الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
في ذكر الأحاديث التي هي على شرطنا بهذا الكتاب
بسم الله وبه نستعين
الحديث الأول الذي متنه: " من غسَّل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضّأ
" وقد رواه أبو هريرة رضي الله عنه
الوصل الأول: في بيان طرق الحديث وألفاظه:
° الطريق الأولى: عن القاسم عن عمرو بن عمير عن أبي هريرة:
أخرجها أبو داود فقال: حدثنا أحمد بن صالح، أخبرنا ابن أبي فديك، حدثني ابن أبي ذئب، عن القاسم بن عباس، عن عمرو بن عمير، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من غسَّل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ ". ومن طريق أبي داود أخرجها ابن حزم في المحلى. والبيهقي في الكبرى، وقال: إنما عمرو يعرف بهذا الحديث، وليس بالمشهور.
* الطريق الثانية: عن سهيل عن أبيه عنه:
أخرجها الترمذي وابن ماجه كلاهما عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ثنا عبد العزيز بن المختار، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من غسل ميتاً فليغتسل " - لفظ ابن ماجه -.
وزاد الترمذي شطره الآخر بلفظ " من غسله الغسل، ومن حمله الوضوء - يعني الميت - ".
وأخرجها البيهقي من طريقهما، وساق لفظ الترمذي.
ثم قال: وكذلك رواه ابن جريج، وحماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، ورواه أيضاً من طريق محمد بن جعفر بن أبي كثير عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. . - كلفظ ابن ماجه -.
وأخرجها ابن حبان من طريق الحسن بن سفيان وأبي يعلى قالا: حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي، حدثنا حماد بن سلمة عن سهيل به، ولفظه كلفظ ابن ماجه.
ومنها أخرجه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ قال: حدثنا جعفر بن حمدان الشحّام، نا محمد بن مسعود العجمي. ونا الحسن بن محمد بن سعيد القطيعي، نا زنجويه، قالا: نا عبد الرزاق، نا ابن جريج عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من غسل ميتاً فليغتسل ".
وهي طريق لعبد الرزاق فيها راوٍ لم يسمّ قال:
وعن غيره - يعني غير معمر - عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من غسل ميتاً فليغتسل ".
° الطريق الثالثة: عن سهيل عن أبيه عن إسحاق عنه:
أخرجها أبو داود قال: حدثنا حامد بن يحيى عن سفيان عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن إسحاق مولى زائدة، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه.
وأخرجها البيهقي، من طريق أبي علي الروذباري ثنا أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود، ثنا حامد بن يحيى (وتحرفت في مطبوع السنن إلى حاتم) فذكره. . .
قال البيهقي: وكذلك رواه ابن علية عن سهيل، مرة مرفوعاً، ومرة موقوفاً.
ورواه وهب بن خالد عن سهيل.
وأخرجها ابن حزم في المحلّى من طريق أبي داود به.
° الطريق الرابعة: عن يحيى عن إسحاق عنه:
أخرجها عبد الرزاق في المصنَّف قال: ثنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن رجل يقال له إسحاق عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من غسل ميتاً فليتغسل ". وبه نأخذ.
وأخرجها الإمام أحمد من طريقه فقال: ثنا عبد الرزاق فذكره، لكن قال:" أبو إسحاق " بدل " إسحاق ".
وذكرها الإمام البخاري من غير إسناد قال: وقال معمر فذكره. وقال " إسحاق ".
رواها عنه البيهقي بإسناده.
° الطريق الخامسة: عن أبي واقد عن محمد بن عبد الرحمن عنه:
أخرجها البيهقي قال: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، ثنا أحمد بن عبيد الصفار. ثنا محمد بن غالب ثنا موسى - يعني ابن إسماعيل - ثنا وهب، ثنا أبو واقد عن محمد بن عبد الرحمن -، وإسحاق مولى زائدة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من غسله الغسل، ومن حمله الوضوء " قال: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب، قال: لو علمت أنه نجس لم أمسّه.
تفرد البيهقي بهذه الطريق، أعني طريق محمد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.
° الطريق السادسة: عن سهيل عن أبيه عن الحارث عنه:
أخرجها البيهقي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو بكر أحمد بن كامل القاضي ببغداد، ثنا عبد الله بن مهران الضرير الثقة المأمون - وكان من أحفظ الناس - ثنا عفان بن مسلم، ثنا وهب بن خالد، ثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من غسله الغسل ومن حمله الوضوء - يعني في الميت والجنازة - ".
تفرد بها البيهقي أيضاً.
° الطريق السابعة: عن رجل من بني ليث عن إسحاق عنه:
أخرجها البيهقي: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا أبو أحمد بن فارس، ثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا موسى بن إسماعيل، عن أبان عن يحيى عن رجل من بني ليث، عن إسحاق عن أبي هريرة. ولم يذكر لفظه.
وهي طريق للإمام أحمد قال: ثنا يونس ثنا أبان عن يحيى فذكره بلفظ: " من غسل ميتاً فليغتسل ".
° الطريق الثامنة: عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه:
أخرجها بسنده المتقدم للبخاري قال: حدثنا موسى بن إسماعيل عن حمّاد، عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مثله - كذا قال ولم يذكر لفظاً -.
قلت: والذي أحال عليه لفظه " من غسله الغسل ومن حمله الوضوء ". ثم إنه ذكر هذه الطريق بإسناد آخر، وساق اللفظ المذكور.
ومنها أخرجه ابن شاهين فقال: حدثنا يحيى بن صاعد، نا يحيى بن حكيم بالبصرة، نا أبو بحر البكراوي، نا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ ".
ثم عاد فأخرجه من طريق إبراهيم بن عبد الله اليزني، نا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، نا المعتمر قال: سمعت محمداً به.
ثم أخرجه من طريق يحيى بن محمد، نا يوسف بن موسى، نا حجاج بن المنهال، نا حماد بن سلمة، ونا يحيى بن محمد، نا أحمد بن منصور، نا حماد بن سلمة نا محمد بن عمرو، به بنحوه. وقد أخرجه ابن حزم من هذه الطريق.
° الطريق التاسعة: وهي التي قبلها، لكنها موقوفة:
أخرجها البيهقي قال: ثنا. . فذكر إسناده المتقدم للبخاري قال: حدثنا الأويسي عن الدراوردي، عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة. قوله.
يعني موقوفاً.
قال البخاري: وهذا أشبه، قال: وقال أحمد بن حنبل وعلي: لا يصح في هذا الباب شيء.
° الطريق العاشرة: ابن أبي ذئب عن صالح عنه:
أخرجها الإمام أحمد قال: ثنا يحيى عن ابن أبي ذئب، قال: حدثني صالح مولى التوأمة، قال سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من غسل ميتاً فليغتسل ".
وقال: أنا حجاج عن ابن أبي ذئب به، ولفظه مثله وزاد:" ومن حمله فليتوضأ ".
ومنها أخرجه ابن أبي شيبة.
وكذا أبو داود الطيالسي قال: حدثنا ابن أبي ذئب، به، ولفظه:" من غسل ميتاً فليغتسل من حمل جنازة فليتوضأ ". ومن طريقه البيهقي وقال: هذا المشهور، وصالح ليس بالقوي.
وكذا ابن شاهين قال: حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، نا يحيى بن المغيرة، نا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب به، ولفظه:" من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ ". وكذا البغوي في شرح السنة قال: حدثنا أبو الفرج. أنا القاسم بن حمزة بن يوسف، نا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ، نا عبد الله بن سعيد، نا أسد بن موسى، نا ابن أبي ذئب، به.
ولفظه " من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ ".
° الطريق الحادية عشرة: عن العلاء عن أبيه عنه:
وهي التي أخرجها ابن شاهين قال عبد الله بن سليمان بن الأشعث،
نا محمد بن عبد الرحمن - يعني البرقي - وجعفر بن مسافر قالا: نا عمرو بن أبي سملة، نا زهير، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ ".
ومنها أخرجه البيهقي قال: أخبرنا أبو خازن الحافظ، أنا أبو أحمد الحافظ، أنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث به.
ثم قال البيهقي: زهير بن محمد، قال البخاري: روى عنه أهل الشام أحاديث مناكير، وقال أبو عبد الرحمن النسائي: زهير ليس بالقوي.
° الطريق الثانية عشرة: عن يحيى بن أبي كثير عن أبي إسحاق عنه:
أخرجها البيهقي قال: حدثنا الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أحمد الأرموي، أنا أبو القاسم النسوي، ثنا الحسن بن سفيان النسوي، ثنا محمد بن منهال، ثنا يزيد بن زريع، ثنا معمر بن راشد، عن يحيى بن أبي كثير عن أبي إسحاق عن أبي هريرة.
° الطريق الثالثة عشرة: عن صفوان عن أبي سلمة عنه:
أخرجها البيهقي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، ثنا حاجب بن أحمد، ثنا محمد بن يحيى. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أحمد بن محبوب الرملي بمكة، أنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الربيع التميمي بمصر قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، حدثني ابن لهيعة، عن حنين بن أبي حكيم، عن صفوان بن أبي سليم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:" من غسل ميتاً فليغتسل ".
قال البيهقي: هذا لفظ القاضي. وفي رواية الحافظ " من غسل الميت الغسل، ومن حمله الوضوء ".
قال البيهقي: ابن لهيعة وحنين بن أبي حكيم، لا يحتج بهما، والمحفوظ من حديث أبي سلمة، ما أشار إليه البخاري موقوف من قول أبي هريرة.
° الطريق الرابعة عشرة: عن ابن لهيعة عن موسى بن وردان عنه:
أخرجها البيهقي قال؛ أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، ثنا أحمد بن عبيد، ثنا أحمد بن جعفر بن عاصم الدمشقي، ثنا هشام بن عمار، ثنا الوليد، حدثني ابن لهيعة عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أراد أن يحمل ميتاً فليتوضأ ".
° الطريق الخامسة عشرة: عن ابن شهاب، عن سعيد عنه:
أخرجها البيهقي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر بن الحسن القاضي، قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني يحيى بن أيوب، عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال:" من غسل الميت فليغتسل، ومن أدخله قبره فليتوضأ ".
هكذا موقوفاً.
وجاء في سند للدارقطني من هذه الطريق مرفوعاً.
الوصل الثاني: في بيان درجة الحديث:
1 -
حكم الطريق الأولى:
قد سكت عليها أبو داود، وابن حزم، وتقدم قول البيهقي: عمرو بن عمير إنما يعرف بهذا الحديث، ليس بالمشهور.
قلت: ليس له في الكتب الستة إلا هذا الحديث، حتى قال الحافظ في " التقريب ": مجهول. وباقي رجال الإسناد ثقات.
فالطريق ضعيفة بمفردها. إلا أن ترتقي بالشواهد والمتابعات.
2 -
حكم الطريق الثانية:
قال الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن.
وقال الحافظ: هو معلول لأن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة، نقله عنه المباركفوري.
قلت: ليس هذا بلازم، فقد يكون سمعه من أبي هريرة بغير واسطة، وسمعه من إسحاق عنه كما في الطريق الثالثة، وسمعه أيضاً عن الحارث كما في الطريق السادسة - إن صحت -. وإنما رجح هذا الحافظ لأن أقوى طرق حديث سهيل عن أبيه هي الطريق التي فيها إسحاق، كما في الثالثة.
وإنَّما رجحت سماع أبي صالح عن أبي هريرة، من غير واسطة في هذا الحديث - لأن السماع ثابت له في غيره بلا خلاف - لأن من رواه عن أبي صالح بدونها أكثر، فإن الذين أسقطوا الواسطة:
1 -
عبد العزيز بن المختار: ثقة روى له الجماعة، والراوي عنه - محمد - ثقة من رجال مسلم وغيره.
2 -
ابن جريج: ثقة فقيه، لكنه مدلس وقد عنعن.
3 -
حماد بن سلمة: ثقة عابد روى له مسلم وغيره، خاصم فيه ابنُ حبان البخاري لأنه لم يخرج له في الصحيح أصلاً، وإنما لم يخرج له البخاري لأنه تغير بأخرة.
4 -
القعقاع بن حكيم: ثقة روى له الستة، إلا أن البخاري روى له في غير الصحيح، ومن قبله تكلم في بعضهم.
5 -
رجل لم يسم: ساقط من الاعتبار.
فتبين أن رواية عبد العزيز الصحيحة، تابعه عليها أربعة - أحدهم مجهول - وقد بينا حالهم. فالواجب عدم إسقاطهم من الاعتبار، لذلك رجحنا الأمرين، سماعه عنه بواسطة وبدونها.
وكان هذا هو الذي ذهب إليه ابن حبان حيث صحح الحديث. وملخص القول أن هذه الطريق حسنة، ولا تعل بالتي فيها واسطة، والله أعلم.
3 -
حكم الطريق الثالثة:
صحيحة رجالها ثقات، ولا علة لها، - إلا أن يقال ما قيل في الثانية، وقد أجبنا عنه - وقول أبي داود عقب الحديث لا يفهم منه إعلال. سيما وقد قال بنسخ هذا الحديث، فكأنه أقر بصحته.
وأما الذي: أشار إليه البيهقي من رواية ابن علية - وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم - فلم أقف على هذه الرواية، ولا ذكرها هو، فالله أعلم. وما ندري كيف السند لابن علية.
ثم إن روايته إن صحت لا تعل هذا الحديث، وإنما تعل نفسها - أعني أن المرفوعة تعل الموقوفة، والموقوفة المرفوعة، وكيف لا يكون كذلك
والخلاف فيها إنما هو مع ابن عيينة، ومن ذا الذي تنهض حجته بإسناد اتفقا عليه، ثم اختلف فيه الراوي مع سفيان أمير المؤمنين؟
وأما رواية ابن وهب التي ذكرها، فليست هي كالتي هنا، وسيأتي الكلام عليها عند الطريق السادسة إن شاء الله تعالى.
4 -
حكم الطريق الرابعة:
والعهدة فيها على تصحيح أحد اللفظين: " أبو إسحاق " أو " إسحاق ". فهذا الحديث يدور على رواية عبد الرزاق عن معمر عن يحيى عن - أحد الرجلين - به، لذلك وجب اعتماد الذي في نسخة عبد الرزاق. إلا أنا لم نفد حيث اختلفت نسخ المصنف في ذلك، وجاءت باللفظين، كما أفاده حبيب الرحمن الأعظمي.
وكذا أضرّ بنا اختلاف لفظي البيهقي وأحمد، فتعطل الترجيح من جهة النسخ.
فإن كان المكي، فلم أعرفه. وإن كان الآخر فيكون هو مولى زائدة، فإنه روى عن أبي هريرة، وروى عنه يحيى.
لكن لا يصح لنا الحديث بهذا، لأنه قد اختلف على يحيى فيه، ففي رواية أبان عند أحمد والبيهقي - من طريق البخاري - قال: عن رجل من بني ليت عن إسحاق. وهو مما يعلل هذه الطريق.
5 -
حكم الطريق الخامسة:
ضعيفة، فيها أبو واقد صالح بن محمد بن زائدة.
6 -
حكم الطريق السادسة:
ضعيفة، فيها الحارث بن مخلد، مجهول الحال كما في التقريب.
7 -
حكم الطريق السابعة:
فيها راو لم يسم، ثم هي معلولة كما قدمنا في آخر حكم الطريق الرابعة.
8 -
حكم الطريق الثامنة:
أحسن أسانيدها، إسناد ابن شاهين في روايته الأخيرة التي من طريق يحيى بن محمد بن صاعد، نا أحمد بن منصور، نا حماد بن سلمة، نا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، فهو إسناد صحيح رجاله ثقات، ولا أعرف له علة: إلا ما جاء في الطريق التاسعة، من رواية الوقف، لكن في أحد رواتها مقال.
9 -
حكم الطريق التاسعة:
فيها الدراوردي، وهو عبد العزيز بن محمد، صدوق يخطئ، له أوهام، فنرجوا أن تسلم الثامنة، لأجل ضعف هذه التاسعة.
10 -
حكم الطريق العاشرة:
رجالها ثقات، وأما صالح وإن كان اختلط، لكن لا بأس برواية القدماء عنه، كابن أبي ذئب، كما في هذه الطريق، وكابن جريج، كذا في التقريب في ترجمة صالح.
ولذلك لما قال البيهقي: صالح مولى التوأمة ليس بالقوي، تعقبه ابن التركماني في " الجوهر النقي " وقال: رواه عن صالح؛ ابن أبي ذئب، وقد قال ابن معين: صالح ثقة حجة، ومالك والثوري أدركاه بعدما تغير، وابن أبي ذئب سمع منه قبل ذلك.
وقال السعدي: حديث ابن أبي ذئب عنه مقبول لثبته وسماعه القديم منه. انتهى كلام ابن التركماني.
قلت: هذا في تغيره.
وأما هل هو ثقة في نفسه، فإنهم اختلفوا في ذلك.
فضعفه يحيى بن سعيد فقال: ليس بثقة.
ومالك بن أنس وقال: ليس بثقة، وقال مرة: كذاب، كما حكاه أبو زرعة.
واختلف فيه قول ابن معين، فقال مرة: ليس بالقوي.
وقال مرة: ثقة حجة، وسفيان ومالك أدركاه بعدما كبر وخرف، ولكن ابن أبي ذئب سمع منه قبل أن يخرف.
ونحو قول ابن معين الثاني، قال الجوزجاني.
وقال أبو زرعة: ضعيف.
وقال أبو حاتم: ليس القوي.
وقال النسائي ضعيف، وقال مرة: ليس بثقة، ونسبه لمالك.
وقال أبو أحمد بن عدي: لا بأس به إذا سمعوا منه قديماً. . .
وقال العجلي؛ مدني ثقة.
وقال ابن المديني: ثقة.
قلت: فالراجح والله أعلم أن تضعيفه إنما كان لأجل تغيّره، فإن كان،
فقد عرفت الجواب عنه، وإما لا، فالحديث لا يرقى للحسن من هذه الطريق، لكثرة من ضعفه.
وأما قول مالك: كذاب، فغير مقبول، وما بمثل تغير صالح يكون الكذب - والله أعلم.
11 -
حكم الطريق الحادية عشرة:
ضعيفة، فيها: زهير بن محمد.
قال البخاري: روى عنه أهل الشام أحاديث مناكير.
وقال مرة: أنا أتقي هذا الشيخ كان حديثه موضوع، وكان أحمد بن حنبل يضعف هذا الشيخ وذكره أبو زرعة في أسامي الضعفاء.
وقال النسائي: ليس بالقوي.
وقال العجلي - ولم ينفع زهيراً قوله -: جائز الحديث.
12 -
حكم الطريق الثانية عشرة:
هي الرابعة، إن كانت الرابعة عن إسحاق كما قدمنا، وإلا فهي أخرى، وقد قدمنا الكلام عليهما.
13 -
حكم الطريق الثالثة عشرة:
كنا قدمنا قول البيهقي: ابن لهيعة، وحنين لا يحتج بهما.
قلت: ضعفهما ليس بشديد، فيصلحان في الشواهد.
فاعرض هذه الطريق على الثامنة، يتبين لك حسنها، - وإن لم تكن متابعة تامة عند أهل الاصطلاح -.
14 -
حكم الطريق الرابعة عشرة:
ضعيفة فيها ابن لهيعة، وموسى بن وردان، الأول سيّء الحفظ، والثاني صدوق ربما أخطأ، ولم يتابع أحد ابن لهيعة على رواية موسى بن وردان.
15 -
حكم الطريق الخامسة عشرة:
صحيحة موقوفة على أبي هريرة، لكنها جاءت مرسلة أيضاً عن سعيد.
قال البيهقي: أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، أنا أبو محمد المزني، أنا علي بن محمد بن عيسى، ثنا أبو اليمان، أخبرني شعيب بن أبي حمزة عن الزهري، قال: حدثني سعيد بن المسيب أن من السنة أن يغتسل من غسل ميتاً، ويتوضأ من نزل في حفرته، حين يدفن، ولا وضوء على أحد من غير ذلك، ممن صلى عليه، ولا ممن حمل جنازته، ولا ممن مشى معها.
قال ابن التركماني عقب هذه الرواية:
وفي مصنف ابن أبي شيبة، نا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري - عن سعيد بن المسيب قال: من السنة من غسل ميتاً اغتسل.
وروى عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريح أخبرني ابن شهاب، قال: السنة أن يغتسل الذي يغسل الميت.
قال: وأكثر علماء الحديث على أن الصحابي إذا قال أُمرنا بكذا أو نُهينا عن كذا، أو من السنة كذا، فهو من قبيل المرفوع، وهو الصحيح
عندهم، وقال أبو بكر الخطيب في الكفاية ما مخلصه: إذا قال من بعد الصحابة أمرنا، فلا يمتنع أن يعني أمر الأئمة، وأمرهم إجماع يحتج به، كأمره عليه السلام. فقد ثبت أمره عليه السلام بما أجمعت الأمة عليه، فأمرهم تضمن أمره.
قال ابن التركماني: فعلى هذا قول ابن المسيب " من السنة " يحتمل أن يريد سنة الأئمة، أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى الثاني يكون من قبيل المرفوع المرسل، وعلى التقديرين، ليس هذا في المعنى قول ابن المسيب مقصوراً عليه. انتهى.
قلت: هو ليس مقصوراً على ابن المسيب باتفاق، ومرسل صحيح يقبله من يحتج بالمرسل، لكن قول الخطيب: بأن المراد أمر الأئمة، وأمرهم إجماع، فإنه غير ثابت في هذه المسألة، فإنهم لم يجمعوا كما سيأتي، ثم القول بذلك عنهم يحتاج إلى نقل، وهو غير موجود هنا.
وملخص القول في هذه الطريق أنها اضطربت بين الوقف والإرسال، والأول غير معتبر عند الجمهور، بخلاف الثاني. وأنها معلولة بهذا الاضطراب.
قلت: وأما طريق الدراقطني المرفوعة، فهى معلولة بما جاء عن سعيد في الروايتين الأخريين الوقف، والإرسال، وقد قال الدارقطني بعدها: فيه نظر.
وقال الحافظ في سند الدارقطني: ورجاله موثوقون.
قلت: قول الحافظ لا يفهم منه التصحيح وعدم الإعلال. والله أعلم.
(ملحق في أقوال أهل العلم في هذا الحديث):
فقد اختلف أهل العلم في هذا الحديث فمنهم من صحح الرفع فيه، ومنهم من صحح الوقف فقط، ومنهم من ضعف.
* ذكر من ضعف الحديث.
قال علي بن المديني وأحمد بن حنبل: لا يصح في الباب شيء - يعني مرفوعا - وهذا الحديث منها.
وقال الحاكم في تاريخه: ليس في " من غسل ميتاً فليغتسل " حديث صحيح.
وقال الذهلي: لا أعلم فيه - في هذا الباب - حديثاً ثابتاً، ولو ثبت للزمنا استعماله.
وقال ابن المنذر: ليس في الباب حديث يثبت.
واعترض النووي على تحسين الترمذي له كما سيأتي.
* ذكر من صحح الوقف فقط - دون الرفع -:
قال الإمام البيهقي: الصحيح أنه موقوف من قول أبي هريرة، - وقد تقدم قوله مراراً -.
وقال البخاري: الأشبه أنه موقوف.
وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه: لا يرفعه الثقات، إنما هو موقوف.
وقال الرافعي: لم يصحح علماء الحديث في هذا الباب شيئا مرفوعاً.
ذكر من صحح الحديث مطلقاً - أعني المرفوع والموقوف -.
قال الإمام الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن. - وقد تقدم -.
قال الإمام البغوي: هذا حديث حسن، ويروى هذا عن أبي هريرة موقوفاً.
وقال ابن حبان: صحيح، وقد قدمنا روايته في صحيحه له في الطريق الثانية.
وقال الإمام ابن حزم: صحيح، وتقدم إسناده فيه.
وقال الإمام الذهبي: هو أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء - وهذا وإن لم يكن تصريحا بالتصحيح، إلا أن القول بالاحتجاج به، يخرجه عن الضعف إلى الحسن أو الصحة -.
وقال الحافظ ابن حجر: وفي الجملة هو بكثرة طرقه، أسوأ أحواله أن يكون حسناً، فإنكار النووي على الترمذي معترض - وقال الحافظ: وقد رواه الدارقطني بسند رجاله موثوقون.
الخلاصة:
والحاصل أن هؤلاء الأئمة قد اختلفوا فيه، وأن الذي ظهر لنا فيه التصحيح، ثم هو على كل حال كما قال الذهبي:" أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء " فكان واجبهم العمل به، سيما وأن إعماله أحوط من تركه، والعمل بالأحوط مذهب يرضاه جماهير المسلمين وأئمتهم.
الوصل الثالث: بيان من ذكر من العلماء، أن الأئمة لم يفتوا بقوله:
" ومن حمله فليتوضأ ":
قد انقسم الحديث الذي قدمناه إلى شطرين ظاهرين:
الأول: من غسل ميتاً فليغتسل.
الثاني: ومن حمله فليتوضأ.
وقد تنازع العلماء في الشطر الأول تنازعاً بيناً، واختلفوا فيه اختلافاً كثيراً، فعمل به أقوام من المتقدمين والمتأخرين، وتركه أيضاً كثيرون، وتوسط بعضهم فقال بالاستحباب للغسل دون الوجوب، فتبين أن شطره الأول ليس من شرطنا في هذا الكتاب. وربما يتعسف بعض الناس فيلحقه لقلة القائلين به من الفقهاء، استحباباً لا وجوباً.
وأما شطره الثاني فهو على شرطنا، حيث لم يفت أحد من العلماء بظاهره فيما علمنا، وتتبعناه من أقوال الشراح. إلا ما حكاه ابن حزم رحمه الله من القول به.
قال الصنعاني في " سبل السلام ": وأما قوله: " ومن حمله فليتوضأ " فلا أعلم قائلاً يقول به بأن يجب الوضوء من حمل الميت أو يندب.
قال: ولكنه مع نهوض الحديث لا عذر عن العمل به، ويفسر الوضوء بغسل اليدين، كما يفيده التعليل بقوله - في حديث آخر - " إن ميتكم يموت طاهراً ". فإن لمس الطاهر لا يوجب غسل اليدين منه، فيكون في حمل الميت غسل اليدين ندباً تعبداً، إذ المراد إذا حمله مباشراً لبدنه بقرينة
السياق. ولقوله " يموت طاهراً " فإنه لا يناسب ذلك إلا من يباشر بدنه بالحمل. انتهى.
قلت: وهذا الذي قاله فيه أمور منها:
أنه لم يقل هو بظاهره. إذ الأصل حمل الألفاظ على المعاني الشرعية لا اللغوية، إلا بقرينة، والذي أتى به من التعليل على أنه قرينة تصرف اللفظ عن ظاهره تعليل باطل. لأنه مبني على أن الوضوء لا يكون واجباً على من مسَّ طاهراً، فان هذا هو مقتضى قوله بأن المسَّ للنجس لا يوجب وضوءاً، فيكون مس ما هو طاهر من باب أولى أن لا يجب فيه الوضوء.
قلت: وهذا تعليل غير مكتمل، إذا هو قياس بين الحي والميت، ثم قد ثبت في حديث أبي هريرة وغيره في الصحيحين " إن المؤمن لا ينجس " أي فهو طاهر، وليس المعنى الطهارة - التي هي عدم وجود النجاسة - باتفاق العلماء في المشرق والمغرب، سواء الذكر والأنثى فيه، فقد يكون المراد بالطهارة في ذاك الحديث من هذا الباب - إن صح الحديث -.
ثم إنا إن لم نفرق بينهما، فقد قال كثير من العلماء بوجوب الوضوء الشرعي من مس الذكر، بل ومس المرأة، ولو لم يكن بنجاسة.
وأما قول الصنعاني: إن المراد إذا حمله مباشراً لبدنه بقرينة السياق، فيه نظر لا يخفي، وإلزام بما ليس بملزم، وحصر لما هو مطلق غير مقيّد.
ثم إن الذي علّل به في آخر كلامه، يناقض الذي ذهب إليه، حيث جعل الطهارة سبباً لغسل اليدين عند المباشرة!!
والحاصل من كلامه رحمه الله أنه هو أيضاً لم يفت بظاهر هذا الحديث من غير خلاف.
ثم إني لم أعرف أحداً من العلماء قال بظاهر هذا الحديث إلا ابن حزم
كما قدمت، وأما ابن حبان فترجم بالأمر بالوضوء من حمل الميت، ولكن لم نعرف مراده بذلك، أعلى الوضوء الشرعي أو اللغوي؟ ولم نعرف أن الأمر الذي قاله أهو على الوجوب أم على الاستحباب ، والله أعلم.
الوصل الرابع: في جوابهم عند هذا الخبر:
وقد تقدم بعضها في السياقات المتقدمة:
فمنها: القول بضعفه.
ومنها: حمل الوضوء على المعنى اللغوي، دون الشرعي.
ومنها: قول من قال باستحباب ذلك، دون الوجوب كما هو ظاهر الخبر، ومقتضى اللغة باستعمال لام الأمر وفائه.
ومنها: بتقدير مقدر، وهو أن الوضوء إنما يجب على من حمل الميت، ثم أصابه منه شيء.
ومنها: أن الأمر بالوضوء، إنما هو قبل الحمل، حتى يكون متهيئاً للصلاة.
ومنها: القول بنسخ الخبر، وهم وإن لم يذكروا ناسخاً للوضوء من حمل الميت، لكنهم اعتلوا بأن النقل جاء بأنه صلى الله عليه وسلم، كان يصلي على الميت هو وأصحابه، دون أن يذكر في ذلك وضوء، ومعلوم أنه لا بد من وقوع الحمل للجنازة من أحدهم أو بعضهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمرهم بذلك.
قلت: وهو مدفوع بما جاء في ترك ذكر أشياء كثيرة، معلوم وجودها ضرورة وشرعاً، فلا يدل ذلك على عدم حصولها، من ذلك وضوؤه صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذي هو الأصل، من غير حمل للجنازة، فهو غير مذكور أيضاً، ووجوده واجب، ثم قد ذكر عن بعض الصحابة كعمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يتوضأ لذلك.
وقد ذكروا أشياء غير هذه، وفيما تقدم كفاية والله أعلم.