الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
المُعَرَّب
الفصل الأول
المُعَرَّب
اللغات تؤثر وتتأثر بغيرها، هذه حقيقة لا جدال فيها، ولكن تتعدد صور التأثير والتأثر حسب طبيعة اللغة. واللغة العربية واحدة من هذه اللغات أثرت وتأثرت، وكان من صور تأثرها بغيرها من اللغات أن اقترضت ألفاظا كثيرة على مدار رحلتها مع الزمن قبل نزول القرآن الكريم، وقد استعملها العرب وجعلوها موافقة في بنيتها لكلام العرب، وجاء القرآن الكريم فاستعمل هذه الألفاظ التي صارت بالاستعمال عربية. وحتى لا يختلط اللفظ الفصيح بالأجنبي وُجِدَ أن اللغة العربية تسم هذه الألفاظ بما يميزها، كأن تمنعه من الصرف، أو يظل على بناء ليس من أبنيتها، أو تتصرف فيه بما لا تتصرف في غيره من فصيحها فتحذف أو تزيد في بنائه، أو تتعدد لغاتهم فيه. وتعدد اللغات فيما عربته العرب هي السمة التي أكدتها القراءات القرآنية، وهذا ما سوف يوضحه الدارس في هذا الفصل من خلال الشواهد الآتية:
• (فَصِرْهُنَّ): كلمة سريانية دخلت العربية، ومعناها: قطعهن أو شققهن أو أَمِلْهُنَّ، وردت في قوله تعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1).
وقد تعددت فيها القراءات، حيث قرئت: فَصِرْهُنَّ، فَصُرَّهُنَّ، فَصِرَّهُنَّ (2).
والذي دعا إلى تعدد اللغات فيها أنها لفظة معربة عن السريانية أو النبطية، وقد اشتهر ذلك في كتب التفسير والغريب، حيث نص على ذلك الطبري (3)،
(1) البقرة: 260.
(2)
(صِرْهُنَّ) قراءة حمزة وأبي جعفر ورويس والأعمش وخلف وغيرهم، و (صُرَّهُنَّ) قراءة ابن عباس وعكرمة، (صِرَّهُنَّ) قراءة ابن عباس أيضا، انظر: معاني القرآن للفراء: 1/ 174، السبعة لابن مجاهد: 190، والحجة لأبي علي الفارسي: 2/ 292، والمحتسب: 1/ 136، ومختصر ابن خالويه: 16، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج: 1/ 345.
(3)
جامع البيان: 5/ 502.
والقرطبي (1)، وأبو حيان (2) وغيرهم، كما ذكرها صاحب الإتقان (3) في لغة غير العرب في القرآن، ونص في الدر المنثور على أنها رومية (4).
قال السمين: "واختُلف في هذه اللفظةِ: هل هي عربيةٌ أو مُعَرَّبة؟ فعن ابنِ عباس أنها مُعَرَّبةٌ من النبطية، وعن أبي الأسود أنها من السريانية والجمهورُ على أنها عربيةٌ لا معرَّبةٌ"(5).
وأما الزبيدي فقد قال: صَارَ وَجْهَهُ، يَصُورُه: ويَصِيرُه: أَقْبَلَ بهِ، وقال الأَخْفَشُ: صُرْ إِلَيَّ، وصُرْ وَجْهَكَ إِليَّ أَي أَقْبِلْ عليّ. وفي التنزيل العزيز:{فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} ، أَي وَجِّهْهُنّ، وهي قراءَةُ عليّ وابن عبّاس، وأَكثرِ الناسِ، وذَكَرَه ابن سيدَه في الياءِ أَيضاً؛ لأَنّ صُرْتُ وصِرْتُ لغتان. وصارَ الشَّيْءَ يَصُورُه صَوْراً: قَطَعَه وفَصَّلَه صُورَةً صُورَةً، ومنه: صارَ الحاكِمُ الحُكْمَ، إِذا قَطَعَه وحَكَم بهِ. قلْت: وبه فَسَّر بعضٌ هذِه الآيةَ، قال الجَوْهرِيّ: فَمَن قال هذا جَعَلَ في الآية تَقْدِيماً وتأْخيراً، كأَنه قال خُذْ إِليكَ أَربعةً فصُرْهُنَّ. قال اللِّحْيَانيُّ: قال بعضُهم: معنَى صُرْهُنَّ: وَجِّهْهُنَّ ومعنَى صِرْهُنَّ: قَطِّعْهُنَّ وشَقِّقْهُنَّ. والمعروف أَنّهما لُغَتَان بمعنًى واحدٍ، وكلُّهم فسَّرُوا: فصُرْهُنَّ: أَمِلْهُنَّ، والكَسْرُ فُسِّر بمعنَى قَطِّعْهُنَّ.
قال الزَّجّاجُ: ومَنْ قرأَ: (فَصِرْهُنَّ إِليكَ) بالكسر، ففيه قولان: أَحدُهما: أَنه بمعنَى صُرْهُنَّ يقال: صارَه يَصُورُه ويَصِيرُه، إِذا أَمالَه لُغتان. وقال المصنّف في البصائر: وقال بعضُهم: "صُرَّهُنَّ" بضمّ الصّادِ، وتشديد الراءِ وفتحها من الصَّرّ، أَي الشَّدّ، قال: وقُرِئ: "فَصِرَّهُنَّ"، بكسر الصاد وفتح الراءِ المشددة، من الصَّرِيرِ، أَي الصوت، أَي صِحْ بِهِنَّ". [التاج: صرر].
وعلى الرغم مما قاله العلماء في هذه الكلمة من حيث إنها معربة فإن الزبيدي لم يمس هذا الجانب، واكتفى بتعليل تعدد القراءات بتعدد اللغات فيها.
(1) جامع الأحكام: 3/ 301.
(2)
البحر: 3/ 38.
(3)
السيوطي: في الإتقان: 1/ 162، والمهذب: 1/ 3.
(4)
الدر المنثور: السيوطي: 2/ 35.
(5)
الدر المصون:1/ 966.
• (هِئْتُ لَكَ)(1): لفظة قبطية، معناها: هَلُمَّ لَك، وردت في قوله تعالى:{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (2).
قال السمين: "اختلف أهلُ النحوِ في هذه اللفظة: هل هي عربيةٌ أم معرَّبةٌ، فقيل: معربةٌ من القبطية بمعنى هلمَّ لك، قاله السدي. وقيل: من السريانية، قاله ابن عباس والحسن. وقيل: هي من العبرانية وأصلها هَيْتَلَخ أي: تعالَه فأعربه القرآن، قاله أبو زيد الأنصاري. وقيل: هل لغة حَوْرانية وقعت إلى أهل الحجاز فتكلَّموا بها ومعناها تعال، قاله الكسائي والفراء، وهو منقولٌ عن عكرمة. والجمهور على أنها عربية، قال مجاهد: هي كلمة حَثٍّ وإقبال، ثم هي في بعض اللغات تَتَعَيَّن فعليَّتُها، وفي بعضها اسميتُها، وفي بعضها يجوز الأمران"(3).
وقال أبو البقاء الكفومي:" "هَيْت لَك" عن ابن عباس: هلم لك بالقبطية، وقال الحسن: بالسريانية، وقال عكرمة: بالحورانية، وقال أبو زيد الأنصاري: بالعبرانية، وأصلها (هيتلج) أي تعال، وقال بعضهم: تهيأت لك وكان ابن عباس يقرؤها مهموزة "(4).
وذكر السيوطي في الإتقان والمهذب أنها غير عربية، ونص الإتقان:"أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: هيت لك: هلم لك بالقبطية. وقال الحسن: هي بالسريانية كذلك، أخرجه ابن جرير. وقال عكرمة: هي بالحورانية، كذلك أخرجه أبو الشيخ. وقال أبو زيد الأنصاري: هي بالعبرانية وأصله هينلج: أي تعال وراء، قيل معناه أمام بالنبطية، حكاه شيدلة وأبو القاسم. وذكر الجواليقي أنها غير عربية"(5).
قال الزبيدي: هَيْتَ: تعَجُّبٌ، تقولُ العربُ: هَيْتَ لِلْحِلْمِ: وهَيْتَ لَكَ، وهِيتَ لك أَي أَقْبِلْ، وقال الله عز وجل حكايةً عن زَلِيخَا، أَنها قالَتْ لما راوَدَت
(1) قراءة علي وأبي وائل وأبي رجاء ويحيى وعكرمة ومجاهد وغيرهم، انظر هذه القراءة وبقية القراءات الواردة في هذه الكلمة في: معاني القرآن للفراء: 2/ 40، والسبعة: 247، والمحتسب: 1/ 337، ومختصر ابن خالويه: 63، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج: 3/ 100، والنشر: 2/ 294.
(2)
يوسف: 23.
(3)
الدر المصون:3/ 349.
(4)
كتاب الكليات: 1543.
(5)
وانظر: الإتقان للسيوطي: 1/ 163.
يُوسُفَ عليه السلام عن نفْسه: "وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ" مُثلَّثَةَ الآخر، قال الزّجّاج: وأَكثَرُها هَيْتَ لَكَ، بفتح الهاءِ والتّاءِ، وقد يُكْسَر أَوّلُه، رُوى ذلك عن عليّ رضي الله عنه، أَي هَلُمَّ، ورويت عن ابنِ عباس رضي الله عنهما "هِئْتُ لك" بالهَمْزِ وكسرِ الهاءِ من الهيْئة، كأَنّها قالت: تَهَيّأْت لكَ، قال: فأَمّا الفتحُ من هَيْتَ؛ فلأَنّها بمنزلةِ الأَصْواتِ، ليس لها فِعْلٌ يَتصرّفُ منها، وفُتِحتِ التَّاءُ لسكونِهَا وسكون الياء، واختِيرَ الفتْحُ لأَنّ قبلَها ياء، كما فَعلُوا في (أَيْنَ)، ومن كسر التَّاءَ فلأَنَّ أَصلَ التقاءِ السّاكِنيْنِ حركة الكَسْرِ، ومن قال: هَيْتُ، ضمَّها؛ لأَنَّهَا في مَعْنَى الغايَات، كأَنها قالت: دُعائِي لك، فلما حُذِفَت الإِضافةُ، وتضَمَّنَت هَيْتُ معناها بُنِيَتْ على الضَّمِّ، كما بُنِيتْ حَيثُ، وقراءَةُ عليّ رضي الله عنه "هِيتُ لَكَ" بمنزلة هَيْتُ لك، والحُجّة فيهما واحدة. وقال الفرّاءُ (1) في "هيْتَ لكَ" يقال: إِنهَا لغةُ حَوْرانَ، سَقطَتْ إِلى مَكَّةَ، فتَكلَّموا بِهَا، قال: وأَهلُ المدينةِ يَقرَؤُون: "هِيتَ لَك"، يكسرون الهَاءَ ولا يَهْمزون قال: وذُكِرَ عن علي وابنِ عبّاسٍ أَنهما قرآ: "هِئْتُ لكَ:، يرادُ به في المَعْنَى تَهيَّأْتُ لك
…
وروى الأَزهَرِيّ عن أَبي زيد قال: "هَيْتَ لَكَ" بالعِبْرَانية "هَيْتَا لَجْ" أَي: تعال أَعرَبَه القرآنُ
…
وقد أَوْضح البَيضاويّ (2) قراءَاتِ الكلمةِ ومَن قرَأَ بها، وحقّق ذلك العَلاّمة ابنُ الجَزَريّ في نَشْرِ (3)، وأَشار إِلى بعضِهَا أَبو عليّ الفارِسِيّ في الحُجَّة (4)، وغلَّطَ بعضَها، وأَوَّلَ البعضَ، وأَوْصَلوا القراءَاتِ إِلى سَبْعٍ، وصَرّحوا بأَنّها كُلَّها لُغاتٌ. واختَلفَ أَهلُ الغريبِ في هذه الكِلمَة: هل هي عرِبِيَّةٌ أَو مُعرَّبة؟ وهل مَعْناها تَعالَ كما جَزَم به الفرّاءُ والكِسَائِيّ وغيرهما؟ وقالوا: هي لغةُ الحجازِ ولذلك قال مُجاهِدٌ: هي كلمَةُ حَثٍّ وإِقبَالٍ أَو غير ذلك؟ وهلْ هي اسمٌ أَو فِعْلٌ؟ أَو هي علَى أَنْحاءٍ كثيرة: منها ما هو في السَّبْعَةِ ومنها مَالاً وأَشار أَبو حيّان - في بَحْرِه (5) - إِلى أَنه لا يَبْعُد أَن تكون مُشْتَقَّةً من اسم". [التاج: هيت].
وكلام الزبيدي فيه دلالة واضحة على تعدد صور هذه الكلمة، وتعدد مذاهب اللغويين في نطقها، مما يقوم حجة قوية على عدم عربيتها؛ لأنه غالبا ما تقترن
(1) انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 40.
(2)
انظر أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي: 3/ 281.
(3)
انظر: 2/ 293.
(4)
انظر: 4/ 416
(5)
7/ 1.
الكلمة الأجنبية بتعدد اللغات فيها. قال ابن خالويه: " إن العرب إذا أعربت اسما من غير لغتها أو بنته اتسعت في لفظه لجهل الاشتقاق فيه"(1).
• (مُتْكًا)(2): لفظة قبطية أو حبشية، معناها: الأترج. وقد وردت في قوله تَعالى: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} (3). وقد قرئت بأكثر من وجه، وذكر القرطبي أنها من الألفاظ المعربة فقال:"مُتْكَاً" مخففا غير مهموز، والْمُتْكُ هو الأُتْرُجُّ بلغة القِبْطِ، وكذلك فسره مجاهد" (4). وكذلك ذكره السيوطي (5) على أنه الأُتْرُجُّ بلغة الحَبَشَةِ. ويذكر ابن حسنون أنها من موافقات العربية للقِبْطِيَّةِ (6).
وأما الزبيدي فقال: " سُمِّيت الأَتْرُجَّةُ مُتْكَةً لأَنَّها تُقْطَعُ. وقال الجَوّهَرِيُّ: قال الفَرّاءُ: حَدَّثَني شَيخٌ من ثِقاتِ أَهْلِ البَصْرَةِ أَنّه الزُّماوَرْدُ وبكُل مِنْهُما فُسِّر قولُه تَعالى: {وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتْكًا} بضَم فسُكُون، وهي قِراءةُ ابنِ عَبّاس
…
وأَما الزُّهْرِيّ وأَبو جَعْفَرٍ وشَيبَةُ فإِنهم قَرَءُوا: "مُتَّكًا" مُشَدَّدَةً من غَيرِ هَمْزٍ، وقرأَ الحَسَنُ "مُتَّكاءً"، بزيادَةِ الأَلفِ، وزنه مُفْتَعال، وقراءةُ النّاس "مُتَّكأ"، وَزْنه مَفْتَعَلٌ، وقد وَجَّهَ لكُل من ذلك ابنُ جِني في كِتابِه". [التاج: وكأ].
• (غَسَاقٌ)(7): لفظة تركية، معناها بلسانهم: البارد المنتن. وردت في قوله تعالى: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} (8). وقد تعددت فيها القراءة، وذكرها كثير من العلماء فيما عربته العرب.
(1) الحجة: 85.
(2)
انظر هذه القراءات في: معاني القرآن للفراء: 2/ 42، وجامع البيان: 16/ 74، ومعالم التنزيل: 4237، جامع الحكام: 9/ 178، ومعاني القرآن للنحاس: 3/ 420.
(3)
يوسف: 31.
(4)
الجامع: 9/ 178.
(5)
الإتقان: 1/ 162.
(6)
اللغات في القرآن: 1/ 1/3، وانظر مفردات الراغب: 1/ 74
(7)
مخففة قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو، وابن عامر وعاصم وشعبة وأبي جعفر، ويعقوب، والباقون بالتشديد، انظر: السبعة لابن مجاهد: 555، والتيسير للداني: 122، والعنوان لابن خلف: 29، البحر لأبي حيان: 9/ 350، والدر المصون: 6/ 429، ومعجم القراءات لمختار: 4/ 237.
(8)
سورة ص: 57.
يقول أبو منصور الجواليقي:" "الغَسَّاقُ" البارد المنتن بلسان الترك"(1). وكذلك يذكر الألوسي عن الواسطي أن الغَسَّاقَ هو البَارِدُ الْمُنْتَنُ بلسانِ التُّرْكِ أي أن الكلمة غير عربية، ولكنه يعلق على هذا القول فيقول:"والحق أنه عربي"(2). ويذكر أبو منصور الأزهري في معانيه أن هذا اللفظ:" أصله فارسي تكلمت به العرب فأعربته"(3).
ويذكر السيوطي في "الإتقان" وفي "المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب" الغَسَّاقَ فيقول: "غَسَّاقُ: قال الْجَوَالِيقِيُّ، وغيرُهُ .. هو البَارِدُ الْمُنْتَنُ بلسان التُّرْكِ. ونقله الكَرْمَانِيُّ عن النَّقَّاشِ. وقال ابن جَرِيرٍ
…
الغَسَّاقُ: الْمُنْتَنُ. وهو بالطَّحَاوِيَّةِ " (4).
يتناول الزبيدي معنى الغَسَّاق من خلال القراءة الواردة في الآية السابقة فيقول:" الغَسَاقُ كسَحَاب وشَدَّاد: ما يغسَقُ من جُلودِ أهلِ النارِ من الصَّديد والقَيْح أي: يَسيل ويَقْطُر. وقيل: من غُسالَتِهم. وقيلَ: من دُموعِهم. وفي التّنزيل: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} قرأَه أبو عَمْرو بالتّخْفيف، وقرأَه الكِسائيُّ بالتّشْديد. ثقّلها يَحْيَى بن وَثّاب وعامّة أصحاب عبد الله، وخفّفَها النّاسُ بعد. واخْتار أبو حاتمٍ التّخفيفَ. وقرأَ حفْصٌ، وحَمْزَة، والكِسائي: "وَغَسَّاقٌ" بالتّشديد، ومِثلُه في (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) - {إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} (5). وقرأ الباقون: "غَسَاقاً" خَفيفاً في السّورَتيْن. ورُوِي عن ابنِ عبّاس، وابنِ مسْعودٍ أنّهما قرآ بالتّشديدِ وفسّراه بالزمْهَريرِ. وقيل: إذا شدّدتَ السّينَ فالمُراد به ما يقْطُرُ من الصّديدِ، وإذا خفّفْتَ فهو البارِدُ الشّديدُ البَرْدِ الذي يُحرِقُ من بَرْدِه كإحْراقِ الحَميم. وقال اللّيثُ: الغَساقُ: المُنْتِنُ ودَلّ على ذلك قولُ النّبي صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاقٍ يُهَرَاقُ فِي الدُّنْيَا لَأَنْتَنَ أَهْلَ الدُّنْيَا" (6) ". [التاج: غسق]
ويُسْتَخْلَصُ من كلام الزبيدي أن في معنى "الغَسَّاق" وجهين:
(1) المعرب من الكلام الأعجمي: 283.
(2)
روح المعاني: 17/ 373.
(3)
معاني القراءات: 417.
(4)
الإتقان: 1/ 139، و 161، والمهذب: 1/ 6.
(5)
النبأ: 25.
(6)
رواه الترمذي في سننه: 4/ 706، باب صفة شراب أهل النار، رقم:2584. ورواه السيوطي في الجامع الكبير، باب اللام، رقم: 745 بلفظ: "لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاقٍ يُهْرَاقُ في الدُّنْيَا لَأَنْتَنَ أَهْلَ الدُّنْيَا".
الأول: أنه مشتق من غَسَقَ الجرح يَغْسِقُ أي يسيل ويقطر، ومعناه: ما استقذر من عصارة أهل النار.
الثاني: أنه بالتخفيف اسم موضوع للزمهرير، أو لِلْمُنْتَنِ. وهذا الوجه يتطابق مع من قال بأنها تركية تعني بلسانهم البارد المنتن. ولكن الزبيدي لم يشر إلى كونها معربة مع اشتهارها في كتب الغريب.
• (اسْتَبْرَقَ)(1): لفظة فارسية تعني: غيظ الديباج، وردت في قوله تعالى:{مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} (2). وقرئ بقطع الهمزة ووصلها، وهو عند من قطع الهمزة معرب، وعند من وصلها عربي مشتق من البرق على زنة استفعل.
ذكره أبو البقاء الكفومي فقال: " (إستبرق) من ديباج غليظ بلغة العجم أصله (استبرك) "(3).
وقال الجواليقي:" الإستبرق: غليظ الديباج، فارسي معرب، وأصله (استفره)، وقال ابن دريد: (استروه)، ونقل من الأعجمية إلى العربية "(4).
ويذكر الزبيدي أيضا أن "الإِستبرَق": هو الدِّيباجُ الغَلِيظُ، ويصرح من البداية أنه مُعَرَّبٌ، فيقول:" مُعَرَّب اسْتَرْوَه، وقيل: اسْتَفْرَه، وقيل: اسْتَبْرَه، واختلف في أصله فقيل: فَارِسِيٌّ، وقيل: سُرْيَانِيٌّ". وعلى الرغم من أنه نَقَلَ الإجماعَ في عُجْمَتِهِ إِلَّا أَنَّ بعضَ الآراءِ قَالتْ بِعَرَبِيَّتِهِ، قيل:(اسْتَفْعَلَ) مِنْ بَرَقَ، ومَنْ قال بهذا جعلَ همزتَهُ للوصلِ، وقرأ ابنُ مُحَيْصِنٍ "اسْتَبْرَقَ" بوصل الهمزة.
[التاج: برق].
قال القرطبي: "وقرئ "اسْتَبْرَق" بوصل الهمزة والفتح على أنه سُمِّيَ بـ (اسْتَفْعَل) من البريق، وليس بصحيح أيضا؛ لأنه مُعَرَّبٌ مَشْهُورٌ تَعْرِيبُهُ، وأن أصله "إستبرك""(5).
(1) قراءة ابن محيصن ورويس وورش وأبي جعفر وابن جماز، انظر: جامع البيان: 24/ 113، وجامع الأحكام: 19/ 146، وإعراب القرآن للنحاس: 5/ 104، 105، معجم القراءات لمختار: 5/ 32.
(2)
الرحمن: 54.
(3)
كتاب الكليات: 161.
(4)
المعرب من الكلام الأعجمي: 63.
(5)
الجامع: 19/ 146.
ولكن ابن جني يسوغ قراءة ابن محيصن ويُوَجِّهُها قائلا: "هذه صورة الفعل البَتَّةَ، بمنزلة اسْتَخْرَجَ، وكأنه سُمِّيَ بالفعل وفيه ضمير الفاعل، فَحُكِيَ كأنه جُمْلَةٌ، وهذا بابٌ طريقُهُ في الأَعْلامِ، كَتَأَبَّطَ شَرَّاً، وذَرَّى حَبَّاً، وشَابَ قَرْنَاهَا.
وليس الإِسْتَبْرَقُ عَلَمَاً يُسَمَّى بِالْجُمْلَةِ، وإنما هو كقولك: بِزْبَوْن. وعلى أنه إنما اسْتَبْرَقَ: إذا بَلَغَ فَدَعَا البصرَ إلى البَرَقِ
…
ولستُ أَدْفَعُ أَنْ تكون قراءةُ ابن محيصن بهذا؛ لأنَّهُ تَوَهَّمَ فِعْلَاً، إِذْ كانَ عَلَى وَزْنِهِ، فَتَرَكَهُ مَفْتُوحَاً على حَالِهِ" (1).
ويتفق الزبيدي مع غيره في أن الإستبرق غير عربي فهذا السيوطي يقول: "الإستبرق: الديباج الغليظ، وهو بلغة العجم (استبره). وقال الجواليقي: الإستبرق: غليظ الديباج، فارسي مُعَرَّب، وممن صرح بأنه بالفارسية أبو عبيد، وأبو حاتم، وآخرون "(2).
• جِبْرَائِيلَ ومِيكَائِيلَ (3): كلمتان سريانيتان معناهما: عبد الله وعبد الرحمن، حيث إن: جبر، وميك تعنيان: عبد، وئيل تعني: الله. وقد ورد الاسمان في أكثر من موضع في القرآن الكريم منها قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} (4).
وقد تعددت فيهما القراءات حسب لغات العرب فيهما، قال الطبري:"وأما "جبريل" فإن للعرب فيه لغات. فأما أهل الحجاز فإنهم يقولون "جِبْرِيل، ومِيكَال" بغير همز، بكسر الجيم والراء من "جِبْرِيل" وبالتخفيف. وعلى القراءة بذلك عامة قَرَأَة أهل المدينة والبصرة. أما تميم وقيس وبعض نجد فيقولون: "جَبْرَئِيل ومِيكَائِيل" على مثال "جَبْرَعِيل ومِيكَاعِيل"، بفتح الجيم والراء، وبهمز، وزيادة ياء بعد الهمزة، وعلى القراءة بذلك عامة قَرَأَة أهل الكوفة. وقد ذكر عن الحسن البصري وعبد الله بن كثير أنهما كانا يقرآن: "جَبْرِيل" بفتح الجيم. وترك الهمز. وهي قراءة غير جائزةٍ القراءةُ بها؛ لأن "فَعْلِيل" في كلام العرب غير موجود.
(1) المحتسب:2/ 304، 305.
(2)
المهذب: 1/ 3.
(3)
قراءة حمزة وابن كثير والكسائي وابن عامر وأبي بكر عن عاصم وقنبل والبزي وابن مجاهد وخلف والأعمش وابن محيصن، وفي الاسمين قراءات أخرى انظرها في: جامع البيان: 2/ 388، ومعالم التنزيل: 1/ 125، والمحرر الوجيز: 1/ 186، والحجة لابن خالويه: 85، والحجة لابن زنجلة: 107، والتيسير لأبي عمرو: 61، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 160.
(4)
البقرة: 98.
وقد اختار ذلك بعضهم وزعم أنه اسم أعجمي، كما يقال:"سَمْوِيل"
…
وأما بنو أسد فإنها تقول: "جِِبْرِين" بالنون. وقد حكي عن بعض العرب أنها تزيد في "جِبْرِيل""ألفا" فتقول: "جِبْرَايِيل ومِيكَايِيل". وقد حكي عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ: "جَبْرَئِلّ" بفتح الجيم، والهمز، وترك المد، وتشديد اللام. فأما "جِبْر" و"مِيك"، فإنهما الاسمان اللذان أحدهما بمعنى:"عبد"، والآخر بمعنى:"عبيد" " (1).
وقال البغوي: " قال عكرمة: (جِبْر) و (مِيكَ) و (إِسْرَاف) هي العبد بالسريانية، وإيل هو الله تعالى ومعناهما عبد الله وعبد الرحمن"(2).
وقال ابن عطية:" وفي "جبريل" لغات "جِبرِيل" بكسر الجيم والراء من غير همز، وبها قرأ نافع، و"جَبرِيل" بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز، وبها قرأ ابن كثير وروي عنه أنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وهو يقرأ "جَبْرِيلَ ومِيكَالَ" فلا أزال أقرؤهما أبدا كذلك، و"جَبْرَئِل" بفتح الجيم والراء وهمزة بين الراء واللام، وبها قرأ عاصم، و"جَبْرَئِيل" بفتح الجيم والراء وهمزة بعد الراء وياء بين الهمزة واللام، وبها قرأ حمزة والكسائي وحكاها الكسائي عن عاصم، و"جَبْرَائِل" بألف بعد الراء ثم همزة وبها قرأ عكرمة، و"جبرائيل" بزيادة ياء بعد الهمزة، و"جِبْرَايِيل" بياءين وبها قرأ الأعمش و"جَبْرَئِلَّ" بفتح الجيم والراء وهمزة ولام مشددة وبها قرأ يحيى بن يعمر، و"جِبْرَال" لغة فيه، و"جِبْرِينَ" بكسر الجيم والراء وياء ونون. قال الطبري هي لغة بني أسد، ولم يقرأ بها و"جبريل" اسم أعجمي عربته العرب فلها فيه هذه اللغات فبعضها هي موجودة في أبنية العرب وتلك أدخل في التعريب كجبريل الذي هو كقنديل وبعضها خارجة عن أبنية العرب فذلك كمثل ما عربته العرب ولم تدخله في بناء كإبريسم وفرند وآجر ونحوه. وذكر ابن عباس رضي الله عنه وغيره أن جبر وميك وسراف هي كلها بالأعجمية بمعنى عبد ومملوك وإيل اسم الله تعالى"(3).
وقال ابن خالويه: "قوله تعالى: {وجبريل وميكال} فيهما أربع قراءات: "جَبْرَئِيل" بفتح الجيم والراء وبالهمز، و"جِبْرِيل" بكسر الجيم والراء وترك الهمز، و"جَبْرِيل" بفتح الجيم وكسر الراء وترك الهمز، و"جَبْرَئِيل" بفتح الجيم والراء واختلاس الهمز. و"مِيكَالَ" يقرأ "مِيكَائِيل" بالمد والهمز، و"مِيكَالَ" بالألف من غير مد ولا همز، و"مِيكَئِل" بالهمز من غير ألف، و"مِيكَائِل" بالقصر والهمز. والحجة
(1) جامع البيان: 2/ 388.
(2)
معالم التنزيل للبغوي: 1/ 125.
(3)
المحرر الوجيز: 1/ 186.
في ذلك أن العرب إذا أعربت اسما من غير لغتها أو بنته اتسعت في لفظه لجهل الاشتقاق فيه" (1).
وقد تناول الزبيدي الاسمين الكريمين تحت مادة (ميكل)، وهي مادة صنعت خصيصا لمعالجة الاسم الكريم (مِيكَالَ)، قال فيها: مِيكائِيلُ أَهْمَلَه الجَوْهَرِيّ والصَّاغانِيّ، وقال يعقوبُ: هو و (ميكائِينُ) على البدَلِ بكسرِهما: اسمُ ملَكٍ من الملائكةِ م معروفٌ، مُوَكَّلٌ بالأرزاقِ، وبهذا الوزنِ (ميكايينُ) من غيرِ هَمْزٍ بياءَيْنِ عن الأعمَش، وقرأ:"مِيكئِلَ" على وزنِ (مِيكَعِل) ابنُ هُرْمُزَ الأعرجُ وابنُ مُحَيْصِن، فأمّا "جِبْرايِيل ومِيكايِيل" بياءَيْن بعد الألِفِ والمَدِّ فَيَقْوى في نفسي أنّها همزةٌ مُخَفّفةٌ، وهي مَكْسُورةٌ، فَخَفِيَتْ وقَرُبَتْ من الياءِ فعبَّرَ القُرّاءُ عنها بالياءِ كما قالوا في قولِه سُبحانَه:"آلاء" عندَ تخفيفِ الهمزةِ "آلاي" بالياء، انتهى. وقد يقال: إنْ كانتْ الكلمةُ سُرْيانِيّةً فَمَحَلُّ ذِكرِها آخِرُ هذا الحرف، كما فَعَلَه صاحبُ اللِّسان وغيرُه، فإنّ الحروفَ كلَّها أصليّة، وإنْ كانتْ مُرَكّبةً من (مِيكا) و (إيل) كتركيبِ (جِبْرائِيلَ) وغيرِهما من أسماءِ الملائكةِ فالأنسَبُ حينَئِذٍ ذِكرُها في (ميك) كما فَعَلَه المُصَنِّف في جِبْرائيلَ فإنّه ذَكَرَه في (جبر)، وتركيب (ميك) ساقطٌ عند المُصَنِّف وغيرِه ". [التاج: ميكل].
• (إِبْرَاهَام)(2): كلمة سريانية، تعني: الأب الرحيم، وهي اسم علم على أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وقد تكرر ذكرها في القرآن الكريم كثيرا من هذه المواضع قوله تعالى:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (3).
وقد تعددت فيها القراءات القرآنية حتى وصلت إلى عشرة أوجه. ذكره أبو منصور الجواليقي وقرر أنه أعجمي فقال:" فأما إبراهيم ففيه لغات. قرأت عن أبي زكرياء عن أبي العلاء قال: "إبراهيم" اسم قديم، ليس بعربي. وقد تكلمت به
(1) الحجة: 85.
(2)
قراءة هشام وابن ذكوان وابن عامر والمفضل وابن الزبير، وفيه قراءات أخرى انظرها في: المحرر الوجيز: 2/ 26، والحجة لابن زنجلة: 113، والبحر المحيط: 1/ 453، والدر المصون: 2/ 83، والنشر: 2/ 221، والإتحاف: 273، وروح المعاني: 1/ 374، والتحرير والتنوير: 1/ 702.
(3)
البقرة: 124.
العرب على وجوه، فقالوا:"إبراهيم" وهو المشهور، و"إبراهام" وقرئ به، و"إبراهم" على حذف الياء، و"إبرهم" " (1).
وقال أبو البقاء الكفومي:" إبراهيم: اسم سرياني، معناه أب رحيم. وقال في القاموس: اسم أعجمي، وعلى هذا لا يكون معربا. وقال بعض المحققين إن إجماع أهل العربية على أن منع الصرف في "إبراهيم" ونحوه للعجمة والعلمية، فتبين منه وقوع المعرب في القرآن"(2).
وقال أبو حيان:" قرأ الجمهور: "إِبْرَاهِيم" بالألف والياء. وقرأ ابن عامر بخلاف عن ابن ذكوان في البقرة " إِبْرَاهَام" بألفين
…
وقرأ المفضل: "إِبْرَاهَام" بألفين، إلا في الموؤدة والأعلى. وقرأ ابن الزبير:"إِبْرَاهَام"، وقرأ أبو بكرة:"إِبْرِاهِم" بألف وحذف الياء وكسر الهاء" (3).
وقال السمين:" "إبراهيم" علَمٌ أَعْجَمي، قيل: معناه قبل النقلِ: أبٌ رحيمٌ وفيه لغاتٌ تسعٌ، أشهرُها: "إِبْرَاهِيم" بألف وياء، و"إِبْرَاهَام" بألِفَيْن، وبها قرأ هشام وابنُ ذكوان في أحدِ وَجْهَيْهِ في البقرةِ.
الثالثة: "إِبْرَاهِم" بألفٍ بعد الراء وكسرِ الهاءِ دون ياءٍ، وبها قرأ أبو بكر.
الرابعة: "إِبْرَاهَم" كذلك، إلا أنه بفتحِ الهاءِ.
الخامسة: "إِبْرَاهُم" كذلك إلا أنه بضمِّها.
السادسة: "إبْرَهَم" بفتح الهاء من غير ألفٍ وياء.
السابعة: "إِبْرَاهُوم" بالواو" (4).
وقد وضعت المعاجم العربية مادة (برهم) لتعالج فيها الاسم الكريم (إبراهيم)، ومنهم الزبيدي حيث قال: "إِبْرَاهِيم، وإِبْرَاهَام، وإِبْرَاهُوم، وإِبْرِاهَُِم مثلثة الهاء أيضا وإِبْرَهَم بفتح الهاء بلا ألف فهي عشر لغات، اقتصر الجوهري منها على أربعة الأولى والثانية وإِبْرَاهَِم بفتح الهاء وكسرها
…
قال الصاغاني وروى الوصل في همزته
…
ثم هذه اللغات كلها بكسر أولهن وإنما ترك الضبط اعتمادا على الشهرة
…
وهو اسم أعجمي أي سرياني، ومعناه عندهم كما نقله الماوردي وغيره: أب رحيم. والمراد منه هو إبراهيم النبي صلى الله عليه وسلم. [التاج: برهم].
(1) المعرب من الكلام الأعجمي: 61.
(2)
كتاب الكليات: 27.
(3)
البحر المحيط: 1/ 453.
(4)
الدر المصون: 2/ 83.
• (زَكَرِيَّاء)(1): اسم أعجمي لم يذكر أحد لأي لغة ينتمي، ولم يذكروا له معنى، وهو علم على نبي الله ذكريا كافل مريم، ورد ذكره في القرآن الكريم في أكثر من موضع منها قوله تعالى:{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (2).
تعددت فيه القراءات، قال الفراء:"وفى (زكريا) ثلاث لغات: القصر في ألِفه، فلا يستبِين فيها رفع ولا نصب ولا خفض، وتمدّ ألفه فتنصب وترفع بلا نون؛ لأنه لا يُجْرَى، وكثير من كلام العرب أن تحذف المدّة والياء الساكنة فيقال: هذا (زكريّ) قد جاء فيُجْرَى؛ لأنه يشبه المنسوب من أسماء العرب"(3).
وقال أبو منصور الجوالقي:" قال ابن دريد: زكرياء: اسم أعجمي، يقال: (زكريّ) و (زكريَّا) مقصور، و (زكرياء) ممدود، وقال غيره: زكري، بتخفيف الياء"(4).
وقال الزبيدي: وفيه أَربعُ لُغَات: "زَكَرِيَّاء" مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ، وبه قَرَأَ ابنُ كَثِير ونافِعٌ وأَبو عَمْرو وابنُ عَامِر ويَعْقُوبُ، ويُقْصَرُ "زَكَرِيَّا"، وبه قَرَأَ حَمْزَةُ والكِسَائِيّ وحَفْص، و"زَكَرِيُّ"، كعرَبِيّ، بحذْفِ الأَلف غَيْر مُنَوَّن أَيضاً، ويُخَفَّفُ "زَكَرِي" وهي اللُّغَةُ الرَّابِعَة
…
وقال بعضُ النَّحْوِيِّين: لم يَنْصرف لأَنَّه أعجميّ".
[التاج: زكر]
• (آزَرُ)(5): لفظة معربة، علم على والد إبراهيم عليه السلام، أو بمعنى: ضال في كلامهم وقيل هي اسم لصنم (6). لم ترد في القرآن الكريم إلا مرة واحدة، في قوله تعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (7). وذكره أبو منصور الجواليقي في المعرب (8).
(1) هي قراءة أبي وابن عباس والحسن ومجاهد وأبي عمرو ويعقوب وغيرهم، انظر: معاني القرآن للفراء: 1/ 340، والمحتسب: 1/ 223، والنشر: 2/ 259، والإتحاف:211.
(2)
آل عمران: 37.
(3)
معاني القرآن: 1/ 188.
(4)
المعرب من الكلام الأعجمي: 219.
(5)
انظر: جامع البيان: 11/ 468، ومعالم التنزيل: 3/ 158، والدر المصون: 6/ 282.
(6)
انظر: مفردات القرآن للراغب: 1/ 27.
(7)
الأنعام: 74.
(8)
انظر: ص: 63.
وقال الطبري:" "آزَرَ" بالفتح على إتباعه "الأب" في الخفض، ولكنه لما كان اسمًا أعجميًّا فتحوه، إذ لم يجروه، وإن كان في موضع خفض"(1).
وقال البغوي:" القراءة المعروفة بالنصب، وهو اسم أعجمي لا ينصرف فينتصب في موضع الخفض"(2).
وقال القرطبي: "آزر اسم أعجمي"(3).
وقال أبو حيان: "آزر اسم أعجمي علم ممنوع الصرف للعلمية والعجمة الشخصية"(4).
وقال الفراء: "آزر: في موضع خفض ولا يُجْرى؛ لأنه أعجمي"(5).
وقال ابن سيده: "آزر امتنع من الصرف للعلمية والعجمة"(6).
وقال العكبري: "آزر يقرأ بالمد ووزنه أفعل ولم ينصرف للعجمة والتعريف على قول من لم يشتقه من الأزر أو الوزر ومن اشتقه من واحد منهما قال هو عربي ولم يصرفه للتعريف ووزن الفعل ويقرأ بفتح الراء على أنه بدل من أبيه وبالضم على النداء"(7).
وقال السمين: وآزر ممنوع الصرف واختلف في علةِ مَنْعِه فقال الزمخشري: والأقربُ أن يكون آزر فاعَل كعابَر وشالخَ وفالغَ، فعلى هذا هو ممنوع للعلمية والعجمة" (8).
وتناوله الزبيدي بالتفصيل فذكر أصل (آزر) ومعناه وإعرابه فقال: "صَنَمٌ كان تارَحُ أَبُو إِبراهِيمَ عليه السلام سادِناً له، كذا قالَهُ بعضُ المُفَسِّرِين. ورُوِيَ عن مُجَاهِدٍ في قوله تعالَى:{ءازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً} قال: لم يَكُن بأَبِيه، ولكنّ آزرَ اسمُ صَنَمٍ فموضِعُه نَصْبٌ على إِضمارِ الفِعْل في التِّلاوة، كأَنّه قال: وإِذ قال إِبراهيمُ لأَبية أَتَتَّخِذُ آزَرَ إِلاهاً، أَي أَتَّتَّخذُ أَصناماً آلهةً
…
". [التاج: أزر].
(1) جامع البيان: 11/ 467.
(2)
معالم التنزيل: 3/ 158.
(3)
جامع الأحكام: 7/ 22.
(4)
البحر المحيط: 4/ 161.
(5)
معاني القرآن: 2/ 14.
(6)
إعراب القرآن: 4/ 42.
(7)
التبيان: 1/ 248.
(8)
الدر المصون: 6/ 282.
نخلص من هذا الفصل إلى أن الألفاظ المعربة التي وردت في القرآن الكريم لم يجتمع العرب على نطقها بطريقة واحدة، وإنما تعددت قراءاتها بحسب كل قبيلة أو جماعة، كما في (إبراهيم) التي وردت عند العرب في عشر لغات.
كما تأكد من خلال هذا الفصل أن للقراءة القرآنية دورها الواضح في المعجم العربي في مجال المعرب، حيث حفظت لنا هذه القراءات العديد من لغات العرب وتصرفهم في الكثير من الألفاظ المعربة، نحو: هيت، وصرهن، ومتكا، وغساق، وإستبرق، وجبريل، وميكال، إبراهيم، وزكريا، وآزر.
وقد تبين من خلال دراسة الكلمات السابقة أن العرب توسعوا في طرق نطقها مما أثرى المعجم العربي بكثير من المفردات التي تفتح لمستخدم اللغة باب اختيار اللفظ الذي يسهل عليه نطقه واستخدامه.