المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالثالهمز بين التحقيق والتخفيف - أثر القراءات القرآنية في الصناعة المعجمية تاج العروس نموذجا

[عبد الرازق بن حمودة القادوسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: القراءات والأصوات

- ‌الفصل الأول: القراءات والحركات

- ‌المبحث الأول:التماثل الصوتي في الفتح

- ‌المبحث الثانيالتماثل الصوتي في الكسر

- ‌المبحث الثالثالتماثل الصوتي في الضم

- ‌المبحث الرابعالتماثل في السكون

- ‌الفصل الثانيالقراءات والصوامت

- ‌المبحث الأولالتماثل الصوتي التام (الإدغام)

- ‌المبحث الثانيالتماثل الصوتي الناقص (الإبدال)

- ‌المبحث الثالثالهمز بين التحقيق والتخفيف

- ‌المبحث الرابعهَاءُ السَّكْتِ

- ‌الباب الثاني: القراءات والبنية الصرفية

- ‌الفصل الأولتغيير بنية الأفعال

- ‌المبحث الأولالتغيير في الحركات(البناء للفاعل والمفعول)

- ‌المبحث الثانيالتغيير فى الصوامت (بالزيادة)

- ‌الفصل الثانيتغيير بنية الأسماء

- ‌المبحث الأولتغيير المشتق

- ‌المبحث الثانيالتغيير في صيغة الجمع

- ‌الباب الثالث: القراءات والدلالة

- ‌الفصل الأولالمُعَرَّب

- ‌الفصل الثانيالتغير الدلالى

- ‌المبحث الأولتغير الدلالة لتغير الصوت

- ‌المبحث الثانيتغير الدلالة لتغير البنية

- ‌الخاتمة

- ‌فهرسالقراءات القرآنية الواردة فى الدراسة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الثالثالهمز بين التحقيق والتخفيف

‌المبحث الثالث

الهمز بين التحقيق والتخفيف

الهمزة عند القدماء حرف مجهور من أقصى الحلق (1). أو هي "حرف مجهور سَفَلَ في الحلق، وحَصَلَ طَرَفَاً"(2). أو هي "حَرْفٌ شَدِيدٌ مُسْتَثْقَلٌ مِنْ أَقْصَى الحَلْقِ". (3)

وهي عند المُحْدَثِينَ "صوت صامت حنجري انفجاري، وهو يحدث بأن تُسَدَّ الفتحة الموجودة بين الوترين الصوتيين، وذلك بانطباق الوترين انطباقا تاما، فلا يُسْمَحُ للهواء بالنفاذِ من الحنجرة. يضغط الهواء فيما دون الحنجرة ثم ينفرج الوتران، فينفذ الهواء من بينهما فجأة محدثا صوتا انفجاريا"(4).

ويرى الدكتور إبراهيم أنيس أن الهمزة "صوت شديد لا هو بالمجهور ولا بالمهموس؛ لأن فتحة المزمار معها مغلقة إغلاقا تاما، فلا يُسْمَعُ لهذا ذبذبة الوترين الصوتيين، ولا يُسْمَحُ للهواء بالمرور إلى الحلق إلا حين تنفرج فتحة المزمار ذلك الانفراج الفجائي الذي يُنْتِجُ الهمزة"(5).

وقد اهتم علماء القراءات اهتماما كبيرا بالهمزة، فعقدوا لها فصولا مطولة تحدثوا فيها عن أحكامها محققة، أو مبدلة، أو محذوفة، أو مخففة. وحصروا أحوال الهمزة المفردة، والهمزتين المجتمعتين، في كلمة واحدة أو في كلمتين (6).

وتجمع كتب العربية على أن تحقيق الهمزة لغة لتميم، وقيس، وبني أسد ومن جاورها أي قبائل وسط شبه الجزيرة وشرقيها، وأن تسهيلها لهجة أهل الحجاز (7).

(1) انظر: الكتاب لسيبويه: 2/ 405.

(2)

سر صناعة الإعراب لابن جني: 1/ 71.

(3)

شرح المفصل لابن يعيش: 9/ 107.

(4)

علم اللغة لمحمود السعران: 170. وانظر: القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث لعبد الصبور شاهين: 24.

(5)

الأصوات اللغوية: 82.

(6)

انظر: النشر لابن الجزري: 1/ 390، واللهجات العربية في القراءات القرآنية للراجحي:110.

(7)

انظر: النشر: 1/ 386. والقراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث لعبد الصبور شاهين: 27، ومشكلة الهمزة العربية لرمضان عبد التواب: 12.

ص: 113

ويقول الأستاذ الدكتور رمضان عبد التواب: " إن الحجازيين لم يكونوا يهمزون في كلامهم. وقد روي (1) لنا ذلك عنهم بما لا يدع مجالا للشك في هذه القضية"(2) وقد استدل بقول أبي زيد الأنصاري: " أهل الحجاز، وهذيل، وأهل مكة والمدينة لا يَنْبِرُون. وقف عليها عيسى بن عمر، فقال: ما آخذ من قول تميم إلا بالنبر وهم أصحاب النبر، وأهل الحجاز إذا اضطروا نبروا"(3).

ويرى الدارس – في ضوء معطيات الدرس الصوتي الحديث – أن الهمز لغة مناسبة لأهل البادية؛ لأنهم يعيشون غالب وقتهم في فضاء مفتوح ومن المعروف أن هذا الفضاء يستهلك كمية كبيرة من الطاقة الصوتية، وقد أدرك أهل البادية هذا بفطرتهم، فألجأهم ذلك إلى استخدام السمات الصوتية، التي من شأنها ضمان وصول الكلمة واضحة المخارج والأصوات إلى السامع، ولا شك في أن الهمز من تلك السِّمَات، وقد أدرك اللغويون القدامى ذلك فسموا هذه الظاهرة "نبراً"(4). و"تَصَوَّرَ أصحابُ المعاجم "النَّبْرَ" على أنه ضغط المتكلم على الحرف"(5). أما المحدثون فقد عَرَّفُوا النبر بأنه "نشاط في جميع أعضاء النطق في وقت واحد، فعند النطق بمقطع منبور، نلحظ أن جميع أعضاء النطق تنشط غاية النشاط، إذ تنشط عضلات الرئتين نشاطا كبيرا، كما تقوى حركات الوترين الصوتيين، ويقتربان أحدهما من الآخر، ليسمحا بتسرب أقل مقدار من الهواء فتعظم لذلك سعة الذبذبات، ويترتب عليه أن يصبح الصوت عاليا واضحا في السمع هذا في حالة الأصوات المجهورة، وأما مع الأصوات المهموسة فيبتعد الوتران الصوتيان أحدهما عن الآخر، أكثر من ابتعادهما مع الصوت المهموس

(1) انظر هذه المسألة في: معاني القرآن للفراء: 2/ 356، وتهذيب اللغة للأزهري: 15/ 691،692، وشرح الشافية للرضي: 3/ 23، والبرهان للزركشي: 1/ 284، والإتقان للسيوطي: 1/ 277.

(2)

مشكلة الهمزة العربية: 12.

(3)

لسان العرب لابن منظور: نبر.

(4)

اللسان: نبر، وانظر أيضا: مشكلة الهمزة العربية: 24.

(5)

القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث لعبد الصبور شاهين: 25.

ص: 114

غير المنبور، وبذلك يتسرب مقدار أكبر من الهواء، وكذلك يلاحظ مع الصوت المنبور نشاط في أعضاء النطق الأخرى، كأقصى الحنك واللسان، والشفتين" (1).

وهذا الوصف للنبر إنما يدل على مدى صعوبة نطق الهمزة، وقد أدرك القدماء هذه الحقيقة عن الهمزة، فعبر غير واحد عن ثقلها وصعوبتها في النطق، يقول ابن جني:"وإنما لم تجتمع الفاء والعين، ولا العين واللام همزتين؛ لثقل الهمزة الواحدة لأنها حرف سَفَلَ في الحلق، وبَعُدَ عن الحروف وحصل طَرَفَاً، فكان النطق به تكلفا، فإذا كُرِهَت الهمزة الواحدة، فهم باستكراه الثنتين ورفضهما ـ لا سيما إذا كانتا مصطحبتين غير مفترقتين فاء وعينا أو عينا ولاما ـ أحرى فلهذا لم تأت في الكلام لفظة توالت فيها همزتان أصلان البتة"(2).

ويقول ابن يعيش: "الهمزة حرف شَدِيدٌ مُسْتَثْقَلٌ من أقصى الحَلْقِ، إِذْ كَانَ أَدْخَلَ الحروف في الحلق، فاسْتُثْقِلَ النُّطْقُ به، إِذْ كَانَ النطقُ به كالتَّهَوُّعِ؛ فلذلك الاسْتِثْقَال سَاغَ فيها التخفيفُ، وهي لغة قريش وأكثر أهل الحجاز، وهو نوع استحسان لِثِقَلِ الهمزة، والتحقيق لغة تميم وقيس، قالوا: لأن الهمزة حرف فوجب الإتيان به كغيره من الحروف"(3).

ويطمئن الدارس إلى أنه إذا كان أهل الصحراء قد اضطروا إلى الهمز بحكم بيئتهم، فإن أهل الحواضر قد عملوا على التخلص من الهمز؛ لانتفاء الحاجة إليه لأنهم يعيشون غالب أوقاتهم في حيز محدود وفرته لهم طبيعة مساكنهم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لصعوبة النطق بها، فأهل الحضر دائما يميلون إلى السهولة واليسر.

وإذا كان هذا هو التوجه العام الذي يضبط الهمز، فلا ينبغي أن يُعْتَقَدَ فيه صرامة القوانين العلمية التي تضبط كل أفراد جنسها، بل وُجِدَتْ له اختراقاتٌ كأن تجد الهمز عند بعض ساكني الحواضر، وكذلك العكس: التسهيل عند بعض ساكني البوادي وخير دليل على هذا قول ابن عطية: "فأما الهمز فمن العرب من يستعمله، وهم تميم ومن يوافقها في ذلك، ومنهم من يَقِلُّ استعمالهم له، وهم

(1) الأصوات اللغوية لإبراهيم أنيس: 118.

(2)

سر صناعة الإعراب لابن جني: 1/ 71.

(3)

شرح المفصل: 9/ 107.

ص: 115

هذيل، وأهل الحجاز" (1) فالتعبير بحرف الجر (من) الذي يفيد التبعيض له دلالته. وكذلك يقول ابن مجاهد:"كان أهل المدينة لا يهمزون، حتى همز ابن جندب فهمزوا: "مستهزئون"، و"استهزئ" (2).

وحتى القبائلُ المُحَقِّقَةُ للْهَمْزِ ليست كلها سواء في التحقيق، بل منهم من يذهب في تحقيقها مذهبا بعيداً فيُبْدل الألف، والواو، والياء همزة، وهم بنو أسد، إذ يذكر الفراء أن همز (يأجوج ومأجوج) لغة بني أسد، ولا وجه له إلا اللغة المحكية عن العجاج أنه كان يهمز العألم والخأتم (3). وقد روي عنه (4):

يَا دَارَ سَلْمَى يَا اسْلَمِي ثُمَّ اسْلَمِي

فَخِنْدَفٌ هَامَةُ هَذَا العَأْلَمِ

وحكى اللحياني عنهم (بأز) بالهمز، والأصل من غير همز. قال الشاعر (5):

كَأَنَّهُ بَأْزٌ دَجْنٌ فَوْقَ مَرْقَبَةٍ جَلَّى القَطَا وَسْطَ قَاعٍ سَمْلَقٍ سَلِق

ويقول أبو زيد سمعت رجلاً من غنى يقول: هذه قسمة ضئزى بالهمز (6). وبنو غنى هؤلاء من قيس (7) وقيس من القبائل التي تحقق الهمز.

وعلى الجانب الآخر يمكن القول بأن قبائل الحجاز لم تستطع كلها التخلص من الهمز إذ يقول سيبويه: "وقد بلغنا أن قوما من أهل الحجاز من أهل التحقيق يحققون: نبيء وبريئة، وذلك قليل رديء"(8). ونقل أبو علي الفارسي أن أهل

(1) التحرير والتنوير لابن عاشور: 16/ 358.

(2)

السبعة لابن مجاهد: 60.

(3)

انظر البحر المحيط لأبي حيان: 6/ 163.

(4)

ديوان العجاج: 60، وانظر: طبقات فحول الشعراء لابن سلام: 64، وقد ورد في كتب القوافي على أنه من السناد، والسناد: فساد القافية عموما، هذا إذا لم يكن الهمز لغة له، انظر: القوافي للتنوخي: 18، والقوافي للأخفش: 1، 5، 8.

(5)

انظر: شرح المفصل لابن يعيش: 1/ 12، والبيت نسبه ابن قتيبة الدينوري في: المعاني الكبير: 1/ 69 لعنترة بن شداد مع تغير في بعض لفظه.

(6)

التاج: 15/ 194.

(7)

انظر جمهرة أنساب العرب لابن حزم: 232.

(8)

الكتاب: 2/ 170.

ص: 116

الحجاز يحققون الهمزتين المجتمعتين في كلمة، ويفصلون بينهما بألف نحو آإنك وآأنت (1).

والراجح أن القبائل الحجازية التي كانت تجنح إلى تحقيق الهمز هي تلك القبائل التي كانت تسكن أطراف الحجاز مجاورة لأهل البادية من وسط شبه الجزيرة وشرقيها (2).

أمثلة التحقيق:

م

القراءة

القارئ

سورة/آية

المادة

1 مُسْتَهْزِئُونَ

(عاصم)

البقرة:14

هزأ

2 جِبْرَئِيل

(حمزة والكسائي)

البقرة:98

ميكل

3 مَعَائِشَ

نافع وزيد بن عليّ والأعرج.

الأعراف:10

عيش

4 أَرْجِئْهُ

(أبو عمرو وعاصم وغيرهما)

الأعراف:111

رجأ

5 بَئِيسٍ

أبو عمرو وعاصم والكسائي وحمزة.

الأعراف:165

بئس

6 مُرْجِئُونَ

(عاصم وابن عامر وغيرهما)

التوبة:106

رجأ

7 بَادِئَ

أبو عمرو.

هود:37

بدو

8 مُتَّكَأً

الناس.

يوسف:31

متك

9 مِنْسَأَتِهِ

(ابن كثير وأبو عمرو وغيرهما)

سبأ:14

نسأ

10 التَّنَاؤُشَ

حمزة، والكسائي.

سبأ: 52

نأش

ونوش

11 تُرْجِئُ

(ابن كثير وأبو عمرو وغيرهما)

الأحزاب:51

رجأ

12 الْبَرِيئَة

نافع، وابن ذكوان.

البينة:6

برأ

(1) انظر الحجة لابن خالويه: 267.

(2)

انظر: اللهجات العربية لعبده الراجحي: 105، 106.

ص: 117

13 مُؤْصَدَةٍ

أبو عمرو وحمزة وخلف وحفص

الهمزة:8

وصد

أمثلة تخفيف الهمز:

م

القراءة

القارئ

سورة/آية

المادة

مُسْتَهْزُونَ

(أبو جعفر).

البقرة: 14

هزأ

1 بِيسٍ

نافع، وأهل المدينة.

الأعراف:165

بئس

2 مُتَّكَاً

الزهري وأبو جعفر وشيبة

يوسف:31

متك

4 سُولَكَ

الحسن.

طه:36

سأل

5 سُولُوا

(الحسن)

الأحزاب:14

سأل

6 سَالَ

ابن كثير وأبو عمرو والكوفيون.

المعارج:1

سأل

أمثلة تخفيفها بين بين:

م

الآية

القراءة

القارئ

سورة/آية

المادة

1 مُسْتَهْزُونَ

بين الهمزة والواو

(أبو جعفر)

البقرة:14

هزأ

2 مِنْسَاتِه

بين الهمزة والألف

(ابن ذكوان)

سبأ:14

نسأ

3 سُئِلُوا

بين الهمزة والياء

(الحسن)

الأحزاب:14

سأل

همز ما لا يهمز:

م

القراءة

القارئ

سورة/آية

المادة

1 الضَّأْلِينَ

أيوب السختياني.

الفاتحة:7

ضلل

2 خُطُآت

(عليٌّ وقتادة والأعرج والأعمش)

البقرة:168

خطأ

ص: 118

3 تَلْؤُوا

(جاءت في التهذيب بلا قارئ)

النساء:135

لوي

4 مَعَائِشَ

نافع وزيد والأعرج وحميد.

الأعراف:10

عيش

5 أَدْرَأَكُم

(الحسن)

يونس:16

دري

6 يُؤْسِف

طلحة بن مصرف.

يوسف: 7

أسف

7 سَأْقَيْهَا

ابن كثير.

النمل: 44

سأق

8 بِالسُّؤْقِ

ابن كثير.

ص: 33

سأق

9 جَأْن

(عمرو بن عبيد)

الرحمن:39

جنن

ما سبق كان عرضاً موجزاً لكيفية تَنَاوُلِ القدماء والمحدثون للهمزة في أوضاعها المختلفة، على أنها ظاهرة لهجية تنضبط نسبيا بالعرف اللغوي، الذي ساد القبائل العربية كما مرَّ.

أما عن تَنَاوُلِ المعاجم لظاهرة الهمزة فمن الطبيعي أن يأتي تناولهم لها متفقاً مع تناول علماء اللغة؛ لأن الأقوال التي ذكروها في معاجمهم إنما جُمِعَتْ من أفواه أهل اللغة.

وكان من المتوقع أن يتناول الزبيدي الهمزة في مادة (هـ م ز)، لكنه تناولها في مادة (ن ب ر)، وعَرَّفَ النبر بأنه همز الحرف، وذكر في أكثر من موضع أن الهمز لم يكن من لغة قريش، واحتج بحديث: قال رجلٌ للنبى صلى الله عليه وسلم: يا نَبِيءَ الله فقال: "لا تَنْبِرْ باسمي" أي لا تَهْمِز. وفي رواية: " إنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لا نَنْبِر"(1). وكذلك أَقَرَّ بأن الهمز لم يكن من لغة أهل المدينة، واستدل بهذا الحَدَثِ التاريخي، قال:"ولمّا حَجَّ المَهدِيُّ، قَدَّمَ الكِسائيَّ يُصلِّي بالمدينة فَهَمَزَ فأَنْكَرَ أَهْلُ المدينةِ عليه وقالوا: تَنْبِر في مَسْجِدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن؟ "(2).

(1) روى الحاكم في المستدرك على الصحيحين، باب لست بنبيء الله ولكني نبي الله حديثا قريب اللفظ من هذا الحديث، برقم:2859. قال: عن أبي ذر صلى الله عليه وسلم قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبيء الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لست بنبيء الله ولكني نبي الله» . وقال بعده: عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال:«ما همز رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر ولا الخلفاء، وإنما الهمز بدعة، ابتدعوها من بعدهم» .

(2)

التاج: 14/ 164.

ص: 119

وإذا كانت كُبْرَى مُدُنِ الحجاز - متمثلة في مكة والمدينة - تُؤْثِر تَسْهِيلَ الهمز على تحقيقه فقد ورد عنهم ما يدل على أنهم حققوا بعض الكلمات، التي اجتمع العرب على تسهيلها، فقد ذكر الزبيدي عن سيبويه قوله:" ليس أحدٌ من العرب إِلَاّ ويقول: تنَبَّأَ مُسَيْلِمَةُ بالهمز غير أَنهم تَرَكوا الهمز في "النَّبِيَّ" كما تَرَكوه في: الذُّرِّيَّة، والبَرِيَّة والخابِيَة، إِلَاّ أَهل مكَّة فإنَّهم يهمزون هذه الأحرف، ولا يَهْمزون في غيرها، ويُخالفون العربَ في ذلك، قال: والهمز في النَّبيِّ لغةٌ رَديئة، أَي لقلَّة استعمالها لا لكَوْنِ القياس يَمنع ذلك، وتَرْكُ الهمزِ هو المُخْتارُ عند العرب سوى أَهلِ مكَّة"(1).

ونقل الزبيدي عن الزجاج قوله: "القراءةُ المُجْمَع عليها في "النَّبيِّينَ" (2) و"الأَنْبِياءِ" (3) طرحُ الهَمْزِ، وقد همز جماعةٌ من أَهل المدينة جميع ما في القرآن من هذا واشتقاقُه من نَبأَ وأَنبأَ أَي أَخبر قال: والأَجودُ تَرْكُ الهمز"(4).

وصرح الزبيدي في بعض المواضع أن تسهيل الهمز لغة أهل الحجاز ففي مادة (ن وش) ذكر قول الفراء: "وأَهْلُ الحِجَازِ تَرَكُوا هَمْزَ "التَّنَاوُش" (5) وجَعَلُوه مِن: نُشْتُ الشَّيءَ، إِذا تَنَاوَلْتَهُ. وقَرَأَ حَمْزَةُ والكِسَائِيُّ "التَّنَاؤُشُ" (6) بالهَمْزِ. يُقالُ على التَّخْفِيفِ البَدَلِيِّ: سَالَ يَسَالُ، كخَافَ يَخَافُ، وهي لُغَةُ هُذِيْلٍ"(7).

وإذا كان الزبيدي قد صَرَّحَ بأن التسهيل لغة الحجاز، فإنه لم يحدد القبائل التي كانت تحقق الهمز، وهذا يدل على شيوع الهمز عند العرب. ومع هذا الشيوع فقد أثر عنهم تخفيف الهمز في بعض الكلمات، مثل كلمة "نبيّ" كما مر.

(1) التاج: 1/ 445، وانظر الكتاب: 3/ 460.

(2)

البقرة: 61، 213، وآل عمران: 21، 81، والنساء: 69، والإسراء: 55، ومريم:40.

(3)

آل عمران: 112، 181، والنساء:155.

(4)

التاج: 1/ 445.

(5)

سبأ: 52.

(6)

انظر: السبعة: 302، والحجة لابن خالويه: 188، ومعجم القراءات لأحمد مختار عمر:4/ 135.

(7)

التاج: 17/ 395، 17/ 432، وانظر: معاني الفراء:4/ 58.

ص: 120

ولم يفت الزبيدي أن يعلل لظاهرة تسهيل الهمز وتخفيفه عند أهل التحقيق فيذكر قول ابن جني: "أَصْلُ "السُّولِ" الهَمْزُ عندَ العَرَبِ، اسْتَثْقَلُوا ضَغْطَةَ الهَمْزَةِ فيه فَتَكَلَّمُوا به عَلى تَخْفِيفِ الهَمْزَةِ"(1).

ويتحدث عن ظاهرة تسهيل الهمزة فيقول:"والهمزة المخففة تسمى همزة (بين بين) أي: همزة بين الهمزة وحرف اللين، وهو الحرف الذي منه حركتها إن كانت مفتوحة فهي بين الهمزة والألف، مثل: "سَالَ"، وإن كانت مكسورة فهي بين الهمزة والياء مثل: "سَيِمَ "، وإن كانت مضمومة فهي بين الهمزة والواو مثل: "لَومَ". وهي لا تقع أَوَّلاً أَبَدَاً؛ لقربها بالضعف من السَّاكِنِ إلا أنها وإن كانت قد قربت من الساكن، ولم يكن لها تمكن الهمزة المحققة، فهي متحركة في الحقيقة وسميت بين بين لضعفها"(2).

عالج أبو منصور الأزهري في التهذيب الهمز تحت باب مستقل، حيث جعل لها عدة أبواب منها:(باب اجتماع الهمزتين لهما معنيان)(3) بين فيه مذاهب القراء والنحاة في الهمزتين المجتمعتين من خلال القراءات القرآنية. ثم أعقبه بباب تناول فيه ما جاء عن العرب من تحقيق الهمز وتليينه وتحويله وحذفه (4).

ولكن الأمر مختلف مع الزبيدي، فقد تَبَيَّنَ من خلال شواهد الدراسة أن القراءات القرآنية في التاج تكاد تخلو من معالجة الهمزتين المجتمعتين إلا ما كان من اجتماع همزة (أفعل) مع الهمزة التي هي فاء الفعل في نحو: قوله

(1) التاج: 29/ 160، 25/ 580.

(2)

التاج: 34/ 301.

(3)

انظر التهذيب: 15/ 492، 493.

(4)

السابق: 15/ 493.

ص: 121

تعالى: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} (1) حيث قرئ "آمَرْنَا"(2)، والأصل: أأمرنا (3). وقوله تعالى: {فَآزَرَهُ} (4) والأصل: أأزره (5).

ومن المواضع التي تعرض فيها الزبيدي للهمزتين المجتمعتين وأسهب في شرح مذاهب العرب فيها، حديثه الطويل عن أصل كلمة (أشياء) فذكر قول أبي الحسن الأخفش، والخليل والكسائي. وحاصل هذه الأقوال، وإن اختلفت في الوزن إلا أنها اجتمعت على أن سبب هذا الاختلاف مصدره اجتماع همزتين بينهما ألف فرأى الأخفش حذف الهمزة الأولى تخفيفاً، ورأى الخليل تحريكها إلى أوَّلِ الكلمة. أما الكسائي فقد رأى (أشياء) على زنة (أفعال) نحو: فَرْخٍ وأَفْرَاخٍ دون أن يحتاج إلى كُلْفَةٍ (6).

ومنها ما ذكره في (أمر) حيث قال:" وإذَا أمَرْتَ مِن أَمَرَ قلتَ: مُرْ، وأصلُه اؤْمُرْ فلما اجتمعتْ همزتان، وكَثُرَ استعمالُ الكلمةِ، حُذِفت الهمزةُ الأصليّةُ فزال السّاكنُ فاستُغْنِيَ عن الهمزةِ الزائدةِ، وقد جاءَ على الأصْل. وفي التَّنْزِيل العزيز:{وأْمُرْ أهْلَكَ بالصَّلاةِ} (7) وفيه: {خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بالعُرْفِ} (8).

قال (9): وهذه أحْرفٌ جاءَتْ عن العربِ نَوَادِرَ وذلك أنّ أكثرَ كلامِهَا في كلِّ فِعْلٍ أولُه همزةٌ مثل: أبَلَ يَأْبِلُ، وأَسَرَ يَأْسِرُ، أنْ يَكْسِرُوا (يَفْعِلُ) منه وكذلك: أبَقَ يَأْبِقُ فإذا كان الفِعْلُ الذي أولُه همزةٌ ويفْعِلُ منه مكسوراً مَرْدُوداً إلى الأمْر قيل: إيسِرْ فلانُ إيبِقْ يا غُلامُ، وكان أصْلُه إأْسِرْ بهمزتَيْن فكَرِهُوا جَمْعاً بين

(1) الإسراء: 16.

(2)

هي قراءة خارجة عن نافع، والحسن البصري، انظر: النشر: 2/ 344، والإتحاف: 502، ومعجم القراءات لأحمد مختار: 3/ 51.

(3)

التاج: 10/ 85.

(4)

الفتح: 29.

(5)

التاج: 10/ 42.

(6)

التاج: 1/ 296.

(7)

طه: 132.

(8)

الأعراف: 199.

(9)

الواضح من عبارة التهذيب أن القائل هو الليث، انظر: 15/ 207.

ص: 122

همزتَيْن فحَوَّلُوا إحداهما ياءً إذ كان ما قبلَها مكسوراً. قال: وكان حَقُّ الأمر من أَمَرَ يَأُمُر، وأخذ يأْخُذُ، وأكل يأْكلُ، أن يقال: أُؤمُرْ، أُؤْخُذْ، أُؤْكُل، بهمزتين فتُرِكَتْ الهمزةُ الثانيةُ، وحُوِّلتْ واواً للضَّمَّةِ، فاجتمعَ في الحَرْف ضَمَّتَان بينهما واوٌ والضَّمَّةُ مِن جنس الواو فاستَثْقلَتِ العربُ جَمْعاً بين ضَمَّتَين وواوٍ، وطَرَحُوا هَمْزَه والواوَ؛ لأنه بَقِيَ بعد طَرْحِهِما حرفان فقالوا: مُرْ فلاناً بكذا وكذا، وخُذْ من فلانٍ، وكُلْ، ولم يقولوا: أُكُلْ، وأُخُذْ ولا أُمُرْ كما تقدّم.

فإنْ قيل: لِمَ رَدُّوا وأْمُرْ إلى أصلها، ولم يَرُدُّوا كُلا، ولا خُذَا؟. قيل: لسَعَةِ كلامِ العربِ ربما رَدُّوا الشيءَ إلى أصله، وربما بَنَوْه على ما سَبَقَ له وربما كَتَبُوا الحرف مهموزاً، وربما كَتَبُوه على ترك الهمزة، وربما كَتَبُوه على الإدغام، وربما كتبوه على ترك الإدغام، وكلُّ ذلك جائز واسع" (1).

وترجع ندرة المواضع التي عالج المعجم فيها الهمزتين المجتمعتين إلى طبيعة الصناعة المعجمية حيث إن الهمزتين المجتمعتين غالبا ما تكونان من كلمتين، والصناعة المعجمية قائمة على معالجة المفردات كل كلمة في بابها. وأما الهمزة المفردة فقد أَمْكَنَ علاجها تحت النقطتين الآتيتين:

أولا: الهمزة الأصلية.

ثانيا: همز مالا يهمز.

أولاً: الهمزة الأصلية:

(مُسْتَهْزِئُونَ): من قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} (2). [التاج: هزأ].

تناول الزبيدي مذاهب العرب في الهمزة من حيث: التحقيق وبين بين، والإبدال وذلك من خلال قوله تعالى {مُسْتَهْزِئُونَ} وقول الزجَّاج:"القراءةُ الجيَّدةُ على التحقيق فإذا خفَّفْتَ الهمزة جعلتَ الهمزَةَ بين الواوِ والهمزة فقُلْتَ: "مُسْتَهْزِئون" (3) فهذا الاختيارُ بعد التحقيق، ويجوز أَن يُبدل منها ياء، فيُقْرَأَ

(1) التاج: 10/ 85.

(2)

البقرة: 14، 15.

(3)

هي قراءة حمزة، انظر: السبعة: 60، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 172.

ص: 123

"مُسْتَهْزِيُون"(1)، وأَمَّا "مُسْتَهْزونَ"(2) فضعيفٌ لا وجه له إِلَاّ شاذًّا على وجه من أَبدَلَ الهمزَةَ ياءً، فقال في (استهْزَأْتُ): استَهْزَيْتُ، فيجبُ على استهزَيْتُ مُسْتَهْزونَ".

قال السمين: "قياسُ تخفيفِ همزةِ "مستهزئون" ونحوِه أن تُجْعَلَ بينَ بينَ، أي بين الهمزةِ والحرفِ الذي منه حركتُها وهو الواو، وهو رأيُ سيبويه، ومذهبُ الأخفش قَلْبُها ياءً محضةً. وقد وَقَفَ حمزةُ على "مستهزئون" و"فمالئون" ونحوِهما بحَذْفِ صورة الهمزة إتْباعاً لرسمِ المصحفِ"(3).

فقراءات الآية جاءت هنا كشاهد تطبيقي للفعل (استهزأ) وأيضا مبينة لمذاهب العرب في النطق بالهمزة. والمتأمل في كلام الزجاج السابق قد يفهم منه أن ما عرضه من وجوه يجوز في العربية، إلا أنه لم يقرأ به، وهذا غير صحيح؛ لأنها كلها قراءات صحيحة واردة عن السبعة وغيرهم (4).

(جِبْرِيلَ ومِيكَالَ): من قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} (5). [التاج: ميكل].

بنيت هذه المادة عند الزبيدي على القراءة القرآنية، وقد ناقشت هذه القراءات طريقة نطق اسم الملكين:"جِبْرِيلَ" و"مِيكَالَ"، الَّذَيْنِ ذُكِرَ اسْمُهُمَا في قوله تعالى:{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} " حيث قُرِآ بالهمز: "جِبْرَائِيل" و"مِيكَائِيل" (6)، وبإبدال الهمزة ياءً في قراءة الأعمش: "جِبْرَايِيل" و"مِيكَايِيل". وذكر توجيه ابن جني (7) لهذه القراءة ولكن

(1) قراءة حمزة، ويزيد بن القعقاع، انظر المصدرين السابقين.

(2)

قراءة أبي جعفر، انظر: السبعة:60، والنشر: 2/ 237، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 172.

(3)

الدر المصون: 1/ 105.

(4)

انظر: إبراز المعاني لأبي شامة: 247، والنشر:1/ 503، ومعجم القراءات لأحمد مختار: 1/ 172، ومعجم القراءات للخطيب:1/ 48.

(5)

البقرة: 98.

(6)

انظر: الحجة لابن خالويه: 23، والعنوان: 8، والنشر: 2/ 249، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 223 – 227.

(7)

المحتسب: 1/ 98.

ص: 124

منسوباً إلى يعقوب فقال: " فأمّا (جِبْرايِيل) و (مِيكايِيل) بياءَيْن بعد الألِفِ والمَدِّ فَيَقْوَى في نفسي أنّها همزةٌ مُخَفّفةٌ وهي مَكْسُورةٌ فَخَفِيَتْ وقَرُبَتْ من الياءِ فعبَّرَ القُرّاءُ عنها بالياءِ، كما قالوا في قولِه سُبحانَه: "آلاء" عندَ تخفيفِ الهمزةِ "آلاي" بالياء".

وقد ذكر ابن جني (1) كلاماً دقيقاً دلل فيه على اضطراب العرب في النطق بالأسماء الأعجمية، والذي يدل على صحة كلام ابن جني كثرة القراءات الواردة في اسمي الملكين السابقين، فقد ذكر معجم القراءات (2) لـ "جبريل" اثنتي عشرة قراءة، ولـ "ميكال" عشر قراءات (3)، بينما الزبيدي لم يذكر من هذه القراءات إلا ثلاث قراءات فقط.

ومما جاء بتحقيق الهمز وتخفيفه:

(أَرْجِئْه): قراءة في قوله تعالى: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} (4). [التاج: رجأ].

(تُرْجِئْ): قراءة في قوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} (5).

(مُرْجَؤُونَ): قراءة في قوله تعالى: {وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} (6).

يقرر الزبيدي أن (أرجأ) مهموز، وترك الهمز لغة فيه، على لغة من يقول من العرب: أَرْجَيْتُ، وأَخْطَيْتُ: وتَوَضَّيْتُ، وقد استدل على ذلك بذكر ثلاث آيات، ورد فيها الفعل مقروءاً باللغتين (7): التحقيق والتخفيف، هذه الآيات هي:"أَرْجِهْ" و"أَرْجِئْه"(8)، و {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} (9). حيث قرئ "ترجئ"(10) و {وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} (11) حيث قرئ "مُرْجَؤُونَ"(12).

(1) المحتسب: 1/ 98.

(2)

انظر معجم القراءات لأحمد مختار: 1/ 223 – 227.

(3)

انظر: القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث لعبد الصبور شاهين: 391 – 400، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 157 - 160.

(4)

الأعراف: 111.

(5)

الأحزاب: 51.

(6)

التوبة: 106.

(7)

انظر الحجة لابن خالويه: 159، والحجة لابن زنجلة:290.

(8)

قراءة أبي عمرو وعاصم، انظر: عنوان الدليل: 15، والحجة لابن خالويه: 86 ومعجم القراءات لأحمد مختار: 2/ 202، ومعجم القراءات الخطيب: 3/ 118.

(9)

الأحزاب: 51.

(10)

قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر، وعاصم، وشعبة، ويعقوب. انظر: الحجة لابن خالويه: 85، وإبراز المعاني من حرز الأماني:2/ 12، والنشر: 2/ 389، ومعجم القراءات مختار: 4/ 97 ومعجم القراءات للخطيب:7/ 302.

(11)

التوبة: 106.

(12)

قراءة ابن كثير، وعاصم، وابن عامر، وأبي عمرو، وشعبة، ويعقوب، انظر: الحجة لابن خالويه: 488، وشرح الشاطبية: 163، والنشر:461، ومعجم القراءات لمختار: /2/ 316، ومعجم القراءات للخطيب: 3/ 452.

ص: 125

قال ابن خالويه في توجيه قوله تعالى "أرجه": "تحقيق الهمز وتركه، لغتان فاشيتان قرئ بهما "تُرْجِئ مَنْ تَشَاءُ" و"تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ" (1).

ومما قرئ بالهمز وتخفيفه:

(بَئِيسٍ): من قوله تعالى: {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (2). [التاج: بأس].

يذكر الزبيدي في هذه الآية أربع قراءات، ثلاث منهن بالهمز وهنَّ:

"بعَذابٍ بَئيسٍ" كأمير، وهي قراءة أبي عمرو وعاصِمٌ والكسائيُّ وحَمزةُ.

"بِئِيس" على (فِعِيل) بالكَسْر، وهي قراءة ابنُ كَثير، وكذلك قَرَأَها شِبْلٌ، وأهلُ مكَّةَ.

"بِئْسٍ" على (فِعْلٍ) بالهمزة والكسر، وهي قراءة ابنُ عامرٍ.

وواحدة مخففة هي: "بِيِس"(3) بغيرِ همزة، وهي قراءة نافعٌ وأهلُ المدينةِ"

ويُلاحَظُ مما سبق أن قراءة ابن كثير جاءت غير ممثلة لبيئته، فأهل مكة يسهلون الهمز وقد قرأ هو بالتحقيق، وأما قراءة أهل المدينة فقد جاءت متفقة مع ما عُرِفَ عنهم من التسهيل.

قال ابن زنجلة: قرأ ابن عامر "بِعَذَابٍ بِئْسٍ" بكسر الباء وبهمزة ساكنة، خرج الهمزة على الأصل، ولم يألف في الهمزة ها هنا ثقلا؛ لخفة الحرف وقلة حروفه. وقرأ نافع:"بعذاب بِيسٍ" بغير همز (فِعْلٍ) من البؤس، ترك همزه فأبدلت الياء من الهمزة لثقل الهمز؛ لأن الياء أخف منه. وقرأ أبو بكر عن

(1) الحجة: 159، وانظر الدر المصون: 7/ 219.

(2)

الأعراف: 165.

(3)

انظر: النشر: 2/ 272، ومعجم القراءات للخطيب: 3/ 199 - 206.

ص: 126

عاصم:"بَيْأَسٍ" على (فَيْعَلٍ)، مثل: رَجُلٍ صَيْرَفٍ، إذا كان يتصرف في الأمور. وقرأ الباقون:"بعذاب بَئِيسٍ" على (فَعِيلٍ) من البؤس" (1).

ومن باب التحقيق والتخفيف.

(يَكْلَؤُكُمْ): من قوله تعالى: {قلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ باللَّيْلِ والنَّهار} (2).

[التاج: كلأ].

ذكر الزبيدي الآية السابقة، ثم نقل عن الفراء قوله:"هي مهموزة ولو تَركْتَ همزَ مِثله في غير القرآن قلت: (يَكْلُوكُم) بواوٍ ساكنة، و (يَكْلَاكُم) بألف ساكنة، ومن جعلها واواً ساكنةً قال: (كَلَاتُ) بألفٍ بترك النَّبْرَةِ منها، ومن قال: (يَكْلاكُمْ) قال: كَلَيْتُ مثل قَضَيْتُ وهي من لغة قريشٍ وكُلٌّ حَسَنٌ، إِلَاّ أنَّهم يقولون في الوَجْهَيْنِ: مَكْلُوٌّ، وهو أَكثر ما يقولون: مَكْلِيٌّ، ولو قيل: مَكْلِيٌّ في الذينَ يقولونَ: كَلَيْت كانَ صواباً (3) "

الواضح من كلام الفراء أن (يَكْلُوكُم)، و (يَكْلَاكُم) ليستا قراءتين، ولكن النحاس (4)، وأبا حيان (5) ذكراهما على أنهما قراءتان. وذكر أبو حيان قراءة أخرى (يَكْلَوُكُم) بضمة خفيفة من غير همز، وأسندها إلى أبي جعفر، والزهري، وشيبة. وقال النحاس: هي بين الهمزة والواو. وذكر الأزهري في معانيه أن حمزة وقف على "يَكْلَوكُمْ" وأشار إلى الهمزة ولم يهمز. ثم قال: أما قراءة حمزة فإنه رام ضمة الواو، وقد قال الفراء: الهمزة المضمومة لا يبدل منها واو، ومن أبدل منها واوا فقد أخطأ (6).

ولم يتعرض الزبيدي لأي من هذه القراءات (7) بل اكتفى بما ذكره الفراء من فرضيات حول هذه الكلمة من الآية ما حُكْمُهَا من كلام العرب لو قِيلَتْ؟، وفرق

(1) الحجة لابن زنجلة: 300، وانظر: الدر المصون: 7/ 298.

(2)

الأنبياء: 42.

(3)

معاني القرآن: 2/ 204.

(4)

انظر إعراب القرآن للنحاس: 2/ 374.

(5)

انظر البحر المحيط لأبي حيان: 6/ 314.

(6)

انظر: معاني القراءات للأزهري: 306، والدر المصون: 10/ 301، ومعجم القراءات للخطيب: 6/ 23.

(7)

انظر: العنوان: 5، والإتحاف: 255، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 258.

ص: 127

كبير بين الفرض والواقع، ولو أن الزبيدي استند إلى هذه القراءات في بيان مذاهب العرب في همز هذه الكلمة لكان أقوى في الدلالة من كلام الفراء.

ومن باب التحقيق والتخفيف:

(مِنْسَأَتَهُ): من قوله تعالى: {فَمَا دَلَّهُمْ عَلَيْهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ} (1). [التاج: نسأ].

ذكر الزبيدي أن (المِنْسَأَةَ) قد أَبدلوا همزها إِبْدالاً كلِّيًّا فقالوا: مِنْسَاةٌ وأصلها الهمز ولكنه بَدَلٌ لازمٌ حكاه سيبويه (2)

وقد قُرِئَ بهما جميعاً قوله تعالى: {تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ} حيث قرئ: {مِنْسَاتَهُ} (3) بلا همز.

قال ابن خالويه: "الحجة لمن همز أنه أتى باللفظ على أصل الاشتقاق؛ لأن العصا سميت بذلك؛ لأن الراعي يَنْسَأُ بها الإبل عن الحوض، أي يؤخرها، والحجة لمن ترك الهمز أنه أراد التخفيف (4).

وقال السمين: المِنْسَأَةُ: العَصا اسمُ آلةٍ مِنْ نَسَأهُ أي: أخَّرَهُ كالمِكْسَحَةِ والمِكْنَسَة. وفيها الهمزةُ، وهو لغةُ تميم

فأمَّا بالهمزةِ المفتوحةِ فهي الأصلُ؛ لأنَّ الاشتقاقَ يدلُّ ويشهد له، والفتحُ لأَجْلِ بناء مِفْعَلة كمِكْنَسَة

وأمَّا قراءةُ الإِبدالِ فقيل: هي غيرُ قياسيةٍ، يَعْنُون أنها ليسَتْ على قياسِ تَخْفيفِها. إلَاّ أنَّ هذا مردودٌ: بأنها لغةُ الحجازِ ثابتةً، فلا يُلْتَفَتُ لمَنْ طَعَن. وقد قال أبو عمرو: - وكَفَى به - "أنا لا أَهْمِزُها، لأنِّي لا أَعْرِفُ لها اشتقاقاً، فإنْ كانَتْ مما لا يُهْمَزُ فقد أُخْطِئُ. وإن كانَتْ تُهْمَزُ فقد يجوزُ لي تَرْكُ الهمزِ فيما يُهْمَزُ"(5). وهذا الذي ذكره أبو عمرٍو أحسنُ ما يقالُ في هذا ونظائرِه" (6).

(1) سبأ: 14.

(2)

انظر الكتاب: 3/ 554، ونص الكتاب:"فمن ذلك قولهم: منساةٌ، وإنما أصلها منسأةٌ.

(3)

قراءة نافع، وأبي عمرو، وأبي جعفر، واليزيدي، والحسن، وزيد، ويعقوب. انظر: السبعة: 527، والحجة لابن خالويه: 218، والنشر: 2/ 390، ومعجم القراءات لمختار: 4/ 114.

(4)

الحجة لابن خالويه: 293، وانظر الحجة لأبي زرعة: 584، والدر المصون: 12/ 74 – 76.

(5)

رواها عنه الفراء في معاني القرآن: 2/ 357.

(6)

الدر المصون: 12/ 74، 75.

ص: 128

ومن ذلك:

(ضِئْزَى): قراءة في قوله تعالى: {تلكَ إذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى} (1).

[التاج: ضأز].

ذكر الزبيدي أن العرب تقول: ضِئْزى بالكسر والهمز وضِيزى بالكسر وتركِ الهمز، ومعناها كلّها الجُور. وفي (ضوز) قال:"في التنزيل العزيز: {"تلكَ إذاً قِسْمَةٌ ضِيزى" (2)، والقُرّاء جميعُهم على تَرْكِ هَمْز ضِيزى. ويقولون: ضِئْزى وضُؤْزى بالهمز، ولم يقرأ بهما أحدٌ، وحُكِيَ عن أبي زَيْد أنّه سَمِعَ العربَ تَهْمِزُ ضِيزى نَقَلَه الجَوْهَرِيّ عن أبي حاتم".

ويبدو أن الزبيدي تابع الفراء (3) في دعوى أن القراء جميعهم على ترك الهمز في ضيزى، وهذا غير صحيح؛ لأن الثابت في كتب القراءات (4) والتفسير (5) أن ابن كثير – وهو من القراء السبعة - قد قرأ:"ضِئْزَى" بالكسر والهمز.

قال السمين:" قرأ ابنُ كثير "ضِئْزَى" بهمزةٍ ساكنةٍ، والباقون بياءٍ مكانَها

فأمَّا قراءةُ العامَّةِ فيُحْتمل أَنْ تكونَ مِنْ ضازه يَضَيزه إذا ضامه وجارَ عليه. فمعنى ضِيْزَى أي: جائرة

مصدر كذِكْرى، قال الكسائي: يقال: ضازَ يَضيز ضِيْزَى كذَكَر يَذْكُر ذِكْرى. ويُحتمل أَنْ يكونَ مِنْ ضَأَزَة بالهمز كقراءةِ ابن كثير، إلَاّ أنه خُفِّفَ همزُها، وإن لم يكنْ من أصولِ القُرَّاءِ كلِّهم إبدالُ مثلِ هذه الهمزةِ ياءً لكنها لغةٌ التُزِمَتْ فقرؤُوا بها، ومعنى ضَأَزَه يَضْأَزُه بالهمز: نَقَصه ظُلماً وجَوْراً، وهو قريبٌ من الأول. ومِمن جَوَّز أَنْ تكونَ الياءُ بدلاً مِنْ همزة

(1) النجم: 22.

(2)

قراءة الهمز رواية عن ابن كثير، انظر: السبعة لابن مجاهد: 615، والنشر: 1/ 447، والإتحاف: 105، ومعجم القراءات للخطيب: 9/ 189.

(3)

انظر: معاني القرآن: 3/ 98.

(4)

انظر: السبعة لابن مجاهد: 336، معاني القراءات للأزهري: 467، والحجة لابن خالويه: 261، والنشر: 1/ 395، والإتحاف للدمياطي: 522، ومعجم القراءات لمختار: 4/ 514.

(5)

انظر: جامع البيان للطبري: 22/ 526، وجامع الأحكام للقرطبي: 17/ 103، والبحر المحيط: 8/ 162، وروح المعاني للألوسي: 19/ 499.

ص: 129

أبو عبيد، وأَنْ يكونَ أصلُها ضُوْزَى بالواوِ؛ لأنه سُمِع ضازَهُ يَضُوْزُهُ ضُوْزى، وضَازَهُ يَضِيْزُهُ ضِيْزى وضَأَزه يَضْأَزُه ضَأْزاً، حكى ذلك كلَّه الكسائيُّ، وحكى أبو عبيد ضِزْتُه وضُزْته بكسرِ الفاء وضمِّها. وكُسِرت الضادُ مِنْ ضُوْزَى؛ لأنَّ الضمةَ ثقيلةٌ مع الواو وفعلوا ذلك ليَتَوَصَّلوا به إلى قَلْب الواوِ ياءً" (1).

ومن ذلك:

(سَالَ): قراءة في قوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ} (2). [التاج: سأل].

(سُولَكَ): قراءة في قوله تعالى: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوْسَى} (3).

ذكر الزبيدي القراءات الواردة في الموضعين السابقين فقال: {سَأَلَ سَائِلٌ} قرئ: "سَالَ"(4) على التَّخْفِيفِ البَدَلِيِّ: سالَ يَسالُ، كخَافَ يَخافُ، وهي لُغَةُ هُذِيْلٍ. ومن ذلك:{ثُمَّ سُئِِلُوا الْفِتْنَةَ} (5) حيث قرئ: "سُولُوا"(6) ويستدعي الزبيدي بهذه القراءة حديثاً طويلاً عن ابن جني يشرح فيه كيف تحول النطق من "سُئِلُوا" إلى "سُولُوا" مستفيداً في معجمه من هذا التحليل الصرفي الذي أبدعه ابن جني (7).

ويذكر أن (السُّول) الْحَاجَةُ التي تَحْرِصُ عليها النَّفْسُ، لُغَةٌ في الْمَهْمُوزِ اسْتَثْقَلُوا ضَغْطَةَ الهَمْزَةِ فيه، فَتَكَلَّمُوا به على التَّخْفِيفِ، ويستدل على أن (السُّولَ) أَصْلُهُ الهَمْزُ لورود القِراءَةُ بالتحقيق والتخفيف في قَوْلَهُ عز وجل:{قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوْسَى} (8) حيث قرأ الحسن: "سُولَكَ"(9) بالتخفيف.

قال السمين: "قرأ مجاهد "سُويِلُوا" بواوٍ ساكنة ثم ياءٍ مكسورةٍ كقُوتِلُوا. حكى أبو زيد: هما يَتَساوَلان بالواو. والحسنُ: "سُولُوا" بواوٍ ساكنةٍ فقط فاحتملت

(1) الدر المصون: 13/ 215.

(2)

المعارج: 1.

(3)

طه: 36.

(4)

قراءة ابن عباس، انظر: السبعة لابن مجاهد: 348، والحجة لابن خالويه: 276، والنشر: 2/ 430، ومعجم القراءات للخطيب: 10/ 75.

(5)

الأحزاب: 14.

(6)

قراءة الحسن، انظر: البحر المحيط لأبي حيان: 9/ 139، والدر المصون للسمين: 12/ 24، ومعجم القراءات لأحمد مختار: 4/ 81، ومعجم القراءات للخطيب: 7/ 260.

(7)

انظر المحتسب: 2/ 177.

(8)

طه: 36.

(9)

انظر: الإتحاف: 539، ومعجم القراءات للخطيب:5/ 431.

ص: 130

وجهين، أحدهما: أَنْ يكونَ أصلُها (سُئِلوا) كالعامَّةِ ثم خُفِّفَتِ الكسرةُ فسَكَنَتْ، كقولِهم في "ضَرِب" بالكسر: ضَرْب بالسكون فَسَكَنت الهمزةُ بعد ضمة فقُلِبت واواً نحو: بُوْس في بُؤْس. والثاني: أن تكونَ مِنْ لغة الواو. ونُقل عن أبي عمرو أنه قرأ "سِيْلُوا" بياءٍ ساكنةٍ بعد كسرةٍ نحو: مِيْلُوا" (1).

ومن ذلك:

(البَرِيئَة): قراءة في قوله تعالى: {شَرُّ البَريَةِ} (2)، و {خَيْرُ البَريَةِ} (3).

[التاج: برأ]

ذكر الزبيدي أن " البَرِيَّةَ: الخَلق، والأصل فيها الهمز، ولكن العربَ قد تركت هَمزها، يدل على ذلك قراءة نافعٍ وابن ذَكْوان على الأَصلِ قوله تعالى: {شَرُّ البَريئَةِ

خَيْرُ البَريئَةِ} (4). إلا أن الفراء يرى أن الأصل غير مهموز حيث يقول:"البرية غير مهموز، إلا أن بعض أهل الحجاز همزها كأنه أخذها من قول الله جل وعز: "برأكم"، وبرأ الخلق، ومن لم يهمزها فقد تكون من هذا المعنى. ثم اجتمعوا على ترك همزها كما اجتمعوا على: يرى وترى ونرى، وإن أخذت من البرى كانت غير مهموزة "(5).

وقد أخذ السمين هذا المعنى فوسعه فقال:"قرأ نافعٌ وابن ذَكْوان "البَريئة" بالهمزِ في الحرفَيْن، والباقون بياءٍ مشدَّدةٍ. واخْتُلِف في ذلك الهمز، فقيل: هو الأصلُ مِنْ بَرَأ اللَّهُ الخَلْقَ: ابتدأه واخترعَه فهي (فعيلةٌ) بمعنى مَفْعولةٌ، وإنما خُفِّفَتْ، والتُزِمَ تخفيفُها عند عامَّةِ العربِ. وقد ذَكَرْتُ أنَّ العربَ التزمَتْ غالباً تخفيفَ ألفاظٍ منها: النبيُّ والخابيةَ والذُّرِّيَة والبَرِيَّة. وقيل: بل البَرِيَّةُ دونَ همزةِ مشتقةٌ مِنْ البَرَى، وهو الترابُ فهي أصلٌ بنفسِها، فالقراءتان مختلفتا الأصلِ متفقتا المعنى. إلَاّ أنَّ ابنَ عطيةَ غَضَّ مِنْ هذا فقال: "وهذا الاشتقاقُ يَجْعَلُ

(1) الدر المصون: 12/ 25.

(2)

البينة: 6.

(3)

البينة: 7.

(4)

قراءة نافع وابن عامر، في الموضعين، والباقون بغير همز، انظر: السبعة لابن مجاهد: 693 ومعجم القراءات للخطيب: 527/ 10.

(5)

معاني القرآن: 3/ 282، وانظر الحجة لابن خالويه: 374، والحجة لابن زنجلة:769.

ص: 131

الهمزةَ خطأً وهو اشتقاق غيرُ مَرْضِيّ"

والمعنى بالقراءتين شيءٌ واحدٌ، وهو جميعُ الخَلْقِ. ولا يُلْتَفَتُ إلى مَنْ ضَعَّف الهمزة من النحاةِ والقُرَّاءِ لثبوتِه متواترِاً" (1).

ومن ذلك:

(مُؤْصَدَةٌ): من قوله تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} (2).

[التاج: أصد، وصد].

تناول الزبيدي الآية السابقة في المادتين السابقتين، وخلص إلى أن: أَوصَدَ البَابَ: أَطْبَقَه وأَغْلَقه كَآصَدَه فهو مُوصَدٌ، ثم ذكر أن الآية قرئت:"مُوصَدَة" بغير هَمْزٍ

هَمَزَهَا أَبو عَمْرٍو وحَمْزَةُ، وخَلَفٌ، وَحَفْصٌ واختلف على يَعقُوب، والبَاقُون بغير هَمْزٍ (3). ولم يبين الزبيدي سبب الهمز وهل هو عِنْدَ مَنْ هَمَزَ مِنْ (أَأْصَدَ = آصد) وهي مُؤْصَدَة، أم هو من (أَوْصَدَ) وهي مُوْصَدَة، فلما أن سُبِقَتْ الواو بضمة تُوُهِّمَ أنها مضمومة فَأُبْدِلَتْ بهمزةٍ. وقد ذكر أن (أوصد) مثل (آصد) فاسم المفعول الدال على المفردة المؤنثة من (أوصد) بلا همز، ومن (آصد) مهموز؛ لأن فاءه همزة (4).

قال أبو زرعة:"من همزه جعله (مُفْعَلَة) من آصدت الباب، أي أطبقته مثل: آمنت فاء الفعل همزة، تقول: آصد يؤصد إيصادا، ومن ترك الهمز جعله من أوصد يوصد إيصادا فاء الفعل واو. قال الكسائي: أوصدت الباب وآصدته إذا رددته"(5).

ثانياً: همز ما لا يهمز:

يذكر الزبيدي في مواضع عدة أن القراءة جاءت بهمز ما ليس أصله الهمز. ويمكن عرض ذلك كما يلي:

(1) الدر المصون: 14/ 381.

(2)

الهمزة: 8.

(3)

انظر: السبعة لابن مجاهد: 364، والحجة لابن خالويه: 296، والنشر:1/ 446.

(4)

انظر: الحجةلابن خالويه: 296، والدر المصون: 14/ 344.

(5)

الحجة: 766.

ص: 132

(خُطُؤَاتِ)(1): قراءة في قوله تعالى: {ولا تَتَّبِعوا خُطُواتِ الشَّيطانِ} (2).

[التاج: خطأ]

ذكر الزبيدي في الآية السابقة إن بعض القراء قرأها مهموزة الواو {خُطُؤَاتِ} من الخطيئة والمأثم، وأنه لم يعلم أن أحداً من قراء الأمصار قرأها بالهمز، وأنه لا معنى له.

وقد خَرَّجَ ابن جني هذه القراءة على أنه مما همزته العرب وليس حقه الهمز فقال: "قراءة عليٍّ بن أبي طالب، والأعرج، وعمرو بن عبيد:{خُطُؤَات}

أما الهمز في هذا الموضع فمردود؛ لأنه من خَطَوْتُ لا من أَخْطَأْتُ والذي يُصْرَفُ إليه هذا أن يكون كما تهمزه العرب ولا حظ له في الهمز نحو: حَلَّأْتُ السَّوِيقَ ورَثَّأْتُ روحي بأبيات والذئبُ يَسْتَنْشِئُ ريحَ الغنمِ، والحَمْلُ على هذا فيه ضعف إلا أن الذي فيه من طريق العذر، أنه لما كان من فعل الشيطان غلب عليه معنى الخطأ فلما تصور ذلك المعنى أطلت الهمزة رأسها" (3).

إن مما قرر في اللغة أن الواو إذا جاءت مضمومة فإنها تهمز في نحو: وُجُوهٍ وأُجُوهٍ ومن هذا القبيل قوله تعالى:

(التَّنَاؤُشُ)(4): قراءة في قَوله تَعَالَى: {وأَنَّي لَهُمُ التَّناوُشُ} (5).

يذكر الزبيدي أن "النَّأْش، كالمَنْعِ، لُغَةٌ في النَّوشِ، وهُوَ: التَّنَاوُلُ يُقَال: نَأَشْتُ الشيءَ نَأْشاً، إِذا تَنَاوَلْتَه، كالتَّناؤُشِ. وقالَ ثَعْلَب: التَّناؤُشُ الأَخْذُ من بُعْدٍ مَهْمُوز، فإِنْ كانَ عن قُرْبٍ فهو التّناوشُ، بغَيْرِ هَمْزٍ، وقَولُهُ تَعَالَى: "وأَنَّي لَهُمُ التَّناوشُ" قُرِئَ بالهَمْزِ وغَيْرِ الهَمْزِ. وقال الزَّجّاجُ (6): مَنْ هَمَزَ فَعَلَى وَجْهَيْن، أَحَدهمَا: أَنْ

(1) قراءة علي بن أبي طالب والأعرج وعمرو بن عبيد، انظر: التهذيب: 7/ 207، والمحتسب: 1/ 117، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 277، 278.

(2)

البقرة: 168.

(3)

المحتسب: 1/ 117.

(4)

بهمز الواو قراءة حمزة والكسائي وأبي عمرو والأعمش واليزيدي وأبي بكر وخلف وحماد وآخرين، انظر: معاني الفراء: 2/ 365، والسبعة: 530، والنشر: 2/ 351، والإتحاف:360.

(5)

سبأ: 52.

(6)

معاني القرآن وإعرابه: 4/ 395.

ص: 133

يَكُونَ من النَّئيِشِ الَّذي هُوَ الحَرَكَةُ في إِبْطَاءٍ، والآخَرُ: أَنْ يَكُونَ من النَّوْشِ الَّذِي هُوَ التّناوُلُ، فَأَبْدَلَ من الواو هَمْزَةً، لمَكَانِ الضَّمَّةِ".

[التاج: نأش].

ونقل عن الفراء (1) في (نوش) أن الحواضر المتمثلة في:"أَهْل الحِجَازِ تَرَكُوا هَمْزَ "التَّنَاوُشِ"، وجَعَلُوه مِن نُشْتُ الشَّيءَ إِذا تَنَاوَلْتهُ. وقَرَأَ حَمْزَةُ والكِسَائِيُّ: "التَّنَاؤُشُ" بالهَمْزِ". فالحجة لمن قرأ بالهمز (2) أن الواو مضمومة؛ أو لأنها من نَأَشَ وليس من نَوَشَ (3).

(تَلْؤُوا)(4): قراءة في قوله تعالى: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (5). [التاج: لوي].

ذكر الزبيدي أن {تَلْؤُوا} همزت لانضمام الواو. قال السمين:"أنه من لَوَى يَلْوي كقراءة الجماعة، إلَاّ أنَّ الواوَ المضومةَ قُلِبَتْ همزةً كقلبها في "أُجوه" و"أُقِّتتْ""(6).

(أُقِّتَتْ): من قوله تعالى: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَت} (7).

ذكر الزبيدي أن قوله تعالى: {أُقِّتَتْ} "لغة مثل وُجُوهٍ وأُجُوهٍ. اجتمع القراء على همزها، وهي في قراءة عبد الله: "وُقِّتَتْ". وقرأها أبو جعفر المديني: "وُقِتَتْ" خفيفة بالواو (8)، وإنما همزت؛ لأن الواو إذا كانت أول حرف وضُمَّتْ هُمِزَتْ. يقال: هذه أُجُوهٌ حِسَانٌ، بالهمز؛ وذلك لأن ضمة الواو ثقيلة "وقرئ

(1) انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 365.

(2)

انظر: الحجة لابن خالويه: 220، ومعجم القراءات للخطيب: 7/ 379.

(3)

انظر: الجامع للطبري: 20/ 425، وروح المعاني للألوسي: 16/ 336.

(4)

انظر: الجامع للطبري: 9/ 310، ومعجم القراءات لأحمد مختار: 1/ 546، ومعجم القراءات للخطيب: 2/ 173، 174.

(5)

النساء: 135.

(6)

الدر المصون: 5/ 143.

(7)

المرسلات: 11.

(8)

انظر: السبعة: 666، والنشر: 2/ 396، والإتحاف:762.

ص: 134

{وإذا الرسل وُوقِتَتْ} (1)(فُوعِلَتْ) من المواقتة، وهي من الشواذ وهكذا قرأ جماعة". [التاج: وقت].

ويرى الطبري القراءات الثلاثة السابقة متساوية الجودة فيقول: "والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن كل ذلك قراءات معروفات، ولغات مشهورات بمعنى واحد، فبأيتها قرأ القارئ فمصيب، وإنما هو (فُعِّلَتْ) من الوقت، غير أن من العرب من يستثقل ضمة الواو، كما يستثقل كسرة الياء في أوّل الحرف فيهمزها فيقول: هذه أجوه حسان بالهمزة"(2).

ويحدد أبو حيان بيئة قراءة "وُقِّتَتْ"، فيقول إنها لغة سفلى مُضَر، ثم يقرر أن:"الواو في هذا كله أصل والهمزة بدل"(3).

ولم يقتصر الأمر على إبدال الواو المضمومة همزة، بل أبدلوا الواو التي سبقت بضمة همزة أيضا، على تَوَهُّمِ أن الضمة على الواو نفسها، وتَمَثَّلَ ذلك في ثلاثة مواضع:

(يُؤْسِفَ)(4): قِرَاءة طلَحَة بن مُصَرِّف لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ} (5) بالْهَمْزِ وكَسْرِ السِّين. [التاج: أسف].

(بالسُّؤْقِ)(6) مهموزة الواو، قراءة ابن كثير لقوله تعالى:{بَالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} (7)[التاج: سأق].

(مُؤْصَدَةٌ): من قوله عز وجل: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} (8).

[التاج: وصد].

(1) هي قراءة الحسن، انظر: والسبعة: 355، والحجة: 290 البحر المحيط: 10/ 413، والنشر: 2/ 437، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 275.

(2)

جامع البيان: 24/ 130، وانظر: معجم القراءات للخطيب:10/ 239، 240.

(3)

البحر: 10/ 413.

(4)

انظر: معاني الزجاج: 3/ 92، ومختصر ابن خالويه: 30، ومعجم القراءات للخطيب: 4/ 170.

(5)

يوسف: 7.

(6)

انظر: السبعة: 483، والنشر:2/ 378، والإتحاف: 665، ومعجم القراءات للخطيب: 8/ 101.

(7)

سورة ص: 33.

(8)

الهمزة: 8.

ص: 135

قال الزبيدي: هَمَزَهَا أَبو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ وخَلَفٌ، وَحَفْصٌ، ويَعقُوب، والبَاقُون بغير هَمْزٍ:{مُوصَدَةٌ} (1) على الأصل (أوصد).

وكما أبدلوا الواو همزة على تَوَهُّمِ أنها مضمومة لانضمام ما قبلها، كذلك أبدلوا الألف همزة لِتَوَهُّمِ أنه مفتوحٌ لانْفِتَاحِ ما قبله، وقد جاءت القراءة بذلك في ثلاثة مواضع:

) ?الضَّألِّينَ) (2): من قوله تعالى: {ولا الضَّاَلِّينَ} (3).

قال الزبيدي: وأَمَّا قِراءَةُ مَنْ قَرَأَ {وَلَا الضَّاَلِّينَ} بِهَمْزِ الأَلِفِ، فَإِنَّهُ كَرِهَ الْتِقاءَ السَّاكِنَيْنِ الأَلِفِ واللَاّمِ، فَحَرَّكَ الأَلِفَ لاِلْتِقائِهِما، فانْقَلَبَتْ هَمْزَةً؛ لأَنَّ الأَلِفَ حَرْفٌ ضَعِيفٌ، واسِعُ المَخْرَجِ، لا يَتَحَمَّلُ الحَرَكَةَ فَإِذا اضْطُرُّوا إلى تَحْرِيكِهِ، قَلَبُوهُ إلى أَقْرَبِ الحروفِ إليه وهوَ الهَمْزَةُ. قالَ: وعلى ذلكَ ما حَكاهُ أبو زَيْدٍ مِن قَوْلِهِمْ: شَأْبَّةٌ ومَأَدَّةٌ. قلتُ: وهي قِرَاءَةُ أيوب السَّخْتِيانِيّ". [التاج: جنن].

(سَأقَيْها)(4): من قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا} (5). [التاج: سأق].

قرأ ابن كثير: {سَأقَيْها} . قال ابن خالويه:"قرأه الأئمة بإرسال الألف إلا ما قرأه ابن كثير بالهمز مكان الألف، وله في ذلك وجهان:

أحدهما: أن العرب تشبه مالا يهمز بما يهمز فتهمزه تشبيها به، كقولهم: حلأت السويق، وإنما أصله في قولهم: حلأت الإبل عن الحوض، إذا منعتها من الشرب.

والآخر: أن العرب تبدل من الهمز حروف المد واللين، فأبدل ابن كثير من حروف المد واللين همزة تشبيها بذلك" (6).

(1) هذه القراءة لكل من: ابن عامر ونافع والكسائي وأبي عمرو وابن كثير وأبي جعفر، انظر: السبعة: 364، والعنوان: 36 وحجة ابن خالويه: 296، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 475.

(2)

قراءة أيوب السختياني، انظر: مختصر ابن خالويه: 1، والمحتسب: 1/ 46 – 49.

(3)

الفاتحة: 7، وانظر القراءة في: النشر: 1/ 63، والتبيان للعكبري: 1/ 8.

(4)

انظر: السبعة: 282، والحجة لابن خالويه: 197، وإبراز المعاني: 335، والنشر: 1/ 20.

(5)

النمل: 44.

(6)

الحجة: 272.

ص: 136

(جَأَنٌ)(1): قراءة عمرو بن عبيد لقوله تعالى: {إِنْسٌ وَلَا جَانٌ} (2).

[التاج: جنن].

لأن ما قبلهما مفتوح فَتُوُهِّمَ حركةُ الألف فَهُمِزَتْ؛ لأن الألف إذا تَحَرَّكَتْ هُمِزَتْ.

ويخلص مما سبق إلى أن الزبيدي قد تناول مذاهب العرب في الهمزة وهو يتمثل في محورين: الأول: التحقيق.

الثاني: التخفيف (= التسهيل): وصوره:

(1)

الحذف. (2) الإبدال. (3) بين بين.

ومعنى ذلك أن مبحث الهمزة قريب الصلة بالمماثلة الصوتية؛ لأن الإبدال والتخفيف بين بين، من أشكال المماثلة. ولكن المعضلة في هذه المسألة تتمثل في أن المماثلة بكل أشكالها كي تتم لابد من تجانس أو تقارب بين الصوتين، وهذا ما لم يتوفر بين صوت الهمزة وصوت كل من: الواو، والياء، التي تبدل منهما، حيث لا تقارب في المخرج، ولا تجانس في الصفات، وهذا واضح مما يلي:

• الهمزة: صوت حنجري، شديد (انفجاري)، مهموس، مرقق.

• الواو: صوت شفوي، متوسط، لين (مجهور = انطلاقي).

• الياء: صوت غاري، متوسط، لين (مجهور = انطلاقي). يقول الدكتور عبد الصبور شاهين:" إنه لا علاقة صوتية مطلقا بين الهمزة من ناحية وبين الواو والياء من ناحية أخرى - تعين على القول بإمكان حدوث تبادل بينها، طردا وعكسا سواء أكان إبدالا واجبا، أم جائزا، أم شاذا"(3).

وبالتالي يرفض هذا العالم الجليل وقوع البدل في هذا الباب، ويخلص إلى: "أن ما تعوده اللسان العربي في معاملته للواو والياء وللهمزة - ناشئ عن بعض

(1) انظر: المحتسب لابن جني: 1/ 46 - 49، والتبيان للعكبري: 2/ 252.

(2)

الرحمن: 39.

(3)

القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث:77.

ص: 137

الكراهات التي لم يألفها "، ويرجع هذه الكراهات إلى ثقل النطق وتنافره مما يدفع الناطق إلى المخالفة أو التصرف بصورة ما، هربا من هذا الذي يكرهه (1).

ويقرر أن وظيفة الهمزة لدى العربي تتمثل في وظيفتين:

أولاهما: الهروب من تتابع الحركات.

وثانيتهما: المبالغة في نبر بعض المقاطع، فيتحول بذلك نبر الطول إلى نبر توتر (2).

فما حدث بين الهمزة وكل من الواو والياء، ما هو إلا نوع من أنواع الهروب من الثقل المتمثل في نطق الهمزة نفسها أحيانا، أو توالي الحركات، وقد يلجأ إلى الهمز رغبة في المبالغة في مقطع معين لغرض دلالي.

ويرى الدارس أن الهمز هو الأصل (3)؛ ومن ثم فهو اللغة الأولى، وتركه لغة ثانية، ولذلك يعده مظهرا من مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف، كما يري أن ميل القبائل المتحضرة المتمثلة في قبائل غرب الجزيرة - وتَتَمَرْكَزُهَا قريشٌ - إلى الهمز راجع إلى اختصار عدد المقاطع الصوتية وانتقال موضع النبر؛ فمثلا كلمة (سأل) تتكون من ثلاثة مقاطع من النوع القصير، والنبر في هذه الحالة على المقطع الثالث من الآخر (س: ص ح)، فإذا ما خفّفنا الهمز اختصرت المقاطع الثلاثة إلى مقطعين: متوسط مفتوح وقصير، وانتقل موضع النبر إلى المقطع قبل الأخير (سا: ص م) (4).

ويمكن إجمال نتائج هذا المبحث فيما يلي:

1 -

المعروف أن تحقيق الهمز فيه شيء من الصعوبة؛ لذلك جنح العرب إلى تخفيف الهمز وقد أمدت القراءة القرآنية المعجم العربي بكثير من الشواهد الموثقة التي تمثل كل أشكال التخفيف من حذف، أو إبدال، أو بين بين.

(1) انظر السابق: 78.

(2)

انظر السابق: 80.

(3)

مما يؤكد أن الهمز هو الأصل في اللغة العربية أصالته في اللغات السامية؛ يقول أحد الباحثين: "إذا نظرنا إلى اللغات السامية نجد أن الهمز هو الأصل؛ إذ يمثل طورا أذهب في القدم من طور التسهيل". انظر: في الأصوات اللغوية دراسة في أصوات المد: 179.

(4)

انظر: الخصائص اللغوية لقراءة حفص: 49.

ص: 138

2 -

وعلى النقيض مما سبق نجد أن اللغة أحيانا تلجأ إلى المخالفة بالميل نحو الصعب فتهمز ما ليس أصله الهمز حفاظا على قوانينها وثوابتها، كأن تتحاشى الجمع بين الساكنين فتهمز (الضألين)، وقد مدت أيضا القراءات المعجم العربي بالعديد من شواهد هذا النوع.

3 -

كما أسهم هذا المبحث في إثراء المعجم العربي بالكثير من طرائق نطق الكلمة الواحدة، نحو: جبريل، وجبرائيل، وجبراييل

ولا شك أن في هذا توسعة وتيسيرا على مستخدم اللغة، ومتعلمها.

4 -

كما أن الهمز أحيانا قد يؤدي إلى تغير في المعنى، مما يثري النص القرآني، نحو:(خطؤات)، يحتمل أن تكون جمع خطوة، والهمز من قبيل همز ملا يهمز، ويحتمل أن تكون من الخطأ.

5 -

كما يبدو واضحاً أن بعض المواد في المعجم قد بُنِيَتْ على القراءة القرآنية وما دار حولها من مادة شارحة في كتب القراءات واللغة، نحو: مادة (سأق) والتي بنيت على قراءة (سأقيها) بالهمزة، قراءة في قوله تعالى "وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا".

ومادة (ميكل) بنيت على القراءات المختلفة الواردة في اسم الملك الكريم "ميكائيل" عليه السلام.

ص: 139