الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
لا شكّ أن الله تعالى قد أبقى في العلماء في كل دهر بقيةً يبيّنون للناس دينَهم، ويحفظون أمر شريعته، ويكشفون ما أشكل على الناس منها، ويوضِّحون ما التبس من أحكامها، ويهدونهم إلى الصراط المستقيم، صراط الكتاب والسنة وسلف الأمة وأئمتها، ويردّون على أهل الضلال ضلالهم وعلى أهل الشُّبَه شُبَههم بأوضح الحجج وأجلاها.
وجعل الله تعالى في تلك الكوكبة من العلماء ــ كرمًا منه ومنّةً ــ مِن مَتانة الديانة، وجميل الأخلاق، والبعد عن زخارف الدنيا، ما أكسبهم جميلَ الذّكر. وجعل فيهم أيضًا من قوّة العلم والغوص على دقائق المعاني، وانكشاف الحقائق وحل المعضلات، ما مَهّد لهم القبول عند الناس، ليحصل كمال الانتفاع بعلومهم وديانتهم.
وإذا كنّا نعدُّ من هؤلاء العلماء المحققين في غابر الدهر العددَ الكثير والجم الغفير، فإنهم في العصور المتأخرة أقل من القليل، فإذا كانوا كذلك فواجبٌ على أهل العلم وطلبته، وأهل الإصلاح والتربية، وأهل البسطة في المال والسعة فيه أن يلتفتوا جميعًا لإحياء مآثر هؤلاء النفر من الأئمة والعلماء؛ وذلك بأنواع من الوسائل، كالتعريف بهم، وإبراز محاسنهم، وبثّ علومهم، والعناية بتراثهم، وتقريبه للناس، وتيسير الوصول إليه، وغير ذلك.
ومن هؤلاء العلماء المحققين في العصور المتأخرة: الشيخ الإمام العلامة بقيّة السَّلَف عبد الرحمن بن يحيى المُعلِّمي العُتْمي اليماني، المولود سنة 1312 في اليمن، المتوفى سنة 1386 بمكة المكرمة رحمه الله تعالى.
فقد ترك المعلمي ثروة عظيمة من الكتب والرسائل، فيها علم غزير وتحقيق بالغ، لكن لم يطبع منها في حياته إلا القليل، ولم يطبع منها بعد وفاته إلى اليوم إلا قليل أيضًا، فجاء هذا المشروع لينهض بمهمة طباعة جميع كتبه ورسائله= تحقيقًا لرغبة الشيخ في طباعتها وعملًا بوصيته
(1)
، ونفعًا للناس وخدمة للعلم.
وقد يسّر الله الكريمُ بمنّه جَمْعَ آثاره ومصنّفاته في هذه الموسوعة المباركة، بجهود مخلصة حثيثة، وعمل دؤوب، وصبر ومصابرة، واستغرق العمل فيه عشر سنوات قضيناها في خِضَمّ هذا المشروع الكبير، وتخلّل ذلك انقطاعات متعددة للعمل في المشروعات العلمية الأخرى.
وكان هذا المشروع أول الأمر مجرّد فكرة، ثم بذرناها في أرض الجدّ في مطلع سنة 1423، وتعاهدناها بالعناية والسقي عدة سنين، حتى استوى العمل على سوقه، فنمت أشجارُه، وأورقت أغصانُه، وتفتّقت أكمامه، وبدت ثماره، فها هي يانعةً دانيةَ القِطاف لكل راغب في حصاد موسم 1433. فيا له من حصاد مبارك!
فالحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات، والحمد له أوّلًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، وهذا أوان الشروع في شرح قصة المشروع، وخطته، ومراحل العمل فيه، والصعوبات التي واجهناها.
(1)
سيأتي بسط ذلك في الكلام على مؤلفاته (ص 124 - 126).