المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابعهاء السكت - أثر القراءات القرآنية في الصناعة المعجمية تاج العروس نموذجا

[عبد الرازق بن حمودة القادوسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: القراءات والأصوات

- ‌الفصل الأول: القراءات والحركات

- ‌المبحث الأول:التماثل الصوتي في الفتح

- ‌المبحث الثانيالتماثل الصوتي في الكسر

- ‌المبحث الثالثالتماثل الصوتي في الضم

- ‌المبحث الرابعالتماثل في السكون

- ‌الفصل الثانيالقراءات والصوامت

- ‌المبحث الأولالتماثل الصوتي التام (الإدغام)

- ‌المبحث الثانيالتماثل الصوتي الناقص (الإبدال)

- ‌المبحث الثالثالهمز بين التحقيق والتخفيف

- ‌المبحث الرابعهَاءُ السَّكْتِ

- ‌الباب الثاني: القراءات والبنية الصرفية

- ‌الفصل الأولتغيير بنية الأفعال

- ‌المبحث الأولالتغيير في الحركات(البناء للفاعل والمفعول)

- ‌المبحث الثانيالتغيير فى الصوامت (بالزيادة)

- ‌الفصل الثانيتغيير بنية الأسماء

- ‌المبحث الأولتغيير المشتق

- ‌المبحث الثانيالتغيير في صيغة الجمع

- ‌الباب الثالث: القراءات والدلالة

- ‌الفصل الأولالمُعَرَّب

- ‌الفصل الثانيالتغير الدلالى

- ‌المبحث الأولتغير الدلالة لتغير الصوت

- ‌المبحث الثانيتغير الدلالة لتغير البنية

- ‌الخاتمة

- ‌فهرسالقراءات القرآنية الواردة فى الدراسة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الرابعهاء السكت

‌المبحث الرابع

هَاءُ السَّكْتِ

عَرَّفَهَا الإستراباذي، وحدد موضع زيادتها، فقال:"هي هاء تزاد في آخر الكلمة الموقوف عليها في موضعين:

أحدهما: إذا كان آخرها ألفا، والكلمة حرف أو اسم عريق البناء، نحو: لا، وذا، وهنا، وذلك لأن الألف حرف خفي، إذا جئت بعدها بحرف آخر، وذلك في الوصل، تبين النطق بها، وإذا لم تأت بعدها بشيء، وذلك في الوقف، خفيت، حتى ظن أن آخر الكلمة مفتوح، فلذا وصلت بحرف، ليبين جوهرها واختاروا أن يكون ذلك الحرف هاء، لمناسبتها خفائها حرف اللين.

وثاني الموضعين: إذا وقفت على كلمة متحركة الآخر غير إعرابية ولا مشبهة بالإعرابية، لبيان تلك الحركة اللازمة، إذ لو لم تزد الهاء لسقطت الحركة للوقف، وإنما لم تبين الأعرابية، لعروضها وسرعة زوالها" (1).

ومثل لها ابنُ يعيش بقوله: "وهي التي في نحو قوله تعالى: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} (2)، وهي مختصة بحال الوقف، فإذا أَدْرَجْتَ قُلْتَ: "ما أغنى عني مالي هلك عني سلطاني خذوه". وكل متحرك ليست حركته إعرابية، يجوز عليه الوقف بالهاء، نحو: ثُمَّهْ، ولَيْتَهْ، وكَيْفَهْ وأَنَّهْ، وحَيْهَلَهْ، وما أَشْبَهَ ذلك. وحقها أن تكون ساكنة وتحريكها لَحْنٌ. ونحو ما في إصلاح ابن السَّكِّيتِ من قوله (3): (يَا مَرْحَبَاهُ بِحِمَارِ عَفْرَاء) و (يَا مَرْحَبَاهُ بِحِمَارِ نَاجِيَة) مما لا مُعَرِّجَ عليه للقياس واستعمال الفصحاء، ومعذرة من قال ذلك أنه أجرى الوصل مجرى الوقف مع تشبيه هاء السكت بهاء الضمير"(4).

(1) شرح الكافية للإستراباذي: 4/ 498.

(2)

الحاقة: 28، 29.

(3)

هما شطران لبيتين مختلفين رواهما ابن السِّكِّيت في: إصلاح المنطق: 1/ 28 عن الفراء، وعجز الأول منهما (إذا أتى قربته لما شاء) ولم يذكر له قائلاً، وذكره البغدادي = في خزانة الأدب: 4/ 232 الشاهد رقم: 955، وذكر البطليوسي البيتين كاملين في: الحلل في شرح أبيات الجمل:1/ 13، قال: (يا مَرْحَبَاهُ بحمار ناجية

إذَا أتى قربته للسَّانية) وقال الآخر: (يا مرحباهُ بحمار عفْراء

إذَا أتى قرْيتُه لما يَشَاء).

(4)

شرح المفصل: 1/ 461، 462.

ص: 140

وهي عند ابن هشام الهاء: "اللاحقة لبيان حركة أو حرف نحو "مَا هِيَهْ" (1) ونحو: هَاهُنَاهْ، ووَازَيْدَاهْ. وأصلها أن يوقف عليها، وربما وُصِلَتْ بِنِيَّةِ الوَقْفِ"(2).

وعلى الرغم من أن حركة آخر الماضي هي حركة بناء إلا أن في اتصال هاء السكت به ثلاثة أقوال:

الأول: المنع مطلقا، وهو مذهب سيبويه والجمهور واختيار المصنف.

والثاني: الجواز مطلقا؛ لأنها لازمة.

والثالث: أنها تلحقه إذا لم يُخَفْ لبسٌ نحو: "قَعَدَهْ"، إلا إذا خِيفَ لبسٌ نحو ضَرَبَهْ والصحيح الأول؛ لأن حركته وإن كانت لازمة فهي شبيهة بحركة الإعراب؛ لأن الماضي إنما بني على حركة لشبهه بالمضارع المعرب في وجوه مذكورة في موضوعها (3).

أما الزبيديُّ فإنه يذكر تعريف ابن هشام السابق، بنصه وهو يتحدث عن أنواع الهاء، ثم يقول:" هاء السكت تلحق المتحرك بحركة غير إعرابية للوقف، نحو: ثُمَّهْ، وكَيْفَهْ، وقيل: لم أبله؛ لتقدير الحركة كما أُسْقِطَ ألفُ "ها" في "هَلُمَّ" لتقدير سكون اللام، وهي ساكنة، وتحريكها لَحْنٌ، ونحو:(يَا مَرْحَبَاهُ بِحِمَارِ عَفْرَاء)، و (يَا مَرْحَبَاهُ بِحِمَارِ نَاجِيَة) مما لا يعتد به. وفى الصحاح: وقد تُزَادُ الهاءُ في الوقف لبيان الحركة، نحو: لِمَهْ و {مَالِيَهْ} و {سُلْطَانِيَهْ} ، وثُمَّ مَهْ، بمعنى: ثم ماذا، وقد أتت هذه الهاء في ضروة الشعر كما قال (4):

هُمُ القَائِلُونَ الخَيْرَ وَالأَمِرُونَه

إِذَا مَا خَشَوْا مِنْ مُعْظَمِ الأَمْرِ مُفَظَّعَاً

فأجراها مجرى هاء الإضمار انتهى. وتسمى هذه الهاء يعني التي في {مَالِيَهْ} و {سُلْطَانِيَهْ} هاء الاستراحة". [التاج: الهاء].

(1) القارعة: 10.

(2)

مغني اللبيب: 1/ 455.

(3)

انظر توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك لابن قاسم المرادي:3/ 148.

(4)

ذكره سيبويه في الكتاب:1/ 38، وقال: وقيل إنه مصنوع. وشرحه عبد القادر البغدادي في خزانة الأدب: 2/ 46، الشاهد: 296، كما ذُكِرَ في التهذيب: 2/ 100 واللسان في (طلع)، ونقله الكامل عن سيبويه:1/ 97، ولم تذكر هذه المصادر له قائلا.

ص: 141

وردت هاء السكت في القرآن الكريم في أكثر من موضع منها قوله تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} (1)، وقوله {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} (2) وقوله:{أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ، يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ، مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} (3) وقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} (4).

والقراء وإن أجمعوا على الوقف عليها بالسكون، فقد اختلفوا عليها في الوصل فمنهم من أثبتها، ومنهم من حذفها لاعتبارات عندهم. وتعد هذه الهاء طريقة في الوقف على أواخر بعض الكلم، قلما خلا مصدر من مصادر العربية من الحديث عنها (5) خاصة أنها تعلقت بالقرآن الكريم وقراءاته.

والواضح أن الزبيدي قد طالع هذا الباب عند النحاة والقراء، وأفاد منه في صناعة معجمه فيما يخصه منه. فمن المواضع التي كان لهاء السكت دور بارز في شرح المادة المعجمية عنده ما ذكره في (س ن هـ) حيث قال:"وسَنِهَ الطعام والشراب، كفَرِحَ سَنَهَاً وتَسَنَّهَ تغير، ومنه قوله تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} (6) وقيل لم تغيره السنون. وقال الفراء لم يتغير بمرور السنين عليه. قال ثعلب: قرأها أبو جعفر وشيبة، ونافع وعاصم، بإثبات الهاء إن وصلوا أو قطعوا، وكذلك قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} (7) ووافقهم أبو عمرو في: "لَمْ يَتَسَنَّهْ" (8)، وخالفهم في: "اقْتَدِهِ" (9) فكان يحذف الهاء منه في الوصل، ويثبتها في الوقف.

(1) البقرة: 259.

(2)

الأنعام: 90.

(3)

الحاقة: 25 - 29.

(4)

القارعة: 10.

(5)

انظر على سبيل المثال: الشافية في علم التصريف:1/ 64، والتبيان: 1/ 517 ومغني اللبيب: 1/ 455، وأوضح المسلك: 4/ 349.

(6)

البقرة: 259.

(7)

الأنعام: 90.

(8)

انظر: السبعة: 188، والحجة لابن خالويه: 100، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 370.

(9)

انظر: معجم القراءات للخطيب:2/ 478 - 482.

ص: 142

وكان الكسائي يحذف الهاء منهما في الوصل ويثبتها في الوقف. وقال الأزهري: الوجه في القراءة: "لَمْ يَتَسَنَّهْ" بإثبات الهاء في الوقف والإدراج، وهو اختيار أبي عمرو ومن قولهم سَنِهَ الطعامُ

إذا تغير وقال أبو عمرو، والشيباني: أصله يَتَسَنَّنُ فأبدلوا، كما قالوا تَظَنَّيْتُ وقَصَّيْتُ أظفاري".

وهو هنا لم يبين السبب الذي من أجله اتفق أبو عمرو مع القراء في إثبات الهاء وقفا ووصلا في "لم يَتَسَنَّهْ" واختلافه معهم في "اقْتَدِهْ"، ولكن وَضَّحَهُ في موضع آخر فقال:"إذا كانت (السَّنَةُ) من سَنَا يَسْنُو فالهاء للوقف نحو: "كِتَابِيَهْ"، و"حِسَابِيَهْ" وأما إذا كان أصلها (سَنْهَةً) لقولهم سَانَهْتُ فلاناً إذا عاملته سَنَةً فَسَنَةً، وقولهم (سُنَيْهَة) فتكون الهاء أصلية، قيل ومنه قوله تعالى: "لَمْ يَتَسَنَّهْ" "[التاج: سنو].

ومعنى هذا أن من رأى الهاء في "لَمْ يَتَسَنَّهْ" أصلية أثبتها في الوصل والوقف، ومن رآها هاء اجتلبت للوقف حذفها عند الوصل. وهذا ما قررته كتب التفسير (1)، وتوجيه القراءات، قال السمين:" وقرأ حمزةُ والكسائي: "لم يَتَسَنَّهْ" بالهاء وقفاً وبحذفها وصلاً، والباقون بإثباتِها في الحالين. فأمَّا قراءتهما فالهاءُ فيها للسكتِ. وأمَّا قراءةُ الجماعَةِ فالهاء تحتملُ وجهين، أحدُهما: أن تكونَ أيضاً للسكتِ، وإنما أُثبتت وصلاً إجراء للوصلِ مُجْرى الوقفِ - وهو في القرآن كثيرٌ سيمرُّ بك منه مواضعُ - فعلى هذا يكون أصلُ الكلمةِ: إمَّا مشتقاً من لفظ "السَّنة" على قولنا إنَّ لامَها المحذوفةَ واوٌ، ولذلكَ تُرَدُّ في التصغير والجمع، قالوا: سُنَيَّة وسَنَوات، وعلى هذه اللغة قالوا: "سأنَيْتُ" أُبْدِلَتِ الواوُ ياءً لوقوعِها رابعةً وقالوا: أَسْنَتَ القومُ، فقلبوا الواوَ تاءً، والأصل أَسْنَوُوا، فأَبْدَلوها في تُجاه وتُخَمة كما تقدَّم، فأصله: يَتَسَنَّى فحُذِفَتْ الألفُ جزماً، وإمَّا مِنْ لفظ "مَسْنون" وهو المتغيِّرُ ومنه "مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ"، والأصل: يتَسَنَّنُ بثلاثِ نونات، فاسْتُثْقِلَ توالي الأمثال فَأَبْدَلْنَا الأخيرةَ ياءً، كما قالوا في تَظَنَّنَ: تظَنَّى، وفي قَصَّصْت أظفاري: قَصَّيْت، ثم أَبْدَلْنَا الياء ألفاً لتحرُّكِها وانفتاح ما قبلَها، ثم حُذِفَتْ جزماً، قاله أبو عمرو

(1) انظر: إصلاح المنطق ابن السكيت: 98، وتفسير الألوسي: 2/ 335، التحرير والتنوير: 2/ 444.

ص: 143

وخَطَّأَه الزجاج قال: "لأنَّ المسنونَ المصبوبَ على سَنَنِ الطريق"(1). وقريبا من ذلك قال كل من ابن خالويه (2) وأبي زرعة بن زنجلة (3).

ويخلص مما سبق إلى أن اللغة العربية من اللغات التي تعتمد على الإعراب في تحديد المعنى، ولما كانت حركة الإعراب محلها الحرف الأخير من الكلمة فقد سلكت العربية تجاه الوقف طرقا عدة للحفاظ على هذه العلامة - حرصا على وضوح المعنى - تتمثل في: الوقف بالسكون، والوقف بالروم، والوقف بالإشمام والوقف بالتضعيف، والوقف بنقل حركة الحرف الأخير إلى ما قبله، ولكل طريقة تفصيل موضعه كتب النحو (4) ومرادي هنا هو التنبيه على أن اللغة حافظت على الحركة الإعرابية بالطرق السابقة، ما عدا الوقف بالسكون والذي يستخدم عند أمن اللبس. والمعني بالحديث هنا اجتلاب هاء السكت للوقف، وسميت بالسكت لأن شرطها أن يُوقَفَ عليها بالسكون على الصحيح فهي لا تتحرك أبدا، إلا عند من أثبتها في الوصل فقد أجراها مجرى الوقف فاضطر إلى تحريكها على خلاف (5) فهي إذن اجتلبت لتكون محلا للسكون العارض للوقف، ولتظل حركة الحرف الأخير ظاهرة بَيِّنَة. وجعلها النحاة خاصة بحركة البناء، اعتمادا على أن الطرق السابقة كفيلة بالحفاظ على حركة الإعراب (6). وسماها البعض بهاء الاستراحة؛ لأن في الوقف فرصة لأخذ النفس، خاصة وأنها تدخل على ما آخره ألف حيث يحتاج إلى نفس طويل في مثل: واإسلاماه ونحوه، ورخصوا في الجمع بين ساكنين في مثل هذا الموضع؛ لأنه موضع وقف (7).

(1) الدر المصون: 3/ 100.

(2)

الحجة: 100.

(3)

الحجة: 142.

(4)

انظر توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك لابن قاسم المرادي: 3/ 148.

(5)

انظر المفصل للزمخشري: 64، وشرح الكافية للإستراباذي: 4/ 501.

(6)

انظر توضيح المقاصد لابن قاسم المرادي: 3/ 148.

(7)

انظر شرح الكافية للإستراباذي: 4/ 501.

ص: 144