الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرجمناه (فلما أذلقته) بالذال المعجمة الساكنة والقاف أقلقته أو أوجعته. وقال النووي: أي أصابته بحدّها (الحجارة جمز) بفتح الجيم والميم والزاي وثب مسرعًا وليس بالشديد العدو بل كالقفز، وفي حديث أبي سعيد فاشتد واشتددنا خلفه (حتى أدركناه بالحرة) خارج المدينة (فرجمناه) زاد في الرواية السابقة في باب الرجم بالمصلّى حتى مات. وعند الترمذي من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة: في قصة ماعز: فلما وجد مسّ الحجارة فرّ يشتد حتى مرّ برجل معه لحي جمل فضربه به وضربه الناس حتى مات. وعند أبي داود والنسائي من رواية يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه في هذه القصة وجد مسّ الحجارة فخرج يشتد فلقيه عبد الله بن أنيس وقد عجز أصحابه فنزع له وظيف بعير فرماه به فقتله. قال في الفتح: وظاهر هذا يخالف رواية أبي هريرة أنهم ضربوه معه ويجمع بأن قوله فقتله أي كان سببًا في قتله.
وفي هذا الحديث منقبة عظيمة لماعز لأنه استمر على طلب إقامة الحدّ عليه مع توبته ليتم تطهيره ولم يرجع عن إقراره مع أن الطبع البشري يقتضي أن لا يستمر، على الإقرار بما يقتضي إزهاق نفسه فجاهد نفسه على ذلك وقوي عليها، وفيه التثبت في إزهاق نفس المسلم والمبالغة في صيانته لما وقع في هذه القصة من ترديده والإيماء إليه بالرجوع والإشارة إلى قبول دعواه إن ادعى خطأ في معنى الزنا ومباشرة دون الفرج مثلاً وأن إقرار المجنون لاغ.
30 - باب الاِعْتِرَافِ بِالزِّنَا
(باب) بيان حكم (الاعتراف بالزنا).
6827 و 6828 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنْ فِى الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَزَيْدَ بْنَ خَالِدٍ قَالَا: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَاّ قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَامَ خَصْمُهُ، وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ فَقَالَ: اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِى قَالَ: «قُلْ» قَالَ: إِنَّ ابْنِى كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ رِجَالاً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِى أَنَّ عَلَى ابْنِى جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَعَلَى امْرَأَتِهِ الرَّجْمَ فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:«وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ، الْمِائَةُ شَاةٍ وَالْخَادِمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا قُلْتُ لِسُفْيَانَ: لَمْ يَقُلْ فَأَخْبَرُونِى أَنَّ عَلَى ابْنِى الرَّجْمَ فَقَالَ: أَشُكُّ فِيهَا مِنَ الزُّهْرِىِّ فَرُبَّمَا قُلْتُهَا وَرُبَّمَا سَكَتُّ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حفظناه) أي الحديث (من في الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أي من فمه وعند الحميدي عن سفيان حدّثنا الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود (أنه سمع أبا هريرة وزيد بن خالد) الجهني رضي الله عنهما (قالا: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم) وهو جالس في المسجد (فقام رجل) أي من الأعراب كما في الشروط ولم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه ولا على اسم خصمه (فقال): يا رسول الله (أنشدك الله) بفتح الهمزة وسكون النون وضم الشين المعجمة والدال المهملة أي أسألك الله أي بالله ومعنى السؤال هنا القسم كأنه قال: أقسمت عليك بالله أو معناه ذكرتك بتشديد الكاف وحينئذٍ فلا حاجة لتقدير حرف الجر فيه، ولذا قال الفارسي: أجروه مجرى ذكرتك وإذا قلنا معناه سأل كان متعديًا لمفعولين ليس ثانيهما المجرور بالباء لفظًا أو تقديرًا كما يتوهمه كثير بل مفعوله الثاني ما يأتي بعده فإذا قلت: أنشدك الله أن تكرمني فالمصدر المؤوّل من أن تكرمني هو مفعوله الثاني وقس على ذلك، ولو قلنا معناه ذكرتك الله فالمراد به الإِقسام عليه فهذان مفعولاه، وحينئذٍ فما بعد على تقدير حرف جر. فإذا قيل: نشدتك الله أن تكرمني كان معناه ذكرتك الله في إكرامي، ثم إن العرب تأتي بعد هذا التركيب بإلاّ مع أن صورة لفظه إيجاب ثم يأتون بعده بفعل ولا يستثنى فيقولون: أنشدك الله إلا فعلت كذا، وذلك لأن المعنى على النفي والحصر فحسن الاستثناء، وأما وقوع الفعل بعد إلا فعلى تأويله بالمصدر وإن لم يكن فيه حرف مصدري لضرورة افتقار المعنى إلى ذلك وهو من المواضع التي يقع فيها الفعل موقع الاسم كما قاله صاحب المفصل. قال: وقد أوقع الفعل المتعدي موقع الاسم المستثنى في قوله: أنشدك الله إلا ما فعلت، وتعقبه البرماوي بأن تقييده بالفعل المتعدي لا معنى له. قال أبو حيان: فهو كلام يعنون به النفي المحصور فيه المفعول. قال: وقد صرح بما المصدرية مع الفعل بعد إلا يعني كما وقع في هذا الحديث بعد أنشدك (إلا ما قضيت بيننا بكتاب الله) أي لا أسألك بالله إلا القضاء بيننا بكتاب الله.
قال في العدّة في المسألة مذهبان آخران حكاهما أبو حيان. أحدهما أن إلا جواب القسم لأنها في الكلام على معنى الحصر فدخلت هنا لذلك المعنى كأنك قلت: نشدتك بالله لا تفعل شيئًا إلا كذا فحذف الجواب وترك ما يدل عليه، والثاني قاله في البسيط أن إلا أيضًا جواب
للقسم، لكن على أن الأصل نشدتك الله لتفعلنّ كذا ثم أوقعوا موقع المضارع الماضي ولم يدخلوا لام التوكيد لأنها لا تدخل على الماضي فجعلوا بدلها إلا وحملوها عليها فتلخص أن الاستثناء في هذا التريب مفرّغ، وقوله بكتاب الله أي بما تضمنه كتاب الله أو أن المراد به حكم الله المكتوب على المكلفين من الحدود والأحكام إذا الرجم ليس في القرآن، ويحتمل أن يراد به القرآن وكان ذلك قبل أن تنسخ آية الرجم لفظًا وإنما سألا أن يحكم بينهما بحكم الله، وهما يعلمان أنه لا يحكم إلا بحكم الله ليفصل بينهما بالحكم الصرف لا بالنصائح والترغيب فيما هو الأرفق بهما إذ للحاكم أن يفعل ولكن برضا الخصمين.
(فقام خصمه وكان أفقه منه) يحتمل كما قال الحافظ الزين العراقي أن يكون الراوي كان عارفًا بهما قبل أن يتحاكما فوصف الثاني بأنه أفقه من الأول مطلقًا أو في هذه القضية الخاصة أو استدل بحسن أدبه في استئذانه أوّلاً وترك رفع صوته إن كان الأوّل رفعه، والخصم في الأول مصدر خصمه يخصمه إذا نازعه وغالبه، ثم أطلق على المخاصم وصار اسمًا له فلذا يطلق على الواحد والاثنين والأكثر بلفظ واحد مذكرًا كان المخاصم أو مؤنثًا لأنه بمعنى ذو كذا على قول البصريين في رجل عدل ونحوه قال تعالى:{وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب} [ص: 21] وربما ثني وجمع للتنبيه على فائدة تراد في الكلام نحو لا تخف خصمان ونحو ذلك (فقال): يا رسول الله (افض بيننا بكتاب الله وائذن لي) أي في أن أتكلم وفي رواية ابن أبي شيبة عن سفيان حتى أقول (قال) صلى الله عليه وسلم:
(قل قال: إن ابني كان عسيفًا) بفتح العين وكسر السين المهملتين وبالفاء أجيرًا (على هذا) أبي عنده أو على بمعنى اللام كقوله تعالى: {وإن أسأتم فلها} . قال الكرماني، وتبعه العيني والبرماوي: وهذا القول الخ من جملة كلام الرجل أي الأول لا الخصم ولعله تمسك بقوله في الصلح، فقال الأعرابي إن ابني بعد قوله في أول الحديث جاء أعرابي، وتعقبه في فتح الباري كما سبق في الصلح بأن هذه الزيادة شاذة والمحفوظ ما في سائر الطرق كما في رواية سفيان هنا فالاختلاف فيه على ابن أبي ذئب (فزنى بامرأته) أي يعرف الحافظ ابن حجر اسمها ولا اسم الابن (فافتديت منه بمائة شاة وخادم) بمائة شاة يتعلق بافتديت، ومنه أي الرجم والشاة تذكر وتؤنث وأصلها شاهة لأن تصغيرها شويهة وشوية والجمع شياه بالهاء تقول ثلاث شياه إلى العشرة فإذا جاوزت فالتاء فإذا كثرت قلت هذه شاء كثير بالهمزة ومن للبدلية كقوله تعالى:({أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} [التوبة: 38] أي بدل الآخرة (ثم سألت رجالاً من أهل العلم) قال في الفتح: لم أقف على أسمائهم ولا على عددهم (فأخبروني أن على ابني جلد مائة) بإضافة جلد للاحقه كقوله: (وتغريب عام وعلى امرأته الرجم) لإِحصانها (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: و) حق (الذي نفسي بيده) فالذي مع صلته وعائده مقسم به ونفسي مبتدأ وبيده في محل الخبر وبه متعلق حرف الجر وجواب القسم قوله: (لأقضين بينكما بكتاب الله جل ذكره) بتشديد النون للتأكيد ولأبي ذر بينكم بالجمع (المائة شاة والخادم ردّ عليك) وفي الصلح الوليدة ولا تنافي بينهما لأن الخادم يطلق على الذكر والأنثى، وقوله ردّ من إطلاق المصدر على المفعول أي مردود نحو نسج اليمن أي منسوجة لذلك كان بلفظ واحد للواحد والمتعدّد، وقوله المائة شاة هو على مذهب الكوفيين والمعنى أنه يجب رد ذلك إليك وفيه دليل على أن المأخوذ بالعقود الفاسدة كما في هذا الصلح الفاسد لا يملك بل يجب رده على صاحبه. قال في العدة: وهو أجود مما استدل به البخاري من حديث بلال أوّه عين الربا لا تفعل فإن ذاك الحديث ليس فيه أمر بالرد إنما فيه النهي عن مثل هذا (وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام) وهذا يتضمن أن ابنه كان بكرًا وأنه اعترف بالزنا فإن إقرار الأب عليه لا يقبل أو يكون أضمر اعترافه أي إن كان ابنك اعترف بالزنا فعليه جلد مائة وتغريب عام والسابق أوجه لأنه في مقام الحكم وقرينة اعترافه