الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
الصعوبات وما إليها
ذكرنا في أول الكلام على المرحلة الأولى بعض الملاحظات التي تتعلق بالفهرس الذي صنعناه لتصوير الكتب من مكتبة الحرم المكي، وبعض الإشكالات التي اعتورت تلك الأوراق المصوّرة، وهنا سنذكر باقي العقبات التي اعترضتنا في المشروع جملةً بشيء من التفصيل، حتى يتبين للقارئ الكريم حجم الجهد المبذول في إخراج هذه الموسوعة العظيمة:
بادئ ذي بدء ينبغي أن يُعرف أن الشيخ رحمه الله كان قد اتخذ غرفةً في مكتبة الحرم للسُّكْنى، وكان فيها كتبه وأوراقه ومؤلفاته وما إليها، وقد توفي فيها بين أوراقه وكتبه.
ثم آلت هذه الكتب والأوراق والكنانيش التي خلّفها الشيخ إلى مكتبة الحرم ودخلت في قسم المخطوطات منه، لكنها بقيت زمنًا على حالها لم تفهرس ولم تُفرز، ثم بعد مدة لعلها تزيد على الخمس عشرة سنة فُرِز ما فُرِز من هذه الكتب والأوراق لتأخذ مكانها في المكتبة، لكنّ الهيئةَ التي تَرَك عليها الشيخُ كتبَه كانت بحيث يَعْسُر فهرستها وترتيبها إلا بجهد ومشقة وفحص وتدقيق.
والذي يظهر أن أوراق الشيخ جُمِعت بعد وفاته في بداية الأمر جمعًا بلا ترتيب ولا عناية، فاضطربت الأوراق وتداخلت الكتب والرسائل، وربما كان التداخل حاصلًا قبل ذلك لكنّ الشيخ كان يستطيع استخراجها ومعرفة ما أراد منها بخلاف من يأتي بعده وهو أجنبيّ عنها.
ثم لما أراد القيّمون على المكتبة فرز هذه الأوراق والكتب وفهرستها جعلوها قسمين، الأول: ما أمكنهم معرفة عنوانه أو موضوعه، فهذا دخل في الفهرسة وأخذ رقمًا، والثاني ما لم يمكنهم معرفة عنوانه ولا موضوعه، فهذا تُرك دون رقم ولم يدخل في فهرس المكتبة لكنه حُفِظ فيها ضمن الدشوت والأوراق والمخطوطات التي لم تُفهرس.
وعليه فإن كتب الشيخ لم تكن كلها في مكان واحد في المكتبة بل منها ما فهرس ووضع له عنوان، ومنها ما بقي ضمن الدشوت والأوراق غير المفهرسة في المكتبة، وربما كان بعض المطالعين أو المترددين على المكتبة يقف على كتاب أو رسالة ضمن الدشوت أو الأوراق الأخرى فينبّه على عنوانها وموضوعها، فتدخل بعد ذلك ضمن الفهرس.
وترتَّب على ذلك أن فهرس المكتبة سواء أكانت البطاقات أو السِّجِل أو الفهرس المطبوع لم يحو جميع كتب الشيخ المعلمي. ويمكن القول إن تصويرنا لكتب الشيخ وحصولنا عليها مرّ بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: عبر القائمة التي صنعناها لكتب الشيخ عن طريق البطاقات والسّجل المدوّن، وقد سبق الحديث عنها في المرحلة الأولى من مراحل العمل في المشروع.
المرحلة الثانية: ما صوّرناه بعد طباعة "فهرس المكتبة" في أربع مجلدات ضمن منشورات مكتبة الملك فهد الوطنية، وهي نحو خمسة وعشرين مخطوطًا، ثم تَبِعْتها مخطوطات أخرى.
المرحلة الثالثة: ما صوّرناه في أوائل سنة 1433، فقد تفضل الإخوة في قسم المخطوطات بالمكتبة فأخرجوا لنا أوراقًا كثيرة جدًّا يُعتقد أنها للشيخ
رحمه الله، وكانت المفاجأة أن وقفنا فيها على كتب كاملة ورسائل محررة، ورسائل شخصية، ومسوّدات كثيرة لكتب مطبوعة أو غير مطبوعة، أو أوراق لها علاقة بكتب أخرى، ورسائل وكتب جديدة تُكتشف لأول مرة؛ فعكفنا عليها فرزًا وفهرسة وترتيبًا أنا وأخي الشيخ محمد عزير شمس لمدة ثلاثة أيام، فاستخرجنا قرابة السبعين عنوانًا.
وكان التصوير في المرحلة الأولى على الورق من الميكروفلم، أما في المرحلتين الثانية والثالثة فقد تحصّلنا على المخطوطات على أقراص مدمجة (CD)، وقد ذلّل لنا ذلك الكثير من العقبات التي اعترضتنا في الأوراق المصوّرة، وقد سبق شرحها، وإن بقيت العقبات الأخرى المتعلقة بكتب الشيخ. فمن تلك العقبات والصعوبات:
1 -
أن المؤلف رحمه الله ترك كثيرًا من الرسائل والكتب بلا عنوان، فيجتهد المفهرس في وضع عنوان لها فلا يوفّق، وهذا كثير.
2 -
أن طريقة المؤلف في كتابة مؤلفاته ورسائله زادت من عُسْر استخراجها وتحقيقها، فإنه يبدأ بكتابة مسوّدة الرسالة، ثم يزيد فيها وينقص ويكتب على طررها فتمتلئ، ثم ينتقل إلى دفتر جديد أو يضيف أوراقًا إلى الدفتر الأول. ثم بعد ذلك يبيّض هذه المسوّدة، ثم يعود على المبيّضة كرّة أخرى فيحيلها إلى مسوّدة من جديد بكثرة الضرب والتخريج والإضافات. ونادرًا ما سلم كتاب أو رسالة من هذه الطريقة، بل ربما كتب الرسالة الواحدة سبع مرات أو أربع مرات مثل رسالة في معنى {مَا أَغْنَى} ورسالة "عمارة القبور" ورسالة "بيع الأحرار".
3 -
أن كثيرًا من كتب المؤلف عبارة عن مسوّدات، مليئة بالضرب والتخريج والتهميش، واستخراجُ الكتاب من مسوّدته يكتنفه كثير من المصاعب لا تخفى على من مارس التحقيق، وفيما سنورده هنا من نماذج يكشف عن جلية الأمر ومدى صعوبته.
4 -
أن كتب المؤلف لم يُعتنَ بها العناية المطلوبة، فدخلت أوراق المخطوطات في بعضها، واضطربت أوراق كثير من الرسائل، بل دخل كتاب في كتاب، أو انفردت ورقة عن مجموع لتدخل في مجموع آخر.
5 -
كان المؤلف يكتب الكتاب أو الرسالة كيفما اتفق له، فأحيانًا يكتب بقلم الرصاص الباهت، أو بقلم الحبر، أو يدقق الخط جدًّا حتى لا يكاد يُقرأ.
6 -
أن المرحلة الأولى من التصوير كانت على الورق وهو مستنسخ من الميكروفلم، وقد وقع في هذه الصورة الورقية من ضروب الإشكالات ما تقدم ذكره (ص 15 - 16) فيضطر الناسخ أو المحقق لحلِّ هذه الإشكالات إلى تكرار زيارة المكتبة للاطلاع على الأصل الخطي.
7 -
حتى المخطوطات التي صوّرت على القرص المدمج (CD) لم تكن خالية من الإشكال، فيحتاج الباحث للاطلاع على الأصل الخطي للتأكد من كلمة أو عبارة، أو الكشف عن بعض الأوراق التي كانت مثنيّة أو ملتصقة، أو فات تصويرها سهوًا.
8 -
أننا قد عثرنا في أحيان كثيرة على جزء من كتاب بعد الفراغ من تحقيقه، وكنا نعتقد أن المؤلف لم يتمكن من إتمام هذا الكتاب أو أن بعض أوراقه فقدت. والعثورُ عليه اقتضى تحقيق هذا الجزء الجديد مع إعادة النظر
فيما حقق سابقًا، والتغيير في تنسيقه وإحالاته وفهارسه. وقد وقع هذا في كتاب "العبادة" و"تحقيق المسائل الثلاث" و"رسائل الفقه" و"رسائل التفسير"
…
9 -
أن بعض الكتب لم نعثر على مبيضاتها التي طبعت عنها كـ"التنكيل" و"الأنوار الكاشفة"، فكان الاعتماد على المطبوعات وعلى بعض المسوّدات التي عثرنا عليها.
هذه أهم الصعوبات التي واجهتنا في أثناء العمل في هذه الموسوعة، فالحمد لله الذي ذلّلها ويسّر لنا إكمال هذا العمل العلمي العظيم.
وفي خَتْم هذه التقدمة الموجزة أتقدّم بالشكر لكل أعضاء الفريق العلمي والفني والإداري الذي تحمّل أعباء إخراج هذه الموسوعة على هذا النحو المُرْضي، وكذلك لمؤسسة سليمان الراجحي الخيرية على تحملها أعباء تمويل هذا المشروع، والشكر أيضًا للإخوة الكرام في مكتبة الحرم المكي الشريف على أريحيتهم وتلبيتهم طلبات التصوير على كثرتها وتكررها، وأخص بالذكر مديرها الدكتور محمد بن عبد الله باجودة، والأستاذ عادل بن جميل في قسم المخطوطات، والأستاذ حامد اللهيبي مدير قسم التصوير.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.