الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"علي" وكان أبوهما "حسين" يعرف بـ"المعلم"؛ لكثرة تعليمه الناس، وإلى علي بن حسين هذا ينتسب جدُّنا محمد بن الحسن المعلمي، الذي ينتسب إليه عشيرتنا بنو المعلمي". انتهى.
والعُتْمِي: نسبة إلى "عُتْمة" بضم العين وسكون المثناة من فوق ثم ميم مفتوحة، وهو حصن في جبل وُصاب من أعمال زبيد
(1)
.
*
ولادته
أما وقت ولادته ومكانها فقد قال الشيخ في ترجمته: "وُلدت في أواخر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف، بقرية المحاقرة من عُزلةِ الطُّفَن
(2)
من مخلاف رازح من ناحية عُتْمة من قضاء آنِس
(3)
التابع لولاية صنعاء في اليمن".
وعليه فما هو مذكور في بعض الكتب والدراسات الحديثة من أنه ولد سنة 1313 ليس بصحيح، أو أنه تصحيف.
*
نشأته
نشأ الشيخ نشأة صالحة في بيت صلاح وعلم، وبيئة صالحة، وقد
(1)
انظر "معجم البلدان": (4/ 82)، و"معجم بلدان اليمن وقبائلها":(3/ 576)، و"معجم البلدان والقبائل اليمنية":(2/ 1014).
(2)
بضمّ الطاء ثم فاء مفتوحة، وكتبها الشيخ في موضع بالثاء "الطُّثَن"، وهي لغة فيها والمشهور بالفاء.
(3)
بمدّ الهمزة وكسر النون، وهي منطقة واسعة في الشمال الغربي من مدينة ذمار. "معجم البلدان والقبائل اليمنية":(1/ 9).
نصَّ الشيخ على هذه النشأة وهذه البيئة فقال: "ربّيتُ في كفالة والديَّ، وكانا من خيار تلك البيئة، وهي بيئة يغلب عليها التديُّن والصلاح".
ثم ذكر طريقة طلبه للعلم، وكيف تدرّج فيه، وما هي العلوم التي درسها فقال:
"قرأت القرآن على رجل من عشيرتنا، وعلى والدي. وكانت طريقة القراءة: تحفيظ القرآن في اللوح حفظًا موقتًا، أي أن يحفظ الدرس في اليوم الأول ثم يعيد حفظه في اليوم الثاني، ثم لا يُسأل عنه بعد ذلك؛ إلا الالتزام بتلاوة القرآن في المصحف كل يوم صباحًا ومساءً لكل أحد، حتى بعد الكبر. وعلى كل حال، فإن قراءتي كانت متقنة من جهة القراءة والكتابة.
وقبل أن أختم القرآن ذهبتُ مع أبي إلى بيت الرَّيمي حيث كان أبي يمكث هناك يعلِّم أولادهم ويصلِّي بهم.
ثم سافرت إلى الحِجَرية
(1)
حيث كان أخي الأكبر محمد بن يحيى رحمه الله كاتبًا في المحكمة الشرعية. وهناك شَرِكتُ في مكتب للحكومة كان يعلَّم فيه القرآن والتجويد والحساب واللغة التركية.
فمكثت هناك مدة ومرضت في أثنائها مرضًا شديدًا. طال مرضي فحوّلني أخي إلى بيت أرملةٍ من الجيران تُمَرِّضني. وكان لي في مرضي إسهال مستمر، فجاء أخي مرَّة بطبيب فوصف دواءً زعم أنه يصفِّي بطني، فجيء بالدواء في كأس فامتنعَتْ ممرِّضتي أن تسقينيه وأهرقتْه؛ قالت: بطنه يتصفّى كل يوم، فالدواء الذي يصفِّي عسى أن
(1)
بكسر الحاء وفتح الجيم، بلدة في مقبنة، تقع غربيّ تعز، تبعد عنها 50 كيلو مترًا. انظر "معجم المدن والقبائل اليمنية":(1/ 422) للمقحفي.
يقتله، ثم دعتْ لي رجلًا كان يوصف بالصلاح فجاء بسفوف، فصارت تعطيني من ذاك السفوف، ورزقني الله العافية".
تعتبر هذه المرحلةُ إلى هذا الحدّ المرحلةَ الأولى في التعلّم التي لم تتعد القراءة والكتابة وتعلّم القرآن ومبادئ الحساب، والظاهر أن الشيخ لم يكن في هذه المرحلة قد جاوز الخامسة عشرة من عمره لدلائل عديدة.
ثم بدأت المرحلة الثانية من طلبه للعلم من حين قدوم والده إلى الحجرية وتوجيهه لدراسة النحو، وهذا واضح من كلام الشيخ رحمه الله، قال:
"ثم جاء والدي رحمه الله لزيارتنا ومكث هناك مدَّة. سألني عمّا أقرأ في المكتب فأخبرته. ثم قال لي: فالنحو؟ فأخبرته أنه لا يُدرَّس في المكتب، فقال: ادرسه على أخيك. ثم كلَّم أخي أن يقرِّر لي درسًا في النحو، فكان يُقرئني في "الآجرُّومية" مع "شرح الكفراوي". استمرَّ ذلك نحو أسبوعين ثم سافرتُ مع والدي. ولا أدري ما الذي استفدته تلك الأيام من النحو، غير أن رغبتي اتَّجهت إليه، فاشتريتُ في الطريق بعض كتب النحو.
ولما وردْتُ (بيتَ الرَّيمي) وجدت أحمد بن مصلح الريمي رحمه الله قد عاد من شُهارة
(1)
[معقل]
(2)
الإمام يحيى حميد الدين، وقد كان تعاطى هناك طلب النحو، وكانت معه كرَّاسة فيها قواعد وشواهد وإعرابات. فاصطَحَبْنا وكنّا عامة أوقاتنا نتذاكر، ونحاول إعراب آيات أو
(1)
بضم الشين كما في "تاج العروس": (7/ 68) وتنطقها العامة بفتح الشين وكسرها، وهو حصن عظيم باليمن في محافظة صعدة. اتخذه كثير من أئمة الزيدية معقلًا لهم لتحصينه، انظر "معجم بلدان اليمن":(1/ 880 - 882)، و"هجر العلم":(2/ 1057 - 1060).
(2)
كلمة لم تتبين ولعلها ما أثبت.
أبيات، وكنا نستعين بتفسيرَي "الخازن" و"النسفي".
وأخذَتْ معرفتي تتقوَّى، حتى طالعتُ "مغني ابن هشام" نحو سنة، وحاولت تلخيص قواعده المهمَّة في دفتر. وحصَلَتْ لي بحمد الله تعالى مَلَكَة لا بأس بها، في حال أن زميلي لم يحصل على كبير شيء، وكان مني بمنزلة الآلة".
وتُعدُّ هذه المرحلة من أهم مراحل نشأة الشيخ وتكوينه العلمي، وقد بدت في أمرين، الأول: اهتمامه بعلم النحو دراسة وتطبيقًا وقراءة، ومن الواضح أنه أقبل على هذا العلم بكلّيته، واتّجه إليه برغبة وإقبال.
الثاني: الاستعداد الذهني والذكاء فإنه قد استوعب النحو وفهمه في مدة وجيزة، بحيث لم تطل دراسته عند أخيه، فلم تتعدّ الأسبوعين، ثم اتجه بنفسه إلى القراءة والبحث فيه، بدليل ما يأتي من كلام شيخه أحمد بن محمد المعلمي.
ثم انتقل الشيخ بعد هذه المرحلة التأسيسية إلى مرحلة جديدة من العلم، وهي الانتقال إلى قراءة علم الفقه والفرائض، وقد وفّق حين درس على الشيخ أحمد بن محمد بن سليمان المعلمي، وقد وصفه الشيخ بالتبحّر في العلم كما سيأتي.
قال الشيخ:
"ثم ذهبتُ إلى بلدنا الطُّفن، ورأى والدي أن أبقى هناك مدَّةً لأقرأ على الفقيه العلامة الجليل أحمد بن محمد بن سليمان المعلِّمي
(1)
، وكان
(1)
من العلماء المحققين (ت 1340). انظر "هجر العلم": (3/ 1265).
متبحِّرًا في العلم، مكث بزبيد مدة طويلة، ثم عاد بعلمه إلى جهتنا، ولم يستفيدوا من علمه إلا قليلًا.
فأخذتُ من كتب والدي كتابَ "منهاج النووي" مخطوطًا وذهبتُ إلى الشيخ، وكان يختلف إليه جماعة من أبناء عشيرتنا يقرؤون عليه، فبعد أن سلَّمت عليه وأخبرته خبري قال: في أي كتاب تريد أن تقرأ؟ قلتُ: في "منهاج النووي" فوَجَم. ثم لمَّا جاء دوري أمرني أن أقرأ، فشرعت أقرأ خطبة "المنهاج" وهو يستمع لي. فبعد أن قرأت أسطرًا تناول مني الكتاب ونظر فيه، ثم قال لي: هل صحّحت هذا الدرس على أحد؟ قلت: لا. قال: فهل قرأتَ في النحو؟ قلتُ: قليلًا. قال: "لا، ليس بقليل"، وكرَّرها.
ثم قال: أخبرْتَني أولًا أنك تريد القراءة في "المنهاج" فلم يُعجبني ذلك، لأني أرى أنّ على طالب العلم الذي يريد أن يقرأ في "المنهاج" أن يبدأ قبل ذلك بدراسة النحو حتى يتمكّن من الفهم، لكن كرهت أن أكسر خاطرك، فرأيتُ أن آذن لك في القراءة، وطبعًا تخطئ في الإعراب فأردّ عليك فيكثُر ذلك فتنتبه بنفسك إلى احتياجك إلى دراسة النحو أولًا، ولكن لمَّا قرأتَ لم تخطئ، فظننتُ أن الكتاب مضبوط بالحركات، فلمّا رأيته غيرَ مضبوط قلتُ: لعلك قد صححت ذاك الدرس على بعض العلماء، فلما نفيتَ ذلك علمتُ أنك قد درست النحو. فأخبرته بالواقع، وأني في الحقيقة لم أدرسه دراسة مرتّبةً. فقال: على كل حال معرفتك بالنحو جيدة، فاقرأْ في "المنهاج" وتحضر عندما يتيسَّر لك مع هؤلاء في درسهم في النحو.
ثم درستُ عليه شيئًا في الفرائض فتيسَّرت لي جدًّا لمعرفتي السابقة بمبادئ الحساب".
وقد انتفع المعلمي بشيخه أحمد بن محمد المعلمي، وكان بينهما مراسلات عديدة، وصفه شيخُه في تلك الرسائل
(1)
بأوصاف تدلّ على نبوغه المبكر وألمعيته السريعة، وقد أجازه إجازةً عامة في الحديث وغيره من كتب العلم سنة 1335 وعمره ثلاثة وعشرون عامًا، وأشار إلى إجازته هذه الوشلي في "نشر الثناء الحسن"
(2)
مما يدلّ على اعتداد الشيخ بها.
ولتمام الفائدة نسوق هنا نصَّ إجازته من شيخه أحمد بن محمد بن سليمان المعلمي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل الرواية من الدين؛ لكونها سببًا موصلًا إلى سيد المرسلين بل إلى رب العالمين. وبذلك أيضًا حصلت الصيانة له عن تحريف الغالين وانتحال المبطلين، حتى قيل: إن كل فائدة لم تُسند إلى صاحبها فهي لقيطة كالطفل المنبوذ الذي لا يُعرف أبوه في المنتسبين.
والصلاة والسلام على سيدنا وواسطتنا إلى ربنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد:
فإن من جملة طرق الإسناد الإجازةَ التي مضى عملها بين الزهاد، ومضى العمل بها قديمًا وحديثًا، وسعوا في طلبها سعيًا حثيثًا.
وقد التمسها من الحقير مَن هو أحقّ بها وأهلُها لحسن ظنِّه بأنه يحسنها ومن رجالها. والحقيقة بأنه كالسُّلَّم لسبب الرقيّ إلى ذروتها. فالآمر المقرّر على الارتقاء إلى السطح آمرٌ بالسُّلَّم، ليس فيه فضيلة سوى الصعود عليه، فهو كالواو من "عَمْرٍو" المنسوب إليه.
(1)
كما سيأتي في مبحث الثناء عليه.
(2)
(3/ 221).
ولكون رواية الأعلى عن الدون واردةً في صحيح الأخبار كما أخبر صلى الله عليه وسلم بحديث الجسّاسة
(1)
عن تميم الداري= أجاب الطالبَ إلى مطلوبه وساعده على مرغوبه، لرجاء دعوةٍ صالحة تدركه لحياته وموته، أو تدرك عَقِبه وذريته. فأقول متلفظًا وكاتبًا:
أجزتُك أيها العالم الكريم، والنحرير الذي هو بهذا الوقت في النظير له عديم، إجازةً عامَّةً بكل ما يجوز روايته وتنفع درايته من منقول ومعقول، وبكل ما يقرّب إلى رب البرية، بشَرْطه المعتبر المقرر عند أهل الأثر.
وأجزتُ له أن يروي الأوراد القرآنية والنبوية، والأدعية والأحزاب الصوفية، وأن يبيِّن طريق الإسناد بيانًا يزيل الظنون الرَّديَّة.
وتلك الإجازة لمن ذكرنا هو الفقيه الوجيه: عبد الرحمن بن العلامة يحيى بن علي المعلمي، كما أجازني كذلك السيد الجليل والعلامة الحفيل محمد بن محمد بن حسن الأهدل، والشيخ النحرير جمال الإسلام علي بن أحمد المِزجاجي، والشيخ الولي عباس بن داود السالمي الزبيدي، والسيد المحقق الصدّيق ابن إبراهيم البطاح الأهدل، بطرقِ أخذهم عن الشيخ داود بن العباس السلامي الزبيدي، ما خلا الشيخ علي بن أحمد المزجاجي فهو شيخ المذكورين. كما أخذ ذلك هو والشيخ داود عن السيد الجليل محمد بن عبد الرحمن بن سليمان الأهدل.
وأوصي المجاز بما وصَّانا به مشايخنا من ترك ما لا يعني، وبما وصى الله به خلقه الأولين والآخرين بقوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا
(1)
أخرجه مسلم (2942).
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131].
وأن لا ينساني من الدعاء ولا ينسى مشايخي وأولادي إن ذَكَر وتسهَّل له.
نسأل الله أن يحقق في الخير أمله والله ولي التوفيق.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله كلما ذكره الذاكرون وغَفَل عن ذكره الغافلون.
قاله بفمه وكتبه بقلمه أحمد بن محمد بن سليمان ين يحيى بن محمد أحمد بن محمد بن الحسن بن صالح المعلمي عفا الله عنهم آمين.
والتحرير يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان أحد شهور سنة 1335 خمس وثلاثين وثلاثمائة بعد الألف قمرية هجرية.
قال الشيخ:
"ولم تطُل قراءتي على شيخنا المذكور، بل رجعت إلى "بيت الرَّيمي" وانكببت على كتاب "الفوائد الشنشورية" في الفرائض أحلُّ مسائله، وأَفرِض مسائل أخرى وأحاول حلَّها ثم امتحانها وتطبيقها.
وكانت في كتب والدي كتاب "مقامات الحريري" وبعض كتب الأدب فأُولعتُ بها، ثم حاولت قرض الشعر.
ثم جاء أخي من مقرِّه بالحجرية وأُعجب بما شدوته من النحو والفرائض، ثم رجع إلى الحِجَرية وتركني. ثم كتب يستقدمني، فقدمت عليه وبقيت هناك مدّةً لا أستفيد فيها إلا حضوري معه بعض مجالس نتذاكر فيها الفقه".
وقد وجدت في أحد مجاميع الشيخ
(1)
أبياتًا له قيّدها في أثناء مقامه
(1)
رقم [4104].
بالحِجَرية لمناسبة عرضت، قال: "للحقير وأنا في قضاء الحِجَرية لمَّا بنى مفتي القضاء أمين وقف الشيخ عمر الطيار دارَه في مركز القضاء المذكور، فلما أتمَّ طبقتها الثانية أوكر على عادة الناس اليوم في الولائم من الذبح وتفريق اللحم، ثم اجتماع الناس للسمر في بيت المولم. فحضرنا فحصل ازدحام مفرط، فارتجلتُ ولم أفُهْ بها، قلتُ:
بنى المفتي أمين الوقف دارًا
…
تفوق متانة القصر المشيد
وأوكر داعيًا للناس ليلًا
…
إليها ذي القرابة والبعيد
وكنا في الذين دُعُوا فجِئْنا
…
وأظْفرنا محلًّا للقعود
تزاحمْنا كما رُصِفت ورُصَّت
…
نُزحزح كالوحوش لدى الورود
فلو من تحتنا الأخشاب زالت
…
ثبتنا في الهواء بلا عمود
عسى الرحمن يمنحنا اكتفاءً
…
بها الإعفاء عن ضمِّ اللحود
وقلت أيضًا وقد قيل لي: إن أمين الوقف أراد فتح بابٍ لرحبة المسجد المحيط بها السور، وليس له حاجة، وكان يُظَن في الأمين عدم الأمانة:
قالوا نوى الوقفيّ فتح باب
…
كقاصدٍ إفساد قول حاب
فقلت تضييعٌ بغير نفعٍ
…
لكن رضينا بالخروج بدون باب"
قال الشيخ:
"ثم رجعت إلى عُتمة، وكان القضاء وقتها قد صار إلى الزيدية، وعُيِّن الشيخ علي بن مصلح الريمي كاتبًا للقاضي. فلزمت القاضي، وكان هو السيد علي بن يحيى المتوكِّل
(1)
رجلًا عالمًا فاضلًا معمَّرًا. آسَفُ
(1)
انظر "هجر العلم": (3/ 1256).
لتقصيري، إذ لم أقرأ عليه شيئًا ولا طلبتُ منه إجازةً. ثم عُزل، ووَلِي القضاء بعده السيد محمد بن علي الذاري
(1)
، وكتبتُ عنده مدّةً، وكان رجلًا شهمًا كريمًا على قلّة علمه".
وقد وجدنا ما يحدّد لنا الوقت الذي عمل فيه الشيخ كاتبًا عند الذاري، فقد كان ذلك في سنة 1335 وعمره ثلاثة وعشرون عامًا، فقد صرَّح بذلك في كتاب "تحقيق الكلام في المسائل الثلاث"
(2)
قال: " ومن ذلك أني كنت سنة 35
(3)
ببلدتي "عُتمة" بمركزها المعروف بـ"الربوع"، وأنا إذ ذاك أكتب لحاكمها السيّد محمد بن علي الذّاري، وكان قد أرسل رسولًا إلى الإمام يحيى بن محمد، فأبطأ الرسول. وبينا أنا يومًا جالس أمام القلعة خَطَر لي أن ذلك الرسول الذي ينتظره سيمرّ حينئذٍ من تحت القلعة، فصوّبت نظري إلى تحت القلعة؛ وإذا بذلك الرجل مارًّا من ذلك المكان".
فهذه هي المراحل التي مرّ بها الشيخ في نشأته باليمن وتلقيه أنواع العلوم من تعلّم القراءة والكتابة، والقرآن والتجويد، وعلم الحساب، ثم النحو والاهتمام به وحذقه إياه في أقرب مدة وبراعته فيه، ثم الفقه الشافعي، والفرائض وإتقانه لها وحلّه لمسائلها، ثم ولعه بكتب الأدب وقرضه للشعر.
وقد كشفت لنا دفاتر الشيخ ومجاميعه مدى عنايته باللغة والأدب
(1)
له مشاركة في العلم، تولّى للإمام يحيى حميد الدين على عدة بلدان منها عُتمة، وعزله الإمام لما كثرت الشكوى ضده، (ت 1344). انظر "نزهة النظر"(ص 569)، و"هجر العلم":(2/ 661).
(2)
(ص 361).
(3)
أي سنة 1335.
والشعر، ففي المجموع [4104] فوائد شتى وتقييدات كثيرة نحوية وصرفية وأدبية، وقصائد برمتها منها المعلقات السبع ولامية الشنفرى وقصيدة لأحيحة بن الجُلاح، ومرثية لأخت المنذر بن عبد شمس وغيرها كثير، قيّدها بخطه الدقيق المتقن.
ولا أجزم أن كل ما في هذا المجموع مكتوب إبان إقامته في اليمن، بل من الواضح أن بعضه مكتوب في اليمن وبعضه الآخر حين إقامته لدى الإدريسي، ومع ذلك فليس الفاصل الزمني بينهما كبيرًا بل يمكن أن يعدّا في فترة زمنية واحدة؛ لأنه ارتحل إلى الإدريسي وعمره خمسة وعشرون عامًا وبقي عنده خمس سنوات فقط.
فالمحقَّق أن فنون العربية بأنواعها كانت محلّ اهتمام الشيخ وعنايته، وقد برع فيها وأصبح ذا مَلَكة قوية وهو لم يزل بعدُ في سن مبكرة، مع تفننه في العلوم الأخرى كالفقه والفرائض والحساب وغيرها.