الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والدور الذي لعبه تقلا ورفاقه لا يقل عنه ما قامت به مؤسسة جرجي زيدان في مصر، فتحت ستار التوير والنهوض والتقدمية، زلزلت كثيرا من ثوابت لقيم في الشارع المصري الحديث واستطاعت أن ترسخ في وجدان الأمة العربية كثيرا من الأكاذيب وتعمل على الترويج لها، مثل قولهم بأن الحملة الفرنسية هي بداية عصر النهضة في مصر، أو أن الخلافة العثمانية تمثل عصر الظلام، وأن اتصالنا بفرنسا هو الذي علمنا معنى الحرية وأخذ بيدنا في سلم الحضارة
…
إلخ1.
1 راجع البحث الذي كتبه أ. د عبد العظيم الديب، في ندوة الثقافة العربية، جامعة قطر، سنة 1993م.
العمالة المهاجرة في ظل الكنيسة:
لعل منطقة الخليج العربي أهم مناطق العالم المعاصر بالنسبة لجذب العمالة من الخارج نظرا لظروفها الاقتصادية والاجتماعية ولقد عقد في بيروت سنة 1979م مؤتمرا نظمته إحدى الهيئات التبشيرية هذه "MECC" أن 80% من سكان هذه المنطقة هم في الأساس من العمالة المهاجرة وأن أوضاع هذه العمالة تدعو للقلق في الأساس من العمالة المهاجرة وأن أوضاع هذه العمالة تدعو للقلق والاهتمام بها وبدورها الإيجابي في تغيير الشكل السكاني للمنطقة، وترتب على هذا الموقف أن أعدت هذه الهيئة دراسة للشكل السكاني ومحاولة التعرف على نسبة العمالة المهاجرة ودياناتها وقام بعض القسس بتنظيم زيارات عدة لدول المنطقة والعمل على تأمين العمل
لبعض القسس والمربين المسيحيين الذين يتكلمون اللغة العربية لقيادة العمالة المسيحية المهاجرة إلى المنطقة.
ولقد أعدت أمانة السر المنبثقة عن مؤتمر الكنائس العالمي وثائق عن هؤلاء المهاجرين لدراستها والعمل على أساسها. وبناء على دراسة هذه الوثائق أعلن مؤتمر الكنائس سنة 1975م أنه يجب على الكنائس أن تدافع عن حقوق هؤلاء العمال المهاجرين وتسعى لتحسين أوضاعهم، ولقد أنشأ هذا المؤتمر لجنة لمتابعة أحوال هذه العمالة ومتابعة تنفيذ قراراته بشأنها وأجرى استطلاع للرأي العام الكنائسي حول الأمور الآتية:
1-
مدى استجابة الأسرة الدولية لنداء مؤتمر الكنائس المنعقدة في أفريقيا وفي آسيا وفي الشرق الأوسط بشأن حقوق هذه العمالة.
2-
أيسر السبل المتابعة أحوال العمالة المهاجرة في الخليج والوقوف على ما يلاقونه من صعوبات.
3-
كيف يمكن للكنائس البروتستنتية والكاثوليكية والأرثوذوكسية أن تؤمن رسالة العمالة في منطقة الخليج1.
وقدرت هذه الهيئة عدد العمال المسيحين المهاجرين إلى المنطقة رجالا وإناثا في جميع مستويات العمالة يترواح بين 5 و2-3 مليون مسيحي معظمهم من دول آسيا وأفريقيا، ولقد أعدت هيئة الأمامة العامة للهجرة في مؤتمر الكنائس العالمي وثائق عن هؤلاء
1 راجع التبشير المسيحي في منطقة الخليج، بقلم أحمد فون دنقر، ص32-35.
المهاجرين؛ لدراستها والعمل على أساسها وقد قرر المؤتمر العام للكنائس سنة 1975م أنه يجب على الكنائس المختلفة خاصة التي لها فروع في بلادنا الخليج العربي أن تدفاع عن حقوق العمالة المسيحية المهاجرة إلى المنطقة والعمل على تحسين أحوالهم.
ولقد صدر حديثا كتاب عن منظمة عالمية تعمل في باكستان عنوان "صلِّ يوميا "PRAY DAY BY DAY"؛ لنشر المسيحية في منطقة الخليج ولتقوية الكنيسة بين العمال والمهاجرين وخاصة القادمين من باكستان، ومن بين الصلوات المطلوبة أن يصلوا من أجل فتح مركز للدارسين للإنجيل بالمراسلة من الباكستانيين والهنود في الخليج العربي ولتنمية برامج الإذاعة.
ومما سهل للمبشرين عملهم في المنطقة أنهم يعتمدون في تنفيذ برامجهم على هذا العدد الضخم من العمالة غير المسلمة، بالإضافة إلى أن آخر إحصائية لعدد المبشرين في الشرق الأوسط قد بلغ 1300 ويذكر الإنجيليون أن عدد المبشرين في منطقة الخليج حوالي 80 مبشرا بروتستانيا معظمهم يحمل في المراكز الطبية.
كما أن هناك عددا كبيرا منهم يعملون في المجالات الفنية والصناعية دون أن يعلنوا عن هويتهم وليس من السهل التعرف على طبيعة نشاطهم.
نشاطهم في مصر:
ونجد أن الاستعمار البريطاني بعد أن استقرت له الأمور في مصر لم يغب عن ذهنه هذا الدور التبشيري، وكان من أبرز
الشخصيات التي كان لها الدور الرائد في محاربة الإسلام والمسلمين بمصر "اللورد كرومر" المندوب السامي البريطاني، وكان يتميز بالدهاء والعداء للإسلام ولغته العربية، فعمل منذ أول عهده بمصر على تغريب الحياة الثقافية والسياسية والتعليمية ومناهجها، وكان له الدور الأكبر في تثبيت دعائم الاستعمار بمصر وقد وضع "كرومر" مخططه التبشيري والاستعماري معا في كتابه "مصر الحديثة" الذي ضمنه آراءً وأهدافًا من الوجد البريطاني في مصر، ومن أهم القضايا التي أثارها "كرومر" في هذا الكتاب ما يأتي:
1-
التركيز على إظهار أن سبب تأخر المسلمين يرجع إلى تمسكهم بالإسلام، وإن تعاليمه تتنافى مع المدنية الحديث، والحضارة والعلم.
2-
ليس أمام المسلمين من طريق إلى المدنية الحديثة إلا بالتخلص من الإسلام وتعاليمه.
3-
محاولته الدؤوب ارجاع كل مشاكل التخالف الموجود في العالم الإسلامي السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى تعاليم الإسلام.
وقد امتد نشاط "كرومر" إلى لغة القرآن الكريم، حيث نادى بضرورة إلغائها والأخذ باللغة العامية، وجعل لغة القاهرة هي اللغة الرسمية وإحلالها محل اللغة الفصحى في الكتابة والدواوين الحكومية، وهذا الرأي قد عارضه الرأي العام بمصر في وقتها، غير أنه قد وجد عند بعض المستغربين أذنا صاغية فنادوا بالعامية من خلال الصحف خاصة صاحب "المقتطف" وألف المستشرق "ولمور"
أحد قضاة المحاكم المختلطة بمصر كتاب "لغة القاهرة" فوضع قواعد اللغة العربية القاهرية ونادى بوجوب إحلالها محل لغة القرآن، ثم انتقلت هذه الدعوى المسمومة إلى المستر "وليم ولكوكس" المهندس البريطاني الذي كان بوزارة الري والزراعة بمصر، فدعا إلى هجر الفصحى وإحلال العامية محلها، وكادت هذه القضية أن تجد لها مكانا في بعض المكاتبات الرسمية، لولا وقوف الرأي العام في وجهها وفطنة المسؤولين إلى خطورة هذه الدعوة المسمومة في القضاء على أهم رابطة بين المسلمين والعرب وهي لغة القرآن الكريم.
ومما هو جدير بالذكر هنا، الإشارة إلى ما قام به القسيس "دانلوب" المستشار البريطاني لوزارة المعارف الذي حاول جاهدا أن يجرد مناهج التعليم في مصر من سماتها الإسلامية في كثير من المواد الدراسية، فأنشأ عددا كبيرا من المدارس الإنجيليزية تدرس جميع موادها بلغة المستعمر، وكانت هذه المدارس تبدأ نشاطها المدرسي كل يوم بالصلاة في كنيسة المدرسة وأوصى "دانلوب" أن تكون حصص المواد الشرعية واللغة العربية في المدارس الحكومية في نهاية اليوم الدراسي، بعد أن يكون التلميذ قد أصابه الملل والسآمة، وظلت المناهج الدراسية التي وضعها دانلوب لوزارة المعارف المصرية تعمل عملها في تخريج أجيال مبتوتة الصلة بالإسلام وقضاياه إلى وقت قريب، والتقت أهداف "كرومر" و"دانلوب" في محاولة إبعاد الحياة الثقافية والتعليمية في مصر عن روح الحياة الإسلامية وحاول كل منها جذب بعض الشخصيات إلى هذا التيار
العلماني الصليبي ولكن هذه المحاولات كانت تبوء بالفشل في معظم الأحيان.
مؤتمرات التبشير:
يعقد المبشرون كثيرا من المؤتمرات في العالم الإسلامي؛ لرسم الخطط التبشيرية المناسبة وتقويم العمل في الفترات السابقة ومحاولة معالجة ما شابها من قصور أو تقصير، هذا بالإضافة إلى وضع المؤلفات المستقلة التي ألفها المبشرون لوضع خريطة كبرى للتبشير العالمي على مستوى جميع الشعوب غير المسيحية، ومن أهم هذه المؤلفات ذلك البحث الخطير الذي كتب مقدمته المسيو شاتيليه" وضمنه مجلة "العالم الإسلامي" الفرنسية المصورة فأصدرت هذه المجلة عددا ضخما سنة 1911م ليس فيه غير هذا البحث الضخم الذي وضعه شاتيليه وكان يدور كله حول ما تقوم به الإرسالية التبشيرية البروتيستانية في العالم الإسلامي وتضمنت هذه المقدمة الدور الذي تقوم به كلية القديس يوسف اليسوعية في بيروت في نشر تعاليم الإنجيل في سوريا ولبنان، ثم جاء كتاب "تاريخ التبشير" للمستر "أدوين بلس" البرتستانتي الذي تضمن تاريخ التبشير في العالم الإسلامي حتى أواخر القرن التاسع عشر، ومن أهم الشخصيات التي برزت في تاريخ التبشير الحديث القسيس صموئيل زويمر الذي كتب بحوثا متعددة عن التبشير ووسائله في جزيرة العرب وقد بين زويمر في بحوثه أهمية الالتفاف حول جزيرة العرب التي هي مهد الإسلام وأشار إلى ضرورة الربط بين مصالح المبشرين في بيروت وسوريا
ومكة والمدينة؛ لأن ذلك سوف يمهد للمبشرين النفاذ إلى هاتين المدينتين المقدستين عند المسلمين، كما لفت زويمر نظر المبشرين إلى أهمية الانتشار في جزر ماليزيا وأندونيسيا؛ ليمكن تخليصها من قبضة المسلمين وأشار إلى ضرورة عقد مؤتمر لمراجعة أعمال المبشرين والتعرف على المشاكل التي يواجهونها، ووضع الخطط المناسبة في المستقبل.
1-
مؤتمر المبشرين بالقاهرة سنة 1906م:
اجتمع في هذا المؤتمر معظم الأرساليات التبشيرية في المنطقة برياسة "زويمر" وافتتح المؤتمر بتاريخ 4 أبريل سنة 1906م، وكان عدد مندوبي الإرساليات التبشيرية قد بلغ 62 مندوبا رجالا ونساء، وتم انتخاب زويمر رئيسا عاما للمؤتمر، وكان من أهم المسائل التي طرحت على هذا المؤتمر الأمور التالية:
1-
إحصاء لعدد المسلمين في العالم.
2-
وضع التعامل مع المسلمين في شرق وجنوب شرق آسيا.
3-
منهج التعامل مع المسلمين المثقفين والمسلمين العوام.
4-
دور المرأة وشؤون النساء المسلمات.
وقد جمعت أعمال المؤتمر في كتاب مستقل نشر باسم "وسائل التبشير بالنصرانية بين المسلمين" جمعه القسيس فلمنج الأمريكي وكتب عليه من الخارج عبارة "نشر خاصة" ليكون الكتاب قاصرا في تداوله على فئة خاصة من المشتغلين بالتبشير.
وضمن هذا الكتاب بعض التوصيات التي رفعها إلى الحكومات المعنية ومن أهم هذه الاقتراحات محاولة الالتفاف حول الأزهر في مصر؛ لأنه مفتوح لكل الطلاب من العالم كله وأنه لا يخضع في تمويله لأي حكومة؛ لأن أوقاف الأزهر تدر دخلا كبيرا يساعد العالم والمتعلم فيه، ولا بد من العمل على تقليص دوره، ولنبدأ ذلك بإنشاء جامعة نصرانية تشارك في الإنفاق عليها جميع الكنائس المسيحية على اختلاف مذاهبها؛ لأن في التخلص منه مصلحة لجميع الكنائس بلا استثناء، ولقد قام زويمر بعمل خريطة أسماها "خريطة تنصير العالم الإسلامي" في هذا العصر ووزع أعدادا كبيرة منها على كبار المسئولين في الحكومات الغربية وكتب على كل نسخة نداء إلى المسئولين لعله يجد صدى له في أوربا وأمريكا، وعرض هذه الخريطة على المؤتمر وضمنها كتابه "العالم الإسلامي اليوم" وكان من أهم ما نصح به زويمر في كتابه هذا إثارة بعض المشكلات الاجتماعية وطرحها في الندوات واللقاءات الثقافية كمشكلة الطلاق والتعدد، وإرث المرأة ولماذا يكون نصف الرجل، كما أوصى بالعمل على أن يجتهد المبشرون في إيجاد أصدقاء لهم من المسلمين يقومون بنشر هذه الأفكار بين المسلمين؛ ليتحولوا فيما بعد إلى مبشرين بتعاليم المسيح نيابة عن النصارى ومن أهم أعمال زويمر التبشيرية:
1-
تقرير أهداف التبشير الذي قدمه المؤتمر الذي عقد بالهند سنة 1911 وصرح فيه بأن هدف التبشير ليس هو تنصير المسلم فقط وإنما الأهم من ذلك التنكير لتعاليم الإسلام.
2-
التقرير الذي نشره في 12 أبريل سنة 1926م ويشير فيه إلى تلك المجهودات الكبيرة التي بذلها المبشرون والمصاريف الباهظة التي انفقوها ولم تؤت ثمرتها ولذلك يجب التفكير في تطوير وسائل التبشير ومناهجه، ومما جاء في هذا التقرير قوله:
…
وعندي أنه قبل أن نبني النصرانية في قلوب المسلمين يجب أن نهدم الإسلام في نفوسهم، حتى إذا أصبحوا غير مسلمين سهل علينا أو على من يأتي بعدنا أن يبنوا النصرانية في نفوسهم.
2-
مؤتمر القدس سنة 1935م:
عقد هذا المؤتمر تحت حماية الاحتلال البريطاني لفلسطين وكان أبرز المتحمسين فيه بالعداء للإسلام "زويمر" وألقى خطبته على الحاضرين من المبشرين، ومن المهم للقاريء أن أضع أمامه نص هذا الخطاب ليعرف كيف تلتقي مصالح التبشير والاستعمار مع مصالح اليهود في فلسطين؛ ليجمعهم هدف واحد هو التخلص من الإسلام، قال زويمر:
أيها الإخوان الأبطال والزملاء الذين كتب الله لهم الجهاد في سبيل المسيحية واستعمارها لبلاد الإسلام، فأحاطتكم عناية الرب بالتوفيق الجليل ولقد أديتم الرسالة التي نيطت بكم أحسن الأداء.. إنني أقركم أن الذين دخلوا حظيرة المسيحية من المسلمين ليسوا بمسلمين حقيقيين، لقد كانوا كما قلتم ثلاثة.
إما صغير لم يكن له من أهله من يعرفه ما هو الإسلام،
أو رجل مستخف بالأديان لا يهتم بغير الحصول على قوته وقد اشتد به الفقر، وعزت عليه لقمة العيش،
وثالث يبغي الوصول إلى غاية شخصية.. إن المهمة التي ندبتكم إليها دول المسيحية في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية؛ فإن هذا هداية لهم وتكريم، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام؛ ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله، وبالتالي لا لة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، وبذلك تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية، وهذا ما قمتم به خلال الأعوام المائة السالفة خير قيام، وهذا ما أهنئكم عليه وتهنئكم عليه دول المسيحية.. ولقد قبضنا أيها الإخوان في هذه الحقبة من الدهر.. على جميع برامج التعليم في الممالك الإسلامية، ونشرنا في تلك الربوع مكامن التبشير والكنائس والجمعيات والمدارس المسيحية الكثيرة التي تهيمن عليها دول أوروبا وأمريكا.
أيها الزملاء: إنكم أعددتم في ديار الإسلام شبابا لا يعرفون
الصلة بالله ولا يريدون أن يعرفوها، وأخرجتم بعضهم من الإسلام ولم تدخلوه المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقا لما أراده الاستعمار لا يهتم بالعظائم، ويحب الراحة والكسل ولا هم له في ديناه لا الشهوات..
فإذا تعلم فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهواتش، وإذا تبوأ أسمى المراكز فللشهوات، وفي الشهوات يجود بكل شيء.. باركتكم المسيحية ورضى عنكم الاستعمار، فاستمروا في أداء رسالتكم، لقد أصبحتم بفضل جهادكم موضع بركات الرب"1.
1 من كتاب: المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام: محمد محمود الصواف ص58-59، نقلا عن: قوى الشر المتحالفة: محمد الدهان ص112-115.