المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوسائل والمؤسسات التبشيرية: - الاستشراق والتبشير

[محمد السيد الجليند]

الفصل: ‌الوسائل والمؤسسات التبشيرية:

‌الوسائل والمؤسسات التبشيرية:

أ- الإرسالية الأمريكية في دول الخليج:

هي إرسالية بروتستانتية ذات أهداف تبشيرية في شبة الجزيرة العربية، قام بتأسيسها الدكتور لانسنج LANSING أستاذ اللغة العربية في معهد اللاهوت في نيوبرونسك NEW BRUNSWICK الخاص بتدريب المبشرين التابع لكنيسية الإصلاح الديني بأمريكا، ولقد ساعد لانسنج في تأسيس هذه الإرسالية ثلاثة من تلامذته وهم جيمس كانتين، وصموئيل زويمرن وفيليب فيلبس، وكان والد لانسنج يعمل مبشرًا في بلاد الشام وخاصة سوريا لمدة طويلة في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وقد أطلق لانسنج ومساعدوه على هذه الإرسالية اسم الإرسالية العربية سنة 1889م. استجابة لطلب رسمي مقدم إلى هيئة الإرساليات الأجنبية للسماح بالقيام بعمل تبشيري في البلاد الناطقة باللغة العربية، وبدأت هذه الإرسالية تباشر نشاطها في الجزيرة العربية وخاصة في المناطق المطلة على الخليج العربي، وكانت كنيسة الإصلاح الأمريكية بولاية نيوجيرسي هي التي تتولى الإشراف والتمويل لهذه الإرسالية كما كانت تمدها بالمبشرين الجدد الذين أتموا تدريبهم بها وأصبحوا مؤهلين للقيام بالعمل التبشيري، وكان من خطة هذه الإرسالية العمل على نشر الإنجيل المسيحي في المكان الذي نشأ فيه الإسلام، ولقد أحست هذه الإرسالية بصعوبة المهمة المكلفة بها خاصة في منطقة الجزيرة العربية مهد الإسلام والتي يتمتع أهلها بالولاء الكامل والغيرة الشديدة على الإسلام، لذلك

ص: 110

فكروا في وضع خطة مكتوبة يوافق عليها أعضاء الإرسالية؛ لتكون هذه الخطة ورقة عمل لهم في هذه المنطقة وفي غيرها. ومما جاء في هذه الخطة:

"نحن الموقعين أدناه قد عزمنا على القيام بنشاط تبشيري رائد في البلد الناطقة باللغة العربية وبصفة خاصة من أجل المسلمين العبيد مقرين منذ البداية بالحقائق التالية:

1-

الحاجة البالغة لهذا العمل التبشيري وضررورة تشجيعه في العصر الحديث.

2-

عدم وجود مثل هذا العمل التبشيري تحت إشراف مجلس الإرساليات الأجنبية في الوقت الحالي.

3-

عدم قيام أي مجهود يُذكر حتى الآن في المجالات آنفة الذكر، ولتحقيق الأهداف المرجوة فإننا نتقدم من المجلس وبتأييده إلى الكنيسة عامة بالمقترحات التالية:

1-

الشروع بهذا العمل بأسرع وقت ممكن.

2 أن يكون ميدان العمل الجزيرة العربية أو أعالي النيل.

وجاء في المادة الأولى من دستور هذه الإرسالية: "سيكون اسم هذه المنظمة: الإرسالية العربية"، وفي المادة الثانية: سيكون هدف هذه المنطقة القيام بالعمل التبشيري في الجزيرة العربية أو البلاد الناطقة بالعربية.

ص: 111

ولا شك أن اختيار الجزيرة العربية كمركز رئيسي لهذه الإرسالية له أهدافه البعيدة التي يخطط لها المبشرون ويعملون على تحقيقها على المدى البعيد، ومن أهم هذه الأسباب التي أعلنوها هو الادعاء بأن الجزيرة العربية كانت في سابق عهدها موطنا للمسيحية قبل الإسلام، ومحاولة إرجاعها إلى سابق عهدها المسيحي أمر ضرروي، وقد أكد صموئيل زويمر على هذه الأهداف في قوله: إن للمسيح حقا في استرجاع الجزيرة العربية، وقد أكدت الدلائل التي تجمعت تحت أيدينا في الخمسين سنة الماضية على أن المسيحية كانت منتشرة في هذه البلاد في سابق عهدها، وهناك دلائل أثرية واضحة على وجود الكنيسة المسيحية هناك، ولهذا فإن من واجبنا أن نعيد هذه المنطقة إلى أحضان المسيحية1.

وبعد دراسة أحوال المنطقة سياسيًّا وجغرافيًّا واجتماعيًّا قرر الجنرال "هيج heig" في رحلته إلى الجزيرة العربية، أن كل الجزيرة العربية بدرجات متفاوتة مهيأة لاستقبال الكتاب المقدس بذراعين مفتوحين"2.

ب- وقد أنشأ هذه الإرسالية عدة مراكز في لها في كل من بيروت، البصرة، البحرين، وكانت البحرين أهم مركز لها حيث أنشأت الإرسالية مكتبة للأب المقدس بالبحرين سنة 1893 وأصبحت

1 نفس المصدر، ص48-49.

2 السابق، ص50.

ص: 112

البحرين مركزا مستقلا للنشاط التبشيري في المنطقة بعد أن كان تابعًا المركزهم بالبصرة، وساعد على تكثيف النشاط التبشيري بها عوامل كثيرة أشار إليها المبشرون أنفسهم، ومن أهم هذه العوامل: وضع البحرين السياسي؛ حيث كانت محمية بريطانية، وهذا العامل وحده كان كافيا لتوفير قدر من الأمن والأمان للمبشرين في المنطقة، ثم ابتدأ نشاط هذه الإرسالية إلى جنوب الجزيرة العربية، فأنشأت لها مركزا في عمان ومسقط ومن عمان امتد نشاط الإرسالية إلى شرق أفريقيا ووسطها.

ج- وفي مطلع القرن العشرين أنشأ المبشرون مركزا لهم في دولة الكويت حيث بدأوا في زيارتها سنة 1900م للمرة الأولى وكانت زيارتهم الثانية لها سنة 1903م حيث افتتحوا بها مكتبة لبيع الكتاب المقدس، ولكن رفض حاكم الكويت في وقتها وهو الشيخ مبارك أن تقوم هذه المكتبة بأي نشاط تبشيري في الكويت ثم أمر بإغلاقها.

ولكن أعين المبشرين لم تنصرف عن الكويت لما لها من أهمية كبيرة في نظر المبشرين، ولقد كتب "أرنولد ويلسون" عن أهمية الكويت بالنسبة للنشاط التبشيري فقال: "إن المزايا الاستراتيجية والتجارية لموقعها وقربها من مدخل دجلة والفرات وأن لها صلتها الوثيقة بمملكة ابن سعود في وسط الجزيرة العربية، وكونها تسمح بالعبور إليها بسهولة، كل هذه الأمور تجعل الكويت ذات أهمية

ص: 113

خاصة بالنسبة للمبشرين"1، وظلت المحاولات قائمة بين الإرسالية والشيخ مبارك حاكم الكويت إلى أن توصلت الإرسالية إلى الحصول على موافقة منه بفتح مستشفى سنة 1913م وأعطاها الشيخ قطعة أرض مجاورة لقصره؛ ليقيموا عليها منزلا لها، وتدخل القنصل البريطاني؛ ليكون وسيطا لهم عند الشيخ بضمان الولاء وعدم المعارضة، وظلت هذه الإرسالية تباشر نشاطها بالمنطقة إلى وقت قريب.

د- ولعل أحدث مركز أنشئ للتبشير في هذه المنطقة هو في قطر، حيث قدم إليها القس جريت بينتجز والدكاترة هاريسون، وديم، وتوماس، والآنسة كورنيليا دالنبرج؛ لتفقد معالم المنطقة ودراسة أحوالها، وفي سنة 1945م حضر إلى قطر القس "ج. فان بيرسم"؛ لافتتاح مستشفى وبعض المراكز الطبية في قطر، ووجدوا في هذا فرصة جيدة لمزاولة نشاطهم، وطلب منهم الشيخ أن يضعوا تصميمًا لمستشفى سيعهد بإدارتها إليهم، وفي خريف سنة 1947م أصبح المستشفى جاهزًا للعمل، ولكن هذه الخدمات الطبية لم تستمر طويلا في قطر؛ ففي سنة 1952م اضطرت الإرسالية أن تتوقف عن نشاطها تماما في قطر حيث عادت المستشفى إلى حكومة قطر وأصبحت الإرسالية غير آمنة على نفسها، فتوقفت عن العمل تماما في هذا البلد2.

1 السابق، ص63.

2 المصدر السابق، ص70.

ص: 114

هذه فكرة موجزة عن تاريخ التبشير بالمنطقة العربية خاصة منطقة الخليج العربية، ومن المعلوم أنه في عصر الاستعمار الحديث، نشطت عملية التبشير في الأقطار الإسلامية التي احتلتها دول الغرب، وفرضت سيطرتها السياسية والثقافية على أهلها، وجلب الاستعمار معه كثيرًا من المبشرين وسدنة الكنائس، يقول الأستاذ أحمد دنفو في كتابه "التبشير في منطقة الخليج": في عام 1870 وسعت البعثة التبشيرية التابعة للكنيسة الإصلاحية في أمريكا مجال نشاطها في العراق حيث كانت تباشر أعمالها في منطقة الخليج عن طريق تقديم الخدمات الطبية والتعليمية، كما أن الكنيسة الأنكلييكانية ارتبط وجودها بالجيش البريطاني في منطقة الخليج، بينما وصلت الكنيسة الكاثوليكية عن طريق الهند وأفريقيا الشرقية، وقد أسس عدد كبير من موظفي شركات النفط كنائس على المستوى المحلي، وآخر الكنائس التي أسست في الخليج العربي كانت تلك التي أسسها العمال المهاجرون من الهند وباكستان"1.

أهم الوسائل:

1-

من أهم الوسائل التي يسكلها المبشرون في منطقة الخليج أنهم يركزون على الجوانب الاجتماعية لخدمة المنطقة، مما ساعدهم على سهولة الأخذ بهذه الوسيلة أن المنطقة الخليجية قبل ظهور النفط فيها كانت تعيش حياة البداوة؛ فالجهل هو الصفة الغالبة على سكان المنطقة، والفقر المدقع كان واقعا يعيشه معظم السكان

1 التبشير في منطقة الخليج، ص5، أحمد نون دنقر.

ص: 115

خاصة الذين يعيشون في البوادي أضف إلى ذلك الحالة الصحية والرعاية الطبية المتدنية، وهذا كله جعل النشاط الطبي وسيلة مناسبة وميسورة وبعيدة عن الشبهات، وعن طريق المستشفيات والعيادات العامة يسهل اللقاء المباشر مع سكان المنطقة المسلمين رجالا ونساء، فكان المريض إذا ذهب إلى المستشفى لا يسمح له بلقاء الطبيب إلا بعد أن يؤدي الصلاة المسيحية بالكنيسة الملحقة بالمستشفى، ولا يصرف له العلاج إلا بعد لقاء مباشر مع الراهب أو الراهبة. وهذا جعل للهيئات الطبية بالمنطقة وضعا يطلبان لقاء الطبيب والطبيبة، حيث كان المسلم والمسلمة هما اللذان يطلبان لقاء الطبيب والطبيبة، ويسعيان لمقابلتهما، والسماع منهما والجلوس إليهما حيثما كانا، وهذا جعل المستشفى والمستوصف من أخطر مراكز التبشير في منطقة الخليج، ولعل أكبر مثال على ذلك مستشفى بعثة الاتحاد الإنجيلي في الإمارات العربية المتحدة فإن نشاطها لا يقتصر على المرضى المقيمين بها فقط، وإنما تعدى ذلك إلى إقامة الندوات العامة التي تعقد في القاعة المعدة لذلك، كما أسست المستشفى مكتبة خاصة؛ لبيع الكتب والمطبوعات المسيحية، وفي كل غرفة منها تقدم أشرطة التسجيل للكتاب المقدس وسماع موعظة الأحد1.

ومن وسائل المبشرين عمومًا -وفي الخليج بصفة خاصة- العلاقات الشخصية والصدقات التي تتم بين الأفراد والعائلات في

ص: 116

داخل المنطقة وخارجها، ومن أبرز المبشرين بهذا الجانب مجموعة صانعي الخيام في أماكن العمل المختلفة، واحتكاكهم المباشر مع أصحاب الأعمال ومع العمال أيضا.

3-

يأتي بعد ذلك دور المطبوعات في عملية التبشير وتوزيعها بالمجان، فهناك عدد كبير من المكتبات المسيحية تقوم بهذه المهمة، وهناك المطبوعات التي توزع على البيوت سرًّا وهي أشبه بالمواعظ الإنجيلية والترانيم اللاهوتية يجدها الشخص أمام بيته في الصباح أو ملصقة على الجدران.

4-

الإذاعات التبشيرية المنتشرة حول العالم الإسلامي وفي داخله، وهي أكثر الوسائل الحديثة فعالية في الاتصال بالمسلمين، وهناك أجهزة إعلامية متخصصة في إنتاج البرامج التبشيرية الموجهة إلى المسلمين، ولعل من أهم هذه الأجهزة شركات الإنتاج الإعلامي الموجود في لبنان وفرنسا وأسبانيا، وفي جزيرة سيشل، وبعض هذه الشركات تبث برامجها من راديو عبر العالم من موناكو ومن قبرص كما أن راديو الفاتيكان يبث برامجه التبشيرية باللغة العربية. ولعل أنشط هذه الشركات الآن راديو مونتوكارلو الذي يبث برامجه التبشيرية بعد الساعة الحادية عشرة مساء عادة.

5-

المؤسسات التربوية التعليمية، مثل دور الحضانة والمدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعات الأمريكية المنتشرة في

ص: 117

العالم الإسلامي، وهذه المؤسسات يختلف نشاطها قوة وضعفًا حسب المنطقة التي تعمل بها، فعلى سبيل المثال نجد أن أنشطة المدارس العاملة في دول الخليج مدارس كاثوليك في أبي ظبي، ومدرسة الإرسالية الأمريكية التي كانت تعمل في البحرين.

6-

يضاف إلى ما سبق دور الصحافة والفنون والبعثات التعليمية وما يترتب على ذلك من نشر أفكار؛ لتزييف التاريخ الإسلامي أحيانا واستغلال الواقع المؤلم للعالم الإسلامي أحيانا أخرى ومحاولة ربط ذلك التخلف بالإسلام.

ولقد قامت الصحافة بأخطر الأدوار التبشيرية في المنطقة العربية والإسلامية على وجه العموم، فلقد هاجر إلى مصر كثير من الموارنة اللبنانية بدعوى زائفة ومكشوفة وهي طلب الأمان في مصر بلد الحرية والنور، وهكذا كانوا يبررون هجرتهم إلى مصر، ولازالوا، ولكن قد أثبت الواقع عكس ذلك تماما؛ فقد كان الموارنة خريجي الأديرة والكنائس والمدارس التبشيرية الذين حملوا معهم بذور الفتن وأساليب التنصير في ربوع مصر، وأخذوا يباشرون نشاطهم تحت حماية الاستعمار الأجنبي الذي كان مسيطرا على كل مرافق الحياة في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، وكان نشاط الموارنة المهاجرين شديد الأثر، فلقد هيأ الوجدان المصري للاستعمار الثقافي، ولقد أشار إلى هذه الحقيقة المؤرخ الأمريكي بيتر جران حيث قال: لقد سعت فرنسا إلى زرع فئة من التجار

ص: 118

المارونيين الشوام في الأسكندرية ودمياط ورشيد، تحت حماية النفوذ الأجنبي، وكان لهؤلاء بعض الصحف التي أطلق عليها عبد الله النديم صحف الأجراء وكان يسمي ما ينشرونه بالقاذورات1.

وقام جرجي زيدان بتأسيس دار الهلال بمصر وهي مؤسسة تبشيرية خالصة، وكذلك أنشأوا مجلة الكاتب المصري، وقيل إنها تأسست بأموال صهيونية.

أما جريدة الأهرام فتأسست بيد صليبية خالصة، وكان من بنود تأسيسها ألا يعمل بها إلا النصارى ولا يقوم بتوزيعها إلا النصارى، وكان من أكبر مؤسسيها بشارة نقلا وإخوانه الذين هاجروا إلى مصر سنة 1873هـ تحت حماية الحملة الفرنسية، وكان صاحب دور كبير في تأليب الإنجليز ضد عرابي، وكان قلمه مدافعًا عن الإنجليز أحيانًا، وعن الفرنسيين أحيانا أخرى، ولقد سجل عرابي في مذكراته كيف خدعه بشارة تقلا، فقد كان مؤمنا بمبادئ عرابي أو هكذا كان يتظاهر، يقول عرابي: "وبعد ساعة جاء ليزورني بشارة تقلا محرر جريدة الأهرام، وظننت أنه قدم ليعزيني ويبدي عواطفه نحوي لأنه قد أقسم بدينه وشرفه أنه واحد منا يعمل لحرية وطننا.. ولكنه لما دخل عليَّ توقح أشد التوقح، ثم قال: أي عرابي، ماذا فعلت وماذا حل بك ورأيت أن الرجل خائن لا محالة. هكذا يقول عرابي عن بشارة تقلا مؤسس جريدة الأهرام.

1 راجع بحث أ. د. عبد العظيم الديب، الندوة العربية، جامعة قطر، سنة 1993م.

ص: 119