء على قراءة "بُحْثِرَ" في قوله تعالى:{إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ} (8).

7) مادة (صطر): بنيت على قراءة "بِمُصَيْطِرٍ" في قوله تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} (9) حيث قرئ بالسين والصاد (10).

8) مادة (بصط): وردت في المقاييس (11)، والمحيط في اللغة لابن عباد (12) وشُرِحَتْ على ضوء قراءة "بَصْطَةً" في قوله تعالى:{وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} (13).

(1) 8/ 246.

(2)

انظر: المحيط في اللغة لابن عباد: 1/ 435، والمحكم والمحيط الأعظم لابن سيده: 1/ 223، واللسان والتاج (قشط).

(3)

التكوير: 11.

(4)

3/ 376.

(5)

انظر: الجمهرة لابن دريد:1/ 444، والمقاييس لابن فارس: 5/ 144، والمحيط في اللغة لابن عباد: 1/ 279، والصحاح للجوهري، والمحيط الأعظم لابن سيده: 1/ 12 واللسان والتاج، وقد توسعا فيها.

(6)

الضحى:8.

(7)

5/ 218.

(8)

العاديات: 9.

(9)

الغاشية: 22.

(10)

التاج: سطر: 12/ 26.

(11)

1/ 252.

(12)

2/ 213.

(13)

البقرة: 247.

ص: 110

9) مادة (تخذ): ظهرت في المحكم (1)، وبنيت على قراءة "لتخذت" في قوله تعالى:{قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} (2)، وقد قرر المعجميون أنها من (تخذ) وليس من (أخذ)(3).

10) مادة (دخر): بنيت في التهذيب على قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيءٍ يَتَفَيَّؤُ ظِلَالُهُ عِنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} (4).

(1) 1/ 140.

(2)

الكهف: 77.

(3)

انظر: السان، والقاموس، والتاج مادة: تخذ.

(4)

النّحل: 48.

ص: 112