الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث والعشرون
في المتبايعين إن اختلفا
يرويه جماعة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وله طرق.
- الأولى: عن أبي عبيدة عن ابن مسعود، وهي منقطعة.
أخرجها أحمد في المسند قال: حدثني محمد بن إدريس الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم - يعني القداح - أخبرنا ابن جريج أن إسماعيل بن أمية أخبره عن عبد الملك بن عمير أنه قال: حضرت أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وأتاه رجلان يتبايعان سلعة، فقال هذا: أخذت بكذا وكذا، وقال هذا: بعت بكذا وكذا، فقال أبو عبيدة، أتي عبد الله بن مسعود في مثل هذا فقال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي في مثل هذا، فأمر البائع أن يستحلف ثم يخير المبتاع، إن شاء أخذ وإن شاء ترك.
وأخرجه الدارقطني من طريق أحمد قال: ثنا أبو بكر النيسابوري، ونا الحسين بن صفوان قالا: نا عبد الله بن أحمد حدثني أبي. . . فذكره.
ثم قال عبد الله بن الإمام أحمد: إني أخبرت عن هشام بن يوسف في البيعين في حديث ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عبيدة، وقال حجاج الأعور: عن عبد الملك بن عبيد.
وكذا من طريق أحمد أخرجه البيهقي مع تفصيل عبد الله في آخره لكنه عكسه فقال: أخبرت عن هشام بن يوسف عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عبيد، قال أحمد: وقال حجاج الأعور: عبد الملك بن عبيدة. وكذا هي في المسند.
وأما شيخه الحاكم، فأخرج الحديث عن أبي العباس محمد بن يعقوب عن الربيع تلميذ الشافعي عن الشافعي به، بالسند والمتن، وقال فيه " عبد الملك بن عبيد " ثم ذكر الحاكم الخلاف في عبد الملك هل هو ابن عبيدة أو ابن عبيد، لكن النساخ حرفوها فجعلوها " ابن عبيد " في الموضعين، وهو خطأ بين وتحريف.
فلم نفد من ما ذكر الحاكم، حكم جهل النساخ أو سهوهم.
إلا أن الدارقطني أخرج الحديث عن ابن جريج من وجه آخر قال: ثنا أبو بكر النيسابوري، نا يوسف بن سعيد، نا حجاج، عن ابن جريج، أخبرني إسماعيل بن أمية، عن الملك بن عبيدة فذكره.
وخالفه النسائي في الصغرى والكبرى في عبد الملك فقال: حدثنا إبراهيم بن الحسن، ويوسف بن سعيد وعبد الملك بن خالد، واللفظ لإبراهيم قالوا: حدثنا حجاج قال: قال ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عبيد فذكره.
فتلخص أنه يرويه عن أبي عبيدة ثلاثة:
1 -
عبد الملك بن عمير.
2 -
عبد الملك بن عبيد.
3 -
عبد الملك بن عبيدة.
الأول تغير حفظه، وربما دلس، وهو في نفسه ثقة، والآخران
مجهولان. وقد قال البخاري:: عبد الملك بن عبيد عن بعض بني عبد الله بن مسعود، مرسل، فاعتل الخبر بهذا الاختلاف.
والعلة الثانية قاصمة الظهر أن أبا عبيدة لم يدرك أباه عبد الله بن مسعود كما ذكر ذلك البيهقي، وابن حزم، وغيرهما من الأساطين، وقد سئل: أتذكر من أبيك شيئاً؟ قال: لا.
وغفل الحاكم عن ذلك فصحح الخبر، ولم يهمه إلا أن يكون سعيد بن سالم حفظ في إسناده عبد الملك بن عبيد!
كذا قال واهتم!!!
والطريق غير متصلة، ولا صحيحة أحفظه سعيد أم لم يحفظه.
* * *
- الطريق الثانية: طريق القاسم بن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود، وهي منقطعة أيضاً. وقد رواها عن القاسم جماعة.
1 -
المسعودي، وهو عبد الرحمن بن عبد الله. صدوق اختلط.
2 -
أبو العميس عتبة بن عبد الله المسعودي، وثقه أحمد وغيره، وسكت عنه البخاري وابن أبي حاتم.
3 -
عبد الملك بن عبيدة، مجهول الحال.
4 -
معن بن عبد الرحمن، ثقة من رجال الشيخين.
5 -
أبان بن تغلب، ثقة، على تشيع فيه.
6 -
ابن أبي ليلى، إن كان محفوظاً، صدوق سيّء الحفظ جداً.
أما المسعودي: فأخرج طريقه أبو داود الطيالسي قال: حدثنا المسعودي عن القاسم: بايع عبدُ الله الأشعثَ بن قيس برقيق من رقيق الإمارة، فأرسل إليه يتقاضاه، فقال الأشعث: بعتني بعشرة آلاف.
وقال عبد الله: بعتك بعشرين ألفاً.
ثم قال عبد الله: اختر بيني وبينك رجلاً، فقال الأشعث: أما والله لأختاره، أنت بيني وبين نفسك.
فقال عبد الله: أما والله لأقضين بيني وبينك بقضاء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا اختلفا البيعان، ولم يكن بينهما بينة، فهو بما يقول رب السلعة أو يتتاركان ".
وأخرج طريقه - أعني المسعودي - مع أبي عميس، البيهقي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ - وغيره - ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة، أنا جعفر بن عون، أنا أبو عميس وعبد الرحمن - يعني المسعودي - عن القاسم بنحوه.
وكذا أخرج الدارقطني طريق أبي العميس: عن محمد بن مخلد، نا عباس بن محمد، نا عمر بن حفص نا أبي عن أبي العميس به.
وأما عبد الملك بن عبيدة فأخرج طريقه أحمد قال: أخبرت عن هشام بن يوسف في البيعين في حديث ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عبيد، وقال حجاج الأعور:
عبد الملك بن عبيدة، قال: وحدثنا هشيم قال: أخبرنا ابن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود، وليس فيه عن أبيه.
قلت: ولم يذكر أحمد لفظاً فيه.
وأما معن بن عبد الرحمن فأخرج طريقه أحمد قال: حدثنا ابن مهدي، قال حدثنا سفيان، عن معن عن القاسم عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا اختلف البيعان - والسلعة كما هي - فالقول ما يقول صاحب السلعة، أو يترادان ".
قلت: فاختصر معن القصة، وزاد:" والسلعة كما هي "، في رواية ابن مهدي عن سفيان هذه.
وأخرج طريقه أحمدُ عن عمر بن سعد قال: حدثنا عمر بن سعد أبو داود، حدثنا سفيان عن معن به، باللفظ الأول للطيالسي وذكر القصة.
وأخرج طريقه عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري عن معن بن عبد الرحمن عن القاسم بن عبد الرحمن أن ابن مسعود. فذكره باللفظ الأول للطيالسي والقصة، لكنه قال:" رب المال " ولم يقل " رب السلعة ".
وأما أبان بن تغلب فأخرج طريقه البيهقي قال: " وكذلك رواه معن بن عبد الرحمن أخو القاسم، وأبان بن تغلب عن القاسم ". ولم يذكر سنداً.
قلت: هي طريق أبي يعلى في مسنده.
وأما طريق ابن أبي ليلى فأخرجها البغوي قال: أجاز لي أبو الحسن عبد الرحمن الداوودي، أنا أبو محمد بن عبد الله السرخسي، أنا أبو عمران عيسى بن عمر السمرقندي الدارمي، أنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي السمرقندي، أنا عثمان بن محمد، نا هشيم، نا ابن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عبد الله قال: سمعت رسول الله " يقول: " البيعان إذا اختلفا، والمبيع قائم بعينه، ليس بينهما بينة، فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع ".
قلت: وطريق ابن أبي ليلى عن القاسم هذه فيها عندي شك: فقد روى البغوي هذا الإسناد عن الدارمي صاحب السنن، والحديث عند الدارمي بهذا اللفظ وهذا الإسناد، وفيه " عن أبيه ".
وكذا أخرجه أبو يعلى من طريق هشيم عن ابن أبي ليلى عن القاسم عن أبيه عن ابن مسعود.
نعم، ذكر الدارقطني في العلل طريق البغوي فقال: رواه هشيم عن ابن أبي ليلى عن القاسم عن ابن مسعود مرسلاً، قال: قال ذلك أحمد بن حنبل وسعيد بن منصور عن هشيم.
قلت: فكأنه لم يقف على هذه الطريق هو، والله أعلم.
والخلاصة أن الطريق ضعيفة لاتفاقهم على أن القاسم لم يسمع من عبد الله بن مسعود، وهي مع ضعفها لانقطاعها.
فقد تفرد ابن مهدي بزيادة " والسلعة كما هي ".
وتفرد عبد الرزاق بلفظ " رب المال " لكنه قد يؤول على أن المراد " رب السلعة " مع تعسف هذا التأويل.
* * *
الطريق الثالثة: عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن مسعود.
وروى هذه الطريق عن القاسم جماعة منهم:
1 -
ابن أبي ليلى، وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى المتقدم، سيّء الحفظ جداً.
2 -
معن بن عبد الرحمن، المتقدم، ثقة من رجال الشيخين.
3 -
الحسن بن عمارة، متروك.
4 -
ابن عباس، إن كان محفوظاً.
5 -
عمر بن قيس الماصر، صدوق ربما وهم.
6 -
أبو حنيفة النعمان بن ثابت، ضعيف.
- أما طريق ابن أبي ليلى فأخرجها أبو داود في السنن قال:
حدثنا محمد بن عبد الله النفيلي، أخبرنا هشيم، أنبأنا ابن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه: أن ابن مسعود، باع من الأشعث بن قيس رقيقاً، فذكر معناه، والكلام يزيد وينقص. انتهى.
قلت: كذا قال أبو داود، ولم يذكر لفظاً.
وأخرجها ابن ماجه قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن الصباح قالا: ثنا هشيم، أنبأنا ابن أبي ليلى، عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه، أن عبد الله بن مسعود باع من الأشعث، نذكره كلفظ الطيالسي المتقدم وزاد:" والبيع قائم بعينه ".
وأخرجها الدارمي، كما نبهنا فى آخر الطريق الثانية، وبنفس لفظ أبي داود الطيالسي لكن قال:" والمبيع قائم بعينه "، ولم يقل " وليس بينهما بينة " ولا ذكر القصة.
وأخرجها الدارقطني عن عبد الله بن محمد، ثا عثمان - شيخ ابن ماجه - كلفظ ابن ماجه.
وكذا البيهقي، من طريق ابن أبي شيبة به.
وتابع موسى بن عقبة فيه هشيماً كما عند الدارقطني من غير وجه قال:
حدثنا محمد بن الحسين بن سعيد الهمداني، نا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم الدمشقي، نا هشام بن عمار، نا ابن عياش، نا موسى بن عقبة عن محمد بن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جدّه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا اختلف المتبايعان في البيع والسلعة كما هي لم تستهلك، فالقول قول البايع أو يترادان البيع ".
ثم ذكره الدارقطني من وجهين آخرين عن إسماعيل بن عياش عن موسى به.
وكذا أخرج هذه الرواية الهيثم بن كليب في مسنده.
وقد أخطأ الدارقطني في قوله في " العلل ": وزاد - يعني موسى - لفظة لم يأت بها غيره فقال: " والسلعة قائمة كما هي ". وكان الصواب أن يقول: " لم تستهلك "، فهذا الذي تفرد به موسى، أما " السلعة قائمة كما هي " فقد ذكرناها في رواية ابن مهدي عند أحمد في الطريق الثانية.
هذا مع أنه وقع في سنن الدارقطني إسناد عجيب جداً، فيه سقط، ولفظ عجيب جداً، من طريق ابن أبي ليلى، قال الدارقطني: ثنا ابن صاعد، نا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا اختلف البيعان والمبيع مستهلك، كان المبتاع بالخيار، إن شاء أخذ، وإن شاء ترك ".
قال الدارقطني: تفرد بهذا اللفظ أبو الأحوص القاص، عن هشام. انتهى.
قلت: بين ابن صاعد ومحمد ابن أبي ليلى مفاوز، وخلق ليسوا دون الأربعة، ولا يبعد أن يكون السند هكذا: حدثنا ابن صاعد - هو يحيى بن محمد بن صاعد - نا محمد بن الهيثم بن حماد - هو أبو الأحوص القاضي -، نا هشام - هو ابن بهرام - نا إسماعيل بن عياش، نا موسى بن عقبة، عن محمد بن أبي ليلى. . . باللفظ الذي أوردناه.
وعليه فيكون كما قال الدارقطني: تفرد بهذا اللفظ أبو الأحوص عن هشام.
وأياً ما كان السند فيه على ما استظهرته، أو بخلافه، ففي رواية إسماعيل عن أهل الحجاز كلام كما ذكر ذلك البيهقي وغيره، وابن أبي ليلى سيّء الحفظ ضعيف في الرواية، كثير التخليط باتفاق. فلا يقبل شيء من هذه الألفاظ.
- وأما طريق معن بن عبد الرحمن فأخرجها الطبراني قال: حدثنا محمد بن صالح النرسي، ثنا علي بن حسان العطار، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا سفيان عن معن بن عبد الرحمن عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها، فالقول قول البائع، أو يترادان ".
وتابع ابن مهدي على ذلك - ولا تهمنا متابعته إلا في الوقوف على أول السند - أبو حذيفة، موسى بن مسعود - وهو صدوق سيّء الحفظ، وكان يصحف - عن الثوري عن معن به، كما ذكر هذه المتابعة الدارقطني في العلل، وقال: قاله أحمد بن يونس الضبي عنه.
قلت: وأحمد هذا ثقة، لكن ما عرفنا بقية السند.
نعم رأيته في آخر العلل عن أبي القاسم الشيرازي - وثقه الدارقطني - عن أحمد به، فبقي في السند موسى.
ورواية الطبراني فيها علي بن حسان العطار، قال الهيثمي: لم أعرفه، قلت: وأنا كذلك، فلينظر.
ومحمد بن صالح النرسي مثله.
لكن ذكر في اللسان: علي بن الحسن بن حفص العطار، قال ابن أبي الفوارس: توفي سنة ست وسبعين وثلاثمائة، وكان مخلطاً في الحديث.
قلت: فهو مستبعد جداً لتأخر وفاته عن الطبراني بست عشرة سنة.
ومحمد بن صالح النرسي، وقفت على ذكر له غير شاف.
فقال ابن ناصر الدين في توضيح المشتبه: شيخ للطبراني، هو ابن صالح بن الوليد بن نصر، حدث عن عبد بن عبد الله الصفار، وعمرو بن علي الفلاس وغيرهما.
وأغفله صاحب الأنساب السمعاني.
والخلاصة أن السند لمعن غير ثابت.
- وأما طريق الحسن بن عمارة فأخرجها الدارقطني قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، ثنا الحسن بن جعفر بن حوراء،
حدثني عمي طاهر، نا الحسن بن عمارة عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا اختلف البيعان فالقول ما قال البايع، فإذا استهلك فالقول قول المشتري ".
قال الدارقطني: الحسن بن عمارة متروك.
قلت: نعم، وهذا اللفظ من مفاريده.
- وأما طريق ابن عباس فإني لم أقف عليه، ورأيت بعض الناس ذكروه، ونسبوه للدارقطني، وأن البيهقي ذكر ذلك.
قلت: والحق أنه ليس عند واحد منهما، وما أدري كيف ذكر، ونبهت عليه، فلعله يكون ذكر وغفلت عنه.
- وأما طريق عمر بن قيس الماصر فأخرجها ابن الجارود قال: حدثنا أبو زرعة الرازي، قال ثنا محمد بن سعيد، قال: ثنا عمرو بن قيس، عن عمر بن قيس الماصر، عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال: فذكره مثل رواية الطيالسي.
وأخرجها الدارقطني في السنن قال: ثنا أبو محمد بن صاعد أملاءً وغيره، قالوا: نا محمد بن مسلم بن وارة، حدثني محمد بن سعيد بن سابق، نا عمرو بن أبي قيس، عن عمر بن قيس الماصر عن القاسم به مثل رواية الطيالسي.
وأشار لهذه الطريق في كتابه العلل وقال: رواه عمر بن قيس الماصر. حدث به عمرو بن أبي قيس.
وأخرجها البزار بهذا اللفظ وقال: " لا نعلم رواه عن عمر بن قيس إلا عمرو بن أبي قيس ".
قلت: فتبين أن لفظ ابن الجارود " عمرو بن قيس " هو من خطأ النساخ.
وعمرو بن أبي قيس ثقة على كلام فيه:
فقد قال أبو داود: لا بأس به، في حديئه خطأ.
وقال الذهبي: صدوق له أوهام.
ومثله قول الحافظ ابن حجر.
والباقون على توثيقه.
وأما عمر بن قيس الماصر: فوثقه ابن حبان، وابن معين، ويعقوب بن سفيان.
وقال أحمد بن صالح: ثقة إنما الطعن فيه من قبل الغلط.
وقال ابن حجر في التهذيب: " قال ابن حزم: عمر بن قيس مجهول، فما أدري أراد هذا أو غيره ".
وقال في التقريب: صدوق له أوهام.
قلت: فهذا السند حسن لا يتجاوزه، في الظاهر، لكن له علة فيه، وأخرى بالمقارنة والتأمل والاعتبار.
أما التي فيه فذكرها الحافظ في التلخيص حيث قال: " ورجاله - يعني هذا الإسناد - ثقات، إلا أن عبد الرحمن اختلف في سماعه من أبيه ".
قلت: قد قال بصحة السماع جماعة من الأئمة، منهم يحيى بن معين، وعلي بن المديني، والبخاري، وقيد السماع بأحاديث معينة قليلة ليس على إطلاقه جماعة منهم إسرائيل، والعجلي، ومنع من السماع وأنكره: يحيى بن معين في رواية، وسفيان الثوري، وشريك، وشعبة وقال الحاكم: اتفق مشايخ أهل الحديث أنه لم يسمع من أبيه!
وقال ابن المديني مرة: سمع من أبيه حديثين حديث الضب، وحديث تأخير الصلاة.
قلت: فالذي أجده من كلامهم أن الصحة في قول من توسط فأثبت سماع بعض الأحاديث القليلة، فقد كان سنه يوم توفي أبوه ست سنين، كما قال يحيى بن سعيد القطان، وبهذا يصح قول من أثبت السماع ولم يعين، ويصح قول من نفي أيضاً لأن السماع لحديث أو حديثين مع كثرة المنقول لا يعد سماعاً، لا سيما إن لم يعين الحديثان، وعلى فرض صحة التعيين قطعنا بضعف هذا الخبر وانقطاعه.
وبهذا الجواب تقطع حجة من قال في صحة السماع: " المثبت مقدم على النافي، ومن علم حجة على من لم يعلم " والله أعلم.
وأما طريق أبي حنيفة.
فأخرجها الخصكفي في مسند أبي حنيفة عن ابن أبي السري العسقلاني، عن المقري، عن أبي حنيفة، عن القاسم عن أبيه عن جده عبد الله.
وذكر الدارقطني أن عبد الله بن بزيغ تابع المقري فيه عن أبي حنيفة به.
وهذه طريق ضعيفة، لا تثبت لأوجه:
الأول: أن ابن أبي السري، هو محمد بن المتوكل صدوق، له أوهام كثيرة.
الثاني: أن عبد الله بن بزيغ، قال ابن عدي: ليس بحجة، وعامة أحاديثه ليست بمحفوظة.
وقال الساجي: ليس بحجة.
الثالث: ضعف الإمام في الرواية مع الاعتذار للحنفية، فإنه لا يجوز طرح تضعيفه الوارد عن جمهور الأئمة. وما كنت سأورد ذكر من ضعفه، لولا علمي بالطعن علي إن لم أذكر ذلك.
قال الإمام البخاري: تركوه، [التاريخ الكبير (8/ 3463].
وقال الإمام مسلم: مضطرب الحديث، ليس له كبير حديث صحيح.
[الكنى: الورقة 31].
وقال الإمام النسائي: ليس بالقوي في الحديث [الضعفاء والمتروكون رقم (614].
وقال الإمام أحمد: ضعيف، [ضعفاء العقيلي ص (432)].
وقال ابن سعد: كان ضعيفاً في الحديث [الطبقات (6/ 256].
وقال أبو زرعة: ضعيف [أسامي الضعفاء (338].
وقال الدارقطني: ضعيف [السنن ص (123].
وقال عبد الحق الأشبيلي: لا يحتج به لضعفه في الحديث [الأحكام الكبرى (ق 17/ 2].
وقال ابن عدي: ليس هو من أهل الحديث، وعامة ما يرويه غلط وتصاحيف وزيادات ولم يصح في جميع ما يرويه إلا بضعة عشر حديثاً، [الكا مل (2/ 453].
وروى الترمذي في العلل الكبير بإسناد صحيح على شرط الشيخين قال: سمعت محمود بن غيلان يقول سمعت المقري يقول سمعت أبا حنيفة يقول: عامة ما أحدثكم خطأ.
[ترتيب علل الترمذي الكبير ص (388].
وأما ابن معين، فاختلف قوله، فمرة يوثق ومرة يضعف.
والحاصل أن تتبع ذكر من ضعّفوه يطول.
وما قد جاء في ذكر مناقبه ومآثره، والثناء عليه في دينه واجتهاده، ما يطول جداً، وليس هو من جنس رواية الأحاديث والحكم بالضبط والإتقان والحفظ في الرواية، فهذا شأن آخر.
وأما طرح كلام كل هؤلاء الأئمة في تضعيفه في رواية الحديث فقط، فطعن في معرفتهم، وشك في دينهم وصلاحهم.
ومعاذ الله أن يداخلنا الريب في صدق هؤلاء الأئمة.
وأما العلة التي تعرف بالمقارنة.
فقد تبين أن القائلين بقول " عن أبيه " في رواية القاسم خمسة:
الأول: سيّء الحفظ جداً، وهو ابن أبي ليلى.
والثاني: لم يصح السند إليه، وهو معن.
والثالث: متروك، وهو الحسن.
والرابع: لم يثبت، هو ابن عباس، إن كان ذكر.
والخامس: له أوهام، هو ومن قبله، واختلف في صحة سماع من
بعده، وهو عمر بن قيس.
السادس: النعمان ضعيف، والسند إليه غير ثابت.
وأما بمقابلة المسقطين لقول " عن أبيه ". مع المثبتين:
الأول منهم: كالأول في المثبتين، وهو ابن أبي ليلى.
والثاني منهم: كالثاني في المثبتين، لكن صح السند إليه، بخلاف الأمر عند الإثبات.
والثالث منهم: المتروك، قابله عبد الملك عند المثبتين مجهول، والجهالة أحسن حالاً من الترك.
والرابع منهم: المجهول عند المثبتين، قابله المسعودي صدوق اختلط، فمثله حسن الحديث.
والخامس منهم: صدوق له أوهام، قابله أبان بن تغلب ثقة عند المثبتين.
والسادس: ضعيف السند إليه غير ثابت، وللنافين أبو العميس، ثقة.
فرجحنا المسقطين لقول " عن أبيه " لكثرتهم، وثقتهم، وأعللنا رواية عمر بالمخالفة، لمخالفته الثقات ذوي العدد. كما يعل أئمة هذا الشأن زيادة الثقة بمثل هذه العلة، مع اعترافهم وقولهم بأن الزيادة من الثقة مقبولة، لكن حيث القوة فيها من غير وهن ولا مخالفة.
ولا ينكر وهن هذا الموصول هنا أحد وقف على الذي حررناه.
وبهذا تعرف صحة من أنكر أن يكون لهذا الحديث طريق صحيح موصول، كما قال الإمام الشافعي، والبيهقي، وابن حزم، وابن حجر وغيرهم.
وبقي القول أن القاسم توبع في هذا الخبر، بالشعبي، ولكن ما صح السند للشعبي، وهي الطريق الرابعة. ثم هي منقطعة بين عبد الرحمن وأبيه عند الأكثر.
* * *
الطريق الرابعة عن الشعبي عن عبد الرحمن عن أبيه عبد الله بن مسعود.
أخرجها الطبراني قال: حدثنا عبد الله بن ناجية، ثنا إبراهيم بن محشر، ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي سعد البقال، عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع ".
وذكر هذا، الدارقطني، ولم يسنده.
لكنها لا تصح، فأبو سعد هو سعيد بن المرزبان، ضعيف ومدلّس
* * *
الطريق الخامسة: عن ابن لعبد الله بن مسعود عن أبيه.
أخرجها الدارقطني قال: ثنا أبو بكر النيسابوري، نا محمد بن غالب الأنطاكي، نا سعيد بن مسلمة، نا إسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عبيدة، عن ابن لعبد الله بن مسعود، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا اختلف البيعان، ولا شهادة بينهما، استحلف البايع، ثم كان المبتاع بالخيار، إن شاء ترك وإن شاء أخذ ".
وأخرجها البيهقي قال: أخبرنا أبو الحسن بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد، ثنا عياش بن الفضل، ثنا الحكم بن موسى ثنا سعيد بن مسلمة فذكره - وليس عنده لفظ -.
وأخرجها من وجه آخر قال: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد، ثنا أحمد بن علي، ثنا يعقوب بن حميد، ثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عمير، عن بعض بني عبد الله بن مسعود. . . فذكره بمثل لفظ الدارقطني.
وهي ضعيفة من وجهين:
الأول: في الاختلاف على عبد الملك بن عمير أو ابن عبيدة، كما قدمنا في الطريق الأولى، وأن الأول تغير حفظه، وربما دلس، مع ثقته، والآخر مجهول، والسند لابن عمير فيه أحمد بن علي لم أعرفه.
الثاني: ما ذكره ابن حزم بعد ذكر هذه الرواية قال: وهذا لا شيء، لأن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود سئل: أتذكر من أبيك شيئاً؟
قال: لا.
قال ابن حزم: ولم يكن لعبد الله رضي الله عنه من الولد إلا ثلاثة: أبو عبيدة وهو أكبرهم، وعبد الرحمن تركه ابن ست سنين، وكان عتبة أصغرهم، وعبد الملك بن عبيدة مجهول، فسقط القول. انتهى.
وقال البخاري في تاريخه: عبد الملك بن عبيد عن بعض ولد عبد الله بن مسعود، روى عنه إسماعيل بن أمية، مرسل.
* * *
الطريق السادسة عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
أخرجها الدارقطني: نا أبو القاسم بدر بن الهيثم، نا محمد بن عبيد بن عبد، نا أحمد بن مسبح الجمال، نا عصمة بن عبد الله، نا إسرائيل عن الأعمش عن أبي وائل، عن عبد الله قال:" إذا اختلف البيعان والبيع مستهلك، فالقول قول البائع " ورفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: لم أعرف شيخ الدارقطني فيه، ولا شيخ شيخه، ولا شيخ شيخ شيخه، ولا شيخ شيخ شيخ شيخه.
وكأنه لجهالة رواة هذه الطريق، لم يذكرها الدارقطني، في ذكره لطرق هذا الحديث في العلل.
فَأَسْقِط بها من طريق.
* * *
الطريق السابعة عن علقمة عن عبد الله بن مسعود.
أخرجها الطبراني في الكبير قال: حدثنا محمد بن هشام المستملي، نا عبد الرحمن بن صالح، نا فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" البيعان إذا اختلفا في البيع ترادا البيع ".
قال الحافظ: " رواته ثقات، لكن اختلف في عبد الرحمن بن صالح، وما أظنه حفظه، فقد جزم الشافعي أن طرق هذا الحديث عن ابن مسعود ليس فيها شيء موصول ".
قلت: نعم الخلاف في عبد الرحمن قوي حتى قال أبو داود: لم أر أن أكتب عنه، وضع كتاب مثالب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال موسى بن هارون: شيعي محترق، حرّقت عامة ما سمعت منه، يروي أحاديث في مثالب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
* * *
وقال مرة: كان ثقة، وكان يحدث بمثالب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وقال صالح بن محمد: كوفي صالح، إلا أنه كان يبغض عثمان.
والرجل وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وأبو حاتم، وابن حبان وغيرهم.
واختصر كلامهم ابن عدي فقال: " معروف مشهور في الكوفيين، لم يذكر بالضعف في الحديث، ولا اتهم فيه، إلا أنه محترق فيما كان فيه من التشيع ".
قلت: فهذا شيعي داعية، والمذهب الأعدل رد روايته على مذهب الجمهور، والخلاف في هذا مشهور كما اختصر الكلام عليه الحافظ في مقدمة الفتح فلينظر.
ثم شيخ الطبراني، ما وقفت على توثيقه، وإنما وقفت على قول الهيثمي: محمد بن هشام المستملي، لم أجد من ذكره.
* * **
الطريق الثامنة: التي عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث عن أبيه عن جدّه عن ابن مسعود.
أخرجها أبو داود قال: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، أخبرنا عمر بن حفص بن غياث، أنبأنا أبي عن أبي عميس قال: أخبرني
عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث عن أبيه عن جدّه قال فذكر نحواً من لفظ الطيالسي الذي سقناه أول الطرق.
وأخرجه النسائي قال: حدثنا محمد بن إدريس قال حدثنا عمر بن حفص فذكر المتن من غير قصة.
وأخرجه ابن الجارود قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا عمر بن حفص بن غياث، بالقصة والمتن.
وأخرجه الدارقطني قال: ثنا محمد بن مخلد، نا العباس بن محمد، نا عمر بن حفص بن غياث به، فذكره بالقصة والمتن.
وأخرجه البغوي بإسناده إلى أبي داود، بالقصة والمتن.
وأخرجه الحاكم قال: حدثنا محمد بن صالح بن هانئ، والحسن بن يعقوب، وإبراهيم بن عصمة قالوا: ثنا السري بن خزيمة ثنا عمر بن حفص بن غياث به، بالقصة والمتن سواء.
ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله - يعني الحاكم - فذكره مثله.
قال الحاكم بعد إخراجه: " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ".
وقال البيهقي: " هذا إسناد حسن موصول، وقد روي من أوجه بأسانيد مراسيل إذا جمع بينها صار الحديث بذلك قوياً ".
لكن ابن التركماني تعقبه، فجمع ما انتقد على هذه الرواية فقال:
" في كل من حسنه واتصاله نظر ":
أ - فإن عبد الرحمن وأباه وجدّه محمداً حالهم مجهول، كذا قال ابن القطان.
ب - وقال ابن عبد البر: إسناده ليس بحجة، وفيه مقال من جهة انقطاعه، وضعف نقلته.
ج - وذكر ابن القطان أنه عنى بجده: محمد بن الأشعث، وأن الانقطاع بينه وبين ابن مسعود.
د - وما حكاه البيهقي عن الشافعي أنه قال: " لا أعلم أحداً يصله عن ابن مسعود " يدل على انقطاعه.
هـ - وفي " المحلى ": الحديث مرسل، محمد بن الأشعث لم يسمع من ابن مسعود، وعبد الرحمن ظالم من ظلمة الحجاج لا حجة في روايته، وإنما هو عبد الرحمن بن محمد بن قيس بن محمد بن الأشعث، وهو مجهول ابن مجهول، وأيضاً فلم يسمع منه أبو عميس شيئاً لتأخر سنّه عن لقائه، انتهى كلام ابن حزم.
قال ابن التركماني: والسند الذي أخرج البيهقي هذا الحديث به، قال فيه عن أبي عميس أخبرني عبد الرحمن بن قيس، وهذا يرد على ابن حزم، ويدل على سماعه منه.
ثم قال: وقال المزي في أطرافه: رواه يعقوب بن سفيان عن عمر بن
حفص وقال: عبد الرحمن بن محمد بن قيس بن محمد بن الأشعث، ويظهر من مجموع ما تقدم الاختلاف في نسبة عبد الرحمن،. انتهى كلام ابن التركماني.
خلاصة القول في الخبر:
والخلاصة أن الخبر لا يتصل من وجه صحيح من الوجوه، وأن الإرسال هو المحفوظ، كما قطع بذلك الدارقطني في العلل، والشافعي في رواية المزني وغيره، على البيان الذي فضلناه، وأن الحكم بصحته واتصاله، هو قول من تعجّل.
إلا أن مجموع طرقه يدل على أصل، كما ذكر صاحب التنقيح، والزيلعي، وغيرهما، حتى أودعه مالك في الموطأ بلاغاً.
(تنبيه):
قد أنكر بعض الناس أن يكون في الخبر قد وقع ذكر الحلف.
والحق أنها موجودة كما ذكرنا ذلك في الطريق الأولى لهذا الخبر، عند أحمد والنسائي والدارقطني والحاكم، ففيه " فأمر البائع أن يستحلف ".
وكذا وقع في رواية الدارقطني، التي عن بعض بني عبد الله بن مسعود. كما في الطريق الخامسة.
والطريقان اللذان وقع فيهما ذكر الحلف ضعيفان جداً، أقلنا بالإرسال أو الاتصال.
نعم، الذي لم يقع في شيء من الأخبار، هو أن يستحلف كل واحدٍ منهما الآخر، على نحو ما يذكر في فتوى بعض العلماء.
وهو اللفظ إنما ذكره في الأحاديث، الفقهاء، لا أصحاب الأسانيد، كما هو في المغني، والوسيط وغيرهما.
فالحديث على فرض صحة وصله أو إرساله، لا يثبت فيه ذكر الحلف، ولا التحالف.
وصل في بيان أن الفتوى على غير معنى هذا الخبر، وذكر حجتهم في ذلك:
قال في المغني: إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة، فقال البائع بعتك بعشرين وقال المشتري بل بعشرة ولأحدهما بينة حكم بها.
وإن لم يكن لهما بينة تحالفا، بهذا قال شريح وأبو حنيفة والشافعي ومالك في رواية.
وعنه - يعني عن مالك - القول قول المشتري مع يمينه، وبه قال أبو ثور وزفر.
قال: وقال الشعبي: القول قول البائع أو يترادان البيع، وحكاه ابن المنذر عن إمامنا رحمه الله، والمشهور في المذهب الأول، ويحتمل أن يكون معنى القولين واحداً، وأن القول قول البائع مع يمينه، إذا حلف فرضي المشتري بذلك أخذ به، وإن أبى حلف أيضاً وفسخ البيع، لأن في بعض ألفاظ حديث ابن مسعود " إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة، ولا بينة لأحدهما تحالفا ". انتهى.
قلت: وهذا الذي استغربه ابن قدامة من نسبة هذا القول بظاهر الحديث لأحمد، وأنه خلاف ما يعرفه هو في المذهب، هو الصواب.
فإن ابن المنذر قال: ما علمت أحداً قال بظاهره غير الشعبي.
قلت: وهو كما قال، فسائر الأئمة والفقهاء، أدخلوا الحلف في حال الاختلاف، إما على البائع، وإما على المشتري، وإما عليهما معاً، سواءً مع البينة أو بدونها، وسواءٌ استهلكت العينة أم لا. كما هو مبسوط في كتب الفقه.