الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عند الشيء القدّر يراه أو يذكره ولا شيء أقذر من الشيطان فأمر بالتفل عند ذكره وكونه ثلاثًا مبالغة في إحسائه (ولا يحدّث بها أحدًا فإنها) أي الرؤيا المكروهة (لن تضره) لأن ما ذكر من التعوّذ وغيره سبب للسلامة من ذلك.
7045 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِىُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّهَا مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِىَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلَا يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ» .
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي ابن عمر بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوّام أبو إسحاق القرشي الأسدي الزبيري المدني قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (والدراوردي) عبد العزيز بن محمد (عن يزيد) من الزيادة ولأبي ذر عن المستملي زيادة ابن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي بالمثلثة (عن عبد الله بن خباب) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة الأولى (عن أبي سعيد الخدري) بالدال المهملة رضي الله عنه (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول):
(إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله فليحمد الله عليها) على الرؤيا، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عليه أي على المرئي (وليحدث بها) أي من يحبه (وإذا رأى غير ذلك مما يكره) بفتح التحتية وسكون الكاف (فإنما هي من الشيطان) أي من طبعه وعلى وفق رضاه (فليستعذ) أي بالله (من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لن تضره) نصب بلن، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لا تضره.
قال الداودي: يريد ما كان من الشيطان وأما ما كان من خير أو شر فهو واقع لا محالة كرؤيا النبي صلى الله عليه وسلم البقر والسيف. قال: وقوله ولا يذكرها لأحد يدل على أنها إن ذكرت فربما أضرت.
فإن قلت: قد مرّ أن الرؤيا قد تكون منذرة ومنبهة للمرء على استعداد البلاء قبل وقوعه رفقًا من الله بعباده لئلا يقع على غرة فإذا وقع على مقدمة وتوطين كان أقوى للنفس وأبعد لها من أذى البغتة فما وجه كتمانها؟ أجيب: بأنه إذا أخبر بالرؤيا المكروهة يسوء حاله لأنه لم يأمن من أن تفسر له بالمكروه فيستعجل الهم ويتعذب بها ويترقب وقوع المكروه فيسوء حاله ويغلب عليه اليأس من الخلاص من شرها ويجعل ذلك نصب عينيه، وقد كان صلى الله عليه وسلم داواه من هذا البلاء الذي عجله لنفسه بما أمره به من كتمانها والتعوذ بالله من شرها وإذا لم تفسر له بالمكروه بقي بين الطمع والرجاء فلا يجزع لأنها من قبل الشيطان أو لأن لها تأويلاً آخر محبوبًا فأراد صلى الله عليه وسلم أن لا تتعذب أمته بانتظارهم خروجها بالمكروه، فلو أخبر بذلك كله دهره دائمًا من الاهتمام بما لا يؤذيه أكثره وهذه حكمة بالغة فجزاه الله عنا ما هو أهله.
والحديث سبق في باب الرؤيا من الله.
47 - باب مَنْ لَمْ يَرَ الرُّؤْيَا لأَِوَّلِ عَابِرٍ إِذَا لَمْ يُصِبْ
(باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب) في العبارة إذ المدار على إصابة الصواب فحديث الرؤيا لأول عابر المروي عن أنس مرفوعًا معناه إذا كان العابر الأول عالمًا فعبر وأصاب وجه التعبير، وإلا فهي لمن أصاب بعده، لكن يعارضه حديث أبي رزين أن الرؤيا إذا عبرت وقعت إلا أن يدعى تخصيص عبرت بأن يكون عابرها عالمًا مصيبًا ويعكر عليه قوله في الرؤيا المكروهة ولا يحدث بها أحد فقيل في حكمة النهي أنه ربما فسرها تفسيرًا مكروهًا على ظاهرها مع احتمال أن تكون محبوبة في الباطن فتقع على ما فسر. وأجيب: باحتمال أن تكون تتعلق بالرائي فله إذا قصها على أحد ففسرها له على المكروه أنه يبادر غيره ممن يصيب فيسأله فإن قصر الرائي فلم يسأل الثاني وقعت على ما فسر الأول.
7046 -
حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَجُلاً أَتَى
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّى رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِى الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا، فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلَا بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلَا بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وُصِلَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّى فَأَعْبُرَهَا فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «اعْبُرْ» قَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَالإِسْلَامُ، وَأَمَّا الَّذِى يَنْطِفُ مِنَ الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ فَالْقُرْآنُ حَلَاوَتُهُ تَنْطُفُ، فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَالْحَقُّ الَّذِى أَنْتَ عَلَيْهِ تَأْخُذُ بِهِ، فَيُعْلِيكَ اللَّهُ ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ، ثُمَّ يُوَصَّلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ فَأَخْبِرْنِى يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:«أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا» قَالَ: فَوَاللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّى بِالَّذِى أَخْطَأْتُ قَالَ: «لَا تُقْسِمْ» .
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري بالميم ونسبه لجده قال: (حدّثنا الليث) بن سعد المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يحدث أن رجلاً) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي مسلم من طريق سليمان بن كثير عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يقول لأصحابه: "من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها" فجاء رجل وعنده أيضًا من رواية سفيان بن عيينة: جاء رجل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- منصرفه من أحد (فقال): يا رسول الله (إني رأيت الليلة في المنام ظلة) بضم الظاء المعجمة وتشديد اللام سحابة لأنها تظل ما تحتها، وزاد الدارمي من طريق سليمان بن كثير وابن ماجة من طريق سفيان بن عيينة بين السماء والأرض (تنطف) بسكون النون وضم الطاء المهملة وكسرها تقطر (السمن والعسل فأرى الناس يتكففون) أي يأخذون بأكفهم (منها فالمستكثر) أي فمنهم المستكثر في الأخذ (و) منهم (المستقل) فيه أي منهم الآخذ كثيرًا والآخذ قليلاً (وإذا سبب) أي حبل (واصل من الأرض إلى السماء فأراك) يا رسول الله (أخذت به فعلوت) وفي رواية سليمان بن كثير المذكورة فأعلاك الله (ثم أخذ به) بالسبب ولابن عساكر ثم أخذه (رجل آخر فعلاً به ثم أخذ به) ولابن عساكر أيضًا ثم أخذه (رجل آخر فعلاً به ثم أخذ به) ولابن عساكر أيضًا ثم أخذه (رجل آخر فانقطع ثم وصل) بضم الواو وكسر الصاد (فقال أبو بكر) الصديق رضي الله عنه:(يا رسول الله بأبي أنت) مفدي (والله لتدعني) بفتح اللام للتأكيد والدال والعين وكسر النون المشددة لتتركني (فأعبرها) بضم الموحدة وفتح الراء، وزاد سليمان في روايته وكان من أعبر الناس للرؤيا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) له:
(اعبر) ولأبي ذر اعبرها بالضمير المنصوب (قال) أبو بكر: (أما الظلة فالإسلام) لأن الظلة
نعمة من نعم الله على أهل الجنة وكذلك كانت على بني إسرائيل وكذلك كان صلى الله عليه وسلم تظله الغمامة قبل نبوته وكذلك الإسلام يقي الأذى وينعم به المؤمن في الدنيا والآخرة (وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تنطف) قال تعالى في العسل: {شفاء للناس} [النحل: 69] وفي القرآن: {شفاء لما في الصدور} [يونس: 57] ولا ريب أن تلاوة القرآن تحلو في الأسماع كحلاوة العسل في المذاق بل أحلى (فالمستكثر من القرآن والمستقل) منه (وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله) أي يرفعك به (ثم يأخد به رجل من بعدك فيعلو به) فسّر بالصديق رضي الله عنه لأنه يقوم بالحق بعده صلى الله عليه وسلم في أمته (ثم يأخذ رجل) ولأبي ذر يأخذ به رجل (آخر) هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه (فيعلو به ثم يأخذ) ولأبي ذر عن الكشميهني ثم يأخذ به (رجل آخر) هو عثمان بن عفان رضي الله عنه (فينقطع به ثم يوصل) بالتخفيف والذي في اليونينية ثم يوصل (له فيعلو به) يعني أن عثمان كاد أن ينقطع عن اللحاق بصاحبيه بسبب ما وقع له من تلك القضايا التي أنكروها فعبر عنها بانقطاع الحبل ثم وقعت له الشهادة فاتصل فالتحق بهم (فأخبرني) بكسر الموحدة وسكون الراء (يا رسول الله بأبي أنت) مفدي (أصبت) في هذا التعبير (أم أخطأت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم) له (أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا) قيل خطؤه في التعبير لكونه عبّر بحضوره صلى الله عليه وسلم إذا كان صلى الله عليه وسلم أحق بتعبيرها، وقيل أخطأ لمبادرته تعبيرها قبل أن يأمره به، وتعقب بأنه عليه الصلاة والسلام أذن له في ذلك وقال اعبرها.
وأجيب: بأنه لم يأذن له ابتداء بل بادر هو بالسؤال أن يأذن له في تعبيرها فأذن له، وقال: أخطأت في مبادرتك للسؤال أن تتولى تعبيرها، لكن في إطلاق الخطأ على ذلك نظر فالظاهر أنه أراد الخطأ في التعبير لا لكونه التمس التعبير.
قال ابن هبيرة: إنما أخطأ لكونه أقسم ليعبرنها بحضرته صلى الله عليه وسلم ولو كان أخطأ في التعبير لم يقرّه عليه وقيل: أخطأ لكونه عبّر السمن والعسل بالقرآن فقط وهما شيئان كان من حقه أن يعبرهما بالقرآن والسنّة لأنها بيان للكتاب المنزّل عليه وبهما تتم الأحكام كتمام اللذة بهما، وقيل وجه الخطأ أن الصواب في التعبير أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الظلة، والسمن والعسل القرآن والسُّنّة، وقيل: يحتمل أن يكون السمن والعسل العلم والعمل وقيل الفهم والحفظ.