الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من إلقاء النفس إلى الهلكة قاله في بهجة النفوس قال: وفي الحديث تحذير عظيم لمن سكت عن النهي فكيف بمن داهن فكيف بمن رضي فكيف بمن أعان؟ نسأل الله العافية والسلامة.
وعند ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف عن إبراهيم بن عمرو الصنعاني قال: أوحى الله إلى يوشع بن نون أني مهلك من قومك أربعين ألفًا من خيارهم وستين ألفًا من شرارهم قال: يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فقال: إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يواكلوهم ويشاربوهم، وقال مالك بن دينار: أوحى الله تعالى إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة كذا وكذا على أهلها قال: يا رب إن فيهم عبدك فلانًا ولم يعصك طرفة عين فقال اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعر فيّ ساعة قط. ورواه الطبراني وغيره من حديث جابر مرفوعًا والمحفوظ كما قال البيهقي ما ذكر، وأعلم أنه قد تقوم كثرة رؤية المنكرات مقام ارتكابها في سلب القلوب نور التمييز والإنكار لأن المنكرات إذا كثر على القلب ورودها وتكرر في العين شهودها ذهبت عظمتها من القلوب شيئًا فشيئًا إلى أن يراها الإنسان فلا يخطر بباله أنها منكرات ولا يمر بفكره أنها معاصٍ لما أحدث تكرارها من تألف القلوب بها.
في القوت لأبي طالب المكي عن بعضهم أنه مرّ يومًا في السوق فرأى بدعة فبال الدم من شدة إنكاره لها بقلبه وتغير مزاجه لرؤيتها، فلما كان اليوم الثاني مرّ فرآها فبال دمًا صافيًا، فلما كان اليوم الثالث مرّ فرآها فبال بوله المعتاد لأن حدة الإنكار التي أثرت في بدنه ذلك الأثر ذهبت فعاد المزاج إلى حاله الأول، وصارت البدعة كأنها مألوفة عنده معروفة، وهذا أمر مستقر لا يمكن جحوده والله تعالى أعلم.
وحديث الباب أخرجه مسلم.
20 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ: «إِنَّ ابْنِى هَذَا لَسَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ»
(باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن عليّ) رضي الله عنهما (إن ابني هذا لسيد) بلام التأكيد ولأبي ذر عن الكشميهني سيد بإسقاطها (ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين).
7109 -
حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ أَبُو مُوسَى وَلَقِيتُهُ بِالْكُوفَةِ جَاءَ إِلَى ابْنِ شُبْرُمَةَ فَقَالَ: أَدْخِلْنِى عَلَى عِيسَى فَأَعِظَهُ فَكَأَنَّ ابْنَ شُبْرُمَةَ خَافَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: لَمَّا سَارَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ - رضى الله عنهما - إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالْكَتَائِبِ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ: أَرَى كَتِيبَةً لَا تُوَلِّى حَتَّى تُدْبِرَ أُخْرَاهَا قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَنْ لِذَرَارِىِّ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: أَنَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ نَلْقَاهُ فَنَقُولُ لَهُ الصُّلْحَ قَالَ الْحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ قَالَ: بَيْنَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ جَاءَ الْحَسَنُ فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «ابْنِى هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» .
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا إسرائيل) بن موسى (أبو موسى) البصري نزيل الهند وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه قال سفيان (ولقيته بالكوفة) والجملة حالية (جاء) ولأبي ذر وجاء (إلى ابن شبرمة) بضم المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة عبد الله قاضي الكوفة في خلافة أبي جعفر المنصور (فقال) له: (أدخلني على عيسى) بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ابن أخي المنصور وكان أميرًا على الكوفة إذ ذاك (فأعظه) بفتح الهمزة وكسر العين المهملة ونصب الظاء المعجمة المشالة من الوعظ (فكأن) بالهمزة وتشديد النون (ابن شبرمة خاف عليه) على إسرائيل من بطش عيسى لأن إسرائيل كان يصدع بالحق فربما لا يتلطف في الوعظ بعيسى فيبطش به لما عنده من حدة الشباب وعزة الملك (فلم يفعل قال) إسرائيل: (حدّثنا الحسن) البصري (قال: لما سار الحسن بن علي رضي الله عنهما إلى معاوية) بن أبي سفيان (بالكتائب) بفتح الكاف والمثناة الفوقية وبالهمزة المكسورة بعدها موحدة جمع كتيبة بوزن عظيمة فعيلة بمعنى مفعولة وهي طائفة من الجيش تجمع وسميت بذلك
لأن أمير الجيش إذا رتبهم وجعل كل طائفة على حدة كتبهم في ديوانه، وكان ذلك بعد قتل علي رضي الله عنه واستخلاف الحسن.
وعند الطبري بسند صحيح عن يونس بن يزيد عن الزهري أن عليًّا جعل على مقدمة أهل العراق قيس بن سعد بن عبادة وكانوا أربعين ألفًا بايعوه على الموت، فلما قتل عليّ بايعوا الحسن ابنه بالخلافة وكان لا يحب القتال، ولكن كان يريد أن يشترط على معاوية لنفسه فعرف أن قيس بن سعد لا يطاوعه على الصلح فنزعه وعند الطبراني بعث الحسن قيس بن سعد على مقدمته في اثني عشر ألفًا يعني من الأربعين فسار قيس إلى جهة الشام وكان معاوية لما بلغه قتل عليّ خرج في عساكره من الشام وخرج الحسن حتى نزل المدائن.
(قال عمرو بن العاص لمعاوية: أرى كتيبة لا تولي) بتشديد اللام المكسورة لا تدبر (حتى تدبر أخراها) التي
تقابلها وهي التي لخصومهم أو الكتيبة الأخيرة التي لأنفسهم ومن ورائهم أي لا ينهزمون إذ عند الانهزام يرجع الآخر أوّلاً قاله في الكواكب. وقال في المصابيح: تدبر فعل مضارع مبني للفاعل من الإدبار أي حتى تجعل أخراها من تقدمها دبرًا لها أي تخلفها وتقوم مقامها وفي الصلح إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها (قال معاوية) لعمرو (من لذراريّ المسلمين)؟ بالذال المعجمة وتشديد التحتية أي من يكفلهم إن قتل آباؤهم (فقال: أنا) أكفلهم قال في الفتح ظاهر قوله أنا يوهم أن المجيب عمرو بن العاص ولم أرَ في طرق الحديث ما يدل على ذلك فإن كانت محفوظة فلعلها كانت فقال إني بتشديد النون المفتوحة قالها عمرو على سبيل الاستبعاد (فقال عبد الله بن عامر) واسم جده كريز العبشمي (وعبد الرحمن بن سمرة) وكلاهما من قريش من بني عبد شمس (تلقاه) بالقاف أي نجد معاوية (فنقول له الصلح) أي نحن نطلب الصلح وفي كتاب الصلح أن معاوية هو الذي أرسلهما إلى الحسن يطلب منه الصلح فيحتمل أنهما عرضًا أنفسهما فوافقهما.
(قال الحسن) البصري بالسند السابق (ولقد سمعت أبا بكرة) نفيعًا رضي الله عنه (قال: بينا) بغير ميم (النبي صلى الله عليه وسلم يخطب جاء الحسن) بن علي رضي الله عنهما زاد البيهقي في دلائله من رواية علي بن زيد عن الحسن فصعد المنبر (فقال النبي صلى الله عليه وسلم):
(إن ابني هذا سيد) فأطلق الابن على ابن البنت (ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين) طائفة الحسن وطائفة معاوية رضي الله عنهما واستعمل لعل استعمال عسى لاشتراكهما في الرجاء والأشهر في خبر لعل بغير أن كقوله تعالى: {لعل الله يحدث} [الطلاق: 1] وفيه أن السيادة إنما يستحقها من ينتفع به الناس لكونه علق السيادة بالإصلاح وفيه علم من أعلام نبيّنا صلى الله عليه وسلم فقد ترك الحسن الملك ورعًا ورغبة فيما عند الله ولم يكن ذلك لعلة ولا لقلة ولا لذلة بل صالح معاوية رعاية للدين وتسكينًا للفتنة وحقن دماء المسلمين، وروي أن أصحاب الحسن قالوا
له: يا عار المؤمنين. فقال رضي الله عنه: العار خير من النار، وفي الحديث أيضًا دلالة على رأفة معاوية بالرعية وشفقته على المسلمين وقوة نظره في تدبر الملك ونظره في العواقب.
وحديث الحسن سبق في الصلح بأتم من هذا.
7110 -
حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ عَمْرٌو أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِىٍّ أَنَّ حَرْمَلَةَ مَوْلَى أُسَامَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ عَمْرٌو: وَقَدْ رَأَيْتُ حَرْمَلَةَ قَالَ: أَرْسَلَنِى أُسَامَةُ إِلَى عَلِىٍّ وَقَالَ: إِنَّهُ سَيَسْأَلُكَ الآنَ فَيَقُولُ: مَا خَلَّفَ صَاحِبَكَ؟ فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ لَوْ كُنْتَ فِى شِدْقِ الأَسَدِ لأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِيهِ، وَلَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَرَهُ فَلَمْ يُعْطِنِى شَيْئًا فَذَهَبْتُ إِلَى حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَابْنِ جَعْفَرٍ فَأَوْقَرُوا لِى رَاحِلَتِى.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: قال عمرو) بفتح العين ابن دينار (أخبرني) بالإفراد (محمد بن علي) أي ابن الحسين بن علي أبو جعفر الباقر (أن حرملة) بفتح الحاء المهملة وسكون الراء (مولى أسامة) بن زيد وهو مولى زيد بن ثابت ومنهم من فرق بينهما (أخبره قال عمرو): هو ابن دينار (وقد رأيت حرملة) المذكور أي وكان يمكنني الأخذ عنه لكن لم أسمع منه هذا (قال) أي حرملة (أرسلني أسامة) بن زيد من المدينة (إلى علي) رضي الله عنه بالكوفة يسأله شيئًا من المال (وقال) أسامة: (إنه) أي عليًّا رضي الله عنه (سيسألك الآن فيقول: مما خلف صاحبك)؟ أسامة عن مساعدتي في وقعة الجمل وصفّين وعلم أن عليًّا كان ينكر على من تخلف عنه لا سيما أسامة الذي هو من أهل البيت (فقل له) أي لعلي وفي الفرع مصلحًا على كشط مصححًا عليه فقلت له والذي في اليونينية مصلح على كشط فقل له (يقول لك) أسامة: (لو كنت) بتاء الخطاب (في شدق الأسد) بكسر الشين المعجمة وقد تفتح وسكون الدال المهملة بعدها قاف أي جانب فمه من داخل (لأحببت أن أكون معك فيه) كناية عن الموافقة في حالة الموت لأن الذي يفترسه الأسد بحيث يجعله في شدقه في عداد من هلك ومع ذلك فقال لو وصلت إلى هذا المقام لأحببت أن أكون معك فيه مواسيًا لك بنفسي (ولكن هذا) أي قتال المسلمين (أمر لم أره) لأنه لما قتل مرداسًا ولامه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك آل على نفسه أن لا يقاتل مسلمًا أبدًا. قال حرملة: فذهبت إلى علي فبلغته ذلك، وعند الإسماعيلي من رواية ابن أبي عمر عن سفيان فجئت بها أي بالمقالة فأخبرته (فلم يعطني شيئًا) وفي هامش اليونينية صوابه فلم يعني شيئًا. قال