الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخطاء ديبور
مدخل
…
أخطاء ديبور:
وحين يناقش ديبور في دعواه أن الفلسفة الإسلامية ليست إلا تكرارًا لآراء أرسطو وأفلاطون بصورة مشوهة سوف نجد أن هذا الحكم فيه إجحاف بدور العرب وتجريد لهم من عبقريتهم التي أضافوها إلى الفلسفة اليونانية، وينبغي ألا ننكر أثر الفلسفة اليونانية على فلاسفة الإسلام وخاصة التقليديين منهم أمثال الفارابي وابن سينا، فلا شك أن الفلاسفة المسلمين قد أخذوا عن أرسطو بعض آرائه كما تأثروا بآراء أفلاطون أيضا، ولكن السؤال الآن هو: مَنْ مِنَ المفكرين لم يتأثر بمن سبقوه؟ وهذا حق مشروع لجميع الأجيال وليس هناك خلق من العدم كما يظن البعض، وفلسفة اليونان في جوهرها ليست إلا نتاجا لعباقرة سبقوا أفلاطون وأرسطو.
وينبغي أن نتلمس مصادرها لدى قدماء المصريين وفلسفة الصين والفرس، وإذا كانت الفلسفة اليونانية مدينة بالفضل لما سبقها من آراء وأفكار، فلماذا نحرم الفلاسفة المسلمين من التأثر بمن سبقهم أيضا؟ وينبغي أن نشير هنا إلى أن تأثر هؤلاء بآراء أفلاطون وأرسطو لم يبلغ حد الإذعان والسيطرة لكل ما قالوه، بل نقدوها حينا ونقضوا بعضها أحيانا أخرى؛ فإن ابن سينا قد نقد أفلاطون واعترض
عليه في رأيه حول طبيعة النفس وجوهرها، كما أن ابن رشد قد رد كثيرًا من أقوال أرسطو في المنطق وطبيعة النفس، وألف ابن تيمية كتابا مستقلا عن نقض منطق أرسطو بين فيه تهافت هذا المنطق عن تحصيل الجديد من العلوم، ولا شك أن نقل العرب
هذه العلوم إلى أوروبا كان فاتحة لعصر النهضة الحديثة، وهذا في حد ذاته مجهود كان لا بد منه؛ لبعث روح الحضارة التي كانت قد ماتت في أوروبا، ولقد تصدى للرد على هذه الدعاوى في القرن التاسع عشر السيد جمال الدين الأفغاني في كتابه "الرد على الدهريين"، ونشر هذا الرد في مجلة العروة الوثقى، كما رد علينا أيضا الإمام محمد عبده في مجلة المنار، وحين تجددت هذه الدعاوى بعد الحرب العالمية الأولى كتب الشيخ مصطفى عبد الرازق كتابه "تمهيد لتاريخ الفلسفة في الإسلام" ناقش فيه هذه الأقوال مناقشة مستفيضة كما تناولها أيضا كل من الأستاذين الدكتور إبراهيم بيومي مدكور في كتابه العظيم "في الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيق"، والدكتور محمود قاسم في كتابه "نظرية المعرفة عند ابن رشد".
ج- وأما قول ديبور بأن العقل العربي لم يبتكر شيئا في مجال الفكر يستحق التسجيل فيكفي لإبطال ذلك أن نورد هنا بعض الأمثلة من مختلف العلوم التي كان للعرب فضل السبق إليها والابتكار فيها، ولن يكون اختيارنا لهذه الأمثلة اختيارًا عشوائيًّا، وإنما سنورد أمثلة من العلوم التجريبية التي هي بحق مقياس النهضة الأوربية في عصرنا الحاضر.