الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأول: تحقيق الكتب التي أُسندت إليه أو اشترك فيها في دائرة المعارف العثمانية، وكان هذا في وقت الدوام الرسمي، بالإضافة إلى المشاركة في فعاليات الدائرة العلمية والثقافية، من اقتراح كتب لتحقيقها والعمل عليها، ومن إلقاء المحاضرات والندوات في المواسم المعروفة.
وقد بلغت الكتب التي حققها استقلالًا أو بالاشتراك إبان إقامته في الهند نحو أربعين مجلدًا
(1)
، ويمكن تمييزها عن الكتب التي حققها بعد ذلك بتاريخ الطبع، فما كان قبل 1371 فهو من أعماله في الهند.
والاتجاه الثاني: هو التأليف، فقد ألَّف الشيخ عددًا من الكتب في هذه المرحلة من حياته، بل أهم مشاريعه العلمية ابتدأها وأتمّ مسوّداتها في الهند ثم بيّضها في مكة، مثل "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل" و"العبادة"، وكثير من رسائل الفقه كرسالته في الفرائض في الرد على الجيراجي، وجواب الاستفتاء في حقيقة الربا، ورسالة كشف الخفا عن حكم بيع الوفا وغيرها، وعددٍ من الرسائل الحديثية، والرد على أحد شرّاح سنن الترمذي، والرد على عبد الحميد الفراهي، وغير ذلك.
3) رحلته إلى مكة المكرمة (1371 - 1386)
حينما تهيّأت الظروف للتحول من حيدراباد إلى مكة حزم الشيخ أمتعة السفر إلى جدة في ذي القعدة من سنة 1371 ولم يصطحب معه زوجته ولا ولده عبد الله، أما زوجته فيبدو أنها كانت مريضة مرضًا مقعدًا كما تقدم في الكلام على أسرته، وأما ابنه فإنه لا يزال يكمل تعليمه هناك.
(1)
انظر أسماء الكتب في المبحث الخاص بذلك.
وقد كتب الشيخ وصفًا مفصّلًا لأيام هذه الرحلة في بعض دفاتره
(1)
لكنه لم يكمل. قال:
"1 ــ خرجنا من "بَمْبَئي" يوم الخميس أول أو ثاني ذي القعدة سنة 1371، الموافق 24 جولاي سنة 52 م.
2 ــ الجمعة.
3 ــ السبت: حول الساعة العاشرة صباحًا جاء رجل فطلب مني الجواز والتِّكِت
(2)
، فأخذه ثم ردّ الجواز، وذكر أن اسمي لم يكن مقيّدًا في الرِّجِسْتَر
(3)
، وأنهم افتقدوا وبحثوا في الباخرة حتى اهتدوا إليَّ. فقلت له: فأين التكت؟ فقال: سيُردُّ إليك فيما بعد.
4 ــ الأحد: بعد الساعة العاشرة، جاء رجل آخر فسألني عن حالي، فحمدتُ الله عز وجل، وأخبرتُه أنني بخير، ثم ذكرتُ له قضية التكت، فذكر أنها قاعدتهم
(4)
، يأخذون التكت من الركاب ويحفظونها عندهم حتى يدفعوها إلى الوكيل، وإنما عليّ حفظ الجواز.
كنتُ في الدرجة الأولى في الحجرة رقم (62) و (63)، واتفق أنه لم ينزل في الحجرة غيري، وكانت الحُجر الأخرى في كل منها اثنان وأكثر. فجاءني رجلان من أهل الهند وقالا: جئنا نكلِّف عليك، نراك في هذه الحجرة وحدك ونحن في ضيق، ونستأذنك في أن يكون معك رجل على هذا السرير الفارغ.
(1)
[4721/ق 18 - 20]
(2)
تكت: هي التذكرة بالإنجليزية.
(3)
مكتوب فوقه: "الدفتر"، والرجستر هو السجل والدفتر بالإنجليزية.
(4)
أي طريقتهم، والقاعدة هي الطريقة بالأرديّة.
فقلت لهم: أرى الاختيار في هذا لأصحاب الأمر في الباخرة، فاسألوهم فإن أذنوا فليس لي اعتراض.
فذهبوا ولم يعودوا. ثم لقيت أحدهما فسألتُه فجمجم، فقلت: هل خاطبتم أصحاب الأمر في هذا؟ فقال: لا. والله أعلم.
قال لي الذي يجيء بالطعام: هل تطلب شيئًا؟ فقلتُ: هذا كافٍ. فقال: إذا تحتاج
(1)
إلى شيء فاطلب.
5 ــ يوم الاثنين: لقيتُ شابًّا ظهر لي أنه عربيّ، فسألته، فذكر أن اسمه: عادل بن السيد عبد الله، وأنه كان في مَدْراس
(2)
.
6 ــ يوم الثلاثاء: من مساء هذا اليوم شعرتُ ببرد الهواء.
7 ــ يوم الأربعاء: رأيتُ طوائر على جوّ الماء، ودلّ ذلك على أننا بالقرب من البرّ، أو أن بالقرب منا جزائر.
8 ــ يوم الخميس: خفّ البرد.
9 ــ يوم الجمعة: أصبح اضطراب البحر أهون مما كان. وفي حوالي الساعة 9 صباحًا مرّت بنا باخرة مشرقة. واشتدّ الحر هذا اليوم وليلة السبت.
10 ــ يوم السبت: رأينا سفينة شراعية من بُعدٍ متجهة اتجاهنا، ثم رأينا أخرى متجهة قريبًا من اتجاهنا مائلةً إلى الجنوب. وحول الساعة السادسة رأينا على يسارنا ــ وهو الجنوب ــ جبالاً متسلسلة، وبعد قليل مالت باخرتنا إلى الشمال.
(1)
في الأصل: احتاج، سبق قلم.
(2)
مدينة في جنوب الهند عاصمة ولاية "تمل ناد".
11 ــ يوم الأحد: اشتد الحر منذ الأمس.
12 ــ يوم الاثنين: هبَّت منذ الأمس ريحٌ غربيّة خفَّفت ضيق الحرّ".
انتهى وصف الشيخ لرحلته.
وفي المجموع نفسه
(1)
كتب الشيخ وصفًا لتلك الباخرة التي تمخر العباب فقال:
طوينا العُباب على باخره
…
تبيت لقاموسه ماخره
بناء على الموج ما إنْ له
…
أساسٌ سوى اللجّة الزاخره
إذا ما تأملتها من قريبٍ
…
تخال بها بلدة عامره
وتحسبها جبل النار إن
…
تعالت دواخنها الثائره
ونجمًا له ذنبٌ إن بدت
…
بعيدًا مدخِّنةً زاهره
تباري وما إن تبالي الرِّياح
…
أعادلة هي أم جائره
وليست تُرى لسكون الرّياح
…
على الماء راكدة حائره
يهيج الخضمّ ويرتج وَهْي
…
به جدّ هازئة ساخره
لها النار قوتٌ متى لم تجِدْه
…
رأيت قواها له خائره
يصرّفها رجلٌ واحدٌ
…
فتنقاد خاضعةً صاغره
يراعي النجومَ لها، والنُّجوم
…
لديه ــ لعمرك ــ في دائره
وفي المجموع نفسه كتب الشيخ مذكرة فيها: "إرسال البرقيّة إلى جلالة
(1)
مجموع [4726]. وقد كانت تعسَّرت عليّ قراءة ثلاث كلمات في البيتين الرابع والخامس، وحين تأملها أخي د. الإصلاحي تبينت له وحلّ ما غمض منها، ونبهتُ على ذلك هنا لأنها لم تعدّل في "فوائد المجاميع"(ص 460) فلتؤخذ من هنا.
الملك يوم الأحد 18 ذي الحجة سنة 1371" فلعل هذه البرقية كانت لاستكمال الإجراءات النظامية للاستقرار في مكة المكرمة.
نزل الشيخ في جدة أول الأمر، وعيّن مدرّسًا في مدرسة الأنجال لبعض الوقت براتب مجزئ، لكنه لم يستمر طويلا وطلب وظيفة أخرى أقرب إلى نفسه التواقة إلى العلم والتحقيق والبحث والمطالعة، فعيِّن أمينًا لمكتبة الحرم المكي الشريف في 18/ 6/1372 براتب أقل بكثير من سابقه.
قضى الشيخ في مكة خمسة عشر عامًا متفرّغًا للبحث والتأليف والتحقيق والتدريس، قائمًا بوظيفته في مكتبة الحرم خير قيام من مساعدة الباحثين وتدبير شؤون المكتبة. ويمكن أن نجعل الكلام في هذه المرحلة من حياة الشيخ في ناحيتين:
الناحية الأولى: حياته الاجتماعية
وقد استفدنا من رسائله إلى أخيه أحمد (وهي عشر رسائل) كشفَ بعض أحوال الشيخ الاجتماعية في هذه المدة.
وأول ما لمسته في هذه الرسائل العشر نوع من الارتياح النفسي لدى الشيخ، فكأن المقام طاب له، وكيف لا يطيب وهو بجوار حرم الله، يتقلّب بين أعطاف الكتب في مكتبة الحرم المكي الشريف؟!
ومع هذه الانفراجة فإن أموره الأخرى لم تتيسر له على ما يريد، فقد كتب إلى أخيه سنة 1373 يقول له:"إلى الآن ما رسخت قدمي هنا، وعسى الله تعالى ييسر ذلك قريبًا".
وكرر ذلك في رسالة أخرى في العام نفسه قال: "وإذا يسر الله تعالى
رسوخي هنا فستُقْضى جميع المطالب على ما يرام إن شاء الله تعالى، ومن الآن إن شاء الله تعالى ستتصل المكاتبة بقدر الإمكان".
وفي العام الذي يليه في ذي القعدة 1374 كتب نفس المعنى لكن يبدو أن الأمور تحسنت أفضل من سابقتها فقد كتب إليه يقول: "مضت مدة لم يكتب فيها أحدنا إلى الآخر، وليس لي عذر إلّا أن أحوالي هنا لم تنتظم انتظامًا يمكنني مما أحب، فأما أنت: فأنا عارف بعذرك، وعسى الله تعالى أن يهيئ الأمور وييسر كل معسور بفضله وكرمه".
وفي التاسع من رجب 1375 بعد مضي أربع سنوات على قدومه انفرجت الأمور ويبدو ذلك في رسالته المؤرخة في ذلك التاريخ قال: "ثم تحسَّنت الحال أخيرًا إلى حدٍّ ما، وشَرعتُ أفكر في ترتيب الأمور الأقرب فالأقرب، أسأل الله تعالى التيسير والتوفيق".
وفي رسالة له مؤرخة في 28 شعبان 1375 شرح مراده بتحسن الحال فقال: "أما تحسّن حالي فلله الحمد، ولم تكن قبل ذلك حالي سيئة، لكن الإنسان ما دام حيًّا لا يخلو من مطالب إذا قَصُرت يده عنها عدّ حالَه سيئة، مع أنه إذا بسطت يده امتدت عينُه إلى مطالب أخرى وهلمّ جرّا. وأنا الآن في صدد تأمين أهم المطالب".
وفي 26 شعبان سنة 1377 قدم ابنه عبد الله من باكستان إلى المملكة بعد تعب كثير في طلبه إلى هنا، وحصول الإذن له بالإقامة. ولم يمض وقت طويل حتى تحصّل ابنه على خدمة (وظيفة) في جدة بعد استئذان أبيه في ذلك وموافقته له.