الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من حسد الأقران أو منازعة بعض المقربين، والناظر في رسائل القاضي عبد الله العمودي إليه سيقف على بعض ذلك.
*
الانتقال إلى عدن:
بقي الشيخ على هذه الحال إلى حين وفاة السيد الإدريسي في الثالث من شعبان من عام 1341، فتولى بعده ابنه الأكبر السيد علي بن محمد وكان عمره دون العشرين، بعد أن وقع نزاع على السلطة بينه وبين عمه الحسن انتهى باستقرار الإمارة في يد علي بن محمد الإدريسي، إلا أن هذا الأمير الشاب لم يَسِر سيرةَ أبيه في الحكم من الحنكة والتدبير والاعتماد على رجال الدولة، وذوي العلم والخبرة، فعزم أن يبعد كبار المسؤولين أيام إمرة أبيه. وكان حقه أن يستفيد منهم ويعتمد عليهم كما كان يفعل أبوه.
وربما اجتمع مع عدم الحنكة ما رآه من وقوف جماعة منهم مع عمه الحسن وقت النزاع بينهما في تولي الإمارة، فأراد أن ينتقم منهم بمشورةِ ومساعدةِ أعوانه الجدد.
وحين رأى الشيخ هذه الأمور مجتمعة وتغوُّلَ بعضِ أولئك المستشارين الجدد، كتب أوراقًا
(1)
يحكي فيها خبرَه من أيام مقدمه على الإدريسي وكيف كان تعامله معه حتى وفاته، ثم في آخرها يشرح مراده من المجيء إلى الحضرة الإدريسية وما يأمله الآن من المكوث لدى الأدارسة، وأنه بعيد كل البعد عن الاهتمام بالوظائف التي كان يشغلها أيام الإدريسي الأب، وأنه غير طامع في بقائها، بل رغبته العظيمة وأمنيته المرجوّة هي
(1)
وقد سقنا أكثرها فيما مضى.
التفرّغ للعلم. قال في وثيقته تلك:
"والآن أرى أن تفرُّغي للعلم واجب.
أولًا: أن سيدنا ــ قدّس سرّه ــ كان يعدُني بذلك.
ثانيًا: أن مشرب سيدنا في علم الظاهر لم يعرفه أحد ذوقًا وتحقُّقًا مثلي، فأريد أن تكون مذاكرتي للطلبة ممزوجة به، حتى تخالط بشاشته قلوبهم وينشؤوا عليه، وأيضًا أنا بنفسي أرى ما عندي.
ثالثًا: أن الطلبة الشافعية ضائعون بلا شيخ، وقد تعب عليهم سيدنا ــ قدّس سرّه ــ تعبًا شديدًا، فلا يضيعوا.
رابعًا: أني كما سأذاكرهم في الأحكام سأذاكرهم في الأخلاق كالزهد ونحوه، حتى ينشؤوا عليه.
خامسًا: أنه يجب أن يُنظر إليَّ الآن بنظرٍ فوق ما كان يُنظر إليَّ في حياة سيدنا ــ قدّس سرّه ــ، لأني كنتُ في حياته مغمورًا بالحقوق التي له ولا حقّ لي، وأما الآن فالحقوق التي لي كثيرة، وقصدي من هذا أنه ينبغي إجابة طلبي.
سادسًا: من المعلوم أن الخدمة بغير العلم، هي بكُرْهٍ منّي ومشقّة عليّ، فلا آمن على نفسي أن أقصّر فيها.
سابعًا: أني ليس قصدي من ترك الخدمة الراحة والبطالة، وإنما هو الانتقال من مهمّ إلى أهمّ، فإن الدعوة من المعلوم أنها مبنية على علم وعمل، فكيف نقوم بإحياء العمل وترك العلم. والقيامُ بخدمةِ العلم وخصوصًا على الصفة المشروحة هو أعظم خدمة للدعوة، بل هو الشطر المهم فيها.
وبَقِيَت بعد هذا وجوهٌ أخرى، وفي هذا كفاية إن شاء الله تعالى".
لكن يبدو أن الغلبة كانت لمن أشار إلى الإدريسي الابن، إذ قرر التخلّص من كبار مستشاري أبيه وأعوانه بمكيدة مدبّرة لإخراجهم من عاصمة الحكم إلى عدن، قال القاضي عبد الله العمودي: "ففي شهر ربيع الأول من سنة 1342 أجلى أهل مجلسه ومشورته من رجال دولته، فطلبهم الإمام المذكور إلى مجلسه، وأوهمهم بأن يتوجّهوا إلى الحديدة لأجل النظر في الصلاحية، وقد أعطى أمرًا إلى واليه بالحديدة عبد المطلب في نفيهم وإدخالهم البحر إلى عدن، فتمّ له ذلك
…
" وذكر منهم القاضي العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي العتمي. قال: "نعم، ولم يكن مقتضى لبقائهم إلا أوهام ومشورة الأحداث من أهل مجلسه الطَّغام، حتى إن جريدة صنعاء أشارت إلى هذه الحادثة باللوم، والفضل ما شهدت به الأعداء"
(1)
.
وهذه المكيدة المفاجئة لم تُمَكِّن الشيخ من أخذ شيء من كتبه وأوراقه وباقي أغراضه، وإنما طلبها من تلك الجهة بعدما استقرّ في الهند، كما في كتاب منه إلى الشيخ محمد نصيف مؤرخ في ذي القعدة سنة 1355.
لم يطل مكث الشيخ في عدن، إذ لم يبق فيها إلا نحو سنتين أو أقل، اشتغل فيها بالتدريس والوعظ والتأليف، فقد ألّف في هذه الفترة رسالته في "الوتر"، و"الرد على حسن الضالعي"، وانتقل في أثناء ذلك إلى مدينة "زنجبار"
(2)
وهي مدينة بالقرب من عدن.
(1)
"إمارة السيد الإدريسي"(ص 69 - 71) للقاضي العمودي. وانظر نحوه في "نشر الثناء الحسن": (4/ 224).
(2)
ففي المجموع رقم [4657] ذكر فائدة ثم قال: "أفدته بزنجبار".
والظاهر أن الحال لم يكن مطمئنًا للشيخ فمكيدة الإدريسي تمنعه من العودة إلى المخلاف السليماني، وترصّد الإمام يحيى حميد الدين يمنعه من العودة إلى بلده عُتمة أو إلى مناطق اليمن الخاضعة لنفوذ الإمام، فلم يجد أمامه إلا التفكير في السفر بعيدًا. مع أنه قد عاد جماعة ممن سَفَّرهم ابن الإدريسي إلى بلدانهم، وخضعوا لإمرة الإمام يحيى حميد الدين وذلك نحو سنة 1343. وقد ذكرهم الوشلي بأسمائهم في "نشر الثناء الحسن":(4/ 226).
لكن توقع الشيخ المعلمي كان مختلفًا لقوّة صلته بالإدريسي، ولأجل قصائده التي كان ينشئها في ذم الإمام يحيى وحكم الزيدية، وكان يتألم منها الإمام يحيى أشدّ الألم
(1)
، ومما يعضد هذا ما ذكره الشيخ عبد الرحمن بن عبد القادر المعلمي (ابن أخت الشيخ المعلمي) قال ــ مبديًا السبب في عدم عودة الشيخ المعلمي إلى اليمن ــ: "إن الإمام يحيى قد امتدت يده القاسية إلى إنزال عقاب شديد، وهو سجن أشخاص من بيت المعلّمي ليس لهم صلة بحكم الإدريسي، وقد حبسهم الإمام يحيى بسبب تهمة واهية أوهى من بيت العنكبوت، قال: أعرف الفقيه العلامة أحمد بن محمد المعلمي وهو في أخريات حياته، وهو والد زوجتي رحمه الله، وقد حكى قصة سَجْنه من قِبَل الإمام يحيى في أيام طلبه العلم هو ووالده محمد وأخواه: عبد الله بن محمد المعلمي، وعبد الكريم بن محمد المعلمي، أنه ذهب إلى مدينة زبيد لطلب العلم، ومكث فيها مدة سبع سنوات، وفي نهاية فترة دراسته قوي عزمه على السفر لأداء فريضة الحج، فسافر من زبيد على أمل العودة إلى قريته في ناحية عُتمة، فسافر لأداء فريضة الحج، ومر عند عودته بالبلاد التي
(1)
نقله عبد الله الحكمي عن الشيخ المعلمي.