الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
قصة بداية المشروع
في صيف عام 1418، أي قبل خمسة عشر عامًا مضت، في مجلس من مجالس شيخنا العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد (ت 1429) رحمه الله تعالى بداره العامرة بالطائف= تذاكرنا سيرةَ الشيخ العلامة المجتهد عبد الرحمن بن يحيى المعلّمي (ت 1386) رحمه الله تعالى، وعرّجنا على ذِكر كتبه ومؤلّفاته، وما طُبع منها وما لم يُطبع. وكان شيخُنا شديدَ الإعجاب بمؤلفات المعلمي
(1)
، وقد لقَّبَه في بعض كتبه بـ (ذهبيّ العصر)
(2)
مقارنة له بالإمام الذهبي، بجامع تفنّنهما في علم الرجال والجرح والتعديل.
وذكرنا ما طُبع من كتبه في الآونة الأخيرة، وأن هناك بعض المحاولات لبَعْث بعض تراثه، إلا أنها لا تليق بمكانة الشيخ ولا تنهض بخدمة كتبه على الوجه المرضيّ.
وذكرنا أيضًا بعض الرسائل العلمية التي قدّمت عن جهود الشيخ في مختلف الجوانب، وأنها لم تَفِ بحقّ الشيخ لا من حيث الترجمة ولا من حيث استيفاء المادة العلمية؛ لأن غالب كتبه لم تطبع، واعتماد الدارسين على مؤلفاته المخطوطة كان يعتوره قصور شديد.
فانتهى الكلامُ بنا إلى أنه ينبغي النظر فيما بقي من تراث هذا الإمام، والسعي في نشره وتعميم نفعه للناس.
(1)
ولم يكن قد طبع منها في ذلك الوقت إلا ستة كتب أو سبعة.
(2)
كما في "التأصيل"(ص 27).
وكان معنا في المجلس آنذاك أحد طلاب الشيخ، وكان يعمل في "كتابة عدل" في مكة، فطلب منه شيخنا أن يسعى في تصوير كتب الشيخ المعلمي من مكتبة الحرم المكيّ الشريف، تمهيدًا للنظر فيها، ومعرفة ما لم يطبع منها، وطباعة ما يصلح منها للنشر.
ولا أدري هل صوّرت الكتب بعد ذلك أم لا! لكنني أحسب أن أمر هذه الفكرة قد انتهى إلى هذا الحدّ! ولعل انشغال شيخنا بمشاريع علمية أخرى أخّرت إتمام النظر في هذا المشروع، أو أن من كلّفه شيخُنا بالتصوير لم يتمكّن من ذلك.
وبعد نحو خمس سنوات، أي في أثناء سنة 1423 لمَعَ بارقُ أملٍ جديد لإحياء هذه الفكرة، والنهوض بهذا المشروع من جديد، وذلك أن أخي الشيخ أسامة الحازمي كان يتردّد عليّ ومعه بعض رسائل العلامة المعلمي المخطوطة في مسائل نحوية وصرفية
(1)
، وكان له اشتغال بنسخها وتحقيقها، فربّما استشكل كلمةً أو عبارة من خط الشيخ، فنتعاون في فكّ عُقَدها وإيضاح مغلقها، وجرى الحديث في أثناء ذلك عن كتب العلامة المعلمي في مكتبة الحرم، وعن حالها وإمكانية تصويرها. وذكرتُ له ما كنّا نهمّ به من تصويرها والعمل عليها، وذكرتُ له حديثي السالف مع شيخنا بكر أبو زيد رحمه الله.
ثم انقدح في ذهني أن أُعيد لفتَ نظر شيخنا إلى الأمر من جديد، مع
(1)
وكان قد سبق له تحقيق كتاب "اللطيفة البكرية" للشيخ المعلمي، وطبعت في دار عالم الفوائد سنة 1421 هـ.
علمي بما كنّا عليه من الانشغال الشديد بالمشاريع العلمية الكبرى التي كان شيخنا يشرفُ عليها
(1)
، وأنجزنا طائفة منها؛ لكني عزمتُ وفاتحته في الأمر، فرأيت منه ما لم أتوقعه من سرعة الاستجابة والنشاط للموضوع، بما لم أعهده منه في المرة السالفة التي سبق الحديث عنها.
طلبَ الشيخُ كتابةَ تصوّر للمشروع، مع قائمة بأهم كتبه التي لم تُطبع، ومعلومات أوليّة عنها وعن مكان وجودها، فأرسلتُ له ذلك بعد أيام قلائل، فحصلت الموافقة على المشروع في غضون أيام، وأُدرج ضمن المشاريع العلمية التي يشرف عليها الشيخ تحت رعاية مجمع الفقه الإسلامي بجدة، والتي تمولها مؤسسة سليمان الراجحي الخيرية، وتديرها وتنفذها دار عالم الفوائد بمكة المكرمة، ولله الحمد والمنة.
وعليه؛ كَتب شيخُنا طلبًا لرئاسة شؤون الحرمين يطلب فيه تصوير كتب الشيخ المعلمي من مكتبة الحرم المكي الشريف، فاعتُمِد الطلب، وصوّرت الكتب.
فهذه قصة البداية، وها نحن اليوم نكتب قصة نهاية هذا المشروع العظيم، الذي سيكون بدايةً لقصّةٍ جديدة في العلم والتحقيق والمعرفة، فما أجملها من نهاية نَدلِفُ بها إلى بداية جديدة.
(1)
وهي ثلاثة مشاريع كبرى: آثار شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد طبع منها حتى الآن 21 مجلدًا، وآثار الإمام ابن القيم، وطبع منها 38 مجلدًا، والعمل جارٍ في استكمال باقي المشروعَين. وآثار العلامة الأمين الشنقيطي، وطبعت كاملة في 19 مجلدًا.