المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌علاقة الاستشراق بالحروب الصليبية: - الاستشراق والتبشير

[محمد السيد الجليند]

الفصل: ‌علاقة الاستشراق بالحروب الصليبية:

غير العرب كالهند وباكستان وأندونيسيا ودول شرق وجنوب شرق آسيا وأفريقيا، وكانت في معظم أحوالها تسير على نفس المنهج والطريقة التي كانوا يسلكونها في منطقة العالم العربي، وكان الهدف من محاولات المستشرقين وجهودهم في الدراسات التي قاموا بها في هذه المناطق كلها هو تطويق المد الإسلامي والعمل على انحساره ووقف نموه المطرد بين أبناء هذه الشعوب المتباعدة، وإن كانت أعمالهم تبدو في معظم أحوالها في ثوب علمي أو أكاديمي، فإن ذلك ينبغي ألا يحجب عن أعيننا نواياهم الخفية التي صرح بها معظمهم في المؤلفات والمؤتمرات العلمية التي كانت تعقد بين الحين والحين لهذا الغرض.

أ- النشأة والتاريخ:

ص: 11

‌علاقة الاستشراق بالحروب الصليبية:

يربط كثير من الباحثين المهتمين بالدراسات الاستشراقية بين نشأة الاستشراق وبداية ظهوره، وذلك الفشل الذريع الذي منيت به أوربا في الحروب الصليبية على يد صلاح الدين الأيوبي، ذلك أن الحملات الصليبية لم تحقق للغرب طموحاته ولم تسعفه بالسيطرة على الشعوب العربية واستخلاص بيت المقدس من أيدي المسلمين، ومن الجدير بالذكر أن الحملات الصليبية المتكررة على العالم الإسلامي قد رفعت الصليب شعارا لهذه الحرب؛ لتعلن للعالم الأوربي أنها حرب دينية مقدسة من ناحية أسبابها ودوافعها ومن ناحية غايتها

ص: 11

وأهدافها، وما دامت هذه الحملات لم تحقق الهدف الذي قامت من أجله، فلا بد من البحث عن بديل آخر، ولا بد من التفكير في وسيلة أخرى -ربما كانت طويلة الأجل- تحقق لهم هدفهم من السيطرة على شعوب المنطقة وإخضاع العالم الإسلامي لنفوذهم الثقافي والحضاري ثم السياسي والاقتصادي، وكان الاستشراق هو ذلك البديل المتاح في حينها؛ ليحقق أحلام الغرب وأهدافه.

وإذا كانت فكرة السيطرة على العالم الإسلامي تمثل الهدف والغاية، من نشأة الاستشراق فإن ذلك لا يمنع أن يتجاوز الاستشراق هذا الهدف في سيرته التاريخية إلى أهداف أخرى علمية أو الأسمى للاستشراق لم يغب عن ذهن المستشرقين لحظة واحدة، بل كان هو المحور والأساس الذي دارت حوله معظم دراسات المستشرقين التي قاموا بها حول الشرق وعلومه، وقد تختلف درجة وضوح هذا الهدف ووسيلة التعبير عنه من شخص إلى آخر ومن جيل إلى جيل من المستشرقين، إلا أن ذلك لم يكن سببه غياب الهدف عن ذهن هذا المستشرق أو ذاك، وإنما كان سببه يرجع إلى حظ المستشرق نفسه من الثقافة العربية ودرجة اتقانه لها، وذكائه في أسلوب التعبير عن غايته وهدفه، تصريحا أو تلميحا.

ولقد تغير أسلوب المواجهة بين العالم الإسلامي والغرب بعد الحروب الصليبية فاحتلت الكلمة والحوار واستخدام المنهج العلمي

ص: 12

المكانة الأولى في دراسة نفسية الشرق؛ لمعرفة الأسلوب الأمثل للمواجهة، وكان ذلك بديلا عن المواجهة بالسلاح والقوة العسكرية.

ولقد فرض هذا الأسلوب الجديد في المواجهة العكوف على دراسة أحوال الشرق؛ لغته ودينه، حضارته وتاريخه، فلسفته وعلومه، عقيدته وأصولها، وأن توضع المناهج الدراسية المناسبة لاستكشاف عوامل هذه القوة الصلبة التي تكسرت عليها تلك الحملات الصليببية المتكررة ومحاولة فهمها وتحليلها نفسيا لمواجهتها بأسلوب يختلف تمامًا عن المواجهة العسكرية.

ولما كان القائمون على أمر الحروب الصليبية والمحركون لها هم رجال الكنيسة وسدنتها، فإن ذلك جعل رجال الكنيسة في طليعة المهتمين بأمر الشرق ودراسة أحواله، ومن هنا فإن طليعة المستشرقين كانوا في معظمهم من القساوسة ورجال الدين المسيحي.

ص: 13