الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[رسالة من أحد العلماء]
(العندي صاحب مسجد العندي بعدن)
ظهر لنا بعد أن ظفرنا بترجمة العندي في كتاب "هدية الزمن" للأمير أحمد فضل العبدلي، أن من سميتموه ونقلتم ترجمته عن كتاب الصابوني رجل آخر، أما العندي وصاحب مسجد العندي بعدن فهاكم ترجمته:
قال أحمد فضل في كتابه (ص 72): قال الأهدل في "التحفة": الأديب أبو بكر بن أحمد العندي نسبة على الأُعنود قوم يسكنون لحج وأَبْين وعدن. أثنى عليه عمارة. مولده أبين، وكان أبوه من أعيانها وكان ولده هذا موفقًا في صغره مسددًا في كبره ثم دخل عدن فقرأ الفقه والأدب والحساب ومهر في جميع ذلك ونظم ونثر. وعدن إذ ذاك بيد الشيخ بلال المحمدي مولى الداعي محمد بن سها الملقب بالمعظم، ولذلك يقال لبلال: المعظمي الزريعي. وكان له كاتب توفي بتلك المدة فاحتاج إلى غيره فدله بعضهم على الأديب أبي بكر بن أحمد فاستدعاه فأعجبه جماله ثم فاتحه في الكلام فازداد عجبه به فولَّاه كتابة يده ثم جعله مدونًا لأموره. وكان لا يقطع أمرًا دونه وراجعه مرةً في حوائج جماعة وفدوا فقال بمحضر من الناس: يا مولاي الأديب! الدولة دولتك والمال مالك، فأجبْ وأثبْ كيف شئت ولمن شئت بما شئت!
وكان الأديب أبو بكر يبالغ في إخفاء منزلته عند بلال حتى لا يعرفها إلا الأفراد. قال عمارة ــ وهو ممن أدرك الأديب ــ: ولقد كان متى سمع بقدوم قافلة لقيها إلى الباب وسأل عمن فيها من الفضلاء فيسلم عليه ويسأله
النزول معه ويقربه ويبذل جهده في إكرامه ومراعاته. ولما خرج أهل زبيد من ابن مهدي إلى عدن بذل الأديب كرامته وجاهه لأعيانهم، ومالَه وشفقتَه لضعفائهم وفقرائهم حتى دمل كَلْمهم وسدَّ ثلمهم.
وكان متى وجد من فاضل زلة مع السلطان اجتهد في العذر له عنها حتى أن أبا طالب الطرائفي قدم عدن ومدح الداعي محمد بن سبأ سنة 536 هـ بقصيدة لأبي الصلت كان مدح بها الأفضل بن أمير الجيش أولها:
نسخت غرائب مدحك التشبيبا
…
فكفى به غزلًا لنا تشبيبا
وأنا الغريب مكانه وزمانه
…
فاجعل نوالك في الغريب غريبا
ولما قدم القاضي الرشيد أهدى للداعي الديوان فوجد فيه القصيدة فكتب إلى الأديب العندي أن يسير له قصيدة ابن الطرائفي فعلم الأديب أنه قد أدرك علي بن الطرائفي، وكتبها بخطه وألحقها اعتذارًا عن ابن الطرائفي من شعره
هذي صفاتك يا مكين وإن غدا
…
فيها سواك مديحها مغصوبا
فاغفر لمهديها إليك فإنه
…
قد زادها بشريف طيبك طيبا
وكان مُجيدَ الكتابة والإنشاء، أثنى عليه كتَّاب مصر لما يرد عليهم من مكاتباته. وله أشعار أرق من النسيم وأحلى من التسنيم. وامتحن آخر عمره بكفاف البصر، قال عمارة: حين بلغني ذلك علمت أن الزمان قد سلب بصيرته حين سلب بصره، وأن الأيام طمست بذلك جمالها وأطفأت سراج كمالها. ولما كف بصره أحياه الله بثمرة الخير الذي كان يغرسه فتضاعفت
عنده أهل الدولة وجماعته كأن الزمان أراد أن يخفضه فرفعه، وأن يضره فنفعه.
وكانت وفاة الأديب بعدن سنة 580 تقريبًا، وكان من آثاره مسجده المعروف بمسجد العندي بعدن. اهـ.
واعلموا أن كتاب الأهدل الذي نقل عنه الأمير أحمد فضل إنما هو "تحفة الزمن". وأما التاريخ الذي رأيته مع سيدي الوالد في مكتبة شيخ الإسلام بالمدينة فهو "بغية المستفيد في تاريخ زبيد"، وأظنه لابن الديبع مؤلف "قرة العيون في تاريخ اليمن الميمون"، وهذا تصحيح لما ورد في كتابنا لكم. وربما تجدون للعندي ذكر
(1)
في تاريخ "ثغر عدن" لبامخرمة، فقد سمعنا أنه طبع وأخبرني الأخ حامد أنه رأى منه نسخة من المطبوع عند الشيخ محمد عوض باوزير
(2)
.
(1)
كذا والوجه: ذكرًا.
(2)
كُتب أسفل الرسالة بخط الشيخ المعلمي:
"كتاب من الشيخ محمد بن عوض باوزير إلى السيد هادون:
جواب عن كتاب في السؤال عن هذا المسجد ما لفظه: "هذا المسجد غير معروف الآن
…
وفي عدن الآن منارة مسجد أمام الميدان .... لا تزال باقية، ولعلها من بقايا هذا المسجد".
رسائل متفرقة
من الشيخ وإليه
[رسالة المعلمي إلى الصيلمي]
بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي العلَّامة الهمام علم الإسلام السيد صالح بن محسن الصيلمي حرسه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأرفع إليك مقالة محب صادق ومصادق غير ماذق، فاعْلم غير معلم: أن الأولى في خطبة الجمعة قصرها ما أمكن اتباعًا للسنة ورفقًا بالمأمومين. فإن فيهم من يشق عليه القعود في مقام واحد مع ازدحام الناس، وعذرُه واضح، فإننا نرى كثيرًا في الجمع تكاد تضطرهم الحاجة إلى الخروج. كيف ومولانا ــ أيَّده الله تعالى ــ وأولادُ عمِّه وأعوانُه كلُّهم تنالهم المشقة لإضرار الحرِّ مع الازدحام بهم. وقد قال صلى الله عليه وسلم:"أفتَّانٌ يا معاذ؟! " ولم يُرَ أشدَّ غضبًا منه حينئذ.
فقصِّروا الخطبةَ، ولتبلغ الأولى قدر سورة الفجر، والأخرى أقصر. وإليكم خطبةً من خُطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، خطب بها ورؤوس العرب حاضرون، وفيهم المؤمن الموقن، والشاك المرتاب، والمنافق والمشرك، وليس معه من يشق عليه البقاء في المسجد لتأذِّي جسم أو نحوه إلا النادر، إذ لم يكن لهم غالبًا أعمال تشغلهم غير العبادات، فكيف اليوم؟
قال الجاحظ
(1)
رحمه الله، قال: "خطب النبي صلى الله عليه وسلم بعشر كلماتٍ، حمد الله وأثنى عليه ثم قال:
(1)
"البيان والتبيين": (1/ 302، 303).
أيها الناس إنَّ لكم معالمَ فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهايةً فانتهوا إلى نهايتكم. إن المؤمن بين مخافتين، بين عاجل قد مضى لا يدري ما الله صانعٌ فيه، وبين آجل قد بقي لا يدري ما الله قاضٍ فيه. فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبرة، ومن الحياة قبل الموت. فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مُستَعْتَب، ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار". اهـ.
[تقويم كتاب "منتخب في أشعار مشاهير شعراء الهند وترجمته"]
أطلعني الأخ الفاضل عبد الصمد صارم الديونبدي ثم الأزهري على طرفته هذه
(1)
التي انتخب فيها أبياتًا أخلاقية لمشاهير الشعراء في الهند، وترجمها إلى العربية نظمًا؛ إجابة لاقتراح بعض أصدقائه من المصريين، فرأيته قد بذل جهده في الوفاء بما التزمه، مع ما في ذلك من الصعوبات.
فإن الترجمة نفسها صعبة، فكيف إذا كانت ترجمة شعر؟ فكيف إذا كانت نظمًا؟ فكيف إذا التزم جمع عدة أبيات متفرقة في قطعة واحدة متفقة الوزن والرويّ؟
والترجمة وحدها كافية لفقدان الفرع كثيرًا مما للأصل من المزايا الفنيّة إن لم يفقدها كلّها.
مع أن تلك الصعوبات اضطرت المترجم ــ كما قال ــ على
(2)
الاقتصار على أخذ المفهوم. وحبذا لو ضم إلى ترجمته النظمية ترجمةً نثرية يتحرّى فيها الدقة؛ فإن ذلك أوفى بمقصود أصدقائه من المصريين، وأَرْعى لحقّ الشعراء الذين ترجم كلامهم، بل ولحق مواطنيه عامة، وهو فاعلٌ ذلك إن شاء الله تعالى.
(1)
الأصل: "هذا" سبق قلم.
(2)
كذا في الأصل.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الأخ المحترم مدير مجلة الأزهر
…
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
غير خافٍ عنكم ما لهذه المؤسسة الخيرية (مكتبة الحرم المكي) من شرف الموقع وجلالة الغاية؛ فإنها في حضن المسجد الحرام، أشرف بقعةٍ على وجه الأرض، وهي المرجع العلمي لأهل هذا البلد والمجاورين فيه، والألوف المؤلّفة التي تحجّه من جميع أقطار الأرض.
فحق على سائر المؤسسات العلمية، ولاسيَّما الدينية، أن تقوم بتعضيدها، وفي المقدمة مجلة الأزهر، فقد كانت تُهدَى إلى هذه المكتبة، فتؤدّي بواسطتها قدرًا صالحًا من مهمتها التي هي الدعوة إلى الحق، ونشر نور المعرفة، ثم احتبست منّا أخيرًا، فرأينا تذكيركم لتعودوا إلى إهداء المجلة لهذه المكتبة كالسابق، ولكم الشكر. والسلام.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الفاضل المحترم مدير مكتبة الأزهر الشريف
…
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن هذه المؤسسة الخيرية (مكتبة الحرم المكي) هي المرجع العلميّ لأهل هذه البلاد والمجاورين بها والقادمين عليها، وفيهم عدد غير قليل ممن يتطلّعون إلى المخطوطات ومواضعها من مكتبات العالم، لطلب شيءٍ منها أو السعي في طبعها أو غير ذلك.
فلهذا أرجو أن تتكرّموا بإهداء نسخة من فهرست مكتبة الأزهر إلى هذه المكتبة. هذا وقد أنبنا في استلامها فضيلة الشيخ أحمد بن محمد شاكر ليقوم بتجليدها وإرسالها إلينا.
وتقبلوا فائق احترامي.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
جناب الفاضل المحترم مدير مجلة "الناشر المصري"
سلامًا واحترامًا. وقفت على العدد الأول من مجلّتكم الممتازة. وإنه لعمل جليل تسدّون به فراغًا محسوسًا، وبما أن هذه المؤسسة الخيرية (مكتبة الحرم المكي) هي المرجع العلمي الوحيد لأهل هذه البلاد والمجاورين لها والجموع الكثيرة التي تَفِد إليها من جميع الأقطار؛ فأرجو أن تتكرموا بإهداء المجلة إلى هذه المؤسسة ليطّلع من يَرِد على المكتبة من المطالعين على سير حركة التأليف والنشر بمصر. وذلك مُحَقِّق لمقصود المجلة. وتقبّلوا مزيدَ احترامي.
[رسالة من الشيخ محمد عبد الله صولان إلى الشيخ المعلمي]
في مسألة في الفرائض
أن رجلاً عظيمًا من أكابر الفرضيين بيقين عرض على أحد الطلبة ورقة في أعلاها مسألة في الفرائض، زعم أنها حصلت في زمانه، وأنه أجاب عنها، ويذكر له فيها أنه قصد بها المذاكرة معه والاختبار لا المباهاة والامتحان، كما ستقفون على ذلك في سؤاله بخط يده، فكأنه يفرّق بين الاختبار والامتحان.
وكان أسفل السؤال بياض لتحرير الجواب فيه، فألهم الله الطالب بقوله: أرجوكم سيدي أن توضحوا لي الجواب الذي أجبتم به عن هذه المسألة لكي أستفيده منكم، ويبقى لكم أثر عندنا، فإن هذه المسألة عويصة عجيبة لا يحلها سواكم، فشكر الشيخ وضحك منه، وأخذ الورقة المذكورة وغاب عنه. ثم أعادها عليه بنفسها وفي أسفلها جواب غير واضح بخط عامي مختلّ رسم كلماته.
فأخذها الطالب منه وقبّل يده وقدمها إليّ، فعملت حسابها ــ كما ستقفون عليه ــ أيضًا فلم يتوافق مع حسابه، فأخذتني الحيرة لعلمي بأن الرجل أكبر فَرَضيّ في تلك الجهة بيقين، فأخفيتها وذهب على ذلك زمن طويل.
وبينما كنت في هذه الأيام أفتّش في كتبي إذ وجدتها مصادفةً بعد أن راحت من بالي ونسيتها، فاستحسنت أن أقدمها إلى فضيلتكم لأني واثقٌ
بحسابي ــ كما ستقفون عليه ــ وعلى يقين بأن الرجل من خِصّيصي هذا العلم، فراجعوها وأرشدوني على خطئي أهو في نصيب الزوجات بتقسيمي له على الخمس كما هو الواجب، أو أخرج ربع الربع للأخيرة وأحصر الأربع الباقيات في ثلاثة أرباعه لأنها متيقنة بخلاف الأربع الأول، فإن البائنة واحدة منهن غير مُعينة. أو الخطأ في غير ذلك سيدي.
مع العلم بأن هذه المسألة الآن ليست لأحد ولا ينتظرها أحد سواي، فعلى مهلكم وستقفون على شرحها في الورقة الأصلية، وهي مرسلة مع هذه أيضًا لتكونوا على بصيرة.
(ثم ساق المسألة على ظاهر السؤال).
واعلم يا سيدي أنكم إذا صححتم هذه فإني أعتمدها وأخطِّئه، إذ هو بشر، فجلّ من لا يسهو. وإن أرشدتموني إلى موضع الخطأ فأنا المخطئ.
فالله يساعدكم ويوفقكم للصواب بمنه وكرمه، وإني لأعلم أني شققتُ عليكم، وأنكم مشغولون، ولكن ماذا أفعل، وليس هنا من أراجعه غيركم فسامحوني.
ودمتم ملجأً لكل قاصد.
30/رجب الحرام سنة 1359
محسوبكم
محمد عبد الله صولان
[جواب الشيخ المعلمي على سؤال الشيخ محمد صولان]
سيدي الأستاذ العلامة الشيخ محمد بن عبد الله صولان أعزه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وصلني كتابك المتضمن المذاكرة في تلك المسألة الفرضية، فتأملتها، فرأيتكم تنعتون المجيب الأول بقولكم:"رجلاً عظيمًا من أكابر الفرضيين"، وقولكم:"أكبر فرضي في تلك الجهة"، وقولكم:"من خصّيصي هذا العلم"، وقولكم مع جلالة قدركم ــ ولاسيما في هذا الفن ــ:"ولا أظن أنه مخطئ بل أنسب الخطأ إلى نفسي".
فبناء على هذا النعت لا يسعني إلا أن أقول: إن جواب ذلك العظيم صواب، وبناء على ما أعرفه من علوّ مكانتكم ــ ولاسيما في هذا العلم ــ لا يسعني إلا أن أقول إن جوابكم صواب أيضًا. وهاكم التوجيه.
أما ذلك العظيم فإنه بنى جوابه على ثلاثة أمور لم تبنوا أنتم عليها.
الأول: أنه جعل للزوجات [الثمن]، وأنتم جعلتم لهنّ الربع.
الأمر الثاني: أنه جعل للزوجة الأخيرة ربع ما للزوجات، والباقي منه للأربع الأُول اللاتي أبان المتوفى إحداهن قبل أن ينكح الأخيرة، ثم جُهِل أيّ الأربع هي، (يقسم بينهن سواء).
والثالث: أن الشقيقة وهي في المسألة الثالثة، وهي التي جعلتموها الأكدرية.
فأما الأمر الأول ــ وهو جعله للزوجات الثمن
(1)
ــ يحتمل أنه بناه على
(1)
فوق (الزوجات) كلمة تحتمل (فقط)، وفوق (الثمن) كلمة لم تتبين.
أن الزوجات الخَمْس ــ ولهن ربع التركة حتمًا إذ لا فرع وارثًا ــ نَذَرْنَ لبقية الورثة بنصف مالهنّ، أعني بثُمن التركة، يوزع بينهم بحيث يتم لكل منهم ما يكون له لو لم يفرض لهن إلا الثُّمن.
وأما الأمر الثاني، فمذهب أصحابنا في هذه الصورة وهي "أن يكون لرجل أربع زوجات فيبين إحداهن وينكح أخرى ثم يموت وتُجْهَل المطلّقة من الأربع الأُول مع معرفة الأخيرة" مذهبهم ما ذكرتموه بقولكم:"أو أخرج ربع الربع للأخيرة وأحصر الأربع الباقيات في ثلاثة أرباعه؛ لأنها متيقّنة بخلاف الأربع الأول، فإن البائنة واحدة منهن غير معينة".
ثم يقولون: الثلاثة الأرباع الباقية مما للزوجات لثلاث من الأربع الأول، فيوقف إلى البيان بأن تتعيّن المُبانة منهن، فينقسم على الثلاث البواقي أو الصلح، بأن يصطلح الأربع الأُول أو ورثتهنّ أو بعضهن وورثة الباقي فيقسم الموقوف على ما وقع عليه الصلح.
فكأنّ ذلك العظيم بعد أن جعل للزوجات الثمن ــ على ما تقدم توجيهه ــ جعل للزوجة الأخيرة ربع ما للزوجات، وأصاب في ذلك في الجملة، ثم بنى على أن الأربع الأُول اصطلحن أو اصطلح الموجودتان
(1)
منهن مع ورثة المتوفاتين على قَسْم الموقوف بينهن على السواء.
وأما الأمر الثالث؛ فكأنّ ذلك العظيم بنى على أن الشقيقة نذرت لشركائها بحصتها تكون بينهم كما لو لم تكن هي موجودة أو فُرِض أنه قام لها مانع من الإرث.
(1)
الأصل: الموجوتان.
وقد رتبت المسألة باعتبار هذه الأمور، فكانت النتيجة طبق جوابه، فاعتبروها إن أحببتم بأن تفرضوا للزوجات الثمن من التركة ثم تقسمونه بينهنّ؛ للأخيرة ربعه كاملاً، وثلاثة أرباعه الباقية بين الأربع الأُول على السويّة، وبقيّة المسألة على ما تعلمون.
ثم تفرضون في المسألة الثالثة ــ التي جعلتموها الأكدرية ــ أن الشقيقة غير وارثة، فإنكم تجدون النتيجة طبق جواب ذلك العظيم
…
فإن قلتم: ليس في السؤال ولا الجواب تعرّض لهذه الأمور!
قلت: ترتيبه الجواب على وفقها يدلّ عليها، وكأنه أراد الإلغاز. وافرضوا أنه قال لكم: كيف يمكن تصحيح هذا الجواب في هذه المسألة؟ ألا ترونكم مضطرين إلى فرض تلك الأمور أو ما يصح أن يقوم مقامها؟
على أنه يجوز أن يكون ذلك العظيم بنى على ما ذكرت وإنما فرض للزوجات الثمن (وهو يعلم أنه غلط) لمصلحة الاختبار، فأما فرض الصلح فكأنه رأى أنه أقرب مخرج.
ويجوز أن يكون عوقب بدعواه وامتحانه، فأوقعه الله عزوجل في غلطتين شنيعتين فاحشتين يبعد أن يقع فيهما أو في إحداهما طالب علم فضلاً عن عالم!
وعلى كل حال فقد انجلت عنكم الحيرة إن شاء الله تعالى.
وأما جوابكم الذي تضمنه الجدول فقد قدمت أنه لا يسعني إلا الحكم بصحته. ووجه ذلك أن تكونوا فرضتم أن يكون الاشتباه وقع في الخمس معًا، بأن يكون الرجل بعد أن أبان إحدى الأربع ونكح أخرى اشتبهت عليه
المطلقة من الخمس كلهن بأن لم يعد يعرف المطلقة بعينها ولا المنكوحة أخيرًا، وأن الخمس كلهن اصطلحن على أن يقسم الربع الموقوف بينهن بالسوية، أو فرضتم أن الزوجة الأخيرة سامحت الأربع الأُول، قالت: لا آخذ من الربع إلا مثل واحدة منكنّ.
وهكذا يمكن تصحيح الجواب الذي ذكرتموه بقولكم: "حتى لو اعتبرت الزوجات أربعًا لا يتوافق مع حسابه قط وقد عملتها" بأن يكون مرادكم اعتبارهن أربعًا طبق حكم الشرع، ثم يعطي الأخيرة ربع الثمن، ويقال: الباقي لثلاث من الأربع الأول ثم يعرفن بأعيانهن فيكون موقوفًا، (ولكنه على هذا لا تصح المناسخة) إلا في حق الزوجة الأخيرة، فأما المتوفاة من الأربع الأول فإنها على الاحتمال لم يحكم لواحدة منهما بشيء، فكيف يقسم بين ورثتها إلا إن كان على فرض البيان أو المسامحة.
فإن قلتم: إن تصحيح هذين الجوابين مبنيّ على احتمالات لم تُذْكَر ولا أُشير إليها!
فالجواب: أنه يجوز أن تكونوا قصدتم إظهار فضلي لحُسْن ظنكم بي وهذا المعنى أحسن من الاختبار؛ لأن الاختبار قد يكون مع انتفاء حُسن الظن، مع أن الاختبار خير من الامتحان، فإن الامتحان يُشعر بإشقاقٍ على المسؤول، ولهذا شاع إطلاق المحنة على المصيبة.
هذا، والجواب الموافق لظاهر السؤال أن يقال: للجدتين السدس، وللزوجات الربع؛ للأخيرة ربعه، وثلاثة أرباعه توقف حتى تتعين المبانة من الأربع الأُول، أو يقع صلح فيُعْمل بحسبه، وأما الباقي فكما ذكرتم.
ثم إذا فرضنا أن الأربع الأُول اصطلحن على قسم الموقوف بينهن على السويّة، أو اصطلح من بقي منهن وورثة من هلك على ذلك عُمِل بحسب ذلك. وقد رتبتها في جدول على الاختصار كما ترونها في ظهر هذه الورقة.
ولا أدري لعل في حسابي غلطًا لأني متطفّل على هذا العلم، وقد بَعُد عهدي جدًّا بمزاولة مثل هذه المسائل، فتفضلوا إذا وجدتم خطأً بتنبيهي عليه.
هذا وأرجو من فضلكم أن تسعفوني بالمذاكرة فيما يعرض لكم من المسائل، فإن هذا دأب أهل العلم، ويسرّني ذلك جدًّا، فما كان عندي منه علم ذكرته، وما صَعُب عليّ استفدته منكم، وما استغلق علينا معًا تعاونّا عليه، والله الموفق.