المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المجلس الثالث في الكلام على رجال إسناد حديث «إنما الأعمال بالنيات» ونذكر - شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية - جـ ١

[شمس الدين السفيري]

الفصل: ‌ ‌المجلس الثالث في الكلام على رجال إسناد حديث «إنما الأعمال بالنيات» ونذكر

‌المجلس الثالث

في الكلام على رجال إسناد حديث «إنما الأعمال بالنيات»

ونذكر فيه طرفاً من ترجمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه

قَالَ البُخَارِي:

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ، يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ

قوله: «حدثنا الحميدي» هذا هو أحد مشايخ البخاري أبو بكر عبد الله بن عبد الله بن الزبير منسوب إلى جده الأعلى حميد، وهو إمام كبير مصنف رافق الشافعي في الطلب عن ابن عينيه وطبقته، وأخذ عنه الفقه ورحل معه إلى مصر، ورجع بعد وفاته إلى مكة، وكانت وفاته بها سنة تسع عشرة ومائتين (1) .

وافتتح البخاري كتابة بالرواية عن الحميدي دون غيره من مشايخة لأنه قرشي، بل هو أفقه أهل قريش من أئمتنا لقوله صلى الله عليه وسلم:«قدموا قريشاً ولا تقدموها» (2) .

ولتقديمه مناسبة أخرى وهي أنه مكي فناسب أن يذكر في أول ترجمة الوحي لأن ابتداءه كان من مكة (3) .

(1) ترجم الحافظ ابن حجر في الفتح (1/46) للحميدي فقال: هو: أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسي، منسوب إلى حميد بن أسامة، بطن من بني أسد بن عبد العزى بن قصي، رهط خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع معها في أسد، ويجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي، وهو إمام كبير مصنف، رافق الشافعي في الطلب.

(2)

أخرجه البزار في مسنده (2/112، رقم 465) عن علي رضي الله عنه، وأبو نعيم في حلية الأولياء (9/64) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، والإمام الشافعي في المسند (1/278) عن ابن شهاب أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

فذكره، وأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة (2/637، رقم 1519) عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه.

(3)

قال ابن حجر في الفتح (1/46) : فكأن البخاري امتثل قوله صلى الله عليه وسلم: «قدموا قريشاً» فافتتح كتابه بالرواية عن الحميدي، لكونه أفقه قرشي أخذ عنه، وله مناسبة أخرى: لأنه مكي كشيخه، فناسب أن يذكر في أول ترجمة بدء الوحي، لأن ابتداءه كان بمكة، ومن ثم ثنى بالرواية عن مالك، لأنه شيخ أهل المدينة، وهي تالية لمكة في نزول الوحي وفي جميع الفضل، ومالك وابن عيينة قرينان، قال الشافعي: لولاهما لذهب العلم من الحجاز.

ص: 89

وقوله: «قال حدثنا سفيان» هذ هو سفيان بن عينيه، ويجوز في سين سفيان الفتح والضم والكسر، والضم أشهر وهو هلالي كوفي، ثم مكي، وهو من تابع التابعين سكن بمكة ومات بها، وكان من الحفاظ المتقنين، وأهل الورع والدين، ومن العلماء بكلام رب العالمين، وسنة سيد المرسلين.

ومن فضائله رضي الله عنه أنه قرأ القرآن وهو ابن أربع سنين، وكتب الحديث وهو ابن سبع سنين، ولما بلغ خمس عشرة سنة قال أبوه يا بني اختلط بالخير تكن من أهله، واعلم أنه لن يسعد بالعلماء إلا من أطاعهم، فأطعهم وخذ منهم تقتبس من علمهم، قال: فجعلت لا أعدل عن وصية أبي.

وكان كثير التلاوة والحج، حج نيفاً سبعين حجة، وفي كل يوم يقول: اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان، حتى قال في المرة الأخيرة: قد استحييت من الله تعالى من كثرة ما أساله، فرجع فتوفي في السنة الداخلة يوم السبت غرة رجب سنه ثمان وتسعين ومائة ودفن بالحجون.

ومن مناقبة ما حكي عن بعض أصحابه أنه قال: دخلت عليه وبين يديه قرصان من شعير فقال: يا أبا يوسف إنهما طعامي منذ أربعين سنة.

وكان كثيراً ما ينشد:

خلت الديار فسرت غير مسود

ومن الشقاء تفردي بالسودد

قال الشافعي في حقه: لولا مالك (1) وسفيان لذهب علم الحجاز وهو من مشايخ الشافعي ومن ينتهي إليه سلسلة أصحابه في الفقه ومنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إذا جاءه شيء من التفسير أو الفتيا يلتفت إلى الشافعي ويقول: سلوا هذا.

وكان يوماً جالساً وعنده أصحابه، وإذا بصبي قد دخل المسجد فتهاون به أهل المجلس لصغره، فقال سفيان: لأصحابه كذلك كنتم من قبل، فمنَّ الله عليكم، ثم التفت إلى واحد من أصحابه وقال له: يا فلان لو رأيتني ولي عشر سنين طولي خمسة أشبار، وأنا كشعلة من نار، ثيابي صغار، وأكمامي قصار، وذيلي بمقدار، وبغلي كآذان الفار، أختلف إلى علماء الأمصار، مثل الزهري وعمرو بن دينار (2) ، أجلس بينهم كالمسمار، ومحبرتي كالجوزة، ومقلمتي كالموزة، وقلمي كاللوزة، فإذا جلست فيهم قالوا: وسعوا للشيخ الصغير، ثم ابتسم ابن عيينة وضحك، وإنما قال ذلك: حثاً لهم على إكرام الصغير، وإعلاماً لهم بأن العلم فضل الله يؤتيه من يشاء ولقد أحسن من قال: وكم من صغير وفقه الله في حال صغره، فغاب عليه الخوف من الله.

(1) هو: إمام دار الهجرة مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه ينسب المذهب المالكي، كان صلبا في دينه، بعيدا عن الإمارة، شديدا على الأمراء بعيدا عنهم له: الموطأ في الحديث، والمدونة الكبري، ولد بالمدينة وكانت وفاته بها سنة (93هـ) .

انظر: الديباج المذهب (1/30) ، والوفيات (1/439) ، وتهذيب التهذيب (10/5) .

(2)

عمرو بن دينار هو: عمرو بن دينار الجمحي بالولاء، أبو محمد الأثرم: فقيه، كان مفتي أهل مكة، فارسي الأصل، مولده بصنعاء سنة: 46هـ هـ، ووفاته بمكة سنة: 126هـ.

قال شعبة: ما رأيت أثبت في الحديث منه، وقال النسائي: ثقة ثبت، واتهمه أهل المدينة بالتشيع والتحامل على ابن الزبير، ونفى الذهبي ذلك، قال ابن المديني: له خمسمائة حديث.

ص: 90

قال الحسن البصري (1) : رأيت صغير يبكي فقلت: يا صبي من ضربك أبوك أم أمك؟ قال: يا عم ما ضربني أبي ولا أمي، ولكن أبكي من خوف جهنم، فقلت له: يا بني مع صغر سنك تخاف من جهنم؟ قال: يا عم رأيت أمي إذا طبخت تترك الحطب الصغار تحت الكبار، فأبكاني ذلك، ثم قلت: له يا بني هل لك ان تصحبني حتى أعلمك مما علمني الله من العلم، فقال: على شرط إذا جعت تطعمني، وإذا عطشت تسقيني، وإذا مرضت تشفيني، وإذا زللت تغفر لي، وإذا مت تحييني، قلت: لا أقدر على ذلك، قال: أنا على باب ملك يقدر على ذلك كله.

قوله «قال حدثنا يحيى بن سعيد الانصاري» هذ هو سعيد بن سعيد ين قيس بن عمرو بن سهل بن ثعلبة الأنصاري تابعي، اتفق العلماء على جلالته وعدالته وحفظه، وكانت وفاته سنه أربع أو ثلاث أو ست وأربعين ومائة بالعراق، وقيل: بالهاشمية.

والأنصاري نسبة إلى الأنصار الذي هو كالعلم للقبيلتين الأوس والخزرج، ولهذا جاز النسبة إلى لفظ الجمع.

وسموا أنصار لانهم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى {وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا} [الأنفال: 72] وواحد الأنصار نصير كشريف وأشراف.

قوله: «قال أخبرنا محمد بن إبراهيم الشيمي» هذا هو عبد الله محمد بن إبراهيم الحارث بن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن تميم بن مرة المدني القرشي التيمي، تابعي، وكانت وفاته بالمدينة سنة عشرين إحدى عشرين ومائة.

قوله: «سمع علقمة بن أبي وقاص الليثي» قال الكرماني: «علقمة» بفتح العين المهملة، توفي بالمدينة في خلافة عبد الملك بن مروان، وهو منسوب إلى ليث بن عبد مناف، وهو تابعي على قول الأكثر، وقال ابن منده: إنه صحابي.

وقوله: «يقول سمعت عمر بن الخطاب» هذا هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

وقبل الكلام على نسبة ومناقبه نذكر نسب النبي صلى الله عليه وسلم تبركاً به وتشرفاً، فإن نسب عمر رضي الله عنه يجتمع مع نسب صلى الله عليه وسلم فنقول:

هو صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله، سمي محمد لكثرة خصاله المحمودة، وسنذكر في المجالس الآتية أن والديه هل ماتا مؤمنين أو كافرين؟ فإن العلماء اختلفوا في ذلك.

ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوئ، ولوئ يقرأ بالهمز وتركه.

(1) هو: أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن بن يسار البصري، من سادات التابعين وكبرائهم، وكان إمام أهل البصرة، وحبر الأمة في زمنه، قيل: كان جامعاً عالماً رفيعاً فقيهاً ناسكاً، من المشهود لهم بالفضل، قال عنه الإمام الغزالي: كان الحسن البصري أشبه الناس كلاماً بكلام الأنبياء، وأقربهم هجياً من الصحابة، وكان غاية في الفصاحة، أقواله كثيرة، ومتناثرة، ومشهورة، توفي رحمه الله تعالى بالبصرة في مستهل شهر رجب سنة 110هـ.

انظر: الوفيات (ص: 109) ، والبداية والنهاية (5/301) ، تهذيب الكمال (4/297، ترجمة: 1198) ، والمناوي في الكزاكب الدرية (1/181) .

ص: 91

ابن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانه بن مدركة بن إلياس، هو أول من أهدى البدن إلى بيت الله الحرام، وهو أول من وضع مقام إبراهيم للناس بعد غرق البيت وانهدامه زمن نوح، فكان إلياس أول من ظفر به فوضعه في زاوية البيت، ولم تزل العرب تعظم إلياس.

قال السهيلي (1)

: ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تسبوا إلياس فإنه كان مؤمناً» (2) ، وذُكر أنه كان يسمع من صلبه تلبيه النبي صلى الله عليه وسلم بالحج.

ابن مضر بن نزار: بكسر النون مشتق من النذر، وهو القليل، سمي «بنزار» لأن أباه حين ولد له نظر إلى نور النبوة بين عينيه الذي كان ينتقل في الأصلاب، ففرح فرحاً شديداً، ونحروا طعم، وقال: هذا نذر في حق هذا المولود.

ابن معد بن عدنان، إلى هنا أجمع العلماء على نسبه الشريف وحق أن ينشد فيه ينشد صلى الله عليه وسلم:

نسب كأن عليه من شمس الضحى نوراً

ومن فلق الصباح عمودا

ما فيه إلا سيداً وابن سيد

حاز المكارم والتقى والجودا

وأما رفع نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى آدم فقد كرهه الإمام مالك، وقال: من أخبرك بذلك؟ ولكن الجمهور جوزوه لأنه يترتب عليه معرفة العرب من غيرهم، وقريش من غيرهم.

وقد تنتقل صلى الله عليه وسلم في الأصلاب الطاهره الزكية، وكلما انتقل إلى صلب واحد يلوح عليه أنواره البهية، ولقد أحسن من قال:

تنقلت في أصلاب قوم أعزة

بك افتخروا في كل واحة ومحفل

وأشرقت الأنوار في كل بقعة

وفاح الثناء في كل واد ومنزل

وأضحى لسان الدهر ينشد فرحة

تنقل فلذات الهوى في التنقل

وأما عمر بن الخطاب فهو: أمير المؤمنين، أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لوي بن غالب الفهري العدوي القرشي، يتلقي نسبة بنسب النبي صلى الله عليه وسلم في حفص، كناه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه بن الجوزي.

والحفص في اللغة: الأسد، واتفق العلماء على تسميته بالفاروق، قيل: لظهور

(1) هو: الحافظ البارع أبو القاسم عبد لرحمن بن عبد لله بن أحمد السهيلي الخثعمي المآلقي الضرير، ويكنى أبا زيد وأبا الحسن، صاحب التصانيف منها: الروض الأنف في شرح سيرة ابن هشام، والإعلام بما أبهم القرآن من الأسماء الأعلام، وكتاب نتائج النظر. وكانت وفاته -رحمه الله تعالى- سنة (581هـ) .

انظر: طبقات المحدثين (1/179) ، وشذرات الذهب (2/271) ، وأبجد العلوم (2/331) .

انظر: الديباج المذهب (1/30) ، والوفيات (1/439) ، وتهذيب التهذيب (10/5) .

(2)

لم نقف عليه.

ص: 92

الفرق بين الحق والباطل بإسلامه.

وقيل: سبب تسميته بالفاروق ما روي عن الشعبي (1) أن رجلاً من المنافقين ويهودياً اختصما فقال اليهود: ننطلق إلى محمد بن عبد الله، وقال المنافق: إلى كعب بن الأشرف، فأبى اليهودي، وأتى للنبي صلى الله عليه وسلم فقضى لليهودي، فلما خرجا قال المنافق: ننطلق إلى عمر بن الخطاب، فأقبلا إليه فقصا عليه القصة، فقال: رويداً حتى أخرج إليكما فدخل البيت واشتمل على السيف، ثم خرج وضرب عنق المنافق، وقال: هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم فنزل جبريل فقال: إن عمر بن الخطاب فاروق الحق والباطل، فسمي الفاروق. خرجه الواحدي وأبو الفرج.

واختلف العلماء فيمن سماه بالفاروق فقيل: ربه وهو ضعيف، وقيل: أهل الكتاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر المحب الطبري (2)

في كتابه الرياض النضرة أنه قال: روي عن ابن العباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ينادي مناد يوم القيامة أين الفاروق عمر فيؤتى به، فيقول الله تعالى مرحباً بك يا أبا حفص، هذا كتابك فإن شئت فاقرأه، وإن شئت فلا، فقد غفرت لك» (3) .

قال: وقد روي أن اسمه في السماء فاروق، وفي الإنجيل كافي، وفي التوراة منطق الحق.

وهو أول من سمي أمير المؤمنين، وكان يقال: لأبي بكر رضي الله عنه خليفة رسول الله، فلما ولي عمر رضي الله عنه قيل له: خليفة خليفة رسول الله رضي الله عنه فاستطالوا ذلك، فقيل: إنه سمى نفسه فقال: أنتم المؤمنون وأنا أميركم، وقيل: سماه غيره به.

واختلف العلماء في وقت إسلامه فقيل: أسلم بعد خمس من النبوة، وقيل: أربع، والراجح بعد ست، وكان مكملاً لعدة أربعين رجلاً فقد ورد عن ابن عباس (4)

قال: أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلاً ثم إن عمر أسلم فصاروا أربعين رجلاً فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64] خرجه الخلعي (5) والواحدي (6) .

كما روي: أنه أسلم بعد أربعين رجلاً وإحدى عشر امرأة.

وسبب إسلامه كما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خرج علينا متقلداً السيف، فلقيه رجل من بني زهرة فقال: أين تعمد أين تريد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمداً،

(1) هو: أبو عمرو، عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار الشعبي الحميري، راوية التابعين، يضرب المثل بحفظه، ولد ونشأ ومات فجأة بالكوفة، وكان رحمه الله سفير ورسول عبد الملك بن مروان إلى الروم، توفي سنة (102هـ)

انظر: تهذيب التهذيب (5/65) ، ووفيات الأعيان (1/244) ، وحلية الأولياء (4/310) .

انظر: الديباج المذهب (1/30) ، والوفيات (1/439) ، وتهذيب التهذيب (10/5) .

(2)

محب الطبري: هو فقيه الحرم محب الدين أبى العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبى بكر بن محمد الطبري ثم المكي، شيخ الحرم بمكة وفقيهه ومفتيه وحافظ الحجاز بلا مدافعة، ولد في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة. قال البرزالي ولد بمكة في يوم الخميس السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة.

له باع في الفتوى والتصنيف والتأليف، وهو من أئمة الفقه الشافعي وصنف فيه وبرع في مسائله وأفتى بمذهبه حتى قيل عنه شيخ الحرم ومفتيه، له من التصانيف: شرح التنبيه في فروع الشافعية وهو شرح مبسوط في عشرة أسفار كبار، ومسلك النبيه في تلخيص التنبيه وهو كبير، وتحرير التنبيه لكل طالب نبيه وهو مختصر صغير للتنبيه أيضاً، وعواطف النصرة في تفضيل الطواف على العمرة وهو كتاب في المناسك كما أشار إليه ابن قاضي شهبة، هذا في الفقه، أما في السير والتاريخ فله: الرياض النضرة في فضائل العشرة، وهو الذي نقل منه المصنف ههنا، وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، والسمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين.

توفى في جمادى الآخرة، وقيل: في رمضان، وقيل: في ذي القعدة سنة أربع وتسعين وستمائة، وحكى البرزالي عن بعض علماء الحجاز أن الشيخ محب الدين توفى فى جمادى الآخرة وولده توفى بعده فى ذى القعدة.

انظر: شذرات الذهب (3/235، 236) ، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (2/162، 163) ، والبداية والنهاية (13/340، 341) ، والدرر الكامنة (5/210) ، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي (8/18، 19، 20) ، والنجوم الزاهرة 08/74) ، وتذكرة الحفاظ (4/1474) ، وطبقات المحدثين (1/221) ، ومعجم المؤلفين (1/22، 23) ، والرسالة المستطرفة (1/108) ، وذيل التقييد (1/318) ، وكشف الظنون (1/20، 79، 465، 491، 727) ، و (2/1177، 1178، 11613) .

(3)

لم نقف عليه.

(4)

هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، ودعا له رسول الله بالفهم في القرآن، فكان يسمى البحر والحبر لسعة علمه، وهو أحد المكثرين من الصحابة في رواية الحديث، وأحد العبادلة، ومن فقهاء الصحابة، شهد مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه الجمل وصفين، وكف بصره في آخر حياته، وتوفي سنة (68هـ) .

انظر: تقريب التهذيب (1/309) ، وصفة الصفوة (1/314) ، وحلية الأولياء (1/61) .

(5)

الخلعي هو: علي بن الحسن بن الحسين بن محمد، أبو الحسن الخلعي الشافعي: مسند الديار المصرية في عصره، أصله من الموصل، ومولده سنة: 405 هـ، ووفاته بها سنة: 492 هـ، فهو ينسب إليها لذلك.

ولي القضاء فحكم يوما واحداً واستعفى، وانزوى بالقرافة، حتى قيل له: القرافي، وكان قبره فيها يعرف بقبر: قاضي الجن والإنس، صنف كتاب: الفوائد في الحديث، ويعرف بفوائد الخلعي، وخرج أحمد بن الحسين الشيرازي أجزاء من مسموعاته في الحديث، سماها: الخلعيات.

(6)

أخرجه الواحدي في أسباب النزول (ص: 196، رقم 496) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.

والواحدي هو: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي، مفسر ومن علماء التأويل، أصله من ساوه، لزم الأستاذ أبو إسحاق الثعالبي وأخذ وأكثر عنه في النقل، وكان الواحدي له باع طويل في العربية واللهجات، وتصدر للتدريس مدة وعظم شأنه، وله شعر رائق، له من التصانيف: أسباب النزول وهو مشهور، مات بنيسابور في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وأربعمائة.

انظر: طبقات المفسرين للسيوطي (ص: 70) ، البداية والنهاية (12/114) ، شذرات الذهب (3/330) ، طبقات الشافعية للسبكي (5/240) ، النجوم الزاهرة (5/104) ، العبر (3/267) ، وفيات الأعيان (2/464) .

ص: 93

قال: وكيف تأمن من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمد؟ فقال له عمر: ما أراك إلا قد صبأت وتركت دينك الذي أنت عليه، قال: أفلا أدلك على العجب يا عمر إن أختك وختنك قد صباءا وتركا دينك الذي أنت عليه، فمشى عمر حتى أتاهما وعندهما رجل من المهاجرين يقال له: خباب، فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت فدخل عليهما فقال: ما هذه الهيمنة التي سمعتها عندكم قال: وكانوا يقرؤون {طه} [طه: 1] فقالا: حديثاً تحدثناه بيننا، قال: قد صبوتما؟ فقال له ختنة: أرايت يا عمر إن كان الحق في دينك، فوثب عمر على ختنة فوطئه واشتدد عليه، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها، فدفعها دفعة بيده أدمى وجهها، فقالت وهي غضبى: يا عمر إن كان الحق في غير دينك أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فلما تبين عمر قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه، وكان عمر يقرأ الكتب، فقالت أخته: إنك نجس، ولا يمسه إلا المطهرون فقام واغتسل وتوضأ، ثم أخذ الكتاب فقرأ {طه} [طه: 1] حتى إلى قوله تعالى {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] فقال عمر: دلوني على محمد، فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت فقال: أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس: «اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام» وقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا، فانطلق عمر حتى أتى الدار، قال: وعلى الباب حمزة وطلحة وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أقبل وجل القوم، قال حمزة: نعم هذا عمر، وإن يرد الله بعمر خيراً هداه إلى الإسلام، وإن يرد غير ذلك فقتله علينا هين.

فلما سمع به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعلم أنه جاء إلى الإسلام خرج إليه وأخذ بمجامع ثوبه نترة نترة، فما تمالك أن وقع على ركبتيه وقال:«ما أنت بمنته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل الله بالوليد بن المغيرة» ثم قال: «اللهم اهد عمر بن الخطاب، اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب» فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، فكبر المسلمون تكبيرة سمعها أهل مكة، ونزل جبريل وقال: يا محمد استسر أهل السماء بإسلام عمر (1) .

(1) انظر: ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/268) وقد روى قصة إسلامه بنحو ما هاهنا عن أنس بن مالك أيضاً، وانظر نوادر الأصول (1/227) ففيه قصة إسلام عمر ولكن من حديث عائشة.

وروى الطبراني في المعجم الأوسط (2/240، رقم 1860) من هذه القصة: «عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عشية الخميس فقال: «اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام فأصبح عمر يوم الجمعة فأسلم» ، ورواه أيضاً الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (7/143، رقم 2576) .

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/62) : رواه الطبراني في الأوسط وفيه القاسم بن عثمان البصري وهو ضعيف.

ص: 94

وقال ابن عبد البر عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب صدر عمر بن الخطاب حين أسلم ثلاث مرات وهو يقول: «اللهم أخرج ما في صدره من غل، وأبدله إيماناً» يقولها ثلاثاً (1) .

ولما أسلم قال: إني ذاهب إلى أبي جهل لأعلمه بإسلامي، فإنه أشد الناس عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب إليه وطرق عليه الباب فخرج إليه وقال: مرحباً بعمر، وظن أنه باق على دينه، ما حاجتك؟ قال: جئتك أخبرك أني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله فضرب الباب في وجهه، وقال: قبحك الله وقبح ما جئت به.

وورد في الصحيح: «مازلنا أعزة منذ أسلم عمر» (2) .

وذكر المحب الطبري من خصائصه أن الله جعله مفتاح الإسلام فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنه قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إلى عمر فتبسم فقال: «يا ابن الخطاب أتدري لم تبسمت إليك؟» قال: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى

(1) انظر: ابن عبد البر في الاستيعاب (3/1147) ترجمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

والحديث أخرجه: الحاكم في المستدرك (3/91، رقم 4492) ، والطبراني في المعجم الكبير (12/305، رقم 13191) ، وفي المعجم الأوسط (2/20، رقم 1096) ، والأصبهاني في دلائل النبوة (ص 73، رقم 58) عن ابن عمر.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/65) : رجاله ثقات.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (3/1348، رقم 3481) عن عبد الله بن مسعود من قوله.

وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه (15/304، رقم 6880) ، وابن أبي شيبة في المصنف (6/354، رقم 31972) ، والبزار في مسنده (5/274، رقم 1888) ، والطبراني في المعجم الكبير (9/165، رقم 8821) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء (8/211)، وابن سعد في الطبقات الكبرى (3/270) . وانظر: الإستيعاب (3/1149) .

ص: 95

نظر إليك بالشفقة والرحمة ليلة عرفة، وجعلك مفتاح الإسلام» (1) .

وعن عمران بن حصين (2)

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا كان يوم القيامة وحشر الناس، جاء عمر بن الخطاب حتى يقف في الموقف فيأتيه شيء أشبه شيء به، فيقول: جزاك الله يا عمر خيراً، فيقول له من أنت؟ فيقول: أنا الإسلام، جزاك الله يا عمر خيراً ثم ينادي مناد: لا يدفعن لأحد كتاب حتى يدفع لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم يعطى كتابه بيمينه، ويؤذن به إلى الجنة» (3) فبكى عمر وأعتق جميع ما يملكه وهم تسعة.

وقال ابن مسعود (4)

: وكان إسلام عمر فتحاً وهجرته نصراً وإمامته رحمة، ولقد رأيتنا ما نستطيع أن نصلي في البيت حتى أسلم عمر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه يصلون في البيت خفية، فقال عمر: يا رسول الله على من تخفي ديننا، ونحن على الحق وهم على الباطل، فقال: إنا قليلون، فقال والذي بعثك بالحق نبياً لا يبقى مجلس من المجالس التي جلست فيها إلا أقر الإيمان، ثم خرج عمر، وطاف بالبيت، وهو يظهر الشهادتين، فوثب إليه المشركون، فوثب عمر على واحد منهم وجلس على صدره، وأدخل أصبعيه في عينيه فصاح الرجل ففروا من عمر، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول لم يبق مجلس إلا وأظهرت فيه الإيمان فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدار وعمر أمامه وحمزة خلفه، حتى طاف بالبيت، وصلى الظهر جهرة.

وهو من المهاجرين الأولين صلي إلى القبلتين، وشهد بدراً وبيعة الرضوان، وجميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بويع له بالخلافة يوم موت الصديق، وهو يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادي الآخر سنة ثلاث عشرة بوصية الصديق إليه فإن أبا بكر رضي الله عنه لما أيس من حياته دعا عثمان وأملى عليه كتاب أبي بكر صلى الله عليه وسلم فلما كتب ضم الصحيفة وأخرجها للناس يوم موت الصديق، وأمرهم أن يبايعوا لمن في الصحيفة، فبايعوا حتى مرت بعلي (5)

رضي الله عنه فقال: بايعنا لمن فيها وإن كان عمر، فوقع الاتفاق على خلافته، فسار بأحسن سيرة، وزين الإسلام بعدالته، وفتح في خلافته الفتوحات، وهو أول من ضرب

(1) لم نقف عليه.

(2)

عمران بن الحصين هو: عمران بن حصين بن عبيد، أبو نجيد الخزاعي: من علماء الصحابة، أسلم عام خيبر سنة 7 هـ، وكانت معه رآية خزاعة يوم فتح مكة، وبعثه عمر إلى أهل البصرة ليفقههم في الدين، وولاه زياد قضاءها وتوفي بها عام: 52 هـ، وله في كتب الحديث 130 حديثاً.

والواحدي هو: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي، مفسر ومن علماء التأويل، أصله من ساوه، لزم الأستاذ أبو إسحاق الثعالبي وأخذ وأكثر عنه في النقل، وكان الواحدي له باع طويل في العربية واللهجات، وتصدر للتدريس مدة وعظم شأنه، وله شعر رائق، له من التصانيف: أسباب النزول وهو مشهور، مات بنيسابور في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وأربعمائة.

انظر: طبقات المفسرين للسيوطي (ص: 70) ، البداية والنهاية (12/114) ، شذرات الذهب (3/330) ، طبقات الشافعية للسبكي (5/240) ، النجوم الزاهرة (5/104) ، العبر (3/267) ، وفيات الأعيان (2/464) .

(3)

لم نقف عليه بهذا اللفظ، ولكن وجدنا معناه عند محب الدين الطبري في الرياض النضرة (1/332) طرفاً منه عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول من يعطى من هذه الأمة كتابه بيمينه عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس، فقيل له: فأين أبو بكر يا رسول الله قال: هيهات زفته الملائكة إلى الجنان» قال محب الدين الطبري: خرجه صاحب الديباج.

(4)

ابن مسعود هو: أبو عبد الرحمن، عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أسلم قديما، ويقال: سادس من أسلم، وكان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات بالمدينة سنة (33هـ) .

انظر: الإصابة (4/233) .

(5)

هو: علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، أبو الحسن: أمير المؤمنين، رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين، وابن عم النبي وصهره، وأحد الشجعان الأبطال، ومن أكابر الخطباء والعلماء بالقضاء، وأول الناس إسلاماً بعد خديجة.

ولد بمكة، وربي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه، وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد، ولما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه قال له:«أنت أخي» ، وولي الخلافة بعد مقتل عثمان ابن عفان سنة 35هـ، فقام بعض أكابر الصحابة يطلبون القبض على قتلة عثمان وقتلهم وتوقى علي الفتنة، فتريث حتى لا تقوم فتنة عظيمة، وما توقاه علي لم يقبله بعض الصحابة، فوقع المسلمون في فتنة عظيمة دخلها الوشاة وأصحاب النفوس المريضة فقلبوا الأمور، وخلطوا الصالح بالسيئ عداوة منهم لدين الإسلام، ولهذه الفتنة تفصيل في كتب التاريخ ليس محل ذكره ههنا، والمؤلف السفيري سيترجم لعلي وسيتعرض للكلا على هذه الفتنة وسوف نعلق عليها بما يقتضيه المقام.

ومن صفاته أنه كان أسمر اللون، عظيم البطن والعينين، أقرب إلى القصر، وكانت لحيته ملء ما بين منكبيه، وولد له 28 ولداً منهم 11 ذكراً و 17 أنثى.

وقد أقام علي بالكوفة دار خلافته إلى أن قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي غيلة في مؤامرة 17 رمضان المشهورة، واختلف في مكان قبره، فقيل: في قصر الإمارة بالكوفة، وقيل: في رحبة الكوفة، وقيل: بنجف الحيرة، وقيل: إنه وضع في صندوق وحمل على بعير يريدون به المدنية فلما كانوا ببلاد طيء أخذ بنو طيء البعير ونحروه ودفنوا علياً في أرضهم، ونقل عن المبرد، قال: أول من حول من قبر إلى قبر: علي رضي الله عنه.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجمعت خطبه وأقواله ورسائله في كتاب سمي: نهج البلاغة، وأكثر الباحثين شك في نسبته كله إليه، أما ما يرويه أصحاب الأقاصيص من شعره وما جمعوه وسموه: ديوان علي بن أبي طالب، فمعظمه أو كله مدسوس عليه.

ص: 96

بالدرة وحملها، وكانت درته أهيب من السيف.

وله من الكرامات ما لا تحصى فمن كرامته أن العناصر الأربع وافقته، عنصر الماء والهواء والتراب والنار، وأما موافقة عنصر الماء له ففي قصة النيل، وذلك أن مصر لما انفتحت وتولى عمرو بن العاص بها في خلافه سيدنا عمر رضي الله عنه نائباً عنه، وجاء وقت زيادة النيل، اجتمع أهل مصر وجاءوا إلى عمرو بن العاص وقالوا: هذا النيل يحتاج في كل سنه إلى جارية بكر من أحسن الجوار من بنات مصر، وتحلى بأنواع الحلي والحلل، وتزين بأنواع الزينة كالعروس التي تزف إلى زوجها، ثم نلقيها فيه وإلا فلا يجري ويخرب البلاد، فقال لهم: لا أفعل شيئاً حتى أشاور أمير المؤمنين، فكتب كتاباً إلى عمر بن الخطاب يخبره فكتب إليه عمر كتاباً جواباً إليه عن كتابه وفيه رقعة مكتوب فيها:«من عبد الله عمر بن الخطاب أما بعد: فإن كنت تجري من قبلك، فلا تجر ولا حاجة بنا إليك، وإن كان الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك» وأمره أن يلقيها في النيل، فلما ألقى البطاقة في النيل، أصبحوا وقد أجرى الله النيل، وطلع ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة، ببركة عمر بن الخطاب، وأراح الله المسلمين من هذه البدعة القبيحة، التي كانت تصنع كل سنة من زمن فرعون إلى خلافة عمر رضي الله عنه وأنشد بعضهم في المعنى فقال:

يا أيها النيل المبارك إن تكن

من عند ربك تأت فاجر بأمره

وإن تكن من عند نفسك تأتنا

فالله يبسط في بره

كم من بلاد ليس تعرف أرضها

ملأ الإله بيوتها من بره

ووافقه عنصر الماء مرة أخرى وذلك: أنه بعث جيشاً إلى مدائن كسرى، وأمرَّ عليهم سعد بن أبي وقاص، وجعل قائد الجيش خالد بن الوليد، فلما بلغوا شط دجله ولم يجدوا سفينة تقدم سعد وخالد فقالا: يا بحر إنك تجري بأمر الله فبحرمة محمد صلى الله عليه وسلم وبعدل عمر خليفة رسول الله ألا ما خليتنا والعبور، فعبر الجيش بخيله وحماله ورجاله إلى المدائن ولم تبتل حوافرها.

وأما موافقه عنصر الهواء فذلك: أنه أرسل جيشاً وأمرَّ عليهم شخصاً يقال له: سارية، فلما قربوا من العدو كمنوا لهم وراء جبل وكانت نجاتهم في الصعود على الجبل، وكان نهار جمعة، فلما صعد المنبر للخطبة أطلعه الله على جيشه الذي أرسله، وعلى الكمين، وكشفت الحجب له من مسافة بعيدة، فبينما هو في الخطبة نادي: يا سارية الجبل مرتين أو ثلاثاً فاحتمل الهواء صوته حتى بلغ سارية فصعد الجبل وسلموا من

ص: 97

العدو، ثم أقبل على خطبته، فلما قضى صلاته سأله عبد الرحمن بن عوف، وكان ينبسط معه وقال له: يا أمير المؤمنين ما هذا الذي وقع منك في حال الخطبة؟ ناديت يا سارية الجبل، وجعلت للناس عليك كلاماً بإتيانك بشيء في الخطبة ليس منها، فقال: رأيت سارية وأصحابه يقاتلون عند جبل يؤخذون من جهته من بين أيديهم ومن خلفهم، فلم أملك أن قلت: يا سارية الجبل ليلحقوا بالجبل، فلم تمض أيام قليلة حتى عاد الجيش فقالوا: صلينا الصبح إلى أن حضرت الجمعة، فسمعت صوت مناد ينادي إلى الجبل، فلحقنا بالجبل فلم نزل قاهرين لعدونا، حتى هزمهم الله تعالى.

وأما موافقة عنصر التراب له فذلك أن الأرض زلزلت في أيامه واضطربت، فضربها برجله، وقيل: بدرَّته وقال: أتزلزلين وأنا أعدل عليك، فما زلزلت في حياته بعد تلك المرة قط.

ونقل السبكي عن إمام الحرمين أنه قال: إن الأرض زلزلت على زمن عمر، فحمد الله، وأثنى عليه، والأرض ترتج ثم ضربها بدرته، وقال: أقري ألم أعدل عليك؟ فاستقرت من وقتها.

قال السبكي: كان عمر على الحقيقة في الظاهر والباطن، وخليفة الله في الأرض، فهو يعزر الأرض ويؤدبها بما يصدر منها، كما يعزر ساكنيها على خطيأتهم.

فإن قيل: أيجب على الأرض تعزير وهي غير مكلفة؟

فالجواب: أن سيدنا عمر استوى عنده الظاهر والباطن، فجاز له تعزيرها لذلك، فإن ظاهر الشرع ما يبحث عنه الفقيه وباطن يطلع الله عليه بعض أصفيائه كعمر رضي الله عنه ونظير فعل عمر ما فعله موسى بن عمران بالحجر، لما مر بثوبه فلحقه وهو يقول: ثوبي حجر ثوبي حجر، وضربه ستاً أو سبعاً.

وقول سيدنا عمر للأرض: «ألم أعدل عليك» فيه إشارة إلى أن الظلم موجب الانتقام، وأن العدل موجب للرضا وأن الأرض مطيعة لله، وليس لها الارتجاج إلا في الوقت المعلوم وهو يوم القيامة كما قال تعالى:{إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1]، وكذلك وقت وقوع الجور من الحكام كما يدل ذلك قوله تعالى {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَداًّ * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً} [مريم: 90، 91] فدلت الآية على أن الأرض لولا أن الله يمسكها لانشقت من الجور والظلم والفجور الكائن عليها.

ص: 98

وأما موافقته عنصر النار فقد قال السبكي: إن ناراً كانت تخرج من كهف في جبل فتحرق ما أصابت، فخرجت في زمن عمر فأمر أبو موسى الأشعري أو تميماً الدري أن يدخلها الكهف، فجعل يحبسها بردائه، حتى أدخلها الكهف فلم تخرج بعد.

قال: ولعله أراد بذلك منع أذاها.

وورد في الموطأ عن مالك بن أنس أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل رجلاً عن اسمه فقال: جمرة، فقال عمر: ابن من؟ قال: ابن شهاب فقال: ممن؟ قال: من الحرقة، فقال: واين مسكنك؟ فقال: بحرة النار، فقال: بأيها؟ قال: بذات لظى، فقال: أدرك أهلك فقد احترقوا فكان الأمر كما قال عمر رضي الله عنه (1) .

فقد وافقه عنصر النار في هذه ايضاً.

وصفته رضي الله عنه أنه كان طوالاً جداً، جسيماً، كث اللحية، خفيف العارضين، أصلع شديد الصلع، أعسر يسر أي: قوة يديه على السواء، وكان يأخذ بيده اليمنى أذنه اليسرى، ثم يجمع أطرافه ويبث فكأنما خلق على ظهر فرسه، وكان يخضب بالحناء والكتم، وأنزل الله القرآن بموافقته في مواضع ستأتي في محلها، وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهادة والجنة، وسماع سراج أهل الجنة، وأخبر أن الله جعل الحق على لسانه وقلبه، وأن رضاه عز، وغضبه عدل، وسماه عبقرياً أي: سيداً، ومحدثاً، فقد قال صلى الله عليه وسلم:«لقد كان فيمن كان قبلكم محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر» (2) .

(1) رواه مالك في الموطأ (2/973، رقم 1753) عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب

فذكره.

وأورد الحافظ ابن حجر في الإصابة (1/539، ترجمة1300 جمرة بن شهاب) فقال: له قصة مع عمر رويناها في فوائد أبي القاسم بن بشران من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر

فذكره.

وأخرجه البخاري في صحيحه (3/1349، رقم 3486) عن أبي هريرة.

(2)

يروى هذا الحديث عن أبي هريرة وعائشة:

أما حديث أبي هريرة: أخرجه البخاري في صحيحه (3/1349، رقم 3486) ، والترمذي في سننه (5/622، رقم 3693) وقال: هذا حديث صحيح، وابن حنبل في فضائل الصحابة (1/361، رقم 529) ، وابن أبي عاصم في السنة (2/583، رقم 1261) ، واللالكائي في كرامات الأولياء (1/93، رقم 41) .

أما حديث عائشة: فأخرجه مسلم في صحيحه (4/1864، رقم 2398) ، والنسائي في السنن الكبرى (5/39، رقم 8119) ، وأحمد في مسنده (6/55، رقم 24330) ، وابن حبان في صحيحه (15/317، رقم 6894) ، والحميدي في مسنده (1/123، رقم 253) ، والخلال في السنة (2/311، رقم 387) .

ص: 99

قال النووي (1) : اختلف في المراد «بمحدثون» فقيل معناه: ملهمون، وقيل: معناه مصيبون إذا ظنوا، وقيل: تكلمهم الملائكة ويؤيده أنه جاء في روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائه حديث وتسعة وثلاثون حديثاً اتفق البخاري ومسلم على ستة وعشرين منها، وانفرد البخاري بأربعة وثلاثين، ومسلم بإحدى وعشرين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة وغيرهم، وروى عنه نحو خمسين صحابياً منهم عثمان، وعلي، وطلحة، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف وخلائق من التابعين.

ولي الخلافة عشر سنين وخمسة أشهر أو ستة أشهر قولان، واستشهد يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة.

واختلف في عمره على ثمانية أقوال ذكرها ابن الملقن في شرح هذا الصحيح وقال: الصحيح أنه مات ابن ثلاث وستين كسن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر الصديق رضي الله عنه، طلب من الله تعالى في آخر عمره فاستجاب له، فقد قال سعيد بن المسبب قال عمر: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط، وكان دعاؤه في أيام التشريق، فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن.

طعنة أبو لؤلوة طعنة أبو لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة نصراني، وقيل: مجوسي، وسبب طعنه لعمر رضي الله عنه أن المغيرة سيده كان يستغله أي: يأخذ منه كل يوماً أربعة دراهم، وكان يثقل على العبد أن يزن كل يوم أربعة دراهم، فجاء إلى عمر يشكو سيده، وقال يا أمير المؤمنين: إن المغيرة قد أثقل علىَّ غلتي فكلمه يخفف عني، فقال له عمر: اتق الله وأحسن إلى مولاك، فغضب العبد وقال: وسع الناس كلهم عدله غيري، وأضمر على قتله واصطنع خنجراً له رأسان، وقيل: سكينا ذا طرفين وسمهما، ثم جاء إلى عمر رضي الله عنه وهو في صلاة الصبح وطعنه ثلاث طعنات فقال: قتلني أو أكلني الكلب، وطعن معه ثلاثة عشر رجلاً مات منهم تسعة، وقيل: سبعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنساً، فلما ظن أنه مأخوذ نحر نفسه فصار إلى لعنة الله وغضبه قال عمر رضي الله عنه: قاتله الله لقد أمرته بمعروف، ثم قال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي على يد رجل يدعي الإسلام، ثم حمل عمر رضي الله عنه إلى منزله، وبقي ثلاثة أيام، وقيل: سبعة ومات رضي الله عنه.

(1) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (15/166) .

ص: 100

وقال الشعبي رحمه الله تعالى: لما طعن عمر بن الخطاب أتى بلبن فشرب منه، فخرج اللبن من طعنته، فقال: الله أكبر وعلم أنه يموت، وجعل جلساؤه يثنون عليه خيراً، فقال: وددت أن أخرج منها كفافاً كما دخلت، لا عليَّ ولا ليَّ، والله لو كان لي اليوم ما طلعت الشمس لافتديت به من هول المطلع، ولما احتضر غشي عليه، وكان رأسه على الأرض، فوضع ولده عبد الله رأسه في حجره، فلما أفاق قال له: ضع رأسي على الأرض فقال ابنه: يا أبت هل الأرض وحجري إلا سواء، قال: ضع رأسي بالأرض كما أمرتك، فوضعه فمسح خديه بالتراب، ثم قال: ويل لعمر، ويل لأم عمر إن لم يغفر الله لعمر، فإذا قبضت فأسرعوا بي إلى حفرتي، فإنما هو خير تقدموني إليه، أو شر تضعونه عن رقابكم.

ولما توفي رضي الله عنه أظلمت الأرض فجعل الصبي يقول: يا أماه أقامت القيامة؟ فتقول: لا يا بني ولكن قتل عمر.

وقال علي رضي الله عنه لما مات: وآعمراه قوَّم الأود، وأبر العمد، ومات تقي الثوب، قليل العيب.

وروي أنه لما احتضر قال لابنه: انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل: يقرأ عليك السلام عمر، ولا تقل أمير المؤمنين فإني اليوم لست للمؤمنين أميراً، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه فقالت: كنت أريده لنفسي ولأوثرنه اليوم على نفسي، فلما أقبل ابنه عليه قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين أُذنت، فقال: الحمد الله ما كان شيء أهم لي من ذلك، فإذا أنا قبضت فاحملوني ثم سلم وقل: يستأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإن أذن لي فأدخلوني فإن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين.

غسله ولده الزاهد عبد الله الأكبر، وهو أفضل أولاده، وكان له عشرة أولاد ذكور، وكفنه في ثوبين سجوليين، ودفنه بالحجرة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام.

وكان له من البنات حفصه، وزينب، تزوج رسول رضي الله عنه بنته حفصه سنة ثلاث من الهجرة، وكان الإسلام في حياته كالرجل المقبل لا يزد إلا قرباً، فلما قتل كان الإسلام كالرجل المدبر، لا يزداد إلا بعداً، ونظم بعضهم في هذا المعني فقال:

لقد أصبح الإسلام فيه كآبة

لفقدك يا فاروق يا سيدي عمر

وقد كان في عز بوجهك مقبلاً

فها هو قد ولى وها هو قد دبر

ص: 101

ويكفيك أن الله أعطاك فضله

لقربك بعد الموت من سيد البشر

ومن فضائله: أنه أول من يسلم عليه الحق جل جلاله يصافحه. أخرجه ابن ماجة عن أبي بن كعب (1) .

(1) أبي بن كعب بن قيس بن عبيد، من بني النجار، من الخزرج، أبو المنذر: صحابي أنصاري، كان قبل الإسلام حبراً من أحبار اليهود، مطلعاً على الكتب القديمة، يكتب ويقرأ - على قلة العارفين بالكتابة في عصره، ولما أسلم كان من كتاب الوحي، وشهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يفتي على عهده، وشهد مع عمر بن الخطاب وقعة الجابية، وكتب كتاب الصلح لأهل بيت المقدس، وأمره عثمان بجمع القرآن، فاشترك في جمعه، وله في الصحيحين وغيرهما 164 حديثاً. وفي الحديث:«أقرأ أمتي أبي بن كعب» ، وكان نحيفاً قصيراً أبيض الرأس واللحية. مات بالمدينة سنة:21هـ.

ص: 102