المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المجلس السابع في الكلام علي الحديث الذي سأله الحارث بن هشام - شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية - جـ ١

[شمس الدين السفيري]

الفصل: ‌ ‌المجلس السابع في الكلام علي الحديث الذي سأله الحارث بن هشام

‌المجلس السابع

في الكلام علي الحديث الذي سأله الحارث بن هشام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي (1)

قَالَ البُخَارِي:

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رضي الله عنه سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الوحي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ -وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَىَّ- فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلاً فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ» .

قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا (2) .

(1) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/64) : اعترض الإسماعيلي فقال: هذا الحديث لا يصلح لهذه الترجمة، وإنما المناسب لكيف بدء الوحي الحديث الذي بعده، وأما هذا فهو لكيفية إتيان الوحي لا لبدء الوحي.

قال الكرماني: لعل المراد منه السؤال عن كيفية ابتداء الوحي، أو عن كيفية ظهور الوحي، فيوافق ترجمة الباب.

قلت: سياقه يشعر بخلاف ذلك لإتيانه بصيغة المستقبل دون الماضي، لكن يمكن أن يقال: إن المناسبة تظهر من الجواب، لأن فيه إشارة إلى انحصار صفة الوحي أو صفة حامله في الأمرين فيشمل حالة الابتداء، وأيضاً فلا أثر للتقديم والتأخير هنا ولو لم تظهر المناسبة، فضلاً عن أنا قدمنا أنه أراد البداءة بالتحديث عن إمامي الحجاز فبدأ بمكة ثم ثنى بالمدينة، وأيضاً فلا يلزم أن تتعلق جميع أحاديث الباب ببدء الوحي، بل يكفي أن يتعلق بذلك وبما يتعلق به وبما يتعلق بالآية أيضا، وذلك أن أحاديث الباب تتعلق بلفظ الترجمة وبما اشتملت عليه، ولما كان في الآية أن الوحي إليه نظير الوحي إلى الأنبياء قبله، ناسب تقديم ما يتعلق بها، وهو صفة الوحي وصفة حامله إشارة إلى أن الوحي إلى الأنبياء لا تباين فيه، فحسن إيراد هذا الحديث عقب حديث الأعمال، الذي تقدم التقدير بأن تعلقه بالآية الكريمة أقوى تعلق، والله سبحانه وتعالي أعلم.

(2)

هذا الحديث روته عائشة فهل سمعت سؤال الحارث أم هو أخبرها بذلك.

يقول ابن حجر: هكذا رواه أكثر الرواة عن هشام بن عروة، فيحتمل أن تكون عائشة حضرت ذلك، وعلى هذا اعتمد أصحاب الأطراف فأخرجوه في مسند عائشة.

ويحتمل أن يكون الحارث أخبرها بذلك بعد فيكون من مرسل الصحابة، وهو محكوم بوصله عند الجمهور.

وقد جاء ما يؤيد الثاني، ففي مسند أحمد ومعجم البغوي وغيرهما من طريق عامر بن صالح الزبيري عن هشام عن أبيه عن عائشة عن الحارث ابن هشام قال: سألت.

وعامر فيه ضعف، لكن وجدت له متابعاً عند ابن منده، والمشهور الأول. انظر: فتح الباري (1/64) .

ص: 165

قوله: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أم الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها وعن أبيها وعن جدها أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ» هذا هو أخو أبي جهل عدو الله لأبويه، وابن عم خالد بن الوليد، شهد بدراً كافراً، وأسلم يوم الفتح، وحسن إسلامه وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين مائة من الإبل.

وكان من فضلاء الصحابة وخيارهم، وكان لأبي جهل أربعة أخوة الحارث المذكور هنا، وسلمة وخالد والعاص وكلهم أسلموا علي الصحيح، وكذلك أمهم أسلمت واسمها: سلمى وهي صحابية، وكذلك بنت أبي جهل أسلمت صحابية، إلا الشقي الخاسر والعنيد الكافر أبا جهل لعنه الله فإنه لم يسلم، وقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً بالغاً مع شهد منه من المعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة.

ومما اتفق له مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قاله الماوردي في أعلام النبوة: «أن قريشاً كانوا مجتمعين مرة فكان بعضهم يحث بعضهم على قتله ويقول لهم: الموت لكم خير من الحياة إن بقي محمد، وكان بعضهم يقول: كيف نصنع؟ فقال أبو جهل لعنه الله: هل محمد إلا رجلاً واحدًا أليس فيكم من يزهد في الحياة ويقتله ويريح قومه فقالوا: من فعل هذا ساد بيننا؟ فقال: أبو جهل أفعل هذا وليس محمد بأقوى رجل منا، وإذا جاء أقوم إليه بحجر فأشدخ رأسه فإن قتلته فقد أرحت قومي منه، وإن أبقيت فذلك الذي أبقي، فخرجوا على هذه النية، ففي اليوم الثاني اجتمعوا في الحطيم فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: قد جاء فتقدم صلى الله عليه وسلم إلى الركن وقام يصلي، فنظروا إليه وهو يطيل الركوع والسجود، فقام أبو جهل وقال: الآن أريحكم منه فأخذ مهراساً أي: حجراً عظيماً ودنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد لا يلتفت إليه ولا يهابه وهو يراه، فلما دنا ارتعد وأرسل الحجر على رجله فرجع وقد هرست أصابعه وهو يرتعد ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد، فقال أبو جهل لأصحابه: خذوني إليكم فالتزموه وقد غشي عليه ساعة، فلما أفاق قال له أصحابه ما الذي أصابك؟ قال: لما دنوت منه أقبل عليَّ فحل واقف علي رأسه، فاتح فاه، فحمل عليَّ وصك أسنانه فلم أتمالك وأنا أرى

ص: 166

محمد محجوباً» .

وسنذكر أخباره ونذكر في أي غزوة قتل ومن قتله في مجلس آتى إن شاء الله تعالى.

قوله: «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الوحي؟» قال العلماء: يحتمل أن يكون سؤاله عن صفة الوحي نفسه، ويحتمل أن يكون سؤاله عن صفة حامله، ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك.

وعلى كل تقدير فإسناد الإتيان إلى الوحي مجاز عقلي، ويسمى المجاز في الإسناد وأصله: كيف يأتيك حامل الوحي فأسند الإتيان إلى الوحي للملابسة التي بين الحامل والمحمول، وإما استعارة بالكناية أي: شبه الوحي برجل مثلاً وأضيف إلى المشبه الإتيان الذي هو من خواص المشبه به، فحاصل السؤال على أي كفيه ينزل عليك جبريل بالقرآن.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجواب «أَحْيَانًا» جمع حين، وهو الوقت يطلق علي الكثير والقليل حتى على الحظة (1) .

(1) تكلم الحافظ ابن حجر في هذا المقام عن إتيان الوحي وكيفياته وقد سبق لنا أن تعرضنا لهذا الموضوع ونذكر كلام الحافظ اتماماً للفائدة:

قال ابن حجر: قوله: «أحيانا» جمع حين، يطلق على كثير الوقت وقليله، والمراد به هنا مجرد الوقت، فكأنه قال: أوقاتا يأتيني، وانتصب على الظرفية، وعامله «يأتيني» مؤخر عنه.

والبخاري رواه من وجه آخر عن هشام في بدء الخلق قال: كل ذلك يأتي الملك، أي كل ذلك حالتان فذكرهما.

وروى ابن سعد من طريق أبي سلمة الماجشون، أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:«كان الوحي يأتيني على نحوين: يأتيني به جبريل فيلقيه على كما يلقي الرجل على الرجل، فذاك ينفلت مني، ويأتيني في بيتي مثل صوت الجرس حتى يخالط قلبي، فذاك الذي لا ينفلت مني» وهذا مرسل مع ثقة رجاله، فإن صح فهو محمول على ما كان قبل نزول قوله تعالى: ?لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ? [القيامة: 16] كما سيأتي، فإن الملك قد تمثل رجلاً في صور كثيرة، ولم ينفلت منه ما أتاه به، كما في قصة مجيئه في صورة دحية وفي صورة أعرابي، وغير ذلك وكلها في الصحيح.

وأورد على ما اقتضاه الحديث -وهو أن الوحي منحصر في الحالتين- حالات أخرى: إما من صفة الوحي كمجيئه كدوي النحل، والنفث في الروع، والإلهام، والرؤيا الصالحة، والتكليم ليلة الإسراء بلا واسطة.

وإما من صفة حامل الوحي، كمجيئه في صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح، ورؤيته على كرسي بين السماء والأرض وقد سد الأفق.

والجواب: منع الحصر في الحالتين المقدم ذكرهما وحملهما على الغالب، أو حمل ما يغايرهما على أنه وقع بعد السؤال، أو لم يتعرض لصفتي الملك المذكورتين لندورهما، فقد ثبت عن عائشة أنه لم يره كذلك إلا مرتين، أو لم يأته في تلك الحالة بوحي، أو أتاه به فكان على مثل صلصلة الجرس، فإنه بين بها صفة الوحي لا صفة حامله.

وأما فنون الوحي، فدوي النحل لا يعارض صلصلة الجرس، لأن سماع الدوي بالنسبة إلى الحاضرين -كما في حديث عمر- يسمع عنده كدوي النحل، والصلصلة بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشبهه عمر بدوي النحل بالنسبة إلى السامعين، وشبهه هو صلى الله عليه وسلم بصلصلة الجرس بالنسبة إلى مقامه.

وأما النفث في الروع، فيحتمل أن يرجع إلى إحدى الحالتين، فإذا أتاه الملك في مثل صلصلة الجرس نفس حينئذ في روعه.

وأما الإلهام فلم يقع السؤال عنه، لأن السؤال وقع عن صفة الوحي الذي يأتي بحامل، وكذا التكليم ليلة الإسراء.

وأما الرؤيا الصالحة فقال ابن بطال: لا ترد، لأن السؤال وقع عما ينفرد به عن الناس، لأن الرؤيا قد يشركه فيها غيره.

والرؤيا الصادقة وإن كانت جزءاً من النبوة فهي باعتبار صدقها لا غير، وإلا لساغ لصاحبها أن يسمى نبياً وليس كذلك، ويحتمل أن يكون السؤال وقع عما في اليقظة، أو لكون حال المنام لا يخفى على السائل، فاقتصر على ما يخفى عليه، أو كان ظهور ذلك له صلى الله عليه وسلم في المنام أيضاً على الوجهين المذكورين لا غير، قاله الكرماني. وفيه نظر.

وقد ذكر الحليمي أن الوحي كان يأتيه على ستة وأربعين نوعاً -فذكرها- وغالبها من صفات حامل الوحي، ومجموعها يدخل فيما ذكر، وحديث:«إن روح القدس نفث في روعي» ، أخرجه ابن أبي الدنيا في القناعة، وصححه الحاكم من طريق ابن مسعود. انظر فتح الباري (1/66) .

ص: 167

والنبي صلى الله عليه وسلم لما سأله الحارث عن كيفية نزول جبريل عليه بالقرآن فقال: «يأتيني جبريل بالقرآن وله صوت مثل صلصلة الجرس» أي: له صوت متدارك أي: متوال كتوالي صوت الجرس.

قيل: الحكمة في ذلك أن يتقرب سمعه صلى الله عليه وسلم ولا يبقى فيه مكان لغير صوت الملك ولا في قلبه، وكان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحالة أشد وأصعب من الحالات عليه صلى الله عليه وسلم، فإن جميع حالات نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم كانت شديدة صعبة عليه (1) .

(1) صلصلة الجرس وتشبيه الوحي بها من المسائل التي أسهب ابن حجر فيها فقال في الفتح (1/66) : قوله: «مثل صلصلة الجرس» في رواية مسلم «في مثل صلصلة الجرس» والصلصلة بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة: في الأصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض، ثم أطلق على كل صوت له طنين، وقيل: هو صوت متدارك لا يدرك في أول وهلة، والجرس الجلجل الذي يعلق في رؤوس الدوآب، واشتقاقه من الجرس بإسكان الراء وهو الحس.

وقال الكرماني: الجرس ناقوس صغير أو سطل في داخله قطعة نحاس يعلق منكوساً على البعير، فإذا تحرك تحركت النحاسة فأصابت السطل فحصلت الصلصلة.

وهو تطويل للتعريف بما لا طائل تحته. وقوله: قطعة نحاس، معترض لا يختص به، وكذا البعير، وكذا قوله منكوساً، لأن تعليقه على تلك الصورة هو وضعه المستقيم له.

فإن قيل: المحمود لا يشبه بالمذموم، إذ حقيقة التشبيه إلحاق ناقص بكامل، والمشبه الوحي وهو محمود، والمشبه به صوت الجرس وهو مذموم لصحة النهي عنه والتنفير من مرافقة ما هو معلق فيه، والإعلام بأنه لا تصحبهم الملائكة كما أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما، فكيف يشبه ما فعله الملك بأمر تنفر منه الملائكة؟

والجواب: أنه لا يلزم في التشبيه تساوي المشبه بالمشبه به في الصفات كلها، بل ولا في أخص وصف له، بل يكفي اشتراكهما في صفة ما، فالمقصود هنا بيان الجنس، فذكر ما ألف السامعون سماعه تقريباً لأفهامهم.

والحاصل أن الصوت له جهتان: جهة قوة وجهة طنين، فمن حيث القوة وقع التشبيه به، ومن حيث الطرب وقع التنفير عنه وعلل بكونه مزمار الشيطان، ويحتمل أن يكون النهي عنه وقع بعد السؤال المذكور وفيه نظر.

قيل: والصلصلة المذكورة صوت الملك بالوحي، قال الخطابي: يريد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يتبينه أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد، وقيل: بل هو صوت حفيف أجنحة الملك.

والحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه الوحي فلا يبقي فيه مكان لغيره، ولما كان الجرس لا تحصل صلصلته إلا متداركة وقع التشبيه به دون غيره من الآلات.

ص: 168

«وهو أشده عليَّ» فإنه كان يغشاه عند نزوله عليه كرب (1)، وذلك لما يلقى عليه من القرآن قال تعالى ?إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً? [لمزمل: 5] فكان نزوله

(1) قال ابن حجر في الفتح (1/67) : يفهم منه أن الوحي كله شديد، ولكن هذه الصفة أشدها، وهو واضح، لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة أشكل من الفهم من كلام الرجل بالتخاطب المعهود، والحكمة فيه أن العادة جرت بالمناسبة بين القائل والسامع، وهي هنا إما باتصاف السامع بوصف القائل بغلبة الروحانية وهو النوع الأول، وإما باتصاف القائل بوصف السامع وهو البشرية وهو النوع الثاني، والأول أشد بلا شك.

وقال شيخنا شيخ الإسلام البلقيني: سبب ذلك أن الكلام العظيم له مقدمات تؤذن بتعظيمه للاهتمام به كما في حديث ابن عباس: «كان يعالج من التنزيل شدة» قال، وقال بعضهم: وإنما كان شديداً عليه ليستجمع قلبه فيكون أوعى لما سمع.

وقيل: إنه إنما كان ينزل هكذا إذا نزلت آية وعيد أو تهديد، وهذا فيه نظر، والظاهر أنه لا يختص بالقرآن، وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى والدرجات.

ص: 169

على هذه الحالة أشد الحالات عليه، ويدل عليه أنه كان عند نزول جبريل عليه في شدة البرد تصبب منه العرق، ويسيل منه كما قالت عائشة «ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليفصد عرقاً» (1) .

وجاء أنه كان يعتريه حالة كحالة المحموم، وجاء في رواية عن عائشة «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يقطر رأسه ويتربد وجهه ويجد برداً في ثناياه، ويعرق حتى ينزل منه مثل الجمان» (2) .

(1) قول عائشة هذا ورد في آخر متن هذا الحديث الذي نحن بصدد شرحه، ولم يقم أيضاً السفيري بشرحه وشرحه الحافظ ابن حجر فقال: قوله: «قالت عائشة» هو بالإسناد الذي قبله، وإن كان بغير حرف العطف كما يستعمل المصنف وغيره كثيراً، وحيث يريد التعليق يأتي بحرف العطف.

وقد أخرجه الدارقطني في حديث مالك من طريق عتيق بن يعقوب عن مالك مفصولاً عن الحديث الأول، وكذا فصلهما مسلم من طريق أبي أسامة عن هشام.

ونكتة هذا الاقتطاع هنا اختلاف التحمل، لأنها في الأول أخبرت عن مسألة الحارث، وفي الثاني أخبرت عما شاهدت تأييداً للخبر الأول.

قوله: «ليتفصد» بالفاء وتشديد المهملة، مأخوذ من الفصد وهو: قطع العرق لإسالة الدم، شبه جبينه بالعرق المفصود مبالغة في كثرة العرق.

وفي قولها: «في اليوم الشديد البرد» دلالة على كثرة معاناة التعب والكرب عند نزول الوحي، لما فيه من مخالفة العادة، وهو كثرة العرق في شدة البرد، فإنه يشعر بوجود أمر طارئ زائد على الطباع البشرية. وقوله:«عرقاً» بالنصب على التمييز، زاد ابن أبي الزناد عن هشام بهذا الإسناد عند البيهقي في الدلائل:«وإن كان ليوحي إليه وهو على ناقته فيضرب حزامها من ثقل ما يوحي إليه» .

تنبيه: حكى العسكري في التصحيف عن بعض شيوخه أنه قرأ «ليتقصد» بالقاف، ثم قال العسكري: إن ثبت فهو من قولهم: تقصد الشيء إذا تكسر وتقطع، ولا يخفى بعده (انتهى) .

وقد وقع في هذا التصحيف أبو الفضل بن طاهر، فرده عليه المؤتمن الساجي بالفاء، قال: فأصر على القاف، وذكر الذهبي في ترجمة ابن طاهر عن ابن ناصر أنه رد على ابن طاهر لما قرأها بالقاف، قال: فكابرني قلت: ولعل ابن طاهر وجهها بما أشار إليه العسكري. والله أعلم.

وفي حديث الباب من الفوائد -غير ما تقدم- إن السؤال عن الكيفية لطلب الطمأنينة لا يقدح في اليقين، وجواز السؤال عن أحوال الأنبياء من الوحي وغيره، وأن المسؤول عنه إذا كان ذا أقسام يذكر المجيب في أول جوابه ما يقتضي التفصيل. والله أعلم.

(2)

رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (8/379) عن عبد الحميد بن عمران بن أبي أنس عن أبيه، وفيه أن عائشة رضي الله عنها قالت هذا الكلام، ولكن الحديث من رواية عمران هذا.

ص: 170

والحكمة في ذلك ليختبر صبره ويحسن تأديبه، لاحتمال ما يكلف به من أعباء النبوة.

وهذا الصوت هو كصوت الجرس يحتمل أن يكون صوت جبريل بالوحي أو أن يكون صوت أجنحته.

و «الجرس» بفتح الراء والسين والعامة «جرص» بالصاد.

فإن قيل: كيف شبه النبي صلى الله عليه وسلم صوت جبريل بصوت الجرس مع أن صوت جبريل محمود وصوت الجرس مذموم منهي عنه، فقد روينا في صحيح مسلم «إن الملائكة لا تصحب رفقة فيها كلب أو جرس» (1) ، وفيه «الجرس مزامير الشيطان» (2)

، والمحمود لا يشبه المذموم، ويلزم منه أن يفعل الملك من مثله الملائكة؟

فالجواب: أن المقصود تشبيه صوت شديد بصورة شديد على وجه خاص ولا يلزم في التشبيه تساوي المشبه والمشبه به في الصفات كلها، بل يكفي اشتراكها في صفة ما.

والحاصل: أن صوت الجرس له جهتان جهة قوة وجهة طرب، فمن حيث القوة وقع التشبيه، ومن حيث الطرب وقع النهي عنه والتنفير منه، وعلل بكونه مزمار الشيطان.

فإن قيل: لأي شيء كانت هذه الحالة أشد الحالات عليه وأصعبها؟

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (3/1672، رقم 2113) عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: «لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس» .

والحديث رواه أيضاً: الترمذي في سننه (4/207، رقم 1703)، قال الترمذي: وفي الباب عن عمر وعائشة وأم حبيبة وأم سلمة وهذا حديث حسن صحيح، والنسائي في السنن الكبرى (5/251، رقم 8810) ، واحمد في مسنده (2/262، رقم 7556) ، وابن خزيمة في صحيحه (4/146، رقم 2553) ، وابن حبان في صحيحه (10/554، رقم 4703) ، وإسحاق بن راهويه في مسنده (1/302، رقم 280) ، وابن أبي شيبة في المصنف (6/424، رقم 32592) والبغوي في الجعديات (1/391، رقم 2670) ، والدارمي في سننه (2/374، رقم 2676) ، والديلمي في الفردوس (5/75، رقم 7500) .

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (3/1672، رقم 2114) عن أبي هريرة.

وأخرجه أيضاً: أحمد في مسنده (2/372، رقم 8838) ، وأبو يعلى في مسنده (11/398، رقم 6519) ، والبيهقي في سننه الكبرى (5/253، رقم 10106) .

ص: 171

فالجواب: أن الفهم من كلام جبريل وصوته مثل صلصله الجرس، أشكل من الفهم من كلامه وهو على صورة رجل يخاطبه ويعلمه كما يعلم الإنسان غيره، بيان ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان ملكياً بشرياً فتارة يأتيه جبريل على صورة الملك، فينسلخ صلى الله عليه وسلم عن وصف البشرية ويتصف بصفة الملك بأن يغلب عليه الروحانية، وإنما يقع له ذلك لأجل المناسبة، فإن العادة جرت بالمناسبة بين القائل السامع، وتارة يأتيه الوحي على صفة رجل، ويتصف بصفة الرجل البشر ولا شك أن انسلاخه من طور البشر أشد عليه من بقائه عليه.

وفي صحيح مسلم «كان إذا نزل عليه الوحي نكس رأسه، ونكس أصحابه رؤوسهم، فإذا أتلي عنه رفع رأسه» (1) .

وورد في حديث «إنه كان يسمع عنده لما ينزل عليه جبريل دوي كدوي النحل» (2) .

وروى أحمد والحاكم والترمذي من حديث عمر بن الخطاب أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي سمع عنده دوي كدوي النحل، فمكثنا ساعة ثم سري عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال:«اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارضنا وارض عنا» ثم قال: «لقد أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة، أي: من عمل بهن ولم يخالف ما فيهن» ثم قال: ?قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ? [المؤمنون: 1، 2] قال الحاكم: صحيح الاسناد (3) .

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (4/1817، رقم 2335) عن عبادة بن الصامت.

(2)

انظر الحديث الآتي بعده فهو هو.

(3)

أخرجه الترمذي في سننه (5/326، رقم 3173) وعقبه ساق إسناداً آخر فقال: حدثنا محمد بن أبان حدثنا عبد الرزاق عن يونس بن سليم عن يونس بن يزيد عن الزهري بهذا الإسناد نحوه بمعناه، قال أبو عيسى: هذا أصح من الحديث الأول، سمعت إسحاق بن منصور يقول: روى أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن يونس بن سليم عن يونس بن يزيد عن الزهري هذا الحديث، قال أبو عيسى: ومن سمع من عبد الرزاق قديماً فإنهم إنما يذكرون فيه عن يونس بن يزيد، وبعضهم لا يذكر فيه عن يونس بن يزيد، ومن ذكر فيه يونس بن يزيد فهو أصح، وكان عبد الرزاق ربما ذكر في هذا الحديث يونس بن يزيد وربما لم يذكره، وإذا لم يذكر فيه يونس فهو مرسل.

ورواه أحمد في مسنده (1/34، رقم 223) ، والحاكم في المستدرك (1/717، رقم 1961) وصححه.

وأخرجه أيضاً: عبد الرزاق في المصنف (3/383، رقم 6038) ، وعبد بن حميد (1/34، رقم 15) ، والبزار في مسنده (1/427، رقم 301) .

ص: 172

وقوله «فيفصم عني» فيه ثلاث روايات الأولى: «فيفصم» بفتح الياء وكسر الصاد.

الثانية: «فيفصم» بضم الياء وفتح الصاد.

الثالثة: فيفصم بضم الياء وكسر الصاد، ومعنى الروايتين الأولتين، مأخوذة من الفصم وهو القطع قال تعالى ?لَا انفِصَامَ لَهَا? [البقرة: 256] أي: لا انقطاع لها، ويقال: الفصم الصدع أو الشق من غير إبانة، والمعنى: أن جبريل كان إذا نزل علي بالقرآن وله صوت كصوت الجرس فيفصم أي: فيفارقني على نية أن يعود إليَّ ولا يفارقني إلا وقد وعيت أي: حفظت وجمعت عنه جميع ما قاله لي.

وأما الرواية الثالثة: فهي من أفصم المطر إذا أقلع.

قوله: «وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول» الألف واللام في الملك للعهد، والمراد به جبريل، أي: وأوقاتاً يتمثل لي جبريل في صورة رجل، وفي هذا دليل على أن الملائكة تتشكل بشكل البشر لها قوة على التشكل بأي شكل أراد، فقد قال أكثر العلماء: إنها أجسام لطيفة هوائية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة (1) .

وفي «جبريل» تسع لغات قرئ ببعضها، أفصحها «جبريل» ومعناه بالعربية: عبد

(1) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/68) : قال المتكلمون: الملائكة أجسام علوية لطيفة تتشكل أي شكل أرادوا، وزعم بعض الفلاسفة أنها جواهر روحانية، و «رجلا» منصوب بالمصدرية، أي: يتمثل مثل رجل، أو بالتمييز، أو بالحال والتقدير هيئة رجل.

قال إمام الحرمين: تمثل جبريل معناه أن الله أفنى الزائد من خلقه أو أزاله عنه، ثم يعيده إليه بعد.

وجزم ابن عبد السلام بالإزالة دون الفناء، وقرر ذلك بأنه لا يلزم أن يكون انتقالها موجباً لموته، بل يجوز أن يبقى الجسد حياً، لأن موت الجسد بمفارقة الروح ليس بواجب عقلاً، بل بعادة أجراها الله تعالى في بعض خلقه، ونظيره انتقال أرواح الشهداء إلى أجواف طيور خضر تسرح في الجنة.

وقال شيخنا شيخ الإسلام: ما ذكره إمام الحرمين لا ينحصر الحال فيه، بل يجوز أن يكون الآتي هو جبريل بشكله الأصلي، إلا أنه انضم فصار على قدر هيئة الرجل، وإذا ترك ذلك عاد إلى هيئته، ومثال ذلك القطن إذا جمع بعد أن كان منتفشاً فإنه بالنفش يحصل له صورة كبيرة وذاته لم تتغير. وهذا على سبيل التقريب.

ص: 173

الله، فإن «الجبر» هو و «إيل» هو الله، ومعنى ميكائيل: عبد الله، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: عبد العزيز.

وههنا سؤالان مشهوران:

الأول: لما كان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة رجل فهيئته التي خلق الله عليها، ماذا يفعل بها؟

أجيب عن هذا السؤال بأجوبة:

الأول: يحتمل أن الله تعالى الزائد من خلقه حتى صار في صورة رجل ثم خلقه بعد تبليغ الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه لا يفنيه ويعدمه بل يزيله عنه ويدخره له حتى يبلغ الوحي، ثم يعيده إليه بعد التبليغ قاله إمام الحرمين.

الجواب الثاني: يجوز أن يكون إتيان جبريل بشكله الأصلي إلا أنه انضم فصار على قدر هيئة الرجل، وإن بلغ الوحي عاد إلى هيئته ومثال ذلك: القطن إذا جمع بعد أن كان منفعاً فإن بالنفش يحصل له صورة كبيرة وذاته لم يتغير قاله البلقيني الكبير.

الجواب الثالث: قال شيخ الإسلام ابن حجر: والحق إن تمثل الملك رجلاً ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلاً، ولكن معناه أنه ظهر بصورة الرجل تأنيساً لمن يخاطبه والظاهر أن القدر الزائد يزول ولا يفنى، بل يخفى على الرائي فقط والله اعلم.

السؤال الثاني: أبداه الشيخ عز الدين بن عبد السلام قال: ما إن كان لقي جبريل النبي صلى الله عليه وسلم في صورة رجل فأين تكون روحه، فإن كان في الجسد العظيم الذي خلقه الله عليه فالذي أتى لا روح جبريل ولا جسده، وإن كانت في هذه التي في صورة رجل فهل يموت الجسد العظيم الذي خلقه الله عليه أم يبقى خالياً من الروح المنتقلة عنه إلى الجسد الذي يشبه صورة رجل، ويبقى جسده العظيم حياً لا ينقص من معارفه شيء.

قال: وموت الأجساد بمفارقة الأرواح ليس بواجب عقلاً بل بعادة أجراها الله في بني آدم فلا يلزم في غيرهم، وإذا قلنا: بأن الذي أتى هو جبريل ظهرت في صورة تأنيساً للمخاطب، والله أخفى الزائد من خلقه على الرائي فقط سقط السؤال الثاني والله اعلم (1) .

وفي الحديث دلالة على أن الصحابة كانت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كثير من المعاني، وكان صلى الله عليه وسلم يجمعهم ويعلمهم وكانت طائفة تسأل أخرى تحفظ وتؤدي وتبلغ حتى كمل الله دينه والحمد لله.

(1) هذا السؤال الذي أبداه العز بن عبد السلام أورده الحافظ السيوطي في كتابه الحبائك (ص 217) .

ص: 174

فائدة: ظاهر هذا الحديث يقضي أن الوحي ينقسم إلى قسمين أن يأتيه جبريل في مثل صلصلة الجرس، الثاني: أن يأتيه في صورة رجل.

وقال القاضي عياض (1) : إنه يقسم إلى ثلاثة أقسام، وقال السهيلي: أنه ينقسم إلى سبعة أقسام:

الأول: وحي المنام.

الثاني: أن يأتيه الوحي مثل صلصلة الجرس.

الثالث: وحي تلق بالقلب وهو أن ينفث في روعه الكلام، ويدل عليه ما ورد «إن روح القدس نفث في روعي» (2)

أي: في نفسي، قيل: كان هذا حال داود عليه الصلاة والسلام.

الرابع: أن يتمثل له الملك رجلاً، وقد كان كثيراً ما يأتيه في صورة دحيه الكلبي الصحابي (3) .

(1) هو: أبو الفضل، عاض بن موسى بن عياض بن عمرو اليحصبي السبتي، المشهور بالقاضي

عياض، عالم المغرب، وإمام أهل الحديث في وقته، ولي القضاء بسبتة، ثم غرناطة، له مصنفات كثيرة منها: الشفا بتعريف حقوق المصطفى، وشرح مسلم، توفي بمراكش سنة (544هـ) .

انظر: وفيات الأعيان (1/392) ، ومفتاح السعادة (2/19)، وقضاة الأندلس (ص: 101) .

(2)

رواه عبد الرزاق في الجامع عن معمر بن راشد (11/125، رقم 20100) عن معمر عن عمران صاحب له قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما تركت شيئاً يقربكم من الجنة ويباعدكم عن النار إلا قد بينته لكم، وإن روح القدس نفث في روعي وأخبرني أنها لا تموت نفس حتى تستوفى أقصى رزقها

الحديث» .

وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8/166، رقم 7694)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (10/27) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/72) : رواه الطبراني في الكبير وفيه عفير بن معدان وهو ضعيف.

ورواه القضاعي في مسند الشهاب (2/185، رقم 1151) عن عبد الله بن مسعود.

ورواه الدارقطني في العلل عنه (5/273) وقال: فقال يرويه إسماعيل بن أبي خالد، واختلف عنه فقال هبيرة التمار: أبو عمر المقري عن هشيم عن إسماعيل عن زبيد عن مرة عن عبد الله، وغيره يرويه عن إسماعيل عن زبيد مرسلاً عن بن مسعود وهذا أصح، وقيل: عن عمر بن علي المقدمي عن إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن عبد الله بن مسعود.

(3)

أخرج حديث إتيان جبريل فى صورة دحية الكلبى النسائى (8/101، رقم 4991) ، والبزار (9/419، رقم 4025) كلاهما من حديث أبى هريرة.

وأخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير (1/260، رقم 758) ، وفى المعجم الأوسط (1/7، رقم 7) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

وأخرجه البيهقى فى شعب الإيمان (5/175، رقم 6257) من حديث عائشة.

وأخرجه أبو الشيخ فى العظمة (2/780، رقم 18) من حديث شريح بن عبيد.

وأخرجه ابن سعد فى الطبقات لكبرى (4/250) من حديث ابن عمر.

ص: 175

لطيفة: قال في كتاب زهرة العلوم: ومن اللطائف ما روي أن جبريل كان عند النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحيه الكلبي، فتعلق به الحسن والحسين رضي الله عنهم فقال: يا محمد هل عرفاني فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا وإنما يفعلان ذلك لأن الرجل الذي تأتيني فيه صورته، يحمل إليهما الفواكه فجاء جبريل برمانة فأكلاها ولو سقطت حبة منها لشفت أهل الأرض، ولكن الله جعلها رزقاً لهما.

الخامس: أن يترائى جبريل في صورته التي خلقها الله تعالى له ستمائه جناح ينتشر منهما اللؤلؤ والياقوت.

فائدة: قال شيخنا العلامة جلال الدين السيوطي في الخصائص كان صلى الله عليه وسلم يسمع خفيق أجنحة وهو بعيد في سدرة المنتهى، ويشم رائحته إذا توجه إليه بالوحي.

السادس: أن يكلمه من وراء حجاب، إما في اليقظة كسماع نبينا صلى الله عليه وسلم الكلام من الله بلا واسطة ليلة الإسراء، وكسماع موسى بن عمران كما دل عليه نص القرآن أو في النوم كما جاء في الحديث «أتاني ربي في أحسن صورة فقال: فيما يختصم الملأ الأعلى

الحديث» (1) .

السابع: وحي إسرافيل كما جاء عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل به إسرافيل فكان يترائى له ثلاث سنين، ويأتيه بالكلمة من الوحي والشيء، ثم وكل به جبريل (2) .

(1) أخرجه الترمذي في سننه (5/367، رقم 3234) عن ابن عباس، وقال: حسن غريب. وأحمد في مسنده (1/368، رقم 3484) .

قلت: وقد وردت هذه الكيفية من كيفيات الوحي في عدة أحاديث مختلفة الموضوعات ونكتفي بالعزو للترمذي وأحمد في وقوع هذه الكيفية.

(2)

رواه الطبري في التاريخ (1/573) ، وكذا ابن عبد البر في الاستيعاب (1/35) كلاهما عن الشعبي.

وأورده ابن حجر في فتح الباري (1/27) وعزاه إلى التاريخ للإمام أحمد بن حنبل وأسهب في مناقشة هذه المسألة فقال: وقع في تاريخ أحمد بن حنبل عن الشعبي أن مدة فترة الوحي كانت ثلاث سنين، وبه جزم بن إسحاق، وحكى البيهقي أن مدة الرؤيا كانت ستة أشهر، وعلى هذا فابتداء النبوة بالرؤيا وقع من شهر مولده وهو ربيع الأول بعد إكماله أربعين سنة، وابتداء وحي اليقظة وقع في رمضان، وليس المراد بفترة الوحي المقدره بثلاث سنين وهي ما بين نزول «أقرأ» و «يا أيها المدثر» عدم مجيء جبريل إليه بل تأخر نزول القرآن فقط، ثم راجعت المنقول عن الشعبي من تاريخ الإمام أحمد ولفظه من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي:«أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين، فكان يعلمه الكلمة والشيء ولم ينزل عليه القرآن على لسانه، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل فنزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة» .

وأخرجه ابن أبي خيثمة من وجه آخر مختصراً عن داود بلفظ: «بعث لأربعين ووكل به إسرافيل ثلاث سنين، ثم وكل به جبريل» .

فعلى هذا فيحسن بهذا المرسل إن ثبت الجمع بين القولين في قدر إقامته بمكة بعد البعثة، فقد قيل: ثلاث عشرة، وقيل: عشر، وأنكر الواقدي هذه الرواية المرسلة وقال: لم يقرن به من الملائكة إلا جبريل (انتهى) .

ولا يخفى ما فيه فإن المثبت مقدم على النافي إلا إن صحب النافي دليل نفيه فيقدم والله أعلم.

وأخذ السهيلي هذه الرواية فجمع بها المختلف في مكثه صلى الله عليه وسلم بمكة فإنه قال: جاء في بعض الروايات المسندة أن مدة الفتره سنتان ونصف، وفي رواية أخرى: أن مدة الرؤيا ستة أشهر، فمن قال مكث عشر سنين حذف مدة الرؤيا والفترة، ومن قال ثلاث عشرة أضافهما، وهذا الذي اعتمده السهيلي من الاحتجاج بمرسل الشعبي لا يثبت، وقد عارضه ما جاء عن ابن عباس أن مدة الفترة المذكورة كانت أياماً.

انظر: أيضاً هذه المسألة عند ابن عبد البر في التمهيد (3/14) .

ص: 176

وهذه المسألة مختلف فيها وهي أنه وكل بنبينا إسرافيل قبل جبريل أم لا؟ ذهب بعضهم إلى أنه وكل به إسرافيل أولاً ثلاث سنين ثم وكل به جبريل، واستدل عليه بأثر الشعبي فهو مرسل أو معضل.

وقال شيخنا السيوطي في كتاب الإعلام: إن جبريل هو السفير بين الله وبين أنبيائه، لا يعرف ذلك لغيره من الملائكة، واستدل على ذلك بدلائل منها ما أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة عن عائشة قالت: قال ورقة لخديجة جبريل أمين الله بينه وبين رسله (1) .

ومنها: ما في كتاب العظمة لأبي الشيخ بن حيان عن ابن سابط قال في أم الكتاب: كل شيء هو كائن إلى يوم القيامة، وكل به ثلاث من الملائكة، فوكل جبريل بالكتب والوحي إلى الأنبياء، ووكل أيضاً بالهلكات، إذا أراد الله أن يهلك قوماً، ووكله بالنصر عند القتال، ووكل ميكائيل بالمطر، وملك الموت بقبض الأنفس، فإذا كان يوم القيامة عارضوا بين حفظهم، وما كتب الله في أم الكتاب فيجدونه

(1) انظر دلائل النبوة (ص: 57) .

ص: 177

سواء (1) .

ومنها ما أخرجه أبو الشيخ أيضاً عن عبد العزيز بن عمير قال: اسم جبريل في الملائكة خادم ربه (2) .

ومنها: ما أخرجه ابن أبي زمين في كتاب السنة عن كعب قال: إذا أراد الله أن يوحي أمراً جاء اللوح المحفوظ يصفق جبهة إسرافيل فيرفع رأسه فينظر فإذا الأمر مكتوب، فينادي جبريل فيلبيه، فيقول: أمرت بكذا أمرت بكذا، فيهبط جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فيوحي إليه (3) .

ومنها: ما أخرجه أبو الشيخ أيضاً عن أبي سنان قال: اللوح المحفوظ معلق بالعرش فإذا أراد الله أن يقضي بشيء كتب في اللوح المحفوظ فيجيىء اللوح حتى يقرع جبهة إسرافيل فينظر فيه فإن كان إلى أهل السماء دفعه إلى ميكائيل، وإن كان إلى أهل الأرض دفعه إلى جبريل، فأول ما يحاسب يوم القيامة اللوح يدعى به ترعد فرائصه فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقول: من يشهد لك فيقول: إسرافيل، فيدعى إسرافيل فترعد فرائصه، فيقال: هل بلغك اللوح؟ فإذا قال: نعم، قال اللوح: الحمد لله الذي نجاني من سوء الحساب (4) .

ومنها ما أخرجه ابن المبارك في الزهد عن حيان بن أبي جبلة يسنده قال: أول من يدعى يوم القيامة إسرافيل فيقول الله له: هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم ربي قد بلغت جبريل، فيدعى جبريل فيقال: هل بلغك إسرافيل عهدي، فيقول: نعم فتجلى عن إسرافيل، فيقول لجبريل: ما صنعت في عهدي؟ فيقول: يارب بلغت الرسل، فتدعى الرسل فيقال لهم: هل بلغكم جبريل عهده؟ فيقولون: نعم

(1) طرفه الأول رواه ابن أبي شيبة في المصنف (7/159، رقم 34968) عن ابن سابط، وأما باقيه من قوله: «وكل به ثلاث من الملائكة

إلى آخره» فلم نقف عليه، ولم نقف عليه بتمامه في كتاب العظمة لأبي الشيخ.

(2)

رواه أبو الشيخ في العظمة (2/776) عن عبد العزيز بن عمير.

(3)

لم نقف عليه، ولكن معناه في الأثر الذي يليه.

(4)

رواه أبو الشيخ في العظمة (2/704) عن أبي سنان.

ص: 178

فينجلي عن جبريل

الحديث (1) .

فعرف بمجموع هذه الآثار اختصاص جبريل من بين الملائكة بالوحي إلى الأنبياء وعرف بها أيضاً أن جبريل إنما يتلقي الوحي عن الله تعالى بواسطة إسرافيل، وإن إسرافيل إنما يتلقي عن الله بواسطة اللوح المحفوظ، فالعباد يتلقون الأحكام الشرعية وغيرها عن الرسل، والرسل عن جبريل، وجبريل عن إسرافيل، وإسرافيل عن اللوح، واللوح عن الحق سبحانه وتعالى.

فائدة: نقل الواحدي في تفسبره: «أن اللوح المحفوظ من درة بيضاء، ودفتاه ياقوتة حمراء، قلمه نور، وكتابته نور الله فيه كل يوم ثلاثمائه نظرة» (2) .

وزاد غيره: «يخلق فيها ويرزق ويحيى ويميت، ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء فذلك قوله تعالى ?كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ? [الرحمن: 29] » .

وذكر غيره: «أن طوله ما بين السماء والأرض سبع مرات، معلق بالعرش مكتوب فيه إلى يوم القيامة» (3) .

فائدة أخرى: قال بعض العلماء: نزل جبريل عليه السلام على آدم اثنتي عشرة مرة ونزل على إدريس أربع مرات، ونزل على نوح خمسين مرة، ونزل على إبراهيم أربعين مرة منها مرتان في صغره، ونزل على موسى أربعمائه مرة، ونزل على عيسى عشر مرات ثلاثاً في صغره وسبعاً في كبره ونزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أربعة وعشرين مرة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

فائدة أخرى: أشرف الملائكة وأكرمهم أربعة جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل، ويدل ذلك ما أخرجه أبو الشيخ عن عكرمة بن خالد أن رجلاً قال: يا رسول الله أي: الملائكة أكرم على الله؟ فقال: «جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل، فأما جبريل فصاحب الحرب وصاحب المرسلين، وأما ميكائيل فصاحب كل قطرة تسقط وكل ورقة تنبت، وأما ملك الموت فهو موكل بقبض روح كل عبد في بر وبحر هو عزرائيل (4) .

أما إسرافيل فأمين الله بينه وبينهم وجبريل أشرف الملائكة لوجوه:

الأول: أنه صاحب الوحي إلى الأنبياء كما وصفه الله بذلك بقوله ?نَزَلَ بِهِ

(1) رواه ابن المبارك في الزهد (ص: 557، رقم 1598) عن حيان بن أبي جبلة.

ورواه أيضاً: الطبري (2/10) في تفسيره عنه.

(2)

رواه البغوي في تفسيره (4/472) عن ابن عباس.

(3)

رواه البغوي في تفسيره أيضاً (4/472) عن ابن عباس.

(4)

رواه أبو الشيخ في العظمة (3/811) عن عكرمة بن خالد.

ص: 179

الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ? [الشعراء: 194] .

الثاني: أنه سبحانه وتعالى ذكره قبل سائر الملائكة في القرآن في قوله تعالى ?قُلْ مَن كَانَ عَدُواًّ لِّجِبْرِيلَ? [البقرة: 97] .

والثالث: أن الله تعالى جعله ثاني نفسه قال تعالى ?فإن اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ? [التحريم: 4] .

الرابع: سماه روح القدس كما قال تعالى في حق عيسى ?إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ القُدُسِ? [المائدة: 110] .

الخامس: أنه تعالى مدحه بصفات ستة فقال له: ?إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ? [التكوير: 19، 20، 21] الوصف الأول: «رسول» فهو رسول الله إلى جميع الأنبياء، فجميع الأنبياء والرسل أمته.

الوصف الثاني: «كريم» وكرمه على ربه أن جعله واسطة بينه وبين أشرف عباده وهم الأنبياء.

الوصف الثالث: «ذي قوة عند ذي العرش» وبلغ من قوته أنه قلع مدائن قوم لوط بما اتصل بها من الجبال دفعه واحدة إلى السماء وقلبها، ويشاركه غيره من الملائكة في القوة كإسرافيل، وإن بلغ من القوة أنه بنفخه واحدة منه في الصور يصعق من في السماوات والأرض، وبالنفخة الثانية يعودون أحياء، فاعرف عظيم هذه القدرة وحملة العرش العظيم، الذي السموات والأرض وما فيها بالنسبة إلى العرش كحلقة ملقاة في أرض فلاة، ومع هذه يحمله ثمانية كما نطق بذلك القرآن فأي قوة أعظم من هذه القوة.

الوصف الرابع: «مكين» ومكانته عند الله أنه جعله ثاني نفسه في قوله ?فإن اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ?.

الوصف الخامس: «مطاع» ووصف ذلك لأنه إمام الملائكة ومقتداهم.

الوصف السادس: «أمين» ووصف بذلك هنا، وفي آية أخرى وهي ?نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ? [الشعراء: 194] لأنه أمين الله بينه وبين رسله كما تقدم.

فائدة أخرى: في الحديث دلالة على إثبات الملائكة والرد على من أنكرهم من الملاحدة والفلاسفة، وقد نقل إلينا بالتواتر عن الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- بإجماعهم أثبتوا الملائكة قال صلى الله عليه وسلم: «أطت السماء أي: صوتت وحق لها أن

ص: 180

تئط، ما فيها موضع قدم إلا وفية ملك ساجد أو راكع» (1) .

واختلف العلماء في أكثر الأجناس المخلوقة عدداً فقيل: الملائكة ويدل عليه ما روي: أن بني آدم عشر الجن، والجن وبنو آدم عشر حيوانات البر، وهؤلاء كلهم عشر الطيور، وهؤلاء كلهم عشر ملائكة سماء الدنيا، وكل هؤلاء عشر ملائكة السماء الثانية، وعلى هذا الترتيب إلى ملائكة السماء السابعة، ثم الكل في ملائكة الكرسي نذر قليل، ثم هؤلاء عشر ملائكة السرادق الواحد من سرادقات العرش، التي عددها ستمائة ألف، طول كل سرادق وعرضه وسمكه إذا قوبلت به السموات والأرض وما فيها وما بينهما فإنها كلها تكون شيئاً يسيراً وقدراً صغيراً، وما من مقدار موضع إلا وفيه ملك ساجد وراكع أو قائم، لهم زجل بالتسبيح والتقديس، ثم هؤلاء كلهم في مقابلة الملائكة الذين يحومون حول العرش كالقطرة لا يعلم عددهم الله تعالى ?وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَاّ هُوَ? [المدثر: 31] وكلهم سامعون لا يفترون، مشتغلون بعبادته وبذكره يتسابقون في عبادته، ولا يستكبرون عنها آناء الليل ولا يسأمون، لا يعلم أجناسهم، ولا مدة أعمارهم ولا كيفية عباداتهم.

وقيل: الملائكة أكثر خلق الله لما روي في المستدرك للحاكم من حديث عبد الله بن عمر «إن الله عز وجل جزأ الخلق عشرة أجزاء فجعل تسعة أجزاء الملائكة وجزءاً سائر الخلق

الحديث» (2) كلهم يصلون على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بنص القرآن

(1) أخرجه الترمذي في سننه (4/556، رقم 2312) وقال: وفي الباب عن أبي هريرة، وعائشة، وابن عباس، وأنس. ثم قال: هذا حديث حسن غريب، وابن ماجه في سننه (2/1402، رقم 4190) ، وأحمد في مسنده (5/173، رقم 21555) ، والحاكم في المستدرك (2/554، رقم 3883) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء (2/236) ، وأبو الشيخ في كتاب العظمة (3/982) ، والديلمي في مسند الفردوس (1/77، رقم 233) ، والبيهقي في السنن الكبرى (7/52، رقم 13115) جميعاً عن أبي ذر.

وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (3/201، رقم 3122) ، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/422، رقم 597) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء (2/217) ، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (1/258، رقم 250) عن حكيم بن حزام.

وأخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (6/269) عن أنس بن مالك.

وأخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة (1/261، رقم 255) عن العلاء بن سعد.

(2)

أخرجه الحاكم في المستدرك (4/536، رقم 8506) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وأخرجه أيضاً: الطبري في التفسير (17/13) .

ص: 181

وهذا مما خصه الله بدون سائر الأنبياء والمرسلين.

وكل الله تعالى بقبره كل يوم وليلة ملائكة ينزلون إليه ويصلون عليه فقد نقل عن كعب الأحبار أنه قال: «ما من فجر إلا نزل سبعون الفاً من الملائكة حتى يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا أمسوا عرجوا، وهبط سبعون ألف حتى يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، سبعون ألفاً بالليل وسبعون ألفاً بالنهار، حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج في سبعين ألفاً يزفونه» وفي لفظ «يوقرونه» رواه البيهقي في الشعب وغيره (1) .

وقد وكل بكل آدمي عشرة ملائكة بالليل وعشرة بالنهار، واحد عن يمينه وواحد عن شماله، واثنان من بين يديه، ومن خلفه، واثنان على شفتيه، واثنان على جبينه، وآخر قابض على ناصيته فإن تواضع رفعه وان تكبر وضعه، والعاشر يحرسه من الحيتان تدخل يعني إذا نام.

وقيل: إن كل إنسان معه ثلاثمائة وستون ملكاً.

فائدة أخرى: سئل الحافظ العلامة ولي الدين العراقي بمكة المشرفة فقيل له: هل الملائكة خلقوا دفعة واحدة ويكون موتهم كذلك أم خلقوا شيئًا فشيئًا ويكون موتهم شيئًا فشيئًا؟

فأجاب: بأنه لم يثبت في ذلك شيء ولا يجوز الهجوم عليه بمجرد الاحتمال، ولا مجال للظن فيه.

فائدة أخرى: هل يقع نكاح بين والجن وبين الإنس والملائكة؟

قال الدميرى: أفاد بعض العلماء أن التناكح قد يقع بين الإنس والجن بدليل قوله تعالى ?وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ? [الاسراء: 64] قال: فإن نساء الجن إذا عشقت رجال الإنس تتعرض لصرعهم لأجل الجماع، وكذلك رجال الجن لنساء الإنس، قال: وأما الإنس والملائكة فلا يقع بينهم نكاح لعدم الشهوة فيهم وذهب بعضهم إلى أنه يقع بدليل أن ذا القرنين كانت أمة آدمية وأبوه من الملائكة.

قال أبو الفرج بن الجوزي: خلق الله الخلق على أربعة أصناف، صنف منهم

(1) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3/492، رقم 4170) عن كعب الأحبار.

وأخرجه أيضاً: الدارمي في سننه (1/57، رقم 94) ، وأبو الشيخ في العظمة (3/1019) ، وابن المبارك في الزهد (1/558، رقم 1600) .

ص: 182

ركب فيه الشهوة دون العقل وهي البهائم والأنعام، وصنف ركب فيهم العقل والشهوة وهم بنو آدم وذريته، وصنف ركب فيهم العقل دون الشهوة وهم الملائكة، وصنف لا عقل فيهم ولا شهوة وهم الجمادات.

خاتمة: قد اشتهر على ألسنة الناس أن جبريل لا ينزل إلى الأرض بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم قال العلامة شيخنا الشيخ جلال الدين السيوطي -رحمه الله تعالى-: وهذا شيء لا أصل له، ومن الدليل على بطلانه ما أخرجه الطبراني الكبير عن ميمونة بنت سعد قالت: يا رسول الله هل يرقد الجنب؟ قال لها: «أحب أن يرقد حتى يتوضأ، فإني أخاف أن يتوفى فلا يحضره جبريل» (1)

فهذا الحديث يدل على أن جبريل ينزل إلى الأرض، ويحضر موت كل مؤمن حضره الموت وهو على الطهارة.

ثم قال وقفت على حديث نزول جبريل إلى الأرض وهو ما أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن والطبراني من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصف الدجال قال: «فيمر بمكة فإذا هو بخلق عظيم فيقولوا: من أنت؟ فيقول: أنا ميكائيل بعثني الله لأمنعه من حرمه، ويمر بالمدينة فإذا هو بخلق عظيم فيقول: من أنت فيقول: أنا جبريل بعثني الله لأمنعه من حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم» (2) .

قال: ثم رأيت في قوله تعالى ?تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا

? [القدر: 4] الآية عن الضحاك أن الروح هنا جبريل، وأنه ينزل هو الملائكة في ليلة القدر، ويسلمون على المسلمين، وذلك في كل سنة.

فعلم من هذه الأخبار أن جبريل نزل إلى الأرض بعد موت نبينا صلى الله عليه وسلم، وما اشتهر بين

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (25/36، رقم 65) عن ميمونة بنت سعد ولفظه: قلت: ثم يا رسول الله هل يأكل أحدنا وهو جنب؟ قال: «لا يأكل حتى يتوضأ» قالت: قلت: يا رسول الله هل يرقد الجنب؟ قال: «ما أحب أن يرقد وهو جنب حتى يتوضأ، ويحسن الدفع، وإني أخشى أن يتوفى فلا يحضره جبريل عليه السلام» .

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/275) : رواه الطبراني في الكبير، وفيه: عثمان بن عبد الرحمن عن عبد الحميد بن يزيد، وعثمان بن عبد الرحمن هو الحراني الطرائقي، وثقه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال أبو عروبة الحراني وابن عدي: لا بأس به يروي عن مجهولين، وقال البخاري وأبو أحمد الحاكم: يروي عن قوم ضعاف، وقال أبو حاتم: يشبه بقية في روايته عن الضعفاء.

(2)

أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن (2/543، رقم 1527) في حديث طويل راجعه بتمامه فيه عن عبد الله بن مسعود، وظاهر صنيع المصنف أنه أتى بموطن الشاهد فقط.

ص: 183

الناس من أنه حرم على نفسه نزول الأرض بعد موت نبينا صلى الله عليه وسلم فهو باطل، وعلم من هذه الأخبار أيضاً أنه يحضر عند موت كل مؤمن دنا أجله إذا كان على طهارة، وينزل عند خروج الدجال ويمنعه من الدخول إلى المدينة الشريفة، وينزل كل سنة ليلة القدر والله أعلم بالصواب.

* * *

ص: 184