المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول:التماثل الصوتي في الفتح - أثر القراءات القرآنية في الصناعة المعجمية تاج العروس نموذجا

[عبد الرازق بن حمودة القادوسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: القراءات والأصوات

- ‌الفصل الأول: القراءات والحركات

- ‌المبحث الأول:التماثل الصوتي في الفتح

- ‌المبحث الثانيالتماثل الصوتي في الكسر

- ‌المبحث الثالثالتماثل الصوتي في الضم

- ‌المبحث الرابعالتماثل في السكون

- ‌الفصل الثانيالقراءات والصوامت

- ‌المبحث الأولالتماثل الصوتي التام (الإدغام)

- ‌المبحث الثانيالتماثل الصوتي الناقص (الإبدال)

- ‌المبحث الثالثالهمز بين التحقيق والتخفيف

- ‌المبحث الرابعهَاءُ السَّكْتِ

- ‌الباب الثاني: القراءات والبنية الصرفية

- ‌الفصل الأولتغيير بنية الأفعال

- ‌المبحث الأولالتغيير في الحركات(البناء للفاعل والمفعول)

- ‌المبحث الثانيالتغيير فى الصوامت (بالزيادة)

- ‌الفصل الثانيتغيير بنية الأسماء

- ‌المبحث الأولتغيير المشتق

- ‌المبحث الثانيالتغيير في صيغة الجمع

- ‌الباب الثالث: القراءات والدلالة

- ‌الفصل الأولالمُعَرَّب

- ‌الفصل الثانيالتغير الدلالى

- ‌المبحث الأولتغير الدلالة لتغير الصوت

- ‌المبحث الثانيتغير الدلالة لتغير البنية

- ‌الخاتمة

- ‌فهرسالقراءات القرآنية الواردة فى الدراسة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الأول:التماثل الصوتي في الفتح

‌المبحث الأول:

التماثل الصوتي في الفتح

تحقق التماثل الصوتي في الفتح في عدد من القراءات القرآنية التي وردت في "التاج "، وهي على الوجه التالي:

(مَكُثَ)(1): قال تعالى: {فَمَكَثَ غيرَ بَعِيد} (2). [التاج: مكث].

قرئ بفتح الكاف وضمها، فمن فتحها جعله من باب (نَصَرَ يَنْصُرُ)، ومن ضمها جعله من باب (كَرُمَ يَكْرُمُ). قال أَبو منصور:"اللُّغَة العَالِيَة "مَكُثَ" وهو نادرٌ، و"مَكَثَ" جائِزَةٌ وهو القياسُ.

ولغة الضم هي الأصل؛ وهي قراءة الجمهور، وجعلها أبو منصور اللغة العالية، ولغة الفتح جاءت من باب التماثل الصوتي طلبا لخفة النطق؛ لأن الكاف وقعت بين صوتين مفتوحين فالتأثير فيها تقدمي ورجعي في نفس الوقت. فَثِقَلُ النطق في "مَكُثَ" هو الذي جعلها نادرة الاستخدام على الرغم من أصالتها، وخفة النطق في "مَكَثَ" هو الذي أدى إلى فشوها وإن لم تكن هي الأصل.

ويعطي ابن زنجلة تبريرا آخر لشيوع لغة الفتح فيقول:" والاختيار مَكَثَ بالفتح لأن (فَعُلَ) بالضم أكثر ما يأتي الاسم منه على (فَعِيل) نحو: ظرف وكرم فهو ظريف وكريم، ومن (فَعَلَ) بالفتح يأتي الاسم على (فَاعِل) تقول: مَكَثَ فهو مَاكِثٌ، قال الله عز وجل:"مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدَاً" (3) ولا يكون من (فَعُلَ) بالضم (فَاعِل) إلا حرف واحد قالوا فَرُهَ فهو فَارِهٌ "(4).

ولكن هذه الحجة وَهَّنَهَا السَّمِينُ فقال:" واعْتُذِر عنه بأنَّ (فاعِلاً) قد جاء لفَعُل بالضمِّ نحو: حَمُض فهو حامِض، وخَثُرَ فهو خاثِرٌ، وفَرُهَ فهو فارِهٌ "(5).

(1) قراءة حمزة والكسائي وابن عامر ونافع وأبي عمرو وخلف وأبي جعفر ويعقوب، انظر: السبعة لابن مجاهد:480، والتيسير لأبي عمرو:111، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 463.

(2)

النمل: 22.

(3)

الكهف: 3.

(4)

الحجة: 525.

(5)

الدر المصون: 11/ 257.

ص: 42

ويرى الدارس أن التفسير الذي يعتمد على التماثل الصوتي هو الصواب اعتمادا على معطيات الدرس الصوتي الحديث.

" سَنَفْرَغُ "(1): قراءة في قوله تعالى: {سنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} (2).

[التاج: فرغ].

يذكر الزبيدي للفعل (فرغ) ثلاث لغات: الأولى: فَرَغَ يَفْرُغُ، والثانية: فَرَغَ يَفْرَغُ والثالثة: فَرِغَ يَفْرَغُ. وينص على أن اللغة الأولى هي الأصل، وأن الثانية والثالثة لغتان في الأولى، وقد قرئ (سَنَفْرَُغُ) بضم الراء وفتحها، فالضم قراءة الجمهور وأما الفتح فقراءة قَتَادَة، وسَعِيد بنُ جُبَيْرٍ على فَرِغَ يَفْرَغُ، وفَرَغَ يَفْرَغُ.

ويفسر ابن جني فتح المضارع، على أنه نوع من الإتباع الكامل، وهو الإتباع الناتج عن قلب حركتي (الضمة أو الكسرة) إلى (الفتحة)؛ لتلائم نطق الحرف الحلقي وتناسبه، فهو إتباع الحركة للحرف. يقول ابن جني:" ومن ذلك قولهم: (فَعَلَ يَفْعَلُ) مما عينه أو لامه حرف حلقي نحو: (سَأَلَ يَسْأَلُ، وقَرَأَ يَقْرَأُ، وسَعَرَ يَسْعَرُ، وقَرَعَ يَقْرَعُ وسَحَلَ يَسْحَلُ، وسَبَحَ يَسْبَحُ). وذلك أنهم ضارعوا بفتحة العين في المضارع، جنس الحرف الحلقي، لما كان موضعاً منه مخرج الألف التي منها الفتحة "(3). والمضارعة التي يعنيها ابن جني تتمثل في أن نطق حروف الحلق يصحبه انفتاح في الفم، يسهل عملية انقباض الحلق، والحركة الوحيدة التي تتصف بالانفتاح هي الفتحة، ولذا يتم الإتباع هنا.

"حَبَطَ"(4): قراءة في قوله تعالى: {فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (5). [التاج: حبط].

يذكر الزبيدي أن المشهور (حَبِطَ يَحْبَطُ) من باب (سَمِعَ)، ولكن وردت فيه القراءة بلغة أخرى من باب (ضَرَبَ) فيقول: "وحكي عن أَعْرابِيٍّ أَنَّهُ قرأَ {فَقَدْ حَبَطَ عَمَلُه} بفَتْحِ الباءِ. قالَ الأّزْهَرِيّ: ولم أَسمع هذا لغيرِهِ والقِراءةُ {فَقَدْ حَبِطَ

(1) وهي أيضا قراءة هبيرة، وابن شهاب، ويحيى بن عمارة، والأعمش، وابن إدريس، انظر: الدر المصون:13/ 273، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 27.

(2)

الرحمن: 31.

(3)

الخصائص:1/ 154.

(4)

قراءة ابن السميفع وأبي السمال، انظر: جامع الأحكام للقرطبي: 6/ 74، والبحر المحيط لأبي حيان: 3/ 430، ومعجم القراءات للخطيب: 2/ 230.

(5)

المائدة: 5.

ص: 43

عَمَلُهُ} بكَسْرِ الباءِ". وقد راعت اللغتان مبدأ المخالفة، فالباء مفتوحة في الماضي مكسورة في المضارع أوالعكس.

ولغة فتح الباء في الماضي يرويها أبو زيد الأنصاري عن أحد الأعراب، وهذا يتفق مع الرأي القائل بأن سكان البادية يميلون إلى السهولة في النطق، وتوفير المجهود المبذول، وأن سكان الحواضر يميلون إلى التأني والهدوء في النطق يقول باحِثٌ مُحْدَثٌ:" الانسجام الصوتي ـ أو المماثلة الصوتية ـ مظهر من مظاهر التخفيف والتسهيل في الكلام، اتسمت به بعض القبائل العربية؛ ربما كان معظمها من قبائل شرق الجزيرة، تلك القبائل البدوية؛ لأن البدوي بطبعه يميل إلى الاقتصاد في المجهود العضلي عند النطق، أما القبائل المتحضرة المتمثلة في قبائل غرب الجزيرة فقد حافظت على الأصل في النطق؛ لأنها تميل إلى التأني والهدوء في النطق"(1)، والدليل على ذلك كسر هاء ضمير الغائب بعد ياء أو كسرة، فقد قيل: إن الضم الأصل، والكسر جاء اتباعا (2).

"رَغْبَاً وَرَهْبَاً"(3): قراءة في قوله تعالى: "يَدْعُونَنَا رَغَبَاً وَرَهَبَاً"(4).

[التاج: رغب].

يستدل الزبيدي على تعدد اللغات في (الرغب والرهب) بالقراءة فيذكر أن قوله تعالى: "يَدْعُونَنَا رَغَبَاً وَرَهَبَاً" قرئ بفتح الأول وسكون الثاني منهما، وقرئ بضم الأول وسكون الثاني (5)، وقرئ بضمهما معا (6)، وبفتحهما معا (7) فيتحصل

(1) اللهجات العربية في التراث لأحمد علم الدين الجندي: 1/ 98. ويرى الدارس أن هذا الحكم ليس بوصف عام، فثمة ظواهر، مالت فيها القبائل المتحضرة إلى التخفيف، على حين حافظت القبائل البدوية على الأصل في النطق، ومن ذلك تحقيق الهمز وتخفيفه.

(2)

انظر: الكتاب:4/ 195، والحجة لأبي على: 1/ 46، والحجة لابن خالويه: 63 والمقتضب:1/ 399 والمحتسب: 1/ 44، وإبراز المعاني: 73، والهمع: 1/ 58.

(3)

قراءة ابن وثاب والأصمعي ويونس وأبي زيد وهارون وآخرون، انظر: جامع الأحكام للقرطبي: 11/ 327، والدر المصون: 10/ 327.

(4)

الأنبياء:90.

(5)

قراءة أبي عمرو، انظر الإتحاف: 556، ومعجم القراءات للخطيب:6/ 52.

(6)

قراءة الأعمش، انظر المصدرين السابقين.

(7)

قراءة الجمهور، انظر المصدرين السابقين.

ص: 44

من ذلك أربع قراءات. قال ابن خالويه: "هن لغات ومعناهن الفزع"(1). وعلى ضوء الدرس الصوتي الحديث أرى أن القراءة بفتح فاء الكلمتين وتسكين عينهما إنما هي لغة مخففة من "رَغَبَاً وَرَهَبَاً" بالفتح فيهما.

"شَنْآن"(2): قراءة في قوله تعالى:"ولا يجرمنكم شَنَآنُ قَوْمٍ"(3).

[التاج: شنأ].

يذكر الزبيدي – وهو بصدد تعديد مصادر الفعل (شنأ) – أنه قرئ بـ (شَنْآن) بالتسكين وَ (شَنَآن) بالتحريك (4)، فمن حرك فهو مصدر، ومن سَكَّنَ فقد يكون مصدراً، ويكون صفةً كسَكْرَان، أَي مُبْغِضُ قوم. والأجمع للقراءة أن يقال إن (شَنَآن) مصدر، و (شَنْآن) لغة فيه على التخفيف.

والذي يرجح ذلك قول السمين: "وجَوَّزوا في كل منهما أن يكونَ مصدراً وأن يكون وصفاً، حتى يُحْكى عن أبي عليّ أنه قال: "مَنْ زَعَم أن "فَعَلان" إذا سَكَنت عينه لم يكن مصدراً فقد أخطأ، إلا أن (فَعْلان) بسكون العين قليلٌ في المصادر نحو:"لَوَيْتُه دَيْتُه لَيَّاناً" بل هو كثير في الصفات نحو سَكْران وبِابِه و (فَعَلان) بالفتح قليلٌ في الصفات، قالوا: حمارٌ قَطَوان أي عَسِر السير، وتيس عَدَوان" (5). وقوله:"ولو قال قائل: إن الأصل "الشنآن" بفتح النون، وخفف الهمزة بحذفها رأساً، كما قرئ "إِنِّهَا لَاحْدى الْكُبَر" بحذفِ همزة "إحدى" لكان قولاً يسقط به الدليل لاحتماله"(6).

"فَضَحَكَتْ"(7): قراءة في قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} (8).

(1) الحجة: 277، وانظر الدر المصون: 10/ 327، والإتحاف للدمياطي:556.

(2)

التسكين قراءة ابْنُ عَامِرٍ وَابْنُ وَرْدَانَ وَأَبُو بَكْرٍ، انظر النشر:2/ 253.

(3)

المائدة: 2.

(4)

التحريك قراءة الجمهور، انظر: معاني القرآن للفراء: 1/ 300، والنشر:2/ 253.

(5)

الدر المصون: 5/ 218.

(6)

السابق: 5/ 220.

(7)

انظر: الجامع للطبري: 15/ 389 – 394، والمحرر الوجيز لابن عطية: 3/ 444، والتبيان للعكبري: 2/ 43، والبحر المحيط لأبي حيان:6/ 428، وبصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي: 2/ 527 ومعجم القراءات لمختار: 2/ 399، ومعجم القراءات للخطيب: 4/ 98.

(8)

هود: 71.

ص: 45

قرأ الجمهور بكسر الحاء من (ضحك)، ولكن الزبيدي يروي قراءة الفتح فيقول:"قُرِئَ بفَتْحِ الحاءِ فقِيلَ هو مُخْتَصٌّ بمَعْنى حاضَ، وقِيلَ: إِنَّها لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ في ضَحِكَ بكسرِها". [التاج: ضحك]

ولم تذكر المعاجم قبل الزبيدي (ضَحَكَ) بفتح الحاء كلغة ثانية في الفعل، وإذا كان ابن جني ذكر قراءة الفتح هذه إلا أنه أنكرها فقال:"وليس في اللغة (ضَحَكَتْ) وإنما هو (ضَحِكَتْ) أي حاضت"(1). ويعد الزبيدي أول من أدخل هذه القراءة في المعجم العربي، وقد استفادها من قراءة محمد بن يزيد الأعرابي، والتي ذكرها كل من الزمخشري (2)، وأبي حيان (3)، والسمين الحلبي (4).

وإهمال المعاجم لها يدل على ندرتها وشذوذها، ومجيؤها عن أعرابي يطرد والرأي القائل بميول الأعراب إلى السهولة في النطق، فَتَخَلَّصَ من كسر الحاء إلى فتحها لتماثل ما قبلها وما بعدها.

" يَقْنِطُ "(5): قراءة في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} (6). [التاج: قنط].

قرئت الآية بفتح النون وبكسرها. يقول السمين: "وفي الماضي لغتان: (قَنِطَ) بكسر النون (يَقْنَظ) بفتحها، و (قَنَطَ) بفتحِها (يَقْنِط) بكسرِها، ولولا أنَّ القراءةِ سُنَّةٌ متبعةٌ لكان قياسُ مَنْ قرأ "يَقْنَطُ" بالفتح أن يقرأَ ماضيَه "قَنِطَ" بالكسر، لكنهم أَجْمعوا على فتحِه في قولِه تعالى في قوله:{مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ} والفتحُ في

(1) المحتسب: 2/ 323، 324.

(2)

انظر الكشاف: 2/ 411.

(3)

انظر البحر المحيط: 5/ 236.

(4)

انظر الدر المصون: 8/ 316.

(5)

الكسر قراءة أبي عمرو والكسائي، والفتح قراءة الباقين، انظر: السبعة لابن مجاهد: 220، والحجة لابن خالويه: 133، والعنوان: 20، والإتحاف:492.

(6)

الحجر: 56.

ص: 46

الماضي هو الأكثر ولذلك أُجْمِعَ عليه. ويُرَجِّح قراءَة "يَقْنَطُ" بالفتح قراءةُ أبي عمروٍ في بعض الروايات "فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ" كفَرِح يَفْرَحُ فهو فَرِح" (1).

يقول لغوي معاصر: "صِيغَتَا (فَعَلَ) بالفتح (وفَعِلَ) بالكسر، هما أكثر الصيغ الماضية شيوعا في القرآن، فصيغة (فَعَلَ) بالفتح ورد عليها حوالي مائة وسبعة أفعال من الأفعال الصحيحة، في مقابل أربعة وعشرين فعلا من صيغة (فَعِلَ) بالكسر والقاعدة التي خضعت لها القراءة المشهورة في اشتقاق المضارع من هذه الأفعال هي المغايرة فصيغة (فَعَلَ) بالفتح يقابلها (يَفْعُِلُ) بالكسر أو بالضم، أما صيغة (فَعِلَ) بالكسر فيقابلها (يَفْعَلُ) بالفتح"(2).

ومما جاء منسجما مع هذه القاعدة، وقرئت عين ماضيه ومضارعه بالكسر والفتح على المخالفة، على أنه من بابي: سَمِعَ وضَرَبَ قوله تعالى:

{مَا يَلْفَِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} .

{هََلْ تَنْقَِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ} .

أما الأفعال التي وردت في القرآن مفتوحة العين في الماضي والمضارع فلامُها أو عينُها من أحرف الحلق التي تؤثر الفتحة على غيرها من الحركات، وقد اطردت هذه القاعدة في الأفعال القرآنية فيما عدا: نكح، نزع، رجع، بلغ، قعد، زعم ونفخ (3).

ومن الأفعال التي جاء فيها الماضي على (فَعَلَ) مفتوح العين، وخالفت عين مضارعه إلى الكسر والضم، وقرئ بالوجهين قوله تعالى:

{يَهْبُِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ} (4). [التاج: هبط]

{يَلْمُِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} (5). [التاج: لمز]

{وَمَا كَانُوا يَعْرُِشُونَ} (6). [التاج: عرش]

{أَهُِشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} (7). [التاج: هشش]

(1) الدر المصون: 9/ 208.

(2)

انظر: من أسرار اللغة لإبراهيم أنيس: 51.

(3)

انظر: السابق: 52.

(4)

البقرة: 74.

(5)

التوبة: 58.

(6)

الأعراف: 135.

(7)

طه: 18.

ص: 47

{فَيَحُِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} (1). [التاج: حلل]

{نَكُِصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} (2). [التاج: نكص]

{إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصُِدُّونَ} (3). [التاج: صدد]

{يَوْمَ نَبْطُِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} (4). [التاج: بطش]

{لَمْ يَطْمُِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَكُمْ وَلا جَانٌّ} (5). [التاج: طمث]

يخلص الدارس من هذا إلى أن القاعدة العامة هي المغايرة إلا إذا كان الفعل عينه أو لامه من أحرف الحلق، فالقاعدة هنا المماثلة، وشذ عن هذه القاعدة الخاصة الأفعال السابقة حيث خضعت للقاعدة العامة وهي المغايرة. ويماثل هذه الأفعال من حيث الشذوذ الفعل (قَنَطَ يَقْنَطُ) بالفتح في الماضي والمضارع، إذ آثر المماثلة والأصل فيه المغايرة، وهذا الشذوذ استوقف اللغويين، ومن ثم أخذ من تحليلاتهم نصيبا موفورا، منها: أن المضارع المفتوح العين ماضيه مكسور العين كـ (عَلِمَ يَعْلَمُ) والمضارع المكسور العين ماضيه مفتوح العين كـ (ضَرَبَ يَضْرِبُ) فكلاهما خاضع لقاعدة المغايرة، وقد أجمع القراء على الفتح في قوله تعالى:"مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا"(6) فهذا يؤكد أن الأصل فتح عين الماضي وكسر عين المضارع، ولعل هذا مما دفع ابن خالويه لأن يرجح الكسر في المضارع (7).

أما ابن جني فقد كان بارعا في تعليله لفتح العين في الماضي والمضارع؛ حيث ذكر أنه لغة ثالثة نتجت من تركب لغتين: قَنَطَ (بالفتح) يَقْنِطُ (بالكسر) وقَنِطَ (بالكسر) يَقْنَطُ (بالفتح)(8).

(1) طه: 81.

(2)

الأنفال: 48.

(3)

الزخرف: 57.

(4)

الدخان: 16.

(5)

الرحمن: 56.

(6)

الشورى: 28.

(7)

انظر: الحجة لابن خالويه: 207.

(8)

انظر: الخصائص: 1/ 378.

ص: 48

{المِخَاضُ} (1):من قوله تعالى: {فَأَجَاءَهَا المَخَاضُ} (2). [التاج: مخض].

يذكر الزبيدي أن الجمهور قرؤوا بفتح الميم، وقرأ ابنُ كَثِيرٍ في الشواذ:{المِخَاضُ} بكسر الميم، وأَنَّ كَسْرَ ما قَبْلَ حروفِ الحَلْقِ لغةُ لعامةِ: قَيْسٍ، وتميمٍ وأَسَدٍ، يقولون: مِخِضَت، بكَسْرِ الميم، ويفعلون ذلك في كلِّ حرفٍ كانَ قبل أَحد حُروف الحَلْقِ

ويقولون: بِعِيرٌ، وزِئيرٌ، ونِهِيقٌ، وشِهيقٌ، ونِهِلَتِ الإِبلُ، وسِخِرْتُ مِنْهُ.

والجمهور على فتحِ الميم من "المَخَاض"(3). وقيل: المفتوح اسمُ مصدرٍ كالعَطاء والسَّلام والمكسورُ مصدرٌ كالقتال واللِّقاء، والفِعال قد جاء مِنْ واحد كالعِقاب والطِّراق (4).

فالفتح هو الأصل، وهو قراءة الجمهور، وهذا يتفق مع ما تقدم من أن الفتح لغة الحِجَازِ والكسرَ لغةُ نَجْدٍ. ولكنه لا يطرد مع السهولة التي ينشدها أهل نجد والتي عرفوا بها؛ لأن فتح الميم لتماثل فتح الحاء يجعل النطق بها أسهل منها في حالة كسر الميم.

{يَهَدِّي} (5) من قوله تعالى: {أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى} (6). [التاج: هدي].

قرأ أبَو عَمْرٍو: {أَمَّنْ لا يَهَدِّي} بَفَتْحَ الهاءِ. والمعروف أن أبا عمرو يتخير قراءته وهو هنا اختار القراءة الأسهل في النطق؛ ومصدر السهولة جاء من كون الحركة فتحة وكونها مماثلة لحركة الياء قبلها. ومثل هذه القراءة وُجِدَتْ في حروف مشابهة هي:

(1) هي رواية لابن كثير، انظر: الدر المصون: 12/ 122، ومعجم القراءات لأحمد مختار عمر: 3/ 159.

(2)

مريم: 23.

(3)

الدر المصون للسمين: 10/ 122.

(4)

التبيان الأبي البقاء العكبري: 2/ 112.

(5)

قراءة ابن عامر وابن كثير وأبي عمرو وورش عن نافع وآخرين، انظر: السبعة: 326، والحجة لابن خالويه: 181، والمحتسب: 1/ 60.

(6)

يونس: 35.

ص: 49

{يَخَصِّفَانِ} (1): قراءة في قوله تعالى: {يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (2). [التاج: خصف].

مُرَدَّفِينَ" (3): قراءة في قوله تعالى: {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (4). [التاج: ردف].

{يَخَصِّمُونَ} (5): من قوله تعالى: {وهم يَخِصِّمُونَ} (6). [التاج: خصم]{ظَعَنِكُمْ} (7): قراءة في قوله تعالى: {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} (8). [التاج: ظعن].

قُرِئَ بفتْحِ العين وسكونها. قال العكبري: "هما لغتان مثل النَّهْرِ والنَّهَر"(9). وقال ابن خالويه: "الحجة لمن حرك العين فلأنها من حروف الحلق والحجة لمن أسكن أنه أراد المصدر"(10). وقال السَّمِينُ الحلبي: "وزعم بعضُهم أن الأصلَ الفتحُ، والسكونُ تخفيفٌ لأجلِ حرفِ الحلق كالشَّعْر في الشَّعَر"(11).

{زَهَرَة} (12): قراءة في قوله تعالى: {زَهْرَةَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا} (13). [التاج: زهر]

(1) قراءة الحسن ويعقوب والأخفش، انظر: مختصر ابن خالويه: 42، والمحتسب: 1/ 245.

(2)

الأعراف: 22، وطه:121.

(3)

قراءة معاذ القارئ وأبي المتوكل وأبي مجلز، انظر: معجم القراءات للخطيب: 3/ 267.

(4)

الأنفال: 9.

(5)

قراءة ورش عن نافع، وابن كثير، وأبي عمرو، وعاصم، انظر: السبعة لابن مجاهد: 541 والإتحاف:651، ومعجم القراءات للخطيب:7/ 493.

(6)

يس: 49.

(7)

قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو يعقوب وأبي جعفر، انظر: السبعة: 375، والحجة لابن خالويه: 212، والعنوان: 118، والنشر: 2/ 304، والإتحاف:293.

(8)

النحل: 80.

(9)

التبيان: 2/ 84.

(10)

الحجة: 213.

(11)

الدر المصون: 9/ 287.

(12)

وهي أيضا قراءة طلحة وحميد ويعقوب وسهل والجحدري والزهري وآخرون، انظر: مختصر شواذ القراءات لابن خالويه: 94، والنشر: 2/ 362، والإتحاف:550.

(13)

طه: 131.

ص: 50

قرئ بسكون الهاء وفتحها، قال أَبو حاتم: الفتح قِراءَة العَامّة بالبَصْرة، وتسكين الهاء:(زَهْرَة) قِرَاءَة أَهْل الحَرَمَين، وأَكثرُ الآثارِ على ذلِك (1). وقال السمين:"العامَّةُ على تسكينِ الهاء. وقرأ الحسن وأبو البرهسم وأبو حيوةَ بفتحِها، فقيل: بمعنىً، كـ (جَهْرَة وجَهَرَة) (2). وأجاز الزمخشري أَنْ يكونَ جمعَ زاهر، كفاجِر وفَجَرَة، وبارّ وبَرَرَة"(3).

يقرر الصرفيون أن حركة (عين) جمع المؤنث السالم تماثل حركة (فاء) مفرده، إذا كان المفرد هذا اسماً ثلاثياً صحيح العين مفتوح الفاء، فعندئذ يجب الإتباع. ومما تناوله الزبيدي من هذا الباب:

{حَسَرَاتٍ} من قوله تعالى: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} (4).

[التاج: بخع].

{صَدَقَاتِكُم} من قوله تعالى: {لَا تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى} (5).

[التاج: منن].

• وقوله تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَات" (6). [التاج: رفع].

فمثلاً كلمة (حَسَرَاتٍ) التي وردت في الآية الأولى، هي جمع مؤنث سالم، جاء بفتح العين (السين)؛ لأن مفرده (حَسْرَة)، اسم ثلاثي مفتوح الفاء، والعين فيه صحيحة ساكنة، ففتح عين الجمع جاء متابعة ومماثلة لفتح فاء المفرد. وعلي هذا يتم تأويل الإتباع الحركي في كلمتي (صَدَقَاتِكُم)، و (دَرَجَاتٍ) في الآيتين التاليتين.

(1) انظر التاج: 11/ 473.

(2)

الدر المصون: 10/ 271.

(3)

الكشاف: 4/ 193.

(4)

فاطر: 8.

(5)

البقرة: 264.

(6)

الأنعام: 165.

ص: 51