المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بين الاستشراق والتنصير: - الاستشراق والتبشير

[محمد السيد الجليند]

الفصل: ‌بين الاستشراق والتنصير:

‌بين الاستشراق والتنصير:

ومن الملاحظ أن أهداف سياسة التنصير قد تلتقي ما أهداف حركة الاستشراق في كثير من الأمور، خاصة ما يتصل منها بالأهداف الجينية والثقافية وإجماع الطرفين "المستشرقون والمنصرون" على القول بمركزية الحضارة الإنسانية وارتباطها بأوروبا وشعوبها، وهذا ما تجده واضحا في كتابات المستشرقين والمنصرين ومن دار في فلكهم من الكُتَّاب العرب الذين يقومون بدورهم في تحقيق أهداف المستشرقين في القول بأوربة الفكر الإنساني قاطبة"، والقول بضرورة الأخذ بالنموذج الأوروبي واقتفاء أثره إذا أراد المسلمون أن يعيشوا عصرهم وحضارتهم1.

وقد يكون مفيدا للقارئ أن ننبه هنا إلى أن هاتين الظاهرتين وجهان لعملة واحدة هي موقف الغرب من الإسلام والمسلمين، وماذا يريد الغرب من الشرق الإسلامي لذلك لا غرابة أن نجد بينهما وحدة في الهدف أحيانا، ووحدة في الوسائل أحيانًا أخرى، فقد يكون بعض المستشرقين مشتغلا بعملية التنصير، وقد يكون المنصر مستشرقا وهذا واقع معروف في عصرنا وفي كثير من بلادنا، وهذا يفسير لنا ما قد يجده الدارس أحيانا من تداخل أحيانا في قراءة الأسباب والأهداف لكل من هاتين الظاهرتين.

1 من النماذج على سبيل المثال: عبد الله العروسي ومحمد آركون بالمغرب.

ص: 101

ولكن ينبغي أن ننبه هنا إلى أهم ما بينهما من فروق في الوسائل والمناهج:

1-

يركز الاستشراق في وسائله على الجانب العلمي، كالبحث والكتاب والمقال والندوة والمؤتمر والمحاضرة، فنشاطه علمي وبحثي، مجاله العلوم الإسلامي بفروعها المختلفة، فقد تجد بينهم المشتغل بالنحو أو التاريخ أو التفسير أو علوم الحديث والفلسفة والتصوف.. إلخ

أما التبشير فغالبًا ما يركز على الجانب الاجتماعي كوسيلة مؤثرة في تحقيق أهدافه: مثل بناء المستشفيات والملاجئ والنوادي والمؤسسات التربوية والتعليمية.

2-

يركز المستشرقون في نشاطهم على مخاطبة المثقف بعد اكتشاف ميوله والتعرف على مزاجه النفسي، وكذلك المشتغلين بالسياسة، ووسيلتهم في ذلك الكتاب والمقال والندوة والصداقات الشخصية مع كبار المسئولين عن القرار السياسي والثقافي، والعائدين من البعثات التعليمية بأوروبا، وغالبا ما تؤتي هذه الصداقات ثمارها في تنفيذ أهداف المستشرقين ولعل النظرة السريعة على خريطة توزيع الوظائف المؤثرة ثقافيا في وطننا العربي تؤكد لنا صدق هذه القضية، فمعظم العائدين من البعثات خاصة من فرنسا يتبوأون مراكز القيادة الثقافية في بلادهم ومن موقعهم الوظيفي يملكون اتخاذ القرار وتنفيذه.

ص: 102

أما المبشرون فيركزون في خطابهم على الطبقات الدنيا والفقيرة في المجتمع، الطبقات التي لا حظ لها من الثقافة أو التعليم؛ لتسد رمقها وتروى ظمأها، والطريق مخاطبة الفقير والجائع هو لقمة العيش وحفنة المال.

3-

لا يلجأ المبشر إلى الطعن في الإسلام بطريق مباشر، وإنما يبدأ حواره مع المسلم بالحديث عن الجوانب الاجتماعية التي تشغله والتي هي نقطة الضعف في حياته ويعاني منها، عكس المستشرق فإنه يلجأ في مؤلفاته إلى النيل من الإسلام ومن الرسول بشكل مباشر وصريح، فيطعن في نبوة الرسول والقرآن ويثير المشكلات التي مازالت تؤرق المفكر المسلم إلى الآن.

ويمكن أن نعرف التنصير من أقوال أصحابه القائمين به بأنه: منهج يسلكه المختصون؛ لتنصير العالم وتقديم تعاليم الإنجيل إلى غير المسيحي بوسائل مختلفة، ولقد أفصح الدكتور "هاريسون" عن هذا الهدف بوضوح في تحديدة مهمة الإرسالية العربية الأمريكية بدول الخليج في قوله:"إننا نريدهم أن يصبحوا مسيحيين"1 مستدلا على ذلك بما جاء في الإنجيل: "فلتذهب إليهم وليكن لك أتباع بين جميع الأمم"2، ويجب أن يعم الإنجيل كل الأمم.

1 التبشير والاستشراق: مستشار عزت الطهطاوي، ص158-159.

2 DANG.13 نقلا عن التبشير والاستعمار: فروخ.

ص: 103