المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 86 الى 87] - البحر المحيط في التفسير - ط الفكر - جـ ٥

[أبو حيان الأندلسي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الأعراف

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 27]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 28]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 29 الى 54]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 57 الى 85]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 86 الى 87]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 88 الى 116]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 117 الى 139]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 140 الى 143]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 144 الى 154]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 155 الى 156]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 157 الى 163]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 164 الى 170]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 171 الى 187]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 188]

- ‌[سُورَةُ الأعراف (7) : الآيات 189 الى 206]

- ‌سورة الأنفال

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 15 الى 38]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 39 الى 40]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 41 الى 67]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 68 الى 69]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 70 الى 71]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 72]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 73]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 74]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 75]

- ‌سورة التّوبة

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 30]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 31 الى 33]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 34 الى 60]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 61 الى 72]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 73 الى 92]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 93 الى 121]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 122 الى 129]

الفصل: ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 86 الى 87]

وَالتَّوْحِيدِ وَإِلَّا فَلَا يَنْفَعُ عَمَلٌ دُونَ إِيمَانٍ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِينَ لِي فِي قَوْلِي ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ.

[سورة الأعراف (7) : الآيات 86 الى 87]

وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (87)

وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً الظَّاهِرُ النَّهْيُ عَنِ الْقُعُودِ بِكُلِّ طَرِيقٍ لَهُمْ عَنْ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنَ إِيعَادِ النَّاسِ وَصَدِّهِمْ عَنْ طَرِيقِ الدِّينِ،

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: كَانُوا يَقْعُدُونَ عَلَى الطُّرُقَاتِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى شُعَيْبٍ فَيَتَوَعَّدُونَ مَنْ أَرَادَ الْمَجِيءَ إِلَيْهِ وَيَصُدُّونَهُ وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ كَذَّابٌ فَلَا تَذْهَبْ إِلَيْهِ

عَلَى نَحْوِ مَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ قُرَيْشٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ السُّدِّيُّ: هَذَا نَهْيُ الْعَشَّارِينَ وَالْمُتَقَبِّلِينَ وَنَحْوِهِ مِنْ أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هُوَ نَهْيٌ عَنِ السَّلْبِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي خَشَبَةً عَلَى الطَّرِيقِ لَا يَمُرُّ بِهَا ثَوْبٌ إِلَّا شَقَّتْهُ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا خَرَقَتْهُ فَقُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ فَقَالَ هَذَا مَثَلٌ لِقَوْمٍ مِنْ أُمَّتِكَ يَقْعُدُونَ عَلَى الطَّرِيقِ فَيَقْطَعُونَهُ ثُمَّ تَلَا وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ

وَفِي هَذَا الْقَوْلِ وَالْقَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ مُنَاسَبَةٌ لِقَوْلِهِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ لَكِنْ لَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةٌ لَهُمَا بِقَوْلِهِ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ بَلْ ذَلِكَ يُنَاسِبُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَمِثْلُهُمُ الْيَوْمَ هَؤُلَاءِ الْمَكَّاسُونَ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ مِنَ النَّاسِ مَا لَا يَلْزَمُهُمْ شَرْعًا مِنَ الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ بِالْقَهْرِ وَالْجَبْرِ وَضَمِنُوا مَا لَا يَجُوزُ ضَمَانُ أَصْلِهِ مِنَ الزَّكَاةِ وَالْمَوَارِيثِ وَالْمَلَاهِي وَالْمُتَرَتِّبُونَ فِي الطُّرُقِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ كَثُرَ فِي الْوُجُودِ وَعُمِلَ بِهِ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ وَأَكْبَرِهَا وَأَفْحَشِهَا فَإِنَّهُ غَضَبٌ وَظُلْمٌ وَعَسْفٌ عَلَى النَّاسِ وَإِذَاعَةٌ لِلْمُنْكَرِ وَعَمَلٌ بِهِ وَدَوَامٌ عَلَيْهِ وَإِقْرَارٌ لَهُ وَأَعْظَمُهُ تَضْمِينُ الشَّرْعِ وَالْحُكْمِ لِلْقَضَاءِ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، لَمْ يَبْقَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا رَسْمُهُ وَلَا مِنَ الدِّينِ إِلَّا اسْمُهُ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ قَرَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الْأَمْوَالَ وَالْأَعْرَاضَ بِالدِّمَاءِ فِي

قَوْلِهِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ: «أَلَا إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حراما»

وَمَا أَكْثَرَ مَا تَسَاهَلَ النَّاسُ فِي أَخْذِ الْأَمْوَالِ وَفِي

ص: 106

الْغَيْبَةِ،

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»

وَالْعَجَبُ إِطْبَاقُ مَنْ يَتَظَاهَرُ بِالصَّلَاحِ وَالدِّينِ وَالْعِلْمِ عَلَى عَدَمِ إِنْكَارِ هَذِهِ الْمُكُوسِ وَالضَّمَانَاتِ وَادِّعَاءِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي الْوُجُودِ وَدَلَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِحَيْثُ إِنَّهُ يَدْعُو فَيُسْتَجَابُ لَهُ فِيمَا أَرَادَ وَيَضْمَنُ لِمَنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ الْجَنَّةَ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَتَرَدَّدُ لِأَصْحَابِ الْمُكُوسِ وَيَتَذَلَّلُ إِلَيْهِمْ فِي نَزْعِ شَيْءٍ حَقِيرٍ وَأَخْذِهِ مِنَ الْمَكْسِ الَّذِي حَصَّلُوهُ وَهَذِهِ وَقَاحَةٌ لَا تَصْدُرُ مِمَّنْ شَمَّ رَائِحَةَ الْإِيمَانِ وَلَا تَعَلَّقَ بِشَيْءٍ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

تَسَاوَى الْكُلُّ مِنَّا فِي الْمَسَاوِي

فَأَفْضَلُنَا فَتِيلًا مَا يُسَاوِي

وَعَلَى الْأَقْوَالِ السَّابِقَةِ يَكُونُ الْقُعُودُ بِكُلِّ صِرَاطٍ حَقِيقَةً وَحَمَلَ الْقُعُودَ وَالصِّرَاطَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَلَى الْمَجَازِ، فَقَالَ وَلَا تَقْتَدُوا بِالشَّيْطَانِ فِي قَوْلِهِ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ «1» فَتَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ أَيْ بِكُلِّ مِنْهَاجٍ مِنْ مَنَاهِجِ الدِّينِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّرَاطِ سَبِيلُ الْحَقِّ قَوْلُهُ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، (فَإِنْ قلت) : صراط الحق واحد وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ «2» فَكَيْفَ قِيلَ بِكُلِّ صِرَاطٍ، (قلت) : صراط الحق واحد وَلَكِنَّهُ يَتَشَعَّبُ إِلَى مَعَارِفَ وَحُدُودٍ وَأَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ مُخْتَلِفَةٍ فَكَانُوا إِذَا رَأَوْا وَاحِدًا يَشْرَعُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ مَنَعُوهُ وَصَدُّوهُ انْتَهَى. وَلَا تَظْهَرُ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّرَاطِ سَبِيلُ الْحَقِّ مِنْ قَوْلِهِ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا ذَكَرَ بَلِ الظَّاهِرُ التَّغَايُرُ لِعُمُومِ كُلِّ صِرَاطٍ وَخُصُوصِ سَبِيلِ اللَّهِ فَيَكُونُ بِكُلِّ صِراطٍ حقيقة في الطرق، وسَبِيلِ اللَّهِ مَجَازٌ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَالْبَاءُ فِي بِكُلِّ صِراطٍ ظَرْفِيَّةٌ نَحْوُ زَيْدٍ بِالْبَصْرَةِ أَيْ فِي كُلِّ صِرَاطٍ وَفِي الْبَصْرَةِ وَالْجُمَلُ مِنْ قَوْلِهِ تُوعِدُونَ وتَصُدُّونَ وَتَبْغُونَها أَحْوَالٌ أَيْ مُوعِدِينَ وَصَادِّينَ وَبَاغِينَ وَالْإِيعَادُ ذِكْرُ إِنْزَالِ الْمَضَارِّ بِالْمُوعَدِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُوعَدَ بِهِ لِتَذْهَبَ النَّفْسُ فِيهِ كُلَّ مَذْهَبٍ مِنَ الشَّرِّ لِأَنَّ أَوْعَدَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الشَّرِّ وَإِذَا ذُكِرَ تَعَدَّى الْفِعْلُ إِلَيْهِ بِالْبَاءِ.

قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْجَوَالِيقِيُّ: إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَذْكُرُوا مَا يُهَدِّدُوا به مع أوعدت جاؤوا بِالْبَاءِ فَقَالُوا: أَوْعَدْتُهُ بِالضَّرْبِ ولا يقولون أعدته الضَّرْبَ وَالصَّدُّ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِي عَدَمِ التَّمْكِينِ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى الرَّسُولِ لِيَسْمَعَ كَلَامَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا عَنِ الْإِيعَادِ مِنَ الصَّادِّ بِوَجْهٍ مَا أَوْ عَنْ وَعْدِ الْمَصْدُودِ بِالْمَنَافِعِ عَلَى تَرْكِهِ ومَنْ آمَنَ مَفْعُولٌ بِتَصُدُّونَ عَلَى إِعْمَالِ الثَّانِي وَمَفْعُولُ تُوعِدُونَ ضَمِيرٌ مَحْذُوفٌ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى

(1) سورة الأعراف: 7/ 16. [.....]

(2)

سورة الأنعام: 6/ 153.

ص: 107

سَبِيلِ اللَّهِ وَذَكَّرَهُ لِأَنَّ السَّبِيلَ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ، وَقِيلَ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:(فَإِنْ قُلْتَ) : إِلَامَ يَرْجِعُ الضَّمِيرُ فِي آمَنَ بِهِ، (قُلْتُ) : إِلَى كُلِّ صِرَاطٍ تَقْدِيرُهُ تُوعِدُونَ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَصُدُّونَ عَنْهُ فَوَضَعَ الظَّاهِرَ الَّذِي هُوَ سَبِيلُ اللَّهِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ زِيَادَةً فِي تَقْبِيحِ أَمْرِهِمْ دَلَالَةً عَلَى عِظَمِ مَا يَصُدُّونَ عَنْهُ انْتَهَى وَهَذَا تَعَسُّفٌ فِي الْإِعْرَابِ لَا يَلِيقُ بِأَنْ يُحْمَلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَوَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى ذَلِكَ وَعَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى أَبْعَدِ مَذْكُورٍ مَعَ إِمْكَانِ عَوْدِهِ عَلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ الْإِمْكَانَ السَّائِغَ الْحَسَنَ الرَّاجِحَ وَجَعَلَ مَنْ آمَنَ مَنْصُوبًا بِتُوعِدُونَ فَيَصِيرُ مِنْ إِعْمَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَلِيلٌ.

وَقَدْ قَالَ النُّحَاةُ إِنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ لِقِلَّتِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ إِعْمَالِ الْأَوَّلِ لَلَزِمَ ذِكْرُ الضَّمِيرِ فِي الْفِعْلِ الثَّانِي وَكَانَ يَكُونُ التَّرْكِيبُ وَتَصُدُّونَهُ أَوْ وَتَصُدُّونَهُمْ إِذْ هَذَا الضَّمِيرَ لَا يَجُوزُ حَذْفُهُ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ إِلَّا ضَرُورَةً عَلَى قَوْلِ بَعْضِ النُّحَاةِ يُحْذَفُ فِي قَلِيلٍ مِنَ الْكَلَامِ وَيَدُلُّ عَلَى مَنْ آمَنَ مَنْصُوبٌ بِتَصُدُّونَ الْآيَةُ الْأُخْرَى وَهِيَ قوله: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ «1» وَلَا يُحْذَفُ مِثْلُ هَذَا الضَّمِيرِ إِلَّا فِي شِعْرٍ وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ حَذْفَهُ عَلَى قِلَّةٍ مَعَ هَذِهِ التَّكْلِيفَاتِ الْمُضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ فَكَانَ جَدِيرًا بِالْمَنْعِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّعْقِيدِ الْبَعِيدِ عَنِ الفصحاحة وَأَجَازَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَنْ يَعُودَ عَلَى شُعَيْبٍ فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى الْقُعُودَ عَلَى الطَّرِيقِ لِلرَّدِّ عَنْ شُعَيْبٍ وَهَذَا بِعِيدٌ لِأَنَّ القائل وَلا تَقْعُدُوا وهو شُعَيْبٌ فَكَانَ يَكُونُ التَّرْكِيبُ مَنْ آمَنَ بِي وَلَا يُسَوَّغُ هُنَا أَنْ يَكُونَ التفافا لَوْ قُلْتَ: يَا هِنْدُ أَنَا أَقُولُ لَكِ لَا تُهِينِي مَنْ أُكْرِمُهُ تُرِيدُ مَنْ أَكْرَمَنِي لَمْ يَصِحَّ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مِثْلِ قَوْلِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً «2» فِي آلِ عِمْرَانَ.

وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ إِذْ مَفْعُولٌ بِهِ غَيْرُ ظَرْفٍ أَيْ وَاذْكُرُوا عَلَى جِهَةِ الشُّكْرِ وَقْتَ كَوْنِكُمْ قَلِيلًا عَدَدُكُمْ فَكَثَّرَكُمْ اللَّهُ وَوَفَّرَ عَدَدَكُمُ انْتَهَى وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ وَاذْكُرُوا لِاسْتِقْبَالِ اذْكُرُوا وَكَوْنِ إِذْ ظَرْفًا لِمَا مَضَى وَالْقِلَّةُ وَالتَّكْثِيرُ هُنَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَشْخَاصِ أَوْ إِلَى الْفَقْرِ وَالْغِنَى أَوْ إِلَى قِصَرِ الْأَعْمَارِ وَطُولِهَا أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ أَظْهَرُهَا الْأَوَّلُ. قِيلَ: إِنَّ مَدْيَنَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ تَزَوَّجَ بِنْتَ لُوطٍ فَوَلَدَتْ فَرَمَى اللَّهُ فِي نَسْلِهَا بِالْبَرَكَةِ وَالنَّمَاءِ فَكَثُرُوا وَفَشَوْا، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:

إِذْ كُنْتُمْ أَقِلَّةً أَذِلَّةً فَأَعَزَّكُمْ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ وَالْعُدَدِ انْتَهَى وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إِلَى حَذْفِ صِفَةٍ وَهِيَ أَذِلَّةٌ وَلَا إِلَى تَحْمِيلِ قَوْلِهِ فَكَثَّرَكُمْ مَعْنَى بِالْعَدَدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِلَّةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الذِّلَّةَ وَلَا الْكَثْرَةَ تَسْتَلْزِمُ الْعِزَّ، وَقَالَ الشاعر:

(1) سورة آل عمران: 3/ 99.

(2)

سورة آل عمران: 3/ 99.

ص: 108

تُعَيِّرُنَا أَنَّا قَلِيلٌ عَدِيدُنَا

فَقُلْتُ لَهَا إِنَّ الْكِرَامَ قَلِيلُ

وَمَا ضَرَّنَا أَنَّا قَلِيلٌ وَجَارُنَا

عَزِيزٌ وَجَارُ الْأَكْثَرِينَ ذَلِيلُ

وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَجْمُوعُ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ فَإِنَّهُ تَعَالَى كَثَّرَ عَدَدَهُمْ وَأَرْزَاقَهُمْ وَطَوَّلَ أَعْمَارَهُمْ وَأَعَزَّهُمْ بَعْدَ أَنْ كَانُوا عَلَى مُقَابَلَاتِهَا.

وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ هَذَا تَهْدِيدٌ لَهُمْ وَتَذْكِيرٌ بِعَاقِبَةِ مَنْ أَفْسَدَ قَبْلَهُمْ وَتَمْثِيلٌ لَهُمْ بِمَنْ حَلَّ بِهِ الْعَذَابُ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَلُوطٍ وَكَانُوا قَرِيبِي عَهْدٍ بِمَا أَجَابَ الْمُؤْتَفِكَةَ.

وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ أَحْسَنِ مَا تَلَطَّفَ بِهِ فِي الْمُحَاوَرَةِ إِذْ بَرَزَ الْمُتَحَقِّقُ فِي صُورَةِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ آمَنَ بِهِ طَائِفَةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُسْتَكْبِرِينَ عَنِ الإيمان لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ «1» وَهُوَ أَيْضًا مِنْ بَارِعِ التَّقْسِيمِ إِذْ لَا يَخْلُو قَوْمُهُ مِنَ الْقِسْمَيْنِ وَالَّذِي أُرْسِلَ بِهِ هُنَا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنَ إِفْرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعِبَادَةِ وَإِيفَاءِ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ مِنَ الْبَخْسِ وَالْإِفْسَادِ وَالْقُعُودِ الْمَذْكُورِ وَمُتَعَلِّقُ لَمْ يُؤْمِنُوا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ وَتَقْدِيرُهُ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَالْخِطَابُ بِقَوْلِهِ مِنْكُمْ لِقَوْمِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فَاصْبِرُوا خِطَابًا لِفَرِيقَيْ قَوْمِهِ مَنْ آمَنَ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ وبَيْنَنا أَيْ بَيْنَ الْجَمِيعِ فَيَكُونُ ذَلِكَ وَعْدًا لِلْمُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ الَّذِي هُوَ نَتِيجَةُ الصَّبْرِ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وعيدا لِلْكَافِرِينَ بِالْعُقُوبَةِ وَالْخَسَارِ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْمَعْنَى وَإِنْ كُنْتُمْ يَا قَوْمِ قَدِ اخْتَلَفْتُمْ عَلَيَّ وَشَعَّبْتُمْ بِكُفْرِكُمْ أَمْرِي فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَاصْبِرُوا أَيُّهَا الْكَفَرَةُ حَتَّى يَأْتِيَ حُكْمُ اللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَفِي قَوْلِهِ فَاصْبِرُوا قُوَّةُ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ هَذَا ظَاهِرُ الْكَلَامِ وَإِنَّ الْمُخَاطَبَةَ بِجَمِيعِ الْآيَةِ لِلْكُفَّارِ، قَالَ النَّقَّاشُ وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: الْمَعْنَى فَاصْبِرُوا يَا مَعْشَرَ الْكُفَّارِ قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ الْجَمَاعَةِ انْتَهَى، وَهَذَا الْقَوْلُ بَدَأَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ، فَقَالَ فَاصْبِرُوا فَتَرَبَّصُوا وَانْتَظَرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا أَيْ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ بِأَنْ يَنْصُرَ الْمُحِقِّينَ عَلَى الْمُبْطِلِينَ وَيُظْهِرَهُمْ عَلَيْهِمْ وَهَذَا وَعِيدٌ لِلْكَافِرِينَ بِانْتِقَامِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ «2» انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَحَكَى مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ الْخِطَابَ بِقَوْلِهِ فَاصْبِرُوا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَعْنَى الْوَعْدِ لَهُمْ وَقَالَهُ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ انْتَهَى وَثَنَى بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ فقال أو هو

(1) سورة الأعراف: 7/ 88.

(2)

سورة التوبة: 9/ 52.

ص: 109