الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلس الرابع عشر
في ترجمة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ونفعنا به بمنه وكرمه
الحمد لله الذي تعزز في وحدانيته فهو الواحد العزيز، وتفرد في أزليته وأغرق العالم في بحر الحيرة والتعجيز، أتقن خلق الموجودات فليس في إتقان صنعته نقص ولا تعويذ، زين شقة حلة السماء بنعوت إليها وطرزها بالكواكب المشرقة أي تطريز، ورقم كميها برقم الشمس والقمر كالفضة النقية والذهب الإبريز، وحرسها من استراقاق السمع بالشهب الثواقب أتم وأمنع تحجيز، وجلاها على عيون المعتبرين أولى العقل والتميز، وسطح الأرض على تيار الماء وأبرزها بقدرته أحسن تبريز، وثبتها برواسي الجبال وجعلها مسكناً للرجال والأقطاب والصالحين والأنجاب وخلع عليهم التكريم والتعزيز، صرف عنهم الدنيا فلم يعرفوا الإدخار والتكنيز، وجعلهم قائمين بحقه خلفاء على خلقه لمن فهم الأشاير والتلفيز، وخص منهم من شاء بالرفق في بلاده، والنصيحة لعباده كالصحابة ومن تابعهم مثل عمر بن عبد العزيز.
قال البخاري «وكتب عمر بن عبد العزيز» هذا هو الإمام العادل خامس الخلفاء عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي القرشي التابعي، الخليفة الراشد المجمع على جلالته وزهده وعلمه وشفقته على المسلمين.
ترجمته أفردت بالتأليف، ويكنى أبا حفص، وكان مولده بالمدينة سنة ثلاث وستين وهي السنة التي ماتت فيها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان كثير الخوف رضي الله عنه.
وقال يزيد بن حوشب: ما رأيت أكثر خوفاً من الحسن ومن عمر بن عبد العزيز كأن النار لم تخلق إلا لهما.
وقال الحارث بن زيد جار عمر بن عبد العزيز رحمه الله: لقد سمعت عمر بن عبد العزيز لما أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وهو يتململ كالسقيم، ويبكي بكاء الحزين وهو يقول: يا دنيا إليَّ تعرضت أم إليً تشوقت، هيهات هيهات غري غيري قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك فعمرك قصير، وغنيك فقير وعيشك حقير وخطرك كبير.
وكان رضي الله عنه إذا صلى الصبح أخذ المصحف في حجره، ودموعه تنحدر تبل لحيته، فكلما مر بآية تخيفه رددها فلا يتجاوزها من كثرة البكاء حتى تطلع الشمس، أنشد بعضهم:
وآسفا فراق قوم
…
هم المصابيح والحصون
والمزن والأمن والتمني
…
والخير والعقل والسكون
بعدهم العيش ليس يصفوا
…
كيف تغلبيهم المنون
فكل نار لنا قلوب
…
وكل ماء لنا عيون
وكان إذا ذكر الموت اضطربت أوصاله.
وروي أنه قرأ يوماً ?وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَاّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ? [يونس: 61] فبكى بكاء شديداً حتى بكى معه أهل الدار، فجاءته زوجته فجلست تبكي لبكائه وبكى أهل الدار لبكائهما، فجاء ولده عبد الملك فدخل عليهم وهم يبكون فقال: يا أبت ما يبكيك؟ قال يا بني ود أبوك أنه لم يعرف الدنيا ولم تعرفه، والله يا بني لقد خشيت أن أكون من أهل النار.
يا هذا إذا كان عمر بن عبد العزيز يخاف مع عدله وأنت تأمن مع جورك وظلمك.
ورؤي في المنام بعد اثنى عشر سنة فقال: الآن تخلصت من حسابي.
اسمع يا من أمن الأقدار، وليس له عند مولاه اعتذار ولله من قال:
تشاغل بالدنيا أناس فأصبحوا
…
عن الباب محجوبين قد منعوا القربا
وأهل التقى لله تسري قلوبهم
…
إلى غاية نالوا بها الشرب العذبا
فجاءوا بنور العلم في روضة التقى
…
بها نفس الأبرار قد ملئت حبا
هم قطعوا الدنيا بخوف وعبادة
…
فذكرهم للموت ورثهم كربا
وعن عطاء رحمه الله قال: كان عمر بن عبد العزيز يجمع الفقهاء كل ليلة ويتذاكرون الموت والقيامة والآخرة، فلا يزالون يبكون حتى كان بين أيديهم جنازة.
وعن ابن حيان رحمه الله قال: صليت الصبح خلف عمر بن العزيز فقرأ ?وَقِفُوَهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ? [الصافات: 24] فجعل يكررها ولا يستطيع أن يتجاوزها من البكاء.
وعن سفيان قال: كان عمر بن عبد العزيز ساكتاً وأصحابه يتحدثون فقالوا له: مالك لا تتكلم يا أمير المؤمنين؟ قال: كنت أتفكر في أهل الجنة كيف يتزاورون، وفي أهل النار كيف يطرحون فيها، ثم بكى، وكان إذا بكى فوق غرفة تتحدر دموعه من الميزاب.
وعن الحسن بن الحسين قال: ما رأيت عمر بن عبد العزيز يبكي حتى رأيته بكى الدم، وكان خوفه بعد أن ولي الخلافة أشد وأعظم مما قبلها، فإنه كان رجلاً جسيماً فلما ولي الخلافة صار نحيفاً خوفاً من عدم القيام بحقوق العباد والمطالبة بذلك في الدار الآخرة.
قال ابن أبي شبيب: شهدت عمر بن عبد العزيز وهو يطوف البيت وإن ربطة إزاره لغائبة في بدنه من سمنه، ثم رأيته بعد ما استخلف ولو شئت أن أعد أضلاعه من غير أن أمسها.
لطيفة مناسبة: نقل في كتاب لطائف المعارف عن عون بن عقبة أنه قال: بنى ملك من الملوك ممن كان قبلكم مدينة فتأنق في بنائها، ثم صنع طعاماً ودعا الناس إليه وأقعد على أبوابها أناساً يسألون كل من خرج هل رأيتم فيها عيباً؟ فيقولون: لا، حتى جاء في آخر الناس قوم أكسية فسألوهم: هل رأيتم فيها عيباً؟ فقالوا عيبين اثنين فأدخلوهم على الملك فقال لهم: هل رأيتم فيها عيباً؟ قالوا: رأينا فيها عيبين، قالوا: وما هما؟ قالوا: تخرب ويموت صاحبها، ثم دعوه وشوقوه إليها فأجابهم وانخلع من ملكه وتعبد معهم إلى أن مات، فحدث عون بهذا الحديث لعمر بن عبد العزيز فوقع منه موقعاً عظيماً، واشتد خوفه بسبب ذلك وهمَّ أن يخلع نفسه من الملك، فأتاه ابن عمه مسلمة فقال: اتق الله يا أمير المؤمنين في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فوالله لئن فعلت لتقتلن الناس بأسيافهم فقال: ويحك يا مسلمة حملتني ما لا أطيق وجعل يرددها، ومسلمة يناشده حتى سكن.
وعن أبي حازم الخناصري الأسدي قال: قدمت دمشق في خلافة عمر بن عبد العزيز يوم الجمعة والناس رائحون إلى الجمعة فقلت: إذا إن صرت إلى الموضع الذي أريد نزوله فاتتني الصلاة ولكن أبدأ بالصلاة فصرت إلى باب المسجد، فأنخت بعيري ثم علقته ورحت المسجد، فإذا أمير المؤمنين على الأعواد يخطب الناس فلما أن أبصرني عرفني فناداني: يا أبا حازم إليَّ مقبلاً، فلما أن سمع الناس نداء أمير المؤمنين إليَّ أوسعوا لي فدنوت من المحراب، فلما أن نزل أمير المؤمنين فصلى بالناس التفت إليَّ فقال: يا أبا حازم متى قدمت بلدنا؟ قلت: الساعة وبعيري معقول على باب المسجد، فلما أن تكلم عرفته فقلت: أنت عمر بن عبد العزيز قال: نعم، قلت له: بالله لقد كنت عندنا بالأمس بخناصرة أميراً لعبد الملك بن مروان فكان وجهك وضاء، وثوبك نقياً، ومركبك وطياً، طعامك شهياً، وحرسك شديداً فما الذي غير بك وأنت أمير المؤمنين فقال: يا أبا حازم أناشدك الله إلا حدثيني الحديث الذي حدثني بخناصرة قلت: نعم
سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن بين أيديكم عقبة كؤوداً لا يجوزها إلا كل ضامر مهزول» (1) قال أبو حازم: فبكى أمير المؤمنين بكاء عالياً حتى علا نحيبه ثم قال: يا أبا حازم فتلومني أن أضمر نفسي لتلك العقبة، لعلي أن أنجوا منها، وما أظنني منها بناج قال أبو حازم: فأغمي على أمير المؤمنين فبكى بكاءً عالياً حتى علا نحيبه ثم ضحك ضحكاً عالياً حتى بدت نواجذه، وأكثر الناس فيه القول فقلنا: اسكتوا وكفوا فإن أمير المؤمنين لقي أمراً عظيماً قال أبو حازم: ثم أفاق من نحيبه فبدرت الناس إلى لومه فقلت: يا أمير المؤمنين لقد رأيت منك عجباً قال: أرأيتم ما كنت فيه؟ قلت: نعم، قال: إني بينما أنا أحدثكم إذ غمي عليَّ فرأيت أن القيامة قد قامت وحشر الله الخلائق،
وكانوا عشرين ومائه ألف أمة محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك ثمانون صفاً وسائر الأمم من الموحدين أربعون صفاً، إذا وضع الكرسي ونصب الميزان ونشرت الدواوين، ثم نادى المنادي أين عبد الله بن أبي قحافة؟ فإذا بشيخ طوال يخضب بالحناء والكتم، فأخذت الملائكة بضبعيه فأوقفوه إمام الله تعالى فحوسب حساباً يسيراً، ثم أمر ذات اليمن إلى الجنة ثم نادى المنادي: أين عمر بن الخطاب؟ فإذا بشيخ طوال يخضب بالحناء فأخذت الملائكة بضبعية فأوقفوه إمام الله تعالى فحوسب حساباً يسيراً، ثم أمر به ذات اليمين إلى الجنة، ثم نادى مناد: أين عثمان بن عفان؟ فإذا بشيخ طوال يصفر لحيته فأخذت الملائكة بضبعيه فأوقفوه إمام الله فحوسب حساباً يسيراً ثم أمر به ذات اليمين إلى الجنة، ثم نادى مناد: أين علي بن أبي طالب؟ فإذا بشيخ طوال أبيض الرأس واللحية عظيم البطن رقيق الساقين، فأخذت الملائكة بضبعية فأوقفوه إمام الله فحوسب حساباً يسيراً ثم أمر به ذات اليمين إلى الجنة فلما رأيت الأمر قد قرب مني، اشتغلت بنفسي فما أدري ما فعل الله بمن كان بعدي، إذ نادني المنادي أين عمر بن عبد العزيز؟ فقمت على وجهي ثم قمت فوقعت على وجهي ثم قمت فوقعت على وجهي وأتاني ملكان فأخذا بضبعي فأوقفاني إمام الله تعالى فسألني عن النقير والقطير والفتيل، وعن كل قضية قضيت بها حتى ظننت أني لست بناج ثم إن ربي تفضل عليَّ وتداركني منه برحمته وأمر بي ذات اليمين إلى الجنة، فبينما أنا مار مع الملكين الموكلين بي فمررت بجيفة ملقاة على رماد فقلت: ما هذه الجيفة؟ قالوا: أدن منه وسله يخبرك، فدنوت منه فوكزته برجلي فقلت له: من أنت؟ فقال لي: من أنت؟ قلت: أنا عمر بن عبد العزيز، قال لي: ما فعل الله بك وبأصحابك؟ قلت: أما أربعة
(1) رواه أبو نعيم في حلية الأولياء (5/299) ، والقصة بتمامها عنده عن أبي حازم الخناصري.
فأمر بهم ذات اليمين إلى الجنة ثم لا أدري بمن كان بعد علي فقال لي: أنت ما فعل الله بك؟ قلت: تفضل علي ربي وتداركني برحمته، وقد أمر بي ذات اليمين إلى الجنة،
فقال: أنا كما صرت ثلاثاً، قلت له: من أنت؟ قال: أنا الحجاج بن يوسف، قلت له: الحجاج أرددها ثلاثاً، قلت: ما فعل الله بك قال لي قدمت على رب شديد العقاب ذي بطشة فقتلني بكل قتلة قتلت بها مثلها، ثم ها أنا موقوف بين يدي ربي أنتظر ما ينتظره الموحدون من ربهم، إما إلى الجنة وإما إلى نار.
قال أبو حازم فأعطيت الله عهداً بعد رؤيا عمر بن عبد العزيز أن لا أوجب لأحد من هذه الأمة ناراً.
وروي أنه رضي الله عنه منذ ولي الخلافة لم يضع لبنة على لبنة ولا أحدث له دآبة ولا امرأة ولا جارية، حتى لحق بالله.
قال له بعض أصحابه: لأي شيء لا تحدث لك بناء؟ قال هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الدنيا ولم يضع لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة.
وعن أبي داود الرومي قال: كان لعمر بن عبد العزيز درجة يصعد عليها، وكانت تتحرك كلما نزل وطلع، وكان يرتاع منها ويرتعب، فأصلحها بعض أصحابه وشدها بطين في غيبته بغير إذنه، فلما صعد عمر ورآها قد ثبتت فسأل عمن أصلحها؟ فقيل له: إن فلاناً أصلحها، فقال: أعيدوها إلى ما كانت عليه فإني عاهدت الله منذ وليت أن لا أضع لبنة على لبنة ولا أجرة على أجرة.
اسمع واتعظ يا من أفنى في عمارة الدنيا عمره، وأقل من فعل الخيرات فيها وأكثر فيها ضرره، وكان السلف لصالح يخربون الدنيا ويعمرون بها الآخرة، ولا أنت يا مسكين عكست ذلك وغفلت أنك عن قريب ستصل إلى الحافرة ولله در من قال.
زيادة المرء في دنياه نقصان
…
وفعله غير فعل الخير خسران
يا عامر لخراب الدار مجتهداً
…
تالله هل لخراب الدار عمران
يا مستأنساً بالمنازل والدور، وكاسات الموت عليه تدور، يا مظلم القلب وما للقلب نور، الباطن خراب والظاهر معمور، لو ذكرت الأجداث والقبور، لأبطلت عمارة الدنيا أيا المغرور، ستحاسب على الأيام والشهور، يا من يصلي بلا حضور، ويصوم والصوم بالغيبة مغمور، كم نتلطف بك يا نفور، كم ننعم عليك يا كفور، تبارز بالمعاصي وأنت مستور، ويحلم عليك إنه حليم غفور، يعلم خائنه الأعين وما تخفي الصدور، إلى متى تلهى بدار الغرور، وفي تمادي الغي تفنى الدهور، يا ناسياً الموت يا
غافلاً عليه كاسات المنايا تدور، وما تزودت ليوم النشور، فانهض وتب من كل ذي ذنب متى تحظى برضوان العزيز الغفور.
ومن فضائله: أنه كان يعجبه ويحب من يذكر له شيئاً قصر فيه أو نسيه ويرى له الفضل في ذلك.
قال عمرو بن مهاجر: قال لي عمر بن عبد العزيز: إذا رأيتني قد ملت عن الحق فضع يدك في تلابيبي ثم هزني وقل: يا عمر ما تصنع.
فانظر يا هذا إلى خوف عمر بن عبد العزيز مع اجتهاده، فكيف بك مع تقصيرك، الدنيا مزرعة الآخرة، فما عملته في هذه وجدته في تلك.
فأنت اليوم تعمل وغداً ترى، فإن كنت غافلاً فأبك على ما قد جرى، وإذ كنت نائماً فستذهب عنك لذة الكرى، لو بكت عيناك يا هذا دماً ما تقدمت إلينا قدماً، كيف يصفوا لك ود بعد ما نشر العذر علينا علماً، إنما يصفوا وداد مرء حفظ العهد وراعى الذمما، لو أردناك لنا ما فتنا، ووصلنا حبلنا ما انصرما، ما رأينا منصفاً عامله منصف في صفقة إلا فاختصما، كانت الدنيا إذا قدمت على الصالحين قدموها إلى الآخرة.
كان عمر بن عبد العزيز يأتيه خراج اليمن فيدخله بيت المال، ويبيت في الظلام.
وكان يقول: إذا سهرت في أمر العامة أشعلت سراجاً من بيت المال، وإذا سهرت في أمر نفسي أسرجت عليَّ من مالي.
وأما عدله رضي الله عنه فإنه قد ملأ الأرض قسطاً وعدلاً وخضعت الوحوش لعدله وصارت الذباب في أيامه ترعى الغنم مع المغنم.
فقد حكي مالك بن دينار أنه لما ولي الخلافة عمر بن عبد العزيز قال رعاء الشاة من رؤوس الجبال: من هذا الخليفة الصالح الذي قد قام على الناس، فقيل لهم: من أعلمكم بصلاحه؟ قالوا: إنه قد قام خليفة صالح كفت الذئاب والأسد عن شائنا (1) .
قال جسر القصاب: مررت في خلافة عمر بن عبد العزيز بشياه، وفيها نحو ثلاثين وحشاً أحسبهم كلاباً فقلت للرعاة لقد أكثرتم من الكلاب بين أغنامكم، فقالو: إنهم ذئاب فقلت لهم: العجب، فقالوا: إذا صلح الرأس فليس على الجسد بأس (2) .
(1) رواه أبو نعيم في حلية الأولياء (5/255) ، وابن سعد في الطبقات الكبرى (5/386) .
(2)
رواه أبو نعيم في حلية الأولياء (5/255) .
صلى أنس بن مالك خلفه قبل خلافته ثم قال: ما رأيت أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى.
وكان رضي الله عنه عفيفاً زاهداً ناسكاً مؤمناً تقياً صالحاً رضياً وهو الذي أزال ما كان يذكر به علياً على المنابر، فإن بني أمية كانوا يلعنون علياً على المنابر، فأزاله عمر بن عبد العزيز ووضع مكانه: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر، وإلي هذا أشار كثير عزة بقوله:
وليت لم تسب علياً ولم تخف
…
بريئا ولم تقبل مقالة مجرم
وصدقت بالقول الفعال مع الذي
…
أتيت فأمسى راضياً كل مسلم
فما بين شرق الأرض والغرب كلها
…
منا ينادى من فصيح وأعجم
يقول أمير المؤمنين ظلمني
…
بأخذك ديناري ولا أحد يهم
فاربح بها من صفقة لمبايع
…
وأكرم بها أكرم بها ثم أكرم
وهو الذي بعثه الله على رأس المائة الأولى لهذه الأمة ليصح لها دينها، فقد قال أحمد بن حنبل يروي هذا الحديث:«إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يصحح لهذه الأمة دينها» (1)
فنظرنا في المائة الأولى فإذا عمر بن عبد العزيز.
وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات (2) : حمله العلماء في المائة الأولى على عمر بن عبد العزيز، وفي الثانية على الشافعي وفي الثالثة على ابن شريح، وقيل: على الشيخ أبي الحسن الأشعري، وفي الرابعة على أبي سهل الصعلوكي وقيل: على القاضي الباقلاني، وقيل: على أبي حامد الإسفرائيني، وفي الخامسة على الغزالي.
قال الكرماني: ولا يبعد أن يكون مع السادسة الإمام الرازي، وقال: كيف لا
(1) أخرجه أبو داود في سننه (4/109، رقم 4291) عن أبي هريرة.
وأخرجه أيضاُ: الحاكم في المستدرك (4/567، رقم 8592) ، والطبراني في المعجم الأوسط (6/323، رقم 6527) ، وأبو عمرو المقرئ في السنن الواردة في الفتن (3/742، رقم 364) ، والديلمي في الفردوس (1/148، رقم 532) .
وكلام الإمام أحمد رواه الخطيب في تاريخ بغداد (2/62) من طريق أبي سعيد الفريابي قال: قال أحمد بن حنبل: إن الله تعالى يقيض للناس في كل راس مائة سنة من يعلمهم السنن، وينفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي راس المائتين الشافعي رضي الله عنه.
(2)
انظر: تهذيب الأسماء (ص 27) للنووي.
ولولاه لامتلأت الدنيا من شبه الفلاسفة فهو الداعي إلى الله في إثبات القواعد الحقانية، وحجة الحق على الخلق في تصحيح العقائد الإيمانية.
وأفاد الكرماني: أن المراد بالمصحح لهذه الأمة دينها في رأس كل مائة سنة، من انقضت المائة وهو حي عالم مشار إليه قال: وقد كان قبيل كل مائة أيضًا من يصحح ويقوم بأمر الدين قال: ويحتمل التعدد في المصحح.
وأما شيخنا الجلال السيوطي قال: إن هذا البعث من خصائص هذه الأمة، وإن عيسى ابن مريم يبعث في آخر مائة ليجدد لهذه الأمة أمر دينهم.
وكان يترنم بهذه الأبيات:
نهارك يا مغرور سهو وغفلة
…
وليلك نوم والردى لك لازم
يغرك ما يغني وتشغل بالمنى
…
كما غر باللذات في النوم حالم
ويشغل فيما سوف يكره غبه
…
كذلك في الدنيا تعيش البهائم
ومن فضائله وزهده ما قاله مسلمة بن عبد الملك قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز في مرضه فإذا عليه قميص وسخ فقلت لزوجته فاطمة بنت عبد الملك: اغسلي قميص أمير المؤمنين فقالت: نفعل إن شاء الله، ثم عدته فإذا القميص على حاله فقلت: يا فاطمة لم أمركم أن تغسلوا قميص أمير المؤمنين، فإن الناس يعودونه فقالت: والله ما له قميص غيره.
وكان مرضه الذي مات فيه أول شهر رجب سنة إحدى ومائة.
وروي أن مسلمة بن عبد الملك دخل عليه في مرضه الذي مات فيه فقال: يا أمير المؤمنين من توصي بأهلك، وكان له من الأولاد الذكور بضعة عشر وإذ ذكر فقال: إن ولييَّ فيهم الله وهو يتولى الصالحين.
ويروي أنه قال: يا أمير المؤمنين إنك افتقرت ولدك من هذا المال، وتركتهم عيلة لا شيء لهم، فلو أوصيت بهم إلىّ فقال: اسندوني ثم قال: أما قولك: إني أفقرت أفواه ولدي من هذا المال، فوالله ما منعتهم حقاً هو لهم ولم أعطهم ما ليس لهم، وأما قولك: لو أوصيت فاعلم أن وصيتي وولييَّ الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين، ثم قال: بني أحد رجلين إما رجل يتقي الله تعالى فسيجعل له مخرجاً، وإما رجل منكب على المعاصي فلم أكن مقويه على معاصي الله تعالى، ثم بعث إليهم فلما حضروا ونظر إليهم فزرفت عيناه وقال: بنفسي أفدي الفتية الذين تركتهم لا شيء لهم، فإني بحمد الله تركتهم بخير، أي بني: إن أباكم بين أمرين أن تستغنوا ويدخل أبوكم النار،
وتفتقروا ويدخل أبوكم الجنة، فلأن تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة أحب إليه من أن تستغنوا ويدخل أبوكم النار، قوموا عصمكم الله تعالى، ولما وكلهم إلى مولاهم فتح الله عليهم بالمال الكثير.
حكى الكمال الدميري في الحمام: أن بعض العلماء الأكابر اجتمع بالمنصور وأمير المؤمنين فقال المنصور لذلك الرجل العالم يوماً من الأيام: عظني وأخبرني بأعجب ما رأيت، قال له: يا أمير المؤمنين من غريب ما رأيت أن عمر بن عبد العزيز مات وخلف إحدى عشر ولداً فبلغت تركته سبعة عشر دينار تصدق بخمسة دنانير واشترى له موضع القبر بدينارين، وأصاب كل واحد من أولاده تسعة عشر درهماً.
ومات هشام بن عبد الملك وخلف أحد عشر ابنا فورث كل واحد منهم ألف ألف دينار ثم إني رأيت رجلاً من أولاد عمر بن عبد العزيز حمل في يوم واحد على مائة فرس في سبيل الله ورأيت رجلاً من أولاد هشام يسأل أن يتصدق عليه قال: وهذا غير عجيب فإن عمر بن عبد العزيز وكلهم إلى ربه فكفاهم وأغناهم، وهشام وكلهم إلى دينارهم فأفقرهم مولاهم.
وعن الأوزاعي أنه قال: إن عمر بن عبد العزيز قال ما أحب أن يخفف عني سكرات الموت لأنه آخر ما يرفع للمؤمن من الأجر.
وفي رواية قال: ما أحب أن يخفف سكرات الموت لأنه آخر ما يكفر به عن المؤمن.
وروي أنه لما ثقل عليه المرض قال لمسلمة بن عبد الملك: خذ من مالي دينارين فاشتري لي كفنا فقال: يا أمير المؤمنين أن الدينارين لا يحصل بهما كفن بمثلك فقال: يا مسلمة إن كان الله عز وجل عني راضياً فسيبدلني لي بما هو خير منه، وإن كان ساخطاً فإنما أكون حطباً للنار.
ويروى أنه دخل عليه شخص يقال له: سابق في مرضه فقال: له يا سابق عظني وأوجز فأنشد:
إذا أنت لم ترحل بزاد التقى
…
وافيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون شريكه
…
وأرصدت قبل الموت ما كان أرصدا
فبكى عمر حتى وقع مغشياً عليه ودخل سابق مرة أخرى عليه فأنشده قصيدة طويلة:
فكم من صحيح بات للموت آمناً
…
أتتة المنايا بغتة بعدما هجع
فلم يستطيع إذ جاءه الموت بغتة
…
فراراً ولا منه بقوته امتنع
فأصبح تبكيه النساء مقنعا
…
ولا يسمع الداعي وإن صوته رفع
وقرب من لحد فصار مقيله
…
وفارق بعدما كان بالأمس قد جمع
فلا يترك الموت الغني لماله
…
ولا معدماً في المال ذا حاجة يدع
فلم يزل عمر يضطرب ويبكي حتى غشي عليه.
وكان بوجهه شجة فلهذا كان يقال له: شجيج بني أمية لأن ضربته دآبة في وجهه.
وهو منسوب إلى عمر بن الخطاب لكن من جهة النساء.
ومن كرامات عمر بن الخطاب أنه كان يقول: من ولدي رجل بوجهه شجة يملأ الأرض عدلاً هو عمر بن عبد العزيز فإنه رضي الله عنه من أولاد عمر بن الخطاب من جهة الأم فإن أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم.
لطيفة: مر عمر بن الخطاب ليلة ببيت فسمع امرأة تقول لابنتها: أخلطي الحليب بالماء فقالت البنت: يا أماه أو ليس نادى عمر بن الخطاب أن لا يخلط أحد الحليب بالماء؟ قالت: إنه لا يرانا، فقالت: نطيعه في الملأ ونعصيه في الخلاء، فلما أصبح عمر دعا أولاده عبد الله وعبيد الله وعاصماً وعرض عليهم الجارية وقال: لو كان لأبيكم من حركة ما سبقه إليها من أحد، فتزوجها عاصم فولدت بنتا ثم ولدت الثانية عمر بن عبد العزيز.
وقال ابن رجب في اللطائف: خطب عمر بن عبد العزيز آخر خطبة خطبها، فيها: إنكم لم تخلقوا عبثاً، ولن تتركوا سدى، وإن لكم معاد ينزل الله فيه للفصل بين عباده، فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وحرم جنة عرضها السماوات والأرض، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيرثها بعدكم الباقون، كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين، وفي كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله من قضي نحبه وانقضى أجله فتودعونه، وتدعونه في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد، قد خلع الأسباب، وفارق الأحباب، وسكن التراب، وواجه الحساب غنياً عما خلف، فقيراً إلى ما أسلف، فاتقوا الله عباد الله قبل نزول الموت، وانقضاء مواقيته وإني لا أقول لكم هذه المقالة وما أعلم على أحد من الذنوب أكثر ما أعلم عندي، ولكني استغفر الله وأتوب إليه، ثم رفع طرف درائه فبكى حتى شهق، ثم نزل فما عاد إلى المنبر بعدها حتى مات رحمة الله تعالى.
وعن عبيدة بن حسان قال: لما احتضر عمر بن عبد العزيز قال: اخرجوا عني فلا
يبقى عندى أي أحد وكان عنده مسلمة بن عبد الملك، فخرجوا وقعد مسلمة وأخته فاطمة زوجة عمر على باب فسمعوه يقول: مرحباً بهذه الوجوه ليست بوجوه إنس ولا جان، قال سمعنا صوتا من ناحية الباب يقول: ?تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُواًّ فِي الأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ? [القصص: 83] ثم دخلوا عليه وقد مات رحمة الله واستقبل القبلة وغمض عينيه وطبق فاه (1) .
قيل: إن بعض الجان بعد موته رثاه فقال:
عنا جزاك مليك الناس صالحة
…
في جنة الخلود والفردوس يا عمر
أنت الذي لا نرى عدلاً نسر به
…
من بعده ما جرت شمس ولا قمر
ورثاه جرير فقال:
تنعي النعاة أمير المؤمنين لنا
…
مفضل حج بيت الله واعتمرا
حملت أمراً عظيماً فاضطلعت به
…
وسرت فيهم بحكم الله مؤتمرا
ورثاه الفرزدق بقصيدة طويلة منها:
لو أعظم الموت خلقاً أن يواقعه
…
لعدله لم يصبك الموت يا عمر
كم من شريعة حق قد نعت لهم
…
كادت تموت وأخرى منك تنتظر
قال الأوزاعي: شهدت جنازة عمر وخرجت إلى مدينة «قنسرين» فمررت على راهب يسير على ثورين أو حمارين فقال: يا هذا ما أحسبك شهدت جنازة هذا الرجل فقلت له: نعم فبكى فقلت وما يبكيك ولست من أهل دينه قال إنما أبكي على نور كان في الأرض فطفيء.
(1) روى ابن المبارك في الزهد خبر موته (ص 309، رقم 887) عن مغيرة بن حكيم قال: قالت لي فاطمة: كنت أسمع عمر في مرضه الذي مات فيه يقول: اللهم أخف عليهم موتى ولو ساعة من نهار قالت: فقلت له يوماً: يا أمير المؤمنين ألا أخرج عنك عسى أن تغفي شيئاً فإنك لم تنم، قالت: فخرجت عنه إلى بيت غير البيت الذي هو فيه، قالت: فجعلت اسمعه يقول: ?تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُواًّ فِي الأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ? [القصص: 83] يرددها مراراً ثم اطرق فلبث طويلاً لا أسمع له صوتا فقلت لوصيف له كان يخدمه: ويحك انظر، فلما دخل صاح، قالت: فدخلت عليه فوجدته ميتاً قد أقبل بوجهه على القبلة، ووضع إحدى يديه على فيه والأخرى على عينه.
ورواه أيضاً: ابن سعد في الطبقات الكبرى (5/406) ، والطبري في التاريخ (4/72) .
وانظر: سير أعلام النبلاء (5/141) .
ويوم موته وثب ذئب على شاه فقال: الرعاة كأن الرجل الصالح قد مات فنظروا فوجدوا عمر قد مات تلك الليلة رضي الله عنه، ولي الخلافة بعده ابن عمه سليمان بن عبد الملك سنة تسع وتسعين.
وكانت خلافته مثل خلافة أبي بكر الصديق سنتين وخمسة أشهر، وكانت وفاته يوم الجمعة لعشر بقين من شهر رجب سنة إحدى ومائة وهو ابن تسع وثلاثين سنة وستة أشهر، ومات بدير سمعان قرية من قري حمص، وكان قد أرسل لصاحب الأرض الذي يساومه على موضع قبره فقال: يا أمير المؤمنين والله إني لأتبرك بقبرك وقد حاللتك منه فأبى أن يقبله إلا بثمن، وبايعهم على موضع قبره بدينارين، وقال لهم: إنما أريد بطن الأرض، فإذا دفنت فاحرثوا أرضكم وأزرعوا فيها وابنوا وانتفعوا فلا يضرني ذلك، ودفن هناك وكان عنده شيء من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأظفاره فأوصى أن تدفن معه.
لطيفة: قال يوسف بن ماهك: بينما نحن نسوي التراب على قبر عمر إذا سقط علينا من السماء رق مكتوب عليه: بسم الله الرحمن الرحيم أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار.
وقال خالد الربعي: مكتوب في التوراة أن السماء تبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين صباحاً.
لطيفة أخرى: قال الغزالي في منهاج الفائزين روي أن بعض الصالحين قال: كان لي ولداً استشهد فلم أره في المنام إلا ليلة توفي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، إذا تراءى إليَّ تلك الليلة فقلت: يا بني ألم تك ميتاً فقال: لا ولكني استشهدت وأنا حي عند الله أرزق، فقلت ما جاء بك فقال: نودي في السماء أن لا يبقى نبي ولا صديق ولا شهيد إلا وحضر الصلاة على عمر بن عبد العزيز فجئت لأشهد الصلاة ثم جئتكم لأسلم عليكم.
قال البخاري «وكتب بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي» (1) هذا هو السيد
(1) قال ابن حجر في الفتح (1/113) : قوله: «وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي» أي: ابن عميرة الكندي، وهو تابعي من أولاد الصحابة، وكان عامل عمر بن عبد العزيز على الجزيرة فلذلك كتب إليه، والتعليق المذكور وصله أحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة في كتاب الإيمان لهما من طريق عيس بن عاصم قال: حدثني عدي بن عدي قال: كتب إلى عمر بن عبد العزيز: «أما بعد فإن للإيمان فرائض وشرائع
…
إلى آخره» .
وقوله: «إن للإيمان فرائض» كذا ثبت في معظم الروايات باللام، وفرائض بالنصب على أنها اسم إن. وفي رواية ابن عساكر:«فإن الإيمان فرائض» على أن الإيمان اسم إن وفرائض خبرها، وبالأول جاء الموصول الذي أشرنا إليه.
وقوله: «فرائض» أي: أعمالاً مفروضة، «وشرائع» أي: عقائد دينية، «وحدوداً» أي: منهيات ممنوعة، «وسنناً» أي: مندوبات.
الجليل أبو فروة الكندي الجزري التابعي، وقد اختلفوا في أنه صحابي أم لا، والصحيح أنه تابعي.
وسبب الاختلاف في أنه روى أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فظنه بعضهم صحابياً.
وكان عدي عامل عمر بن عبد العزيز على الجزيرة والموصل، واستعمال عمر له يدل على أنه ليس بصحابي لأنه عاش بعد عمر، ولم يبق أحد من الصحابة في خلافته واتفقوا على جلالة عدي.
فقال البخاري: عدي سيد أهل الجزيرة.
وقال أحمد بن حنبل: عدي لا يسئل عن مثله وتوفي في ستة عشرين ومائة.
«أن للإيمان فرائض وشرائع وحدودتا وسننا» هذا الذي قاله البخاري من قوله «وكتب عمر بن عبد العزيز أن للإيمان
…
إلى آخره» تعليق ذكره بصيغة الجزم وهو حكم منه بصحته، ومقصود البخاري بهذا الأثر المنقول عن عمر بن عبد العزيز الاستدلال على مذهبه من زيادة الإيمان ونقصانه، وأن عمر بن عبد العزيز كان قائلاً بأن الإيمان قول وفعل، وكان قائلاً: بأنه يزيد وينقص حيث قال: «فمن استكملها فقد ستكمل الإيمان» واستدل بكلامه لأنه جمعها بجلالته وفضله وعلمه كما قدمنا ذلك، والفرق بين الفرائض والشرائع والسنن ظاهر، وذلك أن المراد بالفرائض: الأعمال المفروضة، وبالشرائع: العقائد الدينية، وبالحدود: المنهيات، وبالسنن: المندوبات، هكذا فسرها الكرماني والبرماوي.
قال البرماوي: وفسرناها بذلك حذراً من التكرار فيكون ذلك وفاء بالاعتقاد وبالعمل والترك واجبين ومندوبين.
* * *