الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. وَقِيلَ الْأَصَابِعُ وَغَيْرُهَا مِنَ الْأَعْضَاءِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا الْأَصَابِعُ. وَقَالَ عَنْتَرَةُ الْعَبْسِيُّ:
وَكَانَ فَتَى الْهَيْجَاءِ يَحْمِي ذِمَارَهَا
…
وَيَضْرِبُ عِنْدَ الْكَرْبِ كُلَّ بَنَانِ
وَقَالَ أَيْضًا:
وَأَنَّ الْمَوْتَ طَرْحُ يَدِي إِذَا مَا
…
وَصَلْتُ بَنَانَهَا بِالْهِنْدُوَانِي
وَضَرْبُ الْكُفَّارِ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا قَصَدَ أَبْلَغَ الْمَوَاضِعِ وَأَثْبَتَ مَا يَكُونُ الْمَقَاتِلُ لِأَنَّهُ إِذَا عُمِدَ إِلَى الرَّأْسِ أَوِ الْأَطْرَافِ كَانَ ثَابِتَ الْجَأْشِ مُتَبَصِّرًا فِيمَا يَضَعُ فِيهِ آلَةَ قِتَالِهِ مِنْ سَيْفٍ وَرُمْحٍ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَقَعُ بِهِ اللِّقَاءُ إِذْ ضَرْبُ الرَّأْسِ فِيهِ أَشْغَلُ شَاغِلٍ عَنِ الْقِتَالِ وَكَثِيرًا مَا يُؤَدِّي إِلَى الْمَوْتِ وَضَرْبُ الْبَنَانِ فِيهِ تَعْطِيلُ الْقِتَالِ مِنَ الْمَضْرُوبِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: عَلَّمَهُمْ مَوَاضِعَ الضرب فقال: اضربوا الرؤوس وَالْأَيْدِيَ وَالْأَرْجُلَ فَكَأَنَّهُ قَالَ فَاضْرِبُوا الْأَعَالِيَ إِنْ تَمَكَّنْتُمْ مِنَ الضَّرْبِ فِيهَا فَإِنْ لَمْ تَقْدِرُوا فَاضْرِبُوهُمْ فِي أَوْسَاطِهِمْ فَإِنْ لَمْ تَقْدِرُوا فَاضْرِبُوهُمْ فِي أَسَافِلِهِمْ فَإِنَّ الضَّرْبَ فِي الْأَعَالِي يُسْرِعُ بِهِمْ إِلَى الْمَوْتِ وَالضَّرْبَ فِي الْأَوْسَاطِ يُسْرِعُ بِهِمْ إِلَى عَدَمِ الِامْتِنَاعِ وَالضَّرْبَ في الأسافل يمنعم مِنَ الْكَرِّ وَالْفَرِّ فَيَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ إِمَّا إِهْلَاكُهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِمَّا الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِمُ انْتَهَى، وَفِي قَوْلِ الْفَرَّاءِ هَذَا تَحْمِيلُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَالْمَعْنَى فَاضْرِبُوا الْمَقَاتِلَ وَالشَّوَى لِأَنَّ الضَّرْبَ إِمَّا وَاقِعٌ عَلَى مَقْتَلٍ أَوْ غَيْرِ مَقْتَلٍ فَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَجْمَعُوا عَلَيْهِمُ النَّوْعَيْنِ مَعًا انتهى.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 13 الى 14]
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (13) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (14)
ِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
الْإِشَارَةُ إِلَى مَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ إِلْقَاءِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِهِمْ وَمَا أَصَابَهُمْ مِنَ الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ، وَالْكَافُ لِخِطَابِ الرَّسُولِ أَوْ لِخِطَابِ كُلِّ سَامِعٍ أَوْ لِخِطَابِ الْكُفَّارِ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِفَاتِ ولِكَ
مبتدأ وأَنَّهُمْ
هُوَ الْخَبَرُ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْكُفَّارِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْمُشَاقَّةِ فِي قَوْلِهِ فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ «1» وَالْمُشَاقَّةُ هُنَا مُفَاعَلَةٌ فَكَأَنَّهُ
(1) سورة البقرة: 2/ 137.
تَعَالَى لَمَّا شَرَعَ شَرْعًا وَأَمَرَ بِأَوَامِرَ وَكَذَّبُوا بِهَا وَصَدُّوا تَبَاعَدَ مَا بَيْنَهُمْ وَانْفَصَلَ وَانْشَقَّ وَعَبَّرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ شَاقُّوا اللَّهَ أَيْ صَارُوا فِي شَقٍّ غير شقّه.
مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ
أَجْمَعُوا على الفكّ في شاقِقِ
اتِّبَاعًا لِخَطِّ الْمُصْحَفِ وَهِيَ لُغَةُ الْحِجَازِ وَالْإِدْغَامُ لُغَةِ تَمِيمٍ كَمَا جَاءَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ «1» ، وَقِيلَ فِيهِ حَذْفٌ مُضَافٌ تَقْدِيرُهُ شَاقُّوا أَوْلِيَاءَ الله ونْ
شرطية والجواب إِنَ
وَمَا بَعْدَهَا وَالْعَائِدُ عَلَى نْ
محذوف أي دِيدُ الْعِقابِ
لَهُ وَتَضَمَّنَ وَعِيدًا وَتَهْدِيدًا وَبَدَأَهُمْ بِعَذَابِ الدُّنْيَا مِنَ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِمْ.
ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ جَمَعَ بَيْنَ الْعَذَابَيْنِ عَذَابِ الدُّنْيَا وَهُوَ الْمُعَجَّلُ وَعَذَابِ الْآخِرَةِ وَهُوَ الْمُؤَجَّلُ وَالْإِشَارَةُ بِذَلِكُمْ إِلَى مَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْخِطَابُ لِلْمُشَاقِّينَ وَلَمَّا كَانَ عَذَابُ الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَذَابِ الْآخِرَةِ يَسِيرًا سَمَّى مَا أَصَابَهُمْ مِنْهُ ذَوْقًا لِأَنَّ الذَّوْقَ يُعْرَفُ بِهِ الطَّعْمُ وَهُوَ يَسِيرٌ لِيُعْرَفَ بِهِ حَالُ الطَّعْمِ الْكَثِيرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ «2» فَمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا كَالذَّوْقِ الْقَلِيلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا أُعِدَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ الْعَظِيمِ وذلِكُمْ مَرْفُوعٌ إِمَّا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ ذَلِكُمُ الْعِقَابُ أَوْ عَلَى الْخَبَرِ وَالْمُبْتَدَأُ مَحْذُوفٌ أَيِ الْعِقَابُ ذَلِكُمْ وَهُمَا تَقْدِيرَانِ لِلزَّمَخْشَرِيِّ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:
أَيْ ذَلِكُمُ الضَّرْبُ وَالْقَتْلُ وَمَا أَوْقَعَ اللَّهُ بِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ الْأَمْرُ ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ انتهى. وهذا تقرير الزَّجَّاجِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلَى عَلَيْكُمْ ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ كَقَوْلِكَ زَيْدًا فَاضْرِبْهُ انْتَهَى، وَلَا يَجُوزُ هَذَا التَّقْدِيرُ لِأَنَّ عَلَيْكُمْ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ وَأَسْمَاءُ الْأَفْعَالِ لَا تُضْمَرُ وَتَشْبِيهُهُ لَهُ بِقَوْلِكَ زَيْدًا فَاضْرِبْهُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَدِّرُوهُ بِعَلَيْكَ زَيْدًا فَاضْرِبْهُ وَإِنَّمَا هَذَا مَنْصُوبٌ عَلَى الِاشْتِغَالِ وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الِاشْتِغَالِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُبْتَدَأً أَوْ فَذُوقُوهُ خَبَرًا لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْفَاءِ لَا يَكُونُ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدَأُ اسْمًا مَوْصُولًا أَوْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً نَحْوُ الَّذِي يَأْتِينِي فَلَهُ دِرْهَمٌ وَكُلُّ رَجُلٍ فِي الدَّارِ فَمُكْرَمٌ انْتَهَى، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ وَمَسْأَلَةُ الِاشْتِغَالِ تَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ جواز أن يكون لِكَ
يَصِحُّ فِيهِ الِابْتِدَاءُ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُمْ زَيْدًا فَاضْرِبْهُ وَزَيْدٌ فَاضْرِبْهُ لَيْسَتِ الْفَاءُ هنا
(1) سورة الحشر: 59/ 4.
(2)
سورة الواقعة: 56/ 53.