الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: الرؤيا جزء من النبوّة فلا يلعب بالنبوة أجيب عنه: بأنه لم يرد أنها نبوة باقية وإنما أراد أنها لما أشبهت النبوّة من جهة الإطلاع على بعض الغيب لا ينبغي أن يتكلم فيها بغير علم.
وأما وجه كونها ستة وأربعين جزءًا فأبدى بعضهم له مناسبة وذلك أن الله أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم في المنام ستة أشهر ثم أوحى إليه بعد ذلك في اليقظة بقية مدة حياته، ونسبتها إلى الوحي في المنام جزء من ستة وأربعين جزءًا لأنه عاش بعد النبوة ثلاثًا وعشرين سنة على الصحيح، فالستة الأشهر نصف سنة فهي جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وتعقبه الخطابي بأنه قاله على سبيل
الظن إذ إنه لم يثبت في ذلك خبر ولا أثر، ولئن سلمنا أن هذه المدة محسوبة من أجزاء النبوة لكنه يلحق بها سائر الأوقات التي كان يوحى إليه فيها منامًا في طول المدة كما ثبت كالرؤيا في أحد ودخول مكة وحينئذ فيتلفق من ذلك مدة أخرى تزاد في الحساب فتبطل القسمة التي ذكرها. وأجيب: بأن المراد وحي المنام المتتابع كما وقع في غضون وحي اليقظة فهو يسير بالنسبة إلى وحي اليقظة فهو مغمور في جانب وحي اليقظة فلم يعتبر به اهـ.
وأما حصر العدد في السنّة والأربعين فقال المازري هو مما أطلع الله عليه نبيه صلى الله عليه وسلم وقال ابن العربي: أجزاء النبوة لا يعلم حقيقتها إلا نبي أو ملك وإنما القدر الذي أراد صلى الله عليه وسلم أن يبينه أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة في الجملة لأن فيها إطلاعًا على الغيب من وجه ما وأما تفصيل النسبة فيختص بمعرفته درجة النبوة. وقال المازري أيضًا: لا يلزم العالم أن يعرف كل شيء جملة وتفصيلاً فقد جعل الله حدًّا يقف عنده فيه ما يعلم المراد به جملة وتفصيلاً، ومنه ما يعلمه جملة لا تفصيلاً وهذا من هذا القبيل. وفي مسلم من حديث أبي هريرة جزء من خمسة وأربعين، وله أيضًا عن ابن عمر جزء من سبعين جزءًا، وللطبراني عنه جزء من ستة وسبعين وسنده ضعيف، وعند ابن عبد البر من طريق عبد العزيز بن المختار عن ثابت عن أنس مرفوعًا: جزء من ستة وعشرين، وعند الطبري في تهذيب الآثار عن ابن عباس جزء من خمسين، وللترمذي من طريق أبي رزين العقيلي جزء من أربعين، وللطبري من حديث عبادة جزء من أربعة وأربعين والمشهور ستة وأربعين.
قال في الفتح ويمكن الجواب عن اختلاف الأعداد أنه بحسب الوقت الذي حدث فيه صلى الله عليه وسلم بذلك كأن يكون لما أكمل ثلاث عشرة سنة بعد مجيء الوحي إليه حدث بأن الرؤيا جزء من ستة وعشرين إن ثبت الخبر بذلك وذلك وقت الهجرة ولما أكمل عشرين حدث بأربعين ولما أكمل اثنتين وعشرين حدث بأربعة وأربعين ثم بعدها بخمسة وأربعين ثم حدث بستة وأربعين في آخر حياته، وأما ما عدا ذلك من الروايات بعد الأربعين فضعيف ورواية الخمسين تحتمل أن تكون لجبر الكسر ورواية السبعين للمبالغة وما عدا ذلك لم يثبت اهـ.
وقلما يصيب مؤوّل في حصر هذه الأجزاء، ولئن وقع له الإصابة في بعضها لما تشهد له الأحاديث المستخرج منها لم يسلم له ذلك في بقيتها والتقييد بالصالح جرى على الغالب فقد يرى الصالح الأضعاث، ولكنه نادر لقلة تمكن الشيطان منه بخلاف العكس وحينئذ فالناس على ثلاثة أقسام: الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ورؤياهم كلها صدق وقد يكون فيها ما يحتاج إلى تعبير، والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير ومن عداهم يكون في رؤياهم الصدق، والأضعاث وهم على ثلاثة مستورون فالغالب استواء الحال في حقهم وفسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث ويقل فيها الصدق وكفار ويندر في رؤياهم الصدق جدًّا قاله المهلب فيما ذكره في الفتح.
فإن قلت: لم عبّر بلفظ النبوة دون لفظ الرسالة؟ أجيب: بأن السر فيه أن الرسالة تزيد على النبوة بالتبليغ بخلاف النبوة المجردة فإنها إطلاع على بعض المغيبات وكذلك الرؤيا.
والحديث أخرجه النسائي وابن ماجة في التعبير.
3 - باب الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (الرؤيا من الله) تعالى، وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
6984 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ» .
وبه قال:
(حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا زهير) بن معاوية أبو خيثمة الكوفي قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (يحيي هو ابن سعيد) ولأبي ذر وهو ابن سعيد أي الأنصاري (قال: سمعت أبا سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال: سمعت أبا قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):
(الرؤيا) يراها الشخص في النوم مما يسره (من الله) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي الصادقة وله عن الكشميهني الصالحة (والحلم من الشيطان) بضم الحاء المهملة وسكون اللام. وقال السفاقسي بضمهما وهو ما يراه النائم من الأمر الفظيع المهول. قال ابن نفيس في شامله: قد تحدث الأحلام لأمر في المأكول وذلك بأن يكون كثير التبخير أو التدخين فإذا تصعد ذلك إلى الدماغ وصادف انفتاح البطن الأوسط منه وهو من شأنه أن يكون متفتحًا حال النوم حرّك ذلك البخاري أو الدخان أرواح الدماغ وغيرها عن أوضاعها فيعرض عن ذلك أن تختلط الصور التي في مقدم الدماغ بعضها ببعض وينفصل بعضها من بعض فيحدث من ذلك صور ليست على وفق الصور الواردة من الحواس والقوة التي تدرك تلك الصور حينئذ ويلزم ذلك أن يحكم على تلك الصور بمعان تناسبها، فتكون تلك المعاني لا محالة مخالفة للمعاني المعهودة فلذلك تكون الأحلام حينئذ مشوشة فاسدة، وقد تحدث الأحلام لأمر مهمّ يتفكّر فيه في اليقظة فيستمر عمل القوة المفكرة في ذلك فيكون أكثر ما يرى متعلقًا به، وهذا مثل الصنائع والفكر في العلوم وكثيرًا ما يكون الفكر صحيحًا لأن القوة تكون حينئذٍ قد قويت بما عرض لها من الراحة، ولأجل توفر الأرواح حينئذ على القوى الباطنة، فلذلك كثيرًا ما ينحل حينئذ مسائل مشكلة وشبه معطلة وكثيرًا ما تستنتج الفكرة حينئذ مسائل لم تخطر أوّلاً بالبال وذلك لتعلقها بالفكرة المتقدمة في اليقظة وهذه الوجوه من الأحلام لا اعتبار لها في التعبير، وأكثر من تصدق أحلامه من يتجنب الكذب فلا يكون لمخيلته عادة بوضع الصور والمعاني الكاذبة، ولذلك الشعراء يندر جدًّا صدق أحلامهم لأن الشاعر من عادته التخيل لما ليس واقعًا وأكثر فكره إنما هو في وضع الصور والمعاني الكاذبة اهـ.
وإضافة الحلم إلى الشيطان لكونه على هواه ومراده أو لأنه الذي يخيل فيه ولا حقيقة له في نفس الأمر أو لأنه يحضره لا أنه يفعله إذ كل مخلوق لله تعالى، وأما إضافة الرؤيا وهي اسم للمرئيّ المحبوب إلى الله تعالى فإضافة تشريف وظاهره إن المضافة إلى الله لا لها يقال حلم والمضافة إلى الشيطان لا يقال لها رؤيا وهو تصرف شرعي وإلاّ فالكل يسمى رؤيا. وفي حديث آخر الرؤيا ثلاث فأطلق على كل رؤيا.
حديث الباب سبق في الطب وأخرجه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
6985 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِىَ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا، وَلْيُحَدِّثْ بِهَا وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِىَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلَا يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ» .
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن الهاد) بغير تحتية بعد المهملة وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي (عن عبد الله بن خباب) بخاء معجمة مفتوحة وموحدتين الاللى مشددة بينهما ألف الأنصاري.
(عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) رضي الله عنه (إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول):
(إذا رأى أحدكم) في منامه (رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها) وفي مسلم حديث فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر إلا من يحب، وفي الترمذي من حديث أبي رزين ولا يقصها إلا على وادّ، وفي أخرى ولا يحدث بها إلا لبيبًا أو حبيبًا، وفي أخرى لا تقص الرؤيا إلاّ على عالم أو ناصح. قيل: لأن العالم يؤوّلها على الخير مهما أمكنه، والناصح يرشد إلى ما ينفع، واللبيب العارف بتأويلها، والحبيب إن عرف خيرًا قاله وإن جهل أو شك سكت، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: وليتحدث بزيادة فوقية بعد التحتية وفتح الدال المهملة