المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثانيتغير الدلالة لتغير البنية - أثر القراءات القرآنية في الصناعة المعجمية تاج العروس نموذجا

[عبد الرازق بن حمودة القادوسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: القراءات والأصوات

- ‌الفصل الأول: القراءات والحركات

- ‌المبحث الأول:التماثل الصوتي في الفتح

- ‌المبحث الثانيالتماثل الصوتي في الكسر

- ‌المبحث الثالثالتماثل الصوتي في الضم

- ‌المبحث الرابعالتماثل في السكون

- ‌الفصل الثانيالقراءات والصوامت

- ‌المبحث الأولالتماثل الصوتي التام (الإدغام)

- ‌المبحث الثانيالتماثل الصوتي الناقص (الإبدال)

- ‌المبحث الثالثالهمز بين التحقيق والتخفيف

- ‌المبحث الرابعهَاءُ السَّكْتِ

- ‌الباب الثاني: القراءات والبنية الصرفية

- ‌الفصل الأولتغيير بنية الأفعال

- ‌المبحث الأولالتغيير في الحركات(البناء للفاعل والمفعول)

- ‌المبحث الثانيالتغيير فى الصوامت (بالزيادة)

- ‌الفصل الثانيتغيير بنية الأسماء

- ‌المبحث الأولتغيير المشتق

- ‌المبحث الثانيالتغيير في صيغة الجمع

- ‌الباب الثالث: القراءات والدلالة

- ‌الفصل الأولالمُعَرَّب

- ‌الفصل الثانيالتغير الدلالى

- ‌المبحث الأولتغير الدلالة لتغير الصوت

- ‌المبحث الثانيتغير الدلالة لتغير البنية

- ‌الخاتمة

- ‌فهرسالقراءات القرآنية الواردة فى الدراسة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الثانيتغير الدلالة لتغير البنية

‌المبحث الثاني

تغير الدلالة لتغير البنية

يتناول هذا المبحث القراءات القرآنية التي وردت فيها اللفظة الواحدة ببنيتين صرفيتين مختلفتين، وترتب على ذلك تغير في المعنى، كما في:"قَرْح" على زنة (فَعْل)، و"قُرْح" على زنة (فُعْل)، وذلك من خلال رصد أقوال المفسرين واللغويين الواردة في "التاج" على النحو التالي:

(كَرْهٌ)(1): قراءة في: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} (2). [التاج: كره].

عرض الزبيدي هذه الظاهرة في كل مواضعها من القرآن الكريم فقال: "الكَُرْهُ بالفتح ويضم لغتان جيدتان بمعنى: الإباء

وقيل هو المشقة عن الفراء (3).

قال ثعلب: قرأ نافع، وأهل المدينة في سورة البقرة:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} (4) بالضم في هذا الحرف خاصة، وسائر القرآن بالفتح. وكان عاصم يضم هذا الحرف، والذي في {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} (5) ويقرأ سائرهن بالفتح. وكان الأعمش، وحمزة، والكسائي يضمون هذه الحروف الثلاثة والذي في النساء {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} (6) ثم قرؤوا كل شيء سواها بالفتح. [تهذيب اللغة للأزهري: كره].

وقال الأزهري:" ونختار ما عليه أهل الحجاز، أَنَّ جميعَ ما في القرآن بالفتح إلا الذي في البقرة خاصة، فإن القراء أجمعوا عليه. قال ثعلب: ولا أعلم بين الأحرف التي ضمها هؤلاء، وبين التي فتحوها فرقا في العربية ولا في سنة تتبع، ولا أرى الناس اتفقوا على الحرف الذي في سورة البقرة خاصة، إلا أنه اسم، وبقية القرآن مصادر. أو"كُرْهٌ" بالضم ما أكرهت نفسك عليه، و"كَرْهٌ" بالفتح ما أكرهك غيرك عليه، تقول: جئتك كَرْهَاً، وأدخلتني كَرْهَاً، هذا قول الفراء.

(1) هي قراءة السلمي ومعاذ بن مسلم، انظر: الجامع للطبري: 4/ 298، والحجة لابن زنجلة: 196، والتبيان للعكبري: 1/ 92، والجامع للقرطبي: 3/ 38، والبحر المحيط: 2/ 133، والدر المصون: 2/ 363، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 297.

(2)

البقرة: 216.

(3)

انظر: معاني القرآن: 2/ 97.

(4)

البقرة: 216.

(5)

الأحقاف: 15.

(6)

النساء: 19.

ص: 275

وقال الأزهري:" وقد أجمع كثير من أهل اللغة أن الكَرْهَ والكُرْهَ لغتان فبأي لغة وقع فجائز، إلا الفراء فإنه فرق بينهما بما تقدم". [التهذيب: كره].

وقال ابن سيده:" الكَرْهُ: الإباء والمشقة، تُكَلَّفُهَا فَتَحْتَمِلهَا، والكُرْهُ بالضم المشقةُ تَحْتَمِلُهَا من غيرِ أَنْ تُكَلَّفَهَا، يُقَالُ: فَعَلَ ذَلِكَ كَرْهَاً وعلى كُرْهٍ".

[المحكم والمحيط الأعظم: 2/ 136].

وقال ابن بَرِّيٍّ: "ويدل لصحة قول الفراء قول الله عز وجل: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} (1) ولم يقرأ أحد بضم الكاف، وقال سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} ولم يقرأ أحد بفتح الكاف فيصير الكَرْهُ بالفتح فِعْلَ المضطر، والكُرْهُ بالضم فِعْلَ المختار". [التاج: كره].

وقال الراغب:" المشقة التي تنال الإنسان من خَارِجٍ مما يَحْتَمِلُ عليه بإكراهٍ وبالضم ما يَنَالُهُ من ذَاتِهِ وهو ما يَعَافُهُ، وذلك إما من حيث العقل أو الشَّرْعِ ولهذا يقول الإنسان في شيء واحد أُرِيدُهُ وأَكْرَهُهُ، بمعنى أُرِيدُهُ من حيث الطَّبْعِ وأَكْرَهُهُ من حيث العقل أو الشَّرْعِ"(2). [التاج: كره].

وقال الطبري: "والكُرْهُ" بالضم: هو ما حَمَلَ الرجلُ نفسه عليه من غير إكراه أحد إياه عليه، و"الكَرْهُ" بفتح "الكاف"، هو ما حَمَّلَهُ غيرُهُ، فأدخله عليه كرهًا. وممن حكي عنه هذا القول معاذ بن مسلم. وقد كان بعض أهل العربية يقول:"الكُره والكَره" لغتان بمعنى واحد، مثل:"الغُسْل والغَسْل" و"الضُّعف والضَّعف"، و"الرُّهبْ والرَّهبْ". وقال بعضهم:"الكُرْهُ" بضم "الكاف" اسم و"الكَرْهُ" بفتحها مصدر" (3).

وقال الألوسي:" الكُرْهُ بالضم كالكَرْهِ بالفتح وبهما قرئ. وقيل: المفتوح المشقة التي تنال الإنسان من خارج، والمضموم ما يناله من ذاته. وقيل: المفتوح اسم بمعنى الإكراه، والمضموم بمعنى الكراهة. وعلى كل حال فإن كان مصدرا فمؤول أو محمول على المبالغة، أو هو صفة كخبز مخبوز. وإن كان بمعنى الإكراه وحمل الكره عليه فهو على التشبيه البليغ، كأنهم أكرهوا عليه لشدته وعظم مشقته"(4).

(1) آل عمران: 83.

(2)

انظر مفردات ألفاظ القرآن الكريم: 3/ 324.

(3)

جامع البيان للطبري: 4/ 198.

(4)

روح المعاني للألوسي: 2/ 106.

ص: 276

(قُرْحٌ)(1): قراءة في قوله تعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ} (2). [التاج: قرح].

يذكر الزبيدي معنى القرح فيقول: "القَرْحَ بالفتحِ ويُضَمُّ لغتان: عَضُّ السِّلاحِ ونَحوِه مما يَجْرَحُ البَدَنَ وممّا يَخْرُجُ بالبَدَن". ولكنه يذكر عن بعض اللغويين أن بين فتح القاف وضمها اختلافا في المعنى فيقول: "القَرْح بالفَتْح: الآثَارُ، وبالضَّمِّ الأَلَمُ، يقال: به قُرْحٌ من قَرْحٍ أَي أَلَمٌ من جِراحَةٍ. وقالَ يعقوب: كأَنَّ القَرْحَ الجِرَاحَاتُ بأَعْيَانها وكأَنَّ القُرْحَ أَلَمُها

قال الفرَّاءُ: أكثَرُ القرّاءِ على فَتْح القافِ، وهو مِثْل الجَهْد والجُهْد، والوَجْد والوُجْد (3). وفي حديثِ أُحُدٍ:{مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} (4) وهو بالفَتْح والضَّم: الجُرْحُ. وقيل: هو بالضمّ الاسمُ، وبالفَتْح المصدَر. أَرادَ ما نَالهُم من القَتْل والهَزيمةِ يومئذٍ". [التاج: قرح].

قال الطبري:" قرأته عامة قرأة أهل الحجاز والمدينة والبصرة: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}، كلاهما بفتح "القاف"، بمعنى: إن يمسسكم القتل والجراح، يا معشر أصحاب محمد، فقد مس القوم من أعدائكم من المشركين قرح = قتلٌ وجراح = مثله. وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قُرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قُرْحٌ مِثْلُهُ}. كلاهما بضم القاف. وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ: {إن يمسسكم قَرْحٌ فقد مس القوم قَرْحٌ مثله}، بفتح "القاف" في الحرفين لإجماع أهل التأويل على أن معناه: القتل والجراح، فذلك يدل على أن القراءة هي الفتح. وكان بعض أهل العربية يزعُمُ أن "القَرح" و"القُرح" لغتان بمعنى واحد. والمعروف عند أهل العلم بكلام العرب ما قلنا"(5).

وقال أبو زرعة:" قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر: {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله} بضم القاف فيهما. وقرأ الباقون بالفتح فيهما. قال الفراء:

(1) بضم القاف قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص وأبو جعفر ويعقوب. وبفتح القاف قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف والأعمش وعبد الله بن مسعود، انظر: السبعة لابن مجاهد: 216، والكشاف: 1/ 418، ومختصر ابن خالويه: 22، والتيسير: 90، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج: 1/ 470، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 1/ 159، والحجة لأبي زرعة: 174، والنشر: 2/ 242.

(2)

آل عمران: 140.

(3)

انظر: معاني القرآن: 1/ 234.

(4)

آل عمران: 172.

(5)

الجامع: 7/ 236، 237.

ص: 277

كأن القُرْحَ بالضم ألم الجراحات، وكأن القَرْحَ الجراح بأعيانها (1). وقال الكسائي: هما لغتان مثل الضَّعْفِ والضُّعْفِ والفَقْرِ والفُقْرِ. وأولى القولين بالصواب قول الفراء لتصييرهما لمعنيين، والدليل على ذلك قول الله عز وجل حين أساهم بهم في موضع آخر بما دل على أنه أراد الألم فقال:{وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} (2) فدل ذلك على أنه أراد إن يمسسكم ألم من أيدي القوم فإن بهم من ذلك مثل ما بكم" (3).

ويتحصل من كلامه أن في القرح ثلاثة وجوه:

الأول: أنهما لغتان في المصدر، والمعنى واحد.

الثاني: أن المعنى مختلف، فالقَرْح بالفَتْح: الآثَارُ وبالضّم الأَلَمُ.

الثالث: أن القرح بالضمّ الاسمُ، وبالفَتْح المصدَر (4).

(جَهْدَهُم)(5): قراءة في: {وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَاّ جُهْدَهُمْ} (6). [التاج: جهد].

ذكر الزبيدي على ضوء القراءة السابقة أن الجَهْدَ بالفتح: الطَّاقَةُ والوُسْعُ ويُضَمُّ. والجَهْد بالفتح فقط: المَشَقَّة. ثم يقول: قال الفراءُ: الجُهْد في هذه الآيةِ الطاقَةُ، تقولُ: هذَا جُهْدي أَي طَاقَتي. وقُرِئ {جُهْدَهُمْ} و"جَهْدَهُمْ" بالضَّمِّ والفَتْحِ، الجُهْد بالضَّمِّ: الطَّاقَة، والجَهْد بالفتح من قولك اجهَدْ جَهْدَك في هذا الأَمْرِ، أَي ابلغْ غايَتَك". [التاج: جهد].

ويضيف الإمام البغوي قائلا إن: "الجُهْدَ: الطاقةُ، بالضم لغة قريش وأهل الحجاز. وقرأ الأعرج بالفتح. قال القُتَيْبِيُّ: الجُهْدُ بالضَّمِّ الطاقةُ، وبالفَتْحِ

(1) انظر: معاني القرآن:1/ 234.

(2)

النساء: 104.

(3)

الحجة: 174.

(4)

انظر في هذه الوجوه: الكشاف: 1/ 418، ومعالم التنزيل للبغوي: 2/ 110، ومعاني القرآن للنحاس: 1/ 481، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 174، والتبيان للعكبري: 1/ 150، والجامع للقرطبي: 4/ 217، والبحر المحيط: 3/ 55، وروح المعاني: 4/ 397، والتحرير والتنوير: 5/ 383، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 577.

(5)

قراءة عطاء ومجاهد وابن هرمز، انظر: مختصر ابن خالويه: 54، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج: 2/ 462، والدر المصون: 8/ 75، ومعجم القراءات للخطيب: 3/ 429.

(6)

التوبة: 79.

ص: 278

الْمَشَقَّةُ" (1). وما قاله البغوي ذكره كثير من العلماء نحو: الفراء (2)، والزمخشري (3)، والنحاس (4)، والقرطبي (5)، والسمين الحلبي (6)، وغيرهم.

أما الألوسي فيقول: "وقيل: المضموم شيء قليل يعاش به، والمفتوح العمل"(7).

(ضُعْف)(8): قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً} (9). [التاج: ضعف].

قراءة الجمهور بضم الضاد، وقرئ بفتحها. وذكر الزبيدي أن الفعل (ضَعُفَ) يأتي مصدره على ضَعْفٍ وضُعْفٍ بالفتح والضمِّ، مستدلا بالقراءة النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعبدَ اللهِ بن عمر:"من ضُعْفٍ" بالضمِّ (10).

وقد توقف كثير من اللغويين عند هاتين القراءتين وذكروا فيهما وجهين (11):

الأول: أنهما لغتان والمعنى واحد.

والثاني: يقول بالفرق بينهما فيجعل الضُّعْفَ بالضم للجسد خاصة، بينما الضَّعْفَ بالفتح يكون للجسد والرأي والعقل. ويذكر معجم الفروق اللغوية الفرق بينهما قائلا: "الفرق بين الضُّعْفِ والضَّعْفِ: أن الضُّعْفَ بالضم يكون في الجسد

(1) معالم التنزيل: 4/ 79.

(2)

معاني القرآن: 1/ 447.

(3)

الكشاف: 2/ 294.

(4)

معاني القرآن وإعرابه: 3/ 237.

(5)

الجامع لأحكام القرآن: 7/ 62.

(6)

الدر المصون: 8/ 75.

(7)

روح المعاني: 7/ 308.

(8)

قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر والكسائي وحفص في اختياره لا عن عاصم وعيسى بن عمر وأبي جعفر ويعقوب الجحدري والضحاك وأبي عبد الرحمن وخلف، انظر: السبعة لابن مجاهد: 309، والحجة لابن خالويه: 284، ومعالم التنزيل = للبغوي: 6/ 277، والبحر المحيط: 7/ 160، والدر المصون: 7/ 420، والنشر: 2/ 345، ومعجم القراءات للخطيب: 7/ 175.

(9)

الروم: 54.

(10)

خرجه الترمزي في (باب ومن سورة الروم) برقم: 3187 عن فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي عن ابن عمر أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم: "خلقكم من ضَعْفٍ"، فقال:"من ضُعْفٍ". ثم قال: حديث حسن غريب: 11/ 144.

(11)

انظر: الكشاف: 3/ 486، ومعالم التنزيل: 6/ 277، والمحرر الوجيز: 1/ 260، والبحر المحيط: 7/ 160، والدر المصون: 7/ 420، والحجة لابن خالويه:284.

ص: 279

خاصة، وهو من قوله تعالى:{خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} ، والضَّعْف بالفتح يكون في الجسد والرأي والعقل، يقال: في رأيه ضَعْفٌ ولا يقال: فيه ضُعْفٌ كما يقال: في جسمه ضُعْفٌ وضَعْفٌ" (1).

ويقول الألوسي: " الضم والفتح لغتان في ذلك كما في الفَقْر والفُقْر. الفتح لغة تميم، والضم لغة قريش؛ ولذا أختار النبي صلى الله عليه وسلم قراءة الضم

لأنها لغة قومه صلى الله عليه وسلم، ولم يقصد صلى الله عليه وسلم بذلك رد القراءة الأخرى؛ لأنها ثابتة بالوحي أيضا كالقراءة التي أختارها

وحكي عن كثير من اللغويين أن الضُّعْفَ بالضم ما كان في البدن، والضَّعْفَ بالفتح ما كان في العقل، والظاهر أنه لا فرق بين المضموم والمفتوح" (2).

(السُّدَّيْنِ)(3): قراءة في: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ} (4). [التاج: سدد].

يذكر الزبيدي معنى السَّد بالفتح، والفرق بينه وبين السُّد بالضم، على هدي من القراءة فيقول:"السَّدُّ بالفتح: الجبلُ والسّدُّ: الحاجزُ كذا في التهذيب ويُضَمُّ فيهما صَرَّحَ به الفَيُّوميُّ وغيره. وقال ابن السّكّيت: يقال لكل جَبَل سَّدٌّ وصَدٌّ وصُدٌّ. أَو بالضم: ما كان مخَْلُوقاً لله عز وجل وبالفَتْح مِنْ عَمَلِنَا حكاه الزَّجّاجُ (5). وعلى ذلك وَجْهُ قِراءَةِ من قَرَأَ {بَيْنَ السَّدَّين} و"السُّدَّيْن" ورواه أَبو عبيدة (6)، ونحو ذلك قال الأَخفش.

وقَرَأَ ابن كَثير وأًَبو عمرو {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ} ، و {عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} (7) بفتح السين. وقرآ في يس {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} (8). وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم، ويعقوب

(1) معجم الفروق اللغوية: 1/ 330.

(2)

روح المعاني: 21/ 58.

(3)

هي قراءة نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي وأبي بكر عن عاصم وأبي جعفر ويعقوب وخلف، انظر: السبعة لابن مجاهد: 399، والحجة لابن خالويه: 231، ومعالم التنزيل للبغوي: 5/ 201، والمحرر الوجيز لابن عطية: 1/ 419، والإتحاف: 294، ومعجم القراءات للخطيب: 5/ 297.

(4)

الكهف: 93.

(5)

انظر: معاني القرآن وإعرابه: 3/ 310.

(6)

مجاز القرآن: 70.

(7)

الكهف: 94.

(8)

يس: 9.

ص: 280

بِضَمِّ السِّينِ في الأربعةِ المواضعِ، وقرأ حمزةُ والكسائي:{بَيْنَ السُّدَّيْنِ} بضم السين". [التاج: سدد]

ويبدو من خلال معالجة كُتُبِ اللغةِ والتفسير لهاتين القراءتين أَنَّ فيهما اختلافا بَيِّنَاً، فالإمام الطبري رغم أنه يذكر فروقا أخرى بين البناءين، لكنه ينتهي إلى أنه لا فرق بينهما في المعنى إذ لم يرد عن العرب بالطريق الذي لا شك فيه، أن بينهما فرقا بدليل عدم ورود ذلك الفرق في تأويل القراءتين فيقول: واختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة وبعض الكوفيين:{حتَّى إذَا بَلَغَ بَيْنَ السُّدَّيْنِ} بضمّ السين، وكذلك جميع ما في القرآن من ذلك بضم السين. وكان بعض قرّاء المكيين يقرؤونه بفتح ذلك كله. وكان أبو عمرو بن العلاء يفتح السين في هذه السورة، ويضمّ السين في "يس"، ويقول: السَّدُّ بالفتح: هو الحاجز بينك وبين الشيء؛ والسُّدُّ بالضم: ما كان من غشاوة في العين. وأما الكوفيون فإن قراءة عامتهم في جميع القرآن بفتح السين غير قوله: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} فإنهم ضموا السين في ذلك خاصة. عن عكرمة قال: ما كان من صنعة بني آدم فهو السَّدُّ، يعني بالفتح، وما كان من صنع الله فهو السُّدّ. وكان الكسائي يقول: هما لغتان بمعنى واحد. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار، ولغتان متفقتا المعنى غير مختلفة، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، ولا معنى للفرق الذي ذكر عن أبي عمرو بن العلاء وعكرمة بين السُّد والسَّد؛ لأنا لم نجد لذلك شاهدا يبين عن فرق ما بين ذلك على ما حكي عنهما" (1).

وإذا كان الطبري قد أضاف وجها ثالثا في الفرق بين البناءين وهو أن: السَّدَّ بالفتح: هو الحاجز بينك وبين الشيء؛ والسُّدَّ بالضم: ما كان من غشاوة في العين، فإن ابن عطية يزيد وجها رابعا وهو أن "السَّد": بالفتح مصدر، وبالضم اسم، فيقول:"قال الخليل (2) وسيبويه: الضم هو الاسم والفتح هو المصدر، وقال الكسائي: الضم والفتح لغتان بمعنى واحد، وقال عكرمة وأبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة (3): ما كان من خلقة الله لم يشارك فيه أحد بعمل فهو بالضم وما كان من صنع البشر فهو بالفتح. قال القاضي أبو محمد ويلزم أهل هذه المقالة أن يقرأ:"بين السُّدَّيْنِ" بالضم وبعد ذلك سدا بالفتح، وهي قراءة حمزة والكسائي

(1) الجامع: 18/ 101، 102.

(2)

انظر معجم العين: 7/ 183.

(3)

انظر: مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 71.

ص: 281

وحكى أبو حاتم عن ابن عباس وعكرمة عكس ما قال أبو عبيدة. وقال ابن أبي إسحاق: ما رأته عيناك فهو سُد بالضم، وما لا يرى فهو سَد بالفتح" (1).

وأما الألوسي فإنه يخرج الفرق الذي ذكروه بين البناءين فيقول: "ووجه دلالة المضموم على ذلك أنه بمعنى مفعول، ولكونه لم يذكر فاعله فيه دلالة على تعين وعدم ذهاب الوهم إلى غيره فيقتضي أنه هو الله تعالى. وأما دلالة المفتوح على أنه من عمل العباد فللاعتبار بدلاله الحدوث وتصوير أنه ها هو ذا يفعله فليشاهد، وهذا يناسب ما فيه مدخل العباد على أنه يكفي فيه فوات ذلك التفخيم، وأنت تعلم أن القراءة بهما ظاهرة في توافقهما، وعدم ذكر الفاعل والحدوث أمران مشتركان، وعكس بعضهم فقال: المفتوح ما كان من خلقه تعالى إذ المصدر لم يذكر فاعله، والمضموم ما كان بعمل العباد؛ لأنه بمعنى مفعول والمتبادر منه ما فعله العباد وضعفه ظاهر"(2).

ومما جاء على (فِعْل) و (فَعْل) بكسر الفاء وفتحها، واختلف في معناه:

(بِشَقِّ)(3): قراءة في: {لَمْ تَكونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ} (4). [التاج: شق]

قراءة الجمهور بكسر الشين، وقرئ بفتحها. والشَّقَّ: المَشَقةُ والجَهْدُ والعَناءُ. وفي كسر الشين وفتحها عند اللغويون والمفسرون وجوه (5):

الأول: يرى أنهما لغتان في المصدر والمعنى واحد.

الثاني: يرى أنه بالكَسْرِ اسمٌ من المشقة، وبالفَتْح مَصْدر بالمعنى نفسه.

الثالث: يرى أنه بالفتح مصدر شَقَّ يَشُقُّ شَقَّاً أي جعله نصفين، وذلك على معنى المجاز؛ كأن متاعب السفر تنقص من نفس المسافر الشق أي النصف.

قال الفراء: " أكثر القُرّاء على كسر الشين ومعناها: إلا بجَهْدِ الأنفس. وكأنه اسْم وكأن الشَّقَّ فِعْل؛ كمَا تُوهِّم أن الكُرْهَ الاسم وأن الكَرْهَ الفعل. وقد قرأ به

(1) المحرر الوجيز: 1/ 419.

(2)

روح المعاني: 11/ 444.

(3)

قراءة نافع وأبي عمرو واليزيدي ومجاهد والأعرج وعمرو بن ميمون وابن أرقم، انظر: معالم التنزيل: 5/ 9، والدر المصون: 9/ 229، معجم القراءات لمختار: 3/ 8، ومعجم القراءات للخطيب: 4/ 596.

(4)

النحل: 7.

(5)

انظر: معالم التنزيل: 5/ 9، ومعاني القرآن للنحاس: 4/ 56، والتحرير والتنوير لابن عطية: 14/ 10، وروح المعاني للألوسي: 14/ 100.

ص: 282

بعضهم (إلَاّ بِشَقِّ الأَنْفُسِ) وقد يجوز في قوله: "بِشِقِّ الأَنفُسِ" أن تذهب إلى أن الجَهْدَ يُنْقِصُ من قوَّةِ الرجُل ونَفْسِهِ حتى يجعله قد ذَهَبَ بالنصف من قوَّتِهِ فتكون الكسرة على أنه كالنصف والعرب تقول: خذ هذا الشِّقّ لشقّة الشاة ويقال: المال بيني وبينك شَقّ الشعرة وشِقّ الشَعَرة وهما متقاربان، فإذا قالوا شققت عَليك شَقّا نصبوا ولم نسمع غيره" (1).

قال الطبري: "واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء الأمصار بكسر الشين "إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ" سوى أبي جعفر

قارئ المدينة، أنه كان يقرأ "لم تكونوا بالغيه إلا بِشَقِّ الأنفس" بفتح الشين، وكان يقول: إنما الشَقُّ: شَقُّ النَّفْسِ. وقال ابن أبي حماد: وكان معاذ الهرّاء يقول: هي لغة، تقول العرب بشَقِّ وبشِقِّ، وبرَق وبرِق. والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار وهي كسر الشين، لإجماع الحجة من القرّاء عليه وشذوذ ما خالفه" (2).

وقال الزمخشري:" قرئ: "بِشِقِّ الأَنْفُسِ"، بكسر الشين وفتحها. وقيل: هما لغتان في معنى المشقة، وبينهما فرق: وهو أن المفتوح مصدر شَقَّ الأمرُ عليه شَقَّاً، وحقيقته راجعة إلى الشَّقِّ الذي هو الصَّدْع، وأما الشِّقُّ فالنِّصْفُ، كأنه يذهب نصف قوته لما يناله من الجهد"(3).

وقال السَّمِينُ:" والعامَّةُ على كسر الشين. وقرأ أبو جعفر

بفتحها. فقيل: هما مصدران بمعنىً واحدٍ، أي: المَشَقَّة، فمِنَ الكسر قولُه:

رَأَى إِبِلاً تَسْعَى، وَيَحْسِبُها لَهُ

أَخِي نَصَبٍ مِنْ شِقِّهَا وَدُؤُوبِ (4)

أي: مِنْ مَشَقَّتها. وقيل: المفتوحُ المصدرُ، والمكسورُ الاسمُ. وقيل: بالكسرِ نصفُ الشيء. وفي التفسير: إلا بنصفِ أنفسكم، كما تقول:"لم تَنَلْه إلا بقطعةٍ من كَبِدك" على المجاز" (5).

(ضِيْقٍ)(6): قراءة في: {وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} (7). [التاج: ضيق].

(1) معاني القرآن:3/ 42.

(2)

جامع البيان: 17/ 171.

(3)

الكشاف: 2/ 594.

(4)

البيت للنمر بن تولب، انظر: جامع البيان للطبري: 17/ 171، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 62، والبخلاء للجاحظ:56.

(5)

الدر المصون: 9/ 229.

(6)

قراءة ابن كثير ونافع وابن محيصن، انظر: السبعة لابن مجاهد: 376، والحجة لابن خالويه: 395، والدر المصون: 9/ 312، والنشر: 2/ 305، والإتحاف: 281، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 38، ومعجم القراءات للخطيب: 4/ 705، 706.

(7)

النحل: 127.

ص: 283

جاءت قراءة الكسر: "ضِيقٍ" شاهدا على أن مصدر ضاق يَضيقُ هو: ضَِيْقاً بالكَسْرِ والفَتْح. وأن الضَّيْقَ: الشّكُّ في القَلْب وهو مَجاز وبه فُسِّرت الآية. ويختلف علماء اللغة في: هل هما لغتان في المصدر والمعنى واحد أم بينهما اختلاف؟ على وجوه (1): الأول: قال أبو عَمْرو: الضَّيَقُ بالتّحْريك: الشَّكُّ، وهو بالفَتْحِ بهذا المعنى أكثَر فحينَئِذ الصّوابُ ويُحَرَّك. وقال الفَرّاء: الضَّيْقُ بالفَتْح: ما ضاقَ عنْه صدْرُك فهو فيما لا يتّسِعُ (أي في المعاني)، وهو يُثنّى ويُجْمَع ويؤنّث. الثاني: قال الفراء: الضِّيقُ بالكَسْر يكون فيما يتّسِعُ ويَضيقُ كالدّارِ، والثّوْبِ (أي في الماديات)، وهولا يُثنّى ولا يُجْمَع ولا يؤنّث. الثالث: أنهما سَواءٌ (أي هما لغتان في المصدر)، قاله الفراء أيضا.

[التاج: ضيق].

ويبدو أن الفرق بين البناءين في المعنى قد استوقف كثيرا من اللغويين والمفسرين وأصحاب المعاني. فقد جاء في "معجم الفروق اللغوية" وجه رابع وهو عكس ما ذكره الفراء فيقول: الفرق بين الضَّيْقِ والضِّيقِ: قال المفضل: الضَّيْقُ بالفتح في الصَّدْرِ والمكان، والضِّيقُ بالكسر في البُخْلِ وعسر الخلق ومنه قوله تعالى {وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} (2).

ويذكر المعجم نفسه فرقا خامسا بين البناءين فيقول:" وقال غيره: الضَّيْقُ مصدر، والضَّيِّقُ اسمٌ: ضَاقَ الشيءُ ضَيْقَاً، وهو الضَّيِّقُ، والضَّيِّقُ ما يلزمه الضَّيْقُ وهذا المثال يكون لما تلزمه الصفة مثل سَيْدٍ ومَيْتٍ، والضَّائِقُ ما يكون فيه الضَّيْقُ عارضا، ومنه قوله تعالى: {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} (3) "(4).

أما الإمام الطبري فيذكر تعليلا طويلا ينصر فيه قراءة الفتح، ثم يقول: "ففتح الضاد هو الكلام المعروف من كلام العرب في ذلك المعنى (ضيق الصدر) تقول العرب: في صدري من هذا الأمر ضَيْقٌ، وإنما تكسر الضاد في الشيء المُعَاشِ، وضِيقِ المَسْكَنِ، ونحو ذلك؛ فإن وقع الضَّيْقُ بفتح الضاد، في موضع الضِّيق بالكسر. كان على - الذي يتسع أحيانا، ويضيق من قلة - أحد وجهين:

(1) انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 115، والكشاف: 2/ 645، ومعالم التنزيل: 5/ 54، والمحرر الوجيز: 1/ 231، والتبيان للعكبري: 2/ 87، والبحر المحيط: 5/ 528.

(2)

معجم الفروق اللغوية الحاوي لكتاب أبي هلال العسكري وجزء من كتاب " فروق اللغات" لابن نعمة الله الجزائري: 333.

(3)

هود: 12.

(4)

معجم الفروق: 333.

ص: 284

إما على جمع الضَّيْقَةِ، كما قال أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة:

فَلَئِنْ رَبُّكَ مِنْ رَحْمَتِهِ

كَشَفَ الضَّيْقَةَ عَنَّا وَفَسَحْ (1)

والآخر على تخفيف الشيء الضَّيِّق، كما يخفف الهيِّن اللَّيِّن، فيقال: هو هَيْن لَيْن" (2). ومعنى هذا أن الطبري يضيف وجهين آخرين هما: أن الضَّيْقَ بالفتح جمع "الضَّيْقَةَ". أو أنه مخفف من "الضَّيِّق".

أما القرطبي فقد فسر الآية على التخفيف، ثم ذكر عن أهل اللغة أقوالا تتضمن الوجوه السابقة فيقول:" قال بعض اللغويين: الكسر والفتح في الضاد لغتان في المصدر. وقال الأخفش: الضَّيْقُ والضِّيقُ مصدرُ ضَاقَ يَضِيقُ. والمعنى: لا يضيق صدرك من كفرهم. وقال الفراء: الضَّيْقُ ما ضاق عنه صدرك، والضِّيقُ ما يكون في الذي يتسع ويضيق، مثل الدار والثوب. وقال ابن السكيت: هما سواء، يقال: في صدره ضَيْقٌ وضِيقٌ. والقتبي: ضَيْقٌ مُخَفَّفُ ضَيِّقٍ، أي لا تكن في أمر ضَيْقٍ فَخَفَّفَ، مثل هَيِّن وهَيْن. وقال ابن عرفة: يقال ضاق الرجل إذا بخل، وأضاق إذا افتقر"(3).

وينسب أبو حيان قول التخفيف السابق إلى أبي عبيدة، ثم يتبعه برد أبي علي الفارسي له فيقول:"وهما مصدران كالقيل والقول عند بعض اللغويين. وقال أبو عبيدة: بفتح الضاد مخفف من ضَيِّقٍ أي: ولا تك في أمرٍ ضَيِّقٍ، كلَيْنٍ في لَيِّنٍ. وقال أبو علي: الصواب أن يكون الضِّيقُ لغةً في المصدر؛ لأنه إنْ كان مخففاً من ضَيِّق لزم أن تُقَامَ الصفةُ مقامَ الموصوفِ إذا تَخَصَّصَ الموصوفُ، وليس هذا موضع ذلك، والصفة إنما تقوم مقام الموصوف إذا تخصص الموصوف من نفس الصفة كما تقول: رأيت ضاحكاً، فإنما تخصص الإنسان. ولو قلت: رأيت بارداً لم يحسن، وبِبَارِدٍ مَثَّلَ سيبويهُ، وضَيْقٌ لا يخصص الموصوف"(4).

(1) البيت في ديوانه ص: 237، وهو رابع بيت من قصيدة يمدح بها إياس بن قبيصة الطائي، وانظر: الجامع للطبري: 17/ 326، واللسان:(ضيق).

(2)

الطبري: جامع البيان: 17/ 326.

(3)

الجامع لأحكام القرآن: 10/ 202.

(4)

البحر المحيط: 7/ 308.

ص: 285

ومما جاء على (مَفْعَل) و (مَفْعِل) بفتح العين وكسرها:

(مَنْسِكًا)(1): قراءة في: {جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} (2). [التاج: نسك].

يتعرض الزبيدي لـ"المَنْسَك" فيعرض مبناه ومعناه من خلال القراءة فيقول: "والمَنْسَكُ كمَجْلِسٍ ومَقْعَدٍ: شِرعَةُ النّسكِ وقُرِئَ بهِمَا قَولُه تَعالَى: {جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} قَرَأَ الكُوفِيونَ غير عاصِمٍ "مَنْسِكًا" بكَسر السّينِ. والباقُونَ بفَتْحِها، وقَوْلُه تَعالَى:{وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} (3) أي: عَرفْنا مُتَعَبَّداتِنَا.

وقالَ الفَرّاءُ: أَصْلُ المَنْسِكِ في كَلامِ العَرَبِ: المَوْضِعُ المُعتادُ الذي تَعْتادُه (4). ويُقال: إِن لِفُلانٍ مَنْسِكًا يَعْتادُه في خَيرٍ كانَ أَو غَيرِه ثم سُمِّيَت أُمُورُ الحَجِّ مَناسِكَ قال ذُو الرُّمَّةِ (5):

وَرَبِ القِلاصِ الخوُصِ تَدْمَى أُنُوفُهَا .. بنَخْلَةَ والسَّاعِينَ حَوْلَ المَناسِكِ

وقِيلَ: المَنْسَكُ كمَقْعَدٍ: نَفْسُ النُّسُكِ وكمَجْلِس: مَوْضِعٌ تذْبَحُ فيه النَّسِيكَةُ، ومنه قَوْلُهُم: مِنًى مَنْسِكُ الحاجِّ. وقالَ الزَّجّاجُ في تَفْسِير قولهِ تَعالَى: {جَعَلْنَا مَنْسَكا} النَّسكُ في هذَا المَوْضِعِ يَدُلُّ على مَعْنَى النَّحْرِ كَأَنه قالَ: جَعَلْنا لكُلِّ أُمَّةٍ أَن تَتَقَرَّبَ بأَنْ تَذْبَحَ الذَّبائِحَ لله فمَنْ قالَ "مَنْسِك" فمَعْناهُ مكانُ نَسك مثل مَجْلِسٍ مكان جُلُوس، ومن قال "مَنْسَك" فمَعْناهُ المَصْدَرُ نحو النُّسُكِ والنّسُوكِ. وقال ابنُ الأَثِيرِ: قد تَكَرَّرَ ذِكْرُ المَناسِكِ والنُّسُكِ والنَّسِيكَةِ في الحَدِيثِ فالمَناسِكُ: جمعُ مَنْسَكٍ بفَتْحِ السِّينِ وكَسرِها وهو المُتَعَبَّدُ، ويَقَعُ على المَصْدَرِ والزَّمانِ والمَكانِ، ثم سُمِّيَتُ أمُورُ الحَجِّ كلُّها مَناسِكَ". [التاج: نسك].

وحاصل كلامه أن في "المَنْسَك" وجوها:

الأول: بفتح السين وكسرها مصدر، معناه: شِرعَةُ النُّسُكِ.

الثاني: المَنْسَكُ بفتح السين كمَقْعَدٍ: نَفْسُ النُّسُكِ.

والثالث: بكسر السين كمَجْلِس: اسم مكان، أي مَوْضِعٌ تذْبَحُ فيه النَّسِيكَةُ.

(1) هي قراءة حمزة والكسائي وأبي حاتم عن أبي عمرو وخلف والأعمش ويونس وابن سعدان ومحبوب وعبد الوارث، انظر: جامع البيان للطبري: 18/ 679، والبحر المحيط: 8/ 241، معجم القراءات للخطيب: 6/ 112.

(2)

الحج: 67.

(3)

البقرة: 128.

(4)

انظر: معاني القراءات: 2/ 230.

(5)

انظر: الأشباه والنظائر من أشعار المتقدمين للخالديان: 1/ 20، إلا أنه قد وضع (الأدم) مكان (الخوص) وقبله: (أما والَّذي حجَّ الملبُّون بيتَه

سِراعاً ومولَى كلّ باقٍ وهالكِ) وبعده (لئن قطعَ اليأس الحنينَ فإنّه

رَقوءٌ لتَذْراف الدُّموع السوافكِ).

ص: 286

قال الطبري:" وأصل المَنْسِك في كلام العرب الموضع المعتاد الذي يعتاده الرجل ويألفه لخير أو شرّ ; يقال: إن لفلان مَنْسِكَاً يعتاده: يراد مكانا يغشاه ويألفه لخير أو شر. وإنما سميت مناسك الحجّ بذلك، لتردّد الناس إلى الأماكن التي تعمل فيها أعمال الحجّ والعُمرة. وفيه لغتان: "مَنْسِك" بكسر السين وفتح الميم، وذلك من لغة أهل الحجاز، و"مَنْسَك" بفتح الميم والسين جميعا، وذلك من لغة أسد. وقد قرئ باللغتين جميعا"(1).

قال أبو حيان:"والمنسك (مَفْعَل) من نَسَكَ واحتمل أن يكون موضعاً للنسك أي مكان نُسُكٍ، واحتمل أن يكون مصدراً واحتمل أن يراد به مكان العبادة مطلقاً أو العبادة

وحمله الزمخشري على الذبح، يقال: شرع الله لكل أمة أن ينسكوا له أي يذبحوا لوجهه على وجه التقرب، وجعل العلة في ذلك أن يذكر اسمه تقدست أسماؤه على المناسك انتهى. وقياس بناء (مَفْعَل) مما مضارعه (يَفْعُلُ) بضم العين (مَفْعَل) بفتحها في المصدر، والزمان، والمكان، وبالفتح قرأ الجمهور" (2).

وقال السمين:" هما بمعنىً واحد. والمرادُ بالمَنْسَك مكانُ النُّسُكِ أو المصدرُ. وقيل: المكسورُ مكانٌ، والمفتوحُ مصدرٌ. قال ابن عطية: "الكسرُ في هذا من الشاذِّ، ولا يَسُوغُ فيه القياس. ويُشْبِهُ أَنْ يكونَ الكسائيُّ سمعه من العرب" (3). قلت: وهذا الكلامُ منه غير مَرْضِيّ: كيف يقول: ويُشْبه أَنْ يكنَ الكسائيُ سَمِعه. الكسائي يقول: قرأتُ به فكيف يحتاج إلى سماعٍ مع تمسُّكِه بأقوى السَّماعات، وهو روايتُه لذلك قرآناً متواتراً؟ وقوله:"من الشاذِّ" يعني قياساً لا استعمالاً فإنه فيصحٌ في الاستعمال؛ وذلك أنَّ فَعَل يَفْعُل بضم العين في المضارع قياسُ المَفْعَل منه: أن تُفتَحَ عينُه مطلقاً أي: سواءٌ أُريد به الزمانُ أم المكانُ أم المصدرُ. وقد شَذَّتْ ألفاظُ ضَبَطها النحاةُ في كتبهم" (4).

(مَطْلِعِ)(5): قراءة في: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (6). [التاج: طلع].

(1) جامع البيان: 18/ 679.

(2)

البحر المحيط: 6/ 345.

(3)

المحرر الوجيز: 2/ 122.

(4)

الدر المصون: 10/ 390.

(5)

هي قراءة الكسائي وأبي عمرو والأعمش وابن محيصن ويحيى ين وثاب وأبي رجاء العطاردي وطلحة وخلف، انظر: السبعة لابن مجاهد: 693، ومعالم التنزيل للبغوي: 8/ 492، والمحرر الوجيز: 2/ 76، والتحرير والتنوير: 30/ 466، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 444، ومعجم القراءات للخطيب: 10/ 519.

(6)

القدر: 5.

ص: 287

قال الزبيدي: طَلَعَ الكَوْكَبُ والشمسُ والقمَرُ طُلوعاً ومَطْلَعاً بفتحِ اللامِ على القياسِ ومَطْلِعاً بكسرِها، وهو الأشهر، وهو أحد ما جاءَ من مصادرِ (فَعَلَ يَفْعُلُ) على (مَفْعِلٍ). قرأ الجمهور "مَطْلَعِ" بفتح اللام على القياس، وقرأ الكسائي "مَطْلِعِ" بكسر اللام. [التاج: طلع].

وقال الفرّاء:" وهو أقوى في القياس؛ لأنّ المَطْلَع بالفَتْح: الطُّلُوع وبالكَسْر: الموضعُ الذي تَطْلُعُ منه، إلاّ أن العربَ تقول: طَلَعَتْ الشمسُ مَطْلِعا فيَكسِرونَ وهم يريدون المصدرَ، وكذلك: المَسجِد والمَشرِق والمَغرِب والمَسقِط والمَرفِق والمَنسِك والمَنبِت"(1).

وقال بعضُ البَصْريِّين: مَن قرأَ "مَطْلِع الفَجرِ" بكسرِ اللامِ، فهو اسمٌ لوَقتِ الطُّلوع قال ذلك الزَّجَّاج

وهما أي المَطْلَع والمَطْلِع: اسمانِ للمَوضِع أيضاً ومنه قَوْله تَعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ} (2). [التاج: طلع].

ويتحصل من كلام الزبيدي أن في "مطلع" وجوها (3):

الأول: أنه بفتح اللام وكسرها لغتان في المصدر.

الثاني: أنه بالفتح مصدر، وبالكسر اسم لوقت الطلوع.

الثالث: أنه بالكسر اسم للمكان، ولكن المعنى في الآية يأباه.

الرابع: أنه بالكسر اسم لوقت الطلوع على رأي الزجاج.

وسبب هذا الاشتراك ناتج من أن صيغة (مَفْعَل) بفتح العين من الفعل (فَعَلَ يَفْعُلُ) تكون: مصدرا، أو اسما للزمان، أو اسما للمكان قياسا مطردا، إلا أنه قد جاء فيه السماع بكسر العين في نحو: المَسجِد والمَشرِق والمَغرِب والمَسقِط والمَرفِق والمَنسِك والمَنبِت. وقراءة الفتح على القياس، وتعد أيضا سماعا في الفتح؛ لذلك رجحها علماء اللغة والمفسرون.

وقال أبو جعفر النحاس:" أحسن ما قيل في هذا - يقصد كسر لام مَطْلِع - قول سيبويه: وقد كسروا المصدر قالوا: أتيتك عند مطلِع الشمس، أي عند طلوع الشمس، هذه لغة بني تميم، وأما أهل الحجاز فيقولون: مطلَع، والمطلَع المكان. قال أبو جعفر: شرح هذا أنه ما كان على فَعَلَ يَفْعُلُ فالباب فيه أن يكون المصدر منه واسم المكان مَفْعَلا بالفتح وكان يجب أن يكون اسم المكان منه بالضم إلا أنه

(1) معاني القرآن: 3/ 280، 281.

(2)

الكهف: 90.

(3)

انظر: معاني القرآن للفراء: 3/ 280، ومعاني القرآن للأخفش: 4/ 51، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 2/ 830، والدر المصون: 14/ 378.

ص: 288

ليس في كلام العرب مَفْعُل، فلم يكن بد من تحويله إلى الفتحة أو الكسرة، فكانت الفتحة أولى لأنها أخف، والدليل على ما قلناه أنه ما كان على فَعَلَ يَفْعِلُ فالمصدر منه مَفْعَلُ بالفتح، واسم المكان والزمان بالكسر، قالوا: جَلَسَ مَجْلَسَاً وهو في مَجْلَسِكَ، وفي الزمان: أتت الناقة على مَضْرِبِهَا، بالكسر فهذا يبين لك أن الأصل مَطْلِعٌ في المكان ثم حول إلى الفتح، ثم سمع من العرب أشياء تؤخذ سماعا بغير قياس. قالوا: مطلِع للمكان الذي تطلع فيه الشمس، وقال بعضهم مطلِع للمصدر والفتح أولى؛ لأن الفتح في المصدر قد كان لفَعَلَ يَفْعِلُ فكيف يكون في فَعَلَ يَفْعُلُ، وأيضا فإن قراءة الجماعة الذين تقوم بهم الحجة "حتى مطلَع" هذا في قوته في العربية وشذوذ الكسر وخروجه من القياس" (1).

ويقول الطبري:" والصواب من القراءة في ذلك عندنا: فتح اللام لصحة معناه في العربية وذلك أن المطْلَعَ بالفتح هو الطلوع، والمَطْلِعَ بالكسر: هو الموضع الذي تطلع منه، ولا معنى للموضع الذي تطلع منه في هذا الموضع"(2).

وقال أبو حيان:" هما مصدران في لغة بني تميم. وقيل: المصدر بالفتح وموضع الطلوع بالكسر عند أهل الحجاز"(3).

وقال السمين:" الفتح هو القِياسُ والكسرُ سماعٌ، وله أخوات يُحْفَظُ فيها الكسرُ ممَّا ضُمَّ مضارعُه أو فُتح نحو: المَشْرِق والمَجْزِر. وهل هما مصدران أو المفتوحُ مصدرٌ والمكسور مكانٌ؟ خِلافٌ. وعلى كلِّ تقديرٍ فالقياسُ في المَفْعَل مطلقاً مِمَّا ضُمَّتْ عينُ مضارعِه أو فُتِحَتْ فَتْحُ العينِ، وإنما يقعُ الفرقُ في المكسور العين الصحيح نحو: يَضْرِب"(4).

ومما جاء على (فُعْل) و (فِعْل) بضم الفاء وكسرها:

(الذِّلِّ)(5): قراءة في: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} (6). [التاج: ذلل].

(1) إعراب القرآن للنحاس: 3/ 270.

(2)

جامع البيان: 24/ 535.

(3)

البحر المحيط: 11/ 7.

(4)

الدر المصون: 14/ 378.

(5)

قِراءَةُ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، والحسنِ البَصْرِيِّ، وأبي رَجاء، والجَحْدَرِيِّ، وعاصمِ بن أبي النَّجُودِ ويَحيى بنِ وَثَّابٍ، وسُفْيان بنِ حسين، وأبي حَيْوَةَ، وابن أبي عَبْلَةَ، انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 122، والكشاف: 2/ 658، والمحرر الوجيز: 1/ 260، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 141، ومعجم القراءات للخطيب: 5/ 46، 47.

(6)

الإسراء: 24.

ص: 289

يذكر الزبيدي أن الذل بضم الذال وكسرها لغتان في المصدر، حيث قرأ الجمهور بالضم، وقرأ عصم مع آخرين بالكسر. ولكن هناك من فرق بين البنائين قال الرَّاغِبُ: الذُّلُّ ما كانَ عن قَهْرٍ، والذِّلُّ ما كانَ بعدَ تَصَعُّبٍ وشِماسٍ (1). ومعنَى الآية: أي لِنْ كالمَقْهُورِ لهما وعَلى قراءَةِ الكسرِ: لِنْ وانْقَدْ لهما ". [التاج: ذلل]

ومن كلامه يتضح أن في الفرق بينهما وجوها:

الأول: أنهما لغتان في المصدر، والمعنى واحد هو: الرِّفْقُ والرَّحْمَةُ.

الثاني: أن الكسرَ عَلى أنَّهُ مَصْدَرُ الذَّلُولِ.

الثالث: أن الذُّلَّ ما كانَ عن قَهْرٍ، والذِّلَّ ما كانَ بعدَ تَصَعُّبٍ وشِماسٍ.

وقد عرض الطبري لهذا الفرق فقال: "والذُّلُّ بضم الذال والذِّلَّة مصدران من الذليل، وذلك أن يتذلل، وليس بذليل في الخلقة من قول القائل: قد ذَلَلت لك أذلّ ذلة وذلا، وذلك نظير القُلّ والقِلَّة، إذا أسقطت الهاء ضمت الذال من الذُّلّ والقاف من القُلّ، وإذا أثبتت الهاء كُسِرت الذال من الذِّلة، والقاف من القِلَّة

وأما الذِّل بكسر الذال وإسقاط الهاء فإنه مصدر من الذَّلول من قولهم: دابة ذَلول: بَيِّنَةَ الذِّلِّ، وذلك إذا كانت لينة غير صعبة" (2).

وقد عبر كل من أبي حيان (3) والألوسي عن هذا المعنى بعبارة متقاربة فقال الألوسي: "وقرأ سعيد بن جبير "الذِّلِ" بكسر الذال وهو الانقياد وأصله في الدواب، والنعت منه ذَلُول، وأما الذُّلُّ بالضم فأصله في الإنسان، وهو ضد العز والنعت منه ذليلاً"(4).

وقال ابن عاشور: "وفي بعض التّفاسير: الذُّلُّ بضم الذال ضد العزّ، وبكسر الذِّالُّ ضِدُّ الصُّعُوبَةِ (5)، ولا يعرف لهذه التفرقة سند في اللغة"(6).

ومما ورد من (فَعَال) و (فُعَال) بفتح الفاء وضمها:

(فُوَاقٍ)(7): قراءة في قوله تعالى: {مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} (8). [التاج: فوق].

(1) انظر المفردات: 1/ 369.

(2)

الجامع: 17/ 419، 420.

(3)

انظر البحر المحيط: 7/ 337.

(4)

روح المعاني: 10/ 426.

(5)

قائل هذا الكلام هو العكبري في التبيان: 2/ 90، وردده السمين في الدر: 9/ 343.

(6)

التحرير والتنوير: 6/ 237.

(7)

قراءة حمزة والكسائي وخلف والأعمش ويحيى بن وثاب والسلمي وطلحة وأبي عبد الرحمن، انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 400، والسبعة لابن مجاهد: 552، والبحر المحيط: 7/ 387، والدر المصون: 12/ 243، ومعجم القراءات لمختار: 4/ 223، ومعجم القراءات للخطيب: 8/ 87.

(8)

سورة ص: 15.

ص: 290

يذكر الزبيدي معنى الفُوَاقِ بالضم وأنه من المجاز: "ما بَين الحَلْبَتَيْن من الوقْت لأنّها تُحْلَب ثم تُترَك سُوَيْعَة يرضَعُها الفَصيلُ لتَدِرّ ثم تُحلَب. يقال: ما أقامَ عنده إلا فُوَاقاً ويُفْتَحُ". وأن الكوفيّين غيرَ عاصِم قرؤوا: {مَا لَهَا مِنْ فُوَاقٍ} بالضّم. والباقون: {مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} بالفَتْح. [التاج: فوق]

وقد اختلف اللغويون في القراءتين من حيث المعنى على وجهين:

الأول: أن بين البناءين فرقاً في المعنى، وهو قول أبي عبيدة:"مَنْ قرأ بالفَتْحِ أرادَ مالَها من إفاقَةٍ ولا راحَة، ذهَب بها إلى إفاقَةِ المَريض، ومن ضمَّها جعَلَها من فُواقِ الناقَة يريدُ ما لَها من انتِظار"(1).

الثاني: أنه لا فرق بين البناءين في المعنى؛ لأنهما لغتان في لفظ واحد، وهو قول:"ثعْلبٌ: أي ما لَها من فَتْرة. ويقال: فُواق النّاقة وفَواقُها: رجوعُ اللّبَن في ضرْعِها بعد حَلْبِها. يُقال: لا تنْتَظِرْه فُواقَ ناقَة، وأقام فُواقَ ناقة جعلُوه ظَرْفاً على السّعةِ وهو مجازٌ".

قال الطبري:" والصواب من القول في ذلك أنهما لغتان، وذلك أنا لم نجد أحدا من المتقدمين على اختلافهم في قراءته يفرّقون بين معنى الضمّ فيه والفتح، ولو كان مختلف المعنى باختلاف الفتح فيه والضم، لقد كانوا فرقوا بين ذلك في المعنى. فإذا كان ذلك كذلك، فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب ; وأصل ذلك من قولهم: أفاقت الناقة، فهي تفيق إفاقة وذلك إذا ردت ما بين الرضعتين ولدها إلى الرضعة الأخرى، وذلك أن ترضع البهيمة أمها ثم تتركها حتى ينزل شيء من اللبن، فتلك الإفاقة ; يقال إذا اجتمع ذلك في الضرع فيقة"(2).

وحكى النحاس عن الكسائي والفراء ترجيح القول بأنهما لغتان بمعنى واحد (3).

وقال الراغب:" والفواق: ما بين الحلبتين. وقوله: {مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} أي: من راحة ترجع إليها، وقيل: ما لها من رجوع إلى الدنيا. قال أبو عبيدة: (من

(1) مجاز القرآن: 2/ 179.

(2)

جامع البيان: 21/ 163.

(3)

إعراب القرآن: 2/ 435.

ص: 291

قرأ: "من فُوَاق "بالضم فهو من فواق الناقة. أي: ما بين الحلبتين، وقيل: هما واحد نحو: جَمَام وجُمَام" (1).

وقال البغوي: "وهما لغتان، فالفتح لغة قريش، والضم لغة تميم"(2).

وقال ابن عاشور: "الفواق، بفتح الفاء وضمها: اسم لما بين حلبتي حالب الناقة ورضعتي فَصيلها، فإن الحالب يحلب الناقة ثم يتركها ساعة ليرضعها فصيلها ليَدر اللبن في الضرع ثم يعودون فيحلبونها، فالمدة التي بين الحلبتين تسمى فَواقاً. وهي ساعة قليلة وهم قبل ابتداء الحلب يتركون الفصيل يرضعها لتدرّ باللبن.

وجمهور أهل اللغة على أن الفتح والضم فيه سواء، وذهب أبو عبيدة والفراء إلى أن بين المفتوح والمضموم فَرقاً فقالا: المفتوح بمعنى الراحة مثل الجَواب من الإِجابة، والمضمومُ اسم للمدة. واللبن المجتمع في تلك الحصة يسمى: الفِيقَة بكسر الفاء، وجمعُها أفاويق. ومعنى "ما لَها من فَواقٍ" ليس بعدها إمهال بقدر الفواق" (3).

ومما جاء على (فَعِلَ) و (فَعَل):

(بَرَقَ)(4): قراءة في قوله تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} (5). [التاج: برق].

قال الزبيدي: بَرَقَ بَصَرُهُ: تَلألأ

وإِذا كَسَرْتَ الراءَ فبمَعْنَى الحَيْرَةِ. وبَرِقَ البَصَرُ كفَرِحَ وعليه اقتَصَر الجَوْهريُّ وقال: يعني بَرِيقَهُ إذا شَخَصَ. قال الفراء (6): قرأها نافع وحده من البريق أي: شَخَصَ، وقال غيره: أي: فتح عَيْنَهُ من الفَزَعِ، قلت: وقرأها أيضاً أبو جعفر هكذا. [التاج: برق]

عرض الزبيدي هنا لفعلين مختلفين في المعنى متشابهين في المبنى، هما:

(1) مفردات القرآن الكريم: 3/ 249.

(2)

معالم التنزيل: 7/ 74.

(3)

التحرير والتنوير: 23/ 224.

(4)

قراءة زيد بن ثابت ونصر بن عاصم وعبد الله بن أبي إسحاق وأبي حيوة وابن أبي عبلة والزعفراني وابن مقسم ونافع وزيد بن علي وأبان عن عاصم وهارون ومحبوب كلاهما عن أبي عمرو والحسن والجحدري بخلاف عنهما وأبي جعفر وأبان عن عاصم، انظر: السبعة لابن مجاهد: 661، ومعاني القرآن للفراء: 3/ 209، والحجة لابن خالويه: 357، والحجة لأبي زرعة: 736، والنشر: 2/ 393، والإتحاف: 428، ومعجم القراءات للخطيب: 10/ 185.

(5)

القيامة: 7.

(6)

معاني القرآن: 3/ 209.

ص: 292

أحدهما: بَرَقَ يَبْرُقُ بَرَقَاً وبُرُوقَاً وبَرِيقَاً: لَمَعَ وجاء بِبَرْقٍ، وتكون للسماء حقيقة، وللسيف ونحوه مجازا.

والآخر: بَرِقَ بَصَرُهُ يَبْرَقُ بَرَقَاً وبُرُوقَاً: تَحَيَّرَ حتى لا يَطْرِف، أو دَهشَ فلم يُبْصِرْ. وبَرِقَ الرجلُ إذا رأى البرق فتحير، كما تقول: أَسَدَ الرجلُ إذا رأى الأسد فتحير. إذن بَرَقَ بالفتح تدل على اللِّمْعَانِ حقيقة أو مجازا. وبَرِقَ بالكسر تدل على الحيرة والدهشة.

قال الطبرى: "بَرَقَ" بفتح الراء، بمعنى شخص، وفُتِح عند الموت

و"بَرِقَ" بكسر الراء، بمعنى: فزع وشقّ

وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب كسر الراء "فَإِذَا بَرِقَ" بمعنى: فزع فشُقّ وفُتِح من هول القيامة وفزع الموت" (1).

وقال الزمخشري: "بَرِقَ الْبَصَرُ تَحَيَّرَ فَزَعًا، وأصله من برق الرجل إذا نظر إلى البرق فدهش بصره. وقرئ: "بَرَقَ" من البريق، أي لمع من شدة شُخُوصِهِ"(2).

قال البغوي:" هما لغتان. وقال قتادة ومقاتل: شخص البصر فلا يطرف مما يرى من العجائب التي كان يكذب بها في الدنيا. قيل: ذلك عند الموت. وقال الكلبي: عند رؤية جهنم برق أبصار الكفار. وقال الفراء والخليل: "بَرِقَ" - بالكسر – أي: فزع وتحير لما يرى من العجائب، و"بَرَقَ" بالفتح، أي: شق عينه وفتحها، من البريق، وهو التلألؤ"(3).

وقد حمل القرطبي القراءة على تعدد اللغة في الفعل لا تعدد البناء فيه (4).

وقال أبو عبيدة: {فَإِذَا بَرَقَ البَصَرُ} إذا شُقَّ البَصَرُ (5).

وقال الرَّاغِبُ:" "بَرَقَ" يقال في كل ما يَلْمَعُ، نحو: سيف بَارِقٌ. وبَرِقَ يُقَالُ في العينِ إذا اضْطَرَبَتْ وَجَالَتْ مِنْ خَوْفِ"(6).

وقال النحاس:" معنى الكسر بَيِّنٌ أي حَارَ وفَزعَ من الموت، ومن أَمْرِ القيامة، وبَرَقَ: لَمَعَ"(7).

(1) جامع البيان: 24/ 54.

(2)

الكشاف: 4/ 660.

(3)

معالم التنزيل: 8/ 281.

(4)

انظر: جامع الأحكام للقرطبي: 19/ 94.

(5)

انظر: مجاز القرآن: 1/ 126.

(6)

المفردات: 1/ 84.

(7)

إعراب القرآن: 3/ 354.

ص: 293

وقال ابن خالويه:" بَرَقَ: بفتح الراء أي: شَخَصَ، إذا فتح عينيه عند الموت كذا قال الفراء. وقال آخرون: بَرَقَ: لَمَعَ بَصَرُهُ. وقرأ الباقون " بَرِقَ" بالكسر أي: تَحَيَّرَ"(1).

وقال السمين أنهما:" لغتان في التحيُّرِ والدَّهْشة. وقيل: بَرِقَ بالكسر تَحَيَّر فَزِعاً. قال الزمخشري: وأصلُه مِنْ بَرِقَ الرجلُ: إذا نَظَر إلى البَرْقِ فَدُهِشَ بَصَرُه". قال غيرُه: كما يقال: أَسِدَ وبَقِرَ، إذا رأى أُسْداً وبَقَراً كثيرةً فتحيَّز من ذلك" (2).

الأمثلة السابقة كانت تحتمل في الغالب وجهين: أحدهما: أنهما لغتان في اللفظ، والمعنى واحد. والآخر: أنهما صيغتان مختلفتان؛ لذا اختلف المعنى، ولكن مع هذا الاختلاف في الصيغة تعود الكلمتان إلى أصل واحد.

أما في المُثُلِ الآتية فإن القراءتين المتعاقبتين على الموضع الواحد مقطوع فيهما باختلاف الأصل الاشتقاقي، وإن تقاربا في الفظ والمعنى. من ذلك:

(لَتَخِذْتَ)(3) قراءة في قوله تعالى: {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} (4).

[التاج: أخذ وتخذ].

تناول الزبيدي القراءات الواردة في الآية السابقة ذاكرا اختلاف العلماء في: هل هو من أَخَذَ يَأْخُذُ أَخْذَاً، أو من تَخِذَ يَتْخَذُ تَخَذاً وتَخْذاً وهما أصلان والمعنى واحد. فقال: اتَّخَذَ مِن تَخِذَ يَتْخَذُ اجتمع فيه التاءُ الأَصليُّ وتاءُ الافتعال فأُدْغِمَا وهذا قولٌ حَسَنٌ. لكنِ الأَكْثَرُون على أَنّ أَصله من الأَخْذِ، وأَن الكلمةَ مهموزَةٌ.

ولا يَخْلُو هذا من خَلَلٍ؛ لأَنه لو كان كذلك لقالوا في ماضيه: ائْتَخَذَ بهمزتين على قياسِ ائْتَمَر وائْتَمَنَ. ومَعْنَى الأَخْذِ والتَّخْذِ واحدٌ وهو حَوْزُ الشيْءِ وتَحْصِيلُه.

قال الفَرَّاءُ (5):" قَرَأَ مُجَاهِدٌ "لَتَخِذْتَ". قال أَبو منصور (6): وصَحَّت هذه القراءَةُ عن ابنِ عبَّاسٍ، وبها قَرأَ أَبو عمرِو بنُ العلاءِ. واتَّخَذَ افْتَعَلَ مِنْ تَخِذَ فاُدْغِم إِحدَى التاءَيْنِ في الأُخْرَى، وهما التاءُ الأَصْلِيُّ وتاءُ الافتِعَالِ. وقال الليثُ:

(1) الحجة لابن خالويه: 2/ 286، وانظر: الحجة لابن زنجلة: 1/ 500.

(2)

الدر المصون: 14/ 181.

(3)

قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب وابن محيصن واليزيدي والحسن وابن مسعود وقتادة، وابن بحرية، ومجاهد، انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 156، والسبعة: 396 والحجة لابن خالويه: 228، والحجة لابن زنجلة: 275، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 2/ 47، والنشر: 2/ 314، والإتحاف: 354، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 127.

(4)

الكهف: 77.

(5)

انظر معاني القرآن: 2/ 121.

(6)

انظر التهذيب: (أخذ).

ص: 294

مَن قَرَأَ "لاتَّخَذْتَ" فقد أَدْغَمَ التاءَ في اليَاءِ فاجتمَعَ هَمْزَتَانِ فصُيِّرَتْ إِحداهُمَا ياءً وأُدْغِمَت كراهَةَ التقائِهما". [التاج: أخذ وتخذ].

قال ابن خالويه:" قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: "لَتَخِذْتَ" بتخفيف التاء وكسر الخاء، وحجتهما أن أصل هذا الفعل من تَخِذَ يَتْخَذُ تَخْذَاً، فالتاء فاء الفعل مثل تَبِعَ يَتْبَعُ، وأنشد أبو عمرو: (وَقَدْ تَخِذَتْ رِجْلِي إِلَى جَنْبِ غَرْزِهَا) (1)، فقرأ أبو عمرو على أصل بِنْيَةِ الفعل من غير زيادة، وقرأ الباقون "لَاتَّخَذْتَ" بفتح الخاء على (افتعلت). في هذه القراءة قولان: أحدهما: أن تكون التاء الأولى أصلية والتاء الثانية تاء زائدة في (افتعل) والأصل تَخِذَ يَتْخَذُ فلا نظر فيه أنه (افتعل) منه.

والقول الثاني: أن يكون اتخذ مأخوذ من أَخَذَ، والفاء همزة فإذا بني منه (افتعل) شابه (افتعل) من (وعد) فيصير ائْتَخَذَ يَأْتَخِذُ ائْتِخَاذَاً كما تقول: ايتَعَدَ يَاتَعِدُ ايتِعَادَاً فهو مُوتَعِدٌ ثم تقول: اتَّعَدَ يَتَّعِدُ اتِّعَادَاً، كذلك اتَّخَذَ يَتَّخِذُ اتِّخَاذَاً، فأبدلوا من مكان الهمزة تاء، كما جرت مجرى الواو في التثقيل، والأصل إِأْتَخَذَ فاجتمع همزتان فقلبت الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، فصارت إِيتَخَذَ، ثم أبدلوا من الياء تاء، ثم أدغموا في التاء التي بعدها فقالوا اتَّخَذَ يَتَّخِذُ فهو مُتَّخِذٌ" (2).

"فَصِرْهُنَّ"(3)، و"فَصُرَّهُنَّ"(4)، و"فَصِرَّهُنَّ" (5): قراءات في قوله تعالى: {فَصُرْهُنَّ إلَيْكَ} (6). [التاج: صرر].

تناول الزبيدي القراءات السابقة فقال: "صَارَ وَجْهَهُ يَصُورُه ويَصِيرُه: أقْبلَ به. وقال الأخْفَشُ: صُرْ إليَّ وصُرْ وَجْهَكَ إليَّ أي: أقْبِلْ علىَّ. وفي التنزيل

(1) هذا صدر بيت للمُمَزَّقِ العَبْدِيِّ، وعجزه (نَسِيفاً كَأُفْحُوصِ القَطَاةِ الْمُطَرِّقِ)، وهو أحد بيتين ذكرهما له الجاحظ، والثاني منهما: (أُنِيخَتْ بِجَوٍّ يَصْرُخُ الدِّيكُ عِنْدَها

وَباتَتْ بِقَاعٍ كَادِئ النَّبْتِ سَملَقِ)، انظر: الحيوان: 5/ 281، وأيضا الأصمعيات: 58، ومجاز القرآن 1/ 411، واللسان، والتاج:(نسف، تخذ).

(2)

الحجة لابن زنجلة: 1/ 426، وانظر: الحجة للفارسي: 3/ 96، وإعراب القرآن لابن سيده: 1/ 156.

(3)

قراءة حمزة ويزيد وخلف وروس وابن عباس وطلحة وشيبة وابن جبير وقتادة وابن علقمة وأبي جعفر وابن وثاب والأعمش، انظر: السبعة: 190، والتبيان: 1/ 110 والمحتسب: 1/ 136، والحجة لأبي علي الفارسي: 2/ 292، والحجة البن خالويه: 101، والنشر: 2/ 232، والإتحاف: 163، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 346.

(4)

هي قراءة ابن عباس، وعكرمة، انظر المراجع السابقة.

(5)

قراءة ابن عباس، انظر المراجع السابقة.

(6)

البقرة: 260.

ص: 295

العزيز "فَصُرْهُنَّ إلَيْكَ" أي وَجِّهْهُنّ، وهي قراءَةُ عليٍّ وابنِ عبَّاسٍ وأكثرِ الناسِ. وذَكَرَهُ ابن سيده في الياءِ أيضاً؛ لأنّ صُرْتُ وصِرْتُ لغتان.

وصارَ الشَّيْءَ يَصُورُه صَوْراً: قَطَعَه وفَصَّلَه صُورَةً صُورَةً ومنه: صارَ الحاكِمُ الحُكْمَ، إذا قَطَعَه وحَكَم به

قلْت: وبه فَسَّر بعضٌ هذه الآيةَ. قال الجَوْهَرِيّ: فَمَن قال هذا جَعَلَ في الآية تَقْدِيماً وتأْخيراً كأَنه قال: خُذْ إليكَ أربعةً فصُرْهُنّ. قال اللِّحْيَانيّ: قال بعضُهم: معنَى صُرْهُنّ: وَجِّهْهُنَّ ومعنَى صِرْهُنّ: قَطِّعْهُنّ وشَقِّقْهُنّ. والمعروف أنّهما لُغَتَان بمعنىً واحدٍ وكلُّهم فسَّرُوا فصُرْهُنّ.

أمِلْهُنّ والكسْرُ فُسِّر بمعنىَ قَطِّعْهُنّ. قال الزَّجّاجُ: ومن قرأ: "فصِرْهُنَّ" إليكَ بالكسر ففيه قولان: أحدُهما أنه بمعنَى صُرْهُنّ يقال: صارَه يَصُورُه ويَصيرُه إذا أماله لُغتان. وقال المصنّف في البصائر: وقال بعضُهم: "صُرَّهُنَّ" بضمّ الصّادِ وتشديد الراءِ وفتحها من الصَّرّ أي الشَّدّ قال: وقُرِئَ "فَصِرَّهُنَّ" بكسر الصاد وفتح الراءِ المشددة من الصَّريرِ أي الصوت أي صِحْ بِهِنَّ. [التاج: صرر].

ويتحصل من كلامه أن في معنى "صرهن" وجوها هي (1):

الأول: أنها بضم الصاد وكسرها لغتان "صُِرْهُنَّ"، وهي من صار يصور ويصير، والمعنى: وَجِّهْهُنّ.

الثاني: أنها بالضم "صُرْهُنَّ" من يصور، بمعنى: وَجِّهْهُنّ، وبالكسر من يصير، بمعنى: قَطِّعْهُنّ وشَقِّقْهُنّ.

الثالث: أنها في قراءة "صُرَّهُنّ" من صَرَّ يَصُرُّ صَرَّاً: ربط وشد، بمعنى: شدهن واربطهن.

الرابع: أنها في قراءة "فصِرَّهُنّ" من صَرَّ يَصِرُّ صَرِيرَاً، بمعنى: صِحْ بِهِنَّ.

ويزيد القرطبي وجها خامسا على قراءة لم يذكرها الزبيدي فيقول: " "صَرِّهِنَّ" (2) بفتح الصاد وشد الراء مكسورة، حكاها المهدوي وغيره عن عكرمة بمعنى فاحْبِسْهُنَّ، من قولهم: صَرَى يَصْرَى إذا حبس، ومنه الشاة المصراة"(3).

(1) انظر أيضا هذه الوجه في: معاني القرآن للفراء: 1/ 174، ومعاني القرآن للأخفش: 1/ 152، والكشاف: 1/ 309، وإعراب القرآن للنحاس: 1/ 186، والتبيان للعكبري: 1/ 110، ومعالم التنزيل: 1/ 324، والمحرر الوجيز: 1/ 354.

(2)

قراءة عكرمة وابن عباس والمهدوي، انظر: المحرر الوجيز لابن عطية: 1/ 354 وجامع الأحكام للقرطبي: 3/ 300، والبحر المحيط: 2/ 300، وروح المعاني للألوسي: 3/ 29، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 347، ومعجم القراءات للخطيب:1/ 375.

(3)

الجامع لأحكام القرآن: 3/ 302.

ص: 296

وقد أفاض الطبري في شرح القراءتين السبعيتين عارضا أقوال البصريين والكوفيين ومرجحا لرأي البصريين وتخريجهم على الكوفيين فقال: " سواءٌ قرأ القارئ ذلك بضم "الصاد": "فصُرْهن" إليك أو كسرها "فصِرْهن" إذ كانت لغتين معروفتين بمعنى واحد. غير أن الأمر وإن كان كذلك، فإن أحبّهما إليّ أن أقرأ به "فصُرْهن إليك" بضم "الصاد"؛ لأنها أعلى اللغتين وأشهرهما، وأكثرهما في أحياء العرب"(1).

وقال السمين:" اختُلِف في ذلك فقيل: القراءتان يُحتمل أَنْ تكونا بمعنىً واحدٍ وذلك أنه يقال: صارَه يَصُوره ويَصِيره، بمعنى قَطَعه أو أماله فاللغتان لفظٌ مشتركٌ بين هذين المعنيين، والقراءتان تَحْتَمِلهما معاً، وهذا مذهبُ أبي عليّ. وقال الفراء: "الضمُّ مشتركٌ بين المعنيين، وأمَّا الكسرُ فمعناه القطعُ فقط". وقال غيرُه:"الكسرُ بمعنى القَطْعِ والضمُّ بمعنى الإِمالةِ". ونُقِل عن الفراء أيضاً أنه قال: "صَارَه" مقلوبُ من قولهم: "صَراه عن كذا" أي: قَطَعه عنه" (2).

(تَلُوا)(3): قراءة في قوله: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا} (4). [التاج: لوي].

وجه الزبيدي قراءة الجمهور: "تَلْوُوا" على أنها من اللَّيِّ، وقراءة ابن عامر:"تَلُوا" على أنها من الولاية فقال: "لَوَى الرجلُ رأسَهُ، وأَلْوَى برأسه أَمَالَ وأَعْرَضَ، وقوله تعالى: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا} بواوين، قال ابن عباس: "هُوَ الْقَاضِي يَكُونُ لَيُّهُ وَإِعْرَاضُهُ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الآخَر" (5). وقد قُرِئَ بواو واحدة مضمومة اللام من وَلَيْتُ، قال ابن سيده (6): الأولى قراءة عاصم، وأبي عمرو، وفي قراءة "تَلُوا" بواو واحدة وجهان:

(1) جامع البيان: 5/ 504.

(2)

الدر المصون: 3/ 111.

(3)

هي قراءة ابن عامر وحمزة والأعمش وابن وثاب وابن عباس، انظر: معاني القرآن للفراء: 1/ 291، وجامع البيان للطبري: 9/ 310، والسبعة: 239، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج: 2/ 118، والتبيان: 2/ 253، والنشر: 2/ 252، والإتحاف: 195، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 546، ومعجم القراءات للخطيب: 2/ 173.

(4)

النساء: 135.

(5)

لم أجده إلا في (تفسير ابن أبي حاتم: 4/ 397) قال بسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ:{وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} قال: "الرَّجُلانِ يَقْعُدَانِ عِنْدَ الْقَاضِي فَيَكُونُ لَيُّ القاضي وَإِعْرَاضُهُ لأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ عَلَى الآخَرِ".

(6)

ما نقله الزبيدي هنا عن ابن سيده لم أجده في المحكم، ولا في المخصص، ولا في إعراب القرآن، ولكن أصله لدى الفراء في معانيه:1/ 291.

ص: 297

أحدهما: أن أصله "تَلْوُوا" أبدل من الواو الهمزة فصارت "تَلْؤُوا" بسكون اللام ثم طرحت الهمزة وطرحت حركتها على اللام فصارت "تَلُوا".

الثاني: أن يكون من الْوِلَايَةِ لا مِنَ اللَّيِّ. [التاج: لوي].

ويتحامل الأخفش على قراءة التخفيف فيقول:" {وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا}؛ لأنها من "لَوى" "يَلْوِي". وقال بعضهم "وإِنْ تَلُوا" فإن كانت لغة فهو لاجتماع الواوين، ولا أراها إِلاّ لحناً إلاّ على معنى "الوِلاية"، وليس لـ "الوِلايَة" معنى ها هنا إلا على قوله "وإِنْ تَلُوا عَلَيْهِم" فطرح "عَلَيْهِم" فهو جائز"(1).

ولكن أبا حيان يدافع عن هذه القراءة فيقول:" قرأ جماعة في الشَّاذِّ، وابن عامر وحمزة: "وإن تَلُوا" بضم اللام بواو واحدة، ولَحَّنَ بعضُ النَّحْوِيَّينَ قارئَ هذه القراءة قال: لا معنى للولاية هنا، وهذا لا يجوز؛ لأنها قراءة متواترة في السَّبْعِ، ولها معنىً صحيحٌ وتخريجُ حسنٌ. فنقول: اخْتُلِفَ في قوله: "وإن تَلُوا" فقيل: هي من الوِلَايَةِ أي: وإن وُلِّيتُمْ إقامَةَ الشهادةِ وأَعْرَضْتُمْ عن إقامتها والوِلَايَةُ على الشيء هو الإقبالُ عليه. وقيل: هو من اللَّيِّ واصله: تَلْوُوا وأبدلت الواو المضمومة همزة - تَلْؤوا -، ثم نُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إلى اللام وحُذِفَتْ - تَلُوا - قاله الفراء (2)، والزجاج (3)، وأبو علي (4) والنحاس (5)، ونقل عن النحاس أيضاً أنه اسْتُثْقِلَتِ الحَرَكَةُ على الواو فَأُلْقِيَتْ على اللام، وحُذِفَتْ إحدى الواوين لالتقاء الساكنين"(6).

ويزيد ابن خالويه المسألة وضوحا فيقول:" قرأ حمزة وابن عامر "وَإِنْ تَلُوا" بضم اللام، وقرأ الباقون "وَإِنْ تَلْوُوا" بواوين من: لويت فلانا حقه ليا أي: دافعته وماطلته يقال لوى فلانا غريمه. قال أبو عبيدة يقال: رَجُلٌ لَيَّانٌ وامرأةٌ لَيَّانَةٌ أي: مماطلة، فمعنى تَلْوُوا: تُدَافِعُوا وتَمْطُلُوا، وحجتهم في ذلك ما جاء في التفسير: إن لوى الحاكم في قضيته فإن الله كان بما تعملون خبيرا. وأخرى روى ابن جريج عن مجاهد (7): "وَإِنْ تَلْوُوا" أي تبدلوا الشهادة "أَوْ تُعْرِضُوا" أي تكتموها، فذهب مجاهد أن هذا خطاب من الله عز وجل للشهداء لا للحكام، وأصل الكلمة (تلويوا)

(1) معاني القرآن للأخفش: 1/ 213.

(2)

معاني القرآن للفراء: 1/ 291.

(3)

معاني القرآن وإعرابه: 2/ 118.

(4)

الحجة للقراءات السبع: 2/ 95.

(5)

معاني القرآن: 2/ 215.

(6)

البحر المحيط: 4/ 293.

(7)

حديث مجاهد رحمه الله في (تفسير ابن أبي حاتم: 4/ 397).

ص: 298

فاستثقلوا الضمة على الياء فحذفوها، وحذفت الياء لالتقاء الساكنين، ثم ضموا الواو لمجاورتها الثانية. ومن قرأ بواو واحدة ففيه وجهان:

أحدهما: أن يكون أصله (تلووا) فأبدل من الواو المضمومة همزة فصار (تلؤوا) بإسكان اللام ثم طرحت الهمزة وطرحت حركتها على اللام، فصار (تلوا). والآخر: أن يكون من الولاية من قولك: وليت الحكم والقضاء بين الرجلين أي: إن قمتم بالأمر أو أعرضتم فإن الله كان بما تعملون خبيرا. والأصل (توليوا) فحذفت الواو كما حذفنا من (يعد) فصار (تليوا) ثم حذفنا الياء ونقلنا الضمة إلى اللام فصار (تلوا) " (1).

وبناء على التحليل الصرفي السابق نخلص إلى أن في القراءة وجهين:

الأول: أن تكون "تلوا" مضارع مسند لواو الجمع من لَوَى يَلْوِي لَيَّاً.

الثاني: أن يكون "تلوا" أيضا مضارع مسند لواو الجمع، ولكن من وَلِيَ يَلِي وِلَايَةً. والملاحظ أن الصيغتين متماثلتان في الشكل، ولكنهما مختلفتان في المعنى، حيث يمكن اعتبارهما من المشترك اللفظي.

(الصُّوَرِ)(2): قراءة في قوله تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ} (3).

ذكر الزبيدي أن "الصُّور بالضم: القَرْنُ يُنْفَخُ فيه، وقَرَأَ الحسنُ "يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّوَرِ" على أنه جمْعُ صُورَةٍ مثل بُسْرٍ وبُسْرَةٍ، أي: يُنْفَخُ في صُوَرِ المَوْتَى للأرواح ورُوِيَ ذلك عن أبي عُبَيْدَة وقد خطّأَه أَبو الهَيْثَمِ ونَسبه إلى قِلّة المعرفة".

[التاج: صور].

فالكلمة على قراءة الجمهور تعني القرن الذي ينفخ فيه، وعلى قراءة الحسن الشاذة من التصوير. وقد رد القرطبي هذه القراءة قائلا:"وليس جمع صورة كما زعم بعضهم، أي ينفخ في صُوَرِ الموتى"(4). أما أبو حيان فيقرها قائلا: "قرأ الحسن "في الصُّوَرِ" وحكاها عمرو بن عبيد عن عياض ويؤيد تأويل من تأوله أن "الصُّوَرَ" جمعُ صُورَةٍ كثُومَةٍ وثُوَمٍ"(5).

(1) الحجة: 1/ 408.

(2)

قراءة الحسن وعياض وقتادة ومعاذ القارئ وأبي مجلز وأبي المتوكل وأبي عبيدة، انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج: 2/ 264، والتبيان: 2/ 174، ومختصر ابن خالويه: 38، والإتحاف: 211، ومعجم القراءات للخطيب: 2/ 461.

(3)

الأنعام: 73.

(4)

الجامع: 7/ 20.

(5)

البحر المحيط: 5/ 183.

ص: 299

وقال مكي:" والصُّوَر جمع صُورَةٍ، وأصل الواو الحركة، ولكن أسكنت تخفيفا، فأصله الصُّوَر أي صُوَر بني آدم. وقيل: هو القَرْنُ الذي يَنْفُخُ فيه الملكُ فهو واحدٌ وهذا القول أَشْهَرُ"(1).

وقال السمين:" الصُّور: الجمهورُ على قراءته ساكنَ العين، وقرأه الحسن البصري بفتحها، فأمَّا قراءة الجمهور فاختلفوا في معنى الصُّور فيها، فقال جماعة: الصُّور جمع صُورة كالصُّوف جمع صُوفة، والثُّوم جمع ثومة، وهذا ليس جمعاً صناعياً، وإنا هو اسم جنس، إذ يُفَرَّق بينه وبين واحده بتاء التأنيث، وأيَّدوا هذا القولَ بقراءة الحسنِ المتقدمة. وقال جماعةٌ: إن الصُّور هو القَرْن، قال بعضهم: هي لغة اليمنِ

وأنحى أبو الهيثم على مَنْ ادَّعى أن الصُّور جمع صُوره فقال: "وقد اعترض قومٌ فأنكروا أن يكون الصُّور قرناً كما أنكروا العرش والميزان والصراط، وادَّعَوا أن الصور جمع الصورة كالصوف جمع الصوفة، ورَوَوْا ذلك عن أبي عبيدة، وهذا خطأٌ فاحشٌ وتحريفٌ لكلام الله عز وجل عن مواضعه؛ لأن الله قال: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} فَمَنْ قرأها: {ونُفِخ في الصُّوَرِ} أي بالفتح، وقرأ {فَأَحْسَنَ صُوْرَكم} أي بالسكون فقد افترى الكذبَ على الله، وكان أبو عبيد صاحبَ أخبار وغريب ولم يكن له معرفة بالنحو". قال الأزهري: "قد احتجَّ أبو الهيثم فأحسن الاحتجاج، ولا يجوز عندي غيرُ ما ذهب إليه وهو قول أهل السنة والجماعة"(2).

(تَهْوَى)(3): قراءة في قوله تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} (4). [التاج: هوي].

حيث قرئ: "تَهْوَى إليهم". فمن قرأه: "تَهْوِي إِلَيْهِمْ" جعله من: هَوَى يَهْوِي هَُوِيَّاً بالفتح والضم: سقط من عُلُوٍّ إلى سَفَلٍ. قيل المعنى: ترتفع إليهم. والأصل في "تَهْوِي إِلَيْهِمْ" تَنْزِلُ؛ لأنَّ آلَ إبراهيم عليهم السلام كانوا في وَادٍ تُحِيطُ به الجبالُ، فكان على الذي يأتيهم أن يصعد هذه الجبال أولا، ثم ينزل ثانية ولابد له من ذلك، من أجل هذا قيل: إن "تَهْوِي إِلَيْهِمْ" هنا بمعنى ترتفع؛ لأنَّ الذي يريد أن

(1) مشكل إعراب القرآن: 2/ 606.

(2)

الدر المصون: 6/ 279، 280.

(3)

هي قراءة علي بن أبي طالب وزيد بن علي ومحمد بن علي وجعفر بن محمد ومجاهد، انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 78، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 165، والتبيان: 2/ 771، والمحتسب: 1/ 364، ومختصر القراءات الشاذة لابن خالويه: 69 ومعجم القراءات لمختار: 2/ 516، ومعجم القراءات للخطيب: 4/ 501.

(4)

إبراهيم: 37.

ص: 300

ينزل إليهم لابد وأن يرتفع لا محالة. وأما من قرأ: "تَهْوَى إِلَيْهِمْ" فقد جعله من: هَوِيَ يَهْوَى هَوَىً: أَحَبَّ. والمعنى تهواهم وتميل إليهم، وعدي بـ "إلى"؛ لأنَّ فيه معنى الميل. [التاج: هوي].

قال الفراء:" وقوله "تَهْوِي إِلَيْهِمْ" يقول: اجعل أفئدة من الناس تريدهم كقولك: رأيت فلانا يهوى نحوك أي يريدك. وقرأ بعض القرّاء: "تَهْوَى إِلَيْهِمْ" بنصب الواو، بمعنى تهواهم كما قال (رَدِفَ لَكُمْ) يريد ردفكم، وكما قالوا: نقدت لها مائة أي نقدتها"(1).

وقال أبو حيان:" قرأ الجمهور: "تَهْوِي إِلَيْهِمْ" أي تسرع إليهم وتطير نحوهم شوقاً ونزاعاً، ولما ضَمَّنَ (تَهْوِي) معنى (تَمِيل) عداه بـ (إلى) وأصله أن يتعدى باللام"(2).

(فَيَحُلَّ، يَحْلُلْ)(3): قراءة في قوله تعالى: {فَيَحِلَّ عَلَيكُم غَضَبِي ومَنْ يَحْلِلْ} (4). [التاج: حلل].

ذكر الزبيدي العديد من المواضع التي قرئ فيها الفعل "يَحُلَّ" بضم الحاء وكسرها، على أن معناه بالضم يَنْزِلُ، ومعناه بالكسر يَجِبُ، وإن كان هذا القول هو المشهور، إلا أنه لم يسلم من النقد، فقيل بأنهما لغتان لفعل واحد. يقول:"حَلَّ أمرُ اللَّهِ عليه يَحِل حُلُولاً: وَجَبَ هو مِن حَدِّ ضَرَبَ. وقِيل: إذا قلتَ: حَلَّ بهم العذابُ كانت يَحُلُّ لا غير، وإذا قلت: عَلَيَّ أو: يَحِلُّ لك، فهو بالكسر. ومَن قرأ: {يَحُلَّ عَلَيكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُم} (5) فمعناه: يَنْزِلُ. وفي العُباب: حَلَّ العَذابُ يَحِلُّ بالكسر: أي وَجَبَ ويَحُل بالضم أي: نَزَلَ. وقرأ الكِسائيُّ قولَه تعالى: {فَيَحُلَّ عَلَيكُم غَضَبِي ومَنْ يَحْلُلْ} بضم الحاء واللام. والباقون بكسرها. وأمّا قولُه تعالى: {أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِم} (6) فبالضَّمِّ أي: تَنْزِل". [التاج: حلل].

(1) معاني القرآن: 2/ 78.

(2)

البحر المحيط: 5/ 429.

(3)

قراءة الكسائي وقتادة وأبي حيوة ويحيى بن وثاب والأعمش وطلحة والشنوذي، انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 188، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج: 3/ 370، والسبعة لابن مجاهد: 422، والحجة لابن زنجلة: 460، والدر المصون: 10/ 240، والنشر: 2/ 321، والإتحاف: 306، ومعجم القراءات للخطيب: 5/ 474.

(4)

طه: 81.

(5)

طه: 86، و"يَحُلُّ" بضم الحاء قراءة الكسائي، انظر: الحجة لابن زنجلة: 1/ 460.

(6)

الرعد: 31.

ص: 301

قال الفراء:" الكسر فيه أحبُّ إلىَّ من الضم؛ لأن الحلول ما وقع من يَحُلُّ ويَحِلُّ: يَجِبُ، وجاء التفسير بالوجوب لا بالوقوع"(1).

وقال الطبري:" قرأته عامة قرّاء الحجاز والمدينة والبصرة والكوفة: "فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ" بكسر الحاء "وَمَنْ يَحْلِلْ" بكسر اللام، ووجهوا معناه إلى: فيجب عليكم غضبي، وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة:"فَيَحُلَّ عَلَيْكُم" بضم الحاء، ووجهوا تأويله إلى ما ذكرنا عن قَتادة من أنه فيقع وينزل عليكم غضبي. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء، وقد حذّر الله الذين قيل لهم هذا القول من بني إسرائيل وقوع بأسه بهم ونزوله بمعصيتهم إياه إن هم عصوه، وخوّفهم وجوبه لهم، فسواء قرئ ذلك بالوقوع أو بالوجوب؛ لأنهم كانوا قد خوّفوا المعنيين كليهما"(2).

وقال البغوي:" قرأ الأعمش، والكسائي: "فَيَحُلَّ" بضم الحاء "وَمَنْ يَحْلُلْ" بضم اللام، أي: ينزل، وقرأ الآخرون بكسرها أي: يجب"(3).

وقال القرطبي:" هما لغتان. وحكى أبو عبيدة وغيره: أنه يقال حَلَّ يَحِلُّ إذا وجب، وحَلَّ يَحُلُّ إذا نزل

والمعنيان متقاربان إلا أن الكسر أولى؛ لأنهم قد أجمعوا على قوله: {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (4) " (5).

وقال السمين: " قرأ العامة "فَيَحِلُّ" بكسر الحاء، واللام من "يَحْلِلْ". والكسائيُّ في آخرين بضمِّهما

فقراءةُ العامَّةِ مِنْ حَلَّ عليه كذا أي: وَجَبَ، مِنْ حَلَّ الدَّيْنُ يَحِلُّ أي: وَجَبَ قضاؤُه

وقراءةُ الكسائي مِنْ حَلَّ يَحُلُّ أي: نَزَل" (6).

(تَأْلِقُونَهُ (7) وتَلِقُونَهُ (8)): قراءة في: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} (9).

(1) معاني القرآن: 2/ 183.

(2)

جامع البيان: 18/ 346.

(3)

معالم التنزيل: 5/ 288.

(4)

هود: 39.

(5)

جامع الأحكام: 11/ 231.

(6)

الدر المصون: 10/ 240.

(7)

قراءة زيد بن أسلم وأبي جعفر، انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 243، وجامع البيان: 19/ 132، والسبعة: 453، ومعالم التنزيل: 6/ 25، ومختصر ابن خالويه: 100، والمحرر الوجيز: 2/ 206، والمحتسب: 2/ 104، وجامع الأحكام: 12/ 204، والبحر المحيط: 6/ 435، وروح المعاني: 3/ 111، والتحرير والتنوير: 18/ 177.

(8)

قراءة عائشة وابن عباس ويحيى بن يعمر وزيد بن علي وعيسى بن عمر وعبيد بن يعمر وأبي معمر ومجاهد وأبي حيوة وأبي بن كعب، انظر المصادر السابقة.

(9)

النور: 15.

ص: 302

[التاج: ألق، وولق].

قراءة الجمهور "تَلَقَّوْنَهُ" من التَّلَقِّي، أي يأخذه بَعْضُهُمْ عن بَعْضٍ. قال الزبيدي:"قرأ أبو جعفر: "تَأْلِقُونَهُ" والأَلْقُ بالفتح: الكَذِبُ، تقول: أَلَقَ يَأْلِقُ أَلْقَاً. وقرئ "تَلِقُونَهُ" من "وَلَقَ في السّيرِ أو في الكذِبِ يَلِقُ وَلْقَاً: إذا استمرّ فيهما

ونقل الفَرّاءُ هذه القِراءة، وقال: هذه حكاية أهلِ اللّغة جاؤوا بالمُتَعدّي شاهِداً على غير المتعدّي (1). قال ابنُ سيدَه: وعندي أنّه أراد إذ تَلِقُونَ فِيهِ فحذَفَ وأوصَل. قال الفرّاءُ: وهو الوَلْق في الكذِب بمنزلِة إذا استمرَّ في السَّير والكذِب".

[التاج: ألق، وولق].

إذن فالكلمة الواحدة قد قرئت بثلاث قراءات كل منها يعود إلى أصل بعيد عن الآخر تماما وإن تقاربت الصيغة، كما يلي:

الأولى: "تَلَقَّوْنَهُ" وهي من التلقي أي الأخذ والتلقف، وفيها إشعار بسرعة النقل. والثانية:"تَلِقُونَهُ" من الوَلْقِ وهو السرعة، والمعنى: تسرعون في نقل الإفك، وقد حافظت القراءة على رسم المصحف الإمام، كما تضمنت معنى وجيها. والثالثة:"تَأْلِقُونَهُ" من أَلَقَ: استمر في الكذب، وهي إن ناسبت معنى فقد خالفت رسم المصحف.

قال الطبرى:" القراءة التي لا أستجيز غيرها: "إِذْ تَلَقَّوْنَهُ" على ما ذكرت من قراءة الأمصار، لإجماع الحجة من القرّاء عليها"(2). ومعناها عنده: تَرْوُونه بعضكم عن بعض.

وقال السمين:" "تَلِقُوْنَهُ" بفتحِ التاءِ وكسرِ اللامِ وضَمِّ القافِ مِنْ وَلَقَ الرجلُ إذا كَذِبَ. قال ابن سيده: جاؤوا بالمعتدي شاهداً على غير المتعدي. وعندى أنه أراد (تَلِقُوْن فيه) فحذف الحرف ووصل الفعلُ للضمير. يعني أنهم جاؤوا بـ "تَلِقُوْنه" وهو متعدٍ مُفَسَّراً بـ "تُكذِّبون" وهو غيرُ متعد ثم حَمَّله ما ذكر. وقال الطبري وغيره: "إن هذه اللفظةَ مأخوذةٌ من الوَلْقِ وهو الإِسراعُ بالشيءِ بعد الشيءِ كعَدْوٍ في إثْرِ عَدْوٍ وكلامٍ في إثرِ كلامٍ يُقال: وَلَقَ في سَيْرِه أي: أسرع" (3).

(1) انظر: معاني القرآن: 2/ 243.

(2)

جامع البيان: 19/ 132.

(3)

الدر المصون: 11/ 89.

ص: 303

(يَتَأَلَّ)(1): قراءة في: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} (2).

[التاج: ألو].

قراءة الجمهور: "يَأْتَلِ"، وقد ذكر لها الزبيدي معنيين:

الأول: لا يقصر، وذلك من:"أَلَا يَأْلُو أَلْوَاً بفتح وأُلُوَّاً كَعُلُوٍّ وإِلِيَّاً كعِتِيٍّ: قَصَّرَ وأَبْطَأَ. والثاني: لا يحلف، وذلك من: "آلى يُولي إيلاء، وائتلى يأتلي ائتلاء، وتَأَلَّى يَتَأَلَّى تَأَلِّيَاً: أقسم وحلف يقال: آلَيْتُ على الشَّيْءِ وآلَيْتُهُ. وقال الفراء (3): الائْتِلاء الحلف، وبه فسر قوله تعالى:{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ} أي لا يحلف؛ لأنها نزلت في حلف أبي بكر أن لا ينفق على مِسْطَح. وقرأ بعض أهل المدينة: "وَلَا يَتَأَلَّ أُولُو الْفَضْلِ" بمعناه وهي شاذة". [التاج: ألو].

قال ابن الجزري:" قرأ أبو جعفر (يَتَأَلَّ) بهمزة مفتوحة بين التاء واللام مع تشديد اللام مفتوحة

وهي من الآلية على وزن (فعيلة) من الأَُِلوة بفتح الهمزة وضمها وكسرها، وهو الحلف أي: ولا يتكلف الحلف، أو لا يحلف أولو الفضل أن لا يؤتوا، دل على حذف (لا) خلو الفعل من النون الثقيلة؛ فإنها تلزم في الإيجاب. وقرأ الباقون بهمزة ساكنة بين الياء والتاء وكسر اللام خفيفة (يَأْتَلِ)، إما من (أَلَوْتُ) أي قصرت أي: ولا تقصر أو من (آلَيْتُ) أي: حَلَفْتُ يقال: آلَي واأْتَلَى وتَأَلَّى بمعنى فتكون القراءتان بمعنىً. وذكر الإمام المحقق أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم القرَّاب في كتابة "علل القراءات" أنه كُتِبَ في المصاحف (يتل) قال: فلذلك ساغ الاختلاف فيه على الوجهين انتهى. وَهِمَ في تخفيف الهمزة على أصولهم" (4).

والذي أدى إلى جواز هذين الاحتمالين هو أن صيغة (يفتعل) من الفعلين: (أَلَا) بمعنى: قصر، و (أَلَا) بمعنى: حلف هو: يَأْتَلِي، وبالتالي أصبح اللفظ مشتركا بين المعنيين. وحينئذ يُفْزَعُ للسياق؛ لأنه وحده هو الذي يحدد المعنى المراد، أما حين يَحْتَمِلُ السياقُ المعنيين جميعا فإن العلماء يقبلونهما ما لم يكن هناك مرجح من قرينة لفظية أو حالية، كما فعل الفراء في ترجيح أن يكون المعنى من الحلف

(1) هي قراءة أبي جعفر والحسن وزيد بن أسلم وعبد الله وعباس ابني عياش بن أبي ربيعة وأبي رجاء وأبي مجلز، انظر: معاني القرآن للزجاج: 4/ 36، والمحتسب: 2/ 106، ومختصر ابن خالويه: 101، والنشر: 2/ 371، والإتحاف: 575، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 363، ومعجم القراءات للخطيب: 6/ 245.

(2)

النور: 22.

(3)

معاني القرآن: 2/ 248.

(4)

النشر في القراءات العشر لابن الجزري: 2/ 371.

ص: 304

مستعينا بسياق الحال وسبب النزول، وبقرينة قراءة أهل المدينة التي لا تقبل إلا هذا المعنى.

(تَكْلِمُهُمْ)(1): قراءة في قوله تعالى: {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} (2). [التاج: كلم].

وجه الزبيدي القراءة السابقة على أنها من كَلَمَ يَكْلِمُ بمعنى جَرَحَ، أي: تَجْرَحُهُمْ وتَسِمُهُمْ في وُجُوهِهِمْ. وقيل: "تُكَلِّمُهُمْ" و"تَكْلِمُهُمْ" سواء كما تقول: تَجْرَحُهُمْ وتُجَرِّحُهُمْ ". [التاج: كلم]. ومعنى هذا أن في "تُكَلِّمُهُمْ" وجهين (3):

الأول: أنها من الكَلام أي تحدثهم وتخبرهم، وهذا هو الظاهر وما عليه الجمهور. الثانى: أنها من الكَلْمِ أي من الجَرْحِ، والتشديد للمبالغة، وسيما قرئت "تُكَلِّمُهُمْ" أو "تَكْلِمُهُمْ" فإنه يمكن حملها على معنى الجَرْحِ.

يقول أبو حيان في تفسيره: "والظاهر أن قوله: "تُكَلِّمُهُمْ" بالتشديد وهي قراءة الجمهور، من الكلام؛ ويؤيده قراءة أُبَيٍّ: "تُنْبِئُهُمْ"، وفي بعض القراءات: "تُحَدِّثُهُمْ"، وهي قراءة يحيى بن سلام

قال السُّدِّيُّ: تُكَلِّمُهُمْ بِبُطْلَانِ سَائِر الأديان سوى الإسلام. وقيل: تُخَاطِبُهُمْ، فتقول للمؤمن: هذا مؤمن وللكافر: هذا كافر. وقيل معنى "تُكَلِّمُهُمْ": تُجَرِّحُهُمْ من الكَلْمِ، والتشديد للتكثير؛ ويؤيده قراءة ابن عباس

"تَكْلِمُهُمْ"، بفتح التاء وسكون الكاف مخفف اللام، وقراءة من قرأ:"تَجْرَحُهُمْ" مكان "تُكَلِّمُهُمْ". وسأل أبو الحوراء ابن عباس: تُكَلِّمُ أو تَكْلِمُ؟ فقال: كل ذلك تفعل، تُكَلِّمُ المؤمن وتَكْلِمُ الكافر" (4).

ويأخذ النحاس بتفسير ابن عباس الذي يقول بإفادة الكلمة للمعنيين معا فيقول:" "تُكَلِّمُهُمْ" قال عكرمة أي تَسِمُهُمْ. وفي معنى "تُكَلِّمُهُمْ" قولان: فأحسن ما قيل فيه ما روي عن ابن عباس قال: هي والله تُكَلِّمُهُمْ وتِكْلِمُهُمْ، تُكَلِّمُ المؤمنَ،

(1) هي قراءة ابن عباس ومجاهد وابن جبير وأبي زرعة والجحدري وأبي حيوة وابن أبي عبلة وعكرمة وطلحة والحسن وأبي رجاء، انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 300، والمحتسب: 2/ 144، ومعاني النحاس: 5/ 147، 148، والتبيان للعكبري: 2/ 175، والدر المصون: 11/ 299، 300، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 491، ومعجم القراءات للخطيب: 6/ 558.

(2)

النمل: 82.

(3)

انظر: معاني الفراء: 2/ 300، جامع البيان للطبري: 19/ 499، ومعاني النحاس: 5/ 147، 148، والتبيان: 2/ 175، والدر المصون: 11/ 299، 300.

(4)

البحر المحيط: 7/ 80.

ص: 305

وتَكْلِمُ الكافرَ أو الفاجرَ تَجْرَحُهُ". وقال أبو حاتم "تُكَلِّمُهُمْ" كما تقول تُجَرِّحُهُمْ يذهب إلى أنه تكثير من تكلمهم"(1).

ومعنى ذلك أن "تُكَلِّمُهُمْ" مشترك لفظي بين أصلين مختلفين هما: الكَلْمِ والكَلَامِ، وأن المعنى يحتمل التأويلين لذلك قيل بهما جميعا، وهذه ميزة في النص القرآني أن الكلمة الواحدة قد تعطي أكثر من معنى في النص الواحد.

(أَفَتَمْرُونَهُ)(2): قراءة في قوله تعالى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} (3).

[التاج: مري].

وجه الزبيدي القراءة السابقة على معنى: "مَرَاهُ حَقَّهُ: جَحَدَهُ، أي أَفَتَجْحَدُونَهُ أو تَدْفَعُونَهُ عما يرى، أو أَفَتَغْلِبُونَهُ في المماراة مع ما يرى من الآيات، أو أَفَتَطْمَعُونَ في غَلَبَتِهِ أو تَدَّعُونَهَا مع ما يرى، وهو إنكارٌ لِتَأَتِّي الغَلَبَةُ وهو مجاز".

وأما قراءة الجمهور: "أَفَتُمَارُونَهُ" فقد جعله من: ماراه مماراة ومراء: جَادَلَهُ ولاحَهُ، والمعنى على ذلك عنده: أَفَتُلاحُونَهُ مع ما يرى من الآيات المُثْبِتَةِ لِنُبُوَّتِهِ وهو مجاز". [التاج: مري]

إذن القراءتان تنتميان إلى أصلين مختلفين في اللفظ والمعنى هما:

الأول: قراءة "أَفَتُمَارُونَهُ" أي: (تُفاعلونه) من مَارَى يُمَارِي مِرَاءً: جادل.

والثاني: قرأءة "أَفَتَمْرُونَهُ" أي: تجحدونه، من قولهم: مَرَيْتُ حَقَّهُ أَمْرِيهِ مَرْيَاً، أي: جَحَدْتُهُ.

ويصحح الطبري المعنى على القراءتين فيقول: والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، وذلك أن المشركين قد جحدوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أراه الله ليلة أُسري به، وجادلوا في ذلك، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وتأويل الكلام: أفتجادلون أيها المشركون محمدا صلى الله عليه وسلم على ما يرى مما أراه الله من آياته" (4).

(1) إعراب القرآن: 2/ 250.

(2)

قراءة حمزة والكسائي وخلف والأعمش وعلي وعبد الله بن مسعود وابن عباس والجحدري وابن سعدان ومسروق وأبي العالية ويحيى بن وثاب، انظر: الحجة لأبي علي الفارسي: 6/ 230، والحجة لابن خالويه:335، والنشر: 2/ 419، ومعجم القراءات لمختار: 4/ 509، ومعجم القراءات للخطيب: 9/ 181.

(3)

النجم: 12.

(4)

جامع البيان: 22/ 510.

ص: 306

نخلص من هذا المبحث إلى النتائج الآتية:

1 -

يكون الفونيم أحيانا صويتا (حركة) مصاحبا للصوت الصامت، فيؤدي تغيره إلى تغير المعنى، وهذا هو الأصل، وأحيانا لا يغير المعنى ويُحْمَلُ على تعدد اللغات، وهذا له أثره الواضح في المعجم كما يلي:

• إذا كان الضبط لم يُحْدِثْ اختلافا في المعنى، وحُمِلَ على تعدد اللغات في الكلمة الواحدة، صار ضربا من ضروب التيسير على أهل اللغة من حيث هو توسعة في النطق وعدم اقتصاره على شكل معين.

• وإذا أدى إلى تغير في المعنى صار ثراء للمعجم من حيث اللفظ والمعنى، ويجسد هذا الجانب العديد من القراءات القرآنية، نحو: كُرْهٍ وكَرْهٍ، وقُرْحٍ وقَرْحٍ، وجُهْدٍ وجَهْدً، وضُعْفٍ وضَعْفٍ، وسُدٍّ وسَدٍّ، حيث وردت هذه الألفاظ بضم أولها وفتحه.

2 -

أما الكلمتان اللتان تعودان إلى أصلين مختلفين فإن اتحدا في المعنى صارا من قبيل الترادف، وفي ذلك ثراء لفظي للمعجم، نحو: أَخَذَ وتَخِذَ. وإن تغاير البناء والمعنى معا صار الثراء في اللفظ والمعنى على السواء، نحو: صِرْهُنَّ صُرْهُنَّ صِرَّهُنَّ صُرَّهُنَّ، وكما في: تَأْلِقُونَهُ وتَلِقُونَهُ وتَلَقَّوْنَهُ.

ص: 307

الخاتمة

ص: 308