الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجاورون في الجؤار بالاستغفار، وعزموا على الإقلاع عن الإصرار والتوبة عما اجترحوا من الأوزار، وفزعوا إلى الصدقة بالأموال، فصرفت عنهم النار ذات اليمين وذات الشمال وظهر حسن بركة نبينا صلى الله عليه وسلم في أمته وُيمن طلعته في رفقته بعد فرقته، فقد ظهر أن النار
المذكورة في حديث الباب هي النار التي ظهرت بنواحي المدينة كما فهمه القرطبي وغيره ويبقى النظر هل هي من داخل التنفس أو من خارج كصاعقة نزلت والظاهر الأول، ولعل التنفس حصل من الأرض لما تزلزلت، وتزايلت عن مركزها الأول وتخلخلت.
وقد تضمن الحديث في ذكر النار ثلاثة أمور: خروجها من الحجاز، وسيلان وادٍ منه بالنار وقد وجدا، وأما الثالث وهو إضاءة أعناق الإبل ببصرى فقد جاء من أخبر به فإذا ثبت هذا فقد صحّت الإمارات وتمت العلامات وإن لم يثبت فيحمل إضاءة أعناق الإبل ببصرى على وجه المبالغة، وذلك في لغة العرب سائغ. وفي باب التشبيه في البلاغة بالغ وللعرب في التصرف في المجاز ما يقتضي للغتها بالسبق في الإعجاز، وعلى هذا يكون القصد بذلك التعظيم لشأنها والتفخيم لمكانها والتحذير من فورانها وغليانها، وقد وجد ذلك على وفق ما أخبر وقد جاء من أخبر أنه أبصرها من تيماء وبصرى على مثل ما هي من المدينة في البعد فتعين أنها المراد وارتفع الشك والعناد، وأما النار التي تحشر الناس فنار أخرى.
وحديث الباب من أفراده.
7119 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِىُّ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَدِّهِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ فَمَنْ حَضَرَهُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا» .
قَالَ عُقْبَةُ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ إِلَاّ أَنَّهُ قَالَ:«يَحْسِرُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ» .
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن سعيد الكندي) بكسر الكاف وسكون النون أبو سعيد الأشج معروف بكنيته وصفته قال: (حدّثنا عقبة بن خالد) الكوفي الحافظ قال: (حدّثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري (عن خبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة وبعد التحتية الساكنة موحدة أخرى ابن خبيب بن يساف الأنصاري (عن جده حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب والضمير لعبيد الله بن عمر لا لشيخه (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):
(يوشك) بكسر المعجمة يقرب (الفرات) النهر المشهور وتاؤه مجرورة على المشهور (أن يحسر) بفتح التحتية وسكون الحاء وكسر السين المهملتين آخره راء يكشف (عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئًا) بجزم فلا يأخذ على النهي، وإنما نهى عن الأخذ منه لما ينشأ عن الأخذ من الفتنة والقتال عليه. وفي مسلم يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقبل عليه الناس فيقتل من المائة تسعة وتسعون ويقول كل رجل منهم: لعليّ أكون أنا الذي أنجو والأصل أن يقول: أنا الذي أفوز به فعدل إلى قوله أنجو لأنه إذا نجا من القتل تفرّد بالمال وملكه.
والحديث أخرجه مسلم في الفتن وأبو داود في الملاحم والترمذي في صفة الجنة.
(قال عقبة) بن خالد اليشكري بالسند المذكور: (وحدّثنا عبيد الله) بضم العين العمري المذكور قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله). مثل الحديث السابق (إلا أنه قال: يحسر) أي الفرات (عن جبل من ذهب) بدل قوله: عن كنز وأشار به أيضًا إلى أن لعبيد الله العمري فيه إسنادين.
25 - باب
(باب) بالتنوين بلا ترجمة فهو كالفصل من سابقه.
7120 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا مَعْبَدٌ قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا فَسَيَأْتِى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَمْشِى الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا» . قَالَ مُسَدَّدٌ: حَارِثَةُ أَخُو عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لأُمِّهِ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الله.
وبهِ قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج أنه قال: (حدّثنا معبد) بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة ابن خالد القاص (قال: سمعت حارثة بن وهب) بالحاء المهملة والمثلثة الخزاعي رضي الله عنه (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول):
(تصدّقوا فسيأتي على الناس زمان يمشي بصدقته) وللكشميهني يمشي الرجل بصدقته (فلا يجد من يقبلها) زاد في باب الصدقة قبل الرد من الزكاة يقول الرجل لو جئت بها بالأمس لقبلتها فأما اليوم فلا حاجة لي بها، وهذا إنما يكون في الوقت الذي يستغني الناس فيه عن
المال لاشتغالهم بأنفسهم عند الفتنة، وهذا في زمن الدجال؛ أو يكون ذلك لفرط الأمن والعدل البالغ بحيث يستغني كل أحد بما عنده عما عند غيره وهذا يكون في زمن المهدي وعيسى، أما عند خروج النار التي تسوقهم إلى المحشر فلا يلتفت أحد إلى شيء بل يقصد نجاة نفسه ومن استطاع من أهله وولده، ويحتمل أن يكون يمشي بصدقته الخ. وقع في خلافة عمر بن عبد العزيز فلا يكون من أشراط الساعة.
وفي تاريخ يعقوب بن سفيان من طريق صلى الله عليه وسلم بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب بسند جيد قال: لا والله ما مات عمر بن عبد العزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء فما نبرح حتى يرجع بماله فيتذكر من يضعه فيهم فلا يجده فيرجع به قد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس وسبب ذلك بسط عمر بن عبد العزيز العدل وإيصال الحقوق كلها إلى أهلها حتى استغنوا.
(قال) ولأبي ذر وقال (مسدد) المذكور (حارثة) بن وهب (أخو عبيد الله) بضم العين (ابن
عمر لأمه) رضي الله عنه هي أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن المسيب بن ربيعة بن أصرم الخزاعية ذكرها ابن سعد قال: وكان الإسلام فرّق بينها وبين عمر (قاله) أي قول مسدد هذا (أبو عبد الله) البخاري نفسه وهذا أي قوله قاله أبو عبد الله ثابت في رواية أبي ذر عن المستملي.
7121 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهْوَ الْقَتْلُ وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ، فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى يَعْرِضَهُ فَيَقُولَ الَّذِى يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ لَا أَرَبَ لِى بِهِ، وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِى الْبُنْيَانِ، وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِى مَكَانَهُ وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَانِهَا خَيْرًا، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلَا يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهْوَ يُلِيطُ حَوْضَهُ فَلَا يَسْقِى فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُهَا» .
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن عبد الرحمن) بن هرمز الأعرج (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال):
(لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان) تقدم أن المراد بهما عليّ ومن معه، ومعاوية ومن معه (تكون بينهما مقتلة عظيمة) ذكر ابن أبي خيثمة أن الذي قتل من الفريقين سبعون ألفًا وقيل أكثر (دعوتهما واحدة) كل واحدة منهما تدعو إلى الإسلام وتتأوّل كل فرقة أنها محقة ويؤخذ منه الرد على الخوارج ومن معهم في تكفيرهم كلاًّ من الطائفتين، وفي رواية دعواهما واحدة أي دينهما واحد، فالكل مسلمون بدعوة الإسلام عند الحرب وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان سبب تقاتل الطائفتين ما أخرجه يعقوب بن سفيان بسند جيد عن الزهري قال: لما بلغ معاوية غلبة عليّ على أهل الجمل دعا إلى الطلب بدم عثمان رضي الله عنه فأجابه أهل الشأم فسار إليه علي رضي الله عنه فالتقيا بصفين. وذكر يحيى بن سليمان الجعفي أحد شيوخ البخاري في كتاب صفين من تأليفه بسند جيد عن أبي مسلم الخولاني أنه قال لمعاوية: أأنت تنازع عليًّا في الخلافة أو أنت مثله؟ قال: لا وإني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان رضي الله عنه قتل مظلومًا وأنا ابن عمه ووليه أطلب بدمه فأْتوا عليًّا فقولوا له يدفع لنا قتلة عثمان فأتوه فكلموه فقال: يدخل في البيعة ويحاكمهم إليّ فامتنع معاوية رضي الله عنه فسار عليّ
والجيوش من العراق حتى نزلوا صفين، وصار معاوية حتى نزل هناك، وذلك في ذي الحجة سنة ست وثلاثين فتراسلوا فلم يتم لهم أمر، فوقع القتال إلى أن قتل من الفريقين من قتل، وعند ابن سعد أنهم اقتتلوا في غرة صفر فلما كاد أهل الشأم أن يغلبوا رفعوا المصاحف بمشورة عمرو بن العاص ودعوا إلى ما فيها فآل الأمر إلى الحكمين فجرى ما جرى من اختلافهما واستبداد معاوية بملك الشام واشتغال عليّ بالخوارج.
(و) لا تقوم الساعة (حتى يبعث) يظهر (دجالون) بفتح الدال المهملة والجيم المشددة جمع دجال يقال دجل فلان الحق بباطله أي غطاه، ومنه أخذ الدجال ودجله سحره وقيل سمي الدجال دجالاً لتمويهه على الناس وتلبيسه يقال دجل إذا موّه ولبس والدجال يطلق في اللغة على أوجه كثيرة منها الكذب كما قال هنا دجالون (كذابون) ولا يجمع ما كان على فعال جمع تكسير عند جماهير النحاة لئلا يذهب بناء المبالغة منه فلا يقال إلا دجالون
كما قال عليه الصلاة والسلام وإن كان قد جاء مكسرًا فهو شاذ كما قال مالك بن أنس رحمه الله في محمد بن إسحاق إنما هو دجال من الدجاجلة. قال عبد الله بن إدريس الأودي: وما علمت أن دجالاً يجمع على دجاجلة حتى سمعتها من مالك بن أنس رضي الله عنه وهؤلاء الكذابون عددهم (قريب من ثلاثين). وفي حديث حذيفة رضي الله عنه عند أبي نعيم وقال حديث غريب تفرّد به معاوية بن هشام: يكون في أمتي دجالون كذّابون سبعة وعشرون منهم أربع نسوة، وأخرجه أحمد بسند جيد. وفي حديث ثوبان عند أبي داود والترمذي وصححه ابن حبان وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون (كلهم يزعم أنه رسول الله) زاد ثوبان: وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ولأحمد وأبي يعلى عن ابن عمر وثلاثون كذابون أو أكثر، وعنه عند الطبراني: لا تقوم الساعة حتى يخرج سبعون كذّابًا وسندهما ضعيف وعلى تقدير الثبوت فيحمل على المبالغة في الكثرة لا التحديد، وأما رواية الثلاثين بالنسبة لرواية سبع وعشرين فعلى طريق جبر الكسر وقد ظهر ما في هذا الحديث فلو عدّ من ادّعى النبوة من زمنه صلى الله عليه وسلم ممن اشتهر بذلك واتبعه جماعة على ضلاله لوجد هذا العدد ومن طالع كتب الأخبار والتواريخ وجد ذلك والفرق بين هؤلاء وبين الدجال الأكبر أنهم يدّعون النبوّة وذلك يدّعي الإلهية مع اشتراك الكل في التمويه وادّعاء الباطل العظيم.
(و) لا تقوم الساعة (حتى يقبض العلم) بقبض العلماء وقد وقع ذلك فلم يبق إلا رسمه (وتكثر الزلازل) وقد أكثر ذلك في البلاد الشمالية والشرقية والغربية حتى قيل إنها استمرت في بلدة من بلاد الروم التي للمسلمين ثلاثة عشر شهرًا، وفي حديث سلمة بن نفيل عند أحمد وبين يدي الساعة سنوات الزلازل (ويتقارب الزمان) عند زمان المهدي لوقوع الأمن في الأرض فيستلذ العيش عند ذلك لانبساطه عدله فتستقصر مدته لأنهم يستقصرون مدة أيام الرخاء وإن طالت ويستطيلون مدة أيام الشدّة وإن قصرت، أو المراد يتقارب أهل الزمان في الجهل فيكونون كلهم جهلاء، أو المراد الحقيقة بأن يعتدل الليل والنهار دائمًا بأن تنطبق منطقة البروج على معدّل النهار (وتظهر الفتن) أي تكثر وتشتهر فلا تكتم (ويكثر الهرج) بفتح الهاء وسكون الراء بعدها جيم
(وهو القتل) في رواية ابن أبي شيبة قالوا: يا رسول الله وما الهرج؟ قال: "القتل" وهو صريح في أن تفسير الهرج مرفوع، ولا يعارضه كونه جاء موقوفًا في غير هذه الرواية ولا كونه بلسان الحبشة (وحتى يكثر فيكم المال فيفيض) بالنصب عطفًا على سابقه أي يكثر حتى يسيل (حتى يهم) بضم التحتية وكسر الهاء وتشديد الميم يحزن (رب المال) مالكه (من) أي الذي (يقبل صدقته) فرب مفعول يهم والموصول مع صلته فاعله (وحتى يعرضه) قال الطيبي: معطوف على مقدر المعنى حتى يهم طلب من يقبل الصدقة صاحب المال في طلبه حتى يجده وحتى يعرضه (فيقول) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يعرضه عليه فيقول (الذي يعرضه عليه لا أرب) أي لا حاجة (لي به).
قال القرطبي في تذكرته: هذا مما لم يقع بل يكون فيما يأتي، وقال في الفتح: التقييد بقوله فيكم يُشعِر بأنه في زمن الصحابة فهو إشارة إلى ما فتح لهم من الفتوح؛ واقتسامهم أموال الفرس والروم، وقوله فيفيض إلخ إشارة إلى ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز أن الرجل كان لا يجد من يقبل صدقته كما مرّ، وقوله حتى يعرضه إلغ إشارة إلى ما سيقع زمن عيسى فيكون فيه إشارة إلى ثلاثة أحوال:
الأولى: كثرة المال فقط في زمن الصحابة.
الثانية: فيضه بحيث يكثر فيحصل استغناء كل أحد عن أخذ مال غيره ووقع ذلك في زمن عمر بن عبد العزيز.
الثالثة: كثرته وحصول الاستغناء عنه حتى يهم صاحب المال لكونه لا يجد من يقبل صدقته ويزداد بأنه يعرضه على غيره ولو كان يستحق الصدقة فيأبى أخذه، وهذا في زمن عيسى عليه السلام، ويحتمل أن يكون هذا الأخير عند خروج النار واشتغال الناس
بالحشر.
(وحتى يتطاول الناس في البنيان) بأن يريد كلٌّ ممن يبني أن يكون ارتفاعه أعلى من ارتفاع الآخر أو المراد المباهاة به في الزينة والزخرفة أو أعم من ذلك وقد وجد الكثير من ذلك وهو في ازدياد (وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه) لما يرى من عظيم البلاء ورياسة الجهلاء وخمول العلماء واستيلاء الباطل في الأحكام وعموم الظلم واستحلال الحرام والتحكم بغير حق في الأموال والأعراض والأبدان ما في هذه الأزمان فقد علا الباطل على الحق وتغلب العبيد على الأحرار من سادات الخلق فباعوا الأحكام ورضي بذلك منهم الحكام، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه.
(و) لا تقوم الساعة (حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا) وفي هذه الآية بحوث حسنة تتعلق بعلم العربية وعليها تنبني مسائل من أصول الدين، وذلك أن المعتزلي يقول مجرد الإيمان الصحيح لا يكفي بل لا بدّ من انضمام عمل يقترن به ويصدقه، واستدلّ بظاهر هذه
الآية كما قال في الكشاف لم تكن آمنت من قبل صفة لقوله نفسًا، وقوله: أو كسبت في إيمانها خيرًا عطف على آمنت، والمعنى أن أشراط الساعة إذا جاءت وهي آيات ملجئة مضطرة ذهب أو أن التكليف عندها فلم ينفع الإيمان حينئذ نفسًا غير مقدمة إيمانها قبل ظهور الآيات أو مقدمة إيمانها غير كاسبة خيرًا في إيمانها فلم يفرق كما ترى بين النفس الكافرة إذا آمنت في غير وقت الإيمان وبين النفس التي آمنت في وقته ولم تكسب خيرًا ليعلم أن قوله:{الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [البقرة: 25] جمع بين قرينتين لا ينبغي أن تنفك إحداهما عن الأخرى حتى يفوز صاحبهما وسعد وإلاّ فالشقوة والهلاك اهـ.
وقد أجيب عن هذا الظاهر بأن المعنى بالآية الكريمة أنه إذا أتى بعض الآيات لا ينفع نفسًا كافرة إيمانها الذي أوقعته إذ ذاك ولا ينفع نفسًا سبق إيمانها وما كسبت فيه خيرًا فقد علّق نفي الإيمان بأحد وصفين إما نفي سبق الإيمان فقط، وإما سبقه مع نفي كسب الخير ومفهومه أنه ينفع الإيمان السابق وحده أو السابق ومعه الخير ومفهوم الصفة قوي فيستدل بالآية لمذهب أهل السُّنّة فقد قلبوا دليلهم عليهم. وقال ابن المنير ناصر الدين: هو يروم الاستدلال على أن الكافر والعاصي في الخلود سواء حيث سوى في الآية بينهما في عدم الانتفاع بما يستدر كأنه بعد ظهور الآيات ولا يتم ذلك فإن هذا الكلام في البلاغة يلقب باللف وأصله: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن مؤمنة قبل إيمانها بعد ولا نفسًا لم تكسب خيرًا قبل ما تكسبه من الخير بعد فلف الكلامين فجعلهما كلامًا واحدًا إيجازًا وبلاغة ويظهر بذلك أنها لا تخالف مذهب الحق فلا ينفع بعد ظهور الآيات اكتساب الخير، وإن نفع الإيمان المتقدم من الخلود فهي بالرد على مذهبه أولى من أن تدل له. وعند ابن مردويه عن عبد الله بن أبي أوفى قال: سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم يقول: ليأتين على الناس ليلة تعدل ثلاث ليال من لياليكم هذه فإذا كان ذلك يعرفها المتنفلون يقوم أحدهم فيقرأ حزبه ثم ينام ثم يقوم فيقرأ حزبه ثم ينام ثم يقوم فبينما هم كذلك هاج الناس بعضهم في بعض فقالوا: ما هذا فيفزعون إلى المساجد فإذا هم بالشمس قد طلعت من مغربها فيضج الناس ضجة واحدة حتى إذا صارت في وسط السماء رجعت وطلعت من مطلعها قال حينئذ لا ينفع نفسًا إيمانها. قال ابن كثير: هذا حديث غريب من هذا الوجه وليس هو في شيء من الكتب الستة.
(ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما) بغير تحتية بعد الموحدة في ثوبهما ليتبايعاه (فلا يتبايعانه ولا يطويانه). وعند الحاكم من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تطلع عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من قبل المغرب مثل الترس فما تزال ترتفع حتى تملأ السماء ثم ينادي مُنادٍ