الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني والعشرون
استرقاق ولد الزنا من الحرة
وله طرق:
الأولى: أخرجها عبد الرزاق في مصنفه قال:
أخبرنا إبراهيم بن محمد - أبو إسحاق الأسلمي - عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار يقال له بصرة قال: تزوجت امرأة بكراً، فدخلت عليها فإذا هي حبلى.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لها الصداق بما استحل من فرجها، والولد عبدٌ لك، فإذا ولدت فاجلدها ".
وتابع عبد الرزاق عليه إسحاق بن إدريس عند الدارقطني: حدثنا إسحاق بن محمد بن الفضل الزيات، نا محمد بن سنان، نا إسحاق بن إدريس، نا أبو إسحاق الأسلمي، عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب، عن نضرة بن أبي نضرة الغفاري أنه تزوج امرأة بكراً في سترها فوجدهاً حاملاً، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وأعطاها الصداق بما استحل من فرجها، وقال إذا وضعت فأقيموا عليها الحد.
فخالف إسحاقُ عبد الرزاق في اسم الصحابي، وذكر التفريق، ولم يذكره عبد الرزاق، وأبهم الحد وفسره عبد الرزاق، ولم يذكر استرقاق الولد، فهذه أربعة أمور.
لكن إسحاق المذكور هو أبو يعقوب البصري، متروك، تركه ابن المديني.
وقال أبو زرعة: واهٍ
وقال البخاري: تركه الناس.
وقال الدارقطني: منكر الحديث.
ثم فيه محمد بن سنان الأموي، كذبه أبو داود وابن خراش.
وقال الدارقطني: لا بأس به.
فطرحنا هذه المتابعة ومخالفاتها.
وتابعه بسطام بن جعفر عند البيهقي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن داود الرزاز ببغداد، ثنا جعفر بن محمد بن نصير، ثنا إبراهيم بن علي العمري الموصلي، ثنا بسطام بن جعفر بن المختار، ثنا إبراهيم بن محمد المديني، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن المسيب عن بصرة بن أبي بصرة الغفاري أنه تزوج امرأة بكراً، فدخل بها فوجدها حبلى، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما ثم قال:" إذا وضعت فاجلدوها الحد " وجعل لها صداقها بما استحل من فرجها.
فوافق بسطام إسحاق بن إدريس فيما خالف فيه عبد الرزاق غير اسم الصحابي، فإنه ذكره على الوجه الذي ذكره عبد الرزاق.
ولكن إسناد البيهقي هذا فيه مجاهيل.
بسطام بن جعفر لم أقف عليه، وإبراهيم بن علي المعمري، أو العمري
الموصلي، لم أجده، بل كل من اسمه إبراهيم بن علي ممن وقفت عليهم ضعفاء.
وكذا جعفر بن محمد بن نصير، لم أعرفه، فهذا إسناد ساقط، لا عبرة له، وبقيت لنا رواية عبد الرزاق من الطريق الأولى لا منازع لها.
الطريق الثانية:
وهي التي عن ابن جريج عن صفوان عن سعيد بن المسيب عن الرجل الأنصار ".
أخرجها الطبراني قال: حدثنا محمد بن يزداد الثوري البصري، ثنا محمود بن غيلان، ثنا عبد الرزاق، ثنا ابن جريج عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن بصرة قال: تزوجت امرأة بكراً في خدرها، فوجدتها حبلى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أما الولد فعبدٌ لك، فإذا ولدت فاجلدوها مائة، ولها المهر بما استحل من فرجها ".
وأخرجها الدارقطني قال: حدثنا أبو إسماعيل بن يونس بن ياسين، نا إسحاق بن أبي إسرائيل، نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن صفوان به.
وأخرجها أبو داود قال: حدثنا مخلد بن خالد، والحسن بن علي، ومحمد بن أبي السري، المعنى، قالوا: أخبرنا عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج عن صفوان بن سليم به.
وأخرجها البيهقي من طريق ابن أبي السري به. ومن طريق إسحاق بن أبي إسرائيل كذلك.
الطريق الثالثة المرسلة عن سعيد بن المسيب.
أخرجها أبو داود قال: حدثنا محمد بن المثنى، أخبرنا عثمان بن عمر، أخبرنا علي بن المبارك، عن يحيى، عن يزيد بن نعيم، عن سعيد بن المسيب، أن رجلا يقال له بصرة بن أكتم نكح امرأة، فذكره بمعناه - كذا قال أبو داود، يعني مثل اللفظ الأول لعبد الرزاق - وزاد:" وفرق بينهما ".
قال أبو داود: وحديث ابن جريج: أتم.
وأخرجها البيهقي من طريق أحمد بن نجدة عن سعيد بن منصور، ثنا عبد الله بن المبارك، ثنا علي بن المبارك عن يحيى فذكره.
قال أبو داود: روى هذا الحديث قتادة عن سعيد بن يزيد عن ابن المسيب.
ورواه يحيى بن أبي كثير عن يزيد بن نعيم عن سعيد بن المسيب.
ورواه عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب.
أرسلوه كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث يحيى بن أبي كثير: أن بصرة بن أكثم نكح امرأة، وكلهم
قال في حديثه: " جعل الولد عبداً ". انتهى.
وصل في الكلام على الحديث، والحكم على طرقه:
1 -
بيان ضعف الطريق الأولى من أجل إبراهيم بن محمد الأسلمي، أبي إسحاق المدني.
قال البخاري فيه: كان يرى القدر، وكلام جهم، تركه ابن المبارك والناس.
وقال العجلي: رافضي جهمي لا يكتب حديثه.
وقال النسائي: متروك الحديث.
وقال الدارقطني: ضعيف.
وقال مرة: متروك.
وقال ابن عدي: أحاديثه موضوعة.
وقال الذهبي: ساقط متهم.
وضعفه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو حاتم وأبو زرعة، وتركوا حديثه.
2 -
بيان ضعف الطريق الثانية، وأنها ترجع للأولى.
فقد عنعن ابن جريج في سائر روايات هذه الطريق، وهو مع إمامته مدلّس كبير.
وقد سئل عنه الدارقطني سؤالاً، فأجاب عنه كأنما يعني هذا الخبر بعينه، حيث قال: يتجنب تدليسه، فإنه وحش التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح، مثل إبراهيم بن أبي يحيى - هو الذي في طريقنا الأولى - وموسى بن عبيدة وغيرهما.
وقد سئل أبو حاتم عن حديثنا هذا، فأجاب بمقتضى كلام الدارقطني - وكأن الدارقطني أخذ عبارته من مفهوم كلام أبي حاتم وغيره -
قال عبد الرحمن في العلل: سئل أبي عن حديث رواه سعيد بن المسيب عن نضرة بن أكثم أنه تزوج بكراً، فإذا هي حبلى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لها الصداق بما استحللت من فرجها، والولد عبد لك، فإذا ولدت فارجمها " وقال بعضهم: وفرق بينهما.
ما وجه هذا الحديث عندك؟
فأجاب أبي فقال: هذا حديث مرسل ليس بمتصل، ورواه يحيى بن أبي كثير عن يزيد بن نعيم، عن سعيد بن المسيب، لا يجاوزه، مرفوع.
وما رواه ابن جريج عن صفوان بن سليم عن ابن المسيب عن نضرة بن أكثم ليس هو حديث صفوان بن سليم، ويحتمل أن يكون من حديث ابن جريج
عن إبراهيم بن أبي يحيى - يعني: ابن محمد الأسلمي - عن صفوان بن سليم، لأن ابن جريج يدلس عن ابن أبي يحيى عن صفوان بن سليم غير شيء، ولا يحتمل أن يكون منه. انتهى.
ولذلك قطع البيهقي بما احتمله أبو حاتم، ونبه عليه شيخ شيخه الدارقطني، فقال في السنن بعد إخراجه لهذا الحديث: هذا الحديث إنما أخذه ابن جريج عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سليم.
ثم أسند هذا الذي قطع به هو لعبد الرزاق قال - بعد ذكر إسناده -
قال عبد الرزاق: وحديث ابن جريج عن صفوان، هو ابن جريج عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان. انتهى كلام عبد الرزاق، وبه ينتهي كلام البيهقي.
قلت أنا أبو عبد الله: وقد ظفرت بما يقطع الشك في ضعف هذا الخبر، إذ الاحتمال لا يقوم مقام الدليل مهما بلغ، حتى وقفت على صحة هذه الدعوى، وجاءك عبد الرزاق بالخبر اليقين فيما ذكر، وتابعه عليه أبو حاتم، والدارقطني والبيهقي وغيرهم فأخرج في مصنفه قال: عن ابن جريج قال: حُدِّثت عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب. . . . وذكر الخبر.
فقامت الأساطين تحمل صدق البراهين، وقُطع الشك باليقين.
وحكمنا بالرجوع من هذه الطريق للأولى الضعيفة.
3 -
الطريق الثالثة المرسلة.
وإن شئت قلت الطرق المرسلة، وهي صحيحة رجالها ثقات، يحتج بها من يحتج بالمرسل، ووافق شروطه فيه.
وصل آخر في كلام ابن القيم على هذا الحديث:
قال رحمه الله:
هذا الحديث قد اضطرب في سنده وحكمه، واسم الصحابي راويه.
أما في اسم الصحابي فقيل: بصرة بالباء الموحدة، والصاد المهملة.
وقيل: نضرة، بالنون المفتوحة، والضاد المعجمة.
وقيل: نضلة، بالنون والضاد المعجمة واللام.
وقيل: بسرة، بالباء الموحدة، والسين المهملة.
وقيل: نضرة بن أكثم الخزاعي.
وقيل: الأنصاري.
وذكره بعضهم: بصرة بن أبي بصرة الغفاري، ووهم قائله.
وقيل: بصرة هذا مجهول.
وله علّة عجيبة - وذكر العلة التي ذكرناها عن عبد الرزاق وأبي حاتم وغيرهما -
وله علة أخرى: وهي أن المعروف أنه يروى مرسلاً عن سعيد، ذكر عبد الحق هذين التعليلين، ثم قال: والإرسال هو الصحيح. انتهى كلام ابن القيم.
قلت: وفي بعض ما قاله نظر.
وصل ثالث في الكلام على ما يستفاد من الحديث، وأن قول أهل العلم بخلاف استرقاق المولود من الحرة ولو كانت زانية به والجواب عنه:
قال ابن القيم: قد اشتمل هذا الحديث على أربعة أحكام:
أحدها: وجوب الصداق عليه بما استحل من فرجها، وهو ظاهر لأن الوطء فيه غايته أن يكون وطء شبهة، إن لم يصح النكاح.
الثاني: بطلان نكاح الحامل من الزنا، وقد اختلف في نكاح الزانية، فمذهب أحمد بن حنبل أنه لا يجوز تزوجها حتى تتوب، وتنقضي عدتها، ومذهب الثلاثة أنه يجوز أن يتزوجها قبل توبتها، والزنا لا يمنع عندهم صحة العقد. . .
الثالث: وجوب الحد بالحبل، وهذا مذهب مالك، وأحمد في إحدى الروايتين عنه. . .
الرابع: إرقاق ولد الزنا، وهو موضع الإشكال في الحديث، وبعض الرواة لم يذكره في حديثه، كذلك رواه سعيد وغيره، وإنما قالوا: ففرق بينهما، وجعل لها الصداق، وجلدها مائة.
وعلى هذا فلا إشكال في الحديث.
وإن ثبتت هذه اللفظة فقد قيل: إن هذا لعله كان في أول الإسلام حين كان الرق يثبت على الحر المدين، ثم نسخ.
وقيل: إن هذا مجاز، والمراد به استخدامه. انتهى.
بيان من ذكر من أهل العلم أن الإجماع على خلاف هذا الخبر وجوابهم عنه
قال الخطابي في معالم السنن: هذا الحديث، لا أعلم أحداً من الفقهاء قال به، وهو مرسل، ولا أعلم أحداً من العلماء اختلف في أن ولد الزنا حر، إذا كان من حرة، فكيف يستعبده؟.
قال: ويشبه أن يكون معناه - إن ثبت الخبر - أنه أوصاه به خيراً، وأمره باصطناعه وتربيته واقتنائه، لينتفع بخدمته إذا بلغ، فيكون كالعبد له في الطاعة مكافأة له على إحسانه وجزاءً لمعروفه.
وقيل في المثل: بالبرّ يستعبد الحر، انتهى.
وقال البيهقي: أجمع أهل العلم على أن ولد الزنا من الحرة يكون حراً، فيشبه أن يكون هذا الحديث منسوخاً.