المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثانيالتغيير في صيغة الجمع - أثر القراءات القرآنية في الصناعة المعجمية تاج العروس نموذجا

[عبد الرازق بن حمودة القادوسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: القراءات والأصوات

- ‌الفصل الأول: القراءات والحركات

- ‌المبحث الأول:التماثل الصوتي في الفتح

- ‌المبحث الثانيالتماثل الصوتي في الكسر

- ‌المبحث الثالثالتماثل الصوتي في الضم

- ‌المبحث الرابعالتماثل في السكون

- ‌الفصل الثانيالقراءات والصوامت

- ‌المبحث الأولالتماثل الصوتي التام (الإدغام)

- ‌المبحث الثانيالتماثل الصوتي الناقص (الإبدال)

- ‌المبحث الثالثالهمز بين التحقيق والتخفيف

- ‌المبحث الرابعهَاءُ السَّكْتِ

- ‌الباب الثاني: القراءات والبنية الصرفية

- ‌الفصل الأولتغيير بنية الأفعال

- ‌المبحث الأولالتغيير في الحركات(البناء للفاعل والمفعول)

- ‌المبحث الثانيالتغيير فى الصوامت (بالزيادة)

- ‌الفصل الثانيتغيير بنية الأسماء

- ‌المبحث الأولتغيير المشتق

- ‌المبحث الثانيالتغيير في صيغة الجمع

- ‌الباب الثالث: القراءات والدلالة

- ‌الفصل الأولالمُعَرَّب

- ‌الفصل الثانيالتغير الدلالى

- ‌المبحث الأولتغير الدلالة لتغير الصوت

- ‌المبحث الثانيتغير الدلالة لتغير البنية

- ‌الخاتمة

- ‌فهرسالقراءات القرآنية الواردة فى الدراسة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الثانيالتغيير في صيغة الجمع

‌المبحث الثاني

التغيير في صيغة الجمع

يتناول هذا المبحث التغيير في صيغة الجمع، وقد قسمته إلى أقسام ثلاثة جعلت القسم الأول للتغيير في الجمع السالم مذكرا ومؤنثا. وجعلت القسم الثاني للتغيير في جمع التكسير. وجعلت القسم الثالث للتغيير من جمع إلى جمع.

أولا: التغيير في الجمع السالم:

(أ) جمع المذكر.

عرفت العربية نوعين من الجموع: أحدهما: سالم (مذكر ومؤنث). والآخر: هو جمع التكسير، ويدل أيضا على النوعين: المذكر والمؤنث، ولكل صيغته. كما أجمعت كتب اللغة على أن الجمع السالم قياسي، والمكسر سماعي. ويشترط في الجمع المذكر السالم أن يدل مفرده على مذكر، وأن نحصل على صيغة الجمع من مفرده بإضافة واو ونون في حالة الرفع، أو ياء ونون في حالتي النصب والجر، فإذا اختل شرط من هذه الشروط حكم على الكلمة بأنها ليست من الجمع المذكر السالم، حتى ولو شابهته في الصيغة، نحو:(قوانين)، فهي صيغة جمع، ودلت على مذكر، وانتهت بياء ونون، إلا أننا لو جردناها من علامة الجمع (الياء والنون) لا نحصل على المفرد (قانون)، بل نحصل على (قوان)، وهي ليست بشيء.

وقد وردت القراءة القرآنية بصيغة الجمع السالم المذكر في التاج وهي:

(رَبِّيُّونَ)(1): قراءة في قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} (2). [التاج: ربب].

يذكر الزبيدي الاختلاف في "ربيين" الوارد في قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} وهل هو منسوب إلى "الرُّبَّةِ": عَشَرَة آلافٍ، أو منسوب إلى الرَّبِّ.

(1) هي قراءة ابن عباس رضي الله عنهما، انظر: جامع البيان للطبري: 7/ 265، ومعالم التنزيل للبغوي: 2/ 117، والمحرر الوجيز لابن عطية: 1/ 521، وجامع الأحكام للقرطبي: 4/ 230.

(2)

آل عمران: 146.

ص: 215

وقد استطاع الزبيدي أن يجمل ما تفرق في كتب التفسير (1) والقراءات (2) حول هذه المسألة فقال: "والرِّبِّيُّ بالكسر واحدُ الرِّبِّيِّين وهم الأُلوف من الناسِ قاله الفراءُ. وقال أَبو العباس أَحمدُ بن يحيى (ثعلب): قال الأَخْفَش: الرِّبِّيُّونَ منسوبونَ إلى الرَّبِّ قال أَبو العبَّاس: يَنْبَغِي أَن تُفْتَحَ الراءُ على قوله، قال: وهو على قول الفَرّاءِ من الرِّبَّةِ، وهي الجَمَاعَة، وقال الزجّاج: "رُبِّيُّونَ" بكَسْرِ الرَّاءِ وضمها، وهم الجَمَاعَة الكثيرَة، وقيلَ: الرِّبِّيُّونَ: العُلماءُ الأَتْقِيَاءُ الصُّبُر، وكِلَا القولينِ حَسَنٌ جِمِيلٌ، وقال أَبو العباسِ: الرِّبَّانِيُّونَ: الأُلوف، والرَّبَّانِيُّونَ: العُلَمَاءُ وقد تقدَّم. وقرأَ الحَسَن: "رُبِّيُّونَ" (3) بضَمِّ الراءِ. وقَرَأَ ابن عباس "رَبِّيُّونَ" بفَتْحِ الرَّاءِ كذا في اللسان. قلت: ونَقَلَهُ ابن الأَنباريِّ أَيضاً وقال: وعَلَى قِرَاءَة الحَسَنِ نُسِبُوا إلى الرُّبَّةِ والرُّبَّةُ: عَشَرَة آلافٍ).

قال الطبري: وأما "الربيون"، فإن أهل العربية اختلفوا في معناه. فقال بعض نحويي البصرة: هم الذين يعبدون الرَّبَّ، واحدهم "رِبِّي". وقال بعض نحويي الكوفة: لو كانوا منسوبين إلى عبادة الربّ لكانوا "رَبِّيون" بفتح "الراء"، ولكنه: العلماء، والألوف و"الربيون" عندنا، الجماعات الكثيرة، واحدهم "رِبِّي"، وهم الجماعة" (4).

وقال السمين:"والربيُّون: جمعُ "رِبِّي" وهو العالمُ منسوبٌ إلى الرَّبِّ، وإنما كُسرت راؤه تغييراً في النسب نحو: "إِمْسِيّ" بالكسرِ منسوبٌ إلى "أَمْس". وقيل: كُسِر للإِتباع، وقيل: لا تغييرَ فيه وهو منسوبٌ إلى الرُّبَّة وهي الجماعةُ. وهذه القراءةُ بكسرِ الراء قراءة الجمهور. وقرأ علي وابن مسعود وابن عباس والحسن: "رُبِّيُّون" بضمِّ الراء، وهو من تغيير النسب إنْ قلنا هو منسوبٌ إلى الرَّبِّ، وقيل: لا تغييرَ وهو منسوب إلى الرُّبَّة وهي الجماعةُ، وفيها لغتانِ: الكسر والضم. وقرأ ابن عباس في رواية قتادة: "رَبَّيُّون" بفتحِها على الأصل، إنْ قلنا: منسوبٌ إلى الرَّبِّ، وإلَاّ فَمِنْ تغييرِ النسب إنْ قلنا: إنَّه منسوبٌ إلى الرُّبَّة. قال ابن جني: "والفتحُ لغة تميم" (5).

(1) انظر: معلم التنزيل للبغوي: 2/ 117، ومعاني القرآن للنحاس: 1/ 488، والمحرر الوجيز لابن عطية: 1/ 521، وإعراب القرآن للسيوطي: 1/ 170،

(2)

انظر: الحجة لابن خالويه: 1/ 380، والإتحاف لبناء الدمياطي:223.

(3)

السابق نفسه.

(4)

جامع البيان: 7/ 265.

(5)

الدر المصون: 4/ 197.

ص: 216

ويخلص مما سبق إلى أن "رِبِّيُّونَ" جمع مذكر سالم، وفي مفرده وجهان: أحدهما: أنه "رِبِّيّ" وهو منسوب إلى "رُِبَّةٍ"، وفيه لغتان: كسر الراء وضمها، ويقصد بها الجماعة من الناس.

والآخر: أنه "رَبِّيَ"، وهو منسوب إلى "رَبٍّ" بفتح الراء على القياس، ويقصد به العلماء. وذهب بعض المفسرين إلى أن اللغتين اللتين في الوجه الأول تعودان إلى الوجه الثاني، وكسر الراء وضمها جاء على تغيير النسب (1). قال ابن عطية:"وروي عن ابن عباس وعن الحسن بن أبي الحسن وغيرهما أنهم قالوا "ربيون" معناه علماء، وقال الحسن: فقهاء علماء، قال أيضا: علماء صبر، وهذا القول هو على النسبة إلى الرب، إما لأنهم مطيعون له أو من حيث هم علماء بما شرع، ويقوي هذا القول في قراءة من قرأ "ربيون" بفتح الراء، وأما في ضم الراء وكسرها فيجيء على تغيير النسب، كما قالوا في النسبة إلى الحرم حِرْمِيّ بكسر الحاء، وإلى البصرة بِصْرِيّ بكسر الباء، وفي هذا نظر وقال ابن زيد: الربانيون الولاة والربيون الرعية الأتباع للولاة"(2).

(المُعْذِرُونَ)(3) قراءة في قوله تعالى: {وجَاءَ المُعَذِّرُونَ منَ الأَعْرَابِ ليُؤْذَنَ لَهُم} (4).

اختلفت القراءة في "المُعَذِّرُونَ" من الآية السابقة من حيث أصل الكلمة وصياغتها وقد عرض الزبيدي هذا الاختلاف كما يلي:

1 -

أن يكون أصل (المُعَذِّرُونَ) "المُعْتَذِرُونَ: الذينَ لَهُم عُذْرٌ، به قرأَ سائِرُ قراءِ الأَمْصَارِ والمُعَذِّرُونَ في الأَصْلِ المُعْتَذِرُونَ فأَدْغِمَت التاءُ في الذّال لقُرْبِ المَخْرجَيْنِ.

2 -

ويجوزُ أَن يكون "المُعَذِّرُونَ" الذين يُعَذِّرُون: يوُهِمُون أَن لهم عُذْراً ولا عُذْرَ لهم. فهو اسم فاعل من (عَذَّرَ) مضعف العين، والمَعْنى: المُقَصِّرُونَ بغير عُذْرٍ فهو على جِهَة المُفَعِّل؛ لأَنّه المُمَرِّضُ والمُقَصِّرُ يَعْتَذِرُ بغير عَذْرٍ.

(1) انظر المسألة في: الكشاف للزمخشري: 1/ 424، وجامع الأحكام للقرطبي: 7/ 265، ومفاتيح الغيب للرازي: 9/ 521.

(2)

المحرر الوجيز: 1/ 521.

(3)

قراءة حمزة وابن ذكوان والكسائي وعاصم والشنبوذي، وابن عباس، وزيد بن علي والأعرج، وقتيبة وشعبة، انظر: الحجة لابن زنجلة: 1/ 321، والإتحاف:430، والنشر: 2/ 315، ومعجم القراءات لمختار: 2/ 311.

(4)

التوبة: 90.

ص: 217

3 -

وقَرَأَها ابنُ عَبّاسٍ رضي الله عنهما: "المُعْذِرُونَ" بالتَّخْفيف، قال الأَزْهَريّ: وقَرأَهَا كذلك يَعْقُوبُ الحَضْرَمِيُّ وحْدَه مِنْ أَعْذَرَ يُعْذِرُ إِعْذَاراً، وكان يَقُولُ: واللهِ لهكذَا أُنْزِلَتْ. وكان يقول: لَعَنَ اللهُ "المُعَذِّرِينَ" بالتَّشْدِيد، كأَنَّ المُعَذِّر عندَه إِنما هو غَيْرُ المُحِقِّ

وبالتَّخْفِيفِ مَنْ له عُذْرٌ.

[التاج: عذر].

قال الطبري: "فإن الذي عليه من القراءة قرأة الأمصار، التشديد في "الذال"، أعني من قوله: (المُعَذِّرُونَ)، ففي ذلك دليلٌ على صحة تأويل من تأوله بمعنى الاعتذار؛ لأن القوم الذين وُصفوا بذلك لم يكلفوا أمرًا عَذَّرُوا فيه وإنما كانوا فرقتين: إما مجتهد طائع وإما منافق فاسقٌ، لأمر الله مخالف. فليس في الفريقين موصوفٌ بالتعذير في الشخوص مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو مُعَذِّرٌ مبالغٌ، أو معتَذِر. فإذا كان ذلك كذلك، وكانت الحجة من القرأة مجمعة على تشديد "الذال" من "المعذرين"، عُلم أن معناه ما وصفناه من التأويل"(1).

{إِنَّ المُصَدِّقينَ والمُصَدِّقاتِ} (2) قراءة في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (3). [التاج: صدق].

ذكر الزبيدي قوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} ؛ ولأن المعنى في الآية يحتمل أن يكون من التَّصَدُّقِ ومن التَّصْدِيقِ فقد تعددت القراءات فيها على وجوه ثلاثة فقراءة الجمهور: {إنّ المُصَّدِّقينَ والمُصَّدِّقات} (4) فأصله المُتَصَدّقين والمُتَصَدِّقات قُلِبَت التّاءُ صاداً وأُدغِمَت في مثلِها

وهم الذين يُعطون الصَّداقات. وعلى الأصل قرأ أبيّ بن كعب: "الْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ"(5)

وقرأ ابن كثير، وأبو بكر، والمفضل، وأَبَّان، وأبو عمرو في رواية هارون: {إِنَّ

(1) جامع البيان: 14/ 418.

(2)

هي قراءة ابن كثير وعاصم وابن محيصن والمفضل وهارون، انظر: جامع البيان للطبري: 23/ 190، ومعالم التنزيل للبغوي: 8/ 38، والمحرر الوجيز لابن عطية: 1/ 235، ومفاتيح الغيب للرازي: 29/ 201، وجامع الأحكام للقرطبي: 17/ 252، والحجة لابن خالويه: 342، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 63.

(3)

الحديد: 18.

(4)

انظر: معجم القراءات للخطيب: 9/ 341.

(5)

انظر قراءات الآية في: التيسير لأبي عمرو: 133، والعنوان للداني: 33، والإتحاف: 731، معجم القراءات: 5/ 63.

ص: 218

المُصَدِّقينَ والمُصَدِّقاتِ} بتخفيف الصاد، من التصديق لا من الصدقة كما في قراءة الجمهور، أي: الذين صدقوا واللاتي صدقن الله (تعالى) ورسوله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: وقراءة الجمهور أنسب لقوله تعالى: {وَأَقْرِضُواُ الله قَرْضاً حَسَناً} ، وقراءة ابن كثير أرجح؛ لأن الإقراض يغني عن ذكر التصدق".

قال الفراء: " قرأها عاصم: "إنّ المصدّقين والمصدّقات" بالتخفيف للصاد، يريد: الذين صدّقوا الله ورسوله، وقرأها آخرون: "إن المصّدّقين" يريدون: المتصدقين بالتشديد، وهي في قراءة أبيّ: "إن المتصدقين والمتصدقات" بتاء ظاهرة، فهذه قوة لمن قرأ: "إن المصّدّقين" بالتشديد"(1).

وقال السمين: " قوله: "الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ": خَفَّفَ الصاد منها ابنُ كثير وأبو بكر، وثَقَّلها باقي السبعة. فقراءةُ ابنِ كثيرٍ من التصديق، أي: صَدَّقوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به كقولِه تعالى: "وَالَّذِي جَآءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ "، وقراءةُ الباقين من الصدقة وهو مناسِبٌ لقولِه "وأَقْرَضوا" والأصل: المُتَصَدٍِّقين والمتُصدِّقات فَأَدْغَمَ، وبها قرأ أُبَيٌ. وقد يُرَجَّحُ الأولُ. بأنَّ الإِقراضَ مُغْنٍ عن ذِكْرِ الصدقة"(2).

وقال أبو زرعة: " قرأ ابن كثير وأبو بكر: إن المصدقين والمصدقات" بتخفيف الصاد فيهما أي المؤمنين والمؤمنات الذين صدقوا الله ورسوله. وقرأ الباقون: "إن المصدقين والمصدقات" بتشديد الصاد فيهما، أرادوا المتصدقين والمتصدقات فأدغموا التاء في الصاد، وحجتهم أن في حرف أبي:"إن المتصدقين والمتصدقات" بتاء ظاهرة فهي حجة لمن قرأ بالتشديد، وأخرى وهي في قوله:{وأقرضوا الله قرضا حسنا} وذلك أن القرض هو أشبه بالصدقة من التصديق. وحجة من خفف هي أن التخفيف في قوله: "المصدقين" أعم من التشديد، ألا ترى أن "المصدقين" بالتشديد مقصورة على الصدقة، و"المصدقين" بالتخفيف يعم التصديق والصدقة؛ لأن الصدقة من الإيمان فهو أوجب في باب المدح" (3).

(مُعَجِّزِينَ)(4) قراءة في: {والّذينَ يَسْعَوْنَ في آياتِنا مُعاجِزين} (5).

[التاج: عجز].

معاجزين جمع معاجز من عاجز. وقد اختلف المفسرون في معنى هذا الحرف من القرآن؛ لأن معناه الظاهر أن الكفار يتحدون الله تعالى؛ لأن صيغة (فاعل) من أشهر معانيها المشاركة؛ لذلك رُفِضَ هذا المعنى؛ لأنه لا يليق بالله عز وجل، ومن هنا اجتهد المفسرون ليصلوا إلى قول يصح معه المعنى كما يلي (6):

1 -

قال ابنُ عرفَةَ: "يُعاجِزون الأَنبياءَ وأَولياءَهم، أَي يقاتلونَهم ويُمانِعونَهُم؛ لِيُصَيِّروهُم إلى العَجْز عن أَمر اللهُ تعالى، وليس يُعجِزُ اللهَ جَلَّ ثناؤُه خَلْقٌ في السَّماء ولا في الأَرض، ولا مَلجأَ منه إلاّ إليه ".

2 -

قال الزَّجّاج: {مُعَاجِزِينَ} (7): مُعانِدين.

3 -

وقيل: مُسابقين من: عاجَزَه إذا سابقَه.

وقُرِئ {مُعَجِّزِينَ} بالتَّشديد، جمع مُعَجِّز من (عَجَّزَ)، والمعنى: مُثَبِّطين

وقيل: يَنْسبون مَنْ تَبِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إلى العَجْز، نحو: جَهَّلْتُه، وسَفَّهْتُه.

قال أبو شامة:" معنى (معجزين) ينسبون من تبع النبي صلى الله عليه وسلم إلى العجز، وقيل مثبطين الناس عنه، وقيل معناه يطلبون تعجيزنا، وفي المد معنى أنهم يسابق بعضهم بعضا في التعجيز واختار أبو عبيد قراءة المد ورواها عن ابن عباس، وقال معناها مُشَاقِّينَ، وقال أبو علي: (معاجزين) ظانين ومقدرين أنهم يعجزوننا؛ لأنهم ظنوا أن لا بعث ولا نشور فيكون ثواب وعقاب"(8).

قال أبو زرعة: " قرأ ابن كثير وأبو عمرو "معجزين" بغير ألف أي ينسبون من تبع النبي صلى الله عليه وسلم إلى العجز، وهذا كقولهم: جهلته نسبته إلى الجهل، وفسقته نسبته إلى الفسق. وقال مجاهد: معجزين أي مثبطين ومبطئين أي يثبطون الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أتباع الحق. وقرأ الباقون "معاجزين" بالألف أي ظانين أنهم

(1) معاني القرآن: 3/ 135.

(2)

الدر المصون: 13/ 333.

(3)

الحجة: 701.

(4)

ابن كثير وأبو عمرو، انظر: جامع البيان للطبري: 18/ 662، والكشاف: 3/ 568، ومعالم التنزيل: 5/ 392، والمحرر الوجيز: 2/ 134، والبحر المحيط: 6/ 370، وروح =المعاني للألوسي: 2/ 51 والتحرير والتنوير لابن عاشور: 9/ 292، والنشر للجزري: 2/ 367.

(5)

الحج: 51، وسبأ:38.

(6)

انظر هذه الوجوه: جامع البيان للطبري: 18/ 662، والكشاف: 3/ 568، ومعالم التنزيل: 5/ 392، والمحرر الوجيز: 2/ 134، والبحر المحيط: 6/ 370، وروح المعاني للألوسي: 2/ 51.

(7)

هي قراءة الجمهور، انظر: معاني الفراء: 3/ 185، والسبعة لابن مجاهد: 439، وإعراب النحاس: 4/ 424، والحجة لابن زنجلة: 1/ 481، والإتحاف للبنا:564.

(8)

إبراز المعاني من حرز الأماني لأبي شامة: 2/ 303.

ص: 219

يعجزوننا؛ لأنهم ظنوا أنهم لا يبعثون، وأنه لا جنة ولا نار. قال قتادة: ظنوا أنهم يعجزون الله. وقال ابن عباس: معاجزين مسابقين. وقال الفراء: معاجزين أي معاندين" (1).

قال السمين: "فأمَّا الأُولى - مُعَجِّزِينَ - ففيها وجهان:

أحدُهما: قال الفارسي: معناه: ناسِبين أصحابَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى العَجْز نحو: فَسَّقْتُه أي نَسَبْتَه إلى الفسق.

والثاني: أنها للتكثير. ومعناها: مُثَبِّطِيْنَ الناسَ عن الإِيمان. وأمَّا الثانيةُ – مُعَاجِزِينَ - فمعناها: ظانِّين أنهم يَعْجِزوننا. وقيل: معاندِين. وقال الزمخشري: عاجَزَه: سابقَه؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما في طَلَب إعجازِ الآخرِ عن اللِّحاق به. فإذا سبقه قيل: أعجزه وعَجَزه. فالمعنى: سابقين أو مُسابقين في زعمهم وتقديرِهم طامِعين أنَّ كيدَهم للإِسلامِ يَتِمُّ لهم. والمعنى: سَعَوا في معناها بالفسادِ". وقال أبو البقاء: إنَّ معاجزين في معنى المُشَدَّدِ، مثلَ عاهَدَ وعَهَّد. وقيل: عاجَزَ سابَقَ، وعَجَز سَبَق"(2).

(مُطْلِعُونَ فأُطْلِعَ)(3): قراءة في: {هل أنتُم مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ} (4).

ذكر الزبيدي أن قَوْله تَعالى: {مُطَّلِعُونَ} بتشديدِ الطاءِ وفتحِ النونِ - جمع مُطَّلِعٍ - هي القراءةُ الجيِّدةُ الفَصيحةُ، أي: هل أنتُم تُحِبُّون أن تَطَّلِعوا فتعلموا أين مَنْزِلة الجَهَنَّمِيِّين، فاطَّلَع المُسلِم، فرأى قَرينَه في سَواءِ الجَحيم. وقرأ جماعاتٌ وهم: ابنُ عبّاسٍ رضي الله عنهما وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، وأبو البَرَهْسَم، وعمّارُ مولى بَني هاشمٍ:{هل أنتُم مُطْلِعُونَ فأُطْلِعَ} بضمِّ الهمزةِ، وسكونِ الطاءِ، وكسرِ اللام – جمع مُطْلِعٍ من أَطْلَعَ - وهي جائزةٌ في العربيّةِ على معنى: هل أنتم فاعِلونَ بي ذلك. وقرأ أبو عمروٍ وعمار المذكورُ، وأبو سِراجٍ، وابنُ أبي عَبْلَة،

(1) الحجة: 480.

(2)

الدر المصون: 11/ 4، 5.

(3)

وهي قراءة أبي عمرو، وحسين الجعفي وابن محيصن وأبي سراج، انظر: جامع البيان: 21/ 49، والسبعة لابن مجاهد: 548، ومفاتيح الغيب: 26/ 122، والبحر المحيط: 7/ 349، وروح المعاني: 3/ 307، والإتحاف للدمياطي: 658، ومعجم القراءات لمختار:4/ 203.

(4)

الصافات: 54، 55.

ص: 221

بكسرِ النون {مُطْلِعُونِ فأُطْلِعَ} (1) كما مرَّ. قلتُ: وهي روايةُ حُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ عن أبي عمروٍ.

قال الأَزْهَرِيّ: وهي شاذَّةٌ عند النَّحْوِيِّين أَجْمَعين، ووَجْهُه ضعيفٌ، وَوَجْهُ الكلامِ على هذا المعنى: هل أنتم مُطْلِعِيَّ، وهل أنتم مُطْلِعوه بلا نونٍ كقولِك: هل أنتم آمِروه وآمِريَّ. وأمّا قولُ الشاعر (2):

همُ القائِلونَ الخَيرَ والآمِرونَه

إذا ما خَشُوا من مُحْدَثِ الأمرِ مُعْظَما

فَوَجْهُ الكلامِ: والآمِرونَ به، وهذا من شَواذِّ اللُّغَات.

[التاج: طلع].

وقال الفراء:" وقد قرأ بعض القرّاء "مُطْلِعُونِ فَأُطْلِعَ" فكسر النون. وهو شاذّ؛ لأنّ العرب لا تختار على الإضافة إذا أسندوا فاعلا مجموعا أو موحّدا إلى اسم مكنّى عنه. فمن ذلك أن يقولوا: أنت ضاربي. ويقولون للاثنين: أنتما ضارباي، وللجميع: أنتم ضاربيّ، ولا يقولوا للاثنين: أنتما ضاربانني ولا للجميع: ضاربونني. وإنّما تكون هذه النون في فَعَلَ ويَفْعِلُ، مثل (ضربوني ويضربني وضربني). وربما غلط الشاعر فيذهب إلى المعنى، فيقول: أنت ضاربني، يتوهّم أنه أراد: هل تضربني، فيكون ذلك على غير صحّة

وإنما اختاروا الإضافة في الاسم المكنى؛ لأنّه يختلط بما قبله. فيصير الحرفان كالحرف الواحد. فلذلك استحبّوا الإضافة في المكنى، وقالوا: هما ضاربان زيدا، وضاربا زيد لأن زيدا في ظهوره لا يختلط بما قبله؛ لأنه ليس بحرف واحد والمكنى حرف" (3).

وقال السمين: " وقرأ العامَّةُ "مُطَّلِعُوْنَ" بتشديد الطاءِ مفتوحةً وبفتح النونِ

و"مُطْلَعُوْنَ" على هذه القراءةِ يحتمل أَنْ يكونَ قاصراً أي: مُقْبِلون مَنْ قولِك: أَطْلَعَ علينا فلانٌ أي: أَقْبَلَ، وأَنْ يكونَ متعدياً، ومفعولُه محذوفٌ أي: أصحابَكم. وقرأ أبو البرهسم وعَمَّار بن أبي عمار: "مُطْلِعُوْنِ" خفيفةَ الطاء

(1) وهي أيضا لابن عباس وأبي البرهسم، انظر: السبعة لابن مجاهد: 548، ومفاتيح الغيب: 26/ 122، والبحر المحيط: 7/ 349، والإتحاف للدمياطي: 658، ومعجم القراءات لمختار: 4/ 203.

(2)

هذا البيت من مرويات سيبويه في الكتاب: 1/ 188، وذكره صاحب الخزانة: 2/ 45 تحت الشاهد: 95، والكامل في اللغة: 1/ 97، وكلهم قال: إن البيت مصنوع، ويحمل على الضرورة في أحسن الأحوال.

(3)

معاني القرآن: 2/ 386.

ص: 222

مكسورةَ النونِ، "فَأُطْلِعَ" مبنياً للمفعول. وقد رَدَّ الناسُ - أبو حاتم وغيرُه - هذه القراءةَ من حيث الجمعُ بين النونِ وضميرِ المتكلم؛ إذ كان قياسُها مُطْلِعيَّ، والأصل: مُطْلِعُوْي، فأُبْدِل وأُدْغِمَ نحو: جاء مُسْلِميَّ العاقلون، وقوله عليه السلام "أوَ مُخْرِجِيَّ هم". وقد وَجَّهها ابنُ جني على أنَّه أُجْرِيَ فيها اسمُ الفاعل مُجْرى المضارع، يعني في إثباتِ النونِ فيه مع الضميرِ" (1).

(ب) جمع المؤنث:

اشترط النحاة في الجمع المؤنث السالم أن نحصل عليه بإضافة ألف وتاء إلى مفرده الدال على مؤنث، دون أدنى تغيير في هذا المفرد، لا في الحركات ولا في الحروف، وقد حدث تغيير في بنية جمع المؤنث في القراءات القرآنية الواردة في التاج، وهي:

(صُدْقَاتِهِنَّ)(2) قراءة في قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} (3).

ذكر الزبيدي لِلْصُّدْقَةِ: مَهْرُ المَرْأة، سبع لغات، واستشهد بالقراءة على خمس منها وردت في الآية السابقة بصيغة الجمع المؤنث السالم، فيقول: "والصُّدْقَةُ كغُرْفَة، وصَدْمَة، وبضمّتَيْن، وبفتْحَتَيْن، وككِتاب، وسَحاب سَبع لُغاتِ

وجمْعُ الصَّدُقَةِ كنَدُسَةٍ: صَدُقَاتٌ. قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} ، وجمْعُ الصُّدْقةِ بالضَّمِّ:"صُدْقَاتٌ"(4) وبه قرأ قَتادَةُ، وطَلحَةُ بنُ سُلَيْمان وأبو السَّمّالِ والمَدَنيّون. ويقال: صُدَقَات بِضَمٍّ فَفَتْحٍ، و"صُدُقَات"(5) بِضَمَّتَيْنِ، وهي قِراءَة المَدَنِيّين وهي أقْبَحُها

وعن قَتادَة "صَدْقَاتِهِنَّ"(6) بفَتْح فسُكون. وقال الزّجّاجُ: ولا يُقرأُ من هذِه اللُغاتِ بشَيْءٍ؛ لأنّ القِراءَةَ سُنّةٌ. [التاج: صدق].

(1) الدر المصون: 12/ 199 – 201.

(2)

هي قراءة قَتادَة، وطَلحَة بن سُلَيْمان وأبي السَّمّالِ والمَدَنيّون، انظر: الكشاف: 1/ 469، والمحرر الوجيز: 1/ 132، ومفاتيح الغيب: 9/ 146، وجامع الأحكام: 5/ 23، والبحر المحيط: 3/ 150، وروح المعاني: 1/ 241، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 483.

(3)

النساء: 4.

(4)

انظر: جامع الأحكام: 5/ 23، والبحر المحيط: 3/ 150، وروح المعاني: 1/ 241، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 483.

(5)

قراءة مجاهد وموسى بن الزبير وابن أبي عبلة، انظر: البحر المحيط: 3/ 150.

(6)

هي قراءة قتادة وأبي السمال، انظر: البحر المحيط: 3/ 150، ومعجم القراءات: 1/ 484.

ص: 223

ويذكر الفراء لغتين من هذه اللغات فيقول:" "صَدُقَاتِهِنَّ" حجازية، وتميم: "صُدْقَات"، واحدها صُدْقَة. وأهل الحجاز يقولون: أعطها صَدُقَتَهَا، وتميم تقول: أعطها صُدْقَتَهَا"(1).

وقال السمين:" "صَدُقَاتِهِنَّ" جمع (صَدُقَةٍ) بفتحِ الصاد وضم الدال بزنة "سَمُرَةٍ"، والمرادُ بها المَهْر، وهذه القراءةُ المشهورة، وهي لغةُ الحجاز. وقرأ قتادة: "صُدْقَاتِهِنَّ" بضم الصاد وإسكان الدال، جمعُ (صُدْقَةٍ) بزنة غُرْفَةٍ. وقرأ مجاهد وابن أبي عبلة "صُدُقَاتِهِنَّ "بضمِّهما، وهي جمعُ (صُدُقَةٍ) بضم الصاد والدال، وهي تثقيلُ الساكنة الدالِ للإِتباع

وقرئ: "صَدْقَاتِهِنَّ" بفتح الصاد وإسكان الدال، وهي تخفيف القراءة المشهورة كقولهم في عَضُدٍ: عََضْدٍ" (2).

(المُصَدِّقَاتِ): قراءة في: {إِنَّ المُصَّدِّقينَ وَالمُصَّدِّقَاتِ} (3).

[التاج: صدق].

يأتي لفظ "المُصَّدِّقَات" من قوله تعالى: {إِنَّ المُصَّدِّقينَ وَالمُصَّدِّقَاتِ} دالا على الجمع المؤنث السالم، ولكنه من الممكن أن يكون مشتركا لفظيا بين مادتين: صَدَقَ، وتَصَدَّقَ وقد جاءت القراءة بالوجهين:"المُصَدِّقَاتِ"(4)، جمع (مُصَدِّقَةٍ)، وهي قراءة ابن كَثيرٍ وأبي بكْر، و"المُصَّدِّقَاتِ"، جمع (مُصَدِّقَةٍ)، وهي قراءة الجمهور (5).

(نَحْسَاتٍ)(6): قراءة في قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً في أَيّامٍ نَحِسَاتٍ} (7).

تجمع (نَحْسَةٌ) على (نَحْسَاتٍ)، بسكون الحاء، وبها قرأَ أَبو عمرو:{أَيَّامٍ نَحْسَاتٍ} . وتجمع (نَحِسَةٌ) على (نَحِسَاتٍ) بكسر الحاء، وبها قَرأَ الجمهور:{أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} (8)، وهي المَشْؤوماتُ عليهِم في الوَجْهَيْنِ.

(1) معاني القرآن للفراء: 2/ 59، وانظر أيضا: معاني القرآن للأخفش: 1/ 192.

(2)

الدر المصون: 1/ 1608.

(3)

الحديد: 18.

(4)

انظر: معاني الفراء: 3/ 135، ومعاني الأخفش: 3/ 39، والدر المصون للسمين: 7/ 408.

(5)

سبق عرض هذا الشاهد مفصلا في المطلب السابق (جمع المذكر السالم) عند الحديث عن (المصدقين)، ص: 218، 219.

(6)

هي قراءة نافع وابن كثير والنخعي وعيسى والأعرج ويعقوب، انظر: التيسير لأبي عمرو: 125، والسبعة: 576، والنشر: 2/ 406، ومعجم القراءات لمختار: 4/ 307.

(7)

فصلت: 16.

(8)

هي قراءة الجمهور، انظر: التيسير لأبي عمرو: 125، والسبعة لابن مجاهد: 576، والنشر: 2/ 406.

ص: 224

وقَرَأَ به قُرّاءُ الكُوفَةِ والشّامِ ويَزِيدُ والبَاقُونَ بسُكُونها. [التاج: نحس].

قال الفراء: "العوام على تثقيلها لكسر الحاء، وقد خفف بعض أهل المدينة:(نحسات). قال: وقد سمعت بعض العرب ينشد:

أبْلِغْ جُذَاما وَلَخْماً أنَّ إخْوَتَهُمْ

طَيَّا وَبَهْرَاءَ قَوْمٌ نَصْرُهُمْ نَحِسُ (1)

وهذا لمن ثقَّل، ومن خفّف بناه على قوله:«فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ» " (2).

قال الطبري: " وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقراته عامة قراء الأمصار غير نافع وأبي عمرو "فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ" بكسر الحاء، وقرأه نافع وأبو عمرو: "نَحْسَاتٍ" بسكون الحاء. وكان أبو عمرو فيما ذكر لنا عنه يحتج لتسكينه الحاء بقوله: {يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} وأن الحاء فيه ساكنة.

والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان، قد قرأ بكل واحدة منهما قرّاء علماء مع اتفاق معنييهما، وذلك أن تحريك الحاء وتسكينها في ذلك لغتان معروفتان، يقال هذا يوم نحْس، ويوم نَحِس، بكسر الحاء وسكونها" (3).

وقال القرطبي:" قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو "نَحْسَاتٍ" بإسكان الحاء على أنه جمع نَحْسٍ الذي هو مصدر وصف به. الباقون: "نَحِسَاتٍ" بكسر الحاء أي ذوات نحس. ومما يدل على أن النحس مصدر قوله: {في يوم نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} (4) ولو كان صفة لم يضف اليوم إليه، وبهذا كان يحتج أبو عمرو على قراءته، واختاره أبو حاتم. واختار أبو عبيد القراءة الثانية وقال: لا تصح حجة أبي عمرو؛ لأنه أضاف اليوم إلى النحس فأسكن، وإنما كان يكون حجة لو نون اليوم ونعت وأسكن، فقال:{في يومٍ نَحْسٍ} ، وهذا لم يقرأ به أحد نعلمه. وقال

(1) انظر: جامع البيان للطبري:21/ 447، والمحرر الوجيز لابن عاشور: 6/ 24، والبصائر للفيروز آبادي: 1/ 725، واللسان:(نحس)، وكلهم رووه عن الفراء في هذا الموضع، ولم ينسب لقائل.

(2)

معاني القرآن: 3/ 14.

(3)

التبيان في إعراب القرآن: 21/ 447.

(4)

القمر: 19.

ص: 225

المهدوي: ولم يسمع في "نَحْسٍ" إلا الإسكان. قال الجوهري: وقرئ في قوله "في يومِ نَحْسٍ" على الصفة، والإضافة أكثر وأجود " (1).

وقال العكبري:" (نَحِسَات) يقرأ بكسر الحاء، وفيه وجهان: أحدهما: هو اسم فاعل مثل نصب ونصبات. والثاني: أن يكون مصدرا في الأصل مثل الكلمة.

ويقرأ بالسكون وفيه وجهان: أحدهما: هي بمعنى المكسورة، وإنما سكن لعارض. والثاني: أن يكون اسم فاعل في الأصل وسكن تخفيفا " (2).

وقال الصاغاني: " قَرَأَ قُرّاءُ الكوفة والشَّامِ ويَزِيْدُ: "في أيّامٍ نَحِسَاتٍ" بكسر الحاء؛ والباقونَ بسُكُونها"(3).

والمعجميون من لدن الخليل إلى الزبيدي يرددون أن من أضاف (نحسات) سَكَّنَ الحاءَ، ومن جعلهما صفة كسر الحاء. وابن سيده يذكر أن أبا علي الفارسي يزعم أن (نَحْسَاتٍ) ساكنة الحاء من باب العدول، وأنها مخففة من مكسورة الحاء (4).

ثانيا: التغيير في جمع التكسير

جمع التكسير سماعي، ليس له قاعدة تضبطه، وقد تعدد جمع المفرد الواحد أحيانا، حتى إنه ليصل في بعض الأحيان إلى نيف وعشرين جمعا. وجاءت القراءة بالعديد من هذه الجموع، يعرضها الدارس كما يأتي:

"غُلُفٌ"(5) و"غُلَّفٌ"(6) قراءتان في: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} (7).

ذكر الزبيدي أن غِلاف وأَغْلَفَ يجمعان على (غُلْفٌ) بضَمّ الأول وسكون الثاني، ثم قال:" ولا يَكُونُ (الغُلُفُ) بضمتين جمعَ (أَغْلَفَ)؛ لأَنّ فُعُلاً لا يَكُونُ

(1) جامع الأحكام: 15/ 348.

(2)

التبيان في إعراب القرآن: 2/ 221.

(3)

العباب: نحس: 1/ 203.

(4)

انظر المخصص: نحس: 4/ 226.

(5)

هي قِراءةُ ابنِ عباس، وسعيد بن جُبَيرٍ، والحسنِ البَصْرِيِّ، والأَعرَجِ، وابنِ مُحيْصنٍ، وعَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ، والكَلْبِيِّ، وأَحمد عن أَبي عمرو، وعيسى، والفضلِ الرَّقاشي، وابن أَبي إِسْحاقَ، وأبي عمرو، انظر: السبعة لابن مجاهد: 164، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 229.

(6)

هي قراءة لابن محيصن أيضا، انظر: السبعة لابن مجاهد: 164، والدر المصون للسمين: 1/ 392، والإتحاف:261 ومعجم القراءات للخطيب:1/ 149، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 149.

(7)

البقرة: 88.

ص: 226

جَمْعَ أَفْعَل عند سِيبوَيْهِ، وقال الكسائيُّ: ما كانَ جمعُ فِعالٍ وفَعُولٍ وفَعِيلٍ على فُعُلٍ مُثَقَّلٍ. [التاج: غلف].

ولكن الطبري يرى أن (غُلْفاً) المخففة مفردها "أَغْلَف" وليس (غلاف) كما ذكره الزبيدي، أما جمع (غلاف) فهو "غُلُفٌ" المثقلة. يقول:" و"الغُلْفُ" - على قراءة هؤلاء - جمع "أَغْلَفٍ" وهو الذي في غلاف وغطاء، كما يقال للرجل الذي لم يُخْتَتَنْ "أَغْلَف"، والمرأة "غَلْفَاء". وكما يقال للسيف إذا كان في غلافه: سيف "أَغْلَف"، وقوس"غَلْفَاء" وجمعها "غُلْفٌ"، وكذلك جمع ما كان من النعوت ذكره على "أَفْعَل" وأنثاه على"فَعْلَاء"، يجمع على"فُعْل" مضمومة الأول ساكنة الثاني، مثل: "أَحْمَر وحُمْر وأَصْفَر وصُفْر"، فيكون ذلك جماعا للتأنيث والتذكير. ولا يجوز تثقيل عين"فُعْلٍ" منه إلا في ضرورة شعر، كما قال طرفة بن العبد (1):

أَيُّهَا الْفِتْيَانُ فِي مَجْلِسِنَا

جَرِّدُوا مِنْهَا وِرَادَاً وَشُقُر

يريد: شُقْرًا، إلا أن الشعر اضطره إلى تحريك ثانيه فحركه.

وأما الذين قرؤوها "غُلُفٌ" بتحريك اللام وضمها، فإنهم تأولوها أنهم قالوا: قلوبنا غُلُفٌ للعلم، بمعنى أنها أوعية. قال: و"الغُلُفُ" على تأويل هؤلاء جمع "غِلَافٍ". كما يجمع الكِتَابُ كُتُب، والحِجَابُ حُجُب، والشِهَابُ شُهُب. فمعنى الكلام على تأويل قراءة من قرأ "غُلُفٌ" بتحريك اللام وضمها، وقالت اليهود: قلوبنا غُلُفٌ للعلم وأَوْعِيَةٌ لَهُ ولغيره" (2).

وقال السمين: " قرأ الجمهورُ: "غُلْفٌ" بسكون اللام، وفيها وجهان:

أحدهما: - وهو الأظهرُ - أن يكونَ جمع "أَغْلَف" كأحمر وحُمْر وأصفر وصُفْر، والمعنى على هذا: أنها خُلِقَتْ وجُبِلت مُغَشَّاةً لا يَصِلُ إليها الحقُّ استعارةً من الأغلف الذي لم يُخْتَتَنْ.

والثاني: أن يكونَ جمعَ "غِلاف"، ويكونُ أصلُ اللامِ الضمَّ فخُفِّفَ نحو: حِمار وحُمُر وكتاب وكُتُب، إلَاّ أنَّ تخفيفَ فُعُل إنما يكون في المفرد غالباً نحو عُنْق في عُنْق، وأمَّا فُعُل الجمع فقال ابن عطية:"لا يجوز تخفيفُه إلا في ضرورةٍ"(3)، وليس كذلك، بل هو قليل، وقد نصّ غيرُه على جوازه، وقرأ ابن

(1) هذا البيت ذكره البغدادي في الخزانة: 3/ 386، في أبيات، وقبله: (فترى الحيَّ إذا ما فَزِعوا

ودعا الداعي وقد لَجَّ الذُّعُر) وبعده (أعوَجيات طوالا شُزَّبا

دورِكَ الصنعةُ فيها والضُّمُر)، والجليس الصالح: 1/ 5، وشرح أدب الكاتب: 1/ 82.

(2)

جامع البيان: 2/ 324 – 327.

(3)

المحرر الوجيز: 1/ 177.

ص: 227

عباس - ويُروى عن أبي عمرو - بضمِّ اللامِ وهو جمع "غِلاف"، ولا يجوز أن يكون فُعُل في هذه القراءة جمعَ "أَغْلَف"؛ لأنَّ تثقيلَ فُعُل الصحيحِ العينِ لا يجوز إلَاّ في شِعْر، والمعنى على هذه القراءة جمعَ "أَغْلف"؛ لأنَّ تثقيلَ فُعَل الصحيحِ العينِ لا يجوز إلَاّ في شِعْر، والمعنى على هذه القراءة أنَّ قلوبَنا أوعيةٌ للعلمِ فهي غيرُ محتاجةٍ إلى علمٍ آخر، والتغليفُ كالتغشِيَة في المعنى" (1).

(ظِلَالٍ)(2): قراءة في قوله: {إِلَاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ في ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ} (3)

ذكر الزبيدي أن الظُّلَّة تجمع على: ظُلَلٌ، وظِلَالٌ، واستدل على ذلك بالقراءات الواردة في الآية السابقة فقال:"وقُرِئَ أيضاً: "في ظِلَالٍ" وقَرَأَ حَمْزَةُ والكِسَائِيُّ وخَلَفٌ: {في ظُلَلٍ عَلى الأَرائِكِ مُتَّكِئُونَ} (4). وقولُهُ تَعالى: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} (5). [التاج: ظلل].

فالآيات السابقات في كل مواضعها قرئت بالقراءتين: ظُلَل، وظِلَال. وظلل جمع ظلة، نحو: غرفة وغرف، وحلة وحلل. وظلال جمع ظل، أو جمع ظلة أيضا، نحو: قلة وقلال (6).

قال الطبري: "من قرأها " في ظُلَلٍ"، فإنه وجهها إلى أنها جمع "ظُلَّة"، و"الظُلَّة"، تجمع "ظُلل وظِلال"، كما تجمع "الخُلَّة"، "خُلَل وخِلال"، و"الجلَّة"، جُلَلٌ وجلال"(7).

وقال أبو زرعة:" قرأ حمزة والكسائي: "في ظُلَلٍ" بغير ألف وضم الظاء، الظلل جمع ظلة كما تقول: حلة وحلل، وغرفة وغرف، وقربة وقرب

وقرأ

(1) الدر المصون: 1/ 392.

(2)

هي قراءة قتادة وأبي وعبد الله بن مسعود والضحاك وعاصم وأبي جعفر ويزيد بن القعقاع، انظر: جامع البيان: 4/ 261، والمختصر لابن خالويه: 13، والحجة لأبي زرعة: 601، والمحتسب: 1/ 122، والدر المصون 2/ 341، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 304، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 285.

(3)

البقرة: 210.

(4)

يس: 56.

(5)

الزمر: 19.

(6)

انظر: الجامع للطبري: 20/ 538، والحجة لأبي زرعة:601، وجامع الأحكام للقرطبي: 3/ 25، والدر المصون:2/ 341، والنشر: 2/ 355، والإتحاف: 652، ومعجم القراءات للخطيب:7/ 504.

(7)

جامع البيان: 4/ 261.

ص: 228

الباقون: "في ظلال" بالألف جمع ظلة مثل: قلة وقلال، وحلة وحلال، وحفرة وحفار، فيكون على هذا معنى القراءتين واحدا، ويجوز أن تكون ظلال جمع ظل، وحجتهم:"يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل"(1).

قال السمين: " قرأ أُبَيّ وقتادةُ والضحاكُ: في ظلالٍ، وفيها وجهان، أَحدُهما: أَنَّها جمع ظِلّ نحو: صِلّ وصِلال. والثاني: أنها جمعُ ظُلَّة كقُلَّة وقِلال، وخُلَّة وخِلال، إلَاّ أنَّ فِعالاً لا يَنقاس في فُعْلَة"(2).

(فَرُجَّالاً)(3): قراءة في قولُه تعالى: {فَرِجَالاً أوْ رُكْبَاناً} (4).

[التاج: رجل].

يعدد الزبيدي صيغ جمع اسم الفاعل (رَاجِل) من الفعل (رَجِلَ): أي مشى على رجليه - عكس الرَاكِبٌ - إلى أن يبلغ بالجموع الواردة فيه عشرين جمعا على ما في بعضها من خلاف. وقد جاءت القراءة القرآنية بالعديد من هذه الجموع كما يلي (5):

1 -

رِجَالٌ بالكسر، ومنه قولُه تعالى:{فَرِجَالاً أوْ رُكْبَاناً} .

2 -

ورُجَّالٌ كرُمَّانٍ، ومنه قِراءَةُ عِكْرَمَةَ وأبي مِجْلزٍ:"فَرُجَّالاً أَوْ رُكْبَانَاً "(6).

3 -

ورُجَال كغُرَابٍ، ومنه قِراءَةُ عِكْرِمَةَ:{فَرُجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} (7).

4 -

ورُجَّل كسُكَّرٍ، ومنه قراءة:"فَرُجَّلاً"(8).

5 -

ورَجْل كقَلْبٍ، ومنه قراءة:"فَرَجْلاً"(9) بالْفَتْحِ. ومنه قَوْلُه تَعالى: {وأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجْلِكَ} (10).

(1) الحجة: 601.

(2)

الدر المصون: 2/ 341.

(3)

هي قراءة ابن محيصن، انظر: الدر المصون للسمين: 3/ 37، والإتحاف للدمياطي: 290، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 330.

(4)

البقرة: 239.

(5)

انظر: جامع الأحكام للقرطبي: 3/ 223، والبحر المحيط لأبي حيان: 2/ 178، والدر المصون للسمين: 3/ 37، والإتحاف للدمياطي:290.

(6)

المصادر السابقة.

(7)

المصادر السابقة.

(8)

قراءة عكرمة وأبي مجلز وابن محيصن، انظر: الدر المصون للسمين: 3/ 37، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 336.

(9)

انظر: الدر المصون للسمين: 3/ 37، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 336.

(10)

الإسراء: 64.

ص: 229

(فَرُهُنٌ)(1): قراءة في قوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (2).

ذكر الزبيدي أن رَهْنَاً قد يجمع على: رِهَانٍ أو رُهُنٍ مستدلا بالقراءة الواردة في الآية السابقة، فيقول: وقرأ نافع وعاصم وأبو جعفر وشيبة: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} . وقرأ أبو عمرو وابن كثير {فَرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ} ، وكان أبو عمرو يقول: الرهان في الخيل قال قَنْعَبُ (3):

بَانَتْ سُعَادُ وَأَمْسَى دُونَهَا عَدَنٌ

وَغَلِقَتْ عِنْدَهَا مِنْ قِبَلِكَ الرُّهُنُ

وقال الفراء (4): من قرأ "فَرُهُنٌ" فهي جمع رِهَانٍ مثل ثُمُر وثِمَار. وفى المحكم: وليس رُهُنٌ جمعَ رِهَانٍ؛ لأن رِهَانَاً جمعٌ وليس كل جمعٍ يُجْمَعُ، إلا أن يُنَصَّ عليه بعد أن لا يحتمل غيره ذلك كأَكْلُبٍ وأَكَالِبٍ، وأَيْدٍ وأَيَادٍ، وأَسْقِيَةٍ وأَسَاقٍ". [التاج: رهن].

قال الطبري: " قرأ عامة قرأة الحجاز والعراق: "فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ"، بمعنى جماع "رَهْن" كما "الكباش" جماع "كبش"، و"البغال" جماع "بَغل"، و"النعال" جماع "نعل". وقرأ ذلك جماعة آخرون: "فَرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ" على معنى جمع: "رِهان"، "ورُهن" جمع الجمع، وقد وجهه بعضهم إلى أنها جمع "رَهْن"، مثل: "سَقْف وسُقُف" (5).

قال السمين: " فأمَّا قراءةُ ابن كثير - فَرُهُنٌّ - فجمع رَهْن، و (فَعْل) يُجْمع على (فُعُل) نحو: سَقْف وسُقُف

وقال أبو عمرو: "وإنما قَرَأت (فَرُهُن) للفصلِ بين الرهانِ في الخيلِ وبين جمع "رَهْن" في غيرها"، ومعنى هذا الكلام أنما اخترتُ هذه القراءةَ على قراءة "رهان"؛ لأنه لا يجوزُ له أَنْ يفعلَ ذلك كما ذَكَر دونَ اتِّباع روايةٍ. واختار الزجاج قراءتَه هذه قال:"وهذه القراءة وافَقَت المصحفَ، وما وافقَ المصحفَ وصَحَّ معناه، وقَرَأت به القُرَّاء فهو المختارُ".

(1) هي قراءة ابن كثير وابن محيصن واليزيدي وابن عباس، انظر: معاني القرآن للفراء: 1/ 188، والعنوان: 10، والحجة لابن خالويه: 104، والحجة لأبي زرعة: 152، وجامع الأحكام للقرطبي: 3/ 408، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 371، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 422.

(2)

البقرة: 283.

(3)

البيت في لسان العرب: (رهن)، وفي مفاتيح الغيب للرازي: 4/ 59، واللباب لابن عادل: 3/ 383.

(4)

انظر: معاني القرآن: 1/ 188.

(5)

جامع البيان: 6/ 96، وانظر: جامع الحكام للقرطبي: 3/ 408، ومعالم التنزيل: 1/ 352، والبحر المحيط: 2/ 270، والتحرير والتنوير لابن عاشور: 5/ 34.

ص: 230

قلت: إن الرسم الكريم "فَرُهُنٌ" دون ألفٍ بعد الهاء، مع أنَّ الزجاج يقول:"إنَّ فُعُلاً جمع فَعْلٍ قليلٌ"

وقال يونس: "الرَّهْنُ والرِّهان عربيان، والرُّهُنْ في الرَّهْنِ أكثرُ، والرِّهان في الخيلِ أكثرُ"

وقيل: إنَّ رُهُنا جمعُ رِهان، ورِهان جمعُ رَهْن، فهو جَمْعُ الجمع، كما قالوا في ثِمار جمعَ ثَمَر، وثُمُر جَمعُ ثِمار، وإليه ذهب الفراء وشيخه، ولكنَّ جَمْعَ الجمعِ غيرُ مطرَّدٍ عند سيبويه وجماهيرِ أتباعه. وأمَّا قراءةُ الباقين " فرِهان" جمعُ "رَهْن" وفَعْل وفِعال مطردٌ كثير نحو: كَعْب وكِعَاب، وكَلْب وكِلاب" (1).

(أُنُثاً)(2): قراءة في قوله {إِنْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ إِنَاثاً} (3).

استدل الزبيدي بقراءة ابن عباس السابقة على أن أُنُثاً جمع الجمع، أي جمع لإناث، مثْل نِمَارٍ ونُمُرٍ. قال الفرّاءُ (4): هو جَمْع الوَثَنِ كالأَنَاثَى كعَذَارَى جاءَ ذلك في الشِّعْر. ومن قرأَ: "إِلَّا إِنَاثَاً" أَرادَ المَوَات الذي هو خِلافُ الحَيَوَان، كالشَّجَرِ والحَجَرِ والخَشَب عن اللِّحْيَانِيّ. [التاج: أنث].

قال القرطبي:" قرأ ابن عباس أيضا (أُثُنَاً) كأنه جمع وَثَنَاً على وِثَانٍ، كما تقول: جَمَل وجِمَال، ثم جمع أَوْثَانَاً على وُثُنٍ، كما تقول: مِثَال ومُثُل، ثم أبدل من الواو همزة لما انضمت

فأثن جمع الجمع" (5).

وقال السمين: "إلا أُنُثا" كرُسُل، وفيها ثلاثة أوجه: أحدها: وبه قال ابن جرير: أنه جمعُ "إناث" كثِمار وثُمُر، وإناث جمع أنثى فهو جمع الجمع، وهو شاذ عند النحويين. والثاني: أنه جمع "أنيث" كقليب وقُلُب وغدير وغُدُر، والأنيث من الرجال المُخَنَّثُ الضعيفُ

والثالث: أنه مفردٌ أي: يكون من الصفات التي جاءت على فُعُل نحو امرأة حُنُثٌ" (6).

(1) الدر المصون: 3/ 204، 205.

(2)

هي قراءة ابن عباس، وأبو حيوة، والحسن، وعطاء، وأبو العالية، وأبو نهيك، ومعاذ القارئ وعائشة، انظر: جامع البيان: 9/ 210، ومعالم التنزيل: 2/ 288، وجامع الأحكام: 5/ 387، والبحر المحيط: 3/ 286، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 539، ومعجم القراءات للخطيب: 2/ 157.

(3)

النساء:117، 167.

(4)

معاني القرآن: 1/ 284.

(5)

الجامع للقرطبي: 5/ 387.

(6)

الدر المصون: 5/ 114.

ص: 231

(زُلُفَاً)(1): قراءة في: {أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِّ النَّهَارِ وَزُلَفَاً مِنَ اللَّيْلِ} (2).

استدل الزبيدي بالقراءات الواردة في الآية السابقة على مجيء "زُلَفاً" محتملة لأن تكون جمع تكسير أو مفردا فيقول: "وقُرِئَ: "زُلُفَاً" بِضَمَّتَيْنِ، وهي قِرَاءَةُ ابنِ مُحَيْصِنٍ وفيها وَجْهَان: إِمَّا مُفْرَدٌ كَحُلُمٍ، وإِمَّا جَمْعُ زُلُفَةٍ كَبُسُرٍ وبُسُرَةٍ بِضَمِّ سِينِهِمَا. وقُرِئَ: "زُلْفَاً" (3) بِضَمَّةٍ فسُكُونٍ وفيها أيضاً وَجْهَانِ: إِمَّا جَمْعُ زُلْفَةٍ بالضَّمِّ، جَمَعَهَا جَمْعَ الأجْنَاسِ المَخْلُوقةِ، وإِنْ لم تكُنْ جَوَاهِرَ كما جَمَعُوا الجَوَاهِرَ المَخْلُوقَةَ كَدُرَّة ودُرٍّ، وإِمَّا جَمْعُ زَلِيفٍ مِثْل القُرْبِ والقَرِيبِ، والغُرْبِ والغَرِيبِ".

[التاج: زلف].

قال الطبري: " قرأ عامة قراء المدينة والعراق: (وَزُلَفًا)، بضم الزاي وفتح اللام. وقرأه بعض أهل المدينة - زُلُفًا - بضم الزاي واللام، كأنه وجَّهه إلى أنه واحدٌ، وأنه بمنزلة "الحُلُم". وقرأ بعض المكيين: (وَزُلْفًا)، ضم الزاي وتسكين اللام. وأعجب القراءات في ذلك إليّ أن أقرأها: (وزُلَفًا)، بضم الزاي وفتح اللام، على معنى جمع "زُلْفة"، كما تجمع "غُرْفَة غُرف"، و"حُجْرة حُجر". وإنما اخترت قراءة ذلك كذلك، لأن صلاة العشاء الآخرة إنما تصلى بعد مضيّ زُلَفٍ من الليل، وهي التي عُنِيت عندي بقوله: (وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ) "(4).

وقال السمين: " قرأ العامَّةُ "زُلَفاً" بضم الزاي وفتح اللام، وهي جمعُ "زُلْفة" بسكون اللام، نحو: غُرَف في جمع غُرْفة، وظُلَم في جمعِ ظُلْمة. وقرأ أبو جعفر وابن أبي إسحاق بضمهما، وفي هذه القراءةِ ثلاثةُ أوجه: أحدها: أنه جمع زُلْفة أيضاً، والضمُّ للإِتباع، كما قالوا بُسْرة وبُسُر بضم السين إتباعاً لضمة الباء.

والثاني: أنه اسمٌ مفرد على هذه الزِّنة كعُنُق ونحوه. الثالث: أنه جمع زَلِيف، قال أبو البقاء:"وقد نُطِق به"، يعني أنهم قالوا: زَليف، وفَعيل يُجمع على فُعُل نحو: رَغِيف ورُغُف، وقَضِيب وقُضُب.

(1) هي قراءة أبي عمرو، وطلحة والحضرمي وشيبة ونصر بن علي وأبي جعفر، انظر: جامع البيان للطبري: 15/ 506، والنشر: 2/ 329، والإتحاف: 462، ومعجم القراءات لمختار: 2/ 414.

(2)

هود: 114.

(3)

الحسن وابن محيصن ومجاهد، انظر: معالم التنزيل: 4/ 204، والمحرر الوجيز لابن عطية: 2/ 116، وروح المعاني للألوسي: 4/ 277، ومعجم القراءات لمختار: 2/ 414.

(4)

جامع البيان: 15/ 506.

ص: 232

وقرأ مجاهد وابن محيصن بإسكان اللام. وفيها وجهان: أحدهما: أنه يُحتمل أَنْ تكونَ هذه القراءةُ مخففةً مِنْ ضم العين فيكون فيها ما تقدَّم. والثاني: أنه سكونُ أصلٍ من باب اسمِ الجنس نحو: بُسْرة وبُسْرة مِنْ غير إتباع" (1).

(النُّجُمِ)(2): قراءة في: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (3).

ذكر الزبيدي أن النَّجْمَ يجمع على أَنْجُمٍ وأَنْجَامٍ ونُجُومٍ، ونُجُمٍ بضمتين وهو قليل، كَسَقْفٍ وسُقُفٍ، واستدل على ورود " نُجُمٍ " بقراءة الحسن:{وَبِالنُّجُمِ} .

قَالَ الرَّاجِزُ (4): إنَّ الفَقِيرَ بَيْنَنَا قَاضٍ حَكَمْ

أن تَرِدَ المَاءَ إِذَا غَابَ النُّجُمْ

وذَهَبَ ابنُ جِنِّي إلى أَنَّه جَمَعَ (فَعْلاً) على (فُعْل) ثُمَّ ثَقَّلَ، وقد يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَذَفَ الوَاوَ تَخْفِيفاً (5). قال شَيخُنا: وضَبَطَه بِعضٌ بِضمٍّ فَسُكُون (6)، وجَزَمَ قَومٌ بِأَنَّه مَقْصُورٌ مِنْ نُجُومٍ (7). [التاج: نجم].

وقال السمين:" فأمَّا قراءةُ الضمتين ففيها تخريجان، أظهرُهما: أنها جمعٌ صريحٌ لأنَّ فَعْلاً يُجْمع على فُعُل نحو: سَقْف وسُقُف، ورَهْن ورُهُن. والثاني: أنَّ أصلَه النجومُ، وفَعْل يُجمع على فُعُول نحو: فَلْس وفُلُوس، ثم خُفِّف بحَذْفِ الواوِ كما قالوا: أَسَد وأُسُود وأُسُد. قال أبو البقاء: "وقالوا في خِيام: خِيَم، يعني أنه نظيرُه، من حيث حَذَفوا منه حرفَ المدِّ " (8). وقال ابنُ عصفور: إن قولهم النُّجُم مِنْ ضرورة الشعر

وأمَّا قراءةُ الضمِّ والسكونِ ففيها وجهان، أحدهما: أنها

(1) الدر المصون: 8/ 373.

(2)

هي قراءة الحسن، انظر: الكشاف: 2/ 599، والمحرر الوجيز: 1/ 153، وجامع الأحكام للقرطبي: 10/ 91، والبحر المحيط: 5/ 480، والإتحاف: 494، ومعجم القراءات للخطيب: 4/ 606.

(3)

النحل: 16.

(4)

انظر: نضرة الإغريض في نصرة القريض للمظفر بن الفضل: 47، وسر صناعة الإعراب لابن جني: 2/ 632، والسان (نجم)، وجامع الأحكام للقرطبي: 10/ 91، ولم يذكروا له قائلا.

(5)

المحتسب: 2/ 8، وسر صناعة الإعراب: 2/ 632.

(6)

انظر الكشاف: 2/ 599.

(7)

ابن عصفور في شرح المفصل: 4/ 120.

(8)

التبيان: 2/ 79.

ص: 233

تخفيفٌ من الضم. والثاني: أنها لغةٌ مستقلة" (1). قال أبو حيان: "وجعله مما جمع على (فُعْل) أولى من حمله على أنه أراد النجوم، فحذف الواو" (2).

(ثُمُرٌ (3) وثُمْرٌ (4)): قراءتان في قوله تعالى: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} (5).

ذكر الزبيدي أن الثَّمَرَ: أنواعُ المال المُثَمَّرِ المُسْتَفَادِ، ويُخَفَّفُ ويُثَقَّلُ، ويضم ويفتح واستدل على ذلك بقراءة أبي عمرو:{وَكَانَ لَهُ ثُمْرٌ} وفَسَّره بأَنواع المالِ. "قال مُجَاهِد: ما كان في القرآن مِن (ثُمُرٍ) فهو المال، وما كان مِن (ثَمَرٍ) فهو الثِّمار (6). ورَوَى الأزهريُّ بسَنَدِه قال: قال سَلاّم أبو المُنْذِر القارئ في قوله تعالى: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ}: مفتوح جَمْع ثَمَرة، ومَن قرأَ "ثُمُر" قال: مِن كلّ المالِ قال: فأَخبرتُ بذلك يُونُسَ فلم يَقْبله كأَنّهما كانا عنده سَواءً". [التاج: ثمر].

قال الطبري: "وكأنّ الذين وجَّهوا معناها إلى أنها أنواع من المال، أرادوا أنها جمع ثمار جمع ثمر، كما يجمع الكتاب كتبا، والحمار حمرا، وقد قرأ بعض من وافق هؤلاء في هذه القراءة "ثُمْرٌ" بضم الثاء وسكون الميم، وهو يريد الضمّ فيها، غير أنه سكنها طلب التخفيف، وقد يحتمل أن يكون أراد بها جمع ثمرة، كما تجمع الخَشبة خَشَبا. وقرأ ذلك بعض المدنيين: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} بفتح الثاء والميم، بمعنى جمع الثمرة، كما تجمع الخشبة خشبا، والقصبة قَصبا "(7).

وقال البغوي: "فمن قرأ بالفتح - ثَمَرٌ - هو جمع ثمرة وهو ما تخرجه الشجرة من الثمار المأكولة. ومن قرأ بالضم - ثُمْرٌ - فهي الأموال الكثيرة

(1) الدر المصون: 9/ 234.

(2)

البحر المحيط: 5/ 480.

(3)

هي قراءة ابن عامر وابن كثير ونافع وحمزة والكسائي وأبي عمرو وابن عباس ومجاهد ويعقوب، انظر: السبعة لابن مجاهد: 264، والحجة لابن خالويه: 147، والحجة لابن زنجلة: 416، وجامع الأحكام: 10/ 403، والنشر: 2/ 310، والإتحاف: 515، ومعجم القراءات للخطيب: 5/ 206.

(4)

هي قراءة أبي عمرو والأعمش وأبي رجاء والحسن واليزيدي، المصادر السابقة.

(5)

الكهف:34.

(6)

انظر: معاني الفراء: 2/ 144، والمحرر الوجيز: 1/ 377، ومعاني القرآن للنحاس: 4/ 239، والبحر المحيط: 6/ 123، والدر المصون: 10/ 50.

(7)

جامع البيان: 18/ 21.

ص: 234

المثمرة من كل صنف جمع ثمار. وقيل: جميع الثمرات. قال الأزهري: "الثمرة" تجمع على "ثَمَر" ويجمع "الثمر" على "ثِمار" ثم تجمع "الثمار" على "ثُمُر"(1).

(جِذَاذَاً)(2): قراءة في قوله تعالى: {فجَعَلَهُمْ جُذَاذَاً} (3).

ذكر الزبيدي أن الجُذَاذَ: الحُطام. "وقيل: هو جَمْعُ جَذِيذ وهو من الجَمْعِ العَزِيزِ. وقال الفرَّاءُ (4): هو مثْلُ الحُطامِ والرُّفَاتِ. ومن قرأَها: "جِذَاذَاً" فهو جمَع جَذِيذٍ مثْل خِفَافٍ وخَفِيف. قلْت: وهو قِراءَة يَحيى بن وَثَّاب. وقال الليث: الجُذَاذُ: قِطَعُ ما كُسِرَ، الواحِدَةُ جُذاذَةٌ. والجَذَاذُ بالفتْحِ: فَصْلُ الشيْءِ عن الشَّيْءِ كالجَذَاذَةِ بالهاءِ. [التاج: جذذ].

قال الطبري:" وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب قراءة من قرأه (جُذَاذَاً) بضمّ الجيم، لإجماع قرّاء الأمصار عليه، وأن ما أجمعت عليه فهو الصواب، وهو إذا قرئ كذلك مصدر مثل الرُّفات، والفُتات، والدُّقاق لا واحد له، وأما من كسر الجيم فإنه جمع للجَذِيذ، والجَذِيذ: هو فعيل صُرِف من مجذوذ إليه، مثل كسير وهشيم، والمجذوذة: المكسورة قِطَعا"(5).

وقال أبو زرعة:" بالكسر جمع لـ (جَذِيذٍ) و (جَذِيذ) معدول عن (مجذوذ)، مثل: قتيل مقتول، ثم جَمَعَ الجَذِيذَ جِذَاذًا، كما جمع الخفيف خفافا، والكبير كبارا، والصغير صغارا، وكان قطرب يذهب إلى المصدر يقول: جذذته جذاذا مثل ضَرَمْتُهُ ضِرَاماً. وقرأ الباقون "جُذَاذا" بالضم، قال اليزيدي: واحدها جُذَاذَة مثل: زُجَاجَة وزُجَاج وقال الفراء: الجُذَاذ مثلُ الحُطَام، فهو عند اليزيدي جمعٌ، وعند الفراء في تأويل مصدر مثل الرُّفَات والفُتَات لا واحد له"(6).

وقال السمين: " قال قطرب: "هي في لغاتها كلِّها مصدرٌ فلا يثنَّى ولا يُجمع ولا يؤنَّثُ". والظاهرُ أن المضمومَ اسمٌ للشيءِ المكسِّرِ كالحُطام والرُّفات والفُتاتِ

(1) معالم التنزيل: 5/ 171.

(2)

هي قراءة الكسائي، والأعمش، وابن محيصن، وابن مقسم، وأبي حيوة، وحميد وبن وثاب، انظر: العنوان: 23، وحجة أبي زرعة: 468، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 262.

(3)

الأنبياء: 58.

(4)

انظر: معاني القرآن: 2/ 201.

(5)

جامع البيان: 18/ 457.

(6)

الحجة: 468.

ص: 235

بمعنى الشيء المحطَّمِ والمفتَّتِ. وقال اليزيديُّ: "المضمومُ جمعُ جُذاذة بالضم نحو: زُجاج في زُجاجة، والمكسورُ جمع جَذيذ نحو: كِرام في كريم". وقال بعضُهم: المفتوحُ مصدرٌ بمعنى المفعولِ أي: مَجْذوذين. ويجوز على هذا أن يكونَ على حَذْفِ مضافٍ أي: ذوات جُذاذ. وقيل: المضمومُ جمع جُذاذَة بالضمِّ، والمكسورُ جمع جِذاذَة بالكسر، والمفتوح مصدرٌ" (1).

ومن خلال ما سبق يتبين أن "جذَاذًا" قرئت مثلثة الجيم، وقيل في حالتي ضم الجيم وكسرها بالجمع والمصدر، وفي حالة الفتح بالمصدر فقط.

(وُلْدُهُ (2)، وِلْدُهُ (3)): قراءتان في: {مَالُهُ وَوَلَدُهُ} (4).

ذكر الزبيدي أن "الوَلَدَ" تجمع على: أَوْلَادٍ، ووِلْدٍ ووُلْدٍ، ثم استدل بالقراءة على ورود بعضها فيقول:"قال الفَرَّاءُ: قرأَ إِبراهِيمُ {مَالُهُ وَوُلْدُهُ} وهو اخْتِيَار أَبي عَمْرو، وكذلك قَرأَ ابنُ كَثِيرٍ، وحَمْزَةُ. وروى خارِجةُ عن نافِعٍ: "وَوُلْدُهُ" أَيضاً. وقرأَ ابنُ إِسحاقَ: "مَالُهُ وَوِلْدُهُ" وقال: هما لغتانِ وُلْد ووِلْد. [التاج: ولد].

قال أبو زرعة:" قال الفراء: هما لغتان مثل الحُزْنِ والحَزَنِ، والرُّشْد والرَّشَد، والبُخْل والبَخَل

وقال الزجاج: الوَلَدُ وَاحِدٌ والوُلْدُ بالضم جَمْعٌ مثل أَسَدٍ وأُسْدٍ، وقال ابنُ أَبِي حَمَّادٍ: الوُلْدُ بالضم وَلَدُ الوَلَدِ، والوَلَدُ بالفتح وَلَدُ الصُّلْبِ، والوُلْدُ بالضم يصلح للواحِد وللجمع، والوَلَدُ لا يصلح إلا للواحِد فلهذا قرأ أبو عمرو ها هنا بالضم " (5).

وقال السمين:" فأمَّا القراءةُ بفتحتين فواضحةٌ وهو اسمٌ مفردٌ قائمٌ مقامَ الجمع. وأمَّا قراءةُ الضمِّ والإسكانِ، فقيل: هي كالتي قبلها في المعنى، يقال: وَلَدَ

(1) الدر المصون:10/ 309.

(2)

انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 173، والسبعة:412، والعنوان: 34، والمحرر الوجيز لابن عطية: 1/ 474، والجامع للقرطبي: 11/ 155، ومعجم القراءات للخطيب: 10/ 103.

(3)

هي قراءة أبي عمرو والحسن والجحدري وقتادة وزر وطلحة، انظر: الحجة لابن خالويه: 353، والنشر: 2/ 431، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 207.

(4)

نوح: 21.

(5)

الحجة: 725.

ص: 236

ووُلْد، كما يقال: عَرَب وعُرْب، وعَدَمَ وعُدْم. وقيل: بل هي جمع لوَلَد نحو: أَسَد وأُسْد" (1).

مما سبق يتضح أن "الولد" جاءت مثلثة الواو، وقد قيل في الكل بالمفرد والجمع.

(لِبَدًا (2) ولُبْدًا (3) ولُبَّدًا (4)): قراءات في قوله: {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا} (5).

[التاج: لبد].

استدل الزبيدي بالقراءات الواردة في الآية السابقة على صحة بعض صيغ جمع التكسير كما يلي:

1 -

لُبَد جمعُ لُبْدَةٍ، وبها قرأ الجمهور:"مَالًا لُبَدًا".

2 -

ولِبَد جَمْع لِبْدَة مِثال عِنَبٍ وعِنَبَة، وبها قرأَ زيدُ بن عَليٍّ وابنُ عُمَيْرٍ وعاصِمٌ:"لِبَدًا".

3 -

ولُبَّد جمع لابد، وبها قرأَ أَبو جَعْفَرٍ:{مَالاً لُبَّدًا} مُشَدَّدَا.

4 -

ولُبْد جمع لابد، كَفَارِهٍ وفُرْهٍ، وبها قرأَ الحسن ومُجَاهِد:"لُبْدًا" بسكون الباءِ.

قال الفراء: "اللُّبَدُ: الكثير. قال بعضهم واحدته: لُبْدَةٌ، ولُبَدٌ جماع. وجعله بعضهم على جهة: قُثَم، وحُطَم واحدا، وهو في الوجهين جميعا الكثير. وقرأ أبو جعفر المدني: "مالًا لُبَّدَاً" مشددة مثل رُكَّعٍ، فكأنه أراد: مَالٌ لابِدٌ، ومَالانِ لابِدَانِ، وأَمْوَالٌ لُبَّدٌ"(6).

(1) الدر المصون: 10/ 163.

(2)

هي قراءة زيد بن علي وابن عمير وعاصم في رواية وعلي بن أبي الجوزاء، انظر: السبعة: 656، والمحرر الوجيز: 1/ 401، والحجة لابن أبي زرعة: 729، والجامع للقرطبي: 19/ 24، والبحر المحيط: 8/ 344، والنشر: 2/ 401، والإتحاف: 754، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 391.

(3)

هي قراءة زيد بن علي، وأبي جعفر وابن محيصن ومجاهد، انظر المصادر السابقة.

(4)

هي قراءة أبي جعفر وعائشة وأبيها وأبي عبد الرحمن وقتادة وأبي العالية، انظر المصادر السابقة.

(5)

البلد: 6.

(6)

معاني القرآن: 3/ 263.

ص: 237

وقال الطبري: "واحدها لِبْدَةٌ، وفيها لغتان: كسر اللام لِبْدَةٌ، ومن كسرها جمعها لِبَد؛ وضم اللام لُبْدَةٌ، ومن ضمها جمعها لُبَد بضم اللام، أو لابِد، ومن جمع لابد قال: لُبَّدًا، مثل راكع وركع"(1).

وقال السمين: " قرأ هشام - لُبَدَاً - بضمِّ اللامِ، والباقون - لِبَداً - بكسرِها. فالأولى. جمعُ لُبْدَة بضمِّ اللامِ نحو: غُرْفة وغُرَف. وقيل: بل هو اسمٌ مفردٌ صفةٌ من الصفاتِ نحو: "حُطَم"، وعليه قولُه تعالى: "مَالاً لُّبَداً". وأمَّا الثانيةُ: فجمعُ "لِبْدَة" بالكسر نحو: قِرْبَة وقِرَب. واللِّبْدَة واللُّبْدة. الشيءُ المتلبِّدُ أي: المتراكبُ بعضُه على بعضٍ

وقرأ الحسنُ والجحدريُّ "لُبُداً" بضمتين، ورواها جماعةٌ عن أبي عمروٍ، وهي تحتملُ وجهَيْنِ: أحدُهما: أَنْ يكونَ جمعَ لَبْد نحو: "رُهُن" جمعَ "رَهْن". والثاني: أنَّه جمعُ "لَبُود" نحو: صَبورُ وصُبُر، وهو بناءُ مبالغةٍ أيضاً. وقرأ ابن مُحَيْصن – لُبْداً - بضمةٍ وسكونٍ، فيجوزُ أَنْ تكونَ هذه مخففةً من القراءةِ التي قبلها، ويجوزُ أن تكونَ وَصْفاً برأسِه. وقرأ الحسن والجحدريُّ أيضاً "لُبَّداً" بضم اللام وتشديد الباء، وهو جمعُ "لابِد" كساجِد وسُجَّد، وراكع ورُكَّع" (2).

(عُمُدٍ)(3): قراءة في قوله تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُؤْصَدَةٌ في عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} (4).

ويتناول العماد والعمود من حيث المعنى والجمع من خلال القراءة فيقول: "وأَما قوله تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُؤْصَدَةٌ في عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ}. قُرِئَتْ "في عُمُدٍ" وهو جمع عِمادٍ وعَمَد وعُمُد كما قالوا: إِهابٌ وأَهَبٌ وأُهُبٌ. ومعناه: أَنَّهَا في عُمُدٍ من النار نَسب الأَزهَريُّ هذا القَولَ إلى الزَّجَّاجِ (5). وقال الفرَّاءُ (6): العَمَدُ والعُمُد جميعاً: جَمْعَانِ للعَمُودِ مثل: أَدِيمٍ وأَدَمٍ وأُدُمٍ، وقَضِيمٍ وقَضَمٍ وقُضُمٍ. وفي

(1) جامع البيان للطبري: 23/ 666.

(2)

الدر المصون: 14/ 125.

(3)

هي قراءة حمزة والكسائي، وعاصم، والحسن، وشعبة، والأعمش، وعلي، وابن مسعود، وزيد ابن ثابت وابن وثاب، وخلف، انظر: معاني القرآن للفراء: 3/ 290، وجامع البيان: 24/ 600، وجامع الأحكام للقرطبي: 20/ 186، والدر المصون: 9/ 89، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 475.

(4)

الهمزة: 8، 9.

(5)

معاني القرآن: 3/ 236.

(6)

بل هو قول الفراء. أنظر: معاني القرآن: 3/ 290.

ص: 238

المصباح: العَمُود معروفٌ والجمع: أَعْمِدَةٌ وعُمُدٌ بضمتين وبفتحتين، والعِمَادُ ما يُسْنَد به، والجمع عَمَدٌ بفتحتين. قال شيخُنَا: فالعَمَد محرّكَةً يكون جمْعاً لِعَمُودٍ ولِعِمَادٍ، وهذا لم يُنَبِّهُوا عليه". [التاج: عمد].

وقال الطبري: "لغتان صحيحتان، والعرب تجمع العمود: عُمُدا وعَمَدا، بضم الحرفين وفتحهما"(1).

وقال السمين: "عُمُد" بضمتين، ومفرُده يحتمل أن يكونَ (عِماداً) كشِهاب وشُهُب، وِكتاب وكُتُب، وأن يكون (عَمُوداً) كرَسُول ورُسُل، وقد قرِئ في السبع:"عَمَدٍ" بالوجهين. وقال ابن عطية في (عَمَد): اسم جمعِ عَمُود، والبابُ في جمعه "عُمُد" بضم أوله وثانيه كرَسُوْل ورُسُل" (2).

ثالثا: التغيير من جمع إلى جمع

يرصد هذا المطلب ما حدث في القراءات القرآنية الواردة في التاج والتي انتقلت من جمع إلى جمع آخر، وهي:

(خُيَّفاً)(3): قراءة في: {مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلَاّ خَآئِفِينَ} (4).

قرأ الجمهور هذه الآية بصيغة الجمع المذكر "خائفين"، وقرأها ابن مسعود "خُيُّفَاً" جمعا مكسرا، وذكر الزبيدي أن الجمع المكسر من (خاف يخاف خوفا) يأتي بالواو: خُوَّف، وبالياء: خُيَّف وخِيَّف بضم الخاء وكسرها، واستدل على ذلك بالقراءة السابقة. [التاج: خوف].

قال الزمخشري:" "خُيَّفَا" مثل صُيَّمَاً"(5). وقال أبو حيان: " قرأ أُبَيٌّ: "إلا خُيَّفَاً" وهو جمع خائف، كنائم ونُوَّم، ولم يجعلها فاصلة، فلذلك جمعت جمع التكسير. وإبدال الواو ياء، إذ الأصل خوَّف، وذلك جائز كقولهم، في صُوَّمٍ صُيَّم"(6).

(1) جامع البيان: 24/ 600، وانظر جامع الأحكام للقرطبي: 20/ 186.

(2)

الدر المصون: 9/ 89.

(3)

هي قراءة أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود، انظر: والكشاف: 1/ 180، والبحر المحيط: 1/ 354، والدر المصون: 2/ 66، وروح المعاني: 1/ 364، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 179.

(4)

البقرة: 114.

(5)

الكشاف: 1/ 180.

(6)

البحر المحيط: 1/ 468.

ص: 239

وقال السمين: " قرأ أُبَيّ "خُيَّفاً" وهو جمعُ خَائِفٍ، كضَارِبٍ وضُرَّبٍ، والأصل: خُوَّف كصُوَّم، إلا أنه أَبْدل الواوَيْنِ ياءَيْنِ وهو جائزٌ، قالوا: صُوَّم وصُيَّم "(1).

(الشَّيَاطُونَ)(2): قراءة في قوله تعالى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} (3).

[التاج: شوط].

احتج الزبيدي بهذه القراءة على أن الشيطان (فعلان) من (شاط)، وفي (ش ط ن) حكم عليها بالشذوذ ونسبها إلى اللحن والخطأ. وقراءة الجمهور (الشياطين) جمع مكسر، أما الحسن رضي الله عنه فقد جعلها جمع سلامة، وقد تعددت فيها آراء العلماء فَلَحَّنَهَا جمهورهم، والتمس القليل منهم لها تخريجا، يتضح ذلك من العرض الآتي:

ويذكر الجاحظ أن الحسن غلط في حرفين جعل الثاني منهما قراءته "الشَّيَاطُونَ"(4). ويقول البغدادي: "وممَّا وهموا فيه قوله: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطُونَ} "(5).

ويرى الأخفش أن هذه الواو المذهب فيها هو الإِتْبَاعُ، يقول:"وقد قال ناس من العرب: "الشياطون"؛ لأنهم شبّهوا هذه الياء التي كانت في "شياطين" إذا كانت بعدها نون وكانت في جميعٍ وقبلها كسرة، بياء الإعراب التي في الجمع. فلما صاروا إلى الرفع أدخلوا الواو. وهذا يشبه "هذا جُحرُ ضبٍّ خَرِبٍ" فافهم"(6).

وقريب من هذا المعنى يقول أبو البقاء العكبري: " قرأ الحسن "الشياطون" وهو كالغلط شبه فيه الياء قبل النون بياء جمع التصحيح"(7).

قال الزمخشري:" قرأ الحسن: "الشياطون" ووجهه أنه رأى آخره كآخر يبرين وفلسطين، فتخير بين أن يجرى الإعراب على النون، وبين أن يجريه

(1) الدر المصون: 2/ 66.

(2)

قِراءةُ الحَسَنِ البَصْرِيِّ، والأَعْمَشِ، وسعيدِ بن جُبَيْرٍ وأبو البَرَهْسَمِ وطاوُوسٍ والأعمش وطاووس، انظر: جامع البيان للطبري: 19/ 404، والكشاف: 3/ 339، وإعراب القرآن للنحاس: 2/ 503، والمحرر الوجيز: 2/ 123، والجامع للقرطبي: 7/ 18، والبحر المحيط: 7/ 46.

(3)

الشعراء: 210.

(4)

البيان والتبيين: 1/ 185.

(5)

خزانة الأدب: 2/ 98.

(6)

معاني القرآن: 1/ 10.

(7)

التبيان: 1/ 55.

ص: 240

على ما قبله، فيقول: الشياطين والشياطون، كما تخيرت العرب بين أن يقولوا. هذه يبرون ويبرين. وفلسطون وفلسطين. وحقه أن تشتقه من الشيطوطة وهي الهلاك كما قيل له الباطل. وعن الفرّاء: غلط الشيخ في قراءته "الشياطون" ظنّ أنها النون التي على هجاءين (1)، فقال النضر بن شميل: إن جاز أن يحتج بقول العجاج ورؤبة، فهلا جاز أن يحتجّ بقول الحسن وصاحبه - يريد: محمد ابن السميقع - مع أنا نعلم أنهما لم يقرآ به إلا وقد سمعا فيه" (2).

وقال ابن عطية: " عن الحسن أنه قرأ "الشياطون" وهي قراءة مردودة، قال أبو حاتم: هي غلط منه أو عليه، وحكاها الثعلبي أيضا عن ابن السميفع وذكر عن يونس بن حبيب أنه قال: سمعت أعرابيا يقول: دخلت بساتين من ورائها بساتون، قال يونس: فقلت: ما أشبه هذه بقراءة الحسن"(3).

وقال النحاس: " وهذا غلط عند جميع النحويين، وسمعت علي بن سليمان يقول: سمعت محمد بن يزيد يقول: هكذا يكون غلط العلماء، إنما يكون بدخول شبهة، لما رأى الحسن في أخره ياء ونونا، وهو في موضع رفع، اشتبه عليه بالجمع المُسَلَّمِ فَغَلَطَ، وفي الحديث: "أحذروا زلة العالم" (4) "(5).

وقال القرطبي: " وقد قرأ هو مع الناس {وَإِذَا خَلَوا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} (6) ولو كان هذا بالواو في موضع رفع لوجب حذف النون للإضافة"(7).

(1) انظر معاني القرآن: 2/ 284.

(2)

الكشاف: 3/ 339.

(3)

المحرر الوجيز: 1/ 113.

(4)

هذا جزء من حديث خرجه الديلمي عن أبي هريرة وتمامه: "فإن زلته تكبكبه في النار"، وهو في سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني: 5/ 86 رقم 2066، وفي الجامع الكبير للسيوطي: 1/ 409 رقم 768.

(5)

إعراب القرآن: 2/ 503.

(6)

البقرة: 114.

(7)

جامع الأحكام: 13/ 142.

ص: 241

(مَعَاقِيبُ)(1): قراءة في تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومِن خَلْفِهِ} (2).

[التاج: عقب].

تذكر معظم المعاجم العربية قولة تعالى {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} ؛ وذلك يعود لغرابة "معقبات"؛ لأنها صيغت صياغة الجمع المؤنث، على الرغم من دلالتها على جمع الذكور، وهم الملائكة، وفسر كثير من اللغويين التأنيث على معنى المبالغة في التكرار والكثرة، على نحو قولهم لمن كثر علمه: عَلَّامَة، ونَسَّابَة. وقد ذكر المحكم واللسان والتاج قراءة أخرى لـ "معقبات" وهي "معاقيب" وهي من صيغ الجمع المكسر، وفيها تخلص من معنى التأنيث الذي في قراءة "معقبات". يقول الزبيدي: والمُعَقِّبَاتُ: الحَفَظَة في قوله عز وجل: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} والمُعْقِّبَاتُ: مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ والنَّهَارِ؛ لأَنَّهم يَتَعاقَبُونَ وإِنَّمَا أَنَّثَ لكَثْرة ذلِكَ مِنْهُم، نحو نَسَّابَةٍ وعَلَاّمَةٍ وقَرَأَ بَعْضُ الأَعْرَاب:{لَهُ مَعَاقِيبُ} .

وقال السمين: " في "مُعَقِّبات" احتمالان: أحدهما: أن يكون "مُعَقِّبة" بمعنى مُعَقِّب والتاء للمبالغة كعلَاّمَة ونسَّابة، أي: مَلَكٌ مُعَقِّبٌ، ثم جُمِع كعلَاّمات ونسَّابات. والثاني: أن يكون "مُعَقِّبةِ" صفةً لجماعة، ثم جُمِع هذا الوصفُ.

وذكر ابن جرير أنَّ "مُعَقِّبة" صفةً لجماعة، ثم جُمِع هذا الوصفُ. وذكر ابن جرير أنَّ "مُعَقِّبة": جمعُ مُعَقِّب، وشبَّه ذلك برجل ورِجال ورجالات (3). قال الشيخ:"وليس كما ذَكَر، إنما ذلك كَجَمَل وجِمال وجِمالات، ومُعَقِّبة ومُعَقِّبات إنما هي كضاربةِ وضاربات (4). ويمكن أن يُجابَ عنه بأنه يريد بذلك أنه أُطْلِق مِنْ حيث الاستعمالُ على جمع مُعَقِّب، وإن كان أصلُه أن يُطْلَق على مؤنث "مُعَقِّب"، فصار مثلَ "الوارِدَة" للجماعة الذين يَرِدُون، وإن كان أصلُه للمؤنثة من جهةِ أن جموعَ التكسير في العقلاء تُعَامَلُ معاملةَ المؤنثة في الإخبار وعَوْدِ الضمير، ومنه قولهم "الرجال وأعضادُها"، والعلماء ذاهبة إلى كذا"، وتشبيهه ذلك برجل

(1) قراءة أبي البرهسم، وعبيد الله بن زياد وزياد بن أبي سفيان وإبراهيم، انظر: الكشاف: 2/ 517، ومعلم التنزيل: 1/ 46، والجامع للقرطبي: 9/ 291، والبحر المحيط: 5/ 356، والدر المصون: 4/ 232، معجم القراءات لمختار: 2/ 487، ومعجم القراءات للخطيب: 4/ 392، 393.

(2)

الرعد: 11.

(3)

انظر جامع البيان: 16/ 369.

(4)

وهذا قول ابن عطية، انظر: معالم التنزيل: 1/ 46.

ص: 242

ورجال ورِجالات من حيث المعنى لا الصناعةُ" (1). وقرأ أُبَيّ وإبراهيم وعُبيد الله بن زياد "له مَعاقيبُ". قال الزمخشري: "جمع مُعْقِب أو مُعْقِبة، والياءُ عوضٌ مِنْ حذف إحدى القافين في التكسير" (2). قلت: ويوضِّحُ هذا ما قاله ابنُ جني (3) فإنه قال: معاقيب تكسير مُعْقِب بسكونِ العين وكسر القاف كمُطْعِم ومَطاعِيْم، ومُقْدِم ومَقاديم، فكأنَّ مُعْقِباً جُمِع على مَعاقِبَة، ثم جُعِلَتِ الياء في "مَعاقيب" عوضاً من الهاء المحذوفة في مَعاقبة" (4).

("جِمَالاتٌ" (5) و"جُمَالَاتٌ"(6)): قراءتان في قوله: {كَأنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} (7).

[التاج: جمل].

تعددت صيغ الجمع لكلمة (جَمَلٍ)، وقد استدل الزبيدي بالقراءات الواردة في الآية السابقة على بعض هذه الصيغ كما يلي:

1 -

جِمَالَةٌ، وبها قرأ حَفْصٌ ويعقوبُ:{جِمَالَةٌ صُفْرٌ} ، وقيل إنها جمع (جَمَلٍ) أو جمع الجمع (جِمَالٍ)، فالصيغة هنا جمع مكسر. وقال أبو البقاء إنها اسم جمع.

2 -

جِمَالاتٌ، وبها قرأ عمرُ بن الخَطّاب:"جِمَالاتٌ"، قيل إنها جمع (جمالة)، أو (جمال) فهي جمع الجمع، أو (جمل) فهي جمع المفرد.

3 -

جُمَالاتٌ، وبها قرأ ابنُ عبّاس رضي الله عنهما والحَسن البَصْريُّ وقَتَادَةُ "جُمَالَاتٌ" بالضم أيضاً، قيل إنها جمع (جُمَال) أو (جُمْلَة) أو (جُمَالَة). ويتضح ذلك من العرض الآتي:

(1) يقصد بالشيخ هنا أبا حيان، انظر البحر المحيط: 5/ 364.

(2)

انظر الكشاف: 2/ 517.

(3)

انظر: المحتسب: 1/ 355.

(4)

الدر المصون: 9/ 104.

(5)

هي قراءة عمر بن الخطاب وابن عامر ونافع وأبي عمرو وعاصم وابن كثير وأبي جعفر وشعبة، انظر: معاني القرآن للفراء: 3/ 225، وجامع البيان للطبري: 24/ 141، ومعالم التنزيل: 8/ 307، والبحر المحيط: 5/ 240، والدر المصون: 14/ 237، والنشر: 2/ 438، والإتحاف: 763، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 279، ومعجم القراءات للخطيب: 10/ 249، 250.

(6)

هي قراءة ابن عباس وقتادة وابن جبير ومجاهد وحميد ويعقوب ورويس والحسن وأبي رجاء وهارون والبزي، انظر المصادر السابقة.

(7)

المرسلات: 33.

ص: 243

قال الفراء: "اختلف القراء في «جمالات» فقرأ عبد الله بن مسعود وأصحابه: «جِمالَةٌ»

عن أبي عبد الرحمن يرفعه إلى عمر بن الخطاب رحمه الله أنه قرأ: «جِمَالاتٌ» وهو أحب الوجهين إليَّ؛ لأن الجِمَال أكثر من الجِمَالة في كلام العرب. وهى تجوز، كما يقال: حَجَرٌ وحِجَارَةٌ، وذَكَرٌ وذِكَارَةٌ إلّا أن الأول أكثر، فإذا قلت: جِمَالات، فواحدها: جِمَال، مثل ما قالوا: رِجَالٌ ورِجَالات، وبُيُوت وبُيُوتَات، فقد يجوز أن تَجْعَلَ واحد الجِمَالات جِمَالَة، وقد حكى عن بعض القراء: جُمَالات، فقد تكون من الشيء المُجْمَل، وقد تكون جُمَالات جمعا من جمع الجِمَال. كما قالوا: الرَّخْل والرُّخَال، والرِّخَال" (1).

وقد وجه السمين لهذه القراءات فقال: الجِمالَةُ فيها وجهان:

أحدُهما: أنَّها جمعٌ صريحٌ، والتاءُ لتأنيثِ الجمعِ. يُقال: جَمَلٌ وجِمال وجِمالَة نحو: ذَكَر وذِكار وذِكارة، وحَجَر وحِجارة.

والثاني: أنه اسمُ جمعٍ كالذِّكارة والحِجارة. قاله أبو البقاء (2)، والأولُ قولُ النُّحاةِ. وأمَّا (جِمَالَات) فيجوزُ أَنْ يكونَ جمعاً لـ "جِمَالَة" هذه، وأَنْ يكونَ جمعاً لـ (جِمال)، فيكون جمعَ الجمعِ. ويجوزُ أَنْ يكونَ جمعاً لـ (جَمَل) المفردِ كقولهم:"رجِالات قريش" كذلك قالوه: وفيه نظرٌ؛ لأنَّهم نَصُّوا على أنَّ الأسماءَ الجامدةٌ غيرَ العاقلةِ لا تُجْمَعُ بالألفِ والتاءِ، إلَاّ إذا تُكَسَّرْ. فإنْ كُسِّرَْتْ لَم تُجْمَعْ. قالوا: ولذلك لُحِّن المتنبيُّ (3) في قولِه:

إذا كان بعضُ الناسِ سَيْفاً لدولةٍ

ففي الناسِ بُوْقاتٌ لها وطُبولُ

فجمع "بُوقاً" على "بُوقات" مع قولِهم: "أَبْواق"، فكذلك (جِمالات) مع قولهم: جَمَل وجِمال. على أنَّ بعضَهم لا يُجيزُ ذلك، ويَجْعَلُ نحو: حَمَّامات وسِجلَاّت شاذَّاً، وإنْ لم يُكَسَّرْ. وقرأ ابنُ عباس والحسنُ وابن جبير وقتادةُ وأبو رجاء بخلافٍ عنهم، كذلك، إلَاّ أنَّهم ضَمُّوا الجيمَ – جُمَالَاتٌ - وهي حِبالُ السفنِ. وقيل: قُلوس الجسورِ، الواحدةِ "جُمْلة" لاشتمالِها على طاقاتِ الحِبال. وفيها وجهان:

(1) معاني القرآن: 3/ 225.

(2)

انظر: التبيان في إعراب القرآن: 2/ 278.

(3)

البيت في شرح ديوان المتنبي للبرقوقي: 3/ 314، انظر: يتيمة الدهر للثعالبي: 1/ 46، والعمدة في محاسن الشعر ومثالبه لابن رشيق: 210، والصبح المنبي ليوسف البديعي: 1/ 34.

ص: 244

أحدهما: أَنْ تكونَ "جُمَالات" جمعَ جُمَال، وجُمَال جَمْعَ جُمْلة، كذا قال الشيخ (1)، ويَحْتاجُ في إثباتِ أنَّ جُمالاً بالضمِّ جمعُ (جُمْلة) بالضمِّ إلى نَقْلٍ.

والثاني: أنَّ "جُمَالات" جمع (جُمالة)، قاله الزمخشري (2)، وهو ظاهرٌ. وقرأ ابنُ عباس والسُّلَمِيُّ وأبو حيوةَ "جُمالة" بضمِّ الجيم، وهي دالَّةٌ لِما قاله الزمخشريُّ آنِفاً" (3).

نتائج هذا الفصل:

1 -

كان لتردد القراءة بين اسم الفاعل واسم المفعول أثره الواضح في إثراء المعجم بالمزيد من المعاني، من حيث إن اللفظ واحد والمعنى متعدد، وذلك نحو: مُوَلِّيهَا ومُوَلَّاهَا، ومُسَوِّمِينَ ومُسَوَّمِينَ، ومُخْلِصِينَ ومُخْلَصِينَ، ومُحْتَظِر ومُحْتَظَر، ومُنْشِآت ومُنْشَآت، ومُحْصِنَات ومُحْصَنَات. كما جاءت القراءة في "مُبَيِّنَات" مترددة بين اسمي الفاعل والمفعول لتدل على تعدي الفعل (بَيِّنَ) ولزومه. وجاءت قراءة "مُرْدِفِينَ" بفتح الدال وكسرها شاهدا على توحد معنى: ردف وأردف، وعلى شاكلته جاءت قراءة "مُسْتَنْفِرَة" لتدل على توحد معنى: نفر واستنفر. وقد لا ينصرف المعنى للضد دوما فقراءة "مُفْرَطُونَ" باسم المفعول صرفها كثير من المفسرين إلى معنى: منسيون، بينما قراءة "مُفِرطُونَ" باسم الفاعل معناها: كثيرو الذنوب.

2 -

المقرر في كتب النحو أن صيغ المبالغة صور لاسم الفاعل، والفرق بين اسم الفاعل وصيغ المبالغة تكمن في كم الصفة فقط، وقد أفاد المعجم من تردد القراءة بين اسم الفاعل وصيغ المبالغة في ثراء المفردات والمعاني معا؛ لأن تعدد القراءة جاء بصيغة جديدة ومعنى زائد، وذلك في نحو: مَالِك ومَلِك، وقَاسِيَة وقَسِيَّة، وقَانِطِينَ وقَنِطِينَ، وفَارِغَاً وفَرِغَاً، وآنِف وأَنِف، ونَاخِرَة ونَخِرَة.

3 -

الفرق بين اسم الفاعل والصفة المشبهة يكمن في المعنى وليس في الفظ؛ لأن كل صيغ الفاعل تصلح للصفة المشبهة، والفيصل بينهما في دلالة الصفة المشبهة على ثبوت الصفة في صاحبها، بينما لا يدل اسم الفاعل على ذلك. والملاحظ أن القراءة جاءت مترددة بين (فَاعِل) و (فَعِل)، وذلك نحو: حَامِئَة وحَمِئَة، وحَاذِرُونَ وحَذِرُونَ، وفَارِهِينَ وفَرِهِينَ، وفَاكِهُونَ

(1) انظر أبا حيان في البحر: 10/ 415.

(2)

انظر: الكشاف: 7/ 212.

(3)

الدر المصون: 14/ 237.

ص: 245

وفَكِهُونَ، ولَابِثِينَ ولَبِثِينَ. وبين الصيغتين اختلاف في اللفظ والمعنى، مما يدعونا للقول بأن في ذلك ثراء للمعجم في اللفظ والمعنى.

4 -

كما أفادت دراسة صيغ الجموع المعجم في مجالي الثراء اللفظي والمعنوي على السواء، وإن كان الجانب الأبرز هو الثراء اللفظي، ويتضح هذا بشدة عند الحديث عن جموع التكسير، حيث وردت القراءة في هذا الجانب - على الحد الأدنى- بقراءتين، نحو: غُلُف وغُلَّف، وظِلَال وظُلَل، ورِهَان ورُهُن، وإِنَاث وأُنُث، وزُلُف زُلْف، ونُجُم ونُجْم، وثَمَر وثُمُر، وعَمَد وعُمُد. وقد تأتي القراءة بأكثر من ذلك في نحو: رِجَال ورُجَال ورُجَّال ورُجَّل ورَجْل، وكلها جمع لـ (راجل) أي الماشي على رجليه. ومن ذلك: وُلُد ووُلْد ووَلَد ووَلْد ووِلْد، على ما في ذلك من خلاف. ونحو: ولُبَد ولُبْد ولُبَّد ولِبَد.

وكما تعددت صيغة الجمع المكسر، تعددت أيضا بعض صيغ الجمع السالم في نحو: صَدَقَات وصُدْقَات، ونَحِسَات ونَحْسَات. أما في مجال الجمع المذكر السالم فقد جاءت صيغة (المُعَذِّرُونَ) مشتركا لفظيا بين اسم الفاعل من عَذَّرَ ومن اعتذر، وفي ذلك ثراء للمعنى المعجمي.

ص: 246