المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(11) - (22) - فضل الأنصار رضي الله عنهم أجمعين - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌(11) - (6) - فَضْلُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ رضي الله عنه

- ‌(11) - (7) - فَضْلُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه

- ‌(11) - (8) - فَضائِلُ الْعَشَرَةِ رضي الله عنهم

- ‌(11) - (9) - فَضْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رضي الله عنه

- ‌(11) - (10) - فَضْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه

- ‌(11) - (11) - فَضْلُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه

- ‌(11) - (12) - فَضْلُ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ابْنَي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهم

- ‌(11) - (13) - فَضْلُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنهما

- ‌(11) - (14) - فَضْلُ سَلْمَانَ وَأَبِي ذَرٍّ وَالْمِقْدَادِ رضي الله عنهم

- ‌(11) - (15) - فَضْلُ بِلَالٍ رضي الله عنه

- ‌(11) - (16) - فَضَائِلُ خَبَّابٍ رضي الله عنه

- ‌(11) - (17) - فَضْلُ أُبَيِّ بْنِ كعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنهم

- ‌(11) - (18) - فَضْلُ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه

- ‌(11) - (19) - فَضْلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رضي الله عنه

- ‌(11) - (20) - فَضْلُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ رضي الله عنه

- ‌(11) - (21) - فَضْلُ أَهْلِ بَدْرٍ رضي الله عنهم

- ‌(11) - (22) - فَضْلُ الْأَنْصَارِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ

- ‌(11) - (23) - فَضْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا

- ‌(1) - (12) - بَابٌ: فِي ذِكْرِ الْخَوَارِجِ

- ‌(2) - (13) - بَابٌ: فِيمَا أَنْكَرَتِ الْجَهْمِيَّةُ

- ‌(3) - (14) - بَابُ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً أَوْ سَيِّئَةً

- ‌(4) - (15) - بَابُ مَنْ أَحْيَا سُنَّةً قَدْ أُمِيتَتْ

- ‌(5) - (16) - بَابُ فَضْلِ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ

- ‌(6) - (17) - بَابُ فَضْلِ الْعُلَمَاءِ وَالْحَثِّ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ

- ‌(7) - (18) - بَابُ مَنْ بَلَّغَ عِلْمًا

- ‌(8) - (19) - بَابُ مَنْ كَانَ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ

- ‌(9) - (20) - بَابُ ثَوْابِ مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ

- ‌(10) - (21) - بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُوطَأَ عَقِبَاهُ

- ‌(11) - (22) - بَابُ الْوَصَاةِ بِطَلَبَةِ الْعِلْمِ

- ‌(12) - (23) - بَابُ الانْتِفَاعِ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ بِهِ

- ‌(13) - (24) - بَابُ مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ

الفصل: ‌(11) - (22) - فضل الأنصار رضي الله عنهم أجمعين

(11) - (22) - فَضْلُ الْأَنْصَارِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ

(39)

- 161 - (1) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ

===

(11)

- (22) - (فضل الأنصار رضي الله عنهم أجمعين)

والأنصار جمع نصير؛ كأشراف وشريف، والنصير: الناصر، وجمعه نصر، مثل صاحب وصحب، والأنصار: اسم إسلامي سمى به النبي صلى الله عليه وسلم الأوس والخزرج وحلفاءهم، والأوس ينتسبون إلى الأوس بن حارثة، والخزرج ينتسبون إلى الخزرج بن حارثة؛ وهما ابنا قيلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة، وقيل: قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن قضاعة، وأبوهما حارثة بن ثعلبة من اليمن.

* * *

(39)

- 161 - (1)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي.

(وعمرو بن عبد الله) بن حنش الأودي، ثقة، من العاشرة، مات سنة خمسين ومئتين (250 هـ). يروي عنه:(ق).

(قالا: حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي.

(عن شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبي بسطام البصري.

(عن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي، وثقه أحمد والعجلي والنسائي،

وقال في "التقريب": ثقة، من الرابعة، رمي بالتشيع، مات سنة ست عشرة ومئة (116 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن البراء بن عازب) بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي أبي عمارة

ص: 106

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ الْأَنْصَارَ .. أَحَبَّهُ اللهُ، وَمَنْ أَبْغَضَ الْأَنْصَارَ .. أَبْغَضَهُ اللهُ،

===

الكوفي رضي الله عنه، له ثلاث مئة وخمسة أحاديث؛ اتفقا على اثنين وعشرين، وانفرد (خ) بخمسة، و (م) بستة، استصغر يوم بدر، وشهد أحدًا والحديبية، مات سنة اثنتين وسبعين (72 هـ). يروي عنه:(ع).

وهذا السند من خماسياته؛ رجاله أربعة منهم كوفيون، وواحد بصري، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قال) البراء: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب الأنصار) لنصرتهم دينه تعالى وإيوائهم نبيه صلى الله عليه وسلم .. (أحبه الله) سبحانه وتعالى؛ أي: أثابه الله سبحانه على محبته إياهم، (ومن أبغض الأنصار) لذلك .. (أبغضه الله) تعالى وطرده عن رحمته، وإلا .. فكثيرًا ما تجري معاملة تؤدي إلى المحبة أو البغض، وهما خارجان عما يقتضيه المقام. انتهى "سندي".

قال ابن التين: المراد: حب جميعهم وبغض جميعهم؛ لأن ذلك إنما يكون للدين، ومن أبغض بعضهم لمعنىً يسوغ البغض له .. فليس داخلًا في ذلك، وهو تقرير حسن، وخصوا بهذه المنقبة العظمى؛ لما فازوا به دون غيرهم من القبائل من إيواء النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، والقيام بأمرهم ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم وإيثارهم إياهم في كثير من الأمور على أنفسهم، فكان صنيعهم لذلك موجبًا لمعاداتهم جميع الفرق الموجودين من عرب وعجم، والعداوة تجر البغض، ثم كان ما اختصوا به مما ذكر موجبًا للحسد، والحسد يجر البغض، فلهذا جاء التحذير من بغضهم والترغيب في حبهم، حتى جعل ذلك آية الإيمان والنفاق تنويهًا بعظيم فضلهم، وتنبيهًا على كريم فعلهم، وإن كان من شاركهم في معنى ذلك مشاركًا لهم في الفضل المذكور كل بقسطه.

ص: 107

قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لِعَدِيٍّ: أَسَمِعْتَهُ مِنَ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ؟ قَالَ: إِيَّايَ حَدَّثَ.

(39)

- 161 - (م) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ دَاوُودَ بْنِ أَبِي عَوْفٍ أَبِي الْجَحَّافِ

===

(قال شعبة: قلت لعدي) بن ثابت: (أسمعته) أي: أسمعت هذا الحديث (من البراء بن عازب؟ قال) عدي: (إياي) مشافهة بلا واسطة (حدث) البراء بن عازب رضي الله عنه.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري؛ أخرجه في كتاب مناقب الأنصار باب حب الأنصار من الإيمان، ومسلم؛ أخرجه في كتاب الإيمان، والترمذي؛ أخرجه في كتاب المناقب، باب فضل الأنصار، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح، وأخرجه النسائي أيضًا في المناقب.

فدرجته: أنه صحيح، وغرضه: الاستدلال به.

* * *

ثم استطرد المؤلف رحمه الله تعالى بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، فقال:

(39)

- 161 - (م)(حدثنا علي بن محمد) الطنافسي الكوفي.

(حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي.

(حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي.

(عن داوود بن أبي عوف) سويد التميمي مولاهم، وقوله:(أبي الجحاف) عطف بيان لداوود كنية له، الكوفي.

ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يخطئ، وله في "السنن" و"ابن ماجه" حديث واحد في فضل الحسن والحسين، وقال الأزدي: زائغ ضعيف، وقال العقيلي: كان من غلاة الشيعة.

ص: 108

وَكَانَ مَرْضِيًّا، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ .. فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضهُمَا .. فَقَدْ أَبْغَضَنِي".

(40)

- 162 - (2) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ،

===

قال سفيان: (وكان) أبو الجحاف (مرضيًا) أي: صدوقًا (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب الحسن والحسين .. فقد أحبني، ومن أبغضهما .. فقد أبغضني").

وهذا الحديث مكرر متنًا وسندًا، وفي بعض النسخ إسقاطه، وهو أولى؛ لأنه سبق في فضل الحسن والحسين، وذكره هنا استطرادي، وقد سبق البحث عنه هناك، فراجعه.

* * *

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث البراء بحديث سهل بن سعد رضي الله عنهم، فقال:

(40)

- 162 - (2)(حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم) بن عمرو القرشي الأموي العثماني مولى آل عثمان بن عفان أبو سعيد الدمشقي المعروف بدحيم، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ د س ق).

(حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) -بالفاء مصغرًا- اسمه يسار الديلي مولاهم أبو إسماعيل المدني، صدوق، من الثامنة، مات سنة مئتين (200 هـ). يروي عنه:(ع).

ص: 109

عَنْ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ

===

(عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد) الأنصاري الساعدي المدني. روى عن: أبيه عن جده، وعن أبي حازم بن دينار، وامرأة لم تسم، ويروي عنه: ابنه عباس، وعبد الله بن نافع، وابن أبي فديك، ويعقوب بن محمد الزهري، ويعقوب بن حميد بن كاسب، وغيرهم.

قال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن حبان: لما فحش الوهم في روايته .. بطل الاحتجاج به، وقال علي بن الجنيد: ضعيف الحديث، وقال النسائي في موضع آخر: متروك الحديث، وقال أبو حاتم: منكر الحديث، وقال الساجي: عنده نسخة عن أبيه عن جده فيها مناكير، وذكره البخاري في فصل من مات ما بين الثمانين إلى التسعين ومئة، وقال في "التقريب": ضعيف، من الثامنة، مات بعد السبعين ومئة. يروي عنه:(ت ق).

(عن أبيه) عباس بن سهل بن سعد الأنصاري الساعدي المدني. روى عن: أبيه، وأبي أسيد وأبي حميد الساعديين، ويروي عنه:(خ م د ت ق)، وابناه أبي وعبد المهيمن، وعمارة بن غزية، وغيرهم.

وثقه ابن معين والنسائي، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "التقريب": ثقة، من الرابعة، مات سنة (119 هـ) وقد نيف على السبعين.

(عن جده) سهل بن سعد بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي أبي العباس المدني، له ولأبيه صحبة رضي الله عنهما، مشهور، له مئة وثمانية وثمانون حديثًا؛ اتفقا على ثمانية وعشرين، وانفرد (خ) بأحد عشر، مات سنة ثمان وثمانين، وقيل بعدها، وقد جاوز المئة. يروي عنه:(ع).

وهذا السند من خماسياته؛ رجاله كلهم مدنيون، إلا عبد الرحمن بن

ص: 110

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ، وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ اسْتَقْبَلُوا وَادِيًا أَوْ شِعْبًا وَاسْتَقْبَلَتِ الْأَنْصَارُ وَادِيًا .. لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ،

===

إبراهيم؛ فإنه دمشقي، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه راويًا متفقًا على ضعفه وهو عبد المهيمن بن عباس.

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الأنصار شعار) -بكسر الشين المعجمة- أي: كالشعار لي؛ وهو الثوب الذي يلي الجسد، ففي الكلام تشبيه بليغ، وكذلك في قوله:(والناس دثار) -بكسر الدال المهملة- أي: وسائر الناس كالدثار لي بالنسبة إلى الأنصار؛ وهو الثوب الذي يكون فوق الشعار؛ أي: الأنصار هم الخواص، والناس عوام، يريد أن الأنصار لكثرة إخلاصهم وإحسانهم يستحقون أن يتخذهم أخلاء وخواص له، أو هم لذلك خواص، بخلاف الناس الآخرين؛ فإن غالبهم لا يصلحون لذلك، بل هم من العوام. انتهى "سندي".

(ولو أن الناس) سواهم (استقبلوا) وسلكوا ونزلوا (واديًا) من الأودية، والوادي: المكان المنخفض، وقيل: الذي فيه ماء، والمراد هنا: الطريق حسيًا كان أو معنويًا (أو شعبًا) -بكسر الشين المعجمة وسكون العين المهملة- وهو اسم لما انفرج بين الجبلين أو الطريق في الجبل، (واستقبلت) أي: سلكت (الأنصار واديًا .. لسلكت وادي الأنصار) يعني: أنه لا يفارقهم ولا يسكن إلا معهم كما زعم البعض أنه يسكن مكة بعد فتحها، قال الخطابي: لما كانت العادة أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه، وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب، فإذا تفرقت في السفر الطرق .. سلك كل قوم منهم واديًا وشعبًا، فأراد أنه مع الأنصار.

ص: 111

وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ .. لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ".

===

قال: ويحتمل أن يريد بالوادي: المذهب؛ كما يقال: فلان في واد وأنا في واد، قيل: أراد صلى الله عليه وسلم بذلك حسن موافقته إياهم وترجيحهم في ذلك على غيرهم؛ لما شاهد منهم من حسن الوفاء بالعهد وحسن الجوار، وما أراد بذلك وجوب متابعته إياهم؛ فإن متابعته حق على كل مؤمن ومؤمنة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هو المتبوع المطاع، لا التابع المطيع. انتهى "تحفة الأحوذي".

(ولولا الهجرة) أي: ولولا شرف الهجرة وجلالة قدرها عند الله تعالى .. (لكنت امرأً من الأنصار) أي: لعددت نفسي واحدًا منهم؛ لكمال فضلهم ونباهة شرفهم بعد فضل الهجرة وشرفها؛ والمقصود: الإخبار بما لهم من المزية بعد مزية الهجرة، وأنها مزية يرضى بها مثله، وإلا .. فالانتقال لا يتصور سيما الانتساب بالنسب؛ فإنه حرام دينًا أيضًا. انتهى "سندي".

قال الخطابي: أراد بهذا الكلام تألف الأنصار وتطييب قلوبهم والثناء عليهم في دينهم حتى رضي أن يكون واحدًا منهم لولا ما يمنعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها، ونسبة الإنسان على وجوه: الولادية كالقرشية، والبلادية كالكوفية، والاعتقادية كالسنية، والصناعية كالصيرفية، ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد به الانتقال عن نسب آبائه؛ إذ ذاك ممتنع قطعًا، وكيف وأنه أفضل منهم نسبًا وأكرمهم أصلًا؟ ! وأما الاعتقادي .. فلا موضع فيه للانتقال إذ كان دينه ودينهم واحدًا، فلم يبق إلا القسمان الأخيران الجائز فيهما الانتقال، وكانت المدينة دار الأنصار والهجرة إليها أمرًا واجبًا؛ أي: لولا أن النسبة الهجرية ولا يسعني تركها .. لانتقلت عن هذا الاسم إليكم، ولانتسبت إلى داركم.

قال الخطابي: وفيه وجه آخر وهو: أن العرب كانت تعظِّم شأن الخؤولة

ص: 112

(41)

- 163 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ،

===

وتكاد تلحقها بالعمومة، وكانت أم عبد المطلب امرأة من بني النجار، فقد يكون صلى الله عليه وسلم ذهب بهذا المذهب، إن كان أراد به نسبة الولادة. انتهى.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه بهذا السند، فالسند ضعيف، كما مر آنفًا، وفي "الزوائد": إسناده ضعيف، والآفة من عبد المهيمن، وباقي رجاله ثقات.

قلت: والمتن صحيح، أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن، وأخرجه أحمد أيضًا في "مسنده"، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث البراء بحديث عمرو بن عوف بن زيد المزني رضي الله عنهما، فقال:

(41)

- 163 - (3)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي.

(حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي القطواني: نسبة إلى قطوان؛ موضع بالكوفة، صدوق يتشيع، من كبار العاشرة، مات سنة ثلاث عشرة ومئتين (213 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(خ م ت س ق).

قال: (حدثني كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف) المزني المدني. روى عن: أبيه، ومحمد بن كعب القرظي، ويروي عنه:(د ت ق)، وخالد بن مخلد، وغيرهم.

قال أحمد: منكر الحديث ليس بشيء، وقال ابن معين: ضعيف الحديث، وقال الآجري: سئل عنه أبو داوود، فقال: أحد الكاذبين، وقال الشافعي: ذاك

ص: 113

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "رَحِمَ اللهُ الْأَنْصارَ وَأَثنَاءَ الْأَنْصارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصارِ".

===

أحد الكاذبين، وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث، وقال ابن حبان: روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب، وبالجملة: فهو متفق على ضعفه وتركه، ليس بشيء، وقال في "التقريب": ضعيف، من السابعة.

(عن أبيه) عبد الله بن عمرو المزني المدني، مقبول، من الثالثة. يروي عنه:(د ت ق).

(عن جده) عمرو بن عوف بن زيد بن ملحة -بكسر الميم وسكون اللام- ابن عمرو بن بكر بن أفراث بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة أبي عبد الله المزني المدني رضي الله عنه، قال ابن سعد: كان قديم الإسلام، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، صحابي بدري، له حديث، روى حديثه كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده، وكثير ضعيف، مات في ولاية معاوية. يروي عنه:(د ت ق).

وهذا السند من خماسياته؛ رجاله ثلاثة منهم مدنيون، واثنان كوفيان، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه راويًا متفقًا على ضعفه؛ وهو كثير بن عبد الله المزني.

(قال) عمرو بن عوف: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار") والظاهر: أنه دعاء للقرون الثلاثة، وأراد بالأبناء: الأبناء الصلبية في الموضعين؛ إذ لو أراد أعم .. لما أحتاج إلى (وأبناء أبناء الأنصار)، ويحتمل على بعد أن المراد: العموم في أبناء الأبناء، ثم الظاهر أن المراد بالأبناء: الأولاد، فالدعاء شامل للذكور والإناث،

ص: 114

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قال القرطبي: ويمكن أن يشمل الدعاء نسل الأنصار إلى يوم القيامة مبالغة في إكرام الأنصار، ويؤيده قوله في الرواية الأخرى:"ولذراري الأنصار"، قال الأبي: وإلى الأول كان يذهب الشيخ، والأظهر الثاني؛ لما في الراوية الأخرى.

وهذا الحديث مما انفرد به ابن ماجه بهذا السند، وبلفظ:"رحم الله"، وله شاهد في "الصحيحين" من حديث زيد بن أرقم، ولكن بلفظ:"اللهم؛ اغفر للأنصار" والباقي مثله، وفي "جامع الترمذي" من حديث أنس، كما هو في "الصحيحين"، وقال: حسن غريب من هذا الوجه.

فالحديث: صحيح المتن ضعيف السند؛ لأن له شاهدًا، كما ذكر، والله أعلم، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

وجملة ما ذكره المؤلف رضي الله عنهم في فضل الأنصار: أربعة أحاديث:

الأول: صحيح المتن والسند فهو للاستدلال.

والثاني: للاستطراد، وقد مر بيانه في محله.

والأخيران: ضعيفا السند صحيحا المتن، فهما للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 115