المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 68 الى 69] - البحر المحيط في التفسير - ط الفكر - جـ ٥

[أبو حيان الأندلسي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الأعراف

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 27]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 28]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 29 الى 54]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 57 الى 85]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 86 الى 87]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 88 الى 116]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 117 الى 139]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 140 الى 143]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 144 الى 154]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 155 الى 156]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 157 الى 163]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 164 الى 170]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 171 الى 187]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 188]

- ‌[سُورَةُ الأعراف (7) : الآيات 189 الى 206]

- ‌سورة الأنفال

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 15 الى 38]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 39 الى 40]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 41 الى 67]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 68 الى 69]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 70 الى 71]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 72]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 73]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 74]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 75]

- ‌سورة التّوبة

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 30]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 31 الى 33]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 34 الى 60]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 61 الى 72]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 73 الى 92]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 93 الى 121]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 122 الى 129]

الفصل: ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 68 الى 69]

وَمُدَرَّعٍ فَصَبَرُوا لَهُمْ وَأَسَرُوا أَكَابِرَهُمْ وَقَتَلُوا مَلِكَ قَشْتَالَةَ دُونْ جُوَانَ وَنَجَا أَخُوهُ دُونْ بَطَرَ مَجْرُوحًا وَكَانَ مُلُوكُ النَّصَارَى مَلِكُ قَشْتَالَةَ الْمَذْكُورُ وَمَلِكُ إِفْرَنْسَةَ وَمَلِكُ يُوطَقَالَ وَمَلِكُ غَلْسِيَّةَ وَمَلِكُ قَلْعَةِ رَبَاحٍ قَدْ خَرَجُوا عَازِمِينَ عَلَى اسْتِئْصَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْجَزِيرَةِ فَهَزَمَهُمُ اللَّهِ.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : لِمَ كَرَّرَ الْمَعْنَى الْوَاحِدَ وَهُوَ مُقَاوَمَةُ الْجَمَاعَةِ لِأَكْثَرَ مِنْهَا مَرَّتَيْنِ قَبْلَ التَّخْفِيفِ وَبَعْدَهُ، (قُلْتُ) : لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْحَالَ مَعَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَاحِدَةٌ وَلَا تَتَفَاوَتُ لِأَنَّ الْحَالَ قَدْ تَتَفَاوَتُ بَيْنَ مُقَاوَمَةِ الْعِشْرِينَ لِلْمِائَتَيْنِ وَالْمِائَةِ لِلْأَلْفِ فَكَذَلِكَ بَيْنَ الْمِائَةِ لِلْمِائَتَيْنِ وَالْأَلْفِ لِلْأَلْفَيْنِ انْتَهَى، وَمَعْنَى بِإِذْنِ اللَّهِ بِإِرَادَتِهِ وَتَمْكِينِهِ وَفِي قَوْلِهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ تَرْغِيبٌ فِي الثَّبَاتِ لِلِقَاءِ الْعَدُوِّ وَتَبْشِيرٌ بِالنَّصْرِ وَالْغَلَبَةِ لِأَنَّهُ مَنْ كَانَ اللَّهُ مَعَهُ هُوَ الْغَالِبُ، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ حَرِّصِ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ مِنَ الْحِرْصِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ بِالضَّادِ، وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ عَلَى التَّذْكِيرِ فِيهِمَا وَرَوَاهَا خَارِجَةٌ عَنْ نَافِعٍ، وَقَرَأَ الْحَرَمِيَّانِ وَابْنُ عَامِرٍ عَلَى التَّأْنِيثِ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو عَلَى التَّذْكِيرِ فِي الْأَوَّلِ وَلَحَظَ يَغْلِبُوا وَالتَّأْنِيثِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَحَظَ صابِرَةٌ، وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ عَلَى التَّأْنِيثِ كُلَّهَا إِلَّا قَوْلَهُ: وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ فَإِنَّهُ عَلَى التَّذْكِيرِ بِلَا خِلَافٍ، وَقَرَأَ الْمُفَضَّلُ عَنْ عَاصِمٍ وعلم مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَقَرَأَ الْحَرَمِيَّانِ وَالْعَرَبِيَّانِ وَالْكِسَائِيُّ وَابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ وَالْأَعْرَجُ وَابْنُ الْقَعْقَاعِ وَقَتَادَةُ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ضَعْفاً وَفِي الرُّومِ بِضَمِّ الضَّادِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ بِضَمِّهِمَا وَحَمْزَةُ وَعَاصِمٌ بِفَتْحِ الضَّادِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَهِيَ كُلُّهَا مَصَادِرُ، وَعَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ ضَمُّ الضَّادِ لُغَةُ الْحِجَازِ وَفَتْحُهَا لُغَةِ تَمِيمٍ، وَقَرَأَ ابْنُ الْقَعْقَاعِ ضَعْفاً جَمْعُ ضَعِيفٍ كَظَرِيفٍ وَظُرَفَاءَ وَحَكَاهَا النَّقَّاشُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقِيلَ الضَّعْفُ فِي الْأَبْدَانِ، وَقِيلَ فِي الْبَصِيرَةِ والاستقامة في الذين وَكَانُوا مُتَفَاوِتِينَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الثَّعَالِبِيُّ الضَّعْفُ بِفَتْحِ الضَّادِ فِي الْعَقْلِ وَالرَّأْيِ وَالضُّعْفِ فِي الْجِسْمِ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَهَذَا قول تَرُدُّهُ الْقِرَاءَةُ انْتَهَى.

مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 68 الى 69]

لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)

ص: 351

لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

نَزَلَتْ فِي أَسْرَى بَدْرٍ وَكَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم قد اسْتَشَارَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا فَأَشَارَ أَبُو بَكْرٍ بِالِاسْتِحْيَاءِ وَعُمَرُ بِالْقَتْلِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ

، وَقَرَأَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو حَيْوَةَ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ مُعَرَّفًا وَالْمُرَادُ بِهِ فِي التَّنْكِيرِ وَالتَّعْرِيفِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم وَلَكِنْ فِي التَّنْكِيرِ إِبْهَامٌ فِي كَوْنِ النَّفْيِ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا وَتَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا التَّرْكِيبِ وَكَيْفِيَّةُ هَذَا النَّفْيِ وَهُوَ هُنَا عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ مَا كَانَ لِأَصْحَابِ نَبِيٍّ أَوْ لِأَتْبَاعِ نَبِيٍّ فَحُذِفَ اخْتِصَارًا وَلِذَلِكَ جَاءَ الْجَمْعُ فِي قَوْلِهِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَلَمْ يجىء التَّرْكِيبُ تُرِيدُ أَوْ يُرِيدُ عرض الدنيا لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْ بِاسْتِبْقَاءِ الرِّجَالِ وَقْتَ الْحَرْبِ وَلَا أَرَادَ عَرَضَ الدُّنْيَا قَطُّ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ جُمْهُورُ مُبَاشِرِي الْحَرْبِ وَقَدْ طَوَّلَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قِصَّةِ هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى، وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي السِّيَرِ وَحَذَفْنَاهُ نَحْنُ لِأَنَّ فِي بَعْضِهِ مَا لَا يُنَاسِبُ ذِكْرُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنَاصِبِ الرُّسُلِ.

وقرأ أبو عمر وأن تَكُونَ عَلَى تَأْنِيثِ لَفْظِ الْجَمْعِ وَبَاقِي السَّبْعَةِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى التَّذْكِيرِ عَلَى الْمَعْنَى، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَالسَّبْعَةُ أَسْرى عَلَى وَزْنِ فَعْلَى وَهُوَ قِيَاسُ فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ إذا كان آفة كجريج وَجَرْحَى، وَقَرَأَ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ وَالْمُفَضَّلُ عَنْ عَاصِمٍ أُسَارَى وَشُبِّهَ فَعِيلٌ بِفَعْلَانَ نَحْوَ كَسْلَانُ وَكُسَالَى كَمَا شَبَّهُوا كَسْلَانَ بِأَسِيرٍ فَقَالُوا فِيهِ جَمْعًا كَسْلَى قَالَهُ سِيبَوَيْهِ وَهُمَا شَاذَّانِ، وَزَعَمَ الزَّجَّاجُ أَنَّ أُسَارَى جَمْعُ أَسْرَى فَهُوَ جَمْعُ جَمْعٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا ذِكْرُ الخلاف في فعلى أَهُوَ جَمْعٌ أَوِ اسْمُ جَمْعٍ وَأَنَّ مَذْهَبَ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ مِنْ أَبْنِيَةِ الْجُمُوعِ وَمَدْلُولُ أَسْرَى وَأُسَارَى وَاحِدٌ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ الْأَسْرَى هُمْ غَيْرُ الموثوقين عند ما يُؤْخَذُونَ وَالْأُسَارَى هُمُ الْمُوثَقُونَ رَبْطًا، وَحَكَى أَبُو حَاتِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ الْعَرَبِ وَقَدْ ذَكَرَهُ أَيْضًا أَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ، وَقَالَ الْعَرَبُ: لَا تَعْرِفُ هَذَا كِلَاهُمَا عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ.

وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ حَتَّى يُثْخِنَ مُشَدَّدًا عَدَّوْهُ بِالتَّضْعِيفِ وَالْجُمْهُورُ بِالتَّخْفِيفِ وَعَدَّوْهُ بِالْهَمْزَةِ إِذْ كَانَ قَبْلَ التَّعْدِيَةِ ثَخَنَ وَمَعْنَى عَرَضَ الدُّنْيا مَا أَخَذْتُمْ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى وَكَانَ فِدَاءُ كُلِّ رَجُلٍ عِشْرِينَ أُوقِيَّةً، وَفِدَاءُ الْعَبَّاسِ أَرْبَعُونَ أُوقِيَّةً وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ مِائَةُ أُوقِيَّةٍ، وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَسِتَّةُ دَنَانِيرَ، وَكَانُوا مَالُوا إِلَى الْفِدَاءِ لِيَقْوَوْا مَا يُصِيبُونَهُ عَلَى الْجِهَادِ وَإِيثَارًا لِلْقَرَابَةِ وَرَجَاءَ الْإِسْلَامِ وَكَانَ الْإِثْخَانُ وَالْقَتْلُ أَهْيَبُ لِلْكُفَّارِ وَأَرْفَعُ لِمَنَارِ الْإِسْلَامِ وَكَانَ ذَلِكَ إِذِ الْمُسْلِمُونَ قَلِيلٌ فَلَمَّا اتَّسَعَ نِطَاقُ الْإِسْلَامِ وَعَزَّ أَهْلُهُ نَزَلَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً، وقرىء يُرِيدُونَ بِالْيَاءِ مِنْ تَحْتُ وَسُمِّيَ عَرَضًا لِأَنَّهُ

ص: 352

حَدَثٌ قَلِيلُ اللُّبْثِ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ الْآخِرَةَ بِالنَّصْبِ، وَقَرَأَ سُلَيْمَانُ بْنُ جَمَّازٍ الْمَدَنِيُّ بِالْجَرِّ وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِ الْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ عَرَضَ الْآخِرَةِ، قَالَ:

وَحُذِفَ لِدَلَالَةِ عَرَضِ الدُّنْيَا عَلَيْهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَقَدْ حُذِفَ الْعَرَضُ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ فِي الْإِعْرَابِ فَنُصِبَ وَمِمَّنْ قَدَّرَهُ عَرَضَ الْآخِرَةِ الزَّمَخْشَرِيُّ قَالَ عَلَى التَّقَابُلِ يَعْنِي ثَوَابَهَا انْتَهَى. وَنَعْنِي أَنَّهُ لَمَّا أَطْلَقَ عَلَى الْفِدَاءِ عَرَضَ الدُّنْيَا أَطْلَقَ عَلَى ثَوَابِ الْآخِرَةِ عَرَضًا عَلَى سَبِيلِ التَّقَابُلِ لَا أَنَّ ثَوَابَ الْآخِرَةِ زَائِلٌ فَانٍ كَعَرَضِ الدُّنْيَا فَسُمِّيَ عَرَضًا عَلَى سَبِيلِ التَّقَابُلِ وَإِنْ كَانَ لَوْلَا التَّقَابُلُ لَمْ يُسَمَّ عَرَضًا وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ عَمَلَ الْآخِرَةِ أَيِ الْمُؤَدِّي إِلَى الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ وَكُلُّهُمْ جَعَلَهُ كَقَوْلِهِ:

وَنَارٍ تُوقَدُ بِاللَّيْلِ نَارًا.

وَيَعْنُونَ فِي حَذْفِ الْمُضَافِ فَقَطْ وَإِبْقَاءِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ على جرّه لأن جرّه مِثْلِ وَنَارٍ جَائِزٌ فَصِيحٌ وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يُفْصَلْ بَيْنَ الْمَجْرُورِ وَحَرْفِ الْعَطْفِ أَوْ فُصِلَ بِلَا نَحْوَ مَا مِثْلُ زَيْدٍ وَلَا أَخِيهِ يَقُولَانِ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ الْمَحْذُوفُ مِثْلَهُ لَفْظًا وَمَعْنًى وَأَمَّا إِذَا فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ لَا كَهَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَهُوَ شَاذٌّ قَلِيلٌ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ يَنْصُرُ أَوْلِيَاءَهُ وَيَجْعَلُ الْغَلَبَةَ لَهُمْ وَيُمَكِّنُهُمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ قَتْلًا وَأَسْرًا حَكِيمٌ يَضَعُ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ لَوْلا أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ أَنَّهُ سَيُحِلُّ لَكُمُ الْغَنَائِمَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا تَعَجَّلْتُمْ مِنْهَا وَمِنَ الْفِدَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ قَبْلَ أَنْ تُؤْمَرُوا بِذَلِكَ عَذابٌ عَظِيمٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَمُجَاهِدٌ: لَوْ سَبَقَ أَنَّهُ يُعَذَّبُ مَنْ أَتَى ذَنْبًا عَلَى جَهَالَةٍ لَعُوقِبْتُمْ،

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَابْنُ إِسْحَاقَ: سَبَقَ أَنْ لَا يُعَذَّبَ إِلَّا بَعْدَ النَّهْيِ وَلَمْ يَكُنْ نَهَاهُمْ

، وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ زَيْدٍ وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ لَوْلَا مَا سَبَقَ لِأَهْلِ بَدْرٍ أَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُهُمْ لَعَذَّبَهُمْ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْلَا أَنَّ الْقُرْآنَ اقْتَضَى غُفْرَانَ الصَّغَائِرِ لَعَذَّبَهُمْ، وَقَالَ قَوْمٌ: الْكِتَابُ السَّابِقُ عَفْوُهُ عَنْهُمْ فِي هَذَا الذَّنْبِ مغينا، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ وَالرَّسُولُ فِيهِمْ، وَقِيلَ: مَا كَتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الرَّحْمَةِ. وَقِيلَ: سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُضِلُّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ، وَقِيلَ: سَبَقَ أَنَّهُ سَيُحِلُّ لَهُمُ الْغَنَائِمَ وَالْفِدَاءَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنُ، وَقِيلَ: سَبَقَ أَنْ يَغْفِرَ الصَّغَائِرَ لِمَنِ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ لَعَذَّبَكُمْ بِأَخْذِ الْغَنَائِمِ، وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ.

وَقَالَ قَوْمٌ: الْكِتَابُ السَّابِقُ هُوَ الْقُرْآنُ وَالْمَعْنَى لَوْلَا الْكِتَابُ الَّذِي سَبَقَ فَآمَنْتُمْ بِهِ

ص: 353

وَصَدَّقْتُمْ لَمَسَّكُمُ الْعَذَابُ لِأَخْذِكُمْ هَذِهِ الْمُفَادَاةَ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَوْلَا حُكْمٌ مِنْهُ تَعَالَى سَبَقَ إِثْبَاتُهُ فِي اللَّوْحِ وَهُوَ أَنْ لَا يُعَاقِبَ أَحَدًا بِخَطَأٍ وَكَانَ هَذَا خَطَأً فِي الِاجْتِهَادِ لِأَنَّهُمْ نَظَرُوا فِي أَنَّ اسْتِبْقَاءَهُمْ رُبَّمَا كَانَ سَبَبًا فِي إِسْلَامِهِمْ وَتَوْبَتِهِمْ وَأَنَّ فِدَاءَهُمْ يُتَقَوَّى بِهِ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَخَفِيَ عَنْهُمْ أَنَّ قَتْلَهُمْ أَعَزُّ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْيَبُ لِمَنْ وَرَاءَهُمْ وَأَفَلُّ لِشَوْكَتِهِمُ انْتَهَى.

وَرُوِيَ لَوْ نَزَلَ فِي هَذَا الْأَمْرِ عَذَابٌ لَنَجَا مِنْهُ عُمَرُ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَذَلِكَ أَنَّ رَأْيَهُمَا كَانَ أَنْ تُقْتَلَ الْأُسَارَى. وَالَّذِي أَقُولُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا مَأْمُورِينَ أَوَّلًا بِقَتْلِ الْكُفَّارِ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ كَقَوْلِهِ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «1» وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ «2» فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ وَأَسَرُوا جَمَاعَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ اخْتَلَفُوا فِي أَخْذِ الْفِدَاءِ مِنْهُمْ وَفِي قَتْلِهِمْ فَعُوتِبَ مَنْ رَأَى الْفِدَاءَ إِذْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ الْأَمْرُ بِالْقَتْلِ حَيْثُ لَمْ يَسْتَصْحِبُوا امْتِثَالَ الْأَمْرِ وَمَالُوا إِلَى الْفِدَاءِ وَحَرَصُوا عَلَى تَحْصِيلِ الْمَالِ أَلَا تَرَى إِلَى

قَوْلِ الْمِقْدَادِ حِينَ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ قَالَ: أَسِيرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ

،

وَقَوْلِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِمَنْ أَسَرَ أَخَاهُ: شُدَّ يَدَكَ عَلَيْهِ فَإِنَّ لَهُ أما مؤسرة، ثُمَّ بَعْدَ هَذِهِ الْمُعَاتَبَةِ أَمَرَ الرَّسُولُ بِقَتْلِ بَعْضٍ

وَالْمَنِّ بِالْإِطْلَاقِ فِي بَعْضٍ وَالْفِدَاءِ فِي بَعْضٍ فَكَانَ ذَلِكَ نَسْخًا لِتَحَتُّمِ الْقَتْلِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ فِي تَأْيِيدِكُمْ وَنَصْرِكُمْ وَقَهْرِكُمْ أَعْدَاءَكُمْ حَتَّى اسْتَوْلَيْتُمْ عَلَيْهِمْ قَتْلًا وَأَسْرًا وَنَهْبًا عَلَى قِلَّةِ عَدَدِكُمْ وَعُدَدِكُمْ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ مِنْ غَنَائِمِهِمْ وَفِدَائِهِمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ مِنْهُمْ لِكَوْنِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ عَدَدًا مِنْكُمْ وَعُدَدًا وَلَكِنَّهُ سَهَّلَ تَعَالَى عَلَيْكُمْ وَلَمْ يَمَسَّكُمْ منهم عذاب لا يقتل وَلَا أَسْرٍ وَلَا نَهْبٍ وَذَلِكَ بِالْحُكْمِ السَّابِقِ فِي قَضَائِهِ أَنَّهُ يُسَلِّطُكُمْ عَلَيْهِمْ وَلَا يُسَلِّطُهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَيْسَ الْمَعْنَى لَمَسَّكُمْ مِنَ اللَّهِ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى لَمَسَّكُمْ مِنْ أَعْدَائِكُمْ كَمَا قَالَ: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ «3» . قال: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ «4» .

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً أَيْ مِمَّا غَنِمْتُمْ وَمِنْهُ مَا حَصَلَ بِالْفِدَاءِ الَّذِي أَقَرَّهُ الرسول صلى الله عليه وسلم وَقَالَ لَا يُفْلِتَنَّ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا بِفِدْيَةٍ أَوْ ضَرْبِ عُنُقٍ وَلَيْسَ هَذَا الْأَمْرُ مَنْشَأً لِإِبَاحَةِ الْغَنَائِمِ إِذْ قَدْ سَبَقَ تَحْلِيلُهَا قَبْلَ يَوْمِ بَدْرٍ وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ يُفِيدُ التَّوْكِيدَ وَانْدِرَاجُ مَالِ الْفِدَاءِ فِي عُمُومِ مَا غَنِمْتُمْ إِذْ كَانَ قَدْ وَقَعَ الْعِتَابُ فِي الْمَيْلِ لِلْفِدَاءِ ثُمَّ أَقَرَّهُ الرَّسُولُ وَانْتَصَبَ حَلالًا عَلَى الْحَالِ مِنْ مَا إِنْ كَانَتْ مَوْصُولَةً أَوْ مِنْ ضَمِيرِهِ الْمَحْذُوفِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَكْلًا حَلَالًا وَجَوَّزُوا فِي مَا أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً وَرُوِيَ أَنَّهُمْ أمسكوا عن

(1) سورة النساء: 4/ 89.

(2)

سورة البقرة: 2/ 191.

(3)

سورة آل عمران: 3/ 140.

(4)

سورة النساء: 4/ 104.

ص: 354