الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومصادقتهم وَإِنْ كَانُوا أَقَارِبَ وَأَنْ يَتْرُكُوا يَتَوَارَثُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمَّا ذَكَرَ أَقْسَامَ الْمُؤْمِنِينَ الثَّلَاثَةَ وَأَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ يَنْصُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بَيَّنَ أَنَّ فَرِيقَ الْكُفَّارِ كَذَلِكَ إِذْ كَانُوا قَبْلَ بِعْثَةِ الرسول صلى الله عليه وسلم يُنَادِي أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْهُمْ قُرَيْشًا وَيَتَرَبَّصُونَ بِهِمُ الدَّوَائِرَ فَصَارُوا بَعْدَ بَعْثِهِ يُوَالِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَإِلْبًا وَاحِدًا عَلَى الرَّسُولِ صَوْنًا عَلَى رِئَاسَاتِهِمْ وَتَحَزُّبًا عَلَى المؤمنين.
إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ. الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي تَفْعَلُوهُ عَائِدٌ عَلَى الْمِيثَاقِ أَيْ عَلَى حِفْظِهِ أَوْ عَلَى النَّصْرِ أَوْ عَلَى الْإِرْثِ أَوْ عَلَى مَجْمُوعِ مَا تَقَدَّمَ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَيْ إِنْ لَا تَفْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ تَوَاصُلِ الْمُسْلِمِينَ وَتَوَلِّي بَعْضِهِمْ بَعْضًا حَتَّى فِي التَّوَارُثِ تَفْضِيلًا لِنِسْبَةِ الْإِسْلَامِ عَلَى نِسْبَةِ الْقَرَابَةِ وَلَمْ تَقْطَعُوا الْعَلَائِقَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ وَلَمْ تَجْعَلُوا قَرَابَتَهُمْ كَلَا قَرَابَةَ تَحْصُلُ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَمَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يَصِيرُوا يَدًا وَاحِدَةً عَلَى الشِّرْكِ كَانَ الشِّرْكُ ظَاهِرًا وَالْفَسَادُ زَائِدًا، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْفِتْنَةُ الْمِحْنَةُ بِالْحَرْبِ وَمَا انْجَرَّ مَعَهَا مِنَ الْغَارَاتِ وَالْجَلَاءِ وَالْأَسْرِ وَالْفَسَادُ الْكَبِيرُ ظُهُورُ الشِّرْكِ، وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: الْفِتْنَةُ فِي الْأَرْضِ قُوَّةُ الْكُفْرِ وَالْفَسَادُ الْكَبِيرُ ضَعْفُ الْإِسْلَامِ، وَقَرَأَ أَبُو مُوسَى الْحِجَازِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ: كَثِيرٌ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ
وَرُوِيَ أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ.
[سورة الأنفال (8) : آية 74]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)
هَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا تَعْظِيمُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَهِيَ مُخْتَصَرَةٌ إِذْ حُذِفَ مِنْهَا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَلَيْسَتْ تَكْرَارًا لِأَنَّ السَّابِقَةَ تَضَمَّنَتْ وَلَايَةَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَتَقْسِيمَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ وَبَيَانَ حُكْمِهِمْ فِي وَلَايَتِهِمْ وَنَصْرِهِمْ وَهَذِهِ تَضَمَّنَتِ الثَّنَاءَ وَالتَّشْرِيفَ وَالِاخْتِصَاصَ وَمَا آلَ إِلَيْهِ حَالُهُمْ مِنَ الْمَغْفِرَةِ وَالرِّزْقِ الْكَرِيمِ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ أَوَاخِرِ نَظِيرَةِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي أَوَائِلِ هَذِهِ السُّورَةِ.
[سورة الأنفال (8) : آية 75]
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ. يَعْنِي الَّذِينَ لَحِقُوا بِالْهِجْرَةِ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهَا فَحَكَمَ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ السَّابِقِينَ فِي الثَّوَابِ وَالْأَجْرِ وَإِنْ كَانَ لِلسَّابِقِينَ شُفُوفُ السَّبْقِ وَتَقَدُّمُ الْإِيمَانِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ وَمَعْنَى مِنْ بَعْدُ مِنْ بَعْدِ الْهِجْرَةِ الْأُولَى وَذَلِكَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَزَادَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَبَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَذَلِكَ أَنَّ الْهِجْرَةَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ كَانَتْ أَقَلَّ رُتْبَةً مِنَ الْهِجْرَةِ قَبْلَ ذَلِكَ وَكَانَ يُقَالُ لَهَا الْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّ الْحَرْبَ وَضَعَتْ أَوْزَارَهَا نَحْوَ عَامَيْنِ ثُمَّ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ. وَبِهِ
قَالَ عليه السلام: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ.
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: مِنْ بَعْدُ مَا بَيَّنْتُ حُكْمَ الْوَلَايَةِ فَكَانَ الْحَاجِزُ بَيْنَ الْهِجْرَتَيْنِ نُزُولَ الْآيَةِ فَأَخْبَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ مِنَ الْأَوَّلِينَ فِي الْمُوَازَرَةِ وَسَائِرِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ:
مِنْ بَعْدِ يَوْمِ بَدْرٍ، وَقَالَ الْأَصَمُّ: مِنْ بَعْدِ الْفَتْحِ وَفِي قَوْلِهِ مَعَكُمْ إِشْعَارٌ أَنَّهُمْ تَبَعٌ لَا صَدْرٌ كَمَا قَالَ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَكَذَلِكَ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ كَمَا
جَاءَ «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَابْنُ أُخْتِ القوم منهم» .
وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. أَيْ وَأَصْحَابُ الْقَرَابَاتِ وَمَنْ قَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُؤْمِنِينَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ فِي الْمَوَارِيثِ بِالْأُخُوَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ، قَالَ: هَذِهِ فِي الْمَوَارِيثِ وَهِيَ نَسْخٌ لِلْمِيرَاثِ بِتِلْكَ الْأُخُوَّةِ وَإِيجَابُ أَنْ يَرِثَ الْإِنْسَانُ قَرِيبَهُ الْمُؤْمِنَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُهَاجِرًا وَاسْتَدَلَّ بِهَا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ مَالِكٌ: لَيْسَتْ فِي الْمَوَارِيثِ وَهَذَا فِرَارٌ عَنْ تَوْرِيثِ الْخَالِ وَالْعَمَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هِيَ فِي الْمَوَارِيثِ إِلَّا أَنَّهَا نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمَوَارِيثِ الْمُبَيِّنَةُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ كِتابِ اللَّهِ هُوَ الْقُرْآنُ الْمُنَزَّلُ وَذَلِكَ فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ، وَقِيلَ: فِي كِتَابِ اللَّهِ السَّابِقِ، اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَقِيلَ: فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمُنَزَّلَةِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: فِي حُكْمِهِ، وَتَبِعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، فَقَالَ فِي حُكْمِهِ وَقِسْمَتِهِ وَخَتْمُ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، فِي غَايَةِ الْبَرَاعَةِ إِذْ قَدْ تَضَمَّنَتْ أَحْكَامًا كَثِيرَةً فِي مُهِمَّاتِ الدين وقوامه وتفصيلا لأحوال، فَصِفَةُ الْعِلْمِ تَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَتُحِيطُ بِمَبَادِئِهِ وَغَايَاتِهِ.