المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالثالتماثل الصوتي في الضم - أثر القراءات القرآنية في الصناعة المعجمية تاج العروس نموذجا

[عبد الرازق بن حمودة القادوسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: القراءات والأصوات

- ‌الفصل الأول: القراءات والحركات

- ‌المبحث الأول:التماثل الصوتي في الفتح

- ‌المبحث الثانيالتماثل الصوتي في الكسر

- ‌المبحث الثالثالتماثل الصوتي في الضم

- ‌المبحث الرابعالتماثل في السكون

- ‌الفصل الثانيالقراءات والصوامت

- ‌المبحث الأولالتماثل الصوتي التام (الإدغام)

- ‌المبحث الثانيالتماثل الصوتي الناقص (الإبدال)

- ‌المبحث الثالثالهمز بين التحقيق والتخفيف

- ‌المبحث الرابعهَاءُ السَّكْتِ

- ‌الباب الثاني: القراءات والبنية الصرفية

- ‌الفصل الأولتغيير بنية الأفعال

- ‌المبحث الأولالتغيير في الحركات(البناء للفاعل والمفعول)

- ‌المبحث الثانيالتغيير فى الصوامت (بالزيادة)

- ‌الفصل الثانيتغيير بنية الأسماء

- ‌المبحث الأولتغيير المشتق

- ‌المبحث الثانيالتغيير في صيغة الجمع

- ‌الباب الثالث: القراءات والدلالة

- ‌الفصل الأولالمُعَرَّب

- ‌الفصل الثانيالتغير الدلالى

- ‌المبحث الأولتغير الدلالة لتغير الصوت

- ‌المبحث الثانيتغير الدلالة لتغير البنية

- ‌الخاتمة

- ‌فهرسالقراءات القرآنية الواردة فى الدراسة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الثالثالتماثل الصوتي في الضم

‌المبحث الثالث

التماثل الصوتي في الضم

يتناول هذا المبحث أيضا ما حدث للقراءة القرآنية من تماثل في الضم، وسوف يسرد هذه القراءات الواردة في التاج مدعومة بأقوال المفسرين واللغويين وذلك على النحو التالي:

(مُرُدِّفِينَ)(1): قراءة في قوله تعالى: {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (2). [التاج: ردف].

قال الزبيدي: " قال الخليلُ: سَمِعْتُ رجلاً بمكَّةَ يَزْعُم أَنَّهُ مِن القُرَّاءِ، وهو يَقْرَأُ: مُرُدِّفِينَ، بضَمِّ المِيمِ والرًّاءِ وكَسْرِ الدَّالِ وتَشْدِيدِها

أَصْلُهَا: مُرْتَدِفِينَ، لكنْ بعدَ الإِدْغَامِ حُرِّكتِ الرَّاءُ بحَرَكةِ المِيمِ ".

وهذا معناه أن في هذه القراءة تأثيرًا مقبلاً (تقدميًا) حيث تأثرت الراء الساكنة بحركة الميم قبلها فماثلتها في الضم (3).

(يُخُصِّفانِ)(4): قراءة في قوله تعالى: {يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ} (5)[التاج: خصف].

وهي قراءة عبد الله بن يزيد، بضم الياء والخاء وكسر الصاد مشددة، وهي مِنْ (خَصَّفَ، يُخَصِّفُ) بالتشديد، فالفعل رباعي مضموم الياء في المضارع، والأصل أن تكون حركة الخاء الفتح، إلا أننا نجد أن الخاء تابعت الياء قبلها في الضم، وهي قراءة عَسِرةُ النطق، ويدل على أن أصلها مِنْ (خَصَّف) بالتشديد قراءةُ بعضهم "يُخَصِّفَانِ" كذلك إلا أنه بفتح الخاء على أصلها (6). ويعد التأثير هنا تقدميا حيث تأثرت حركة الخاء بحركة الياء قبلها.

(1) هي رواية الخليل بن أحمد، انظر: الدر المصون: 7/ 356، ومعجم القراءات لمختار: 2/ 255، ومعجم القراءات للخطيب: 3/ 265.

(2)

الأنفال: 9.

(3)

وانظر هذه الوجوه أيضا في: الكتاب لسيبويه: 4/ 444، إعراب القرآن للنحاس: 2/ 178، وإعراب القرآن للزجاج: 1/ 222، والدر المصون للسمين: 7/ 357.

(4)

قراءة عبد الله بن يزيد، انظر: الدر المصون: 7/ 102.

(5)

الأعراف: 22.

(6)

انظر الدر المصون: 7/ 102.

ص: 60

إن الجموع التي وردت في القرآن الكريم على زنة (فُعُول) قرئت بضم فائها على الأصل، والكسر فيها لغة ثانية، وذلك نحو:

(شُيُوخ)(1): من قوله تعالى: {ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا} (2). [التاج: شيخ].

(بُيُوت)(3): من قوله تعالى: {ولَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} (4)[التاج: بيت]. قال الزبيدي:" (شُيُوخٌ)، بالضمّ على القياس، (وشِيُوخٌ)، بالكسر لمناسَبَة التّحتيّة، كما في بيوتٍ وبابه".

(جُيُوبٌ)(5): من قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (6).

ذكر الزبيدي أن الجيوب بضم الجيم وكسرها. [التاج: جيب].

(عُيُون)(7): من قوله تعالى: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} (8). [التاج: عين].

والضم قراءة الجمهور، وهو الأصل (9)، بل قال الزجاج: وأكثر النحاة لا يعرفون الكسر، وهو رديء عند البصريين؛ لأنه ليس في كلام العرب "فِعُول" بكسر الفاء (10).

والدارس لا يؤيد رأي البصريين في وصفهم لغة الكسر بالرداءة؛ لأنها لغة فصيحة أكد القرآن على فصاحتها؛ والقراءة سنة متبعة.

(1) كسر الشين قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة ونافع وآخرين، انظر: السبعة: 178، والنشر: 2/ 266، والإتحاف:155.

(2)

غافر: 67.

(3)

كسر الباب قراءة ابن كثير وابن عامر والكسائي، السبعة لابن مجاهد:178.

(4)

البقرة: 189.

(5)

كسر الجيم قراءة ابن كثير وابن ذكوان وأبي بكر عن عاصم وحمزة والكسائي وآخرين، انظر: معاني القرآن للزجاج: 4/ 38، والنشر: 2/ 226، والإتحاف:393.

(6)

النور: 31.

(7)

كسر العين قراءة ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم والأعمش، انظر: معاني القرآن للزجاج: 5/ 87، ومعجم القراءات للخطيب: 9/ 222.

(8)

القمر: 12.

(9)

انظر: الحجة لابن خالويه: 93، والبحر المحيط لأبي حيان: 2/ 64.

(10)

انظر: إبراز المعاني: 357.

ص: 61

ويحتج ابن خالويه لمن كسر بانيا حجته على التأثيرات الصوتية المتبادلة بين الحروف فيقول: "الحجة لمن ضم أنه أتى بالكلام على أصل ما وجب للجمع

والحجة لمن كسر أنه لما كان ثاني الكلمة ياء، كرهوا الخروج من ضم إلى ياء، فكسروا أول الاسم لمجاورة الياء، ولم يجمعوا بين ضمتين إحداهما على ياء. فإن قيل فما حجة من ضم العين من (العيون) والجيم من (الجيوب) وكسر الباء من (البيوت)، فقل العين حرف مستعل مانع من الإمالة فاستثقل الكسر فيه، فأبقاه على أصله، والجيم حرف شديد متفش فثقل عليه أن يخرج به من كسر إلى ضم فأجراه على أصله، والحجة لمن كسر الباء كثرة استعمال العرب لذلك، وهم يخففون ما يكثرون استعماله، إما بحذف وإما بإمالة وإما بتخفيف، ودليل ذلك إمالتهم (النار) لكثرة الاستعمال، وتفخيم (الجار) لقلة الاستعمال" (1).

ويزيد أبو زرعة المسألة وضوحا فيقول: " إنهم استثقلوا الضمة في الباء وبعدها ياء مضمومة، فيجتمع في الكلمة ضمتان بعدها واو ساكنة، فتصير بمنزلة ثلاثة ضمات، وهذا من أثقل الكلام، فكسروا الباء لثقل الضمات، ولقرب الكسر من الياء "(2).

(نُصُوحَاً)(3): من قوله تعالى: {تَوْبَةً نَصُوحَاً} (4).

قال الزبيدي: " قال الفرّاءُ (5): قرأَ أَهل المدينة " نَّصُوحاً " بفتح النُّون، وذُكِرَ عن عاصِمٍ بضمّ النّون. فالذين قَرَءُوا بالفتح جعلوه من صفة التَّوبَة، والذين قرءُوا بالضّمّ أَرادوا المصدر مثل القُعود. وقال المفضّل: بات عَزُوباً وعُزُوباً، وعَرُوساً وعُرُوساً ". [التاج: نصح].

(1) الحجة: 93.

(2)

الحجة: 127.

(3)

قراءة الضم لأبي بكر وخارجة، والفتح للجمهور، انظر: معاني الفراء: 3/ 353، السبعة لابن مجاهد:641، والتيسير لأبي عمرو:131.

(4)

التحريم: 8.

(5)

انظر: معاني القرآن: 3/ 168.

ص: 62

فضم الحاء هو الأصل في المصدر: نَصَحَ يَنْصَحُ نُصُوحَاً، والفتح على المبالغة في الصفة (فَعُول)(1).

(السُّحُت)(2): من قوله تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} (3). [التاج: سحت].

استهل الزبيدي هذه المادة بقوله: السُّحْتُ، والسُّحُتُ (بالضَّمِّ وبضَمَّتَيْنِ)، وقُرِئِ بهما قولُه تعالَى:{أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} مُثَقَّلاً ومُخَفَّفاً.

مخففا أي بسكون الحاء، ومثقلا أي بضمها، وضم الحاء هو الأصل، وسكونها لغة فيها قامت على التخفيف بالانتقال من الضم إلى السكون (4).

(سُخْرِيَّاً)(5): من قوله تعالى: {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيَّاً} (6).

قال الزبيدي:" الاسمُ السُّخْرِيَةُ والسُّخْرِيُّ، بالضَّمّ ويُكْسَرُ

وقُرِئ بالضَّمّ والكَسْر قوله تعالى: {لّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً} (7)

وهو سُخْرَةٌ لِي وسُخْرِيٌّ وسِخْرِيٌّ بالضَّمّ والكَسْر. وقيل: السُّخْرِيّ بالضَّمّ: من التَّسْخِير: والسِّخْرِيّ، بالكَسْر، من الهُزْءِ. وقد يقال في الهُزْءِ سُخْرِيّ وسِخْرِيّ، وأَمّا من السُّخْرَة فواحِده مَضْمُوم. وقوله تعالى:{فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً} بِالْوَجْهَيْن، والضَّمّ أَجْوَدُ. [التاج: سخر].

والضم على أن أصل المصدر ضم السين والخاء (سُخُر) وتسكين الخاء لغة فيه راعت التخفيف. وفي (سِخْرِيَّاً) كسرت الراء لتماثل الياء، فكان ذلك مسوغا لكسر السين لتماثل الراء، فقرئ (سِخْرِيَّاً)، أما من قرأ (سُخْرِيَّاً) فعلى الأصل. وقيل بالرفع من التسخير، وبالكسر من الهزء (8).

(1) انظر: الحجة لابن خالويه: 349، والحجة لابن زنجلة:714، والدر المصون: 7/ 99.

(2)

الضم قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي، والسكون قراءة الباقين، انظر: السبعة لابن مجاهد: 243، والتيسير للداني: 74، والدر المصون: 5/ 306.

(3)

المائدة: 42.

(4)

انظر: الحجة لأبي زرعة: 225.

(5)

الضم قراءة نافع وحمزة والكسائي، والكسر قراءة الباقين، انظر: التيسير: 107، والسبعة: 448 والنشر: 2/ 329، والإتحاف:571.

(6)

المؤمنون: 110.

(7)

الزخرف: 32.

(8)

انظر: المعاني للفراء:2/ 243، والحجة لأبي زرعة:492، والدر المصون:1/ 70.

ص: 63

(كُفُؤَاً)(1): من قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْوَاً أَحَدٌ} (2). [التاج: كفأ].

(هُزُؤَاً)(3): من قوله تعالى: {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوَاً} (4). [التاج: هزأ].

يذكر الزبيدي أن في "كُفْوَاً" ثلاثُ قراءات، الأولى قراءة الجمهور:(كُفُؤَاً) بضمتين مع الهمز، والثانية قراءة حمزة:(كُفْأً، كُفْوَاً) بسكونِ العين مع الهمز وَصْلاً، وإبدالَ الهمز واواً وَقَفاً، والثالثة قراءة حفص:"كُفُوَاً" بضمتين مع الواوِ وَصْلاً وَوَقْفاً (5). وقراءة الجمهور على الأصل، والفرق بينها وبين قراءة حفص أن حفص راعى التخفيف فأبدل الهمزة واوا؛ لثقل توالي ضمتين وهمزة، أما حمزة فقد سكن الزاي تخفيفا في الوصل، وجمع بين تسكين الزاي وإبدال الهمزة واوا في الوقف، أي جمع بين وجهين من التخفيف (6).

ويقرر أبو زرعة أن التخفيف لغة تميم والتثقيل لغة أهل الحجاز. ويروي عن عيسى بن عمر أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم فمن العرب من يثقله ومنهم من يخففه نحو: اليُسُر واليُسْر، والعُسُر والعُسْر، فمن سَكَّنَ طلب التخفيف؛ لأنه استثقل ضمتين في كلمة واحدة (7).

وحكمُ "هُزُؤَاً" في قوله تعالى: {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوَاً} حكمُ "كُفُؤَاً" في جميع ما تقدم.

(غُلُفٌ)(8): قراءة في قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} (9).

(1) ضم الفاء قراءة حفص وأبي جعفر والشنبوذي، انظر: النشر: 2/ 215.

(2)

الإخلاص: 4.

(3)

بضم الزاي مع الهمز قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو والكسائي، انظر: السبعة: 157.

(4)

البقرة: 67.

(5)

انظر هذه القراءات: السبعة: 159، والنشر لابن الجزري: 1/ 449، والإتحاف:258.

(6)

انظر: الحجة لابن خالويه:81، والحجة لأبي زرعة: 101، والدر المصون: 1/ 314.

(7)

الحجة: 100، و101.

(8)

قراءة ابن عباس وابن هرمز وابن محيصن وأبي عمرو، انظر السبعة لابن مجاهد:164.

(9)

البقرة: 88.

ص: 64

ذكر الزبيدي لهذا الحرف قراءات منها: "غُلُف" بضم الأول والثاني، و"غُلْف"(1) بتسكين الثاني، وعلى القول بأن ضم اللام أصل، وتسكينها تخفيف فالكلمة جمع لغلاف، أما إذا قلنا إن التسكين أصل لذاته، ولم ينتج عن تخفيف كان جمعا لـ (أَغْلَفٍ). قال الزبيدي:"ولا يَكُونُ الغُلُفُ بضمتين جمعَ أَغْلَفَ؛ لأَنّ فُعُلاً لا يَكُونُ جَمْعَ أَفْعَل عند سِيبوَيْهِ، وقال الكسائيُّ: ما كانَ جمعُ فِعالٍ وفَعُولٍ وفَعِيلٍ على فُعُلٍ مُثَقَّلٍ ". [التاج: غلف].

(خُشْب)(2): قراءة في قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} (3)[التاج: خشب].

ذكر الزبيدي أن هذا الحرف قد قرئ بضمتين "خُشُب"(4)، وبضمة وسكون "خُشْب"، وبفتحتين "خَشَب"(5). وكلها جمع لخَشَبَةٍ، والقراءة الأولى على الأصل والثانية والثالثة على التخفيف. وقيل: خَشَبَةٌ وخُشُبٌ مثلُ ثَمَرَةٍ وثُمُرٍ، وخَشَبَة وخُشْب مثل بَدَنَةٍ وبُدْنٍ، وخَشَبَة وخَشَب مثل شَجَرَةٍ وشَجَر (6).

قال السمين الحلبي:" فأمَّا القراءةُ بضمتَيْن فقيل: يجوزُ أَنْ تكونَ جمع خشَبَة نحو: ثَمَرَة وثُمُر، قاله الزمشخريُّ، وفيه نظرٌ؛ لأن هذه الصيغةَ محفوظةٌ في (فَعَلَة) لا تَنْقاس نحو: ثَمَرَة وثُمُر. ونقل الفاسيُّ عن اليزيدي أنه جمعُ خَشْباء، وأَحْسَبُه غَلِطَ عليه؛ لأنه قد يكون قال "خُشْب" بالسكون جمع خَشْباء نحو: حَمْراء وحُمْر؛ لأنَّ (فَعْلاء) الصفةَ لا تُجْمع على (فُعُل) بضمتين بل بضمةٍ وسكونٍ

وقال أبو البقاء: "وخُشْب بالضمِّ والإِسكان جمعُ خَشَب مثل: أَسَد وأُسْد". فهذا يُوهم أنه يقال: أُسُد بضمتين وليس كذلك " (7).

(1) هي قراءة الجمهور، انظر: الدر المصون:1/ 392.

(2)

هي قراءة أبي عمروٍ والكسائيُّ وقنبلٌ، انظر: الحجة لأبي زرعة: 709.

(3)

المنافقون: 4.

(4)

هي قراءة الجمهور، انظر: الحجة لأبي زرعة: 709.

(5)

قراءة ابن عباس والسعيدان: ابنُ جبير وابنُ المسيَّب، انظر الدر المصون: 13/ 407.

(6)

انظر: معاني القرآن للفراء: 3/ 159، والحجة لابن خالويه: 1/ 346.

(7)

الدر المصون: 13/ 407.

ص: 65

(نُصُب): من قوله تعالى: "كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ"(1). [التاج: نصب].

ذكر الزبيدي أنه قرئ: "نُصُب"(2)، و"نُصْب"(3)، و"نَصَب"(4)، و"نَصْب"(5) وكلها بمعان متقاربة وهو الشيء المنصوب الذي يقصد لعبادة أو غيرها.

وقد جمع السمين ما تفرق في تفسير هذه القراءات فقال: "العامَّةُ على "نَصْبٍ" بالفتح والإِسكان، وابنُ عامر وحفصٌ "نُصُب"بضمتين، وأبو عمران الجوني ومجاهد "نَصَب" بفتحتَيْن، والحسنُ وقتادةُ "نُصْب"بضمةٍ وسكون.

فالأُولى: هو اسمٌ مفردٌ بمعنى العَلَم المنصوبِ الذي يُسْرِع إليها عند وقوعِ الصيدِ فيها مخافةَ انفلاتِه. وأمَّا الثانيةُ فتحتمل ثلاثَة أوجهٍ:

أحدها: أنه اسمٌ مفردٌ بمعنى الصَّنَمِ المنصوبِ للعبادة، وأنشد للأعشى:

وذا النُّصُبَ المَنْصُوبَ لا تَعْبُدَنَّه

لعاقبةٍ واللَّهَ ربَّك فاعْبُدَا (6)

الثاني: أنه جمعُ (نِصَابٍ) ككُتُب في كِتَاب.

الثالث: أنه جمعُ (نَصْبٍ) نحو: رَهْن في رُهُن، وسَقْف في سُقُف، وهذا قولُ أبي الحسن. وجَمْعُ الجمعِ (أَنْصاب).

وأمَّا الثالثةُ: فَـ (فَعَل) بمعنى مَفْعُول، أي: نَصَب بمعنى مَنْصُوب كالقَبَضِ والنَّقَضِ.

والرابعةُ: تخفيفٌ من الثانية" (7).

والسمين ينص هنا على أن "نُصُب" بضمتين أصل، و"نُصْب" ساكنة الصاد فرع عنة نتيجة تخفيف الضم إلى سكون. والدارس يرى أن قراءة "نُصُب" بضمتين هي الأصل وباقي القراءات صور لتخفيفها، حيث خُفِّفَتِ الضمتان بشكلين: أحدهما تخفيفها إلى فتحتين فكانت قراءة "نَصَب"، والثانيها بتسكين

(1) المعارج: 43.

(2)

قراءة ابن عامر وحفص، انظر: التيسير لأبي عمرو: 136.

(3)

قراءة الحسن وقتادة، انظر الدر المصون: 14/ 99.

(4)

قراءة الحسن وأبي عمران الجوني ومجاهد، انظر: الإتحاف الدمياطي:751.

(5)

قراءة الجمهور، انظر: التيسير لأبي عمرو: 136.

(6)

ديوان الأعشى ميمون بن قيس ص: 135.

(7)

الدر المصون: 14/ 99.

ص: 66

الصاد فكانت قراءة "نُصْب"، ثم إن قراءة "نَصَب" خففت هي الأخرى بتسكين الصاد فكانت قراءة "نَصْب"، وهذا التحليل يتمشى مع طبيعة اللغة وقوانين التطور فيها، ومن المنطقي أن نحكم بوجود اللغة الأصعب أولا، ثم يلجأ مستخدم اللغة إلى التخفيف فتكون اللغات الأخرى. ومما يقوي هذا التحليل كلام السمين السابق، وأيضا قول أبي زرعة بن زنجلة أن: النَّصْبَ والنُّصْبَ لغتان كالضَّعْفِ والضُّعْفِ (1). وقول الزبيدي أن النَّصْبَ والنَّصَبَ لغتان (2)، والجمع بين هذه الأقوال يجعلنا نطمئن إلى ما خلصنا من أن "نُصُب" هي الأصل وباقي القراءات صور مخففة منها. ومما يقوي هذا الرأي توجه المفسرين الذي يتلخص في حرصهم على التقريب بين القراءات في الحرف الواحد في اللفظ والمعنى إلا إذا دعا داع إلى غير ذلك (3).

(سُحُقَاً)(4): قراءة في قوله تعالى:" فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ"(5).

[التاج: سحق].

يذكر الزبيدي أن السُّحْقَ، بالضَّمِّ، وبِضَمَّتَيْن مثال خُلْقٍ وخُلُقٍ، وأنه قد قرئ بهما "فَسُحْقَاً"، حيث أسكن الجمهور الحاء (6)، وضمها الكسائي مع لآخرين في رواية عنه. ويقرر السمين أنهما لغتان، والأحسنُ أَنْ يكونَ المثقَّلُ أصلاً للخفيفِ (7).

(عُقُبَاً)(8): من قوله تعالى:"هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا"(9). [التاج: عقب].

(1) الحجة لأبي زرعة ابن زنجلة: 724.

(2)

انظر التاج:4/ 272.

(3)

انظر: السبعة لابن مجاهد: 651، والتيسير: 136، والإتحاف الدمياطي:751.

(4)

قراءة علي بن أبي طالب والكسائي وأبي جعفر وابن وردان وابن جماز، انظر: السبعة: 644، والنشر: 2/ 217، والإتحاف:420.

(5)

الملك: 11.

(6)

انظر: السبعة لابن مجاهد:644، والحجة لأبي زرعة: 716، والنشر: 2/ 217، والإتحاف للدمياطي:420.

(7)

الدر المصون: 14/ 38.

(8)

ضم القاف قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو والكسائي وأبي جعفر ويعقوب، انظر: السبعة: 392.

(9)

الكهف: 44.

ص: 67

يذكر الزبدي أن (العُقْبَ) بسكون القاف، وضمِّها (العُقُب) لغتان، مثل: عُسْر وعُسُر: بمعنى: العاقِبَة. وقد قرئ بهما قوله تعالى: "هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا".

وقراءة الجمهور "عُقُبَاً"، وقرأ عاصم وحمزة "وَخَيْرٌ عُقْبَاً" ساكنة القاف (1).

وللسمين عبارة قالها في سياق حديثه حول هذه الآية تدل على دقة ملاحظة علمائنا لطبيعة التطور اللغوي الذي يسير باللغة من الصب إلى السهل، فيقرر أنهما لغتان كالقُدُس والقُدْس. وأن الأصل الضمُّ، والسكونُ تخفيفٌ. ثم يقول: وقيل بالعكس كالعُسْر واليُسْر، وهو عكسُ معهودِ اللغةِ (2). ويقصد بمعهود اللغة أن طبيعة التطور اللغوي تتطلب أن يكون الأصل الصعب وهو "عُقُب" بضمتين، والفرع هو التخفيف.

(رُحُمَاً)(3): من قوله تعالى:" وَأَقْرَبَ رُحْمَاً"(4). [التاج: رحم].

يذكر الزبيدي أن (الرُّحْمَ) بالضَّمِ، و (الرُّحُمَ) بِضَمَّتَين، ويستدل على اللغة الأخرى بقراءة أبي عَمْرو بن العلاء:"وأَقْرَبَ رُحُمًا" بالتَّثْقِيل، واحتَجَّ أبو عمرو بِقَوْلِ زُهَيْر يَمْدح هَرِمَ بنَ سِنان (5):

وَمِنْ ضَرِيبَتِهِ التَّقْوَى وَيَعْصِمُهُ

مِنْ سَيِّئِِ العَثَرَاتِ اللهُ وَالرُّحُمُ

وهو مثل: عُسْر، وعُسُر. وقراءة أبي عمرو هي الأصل، والتخفيف لغة فيه (6).

إذا كان الاسم الثلاثي صحيح العين ساكنها مكسور الفاء أو مضمومها، فيجوز فيه ثلاث حالات هي:

(1) انظر: الحجة لابن زنجلة: 418.

(2)

انظر: الدر المصون: 10/ 62.

(3)

ضم الحاء قراءة ابن عامر وأبي عمرو وهارون وأبي جعفر ويعقوب وأبي حاتم، انظر: السبعة لابن مجاهد: 397، ومختصر ابن خالويه: 81، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 305، والإتحاف:294.

(4)

الكهف: 81.

(5)

انظر البيت في: الحماسة البصرية لأبي الحسن البصري:51، وقبله (وإِنْ أَتاهُ خَلِيلٌ يومَ مَسْغَبَةٍ

يقُولُ لا غائِبٌ مالِي ولا حَرِمُ) وبعده (مُوَرَّثُ المَجْدِ، لا يَغْتالُ هِمَّتَهُ

عن الرِّيَاسَةِ لا عَجْزٌ ولا سَأَمُ)، وانظر أيضا: التهذيب للأزهري:2/ 113، والصحاح للجوهري: رحل، والمخصص لابن سيده: 3/ 171.

(6)

انظر: الحجة لابن خالويه: 229، والحجة لأبي زرعة:427.

ص: 68

1 -

إتباع حركة عين الجمع لحركة فاء المفرد.

2 -

الفتح للعين مطلقاً.

3 -

التسكين للعين مطلقاً.

ويمكن بيان ذلك من خلال النص القرآني في قوله تعالى: "وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ"(1)[التاج: زبر] فكلمة الغرفات مفردها ثلاثي صحيح العين ساكنها، غير أن فاء الكلمة مضمومة (غُرْفَة)، ولذا يجوز في كلمة (الغرفات) ثلاث حالات صوتية، وفقاً لقانون الإتباع كما يلي:

1 -

الإتباع: (الغُرُفَات) بإتباع حركة العين (الضم) لحركة فاء المفرد المضمومة.

2 -

الفتح: (الغُرَفَات) بفتح حركة عين الكلمة مخالفة لحركة فاء المفرد المضمومة أي بلا إتباع.

3 -

السكون: (الغُرْفَات) بإسكان عين الكلمة بلا إتباع حركي.

وتعليل ذلك أنه "إذا كان الإتباع فيه شيء من التخفيف؛ لأن اللسان يعمل من جهة واحدة، فإن التسكين أخف من الإتباع، ولهذا جاز كلاهما. أما الفتح فإنه يجوز لخفته"(2). ومما ورد في التاج وتعددت فيه القراءات ويُحْمَلُ على هذا التفسير:

(خُطُوَاتِ) من قوله: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} (3). [التاج: خطو].

(ظُلُمَاتٍ) من قوله تعالى: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَاّ يُبْصِرُونَ} (4).

[التاج: ترك].

نجد في الآيات القرآنية كلمات على صيغة جمع الإناث، لكنها معتلة العين، ولذا لا يحدث فيها الإتباع مثل قوله تعالى:{عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} (5)[التاج: عور] فكلمة (عَوْرَات) جمع مؤنث سالم مفرده (عَوْرَة)، ولم يتم فيه الإتباع لحركة العين مماثلة لحركة الفاء في المفرد، إذ بقيت حركة العين على (السكون) في

(1) سبأ: 37.

(2)

ظاهرة التخفيف في النحو العربي لأحمد عفيفي:139.

(3)

البقرة: 168.

(4)

البقرة: 17.

(5)

النور: 31.

ص: 69

حين أن حركة الفاء هي (الفتحة). وتعليل ذلك: أنه لو حدث الإتباع هنا للزم لمناسبة فتح العين قلب حرف العلة ألفاً مما يؤدي إلى التباس الصيغ. يقول ابن يعيش عن هذا الإتباع أنه لو تم: "لالتبس (فَعْلَة) ساكنة العين بـ (فَعَلَة) مفتوحة العين نحو: دارة ودارات، وقامة وقامات"(1). ويقول أبو زرعة:" إلا أن عامة العرب كرهوا تحريك العين فيما كان عينه واوا أو ياء لما كان يلزم من الانقلاب إلى الألف فأسكنوا وقالوا عَوْرَات وبَيْضَات"(2).

وعلى الرغم من أن العامَّةُ على "عَوْرَات" بسكون الواوِ، وهي لغةُ عامَّةِ العربِ، سَكَّنوها تخفيفاً لحرفِ العلة، فإننا نجد قراءة تخترق هذا الإجماع وتفتح عين الجمع لتحدث المماثلة، يقول السمين:" وقرأ ابنُ عامر في روايةٍ "عَوَرَات" بفتح العين. ونقل ابن خالويه أنها قراءةُ ابن أبي إسحاق والأعمش. وهي لغةُ هُذَيْلِ بن مُدْرِكَة

وجعلها ابن مجاهد لحناً وخطأ، يعني من طريق الرواية، وإلَاّ فهي لغة ثابتة " (3).

وبعد .. فقد تبيّن للدارس بعد هذا العرض أن الانسجام الصوتي لغة ثانية عرفتها القبائل العربية واستعملتها بهدف التخفيف، ولم تستأثر به قبيلة دون أخرى ومن ثم يخالف الدارس من ذهب إلى أن الانسجام سمة من سمات لغة القبائل البدوية فحسب (4)؛ لأن قراءات حجازية حفظت لنا هذه اللغة في مواضع غير قليلة، فهذا يؤكد أن لغة الحجاز (قبائل غرب الجزيرة) اتسمت بهذه السمة، وقد اكتسبتها من لغة البدو (شرق الجزيرة) وبخاصة تميم. وهذا يؤكد لنا من ناحية أخرى أن القرآن لم ينزل بلهجة قريش الخاصة، وإنما بلغة أدبية راقية، احتضنتها قريش بعد اكتسابها بعض سماتها من القبائل الأخرى، من هذه السمات الانسجام الصوتي.

(1) شرح المفصل: 5/ 42.

(2)

الحجة: 506.

(3)

الدر المصون:11/ 95، 131.

(4)

انظر: اللهجات العربية في القراءات القرآنية للراجحي: 117.

ص: 70