الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحاديث قتل شارب الخمر في الرابعة وفيه عن ستة عشر صحابياً سوى المراسيل
1 -
حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وهو أصح ما في الباب، ولرويه عنه اثنان:
أ - ذكوان أبو صالح السمان.
ب - عبد الرحمن بن عبد.
أما طريق ذكوان:
فأخرجها عبد الرزاق قال: عن الثوري عن عاصم بن أبي النجود عن ذكوان عن معاوية بن أبي سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من شرب الخمر فاجلدوه - قالها ثلاثاً - قال: فإن شربها أربع مرات فاقتلوه ".
ومن طريق عبد الرزاق أخرجها أحمد: قال ثنا عبد الرزاق عن سفيان به مثله، لكن قال:" فاضربوا عنقه ".
ثم أخرجها من طريق هاشم بن القاسم قال: ثنا هاشم بن القاسم قال: ثنا شيبان عن عاصم فذكره نحو اللفظ الأوّل.
وأخرجها من طريق آخر عن عاصم قال: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة أنه سمع عاصم بن بهدلة - هو ابن أبي النجود - فذكره بلفظ ". . . ثم إذا شربوا الرابعة فاقتلوهم ".
وأخرجها أبو داود قال: حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا أبان عن عاصم فذكره بمثل الذي قبله.
وأخرجها الترمذي قال: حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم. فذكره " فإن عاد في الرابعة فاقتلوه ".
وأخرجها ابن ماجه قال: حدثنا هشام بن عمار، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد بن أبي عروبة عن عاصم فذكره.
وأخرجها النسائي قال: ثنا عمرو بن زرارة عن محمد بن حميد عن سفيان عن عاصم نحوه.
وأخرجها الطبراني قال:
حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق فذكره، بمثل لفظ عبد الرزاق المتقدم.
ثم قال: حدثنا حجاج بن عمران السدوسي، ثنا أبو سلمة يحيى بن خلف الجوباري، ثنا عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة عن عاصم، فذكره بنحو الذي قبله.
وأخرجها ابن شاهين قال: حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، قال نا عثمان بن أبي شيبة، قال نا أبو بكر بن عياش عن عاصم فذكره.
وأخرجها ابن حزم في المحلى من طريق أبي داود قال: نا عبد الله بن ربيع: نا محمد بن إسحاق، نا ابن الأعرابي، نا أبو داود فذكره، لكن بلفظ:" إذا شربوا الخمر فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاقتلوهم ".
فذكر القتل في المرة الثالثة لا الرابعة.
ثم قال: حدثنا حمام، نا ابن مفرج، نا ابن الأعرابي، نا الدبري، نا عبد الرزاق، نا سفيان الثوري عن عاصم به ولفظه في آخره:" ثم إن شرب الرابعة فاضربوا عنقه ".
وأخرجها ابن حبان قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن الخليل، قال حدثنا هشام بن عمار، فذكره مثل رواية ابن ماجه.
وأخرجها الحاكم قال: حدثنا الحسن بن يعقوب العدل، ثنا يحيى بن أبي طالب، ثنا عبد الوهاب بن عطاء أنبأ سعيد عن عاصم فذكره، ولفظه في آخره:" ثم إن شربوا الرابعة فاقتلوهم ".
وأخرجها البيهقي بإسنادٍ عالٍ من طريق أبي داود قال.
أخبرنا أبو علي الروذباري، أنبأ أبو بكر بن داسة، ثنا أبو داود، ثنا موسى فذكره مثله.
وأخرجها الطحاوي عن ابن عطاء مثل رواية الحاكم.
ب - وأما طريق عبد الرحمن بن عبد.
فأخرجها الإمام أحمد في المسند قال: حدثنا عارم، ثنا أبو عوانة عن المغيرة عن معبد القاص، عن عبد الرحمن بن عبد عن معاوية به.
ثم قال:
حدثنا هاشم عن مغيرة عن معبد فذكره نحوه.
وأخرجها النسائي قال: ثنا أبو بكر إسماعيل بن حفص الأبقي، عن معتمر بن سليمان عن أبيه عن مغيرة عن معبد به.
وقال: حدثنا عمرو بن منصور، ومحمد بن يحيى بن عبد الله، كلاهما عن محمد بن عبد الله الرقاشي عن أبي عوانة عن مغيرة به.
وأخرجها الطبراني قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا عمرو بن عون الواسطي ثنا هشيم عن مغيرة عن معبد به، لكن قال:" من شرب الخمر فاضربوه، فإن عاد فاضربوه، ثم إن عاد فاقتلوه ".
فجعل القتل في الثالثة.
ثم قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، ثنا كثير بن يحيى، ثنا أبو عوانة عن مغيرة عن عبد الرحمن بن عبد الجدلي به، وفي آخره:" فإن عاد الرابعة فاضربوا عنقه ".
ثم قال: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا إسماعيل بن حفص، فذكره كالنسائي.
ثم قال: حدثنا عبد الرحمن بن سلم الرازي، ثنا محمد بن حميد، ثنا حكام بن مسلم عن سفيان، عن معبد به، ولفظه في آخره:" فإن ربّع فاقتلوه ".
وأخرجها ابن حزم قال: حدثنا أحمد بن قاسم، نا أبي قاسم بن محمد بن قاسم، نا جدي قاسم بن أصبغ، نا أحمد بن زهير، نا إبراهيم بن عبد الله، أنا هشام، أنا المغيرة عن معبد بن خالد عن عبد بن عبد عن معاوية رفع الحديث قال:" من شرب الخمر فاضربوه، فإن عاد فاضربوه، فإن عاد فاقتلوه".
قلت: فجعل القتل في الثالثة.
قال ابن حزم بعد إيراده: قال أحمد بن زهير: هكذا قال عبد بن عبد، وعبد بن عبد: هو أبو عبد الله الجدلي، قال أحمد بن زهير: سألت يحيى بن معين عن أبي عبد الله الجدلي قال: " هو فلان ابن عبد، كوفي ثقة، من قيس "، لم يحفظ يحيى اسمه.
والحديث عند الطحاوي من هذا الوجه أيضاً. وكذا عند الحازمي في الاعتبار وبهذا انتهت الطرق التي وقفت عليها من روايات هذا الخبر.
حكم الطريق الأولى: قد ذهب جماعة من الحفاظ والناس إلى تصحيح هذه الطريق بمفردها، فأخطأوا وما أصابوا، كيف وفي هذه الطريق عاصم بن أبي النجود الذي اتفقوا إلا من شذ أن في حفظه شيء:
فقال ابن سعد: كان ثقة، إلا أنه كان كثير الخطأ في حديثه.
وقال يعقوب بن سفيان: في حديثه اضطراب وهو ثقة.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عنه فقال: ثقة، فذكرته لأبي فقال: ليس هذا محله أن يقال: إنه ثقة، وقد تكلم فيه ابن علية فقال: كل من كان اسمه عاصم سيّء الحفظ.
وقال: ذكره أبي فقال: محله عندي محلّ الصدق، صالح الحديث، ولم يكن بذاك الحافظ.
وقال ابن خراش: في حديثه نكرة.
وقال أبو جعفر العقيلي: لم يكن فيه إلا سوء الحفظ.
وقال الدارقطني: في حفظه شيء.
وقال ابن معين مرة: ليس بالقوي في الحديث، وقال مرة: لا بأس به، ولم يزد.
وأما الإمام أحمد فكأنه أشار لذلك إشارة فقال: كان خيراً ثقة، والأعمش أحفظ منه، وكان شعبة يختار الأعمش عليه في تثبيت الحديث.
فإذا تقرر هذا في حق عاصم علم أن الحديث من هذه الطريق بمفردها لا يكون إلا حسناً، كما تقرر في المصطلح وعلومه.
فإن محمد بن عمرو بن علقمة، حاله كحال عاصم تماماً، ثقة في
حفظه شيء، وترجم لهما ابن حجر بقوله:" صدوق له أوهام " وكان يرى هو ومن بعده السخاوي، ومن قبلهما ابن الصلاح، وغيرهم: أن حديثه في عداد الحسن ليس إلا، فإن جاءه متابع معتبر التحق بالصحيح.
قلت: فيصح قولهم إن أرادوا بذلك الطريق ومتابعها، إن صح المتابع متابعاً.
الخلاصة:
والحاصل أن الطريق الأولى حسنة، إلا رواية ابن حزم التي فيها أن القتل محلّه المرة الثالثة، فهذه الطريق مردودة من وجهين:
الأول: أن أبا داود الذي الرواية من طريقه، لم يروه بهذا اللفظ، وكذا البيهقي الذي أخرجها من طريق أبي داود، ليس عنده هذا اللفظ.
الثاني: جهالة عبد الله بن ربيع شيخ ابن حزم فيه.
حكم الطريق الثانية:
صحيحة إن ثبت سماع معبد من عبد الرحمن بن عبد، فإن هذا السماع لم يذكره المزي في التهذيب، ولا البخاري ولا الرازي في تاريخهما، ولا ابن حبان في ثقاته، وقد جاء الحديث معنعناً في سائر الطرق التي أوردناها.
ففي القلب شيء من صحة هذا السماع، وإن لم يكن لمعبد ذكر في كتب المدلسين.
ولعله لأجل هذه العلة العليلة، ترك أصحاب السنن إخراجه منها، مع
كونها في الظاهر أسلم، وأما رواية ابن حزم المخالفة، فمعلولة كالسابقة، بالمخالفة لسائر الرواة، وجهالة في بعض رواتها أو ضعف.
الحكم على حديث معاوية بطريقيه:
هو في أقل مراتبه حسن، كما في الطريق الأولى، إن قلنا بانقطاع الثانية، وأما بالقول والمجازفة بصحة الثانية، فالحديث صحيح من غير نزاع، وهو عندي مستبعد.
ولنرجع الآن إلى ما حكاه الحفاظ من الكلام على صحة هذا الخبر:
أ - فقد قال الترمذي: سمعت محمداً - يعني البخاري - يقول: حديث أبي صالح عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا أصح من حديث أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: فهذا تقديم صريح من البخاري، للطريق الأولى على الثانية، فكأنه أشار للعلة التي أفصحنا عنها، وإلا فكان الواجب تقديم رواية معبد عن عبد عن معاوية، على رواية عاصم عن أبي صالح عن معاوية. لأن رواية معبد لو صح فيها السماع مقدمة على رواية عاصم المتكلم في حفظه، فرواية معبد تكون صحيحة، ورواية عاصم لا تتجاوز درجة الحسن.
ورأيت محقق " العلل " للترمذي أشار إلى ترجيح للدارقطني بمثل ترجيح البخاري، وليس عندي الجزء المحكي فيه هذا، فلينظر.
ب - والزيلعي في نصب الراية لم يشر إلا للطريق الأولى، دون الثانية، ونقل في الخبر التصحيح، وهذا منه بين في تعليله للطريق الثانية، وإلا لأشار لها في أدنى الأحوال.
ج - والحاكم سكت على الخبر، فقال الذهبي في التلخيص:" قلت: صحيح ".
د - وقال ابن حزم: فكانت الرواية في ذلك عن معاوية وأبي هريرة ثابتة تقوم بها الحجة، وباللَّه تعالى التوفيق.
2 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
ويرويه عنه اثنان:
أ - أبو سلمة بن عبد الرحمن.
ب - أبو صالح السمان.
أ - أما طريق أبي سلمة عنه، فيرويها جماعة منهم الحارث بن عبد الرحمن، وعمر بن أبي سلمة، وخالد بن الحارث - وهي وهم -.
فأما طريق الحارث فأخرجها الإمام أحمد قال: حدثنا يزيد أنا ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاضربوا عنقه.
هكذا ذكره في موضع، ثم إنه أعاده في آخر وزاد: قال الزهري: فأُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل سكران في الرابعة فخلى سبيله.
قلت: وليس الزهري في سند هذا الخبر، ثم هذا مرسل إن صح السند للزهري كما سيأتي، وبسط الكلام عليه إن شاء الله، ولم يذكر أحد قول الزهري بعد حديث أبي هريرة هذا غير الإمام أحمد، فإنه أتى به ليشير إلى النسخ، كما هو معروف في مذهبه رحمه الله.
وأخرجها أبو داود الطيالسي قال:
ثنا ابن أبي ذئب فذكر الخبر.
وأخرجها ابن ماجه قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا شبابة عن ابن أبي ذئب به، ولفظه في آخره:". . . فإن عاد في الرابعة فاضربوا عنقه ".
وأخرجها أبو داود قال: حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي، أخبرنا يزيد بن هارون الواسطي، أنا ابن أبي ذئب فذكره، بمثل لفظ ابن ماجه.
وأخرجها النسائي قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا شبابة حدثنا ابن أبي ذئب عن خاله الحارث بن عبد الرحمن به، بمثل لفظ أبي داود وابن ماجه.
وأخرجها الدارمي قال: حدثنا عاصم بن علي ثنا ابن أبي ذئب فذكره نحوهم.
وأخرجها ابن حزم قال: حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث، أنا أبو بكر بن أحمد بن خالد، أنا أبي، نا ابن وضّاح، نا أبو بكر بن أبي شيبة، فذكره بمثل ابن ماجه والنسائي.
وأخرجها ابن حبان قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، مثل رواية النسائي.
وأخرجها من قبل ابن الجارود قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا ابن أبي ذئب، فذكره مثلهم.
وأخرجها البيهقي قال: أخبرنا أبو بكر بن فورك أنبأ عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود الطيالسي فذكره.
ثم قال: وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس، محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا يزيد بن هارون، فساقه مثل أحمد، دون قول الزهري.
وأما رواية عمر بن أبى سلمة عن أبيه أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.
فأخرجها الإمام أحمد في المسند قال: ثنا سليمان بن داود، أنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة، فذكر نحو ما تقدم.
وأخرجها ابن شاهين قال: حدثنا محمد بن غسان بن حبلة العتكي بالبصرة، قال: نا خالد بن يوسف قال نا أبو عوانة فذكره.
وأخرجها البيهقي قال: أخبرنا أبو علي الروذباري، أنبأ أبو بكر بن داسة قال: قال أبو داود السجستاني، وكذا حديث عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة.
قلت: فذكره بالإسناد السابق لأبي داود وساقه معلقاً كما علقه أبو داود بعد الرواية السابقة، من طريق الحارث عن أبي سلمة.
وأما رواية خالد بن الحارث عن أبي سلمة، فتفرّد بها الحاكم قال: أخبرنا أبو بكر بن إسحاق أنبأ أبو المثنى، ثنا القعنبي، ثنا ابن أبي ذئب عن خالد بن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة فذكره.
ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم، ولم يخرجاه. ونقل ذلك عنه الذهبي في التلخيص.
قلت: والظاهر أنه وهم أو تحريف، فليس في رجال مسلم ولا البخاري من اسمه خالد بن الحارث بن عبد الرحمن، بل وما عرفت له ذكر في سائر كتب الرجال، فلينظر.
وكذا فما عرفت في شيوخ ابن أبي ذئب من اسمه خالد بن الحارث بن عبد الرحمن، فلعل الصواب عن خاله الحارث - لأنه خاله - فتصحفت من النُّساخ، والله أعلم.
ب - وأما طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة.
فأخرجها عبد الرزاق قال: عن معمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا شربوا، فاجلدوهم - قالها ثلاثاً - قال: فإذا شربوا الرابعة فاقتلوهم.
وأخرجها الإمام أحمد قال: ثنا عبد الرزاق فذكره.
وأخرجها النسائي قال: حدثنا محمد بن رافع عن عبد الرزاق به.
وأخرجها ابن حزم قال: حدثنا عبد الله بن ربيع، نا محمد - بن معاوية نا أحمد بن شعيب - يعني النسائي - ومن طريقه المتقدم ساق الخبر.
ثم قال: حدثنا حمام، نا ابن مفرج، نا ابن الأعرابي، نا الدبري، نا عبد الرزاق فذكره.
وأخرجها الحاكم قال: حدثنا الحسن بن يعقوب العدل، ثنا يحيى بن أبي طالب ثنا
عبد الوهاب بن عطاء، أنبأ سعيد عن سهيل، فذكره. قال الحاكم: هذا الإسناد صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
ثم عاد فأخرجه قال: حدثنا أبو زكريا العنبري، ثنا أبو عبد الله البوشنجي، ثنا أحمد بن حنبل فذكره مثله.
حكم الطريق الأولى:
صحيحة إن شاء الله، لا علة لها، أعني التي ذكرتها أولاً عن ابن أبي ذئب، عن الحارث عن أبي سلمة عن أبي هريرة، فرجالها ثقات لا مغمز فيهم، سمع بعضهم من بعض، إلا أن يقال - ولم أر من قال ذلك - إنها جاءت مرسلة، كما سيأتي في آخر الأحاديث، لكن كثرة الواصلين للخبر تقطع دابر حجة من يعلل بذلك. أما التي من طريق عمر فلا تصح لضعفه، وكذا خالد بن الحارث فهو مجهول إن صحت التسمية فيه، وإلا فهي وهم من أهلها كما بينا.
حكم الطريق الثانية:
صحيحة على شرط مسلم دون البخاري، فإنه لم يخرج لسهيل إلا مقروناً، وكان النسائي صاحب السنن أحب أن يخرج له البخاري.
قلت: والحق مع البخاري في ذلك، فإن في سهيل كلاماً، ربما جعل حديثه في عداد الحسن لا الصحيح. أو هو متردد بينهما. والله أعلم.
حكم حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
قد تبين مما قدمنا أنه حديث صحيح لا ينزل عن درجة الصحة عند سائر الناس.
وقد تقدم تصحيح ابن حزم لهذا الخبر فيما تقدم، عند الكلام على حديث معاوية رضي الله عنه.
وكذا تقدم تصحيح الحاكم.
وكذا ابن حبان حيث أورده في صحيحه.
3 -
حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: - وضمنه أيضاً حديث النفر، فعدوه حديثين - وقد رواه عنه ثلاثة:
أ - نافع مولاه.
ب - عبد الرحيم بن إبراهيم.
ج - عبد الرحمن بن أبي نعم.
فأما رواية نافع عنه:
فأخرجها أبو داود قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، أخبرنا حماد عن حميد بن يزيد عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بهذا المعنى - هكذا قال أبو داود - قال: " وأحسبه قال في الخامسة إن شربها فاقتلوه ".
وأخرجها أحمد من طريق ساوى فيها رواية أبى داود من غير علوٍّ قال: حدثنا عبيد الله بن محمد التيمي، أنا حماد بن سلمة عن حميد بن يزيد أبي الخطاب، عن نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من شرب الخمر فاجلدوه، فإن شربها فاجلدوه، فإن شربها فاجلدوه، فقال فى الرابعة أو الخامسة فاقتلوه.
وأخرجها البيهقي بالإسناد المتقدم لأبي داود مثله، وكذا الحازمي في الاعتبار.
ووقع عند ابن حزم رواية كأنها بالمتابعة لحميد بن يزيد قال: نا أحمد بن محمد بن عبد الله، نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي، نا الدبري، نا محمد بن أيوب نا أحمد بن عمر بن عبد الخالق البزار، نا محمد بن يحيى القطيعي، نا الحجاج بن المنهال، نا حماد بن سلمة عن جميل بن زياد عن نافع عن ابن عمر عن النبي " قال:" من شرب الخمر فاجلدوه ثلاثاً، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه ".
قلت: جميل بن زياد لم يذكره أحد فيمن روى عنهم حماد، ولا في الرواة عن نافع، وما أراه إلا من تحريف النساخ، وأنه هو هو حميد بن يزيد.
ثم لو ثبت هكذا لكان مجهولاً، فلم أقف على من اسمه جميل بن زياد إلا في اللسان قال: يكنى أبا حسان، ذكره الطوسي في رجال الشيعة ووثقه.
قلت: فلا هو معروف إن كان رجلنا، وما ندري ما طبقته، ولا عمن حدّث أو حدّث عنه، ثم لو ثبت أنه هو ما فرحنا بتوثيق الطوسي ولا بصاحبه.
وأما رواية عبد الرحيم بن إبراهيم.
فأخرجها ابن حزم قال: حدثنا عبد الله بن ربيع، نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب، نا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - أنا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن المغيرة بن مقسم عن عبد الرحيم بن إبراهيم عن عبد الله بن عمر ونفر من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاقتلوه ".
قلت: هذه الرواية ظاهرة أنها طريق النسائي، وهي مروية عنه، وقد أخرجها النسائي بهذا الإسناد، لكن لم يقل:" عبد الرحمن بن إبراهيم " وإنما قال: " عبد الرحمن بن أبي نعيم ".
كذا في السنن الصغرى.
وفي التحفة " عبد الرحمن بن أبي نعم "، وكذا في التهذيب والتقريب على الصواب.
فتبين أن " عبد الرحيم بن إبراهيم " وهم.
ودل عليه أنه لا يعرف في الرواة عن ابن عمر من اسمه " عبد الرحيم بن إبراهيم "، ولا فيمن روى عنهم المغيرة.
فرجعت هذه الرواية لرواية النسائي التي عن عبد الرحمن بن أبي نعم.
وقد أخرجها مع النسائي، الحاكم قال: حدثنا إبراهيم بن عصمة بن إبراهيم، ثنا أبي، ثنا يحيى بن يحيى، أنبأ جرير عن مغيرة عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شرب. . . " فذكره مثل لفظ ابن حزم والنسائي السابق.
حكم الطريق الأولى التي عن نافع:
لم يروها عن نافع: إلا حميد بن يزيد، كما قدمنا، وهو مجهول كما قال ابن القطان والذهبي وابن حجر فالطريق ضعيفة.
حكم الطريق الثانية التي عن عبد الرحيم بن إبراهيم:
هي ترجع للطريق الثالثة كما قدمنا، فهي وهم وليست بصحيحة أصلاً.
حكم الطريق الثالثة التي عن عبد الرحمن بن أبي نعم:
هي حسنة إن شاء الله، لأجل كلام غير كبير في عبد الرحمن المذكور، وأما تدليس المغيرة، فخصُّوه بالنخعي، ولم يطلقوه، والله أعلم.
خلاصة القول في خبر ابن عمر:
والحاصل أن خبر ابن عمر في عداد الحسن كما في الطريق الثالثة، ولا يتقوى بما قبله. وقد تقدم تصحيح الحاكم له. والحق أنه لا يتجاوز الحسن لما قدمناه، لكن رأيت الحاكم كثيراً ما يطلق الصحيح على الحسن فكأنهما عنده بمعنى، والمعنى مقبول من حيث الاحتجاج عند جمهور الفقهاء والمحدثين، لكن فيه ما فيه عند أهل المصطلح.
أو لعله حكم عليه بشواهده، فصحيح عندها قوله:" صحيح ".
وعرف مما تقدم أن لفظ القتل في الخامسة غير مقبول بمفرده، فكيف إذا خالف.
4 -
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
أخرجه ابن حبان في صحيحه قال: أخبرنا أبو يعلى، قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من شرب الخمر فاجلدوه، ومن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه ".
قلت: ولم أقف على هذا الخبر عند غير ابن حبان، حتى إن أبا يعلى شيخ ابن حبان فيه، لم يخرجه، وكذا لم يخرجه أبو داود ولا ابن ماجه، مع أنهما أكثرا كثيراً عن عثمان بن أبي شيبة، لا سيما ابن ماجه، فإن غالب ما يرويه عن أخيه أبي بكر بن أبي شيبة، ثم عنه.
وكأنهم إنما تركوا إخراج هذه الرواية، لأن المحفوظ فيها عن معاوية بن أبي سفيان، لا عن أبي سعيد.
فقد روى حديث عاصم عن أبي صالح عن معاوية جماعة، منهم:
1 -
سفيان الثوري، عند عبد الرزاق وأحمد والنسائي والطبراني وابن حزم.
2 -
شيبان، عن أحمد.
3 -
شعبة، عند أحمد.
4 -
أبان، عند أبي داود وابن حزم.
5 -
سعيد بن أبي عروبة، عند ابن ماجه والطبراني وابن حبان
والحاكم.
وقد تقدمت روايات هؤلاء جميعهم. في حديث معاوية.
أما أبو بكر بن عياش فاختلف عنه.
أ - فرواه الترمذي عن أبي كريب حدثنا أبو بكر بن عياش. . . فجعله في مسند معاوية.
ب - أما عثمان، فمرة يجعله في مسند معاوية، كما تقدم عند ابن شاهين، ومرة يجعله في مسند أبي سعيد كالذي هنا.
فتبين من هذا أن عثمان لم يحفظ الخبر على وجهه، وأنه اضطرب فيه، هذا من وجه.
ومن وجه آخر تبين أن أبا بكر بن عياش تفرد بهذه الرواية عن أبي سعيد.
ومن وجه ثالث تبين أن أبا كريب، الذي هو أحفظ من عثمان، روى الخبر على الوجه الصواب.
فهذه ثلاث علل - ما رأيت أحداً من الناس نبّه عليها - وإن كان فعلى سبيل الموافقة لا المتابعة - قاضية بتضعيف هذا الخبر عن أبي سعيد، ولله الحمد على التوفيق.
وكأن ابن حبان كان قد سمع من يطعن في رواية أبي بكر بن عياش لخبر أبي سعيد، فقال بعد أن أورد الحديث السابق:
" ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به أبو بكر بن عياش " ثم ساق الخبر عن محمد بن الحسن، عن هشام بن شعيب، عن سعيد بن أبي عروبة عن عاصم عن ذكوان عن معاوية!!. كما تقدمت روايته.
ثم قال: سمع هذا الخبر أبو صالح عن معاوية وأبي سعيد جميعاً.
انتهى.
قلت: لكن الظاهر جلياً من صنيعه أنه ما فهم مراد المعترض، فظن أن
الاعتراض على الحديث نفسه الذي هو في قتل شارب الخمر فى الرابعة، لذلك جاء به من طريق سعيد لكن عن معاوية، لأن الخبر واحد.
والأمر البيّن الجلي أن الاعتراض إنما هو على حديث أبي سعيد فقط، والصواب مع المعترض حيث لم يروه عن أبي سعيد إلا أبو بكر بن عياش، أما الخبر جميعه فرواه جماعة كما قدمنا أسماءهم منهم الثوري وشعبة وأبان وغيرهم.
وأما إن كان عرف مراد المعترض - وما أظن ذلك - فما يليق هذا الجواب من مثله وأنا أربأ به عنه.
وانفصلنا على أن هذا الخبر ضعيف بمفرده، وإن كان ظاهره السلامة والحسن، وتسلسل بالحفاظ الأئمة.
وأما متنه، فلا شك أنه صحيح بشواهده.
نعم الآن وقفت على قول الحافظ ابن حجر في " الفتح " مؤيداً ما حققته، قال: أخرجه ابن حبان عن أبي سعيد من رواية عثمان بن أبي شيبة عن أبي بكر، وأخرجه الترمذي عنه فقال:" عن معاوية " بدل " أبي سعيد " وهو المحفوظ. انتهى.
5 -
6 - حديث شرحبيل بن أوس رضي الله عنه ومعه حديث آخر عن صحابي لم يسمّ.
وقد روى هذا الخبر عن شرحبيل:
عمران بن مخمر أو مخبر - أو هو نمران لا عمران -
أخرج طريقه الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا علي بن عياش وعصام بن خالد، قالا: ثنا حريز، قال حدثني عمران بن مخمر، وقال عصام:" ابن مخبر "، عن شرحبيل بن أوس - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه ".
وأخرجه الطبراني قال: حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، ثنا أبو المغيرة، وعلي بن عياش الحمصي، قالا ثنا حريز بن عثمان، ثنا أبو الحسن نمران بن مخمر عن شرحبيل بن أوس الكندي فذكره.
وأخرجه ابن شاهين قال: حدثنا أحمد بن محمد بن المغلس، قال نا عبد الكريم بن الهيثم، قال: نا أبو اليمان، قال نا حريز عن أبي الحسن نمران بن محمد عن شرحبيل بن أوس وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من شرب الخمر فاجلدوه، ومن شرب الخمر فاجلدوه، ومن عاد فاقتلوه ".
فجعل القتل في الثالثة.
وأخرجه الحاكم قال: حدثنا أبو علي عبد الله بن إسحاق الخراساني، ثنا محمد بن أحمد بن برد الأنطاكي، ثنا الحكم بن نافع البهراني، ثنا جرير بن عثمان، عن أبي الحسن نمران بن محمد عن شرحبيل فذكر الخبر، وفيه أن القتل في الرابعة.
الثاني عن يزيد بن أبي كبشة:
قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن أبي بشر قال سمعت يزيد بن أبي كبشة يخطب بالشام قال سمعت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحدث عبد الملك بن مروان في الخمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الخمر:" إن شربها. . . " وفيه " ثم إن عاد في الرابعة فاقتلوه ".
ولم يسمّ الصحابي.
لكن أخرج الحاكم هذا الخبر فقال: أخبرني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، ثنا محمد بن غالب، ثنا خلف بن سالم، وعبد الله بن عمرو العراقي، قالا: ثنا محمد بن جعفر فذكره مثل لفظ الإمام أحمد.
ثم قال الحاكم: فسمعت أبا علي الحافظ - يعني الدارقطني - يحدثنا بهذا الحديث فقال: في آخره: هذا الصحابي من أهل الشام هو شرحبيل بن أوس.
قال الحاكم: فحدثنا بصحة ما ذكره أبو علي عبد الله بن إسحاق، وساق الرواية المتقدمة له.
قلت: وهذا الذي رجحه الدارقطني، ثم الحاكم غير مقطوع به كما هو بين، بل ظاهر الرواية يخالفه، وإنما رجحا ذلك لأن شرحبيل بن أوس الكندي معدود فيمن سكن الشام، وهذا كما هو بين غير كافٍ، فقد سكن جماعة من الصحابة كثيرون الشام تجاوز المشهورون منهم المائة على ما ذكر ابن سعد في الطبقات وغيره من المصنفين في معرفة الصحابة، فاحتاج الجزم إلى دليل آخر.
وقد أخرج ابن شاهين هذه الطريق فقال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن محمد الزيني، قال نا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: نا خالد - يعني ابن الحارث، قال نا شعبة عن أبي بشر قال: سمعت ابن أبي كبشة يحدث قال: سمعت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا شربها فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه ".
فجعل القتل في الثانية.
هذا ما وقفت عليه من طرق هذا الخبر، وكان الحافظ ابن حجر ذكر
في الإصابة في ترجمة شرحبيل رضي الله عنه أنه خبره هذا رواه سوى من قدمت: البغوي وابن السكن، فلينظرهما من وقف عليهما.
وقد أشار الحافظ لمن ذكر الخلاف في شرحبيل بن أوس، وأنه هو أوس بن شرحبيل، ومن عدهما اثنين، ورجح الثاني، وذكر أن الأول - الذي هو شرحبيل بن أوس - له حديث حد شارب الخمر هذا، يرويه حريز عن نمران عنه، وأن أوس بن شرحبيل هو صاحب حديث " من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام ". انتهى.
ثم وقفت في معجم الطبراني على حديث أوس بن شرحبيل، فوجدت الطبراني أخرج حديث " من مشى. . . " ثم أردفه بحديث الخمر هذا قال: حدثنا أبو زرعة الدمشقي، ثنا أبو اليمان الحكم بن نافع، وعلي بن عياش، قالا ثنا حريز بن عثمان ثنا نمران بن مخمر عن شرحبيل بن أوس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه ".
فكأنه أشار إلى أنهما واحد عنده، مع أنه لم يورد في مسند شرحبيل بن أوس إلا حديث الخمر من الطريق المتقدمة التي سقناها من قبل.
وعلى كل حال، فليس من اختلاف في حديث شرحبيل وإسناده، إلا في والد نمران كما سيأتي، سواء كان هو أوس بن شرحبيل أم لا.
لكن بقي الفصل بين حديث ابن أبي كبشة، وحديث شرحبيل، الذي جزم الدارقطني والحاكم أنهما واحد.
فقد رجعت لمن ترجم ليزيد بن أبي كبشة فما رأيت أحداً منهم ذكر أنه روى عن شرحبيل بن أوس أو أوس بن شرحبيل، حتى إن المزي يقول في
" التهذيب ": " روى عن مروان بن الحكم وأبيه ورجل له صحبة ولم يسمّه.
ولما ذكر البخاري في التاريخ الخلاف في اسم شرحبيل، لم يورد غير الحديثين الذين سقتهما من قبل: حديث المشي مع الظالم، وحديث الخمر، من طريق نمران.
ثم إني وددت لو وجدت ضالتي في معرفة وفاة شرحبيل، وهل أدرك خلافة عبد الملك بن مروان، لكن انقطعت بي الطرق.
لكن استأنست بفعل الهيثمي في المجمع، حيث أورد خبر شرحبيل أولاً، وعزاه لأحمد والطبراني، ثم أخرج حديث يزيد بن أبي كبشة وعزاه لأحمد وحده، ولو كانا واحداً عنده لغاير في الصنيع.
وكذا وجدت الإمام أحمد قد أخرج خبر شرحبيل في مسند شرحبيل ليس معه خبر آخر، وأخرج حديث ابن أبي كبشة مع جملة أحاديث في موضع آخر في مسند رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: فالمقتضى فصل الحديثين بموجب أصول المصطلح، غير المختلف عليها، وكما حكيت من ذلك شواهداً، في غير هذا الموضع، وأنه مذهب الحافظ ابن حجر والبوصيري وغيرهما. والله أعلم.
وصل في الكلام على حديث شرحبيل بن أوس:
وفيه مسائل:
المسألة الأولى في ضبط اسم عمران أو نمران واسم أبيه، والكلام عليه.
فتقدم عند أحمد أنه: عمران بن مخمر أو " مخبر ".
وعند الطبراني: " نمران بن مخمر ".
وعند ابن شاهين والحاكم: " نمران بن محمد ".
وعند الرازي في " الجرح والتعديل ": " نمران بن مخمر " وفي نسخة مخالفة " محمد " بدل " مخمر ".
وعند البخاري في " التاريخ الكبير ": " نمران بن مخمر ".
وعند ابن حجر في التعجيل كلام طويل وأسماء رجح من بينها أنه " مخمر ".
فكأن هذا هو الصواب في تسميته، وعلى فرض الاختلاف فإن ذلك غير ضار ما داموا اتفقوا على أنهم جميعاً واحد.
وقد ذكر ابن حبان نمران الرحبي هذا في ثقاته.
وقال الحافظ: شيوخ حريز كلهم ثقات، كذا قال أبو داود.
وأما البخاري والرازي فقد سكتا عنه.
وأما الهيثمي فقال: " عمران بن محمد لم أعرفه " فجهله لأجل تحريفه.
المسألة الثانية في الكلام على صحة الخبر:
رجاله ثقات أثبات، وكان تقدم قول الحاكم:" فحدثنا بصحة ما ذكره " فذهب إلى تصحيح الخبر، وإن لم يصرح في آخره.
ولذلك قال الحافظ في الفتح: وأما حديث شرحبيل الكندي فأخرجه أحمد والحاكم والطبراني وابن مندة في " المعرفة " ورواته ثقات نحو الذي قبله، وصححه الحاكم من وجه آخر ".
يشير لرواية يزيد المتقدمة. ولم يناقشه في ذلك، ولعله ارتضاه أن يكون من طرق هذا الحديث، ولعله لم يفعل، لكن قد ذكرت المانع من ذلك حتى يقوم البرهان، ولا برهان حتى الساعة.
المسألة الثالثة، في بيان ضعف لفظ ابن شاهين الذي فيه القتل في الثالثة.
فإن في إسناده أحمد بن محمد بن المغلس، لم أجده.
ثم إن مخالفته لسائر الروايات قاضية بردّ هذا الاختلاف، لا سيما وأن الحاكم قد أخرجه من طريق أبي اليمان - الذي هو شيخ شيخ أحمد عند ابن شاهين - فذكر الحديث على الوجه الصواب.
وكذا سائر من روى الخبر غير أبي اليمان كعلي بن عياش وعصام بن خالد فقد ذكراه على الصواب.
وصل آخر في الكلام على حديث ابن أبي كبشة:
قال الهيثمي بعد إيراده في " المجمع ": يزيد بن أبي كبشة وثقه ابن حبان، وباقي رجاله رجال الصحيح.
قلت: وهو كما قال. مع الإشارة إلى أن ابن حجر قال في يزيد: " مقبول ". .
(تنبيه).
لكن بقي التنبيه على ضعف رواية ابن شاهين التي فيها القتل في الثانية في ظاهرها.
فإن في إسناده شيخه إبراهيم بن عبد الله بن محمد الزيني مجهول.
ثم هو معلول بالمخالفة.
هذا فيما لو سلمنا بظاهر الرواية، ولكن يمكن صرف الرواية عن ظاهرها، فإن لفظه " إذا شربها فاجلدوه فإن عاد فاقتلوه " فليس فيها تعيين العود أهو في الثانية أو الثالثة أو الرابعة.
فلو أن هذه الرواية أتت بمفردها، لكان المعنى في الثانية، لأن ترك القتل في الثانية يكون إهمالاً للخبر، الذي أفاد القتل عند العود، والثانية من العود، لكن حيث جاءت الروايات الأخرى في الرابعة، لم يجز تفسير العود على المرة الثانية دفعاً لتعارض الروايات، لا سيما وأن الرواية واللفظ يقبلان ذلك، فحملنا العود على المرة الرابعة، حتى لا يتناقض الخبر.
فإن المقرر في علم الأصول، أن الواجب حمل النصوص المفسرة على التي فيها إبهام، وهو الصنيع هنا. والله أعلم.
7 -
حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.
ويرويه عنه الحسن وشهر:
أما طريق الحسن:
فأخرجه الإمام أحمد في المسند قال: حدثنا وكيع، حدثني قرة ورَوح، ثنا أشعب وقرّة بن خالد - المعنى - عن الحسن عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه ".
وقال: حدثنا عبد الملك بن عمرو، حدثنا قرة عن الحسن قال: والله لقد زعموا أن عبد الله بن عمرو شهد بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، فإذا كان عند الرابعة فاضربوا عنقه ".
قال الحسن: فكان عبد الله بن عمرو يقول: ائتوني برجل قد جلد في الخمر أربع مرات، فإن لكم عليّ أن أضرب عنقه.
والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " وعزاه للطبراني دون أحمد، وأورد نحو السياق الذي قدمناه لكن قال:" ائتوني برجل شرب الخمر ثلاث مرات " فذكره.
وأما الحافظ فعزاه لأحمد والحاكم، ولم يذكر الطبراني.
واقتصر المباركفوري بعزوه لأحمد كما في شرح الترمذي، وكذا غيره، حتى كدت أظن أنه ليس عنده، لكن بين في نصب الراية أن الحديث في الطبراني، وبيّن فيه طريقه كما سيأتي.
والحديث أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده قال: حدثنا النضر بن شميل، ثنا قرة بن خالد عن الحسن، مثل لفظ أحمد الثاني، مع قول عبد الله فيه.
وأخرجه عبد الرزاق فيما ذكره الزيلعي قال: حدثنا وكيع عن قرة عن الحسن عن عبد الله بن عمرو، ولم يذكر لفظه، لكن نبّه في عون المعبود أن المرفوع منه سواء، وأن الموقوف كلفظ " المجمع "، ولم أقف عليه في المصنف، فلينظر.
ثم قال الزيلعي:
ومن طريق إسحاق بن راهويه، رواه الطبراني في معجمه، وكذا في " عون المعبود ".
قلت: وأخرجه ابن شاهين من هذا الوجه قال: حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، قال: نا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة، قالا نا وكيع عن قرة، - يعني ابن خالد - عن الحسن فذكره كلفظ " مجمع الزوائد ".
وأما رواية شهر:
فقد أخرجها الإمام أحمد قال: حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن شهر، عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من شرب الخمر فاجلدوه. . . " فذكره على الصواب.
وأخرجها الحاكم من طريق إسحاق بن راهويه قال: حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري، ثنا محمد بن عبد السلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ معاذ بن هشام، حدثني أبي عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو فذكره على الصواب.
وأخرجها الحازمي من هذا الوجه.
حكم طريق الحسن: هي منقطعة بين الحسن وعبد الله، فإنه لم يسمع منه كما جزم بذلك علي بن المديني وغيره، كما في " نيل الأوطار ".
وقد أشار الحافظ ابن حجر لهذا فقال في الفتح: " أخرجه الحاكم وأحمد من وجهين في كل منهما مقال ".
قلت: وهو بين كما في لفظ لأحمد قال: " زعموا أن. . . " فبين أنه لم يسمع هو، وثمة واسطة.
حكم طريق شهر:
قد تقدم لك قول الحافظ أن فيها مقالاً، وإنما المقال في شهر، فقد اختلفوا فيه كثيراً جداً، ما بين تارك ومضعف وموثِّق، وأما قتادة وإن كان مدلّساً، فإنهم لم يذكروا له تدلسياً عن شهر، وإنما ذكروا أسماء غيره. وكذا فإنهم ذكروا أن شهراً يرسل عن جماعة من الصحابة، لم يذكروا بينهم عبد الله بن عمرو.
وقد لخص الحافظ حال شهر في التقريب فقال: صدوق كثير الإرسال والأوهام، فهو محتجٌ به عنده، وعند كثير من الأئمة، منهم من يجعله في الحسن، ومنهم من يجعله في الضعيف المحتج به، الذي يرتقي إذا جاء معه ما يساويه، أو ما هو فوقه.
حكم حديث عبد الله بن عمرو: هو حسن عند طائفة من العلماء، حتى عند من يقول بضعف رواية شهر، عند غير واحد من العلماء، منهم الرازي في المحصول، وأما حفاظ الحديث فذكر بعض الناس في " مناهج المحدثين " أنه قول بعضهم أيضاً، وسمى منهم الزيلعي والبيهقي وابن حجر، وليس ما قاله بمسلّم، وليس هذا موضع بسطه.
والصواب أن الإمام الشافعي اشترط لاعتضاد المرسل أن يكون عاضده مرسل صحيح، كما حكاه الزركشي وغيره عنه.
وأما متنه فصحيح بالشواهد، كما قدمنا ذلك مراراً.
(تنبيه):
قال الشوكاني في نيل الأوطار: " حديث عبد الله بن عمرو أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده، ومن طريقه أخرجه ابن حزم. . . ".
قلت: هو القدر الموقوف، وأما مرفوعاً فما أخرجاه، والقدر الموقوف ذكرناه في رواية الإمام أحمد وغيره.
8 -
حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه.
ويرويه عنه اثنان: ابنه، وخالد بن حزم وهو نفسه الأول.
أما رواية ابنه:
فأخرجها ابن شاهين قال: حدثنا عبد الله بن زياد بن محمد النيسابوري، قال: نا أحمد بن حفص بن عبد الله، قال: نا أبي، قال: نا إبراهيم بن طهمان، عن سماك بن حرب عن أخيه محمد بن حرب عن ابن جرير عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب في الرابعة فاقتلوه ".
قال الشيخ: وهذا حديث غريب لا أعلم أن سماكاً حدث عن أخيه إلا هذا، وابن جرير هذا اسمه: خالد بن جرير.
وأخرجها الطبراني قال: حدثنا محمد بن شعيب الأصبهاني، ثنا عبد السلام بن عاصم الرازي، ثنا الصباح بن محارب، ثنا داود الأودي عن سماك بن حرب عن خالد بن جرير عن أبيه فذكره.
ثم قال: حدثنا محمد بن صالح بن الوليد النرسي، ثنا محمد بن المثنى، ثنا مكي بن إبراهيم، ثنا داود الأودي وذكره.
وذكره البخاري في تاريخه فقال: قال مكي. . . . وذكر الخبر.
وأما رواية خالد بن حزم وهي تصحيف.
فأخرجها الحاكم في المستدرك قال: أخبرنا بكر بن محمد الصيرفي بمرو، ثنا عبد الصمد بن الفضل، ثنا مكي بن إبراهيم، ثنا داود بن يزيد عن سماك بن حرب عن خالد بن حزم عن جرير فذكره.
وقد أورد الزيلعي إسناد الحاكم في نصب الراية كما أوردناه وفيه " خالد بن حزم " وكذا هو في تلخيص الذهبي.
لكن لم أجد خالد بن حزم فيمن روى عن جرير، ولا فيمن روى عنهم سماك، بل لم أجد من اسمه خالد بن حزم.
فتبين أن الرواية بهذا غير مستقيمة، وأن جريراً تصحفت إلى حزم.
وكان المزي أغفل ذكر خالد في أولاد جرير الذين رووا عنه، كما في التهذيب، وذكر البخاري في التاريخ، خالد بن جرير، وذكر إسناده كما قدمنا، عن خالد بن جرير عن جرير، وساق الخبر، فما أشار إلى أنه ولده.
أما الرازي فقال:
" خالد بن جرير بن عبد الله البجلي، روى عنه سماك بن حرب، ومنهم من يدخل بينه وبين سماك أخاه ".
وكذا نسبه ابن حيان في الثقات نحو أبي حاتم.
فتبين أن الإسناد للحديث واحد، لكن على الخلاف المتقدم.
فابن طهمان أدخل أخا سماك واسطة بين سماك وخالد، وخالفه الأودي فأسقطه.
حكم الخبر:
وإبراهيم بن طهمان ثقة، بخلاف الأودي فهو ضعيف، فالقول قول ابن طهمان بإثبات الواسطة.
وقد جاء في العلل لابن أبي حاتم قال: سئل أبي عن حديث رواه أحمد بن حفص النيسابوري، قال حدثنا أبي عن إبراهيم بن طهمان عن سماك بن حرب عن أخيه محمد بن حرب عن خالد بن جرير عن جرير بن عبد الله البجلي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من شرب الخمر فاجلدوه "، ورواه الأودي عن سماك عن خالد بن جرير عن جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبي: حديث إبراهيم بن طهمان أصح لأنه زاد فيه رجلاً. انتهى.
قلت: فتبين أن الحكم على هذا الحديث إنما هو لهذا السند الذي فيه محمد بن حرب، وهو إسناد رجاله موثقون، على كلام في بعضهم يسير لا يضرّ.
لكن في النفس شيء من خالد بن جرير، وأن يكون هو من أولاد
جرير، والظاهر عندي أن من نسبه لأبيه نسبه ظناً لا يقيناً، لما رأى من التناسب بين الأسماء.
ولذلك فإنني وقفت في معجم الطبراني له على صنيع عجيب جداً، فإنه قال:
" ما روى ولد جرير عن جرير ".
ثم أورد ما رواه المنذر وعبيد الله وإسماعيل وإبراهيم وعبد الله، ثم إنه ذكر خالداً، وأورد له هذا الخبر الواحد، ثم أخرج حديثاً عقبه مباشرة، وتحت نفس الباب الذي بوب له لخالد: عن أيوب بن جرير عن أبيه - ووقع في بعض النسخ عن جدّه، والصواب حذفها، كما هو بين ومعلوم من أن جريراً ليس له أب مسلم -
فكأنه جعلهما واحداً، أو أنه سقط من المطبوع ترجمة ولده أيوب، والله علم.
ثم رأيت محقق كتاب الثقات قال عند قول ابن حبان: " محمد بن حرب أخو سماك يروي عن ابن جرير عن أبيه عن. . . ".
قال محققه شارحاً قوله: " عن ابن جرير " قال: هو عبيد الله بن جرير بن عبد الله البجلي كما في التهذيب.
قلت: وهو كما قال: فإن في التهديب إنه روى عن عبيد الله لا عن خالد.
وحيث أن الطريق الأصح الأعلى، هي الأولى التي فيها:" عن ابن جرير " دون تسمية، وفي سياق مساءلة أبي حاتم في العلل سمّاه، فأنا متوقف في تعيين الابن هذا.
9 -
حديث غضيف بن الحارث رضي الله عنه.
ولا يرويه عنه إلا عياض ولده.
أخرج حديثه ابن شاهين قال: حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، قال: نا محمد بن عوف بن سفيان، قال نا الحكم بن نافع، قال نا إسماعيل بن عياش وسعيد بن سالم الكندي، عن معاوية بن عياض بن غضيف عن أبيه عن جدّه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن عاد فاجلدوه، ثم إن عاد فاجلدوه، ثم إن عاد فاقتلوه ".
وأخرجه البزار قال: حدثنا عمر بن الخطاب السجستاني ثنا أبو اليمان - هو الحكم بن نافع - ثنا إسماعيل بن عياش عن سعيد بن سالم عن معاوية فذكره، ولم يقل:" ثم إن عاد في الرابعة فاقتلوه ".
ثم قال البزار: لا نعلم روى غضيف إلا هذا.
قال ابن حجر معقباً: بل إسماعيل ضعيف.
قلت: لكن حيث ذكره الهيثمي في المجمع ذكره بطوله مع الجملة الرابعة، وعزاه للطبراني والبزار معاً.
وأخرجه الطبراني قال: حدثنا أبو زيد أحمد بن عبد الرحيم الحوطي، ثنا أبو اليمان الحكم بن نافع فذكره بتمامه مع الجملة الرابعة.
قلت في الحديث مسائل:
الأولى: في قول ابن شاهين " إسماعيل بن عياش وسعيد. . . " فالذي عند الطبراني والبزار: " عن سعيد ".
وهذا هو الصواب - والله أعلم - لأنه لو كان " وسعيد " لما كان من معنى لقول الحافظ المتقدم: " إسماعيل ضعيف، لأنه حينئذٍ يكون متابعا بثقة، ولا معنى لتضعيف المتابع بثقة في إسنادٍ واحد، على تفصيل يأتي.
ثم قد ذكره الحافظ في الإصابة في موضعين على الصواب:
" إسماعيل بن عياش عن سعيد بن سالم. . . ".
وعزاه للطبراني وابن شاهين وابن السكن وأبي خيثمة كلهم من هذه الطريق.
وأما في ثقات ابن حبان فوقع تصحيف قبيح قال: " وروى عن معاوية إسماعيل بن سالم الكندي "!، لكن سيأتي أنه ذكره على الصواب في موضع آخر.
الثانية: في تحديد اسم الصحابي هل هو غضيف بالضاد، أو غطيف.
فالذي عند ابن شاهين بالثاني، وكذا الطبراني، وخالفهما البزار فقال الأول. هو متردد بينهما في مصادر كثيرة.
وقد كشف النقاب عن هذا التردد غير واحد، وذكروا أن الناس اختلفوا فيه مع آخر كندي وقيل سكوني.
وقد فرق بينهما ابن حجر فقال: " والذي يظهر لي أن السكوني غير
الكندي "، ثم ذكر للسكوني حديثاً في وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، بعد أن كان ذكر أن السكوني هو الذي اسمه غضيف، وأن الكندي هو الذي اسمه غطيف.
قلت: ويؤيد قوله هذا ما قاله ابن عبد البر في الاستيعاب، فإنه بعد أن ذكر السكوني الأول غضيف - أو غطيف، على خلاف - ذكر صاحبنا الثاني الكندي وقال: غطيف بن الحارث الكندي والد عياض - وهو آخر - تفرد بالرواية عنه ابن عياض فيما ذكر الموصلي. . . ".
قلت: فعلى مقتضى قول الموصلي هو آخر كما جزم الحافظ وابن عبد البر وغيرهما، لأن راوي حديث وضع اليد عن غضيف هو يونس بن سيف.
المسألة الثالثة في الكلام على ضعف إسماعيل الذي ذكره الحافظ ولم فإن إسماعيل لا يصح إطلاق الضعف عليه أصلاً، فالعجب من قول الحافظ، وهو القائل في التقريب: صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في غيرهم "، لكن لعله قال حاكياً حكمه في هذا الخبر خصوصاً كما سيأتي.
فالصواب في إسماعيل أنه ثقة ضابط في الشاميين، لا سيما الحمصيين - فهو حمصي - نبه على هذا الأساطين كيحيى بن معين في قول،
وأحمد بن حنبل، ودحيم، وعمرو بن علي، ومنهم البخاري والدولابي وابن عدي وغيرهم.
فإنهم اتفقوا على قبول روايته في الشاميين خاصة.
والذي روى عنه إسماعيل هو سعيد، وكندة أصله، وما ذكروا ما يعرف به موطن السماع منه. فالله أعلم وقد أخرج هذا الحديث ابن حبان في الثقات عن آخر، لكنه متروك من نفس الطريق عن سعيد قال: حدثا ابن قتيبة، ثنا عبد الوهاب بن الضحاك، قال ثنا إسماعيل بن عياش فذكر الحديث لإسناده ومتنه على الصواب.
فالحاصل أن الواجب قبول أو رد رواية إسماعيل في هذا الخبر بحسب حال سعيد، وطرح تضعيف الحافظ له مطلقاً، إلا أن يكون جزم بأن عداده ليس في الشاميين فيصح إطلاقه هذا على المعنى الذي ذكرناه.
الحكم على الخبر:
رجاله ثقات، مع التنبيه إلى أن سعيداً ومن بعده تفرد ابن حبان بتوثيقهم، فهذا حديث عهدته على إسماعيل. وتوثيق ابن حبان إذا لم يوجد متابعه، ولم يكن الموثق معروفاً إلا في حديث أو حديثين، وليس فيه جرح، لم يبلغ التوثيق مرتبة الصحة، هذا إن لم يكن في الخبر نكارة - والله أعلم -
هذا مع التنبيه على أن الحافظ كثيراً ما يترجم لمن تفرد ابن حبان بتوثيقه، وكان حاله كالذي هنا بقوله " مقبول " - يعني إذا توبع احتج بحديثه وإلا فهو ليّن.
10 -
حديث الشريد بن أوس الثقفي رضي الله عنه. أو هو الشريد بن سويد، والثاني أصح. والأول ذكره الحافظ في الفتح والثاني هو المذكور في التحفة والتهذيب.
ويرويه عنه عمرو ولده.
أخرج حديثه الإمام أحمد قال: حدثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال حدثني عبد الله بن أبي عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي، أن عمرو بن الشريد حدثه أن أباه حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إذا شرب الرجل فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه - أربع أو خمس مرار - ثم إذا شرب فاقتلوه ".
وأخرجه الدارمي قال: حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي، ثنا يزيد - هو ابن زريع - ثنا محمد - هو ابن إسحاق - ثنا عبد الله بن عتبة بن عروة بن مسعود الثقفي فذكره على الصواب ". . . فإن عاد في الرابعة فاقتلوه ".
وأخرجه الطبراني قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا محمد بن عبد الله الرقاشي. وحدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني عبيد الله بن عمر القواريري.
قالا: ثنا يزيد بن زريع فذكره مثل الدارمي، سواءً بسواء.
وأخرجه النسائي قال: أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله، قال ثنا محمد بن عبد الله الرقاشي، فذكره كالدارمي.
قال في الأطراف: كذا في رواية ابن الأحمر ولم يذكره أبو القاسم. وجاء في النكت للحافظ عليه مثله لكن قال: " عبد الله بن عطية بن عمرو الثقفي " وهو خطأ من النساخ.
وكذا أخرجه ابن حزم من هذا الوجه قال: حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية، نا أحمد بن شعيب - يعني النسائي - فذكره على الصواب كما قدمنا في النسائي.
وتابع الزهريُّ عبد الله عند الحاكم فإنه قال: حدثنا أبو عبدَ الله الصفار، ثنا محمد بن مسلمة، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ محمد بن إسحاق عن الزهري عن عمرو بن الشريد عن أبيه فذكره على الصواب.
ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وسكت عليه الذهبي في المختصر حيث أورد كلام الحاكم ولم يتعقبه.
حكم الخبر عن الشريد:
هو كما قال الهيثمي في " المجمع ": فيه عبد الله بن عتبة بن عروة بن مسعود الثقفي، لم أعرفه، وباقي رجاله ثقات.
قلت: وكذا أنا لم أجد عبد الله بن أبي عاصم المذكور في سند أحمد، ولعله هو نفسه ابن عتبة، فهذا حال الطريق الأولى.
وأما متابعة الحاكم فكانت مقبولة لولا محمد بن مسلمة، فقد قال فيه الحافظ: " أتى بخبر باطل اتهم به، وقال أبو القاسم اللالكائي: ضعيف، وساق له ابن عدي أحاديث تستنكر، وأورد ابن الجوزي حديثاً فقال: رواته ثقات سوى ابن مسلمة، وقال الخطيب: في أحاديثه مناكير بأسانيد واضحة، وهو غير ثقة، وقال الخطيب: رأيت هبة الله الطبري يضعفه، وكذا سمعت أبا محمد الخلال يقول: هو ضعيف جدا. انتهى ما أورده الحافظ ملخصاً من اللسان.
نعم، قد ذكر أيضاً أن الدارقطني قال:" لا بأس به ".
قلت: هيهات بعد الذي ذكر.
وبالمناسبة فالدارقطني يقبل الخبر الذي فيه مجهول العين، إذا توبع ولو بضعيف، أو مثله، ولم يصرح مدى هذا القبول.
وأنا أستبعد أن يكون يريد بذلك الحسن لغيره، لأنه عندها لا يكون من فارق بين الحديث الضعيف المحتج به، وبين ما هو دونه.
فلعله يريد أن يكون مقبولاً للاحتجاج كالضعيف الذي يرتقي، إذا تابعه مثله، واللَّه أعلم بالذي أراد.
والحاصل عندي أن مثل هذا الخبر بمفرده غير قابل للتحسين، وكذا عند جمهور أهل الحديث.
وأما بشواهده فحسن كما قدمنا مراراً.
11 -
حديث أبي الرمد البلوي. أو أبو الربداء.
لم أقف على حديثه من أول إسناده، لكن فيه ابن لهيعة فاستغنينا عن ذلك على رأي من يطلق التضعيف على عبد الله. وكذا لجهل مولى أم سلمة.
ذكره الحافظ ابن حجر في ترجمته قال:
وأخرج أبو اليسر الدولابي، وابن مندة من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن أبي سليمان مولى أم سلمة أن أبا الربداء حدثه أن رجلاً منهم شرب، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فضربه، ثم عاد فشرب الثانية فضربه، ثم عاد فشرب الثالثة، فأُتي به لا أدري في الثالثة أو الرابعة، فأمر به فحمل على العجل فوضع عليها فضرب عنقه.
وذكره الدولابي بالميم والدال المهملة - يعني أبا الرمد - وقال عبد الغني بن سعيد: هو تصحيف وإنما هو بالموحدة والذال المعجمة!!.
قال الحافظ: وأخرجه البغوي في الكنى بالميم والمهملة وقال: سكن مصر، وساق الحديث من طريق ابن لهيعة، وقال في سياقه: عن أبي سلمان، وفي رواية أخرى: عن أبي سليمان، وقال في المتن: فأُتي به فيما أرى في الثالثة أو الرابعة فأمر به فحمل على العجل فضربت عنقه. انتهى.
الحكم على الخبر:
ضعيف، لأن فيه أبا سليمان، أو أبا سلمان، مولى أم سلمة، وهو مجهول الحال كما قال ابن القطان، ونقله عنه الحافظ في اللسان.
وفيه عبد الله بن لهيعة، مختلف فيه كثيراً، وبعضهم يحسن حديثه عن العبادلة كما هنا، فتبقى علة الحديث في جهالة مولى أم سلمة.
12 -
حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه:
أخرجه عبد الرزاق في المصنف قال:
عن محمد بن راشد قال سمعت عمرو بن شعيب يحدث أن أبا موسى الأشعري حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن سأله قال: " إن قومي يصنعون شراباً من الذرة، يقال له المزر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أيسكر "؟.
قال أبو موسى: " نعم ".
قال: " فانههم عنه ".
قال: " قد نهيتهم، فلم ينتهوا ".
قال: " فمن لمن ينته في الثالثة فاقتله ".
حكم الخبر:
هو مرسل أو معضل، لأن عمراً قد روى عن بعض الصحابة، كالربيع بنت معوذ، وأم كرز الكعبية وغيرهما.
ثم في عمرٍو كلام مشهور، استغنينا عن ذكره لشهرته.
وأصل الحديث عند الشيخين وأصحاب السنن إلا الترمذي، بغير هذا الإسناد وهذه السياقة، وليس فيه ذكر القتل قط.
ثم إن له جواباً خاصاً، يأتي في الحديث الذي بعده عن أم حبيبة رضي الله عنها.
13 -
حديث أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها.
أخرجه الإمام أحمد قال:
ثنا حسن قال ثنا ابن لهيعة، قال ثنا دراج عن عمر بن الحكم أنه حدثه عن أم حبيبة بنت أبي سفيان: أن أناساً من اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعلمهم الصلاة والسنن والفرائض.
ثم قالوا: يا رسول الله، إن لنا شراباً نصنعه من القمح والشعير.
فقال: الغبيراء؟
قالوا: نعم.
قال: لا تطعموه.
ثم لما أرادوا أن ينطلقوا سألوه عنه.
فقال: الغبيراء؟
قالوا: نعم.
قال: لا تطعموه.
قالوا: فإنهم لا يدعونها.
فذكره
قال: من لم يتركها فاضربوا عنقه.
وتابع حسناً فيه يحيى بن بكير عند الطبراني قال: حدثنا عبد الملك بن يحيى بن بكير المصري، ثنا أبي، ثنا ابن لهيعة مختصراً ليس فيه ذكر آخرهاً قالوا: فإنهم لا. . . الحديث ".
لكنه عاد فأخرجه من طريق أحمد نفسها، فذكره بتمامه قال: حدثنا يحيى بن عثمان، ثنا حسان بن غالب، ثنا ابن لهيعة فذكره مثل أحمد باختصار يسير.
وأخرجه أبو يعلى من هذا الوجه أيضاً. وكذا البيهقي.
الحكم على الخبر:
هو كما قال الهيثمي في " المجمع ":
" فيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وفيه ضعف، وبقية رجال أحمد ثقات ".
قلت: لكن يتعقب عليه، بأن ابن لهيعة حديثه حسن إذا روى عنه أحد العبادلة - على الرأي المختار - وبعضهم يطلق التحسين، وهو هنا ليس كذلك.
وأما من ضعف الخبر بأبي السمح فليس بصحيح، لأن روايته ضعيفه في أبي الهيثم خاصة. وليس هو هنا كذلك.
(تنبيه):
والظاهر في هذا الخبر والذي قبله، أن الحكم إنما هو في حق منكر الحرمة لشرب هذه الأنواع من الخمور، ولذلك لم يجئ فيهما عدد معين، وظاهر السياق في ذلك بيّن.
فهذان الحديثان والآتي بعدهما، يصح عليهم جواب ابن حبان الذي سنورده في آخر المقام وقوله:" معناه - أي الحديث -: إذا استحل شربه - يعني الخمر - ولم يقبل تحريم النبي صلى الله عليه وسلم ".
حكاه عقب حديث أبي هريرة المتقدم، فحمل رحمه الله هذا الخبر على خبر أبي هريرة ومعاوية كعادته في الجمع بين الآثار.
فكأنه ذهب إلى أن من شرب الخمر أربعاً، كان كالذي استقر عنده حلُّه، فاستحق القتل، على ما سيأتي ذكره والجواب عنه إن شاء الله تعالى.
14 -
حديث ديلم الحميري الجيشاني رضي الله عنه.
أخرجه الإمام أحمد في مسنده قال:
حدثنا عبد الكبير بن عبد الحميد أبو بكر الحنفي، قال: حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني، أن ديلم أخبرهم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، إننا ببلد بارد، وإنا نشرب شراباً نتقوى به؟
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهل يسكر؟
قال: نعم.
قال: لا تقربوه.
قال: فإنهم لن يصبروا عنه.
قال: فمن لم يصبر عنه فاقتلوه.
ثم أخرجه قال: حدثنا الضحاك بن مخلد قال: حدثنا عبد الحميد فذكره مثله.
وقال: حدثنا محمد بن عبيد، ثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب فذكره وفي آخره: فقلت: إن الناس غير تاركيه.
قال: " فإن لم يتركوه فاقتلوهم ".
وأخرجه أبو داود قال:
حدثنا هناد بن السري، أخبرنا عبدة، عن محمد - يعني ابن إسحاق -
فذكره وفيه:
قال: " هل يسكر؟ ".
قال: نعم.
قال: " فاجتنبوه ".
قال: قلت: فإن الناس غير تاركيه.
قال: " فإن لم يتركوه فقاتلوهم ".
وأخرجه البيهقي من طريقي أحمد مثله.
ولفظه عنده " فاقتلوهم " كما عند أحمد.
ثم أخرجه من وجه آخر مختصر قال:
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، وأبو زكريا بن أبي إسحاق، قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنبأ محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أنبأ ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب وعياش بن عباس عن أبي الخير، وهو مرثد، عن ديلم الجيشاني أنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنا بأرض باردة شديدة البرد نصنع بها شراباً من القمح، أفيحل يا نبي الله؟
فقال: " أليس بمسكر؟ ".
قالوا: بلى.
قال: " فإنه حرام ".
هذا ما وقفت عليه من طرق هذا الخبر وألفاظه.
وكان مسلم أخرج في صحيحه، والنسائي في الكبرى، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إن رجلاً قدم من جيشان (وجيشان من اليمن) فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة، يقال له المزر.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أمسكر هو؟ ".
قال: نعم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل مسكر حرام، إن على الله عز وجل عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال ".
قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟
قال: " عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار ".
قلت: فلعل هذا السائل هو ديلم، والله أعلم، وقد جزم بذلك ابن بشكوال في غوامض الأسماء، وأما حديث فيروز الديلمي عند أبي داود، فقد فرق ابن حجر بينه وبين هذا الحديث، كما في الإصابة.
حكم خبر ديلم:
إسناد الإمام أحمد الأول حسن، لأجل الكلام اليسير في خطأ عبد الحميد بن جعفر، وأما يزيد، فإنهم ذكروا له تدليساً يسيراً جداً عن واحد أو اثنين، غير مرثد بن عبد الله.
وقد تابع ابن إسحاق عبد الحميد كما في الرواية الثانية، لكنه عنعن وهو مدلس.
(تنبيه):
وبه يتبين أن رواية " فقاتلوهم " غير ثابتة، لأنها لم ترد إلا في حديث محمد بن إسحاق، الذي بإسناد أبي داود الضعيف.
ثم على صحة ثبوتها أو ارتقائها، فيمكن حملها على رواية " فاقتلوهم "، لأن القتل من لوازم المقاتلة.
(تنبيه):
بقي من أحاديث قتل شارب الخمر في الرابعة، حديث ذكره الزيلعي في نصب الراية، وعزاه للطبراني في معجمه من حديث ابن مسعود.
كذا قال، ولم يذكر فيه شيئاً، لا سنداً ولا متناً، ولم أجده في المعجم الكبير للطبراني، بل إنه ليس في المعجم الكبير لابن مسعود إلا بضعة أحاديث متفرقة، فلينظر في غيره من معاجمه أو في الساقط منه.
وكذلك لم أقف عليه في " المجمع " للهيثمي، ولو كان في أحد المعاجم لذكره ولوجدته. فغلب على الظن أنه من وهم الزيلعي.
وحيث أني نظرت في " نظم المتناثر من الحديث المتواتر " فلم أقف له على ذكر في هذا الخبر، ترجح عندي بما يشبه القطع، أن ليس لابن مسعود حديث في الباب.
هذا وقد بقي حديثان أحدهما عن جابر والآخر عن قبيصة يأتيان إن شاء الله.