المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث التاسعفي زكاة الإبل - الانتهاء لمعرفة الأحاديث التي لم يفت بها الفقهاء

[عبد السلام علوش]

فهرس الكتاب

- ‌المقَدِّمَة

- ‌الباب الأول

- ‌الفصل الأول: في تعريف خبر الواحد

- ‌الفصل الثاني: في ذكر اتفاق أهل العلمعلى وجوب العمل بخبر الآحاد إلا من شذ

- ‌الفصل الثالث: في ييان أدلة القائلينبالاحتجاج بخبر الآحاد

- ‌باب فيما أورده من لم يحتج بخبر الواحد ورد هذه الدعوى

- ‌الفصل الرابع: في بيان الشروط التي ذكرها أهل العلم للعمل بخبر الواحد

- ‌الفصل الخامس: في ذكر شرطنا في ذكر الحديث

- ‌الباب الثاني

- ‌الفصل الأولفي ذكر الأحاديث التي هي على شرطنا بهذا الكتاب

- ‌الحديث الأول الذي متنه: " من غسَّل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضّأ

- ‌الحديث الثاني الذي متنه: " لا تحدّي بعد يومك هذا

- ‌الحديث الثالث في المسح على النعلين والقدمين

- ‌الحديث الرابعفي النهي عن تنقيص الوضوء عن ثلاث مرات

- ‌الحديث الخامس في التيمم إلى المناكب والآباط

- ‌الحديث السادس: في الذي يقع على جارية امرأته من حديث سلمة بن المحبِّق

- ‌الحديث السابعفي نهي الوالي عن قتل القاتل

- ‌الحديث الثامنفي أكل البرد في رمضان، ولم يصح

- ‌الحديث التاسعفي زكاة الإبل

- ‌الحديث العاشر إلى الحديث العشرين، في السحور بعد الأذان

- ‌أحاديث طلوع الشمس

- ‌ الحديث الحادي عشر حديث حذيفة بن اليمان

- ‌الحديث الحادي والعشرونفي توريث المولى الأسفل معتقه

- ‌الحديث الثاني والعشروناسترقاق ولد الزنا من الحرة

- ‌الحديث الثالث والعشرونفي المتبايعين إن اختلفا

- ‌الحديث الرابع والعشرون والخامس والعشرونفي النهي عن التمتعِ بالحج، أو النهي عن العمرة قبل الحج، والآخر في النهي عن القِران

- ‌الفصل الثاني: في ذكر الأحاديث التي لم يفت بها الفقهاء، وليست على شرط الكتاب لجهة القول بنسخها فقط

- ‌ منها أحاديث في الغسل:

- ‌وصل في بيان حصول الاختلاف علي القول بهذا الخبر بين الصحابة ثم رجوعهم عن ذلك

- ‌وصل آخر في بيان تركهم القول بهذا الخبر من جهة النسخ:

- ‌استلحاق:

- ‌أحاديث قتل شارب الخمر في الرابعة وفيه عن ستة عشر صحابياً سوى المراسيل

- ‌باب آخر فيما جاء من المراسيل في قتل شارب الخمر

- ‌باب ما جاء من الأحاديث في قتل شارب الخمر في الرابعة ونسخ ذلك

- ‌وصل في ذكر المراسيل الواردة في نسخ الخبر:

- ‌الخَاتِمَة

الفصل: ‌الحديث التاسعفي زكاة الإبل

‌الحديث التاسع

في زكاة الإبل

الوصل الأول: في ذكر الأخبار التي عليها أهل العلم والفتوى في

زكاة الإبل:

إعلم رحمك الله، وأبان لك وجه الصواب، والعمل به، أن أحاديث فرض زكاة الإبل، قد جاءت عن غير صحابي، وفي الصحيحين وغيرهما، وأن هذه الأحاديث جميعها اتفقت على أن في كل خمس من الإبل شاة - وفي العشرة من الإبل شاتان، وفي الخمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه - فإذا بلغت أربعاً وعشرين ففيها بنت مخاض، فإن لم يكن بنت مخاض، فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين، ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستاً وأربعين إلى ستين ففيها حقة، طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت ستاً وسبعين إلى تسعين ففيها ابنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة، ففي كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمسين حقة، ومن لم يكن معه إلا أربعة من الإبل، فليس فيها صدقة.

فأخرج حديث أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما استخلف كتب له - حين وجهّه إلى البحرين - هذا الكتاب، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر:" محمد " - سطر -، و " رسولاً - سطر -، و " الله " - سطر -: بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . " البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن الجارود، والبيهقي، والدارقطني، والبغوي وغيرهم.

ص: 236

وأخرج حديث ابن عمر بهذا، الأربعة إلا النسائي، والحاكم، والبيهقي، ومن قبلهم جميعاً الإمام أحمد في المسند، وغيرهم. وهو بمعنى حديث أنس.

وأخرج ابن ماجه هذا الحديث بهذا المعنى عن أبي سعيد الخدري، وهو عند غيره أيضاً.

ص: 238

فهذه الأحاديث الثلاثة هي أصح ما روي في هذا الباب، وقد اتفقت جميعها على النص الذي قدمناه في زكاة الإبل، ومضى الحكم بها عند سائر العلماء من غير اختلاف.

لكن قد جاءت روايتان قد خالفتا نص الحديث السابق، ولم تعتبرا، إلا واحدة عند الحنفية.

* الحديث الأول الذي فيه الرواية الأولى هو حديث عمرو بن حزم.

أخرجه ابن حبان في صحيحه فقال: أخبرنا الحسن بن سفيان، وأبو يعلى، وحامد بن محمد بن شعيب في آخرين قالوا: حدثنا الحكم بن موسى، حدثنا يحيى بن حمزة، عن سليمان بن داود، حدثني الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جدّه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن. . . . فذكر الحديث مطولاً جداً.

وأخرجه الحاكم بمثل ما عند ابن حبان قال: أخبرنا أبو نصر أحمد بن سهل، ثنا صالح بن عبد الله بن محمد الحافظ، ثنا الحكم بن موسى.

وحدثنا أبو زكرياء يحيى بن محمد العنبري، ثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد العبدي، ثنا أبو صالح الحكم بن موسى. . . وساق الخبر.

وكذا هو عند البيهقي قال: حدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي، ثنا محمد بن

ص: 239

المؤمل، ثنا الفضل بن محمد. وحدثنا أبو عبد الرحمن وأبو نصر عمر بن عبد العزيز بن قتادة، قالا: أنبأنا أبو عمر ومحمد بن جعفر بن محمد بن مطر ثنا أبو عبد الله أحمد بن الحسين الصوفي. قالا: يعني الفضل وأحمد -: ثنا الحكم بن موسى. . .

فذكر الحديث بتمامه.

قلت - أنا أبو عبد الله -: وهذه الطريق التي سقتها في خبر عمرو بن حزم هي أصح طرق هذا الخبر المطول، ليس في الدنيا أصح منها في خبر عمرو بن حزم هذا في الصدقات والديات بهذا الطول. على خلاف في ثبوتها لما سيأتي.

وسائر روايات هذا الخبر الباقية، إما مختصرة المتن، وإما لا يخلو إسنادها من ضعف أو إعضال أو إرسال.

وقد أخرج هذه الروايات جماعات من المحدثين لا يحصون منهم مالك في الموطأ، وابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، وأحمد، والدارمي، والنسائي، وأبو داود في المراسيل، والدارقطني، والبيهقي، وابن خزيمة والبغوي، وغيرهم.

وقد اختلف أهل العلم اختلافاً كبيراً في صحة هذا الخبر: فصححه من قدمنا ذكرهم: ابن حبان والحاكم والبيهقي، وصححه الإمام أحمد، أو جنح لصحته، كما في سننن البيهقي حيث قال:

ص: 240

أخبرنا أبو سعيد الماليني، أنبأنا أبو أحمد بن عدي الحافظ، قال سمعت عبد الله بن محمد بن عبد العزيز يقول سمعت أحمد بن حنبل، وسئل عن حديث الصدقات هذا الذي يرويه يحيى بن حمزة: أصحيح هو؟ فقال: أرجو أن يكون صحيحاً.

قال ابن عدي: وسمعت عبد الله بن محمد بن عبد العزيز يقول: وقد حدثنا الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود عن الزهري بحديث الصدقات فقال: أخرج أحمد بن حنبل هذا الحديث في مسنده عن الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة.

قال ابن عدي: وقد روى عن سليمان بن داود يحيى بن حمزة وصدقة بن عبد الله من الشاميين، وأما حديث الصدقات فله أصل في بعض ما رواه معمر عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فأفسد إسناده.

قال: وحديث سليمان بن داود مجوّد الإسناد، وقد أثنى على سليمان بن داود الخولاني هذا: أبو زرعة الرازي، وأبو حاتم الرازي، وعثمان بن سعيد الدارمي وجماعة من الحفاظ، ورأوا هذا الحديث الذي رواه في الصدقة موصول الإسناد حسناً. انتهى.

قلت أنا أبو عبد الله: فهذا فيه أيضاً ذكر قبول ابن عدي وأبي حاتم وأبي زرعة والدارمي لهذا الخبر، لكن ابن التركماني في " الجوهر النقي " ما زال يحشد اتهاماته على صحة هذه الأخبار الواردة في سنن البيهقي كحديث أنس وابن عمر وأبي سعيد، وهذا الذي نحقق القول فيه، وذلك لتصحيح مذهبه، مذهب أكثر الحنفية، والقول بصحة الذهاب لحديث إسحاق بن راهويه في هذا الخبر، ولو لم يصرح هو بذلك، وما هذا بنافعه كما سيأتي، فإنه قال:

ص: 241

في " الكمال " للحافظ عبد الغني: قال الدارقطني: قد روي عنه - يعني سليمان بن داود - حديث عن الزهري عن أبي بكر بن حزم الحديث الطويل، ولا يثبت عنه.

وقال ابن المديني: منكر الحديث، وضعفه.

وقال ابن خزيمة: لا يحتج بحديثه إذا انفرد.

وروى النسائي هذا الحديث من حديث يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود عن الزهري ثم رواه من حديث يحيى عن سليمان بن أرقم عن الزهري، ثم قال: هذا أشبه بالصواب. وسليمان بن أرقم متروك الحديث.

وذكر المزي في أطرافه هذا الحديث ثم قال: رواه أبو داود في المراسيل عن هارون بن محمد عن أبيه وعمه كلاهما عن يَحيَى بن حمزة عن سليمان بن أرقم عن الزهري، ثم قال: وعن ابن هبيرة قرأت في أصل يحيى بن حمزة حدثني سليمان بن أرقم بإسناده نحوه. وعن الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة، عن سليمان بن داود عن الزهري نحوه.

قال أبو داود: وهذا وهم من الحكم - يعني قوله ابن داود.

وفي الميزان للذهبي: " قال أبو زرعة الدمشقي: الصواب سليمان بن أرقم.

وقال أبو الحسن الهروي: الحديث في أصل يحيى بن حمزة عن سليمان بن أرقم غلط عليه الحكم. وقال ابن مندة: رأيت في كتاب يحيى بن حمزة بخطه: عن سليمان بن أرقم عن الزهري، وهو الصواب.

وقال صالح جزرة: ثنا دحيم قال: نظرت في أصل كتاب يَحيَى،

ص: 242

حديث عمرو بن حزم في الصدقات فإذا هو عن سليمان بن أرقم، قال صالح: فكتب هذا الكلام عني مسلم بن الحجاج.

قال الذهبي: ترجح أن الحكم وهم فيه ولا بد، فالحديث إذاً ضعيف ".

وقال ابن معين: سليمان الخولاني لا يعرف، والحديث لا يصح، وقال مرة: ليس بشيء.

ومرة: شامي ضعيف.

وقال ابن حنبل: ليس بشيء.

وفي التمهيد لابن عبد البر: قال أحمد بن زهير سمعت ابن معين يقول: سليمان بن داود الذي يروي عن الزهري حديث الصدقات والديات: مجهول لا يعرف.

وقال الطحاوي: سمعت ابن أبي داود يقول: سليمان بن داود، وسليمان بن أبي داود الحراني ضعيفان جميعاً.

انتهى ما أورده ابن التركماني رحمه الله.

قلت أنا أبو عبد الله: قد انحصرت أقوال من تقدمت اعتراضاتهم في أمرين:

الأول: ضعف سليمان بن داود.

الثاني: وهم الحكم حيث أبدل سليمان بن أرقم بسليمان بن داود.

ص: 243

أما الاعتراض الأول فغير مكتمل، لأنه قد ثبتت عدالته عند غير واحد من الأئمة فأما قول الإمام أحمد:" ليس بشيء " على ما قال ابن التركماني - إن صح - فقد قابله ما نقله البغوي عنه، وقدمناه، من قوله:" أرجو أن يكون الحديث صحيحاً " مع تصريحهم بالسند الذي فيه يحيى عن سليمان.

وأما قول الدارقطني: فيه إقرار بثقة سليمان وتشكيك بصحة الخبر عنه، هذا ظاهر الذي نقله ابن التركماني عنه، حيث لم يغمز من قدر سليمان وإنَّما شكلك في صحة الخبر عنه حسب.

وقد جاء عن الدارقطني أنه قال مرة: ضعيف، وقال مرة: لا بأس به، وقال في ترجمة سليمان بن أرقم: وقيل: هو سليمان بن داود في حديث الصدقات.

فالدارقطني مرة يثبت أن الحديث غير ثابت، ومرة يشك في كون ابن أرقم هو ابن داود في حديث الصدقات فيقول: وقيل.

ومرة يوثق سليمان، ومرة يضعفه.

وأما قول ابن معين، فمرة يقول مجهول لا يعرف، ومرة يقول: ليس بشيء، ومرة يقول شامي ضعيف، فالظاهر من كلامه أنه عنده مجهول الحال، فأطلق الضعف عليه، ومثل هذا غير قادح إذا عرفه غيره، وقد حصل.

ثم إن في كلام ابن معين ما يشعر أنه موافق لصحة هذا الخبر عنه،

ص: 244

حيث قال: يروي عن الزهري حديث الصدقات، ولم يتعقب ذلك، فكأنه أقره.

وأما في مقابل قول من ضعفه، فقد وثقه من هم أكثر منهم عدداً.

فقال أبو حاتم: لا بأس به.

وقال ابن حبان: ثقة مأمون.

ووثقه الحاكم، والبيهقي، وابن عدي، والدارمي، وابن حجر وغيرهم، فهو مختلف فيه كما قدمنا، ولذلك قال الذهبي: مختلف فيه، ولم يزد.

وأما الجواب عن العلة الثانية فهو ما حكاه عبد الرحمن أبو محمد في علل الحديث حيث قال: " سألت أبي عن حديث رواه يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جدّه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بصدقات الغنم. . . قلت له: من سليمان هذا؟

قال أبي: من الناس من يقول سليمان بن أرقم. قال: وقد كان قدم يحيى بن حمزة العراق، فيرون أن الأرقم لقب، وأن الاسم داود.

قال: ومنهم من يقول سليمان بن داود الدمشقي شيخ ليحيى بن

حمزة، لا بأس به.

ص: 245

قال: فلا أدري أيهما هو، وما أظن أنه هذا الدمشقي، ويقال: إنهم أصابوا هذا الحديث بالعراق من حديث سليمان بن أرقم، انتهى.

قلت أنا أبو عبد الله: فإن ثبتت هذه النكة العجيبة في أن الأرقم هو لقب له، ما ضره ما تقدم من ثبوت لفظة الأرقم في أصل يحيى الذي ما زال يحكيه أهل العلم، ونسأل الله أن يكون هذا الحديث حسناً، وإلا فقد اكتفينا بما ثبت في ذلك بالأحاديث الأخرى المتقدمة.

وإلى هذا الموضع فجميع ما قدمنا من الأحاديث متنها واحد، على النحو الذي سقناه في أول الأخبار، من غير اختلاف.

ص: 246

الوصل الثاني: في ذكر الرواية المخالفة الضعيفة التي أفتى بها الحنفية والثوري والنخعي خلافاً للجمهور:

وقد وقع الخلاف الأول في المتن بتحديد صدقة الإبل، فيما أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده، وعمل بما فيه - أكثر - الحنفية، ولولا ذلك لحشرناه في زمرة الأحاديث التي لم يفت بها الفقهاء.

فأخرج الشيخ الإمام إسحاق بن راهويه في " مسنده " وأبو داود في " مراسيله "، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " وابن حزم في " المحلى " جميعهم من طريق: حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن محمد بن عمرو بن حزم.

ولكن اختلفت عباراتهم:

فعند إسحاق: قال حماد: هذا كتاب كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في فرائض الإبل والغنم: " وفي الغنم. . . " الحديث.

وفيه: وفي الإبل في خمس وعشرين بنت مخاض، فإن لم توجد فابن لبون، فإذا بلغت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون، فإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة، حتى تبلغ ستين، ثم فيها جذعة، حتى تبلغ خمساً وسبعين، فإن فيها بنتي لبون حتى تبلغ تسعين، فإذا زادت ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإذا زادت فعد إلى أول الفريضة في الإبل؛ في كل خمس من الإبل شاة، حتى تبلغ عشرين ومائة، فإذا كثرت ففي كل خمسين حقة.

قال حماد: أخبرنا بذلك قيس بن سعد، عن أبي بكر بن عمرو بن حزم.

ص: 247

وأما عند أبي داود: قال حماد: قلت لقيس بن سعد: خذ لي كتاب محمد بن عمرو بن حزم، فأعطاني كتاباً، أخبر أنه أخذه من أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم:" أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لجدّه، فقرأته، فكان فيه ما يخرج من فرائض الإبل، فقص الحديث إلى أن يبلغ عشرين ومائة، فإذا كانت أكثر من ذلك، فعد في كل خمسين حقة، وما فضل فإنه يعاد إلى أول فريضة الإبل. . . . ".

قلت - أنا أبو عبد الله -: فقد اختلفا اختلافاً بيناً في فرائض الإبل بعد المائة والعشرين. هذا في المتن.

وأما في السند، فإنه ألغى الإخبار الذي في مسند إسحاق، وبين أن المأخوذ هو كتاب، عن طريق المناولة.

وأما عند ابن حزم: عن حماد أنه أخذ من قيس بن سعد كتاباً عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لجدّه عمرو بن حزم ذكر ما يخرج من فرائض الإبل: فذكره. . . بمثل رواية أبي داود.

وعند الطحاوي نحو ما تقدم.

وله شاهد:

فأخرج عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لهم كتاباً فيه: ". . . فإذا كانت أكثر من ذلك - عشرين ومائة - فاعدد في كل خمسين حقة، وما كان أقل من خمسة وعشرين ففي كل خمس شاة.

ص: 248

قلت: وهذا اللفظ موافق لما عند إسحاق.

وهذه الأحاديث لا يصح منها شيء البتَّة، ولو أعلت بالشذوذ قبل النظر لإسنادها لصح ذلك، لكنها غير صحيحة من جهة الإسناد أيضاً.

أما حديث عبد الرزاق فمعضل سقط منه أبو عبد الله، وأبوه، وهو كما قال ابن عدي وقدمنا كلامه:" قد أفسد معمر إسنادهاً فتارة يرويه هكذا معضلاً، وتارة عن الزهري عن أبي بكر ".

وأما رواية حماد المذكورة، فقد ردّها غير واحد من العلماء وبينوا علتها، وأكثر من ذكر في الرد عليها الزيلعي فإنه قال في " نصب الراية ":" قال ابن الجوزي رحمه الله في " التحقيق ": هذا حديث مرسل، قال هبة الله الطبري: هذا الكتاب صحيفة ليس بسماع، ولا يعرف أهل المدينة كلهم عن كتاب عمرو بن حزم إلا مثل روايتنا التي رواها الزهري وابن المبارك وأبو أويس، كلهم عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جدّه، مثل قولنا، ثم لو تعارضت الروايتان عن عمرو بن حزم بقيت روايتنا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهي في الصحيح، وبها عمل الخلفاء الأربعة.

وقال البيهقي: هذا حديث منقطع بين ابي بكربن حزم وبين النبي صلى الله عليه وسلم، وقيس بن سعد أخذه عن كتاب لا عن سماع، وكذلك حماد أخذه عن كتاب لا عن سماع، وقيس بن سعد وحماد بن سلمة، وإن كانا من الثقات، فروايتهما هذه تخالف رواية الحفاظ عن كتاب عمرو بن حزم

ص: 249

وغيره، وحماد بن سلمة ساء حفظه في آخر عمره، فالحفاظ لا يحتجون بما يخالف فيه، ويتجنبون ما ينفرد به وخاصة عن قيس بن سعد وأمثاله، وهذا الحديث قد جمع الأمرين مع ما فيه من الانقطاع، والله أعلم.

قال البيهقي في المعرفة: الحفاظ مثل يحيى القطان وغيره، يضعفون رواية حماد عن قيس بن سعد. ثم أسند عن أحمد بن حنبل قال: ضاع كتاب حماد بن سلمة عن قيس بن سعد، فكان يحدثهم من حفظه، ثم أسند عن ابن المديني نحو ذلك.

قال البيهقي: ويدل على خطأ هذه الرواية أن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم رواه عن أبيه عن جدِّه بخلافه.

وأبو الرجال محمد بن عبد الرحمن الأنصاري رواه بخلافه.

والزهري مع فضل حفظه رواه بخلافه في رواية سليمان بن داود الخولاني عنه موصولاً، وفي رواية غيره مرسلاً.

قال البيهقي: وإذا كان حديث حماد عن قيس مرسلاً ومنقطعاً، وقد خالفه عدد، ومنهم ولد الرجل.

والكتاب بالمدينة بأيديهم يتوارثونه بينهم. وأمر به عمر بن عبد العزيز فنسخ له فوجد مخالفاً لما رواه حماد عن قيس، موافقاً لما في كتاب أبي بكر وما في كتاب عمر.

ص: 250

وكتاب أبي بكر في الصحيح.

وكتاب عمر أسنده عنه سفيان بن حسين، وسليمان بن كثير عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكتبه عمر عن رأيه، إذ لا مدخل للرأي فيه، وعمل به عمر وأمر به عمّاله، فعملوا به، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم متوافرون، وأقرأه ابنه عبد الله بن عمر، وأقرأه عبدُ الله ابنه سالماً، ومولاه نافعاً، وكان عندهم حتى قرأه مالك بن أنس.

أفما يدلك ذلك كله على خطأ هذه الرواية. انتهى كلام البيهقي، وبه ينتهي ما جاء في " نصب الراية ".

ص: 251

الوصل الثالث: في ذكر الحديث المخالف، الذي ليس العمل عليه عند سائر الفقهاء:

وهو ما أخرجه أبو داود في سننه قال: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، أخبرنا زهير، أخبرنا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة، وعن الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه، قال زهير: أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:. . . . فذكر الحديث.

وفيه: ". . . وفي خمسة وعشرين - من الإبل - خمسة من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض. . . ".

وأخرجه البيهقي من غير طريق عن سفيان الثوري، وعن شعبة وزهير بن معاوية وغيرهم عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة أن عليا رضي الله عنه قال:". . . وفي خمس وعشرين من الإبل خمس شياه. . . ".

رووه هكذا موقوفاً، ثم ساق البيهقي الرواية الموصولة من طريق أبي داود.

وأخرجه أبو عبيد في الأموال كذلك بهذا موقوفاً من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق.

وأخرجه عبد الرزاق في المصنف موقوفاً عن معمر عن أبي إسحاق.

ص: 252

قلت أنا أبو عبد الله: حديث أبي داود له عنده إسناد آخر مبهم غير مفسر قال فيه أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري أنبأنا ابن وهب أخبرني جرير بن حازم - وسمى آخر - عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم ببعض أول هذا الحديث قال: فإذا كانت لك مائتا درهم. . . الحديث.

وللحديث طريق موقوف أيضاً عن أبي الأحوص، رواها ابن أبي شيبة وذكرها من روايته ابن حزم في المحلى.

ثم قال ابن حزم: وقد أسند زهير بن معاوية من طريق الحارث عن علي رضي الله عنه، والحارث كذاب، ولا حجة فى قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، انتهى كلام ابن حزم.

قلت أنا أبو عبد الله: قد فتح ابن حزم طرق تضعيف هذا الحديث بأمرين - أصلهما واحد -.

الأول: إعلاله بالوقف.

الثاني: إعلاله بأن الرافع للخبر هو الحارث الأعور وهو كذاب، فكأنه لم يثبت الرفع.

والذي حمله على هذا أن سائر رجال أبي داود الذين وصلوا الخبر، هم أئمة أو ثقات، بل إنه جاء في ترجمة عبد الله بن محمد النفيلي:

قال أبو الفضل يعقوب بن إسحاق: سمعت أحمد بن سلمة يحكي عن مسلم بن وارة قال: أحمد بن حنبل ببغداد والنفيلي بحرّان. . . أركان الدين.

وقال أحمد بن حنبل: أهل أن يقتدى به.

ص: 253

وقال ابن نمير: هو رابع أربعة ابن مهدي ووكيع والفضل بن دكين.

وقد جاء عن أحمد بن حنبل أنه ثبت جداً في زهير.

وأما زهير فقال فيه ابن عيينة: ما بالكوفة مثله.

وقال أحمد: من معادن الصدق.

وقال ابن معين: ثقة.

وغلا شعيب بن حرب فقال: كان زهير أحفظ من عشرين مثل شعبة!! ثم الناس متفقون على توثيقه.

فلذلك لم يعلّه ابن حزم بغير هذا.

ثم رأيت ابن القيم في شرح أبي داود يقول: قال ابن حزم: حديث علي هذا، رواه ابن وهب عن جرير بن حازم، عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور، قرن فيه أبو إسحاق بين عاصم والحارث، والحارث كذاب، وكثير من الشيوخ يجوز عليه مثل هذا، وهو أن الحارث أسنده، وعاصم لم يسنده، فجمعهما جرير، وأدخل حديث أحدهما في الآخر، وقد رواه شعبة وسفيان ومعمر عن أبي إسحاق عن عاصم موقوفا عليه، وكذلك كل ثقة رواه عن عاصم إنما وقفه على عليّ، فلو أن جريرا أسنده عن عاصم أخذنا به.

هذه حكاية عبد الحق الإشبيلي عن ابن حزم، وقد رجع عن هذا في كتابه المحلّى فقال في آخر المسألة:

ص: 254

ثم استدركنا فرأينا أن حديث جرير بن حازم مسند صحيح لا يجوز خلافه. وأن الإعتلال فيه بأن أبا إسحاق أو جريراً خلط إسناد الحديث بإرسال عاصم هو الظن الباطل الذي لا يجوز، وما علينا في مشاركة الحارث لعاصم، ولا لإرسال من أرسله، ولا لشك زهير فيه، وجرير ثقة، فالأخذ بما أسند لازم،. انتهى كلام ابن حزم وبه ينتهي كلام ابن القيم.

ثم رجعت إلى إمام الدنيا في العلل فوجدته يعلّ هذا الخبر، ويقطع أنه موقوف.

قال الإمام الدارقطني رحمه الله: يروي حديث الصدقات أبو إسحاق، واختلف عنه.

فرفعه أبو أحمد الزبيري عن أبي إسحاق - يعني عن عاصم بن ضمرة - عن علي، شك في رفعه، ووقفه غيره عن الثوري.

ورواه عبد المجيد عن معمر عن أبي إسحاق مرفوعاً.

وشك زهير في رفعه، كذلك قال الحسن بن موسى الأشيب عن زهير.

قلت: وكذا قال أبو داود أو النفيلي - كما قدمنا -.

قال الدارقطني: ورواه أبو بدر شجاع بن الوليد عن زهير عن أبي

إسحاق عن عاصم والحارث عن علي، فرفع بغير شك، إلا أنه لم يذكر في

ص: 255

حديثه إلا زكاة البقر فقط ورفعه الحسن بن عمارة عن أبي إسحاق عنهما عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ورفعه سلمة بن صالح، وأيوب بن جابر عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي.

ووقفه شعبة، وأشعث بن سوار، وعلي بن صالح، وأبو بكر بن عياش وغيرهم عن أبي إسحاق، والصواب أنه موقوف عن علي.

انتهى كلام الدارقطني.

قلت أنا أبو عبد الله: فوجب عندي رد الحديث المرفوع من تسعة أوجه: إما لقلة الرفاعين عن عدد الواقفين.

وإما لضعف الرفّاعين له كالحسن بن عمارة وسلمة بن صالح وأيوب بن جابر،

وإما للاختلاف على الرافع كما يذكر عن الثوري ومعمر، وإما للشك كما يذكر عن زهير، وإما عدم وجود المتن الشاهد لفرائض الإبل، كما في رواية جرير،

ص: 256

وإما لوجود الحارث الأعور مع عاصم، فلم ندر من الرافع منهما للخبر، وإما لكون زهير حدث عن بي إسحاق بعد الاختلاط، وهذه العلة السابعة هي قاصمة الظهر، فقد ذكر الرازي في الجرح والتعديل عن صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه قال: زهير فيما روى المشايخ ثبت، وفي حديثه عن أبي إسحاق لين سمع منه بأخرة.

وقال أبو زرعة: ثقة إلا أنه سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط وقال أبو حاتم: زهير أحب إلينا من إسرائيل في كل شيء إلا في حديث أبي إسحاق.

وأما الثامن فيما ذكره الحافظ في التلخيص قال: ونبه ابن الموّاق على عفة خفية فيه، وهي أن جرير بن حازم والحارث بن نبهان عن الحسن بن عمارة عن أبي إسحاق فذكره.

قال ابن المواق: والحمل فيه على سليمان شيخ أبي داود فإنه وهم في إسقاط رجل.

- قلت أنا أبو عبد الله -: ومما يؤكد هذا عدم ذكر الحديث عند الدارقطني من طريق الحارث بن نبهان عن أبي إسحاق، مع سعة إطلاعه، وإنما اكتفى بذكر الحسن بن عمارة الراوي المتروك، عن أبي إسحاق، فصح هذا الذي ذكر ابن المواق، والله أعلم.

فإذا أضفت لهذه الوجوه الثمانية، المخالفة، علمت أن الخبر لا يثبت رفعه.

ص: 257

الوصل الرابع: في ذكر من ثقل الإجماع علي خلاف هذا الخبر، وترك العمل به:

قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال، بعد ذكر حديث علي موقوفاً: وهذا قول ليس عليه أحد من أهل الحجاز، ولا أهل العراق، ولا غيرهم نعلمه.

وقال الإمام البيهقي: وقد أجمعوا على ترك القول به.

قلت: وقد بينا من قبل اختلاف الناس على غير هذا القول.

ص: 258