المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المجلس السادس عشر - شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية - جـ ١

[شمس الدين السفيري]

الفصل: ‌المجلس السادس عشر

‌المجلس السادس عشر

في الكلام على حديث «بني الإسلام على خمس»

وذكر بعض ترجمة عبد الله بن عمر وذكر فوائد ولطائف

وأفتتح هذا المجلس بخطبة مناسبة: الحمد لله الذي رفع قدر من أقر بالشهادتين، ونصب الدليل على وجود ذاته، وخفض قدر من لم يجزم بوحدانيته، ولم يعترف بقدم صفاته، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي صلى الله عليه وسلم، الذي جاء بالدين، وجاءه الفتح المبين، وكسر جيش الكافرين وأسكن الرعب في قلوب المارقين، ببركاته وعلى آله وصحبه وزوجاته وذريته صلاة وسلاماً دائمين.

باب دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ

قَالَ البُخَارِي:.

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» .

قوله «حدثنا عبيد موسى قال: أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان (1)

عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر» هذا الإمام الصالح عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المكي، زاهد الصحابة وعالمهم، أسلم بمكة قديماً مع أبيه وهو صغير، وهاجر معه، ذكره البخاري في الهجرة.

قال ابن الملقن: ولا يصح قول من قال: إنه أسلم قبل أبيه وهاجر واستصغر في غزوة أحد فلم يحضرها، وحضر الخندق وما بعدها من الغزوات.

(1) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/117) قوله: «حنظلة بن أبى سفيان» هو قرشي مكي من ذرية صفوان بن أمية الجمحي.

وعكرمة بن خالد هو: ابن سعيد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي، وهو ثقة متفق عليه، وفى طبقته عكرمة بن خالد بن سلمة بن هشام بن المغيرة المخزومي، وهو ضعيف، ولم يخرج له البخاري، نبهت عليه لشدة التباسه، ويفترقان بشيوخهما، ولم يرو الضعيف عن ابن عمر.

زاد مسلم في روايته عن حنظلة قال: سمعت عكرمة بن خالد يحدث طاوساً أن رجلاً قال لعبد الله بن عمر: ألا تغزو؟ فقال: إني سمعت.. فذكر الحديث.

ص: 331

ومن فضائله: أنه أحد الستة الذين هم أكثر الصحابة رواية، من العبادلة الأربعة، وهو أكثر الصحابة رواية بعد أبي هريرة، وهو أحد الساردين للصوم فإنه كان في الصحابة جماعة يسردون الصوم أي: يصومون الدهر عبد الله بن عمرو والده عمر بن الخطاب وعائشة وأبو طلحة وحمزة.

ومن فضائله: أنه كان لا ينام إلا قليلاً وروي عنه أنه قال: رأيت في المنام كان ملكين أخذاني وذهبا بي إلى النار، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، فلقينا ملك آخر فقال لي: لم ترع، فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل» (1) ، وكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلاً.

ومن فضائله: أنه كان إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قربه لربه، وكان أرقاءه قد عرفوا ذلك منه فربما شمر أحدهم ولزم المسجد، فإذا رآه ابن عمر على تلك الحالة الحسنة أعتقه، فيقول أصحابه: والله ما بهم إلا أن يخدعوك، فيقول: من خدعنا بالله انخدعنا.

وكان له عبد يقال له: نافع قال ابن الملقن: أعطى فيه عشرة آلاف دينار فامتنع من بيعه فقيل له: لم تمتنع أتنتظر أكثر من ذلك فقال: بل ما هو خير من ذلك هو حر لوجه الله.

وقيل: إن إعتاقه لنافع كان وهو واقف يصلي، فقد ذكر ابن الجوزي: أن عبد الله بن عمر كان قائماً يصلي ومولاه نافع قام ناحية فأشار ابن عمر إلى مولاه نافع بيده وهو في الصلاة، فلم يفهم نافع إشارته، فلما سلم من صلاته قال له نافع: يا مولاي رأيتك تشير إلي في صلاتك ولم أفهم إشارتك قال: إني قرأت ?لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ? [آل عمران: 92] ولم يكن في بهذه الساعة شيء أحب إليَّ منك فأشرت إليك أنت حر لوجه الله تعالى.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1/388، رقم 1105) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كأن بيدي قطعة إستبرق، فكأني لا أريد مكاناً من الجنة إلا طارت إليه، ورأيت كأن اثنين أتياني أرادا أن يذهبا بي إلى النار، فتلقاهما ملك فقال: لم ترع خليا عنه، فقصت حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم إحدى رؤياي

فذكره.

وأخرجه أيضاً: ابن حبان في صحيحه (15/547، رقم 7070) ، وإسحاق بن راهوية (1/191، رقم 7) ، وابن سعد في الطبقات الكبرى (4/147) ، والبيهقي في السنن الكبرى (2/501، رقم 4417) .

ص: 332

وأما زهده وكرمه وكثرة صدقاته فقد شاع ذلك عنه وذاع، فإن الله قد فتح عليه بالمال الكثير.

وروي عن ميمون بن مهران قال: أتت ابن عمر اثنان وعشرين ألف دينار في مجلس، فلم يقيم حتى فرقها، وربما تصدق في المجلس الواحد بثلاثين ألفاً.

وما مات حتى أعتق ألف إنسان أو يزيدون على ذلك، وكان لا يأكل طعاماً إلا على خوانه.

وكان يحيي الليل ثم يقول: أسحرنا فيقال: لا فيعاود الصلاة ثم يقول: أسحرنا فيقال: نعم فيقعد ويستغفر ويدعو حتى يصبح.

وكان إذا سبح قال: اللهم اجعلني من أعظم عبادك نصيباً في كل خير تقسمه الغداة، ونور تهدي به، ورحمة تنشرها، ورزق تبسطه، وضر تكشفه، وبلاء ترفعه، وفتنة تصرفها.

وشرب رضي الله عنه يوماً ماء مبرداً فبكى فقيل له: ما يبكيك قال: ذكرت آية في كتاب الله وهي ?وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ? [سبأ: 54] فعرفت أن أهل النار لا يشتهون شيئاً شهوتهم الماء البارد.

وقال جابر رضي الله عنه: ما أدركت أحداً إلا مالت به الدنيا ومال بها إلا عبد الله بن عمر.

وفضائله في المتابعة للآثار وإعراضه للدنيا ومقاصده واحتياطه في الفتوى وعلمه بالمناسك غزيرة، ومناقبة لا تحصى شهد له الشارع بالصلاح، وعاش بعد ذلك بزيادة على ستين سنة يترقى في الخيرات.

ومن فضائله: ما رواه ابن سبع السبتي في شفاء الصدر عنه رضي الله عنه: أنه خرج في بعض أسفاره فبينما هو يسير إذ بقوم وقوف فقال: مال هؤلاء قالوا: أسد على الطريق قد أخافهم فنزل عن دآبته ثم مشى إليه حتى أخذ بإذنه ونحاه عن الطريق حتى جاءت القافلة، وقال: إني استحي من ربي عز وجل أن يرى من قلبي أني أخاف غيره قال: ما كذب عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما سلطت على ابن آدم من مخافته غير الله، ولو أن ابن آدم لم يخف إلا الله لم تسلط عليه ولو أنه لم يرى إلا الله لما وكله إلى غيره نقله الدميري في الأسد.

ووقع له مرة واقعة لطيفة قال نافع: خرجت مع ابن عمر رضي الله عنهما إلى بعض نواحي المدينة المشرفة ومعه أصحابه، فنزلنا بواد فوضعوا سفرة لهم يأكلون

ص: 333

طعاماً إذ مر عليهم قطيع غنم يتبعهم عبد أسود صغير السن فقال له: عبد الله بن عمر هلم للعيش فأصب معنا، قال: يا سيدي أنا صائم، فتعجب منه وقال له: في مثل هذا اليوم في هذا الحر العظيم خلف هذا الغنم في هذه الأودية والشعاب؟ قال: نعم يا سيدي اغتنم الأيام الفانية لأيام الباقية، فتعجب عبد الله من كلام هذا العبد وحسن نيته وأدبه فقال له: يا أسود بعنا من غنمك شاة نذبحها ونطعمك من لحمها ونعطيك ثمنها فقال: يا سيدي الغنم ليست لي وإنما هي لسيدي فقال ابن عمر: إذا سألك سيدك عنها فقل له: أكلها الذئب فقال: العبد إذا قلت له أكلها الذئب فأين الله، فبكى ابن عمر وجعفر يقول: قال الراعي فأين الله يعني إذا كذبت على مخلوق فكيف بي إذا كذبت على مخلوق، عرضت على الخالق فلما دخل ابن عمر المدينة سأل عنه فاشتراه وأعتقه.

ومن فضائله: نقل عن نافع أن ابن عمر كان مرضياً فاشتهى سمكه فالتمست له المدينة فلم توجد حتى وجدت بعد كذا وكذا فاشتريت بدرهم ونصف وشويت وحملت له على رغيف، فقام سائل على الباب فقال للغلام: لفها برغيفها وادفعها إليه فقال له الغلام: أصلحك الله اشتهيتها منذ كذا فلم نجدها وجدناها واشتريناها بدرهم ونصف، أمرت بدفعها نحن نعطيه ثمنها فقال: لفها وادفعها إليه فقال: الغلام للسائل بعد أن دفعها إليه هل لك أن تأخذ درهماً وتضع هذه السمكة، فأخذ منه درهماً وردها فعاد الغلام إلى عبد الله وقال له: دفعت درهماً وأخذتها منه ثم وضعها بين يديه وقال: إني دفعتها إليه فرأيته محتاجاً إلى ثمنها فاشتريتها منه بدرهم ورأيته أشتد سروراً بالدرهم منه بالسمكة فقال: فادفعها إليه ولا تأخذ منه الدرهم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أيما أمريء اشتهى شهوة فرد شهوته وآثر على نفسه غفر الله له» (1) .

(1) أخرجه ابن عدي في الكامل (5 /126، ترجمة 1289 عمرو بن خالد أبو خالد الكوفي) وقال: عن وكيع قال: كان عمرو بن خالد في جوارنا يضع الحديث، فلما فطن به تحول إلى واسط.

وعن يحيى قال: عمرو بن خالد كوفي كذاب غير ثقة ولا مأمون حدث عنه أبو حفص الأبار وغيره، يروي عن زيد بن علي عن آبائه وقال في موضع آخر: عمرو بن خالد الواسطي ليس بثقة.

وروي عن يحيى بن معين قال: عمرو بن خالد الذي يروي عنه أبو حفص الأبار شيخ كوفي كذاب يروي عن زيد بن علي عن آبائه عن علي رضي الله عنه.

وروي عن أحمد بن حنبل قال: عمرو بن خالد الواسطي كذاب، سمعت بن حماد يقول: عمرو بن خالد كوفي روى عنه إسرائيل منكر الحديث، وقال النسائي: عمرو بن خالد يروي عن حبيب بن أُبي، روى عنه الحسن بن ذكوان كوفي ليس بثقة.

ثم أخرج الحديث من طريقه، وترجم له أيضاً ابن حبان في المجروحين (2/76، ترجمة 624) وقال: كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها من غير أن يدلس، كذبه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأورد له هذا الحديث.

وانظر ترجمته أيضاً وأقوال العلماء فيه في: الميزان للذهبي (5/311، ترجمة 6365) .

ص: 334

روى لعبد الله بن عمر من الأحاديث ألفاً حديث وستمائة حديث وثلاثون حديثاً، اتفق البخاري ومسلم منها على مائه وسبعين، وانفرد البخاري بأحد وثمانين، ومسلم بإحدى وثلاثين.

مات رضي الله عنه بفخ قرب مكة يسمى واد الزاهر سنة ثلاث وقيل: أربع وسبعين بعد قتل ابن الزبير بثلاثة أشهر عن أربع وثمانين سنة وقيل: وثمانين سنة.

فائدة: مذهب البخاري أن أصح الأسانيد ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر وهذه المسألة وقع فيها خلاف في علوم الحديث فقيل: أصح الأسانيد ما رواه الزهري عن سالم عن أبيه وقيل: أصحها ما رواه ابن سيرين عن عبيدة عن علي وقيل: أصحها ما رواه الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه علي وقيل: أصحها كما قاله إمام الصنعة الحافظ البخاري: ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر.

فعلى هذا إذا زيد في الإسناد راو بعد مالك، فأصح الأسانيد ما رواه الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر، ولاجتماع الأئمة الثلاثة في هذا الإسناد يسمى سلسلة الذهب.

لكن المعتمد المختار كما قاله النووي: أنه لا يحكم في إسناد أنه أصح الأسانيد مطلقاً، وفي هذا الإسناد الذي ساقه البخاري أعني قوله: حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر من الطريف أن رواته مكيون قرشيون، إلا عبيد الله فإنه كوفي.

«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وأقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان»

قال النووي: أدخل البخاري هذا الحديث في هذا الباب لينبئ أن الإسلام يطلق على الأفعال وأن الإسلام والإيمان قد يكونان بمعنى واحد، فقوله: «بني الإسلام على

ص: 335

خمس» بدون دعائم أو قواعد أو خصال (1) .

وفي صحيح مسلم «بني الإسلام على خمسة» (2) مقدرة بخمسة أشياء، أو أركان، أو أصول، وها هنا دقيقة جليلة نحوية وهي: أن أسماء العدد إنما يكون تذكيرها بالتاء، وتأنيثها بسقوط التاء، إذا كان المميز مذكوراً أما لو لم يكن مذكوراً فيجوز فيها الأمران صرح به النحاة.

قال الكرماني: فإن قيل: الإسلام هو الإتيان بالشهادتين فقط، ولهذا حكم بإسلام من تلفظ بها، فلما ذكر الأخوات أعني أقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان معهما؟

فالجواب: أنه ذكر الأخوات معهما تعظيماً لأخواتها، قال النووي: حكم الإسلام في الظاهر يثبت بالشهادتين وإنما أضيف الصلاة ونحوها لكونها إظهار شعائر الإسلام تعظيمها، وقيامه بها ينم عن استسلامه، وتركه لها يشعر بانحلال قيد انقياده أو اختلاله.

فإن قيل: الإسلام هو هذه الأمور الخمسة والمبني لابد أن يكون غير المبني عليه، وإلا يلزم عليه بناء الشيء على نفسه.

فالجواب: أن الإسلام عبارة عن المجموع والمجموع غير كل واحد من أركانه وأحسن من هذا الجواب ما أجاب به الشمني في حواشي مغني اللبيب: ولا يرد معه السؤال أصلاً وهو أن يقال: إن على هنا بمعنى من أي: بني الإسلام من خمس، وبه

(1) قال ابن حجر في فتح الباري (1/117) قوله: «على خمس» أي: دعائم. وصرح به عبد الرزاق في روايته، وفي رواية لمسلم «على خمسة» أي: أركان.

فإن قيل: الأربعة المذكورة مبنية على الشهادة، إذ لا يصح شيء منها إلا بعد وجودها، فكيف يضم مبني إلى مبنى عليه في مسمى واحد؟

أجيب: بجواز ابتناء أمر على أمر ينبني على الأمرين أمر آخر.

فإن قيل: المبني لا بد أن يكون غير المبني عليه.

أجيب: بأن المجموع غير من حيث الانفراد، عين من حيث الجمع، ومثاله البيت من الشعر يجعل على خمسة أعمدة أحدها أوسط والبقية أركان، فما دام الأوسط قائما فمسمي البيت موجود، ولو سقط مهما سقط من الأركان، فإذا سقط الأوسط سقط مسمى البيت، فالبيت بالنظر إلى مجموعه شيء واحد، وبالنظر إلى أفراده أشياء، وأيضاً فبالنظر إلى أسه وأركانه، والأس أصل، والأركان تبع وتكملة.

(2)

انظر الحديث عند مسلم بهذا اللفظ في صحيحه (1/45، رقم 16) من حديث عبد الله بن عمر أيضاً.

ص: 336

يندفع ما أورد على أمثاله.

فإن قيل: الأربعة الأخيرة مبنية على الشهادتين، لا يصح شيء منها إلا بعد الشهادة فالأربعة مبنية والشهادة مبنى عليها فلا يجوز إدخالها في سلك واحد.

فالجواب: أنه لا محذور في أن يبنى أمر على أمر ثم الأمران يكون مبنياً عليهما شيء آخر.

قال قيل: مفهوم هذا الحديث يقتضي إن لم يباشر الإسلام لا يصح منه، فيشكل عليه الصور التي يصح فيها إسلام الصبي بطريق التتبع ولم يباشر الإسلام بنفسه.

فالجواب: أن عموم هذا الحديث مخصوص بمنطوق قوله تعالى ?وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم? [الطور: 21] ويكون في الحديث دليل على تخصيص عموم مفهوم السنة بخصوص منطوق القرآن.

فإن قيل: لأي شيء لم يذكر الجهاد معها.

فالجواب عنه: بأنه فرض كفاية ولا يعين إلا في بعض الصور.

فإن قيل: ظاهر الحديث يقتضي أن من ترك شيئاً من الأربعة الأخيرة لا يكون مسلماً.

فالجواب: أن الإجماع صرف الحديث عن ظاهره فإن الإجماع قائم على أن الإنسان يدخل في الإسلام بالشهادتين، وإنما ذكر الباقي معها تعظيماً للشأن كما تقدم، فلا يخرج عن الإسلام بترك واحد منها.

قال البرماوي وغيره: أجمعوا على أنه لا يكفر بترك الصوم والصلاة، وأما قول أحمد بن حنبل بكفر تارك الصلاة فدليل آخر نحو «من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر» وسنذكر الجواب عنه في محله.

وقوله «شهادة أن لا إله إلا الله» وما عطف عليه مجرور بأنه بدل من خمس، بدل الكل من الكل، أو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: في أحدها شهادة أن لا إله إلا الله، أو على أنه مبتدأ محذوف الخبر تقديره: منها شهادة أن لا إله إلا الله.

و «أن» في «أن لا إله إلا الله» مخففة من الثقيلة ولهذا عطف عليه «أن محمد رسول الله» .

والمراد بإقام الصلاة: المداومة أو مطلق الإتيان بها، والمراد بإيتاء الزكاة: إخراج جزء من المال على وجه مخصوص، وتسمى هذه الخمسة أركان الإسلام ودعائمه.

قال العلماء: شبه صلى الله عليه وسلم الإسلام بشيء له دعائم فذكر المشبه وأسند إليه ما هو

ص: 337

خاص بالمشبه به، وهو البناء ويسمى ذلك استعارة بالكناية.

ووجه انحصار الإسلام في الخمسة المذكورة: أن العبادة إما قولية وهي الشهادتين، وغير قولية، وغير القولية إما روحي وهو الصوم، وإما فعلي وهو الصلاة، وإما مالي وهو الزكاة أو مركب منهما، وهو الحج.

وقدم صلى الله عليه وسلم الشهادتين على باقي الأركان لأنهما الأصل لبقية الأركان، لتوقف كل من الصلاة والزكاة وغيرهما عليهما، فقطب الأركان ومدارها على الشهادة فهما مكفرات للذنوب، وشفاء للقلوب من الأمراض والعيوب (1) .

لطيفة: مرض الشبلي فأرسل له الخليفة طبيباً نصرانياً وأوصاه به فعالجه فازداد مرضه، فتحير النصراني وقال للشبلي: يا شيخ المسلمين لو علمت أن شفاك في قطع عضو من أعضائي لفعلت فقال: شفائي في قطع زنارك فقطعه وأسلم، فوثب الشبلي كأن لم يكن به مرض، فلما سمع الخليفة قال: ظنت أني أرسلت الطبيب إلى المريض، وإنما أرسلت المريض إلى الطبيب.

لطيفة أخرى: قال الجنيد قدس الله روحه: خرجت يوماً من الأيام إلى الحج إلى بيت الله الحرام ووجهت الناقة إلى جهة الكعبة، فتحولت إلى طريق القسطنطينية فرددتها نحو الكعبة، فتحولت نحو المدينة المذكورة، فتركتها وقلت في نفسي: لله في هذا سر عظيم خفي، وقلت: إلهي وسيدي ومولاي ليس لي حيلة إن كنت تريد أن تزودني عن بيتك فالأمر إليك كله لك، وجعلت الناقة تسير سيراً سريعاً حتى دخلت

(1) قال ابن حجر في فتح الباري (1/118) : وقع هنا تقديم الحج على الصوم، وعليه بنى البخاري ترتيبه، لكن وقع في مسلم من رواية سعد بن عبيدة عن ابن عمر بتقديم الصوم على الحج، قال: فقال رجل: والحج وصيام رمضان. فقال ابن عمر: لا، صيام رمضان والحج، هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ففي هذا إشعار بأن رواية حنظلة التي في البخاري مروية بالمعنى، إما لأنه لم يسمع رد ابن عمر على الرجل لتعدد المجلس، أو حضر ذلك ثم نسيه، ويبعد ما جوزه بعضهم أن يكون ابن عمر سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم على الوجهين، ونسي أحدهما عند رده على الرجل، ووجه بعده أن تطرق النسيان إلى الراوي عن الصحابي أولى من تطرقه إلى الصحابي، كيف وفي رواية مسلم من طريق حنظلة بتقديم الصوم على الحج، ولأبي عوانة -من وجه آخر عن حنظلة- أنه جعل صوم رمضان قبل، فتنويعه دال على أنه روي بالمعنى.

ويؤيده ما وقع عند البخاري في التفسير بتقديم الصيام على الزكاة، أفيقال: إن الصحابي سمعه على ثلاثة أوجه؟ هذا مستبعد، والله أعلم.

ص: 338

البلد فرأيت أهلها في قيل وقال، فسئلت عن ذلك فقيل: إن ابنة الملك قد أصابها الجنون، وهم يطلبون لها طبيباً يداويها فقلت في نفسي وعزة ربي لهذا صرفت عن بيته في هذا العام فقلت: أنا أداويها فأدخلوني فنادت من داخل الباب: يا جنيد كم تجذبك الناقة إلينا وأنت تردها، فلما رأيتها فإذا هي من أجمل النساء، والفل في عنقها ورجليها فقالت: ما أحسنك من طبيب يا طبيب القلوب صف لي صفة ننجو بها من الكروب قال: فقلت لها: قولي: لا إله إلا الله محمد رسول الله فرق صوتها ذلك فسقط الفل من عنقها ورجليها فقال أبوها: ما أحسنك من طبيب فداوني بدوائك، فقلت له: قل كما قالت، فأسلم وأسلم معه خلق كثير، ثم أتت أمها وفرحت وأسلمت وأسلم كل من كان في البلد معهم، قال الجنيد: فحمدت الله على ذلك وعزمت على الخروج، فقالت الجارية: يا جنيد لا تعجل بالخروج فإني سألت الله أن يتوفاني وأنت حاضر حتى تصلي على وتحضر جنازتي، ثم تشهدت وخرت ميتة رحمة الله تعالى عليها، ولله در من قال:

يا منقذ الجهالة من ظلماتها

يا خير من حطت النزال

من ذاق حبك لم يزل متلهجاً

أنت الإله القادر الفعال

انشأتني وهديتني ورحمتني

فاغفر فأنت المنعم المفضال

ومننت منك تفضلاً وتكرماً

أنت الإله وما عداك محال

وروي أن الفرزدق الشاعر كان مقصراً في طاعة الله، فماتت زوجته فخرج في جنازتها وجهاء البصرة وفيهم الحسن، فلما دفنت قام الفرزدق على قبرها يقول:

إذا جاء يوم القيامة قائداً

عنيفاً وسواقاً ليسوق الفرزدق

أخاف وراء القبر إن لم تعاقبني

أشد من القبر التهاباً وأضيفا

لقد خاب من أولاد آدم من مشى

إلى النار مغلول القلادة أزرقا

فلما فرغ ونهض الناس لينصرفوا قال الفرزدق للحسن: يا أبا سعيد أما تسمع ما يقول الناس؟ قال: ما يقولون؟ قال يقولون: اجتمع في بهذه الجنازة خير الناس وشر الناس يعنوك ويعنوني، فقال الحسن: ما أنا بخيرهم وما أنت بشرهم، ولكن ما أعددت لهذا اليوم فقال: شهادة إن لا إله إلا الله منذ ستين سنة فبكى الحسن ثم التزمه وقال له الفرزدق: لقد كنت من أبغض الناس إلي، وإنك اليوم من أحب الناس إلي.

بشارة: ورد في الحديث «إن العبد إذا قال لا إله إلا الله يصعد بها الملك إلي السماء فيتقبله في السماء ملك آخر فيقول: من أين؟ فيقول: وأنت إلى أين؟ فيقول

ص: 339

أنا صاعد بشهادة فلان إلى الله تعالى فيقول الآخر: وإنا نازل إليه من عند الله ومعي براءة من النار» (1) .

يقول الله تعالى: عبادي سارعوا إلى بابي أكتبكم من أحبابي، سارعوا إلى خدمتي أسبغ عليكم نعمتي، سارعوا إلى دعائي وسؤالي غفر لكم ولا أبالي، سارعوا إلى الطاعة أغفر لكم في الحال والساعة، يا عبدي كل من قصد باب ملك وجد عليه بواباً ثم المرتب ثم الحاجب، ثم صاحب الستر قبل أن يصل إلى الملك، وأنا يا عبدي ليس على بابي بواب ولا دوني حجاب، متى أتيت بابي وقصدتني وصلت إلي ووجدتني، وإلى ذلك أشار من قال:

إذا ما الليل غلق كل باب

وأسدلت الملوك لها ستورا

أتاك القاصدون بكل معنى

أصابوا الباب مفتوحاً منيرا

من أركان الإسلام الصلاة، وهي أفضل أركان الإسلام بعد الشهادتين، بل أفضل العبادات البدنية فرضها ونفلها، فلهذا ذكرها صلى الله عليه وسلم بعد الشهادتين وقدمها على بقية الأركان، وإنما قلنا أفضل العبادات البدنية الصلاة احتراز عن شيئين، عن العبادات القلبية كالأيمان والمعرفة والتوكل ونحوهما، فإنها أفضل من العبادات البدنية، وعن العبادات المالية فإن العلماء اختلفوا فيها في العبادات البدنية.

فذهب الفارقي إلى أن المالية كالزكاة أفضل من البدنية «الصلاة» لتعدي النفع بها، ونازعة في ذلك ابن عبد السلام، ورجح أن الصلاة أفضل من الزكاة قال: ويؤيده أن البيهقي نقل عن الشافعي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن الصلاة أعظم من الزكاة» (2) والله أعلم.

(1) لم نقف عليه.

(2)

هذا الخبر لم نقف عليه عند البيهقي، وربما رواه الشافعي في مذهبه القديم وأسنده، فإننا وجدنا أن الشافعي رحمه الله أتى به في الأم (1/255) ولكن لم يشر إلى أنه حديث وذلك في: فصل الحكم في تارك الصلاة، أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي رحمه الله تعالى: من ترك الصلاة المكتوبة ممن دخل في الإسلام قيل له: لم لا تصلى؟ فإن ذكر نسياناً قلنا: فصل إذا ذكرت وإن، ذكر مرضاً قلنا: فصل كيف أطقت قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً أومومئاً، فإن قال: أنا أطيق الصلاة وأحسنها، ولكن لا أصلى وإن كانت علي فرضاً، قيل له: الصلاة عليك شيء لا يعلمه عنك غيرك، ولا تكون إلا بعملك، فإن صليت وإلا استتبناك فإن تبت وإلا قتلناك، «فإن الصلاة أعظم من الزكاة» والحجة فيها ما وصفت من أن أبا بكر رضي الله عنه قال:«لو منعوني عقالاً مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه لا تفرقوا بين ما جمع الله» .

ص: 340

ولها فضائل كثيرة منها: أنها تنهى من دوام عليها عن الفحشاء والمنكر ويرزقة الله التوبة ببركتها قال الثعلبي في قوله تعالى ?إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ? [العنكبوت: 45] .

قال أنس رضي الله عنه: كان رجل يصلي الخمس مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لا يدع شيئاً من الفواحش إلا ارتكبه فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال:«إن صلاته تنهاه يوماً» ، فلم يلبث أن تاب وحسنت توبته وحسن حاله فقال:«ألم أقل لكم إن صلاته تنهاه» (1) .

واتفق من الوقائع كما حكاه النيسابوري: أن رجلاً رواد امرأة عن نفسها فأخبرت بذلك زوجها فقال: قولي له: صل خلف زوجي أربعين صباحاً حتى أطيعك، فقالت له: ففعل ثم دعته إلى نفسها فقال: إني تبت إلى الله تعالى فأخبرت زوجها فقال: صدق الله تعالى في قوله الحق ?إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ?.

قال في روض الأفكار: واعلم أن مثل الصلاة مثل ملك اتخذ عرساً، واتخذ وليمة هيأ فيها ألوان الأطعمة والأشربة، لكل لون لذة، وفي كل لون منفعة، فكذلك الصلاة دعاهم الرب سبحانه وتعالى إليها وهيأ لهم فيها أفعالاً مختلفة تعبدهم بها، ليلذذهم بكل نوع من العبادة فالأفعال كالأطعمة، والأذكار كالأشربة.

قال العلامي في تفسيره: الصلاة عرس الموحدين، فإنه يجتمع فيها ألوان العبادة كما أن العرس يجتمع فيه ألوان الطعام، فإذا صلى العبد ركعتين يقول له الله تعالى: عبدي مع ضعفك أتيت بألوان العبادة قياماً وركوعاً وسجوداً وقرأةً وتهليلاً وتحميداً وتكبيراً وسلاماً، فأنا مع جلالي وعظمتي لا يجمل مني أن أمنعك جنة فيها ألوان النعيم، أوجبت لك الجنة بنعيمها كما عبدتني بأنواع العبادة، وأكرمك برؤيتي كما عرفتني بالوحدانية، فإني لطيف، أقبل عذرك وأقبل منك الخير برحمتي، فإني أجد من أعذبه من الكفار، وأنت لا تجد إليها غيري، يغفر سيئاتك ويكفر عنك الذنوب والأوزار، عبدي لك بكل ركعة قصر في الجنة، وبكل ركوع حوراء، وبكل سجود نظرة إلى وجهي الكريم، ولله در القائل:

إلا في الصلاة الفضل والخير جمع

لأن بها الأبواب لله تخضع

ومن قام بالتكبير لاقته رحمة

وكان كعبد مولاه يقرع

وأول شرع من شرائع ديننا

وآخر ما يبقى إذا الدين يرفع

(1) لم نقف عليه.

ص: 341

نرفع دنيانا بتمزيق ديننا

فلا ديناً يبقى ولا ما نرفع

أيها العبد العاصي كلما أمرتك النفس بالمعاصي والشهوات فاستعن عليها بالصلوات، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، من داوم عليها شرب من الحوض والكوثر، والصلاة تنهى عن المنكرات، الصلاة تكفر الخطيئات، الصلاة ترفع الدرجات، الصلاة تقضي الحاجات، الصلاة فيها القرب والمناجات.

الركن الثالث من أركان الإسلام: الزكاة وإنما ذكرها صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة لكونها قرينة الصلاة في كتاب الله عز وجل فإن الله تعالى لم يذكر الصلاة في القرآن إلا وقرنها بالزكاة غالباً قال الله تعالى ?وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ? [المزمل: 20] وقال تعالى ?الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ? [الحج: 41] إلى غير ذلك من الآيات.

وإنما قرنها بها لأن الصلاة حق الله تعالى والزكاة حق عباده، ومرجع جميع العبادات إليهما يحصل التعظيم لأمر الله والشفقة على خلقه، لأنها قنطرة الإسلام وكم ورد في فضائلها من آيات أحاديث.

وكم ذكر العلماء لها فضائل وفوائد منها: أنها تطهر صاحبها من الذنوب والخطايا ويدل على ذلك القرآن العظيم قال تعالى ?خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا? [التوبة: 103] ، والصدقة تشمل الزكاة والصدقة المستحبة، قال العلماء: الكافر يحرم دمه وماله بأخذ الجزية، ومن كرم الله تعالى أن المؤمن يحرم لحمه ودمه على النار في الآخرة إذا أخرج الزكاة بطيب نفس.

ومن فوائد الصدقة أيضاً: أنها تطهر المال قال صلى الله عليه وسلم «يا معشر التجار إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة» (1) .

ومن فوائدها أنها ترفع البلاء والأمراض قال صلى الله عليه وسلم: «الصدقة تسد سبعين باباً من الشر» (2) .

(1) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (8/477، رقم 15962) عن أبي وائل يحدث عن قيس بن أبي غرزة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نبيع في السوق ونحن نسمي السماسرة فقال

فذكره.

وأخرجه أيضاً: الطبراني في المعجم الكبير (18/355، رقم 905) .

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (4/274، رقم 4402) عن رافع بن خديج.

ورواه الديلمي في الفردوس (2/413، رقم 3835) .

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/109) : رواه الطبراني في الكبير وفيه: حماد بن شعيب، وهو ضعيف.

وحماد بن شعيب ترجم له ابن عدي في الكامل (2/242، ترجمة 419 حماد بن شعيب الحماني التميمي) قال أحمد بن سعد سألت يحيى بن معين عن حماد بن شعيب فقال: ليس بشيء ولا يكتب حديثه، وعن يحيى قال: حماد بن شعيب ليس بشيء، يقال له: أبو شعيب الحماني وهو كوفي، وفي موضع آخر قال: حماد بن شعيب ضعيف.

روي عن البخاري قال: حماد بن شعيب التميمي أبو شعيب الحماني كوفي عن أبي الزبير فيه نظر، وقال النسائي: حماد بن شعيب كوفي ضعيف.

ثم أخرج له ابن عدي هذا الحديث، وفي آخر ترجمته قال: ولحماد بن شعيب غير ما ذكرت من الحديث، وأحاديثه أكثرها مما لا يتابع عليه، وهو ممن يكتب حديثه مع ضعفه.

ص: 342

وقال صلى الله عليه وسلم: «داووا مرضاكم بالصدقة» (1) .

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (10/128، رقم 10196) ، وفي المعجم الأوسط (2/274، رقم 1963) عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/64) : رواه الطبراني في الأوسط والكبير وفيه: موسى بن عمير الكوفي وهو متروك.

والحديث من طريقه عند الخطيب في تاريخ بغداد (6/333) وقال: تفرد بروايته موسى بن عمير، وأبو نعيم في حلية الأولياء (4/237) وقال: غريب، والقضاعي في مسند الشهاب (1/401، رقم 691) ، والبيهقي في السنن الكبرى (3/382، رقم 6385) وقال عقبه: تفرد به موسى بن عمير، وإنما يعرف هذا المتن عن الحسن البصري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.

ورواه ابن عدي في الكامل (6/340، ترجمة 1819 موسى بن عمير القرشي) وروى ابن عدي هذا الحديث مع حديثين آخرين وقال: وهذه الأحاديث الثلاثة عن الحكم بهذا الإسناد ولا أعلم يرويها عن الحكم غير موسى بن عمير، وهي بهذا الإسناد أحاديث غير محفوظة، وقال في آخر ترجمته: وموسى بن عمير هذا له غير ما ذكرت أحاديث وعامة ما يرويه مما لا يتابعه الثقات عليه.

وأخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/493، رقم 815) قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، تفرد به موسى بن عمير، قال يحيى: ليس بشيء، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه، قلت: وإنما روي هذا مرسلاً.

وكما رأينا أن البيهقي وابن الجوزي كلاهما قال: إن هذا الحديث يروى مرسلاً فوجدناه كما قالا عن الحسن رواه أبو داود في المراسيل (ص: 127، رقم 105) .

والحديث يروى من طرق أخرى فأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3/282، رقم 3556) عن ابن عمر.

ورواه أيضاً: البيهقي في شعب الإيمان (3/282، رقم 3558) عن مطرف بن سمرة بن جندب عن أبيه مرفوعاً.

ص: 343

وقال صلى الله عليه وسلم: «من كسى مسلماً ثوباً لم يزل في ستر الله ما دام عليه منه خيط أو سلك» (1) رواه الحاكم.

ولكونها قنطرة الإسلام شدد الله على المقصرين بقوله العزيز: ?وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ? [التوبة: 34، 35] .

قال ابن عمر كل مال تؤدي زكاته فليس بكنز وإن كان مدفوناً، وكل مال لا تؤدي زكاته فهو كنز، وإن لم يكن مدفوناً.

ومعنى قوله: ?وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ? لا يخرجون الزكاة عنها، قال العلماء الأعلام: على الإنسان ولا أثم عليه إذا كان معه مال كثير وأخرج عنه الزكاة الواجبة فيه فقد قال عبد بن الله بن عمر: ما أبالي لو كان لي مثل أحد ذهباً أعلم عدده وزكاته وأعمل بطاعة الله فيه.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم المال الصالح للرجل الصالح» (2)

فالمال الصالح هو

(1) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/217، رقم 7422) عن حصين قال: كنت عند ابن عباس فجاء سائل فسأل فقال له ابن عباس: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: وتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، وتصلي الخمس؟ قال: نعم، قال: وتصوم رمضان؟ قال: نعم، قال: أما أن لك علينا حقاً، يا غلام اكسه ثوباً فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول

فذكره.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

(2)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص 112، رقم 299) عن موسى بن علي قال: سمعت أبي يقول: سمعت عمرو بن العاص قال: بعث إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن آخذ علي ثيابي وسلاحي، ثم آتيه ففعلت، فأتيته وهو يتوضأ فصعد إلى البصر ثم طأطأ ثم قال:«يا عمرو إني أريد أن أبعثك على جيش فيغنمك الله، وأرغب لك رغبة من المال صالحة» قلت: إني لم أسلم رغبة في المال إنما أسلمت رغبة في الإسلام فأكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه أيضاً أحمد في مسنده (4/197، رقم 17798) ، وابن حبان في صحيحه (8/6، رقم 3210) ، والطبراني في المعجم الأوسط (9/22، رقم 9012) ، والبيهقي في شعب الإيمان (2/91، رقم 1248) ، والديلمي في الفردوس (4/257، رقم 6757) جميعاً عمرو بن العاص.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/64) تعليقاً على هذا الحديث: رواه أحمد، وقال كذا في النسخة «نعما» بنصب النون وكسر العين، قال أبو عبيدة: بكسر النون والعين، ورواه الطبراني في الكبير والأوسط وقال فيه:«ولكن أسلمت رغبة في الإسلام، وأكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «نعم ونعما بالمال الصالح للمرء الصالح» ، ورواه أبو يعلي بنحوه، ورجال أحمد وأبي يعلي رجال الصحيح.

ص: 344

الزكي والرجل الصالح هو المزكي، نعم الملام والإثم على مانع الزكاة وإن كان ماله قليلاً، فإن ذا المال إذا لم يؤد حق الله وتصرف في ماله، فقد تصرف في حق المستخفين فيخشى عليه من تلفه في الدنيا وعقابه في الآخرة، فلهذا قال تعالى ?يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا? أي: على الكنوز نار جهنم فتكوى بها جباههم أي: فتحرق بها جباه كانزها وجنوبهم وظهورهم، وقال صلى الله عليه وسلم «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت عيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار» (1) .

قال ابن مسعود رضي الله عنه: لا يوضع دينار على دينار ودرهم على درهم، ولكن يوسع له حتى يوضع كل درهم ودينار في موضع على حده.

فإن قيل: لم خص الله سبحانه وتعالى الجباه والجنوب والظهور بالكي، دون باقي البدن؟

فالجواب: إنما حض الله هذه بالكي لأن الغني صاحب الكنز إذ رأى الفقير قبض جبهته، ووارى ما بين عينيه وعبس بوجهه في وجهه فإذا ألح عليه الفقير جنبه إليه معرضاً عنه، فإذا وقف ولم يبرح أعطاه وتركه وانصرف، فعاقب الله هذه الأعضاء لذلك.

وبعض الصوفية ذكر لذلك توجيهاً آخر فقال: إنما خص الله الجباه والجنوب والظهور بالكي، لأن أصحاب الأموال لما طلبوا المال والجاه متوجهين إليه، ولم يخرجوا حق الله منه شاه الله وجوههم، ولما طووا كشحاً عن الفقير إذا جالسهم كويت جنوبهم، ولما أسندوا ظهورهم إلى أموالهم ثقة بها واعتماداً عليها كويت ظهورهم.

وقوله: ?هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ? أي: يقال لمانعي الزكاة يوم القيامة على جبهة التوبيخ هذا ما كنزتم لأنفسكم ?فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ? أي: ما كنتم تمنعون حقوق الله في أموالكم.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (2/680، رقم 987) ، وأبو داود في سننه (2/124، رقم 1658) ، والنسائي في سننه (5/12، رقم 2442) ، وأحمد في مسنده (2/383، رقم 8965) . عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 345

لطيفة: كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً فقيراً اسمه: ثعلبة بن حاطب فشكى فقره إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأل من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرزقه الله مالاً ويؤدي منه كل ذي حق حقه، فدعا له فوسع عليه، فانقطع عن الجمعة والجماعة، ومنع الزكاة فجمع مالاً عظيماً ودعا له بالبركة، وعاهده على إخراج حق الله منه، فكثر ماله فطلب منه النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة فقال: إن الجزية تؤخذ من اليهود والنصارى لا من قريش، فطلب منه ثانياً وقال له: صلى الله عليه وسلم «إما الزكاة وإما السيف» فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أغناماً صفافاً فنزل جبريل وقال: يا محمد الله قد نزع لباس الإيمان عنه ولبس لباس الكفر، والي هذا أشار الله بقوله العزيز ?وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ? [التوبة: 75 - 77] .

قال بعض المفسرين (1) : جاء بعد نزول هذه الآية إلى النبي صلى الله عليه وسلم بزكاته فقال: «إن الله منعني أن أقبل منك» ، فجعل يحثوا التراب على رأسه، ثم جاء بها إلى أبي بكر فلم يقبلها، ثم إلى عمر فلم يقبلها، ثم إلى عثمان فلم يقبلها ومات.

وروينا في هذا الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من أتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته، مثل له يوم القيامة شجاع أقرع له زبيبتان يطوقه، ثم يأخذ بلهزمته يعني شدقيه ثم يقول: أنا ملكك أنا كنزك، ثم تلى ?وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ? [آل عمران: 180] » (2) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من رجل يموت يترك غنماً أو إبلاً أو بقراً لم يؤد زكاتها، إلا جاءته يوم القيامة أعظم ما يكون وأسمنه، حتى تطؤه بأظلافها، وتنطحه بقرونها حتى يقضى بين الناس كلما تقدمت أخراها عادت عليه أولاها» (3) .

(1) روى قصة ثعلبة وما كان منه ورجوعه بعد نزول الآيات الطبري في تفسيره (10/190) من حديث ابن عباس.

وانظر: تفسير ابن كثير (2/375) .

(2)

انظر رواية البخاري في صحيحه (2/508، رقم 1338) عن أبي هريرة.

(3)

متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه (2/530، رقم 1391) ، ومسلم في صحيحه (2/686، رقم 990) من حديث أبي ذر.

ص: 346

وروينا في سنن ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لم تظهر الفاحشة في قوم إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، ولا نقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنن، وشدة المؤنة، وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا المطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوهم فأخذ بعضهم ما كان في أيديهم، وإذا لم يحكم بينهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم» (1) .

وذكر العلامة أبو الفرج ابن الجوزي في بعض مصنفاته أنه جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أدى زكاة ماله سمي في سماء الدنيا سخياً، وفي الثانية جواداً، وفي الثالثة مطيعاً، وفي الرابعة باراً، وفي الخامسة وفياً، وفي السادسة مباركاً محفوظاً منصوراً، وفي السابعة مغفوراً له، ومن منع زكاة ماله سمي في سماء الدنيا بخيلاً، وفي الثانية لئيماً، وفي الثالثة ممسكاً، وفي الرابعة مقتراً، وفي الخامسة عاصياً، وفي السادسة منزوعاً عنه بركة ماله، وفي السابعة مردوداً عليه عمله مضروباً به وجهه» (2) .

وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السخي قريب من

(1) أخرجه ابن ماجه في سننه (2/1332، رقم 4019) عن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن

فذكره.

وأخرجه أيضاً: الحاكم في المستدرك (4/583، رقم 8623) / والطبراني في مسند الشاميين (2/390، رقم 1558) ، وفي المعجم الأوسط (5/61، رقم 4671) ، والبيهقي في شعب الإيمان (3/196، رقم 3314) ، وأبو عمر القاري في السنن الواردة في الفتن (3/691، رقم 327) .

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/186) : رواه الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتابه المستدرك في آخر كتاب الفتن مطولاً من طريق عطاء بن أبي رباح

به، قال: هذا حديث صحيح الإسناد، هذا حديث صالح للعمل به، وقد اختلف في ابن أبي مالك وأبيه، فأما الولد فاسمه خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك الدمشقي، فوثقه أبو زرعة الدمشقي وأبو زرعة الرازي وأحمد بن صالح المصري، وضعفه أحمد وابن معين والنسائي والدارقطني، وأما أبوه فهو قاضي دمشق وكان من أشمة التابعين، وثقه ابن معين وأبو زرعة الرازي وابن حبان والدارقطني والبرقاني، وقال يعقوب بن سفيان في حديثهما ليث يعني خالد وأبوه، ووراه البزار والبيهقي من هذا الوجه، ورواه الحاكم بنحوه من حديث بريدة وقال: صحيح الإسناد، ورواه مالك بنحوه موقوفاً على ابن عباس، ورفعه الطبراني وغيره إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

لم نقف عليه.

ص: 347

الله قريب من الناس قريب من الجنة بعيد من النار، والبخيل بعيد عن الله بعيد عن الناس بعيد من الجنة قريب من النار، ولجاهل سخي أحب إلى الله تعالى من عابد بخيل» (1) ، وفي رواية «من العالم البخيل» .

فائدة: اختلف العلماء في البخيل من هو؟

فنقل الرافعي عن صاحب «التتمة» : أن البخيل من لا يؤدي الزكاة، ولا يقري الضيف.

وقال الأسنوي: العرف يقتضي أن البخيل من لا يقري الضيف.

فعلى القول الأول كان من أدى لزكاة ماله وقرى الضيف فليس ببخيل، ومن لم يفعل شيئاً من ذلك فهو بخيل، وعلى القول الثاني من قرى الضيف وإن لم يؤدي زكاة ماله فليس ببخيل.

واختلف العلماء في البخل والشح فقيل: هما بمعنى واحد، وفرق بعض العلماء بينهما فقال: البخل أن يبخل بما في يده، والشح أن يؤد ما في أيدي الناس في يده بالحل والحرمة.

والسخاء والكرم سبب لستر العيوب، والبخل والشح سبب جالب لكشفها كما أشار إليه بعضهم بقوله:

ويظهر عيب المرء في الناس بخله

ويستره عنهم جميعاً سخاؤه

تغط بأثواب السخاء فإنني

أرى كل عيب فالسخاء غطاؤه

خاتمة لطيفة مناسبة: قال الشبلي قال لي خاطري يوماً: أنت بخيل فقلت: ما أنا بخيل فقال: نعم أنت بخيل، فنوديت أن أول شيء يفتح أن أرفعه لأول فقير ألقاه، فما

(1) أخرجه الترمذي في سننه (4/342، رقم 1961) وقال: غريب.

وأخرجه أيضاً ابن عدي (3/403) ، والبيهقي في شعب الإيمان (7/429، رقم 10851) جميعاً عن أبي هريرة.

وروي من طريق أخرى عند البيهقي في شعب الإيمان (7/428، رقم 10848) عن جابر بن عبد الله.

وأخرجه أيضاً: البيهقي في شعب الإيمان (7/428، رقم 10847) والطبراني في المعجم الأوسط (3/27، رقم 2363)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/27) : فيه سعيد بن محمد الوراق وهو ضعيف.

ص: 348

تم خاطري حتى دفع إلى رجل خمسين ديناراً فخرجت، فرأيت فقيراً أعمى بين يدي حلاق يحلق رأسه فناولته إياها فقال: ادفعها للمزين فقلت: إنها دنانير فقال: ما قلنا لك إنك بخيل فدفعتها للمزين فقال: أنا حلقت له لله تعالى فتعجب الشبلي رضي الله عنه من زهدهما وأخذها.

وسيأتى الكلام على الركن الرابع والخامس وهما الحج وصوم رمضان في محله إن شاء الله تعالى.

* * *

ص: 349