المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(11) - (14) - فضل سلمان وأبي ذر والمقداد رضي الله عنهم - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌(11) - (6) - فَضْلُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ رضي الله عنه

- ‌(11) - (7) - فَضْلُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه

- ‌(11) - (8) - فَضائِلُ الْعَشَرَةِ رضي الله عنهم

- ‌(11) - (9) - فَضْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رضي الله عنه

- ‌(11) - (10) - فَضْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه

- ‌(11) - (11) - فَضْلُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه

- ‌(11) - (12) - فَضْلُ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ابْنَي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهم

- ‌(11) - (13) - فَضْلُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنهما

- ‌(11) - (14) - فَضْلُ سَلْمَانَ وَأَبِي ذَرٍّ وَالْمِقْدَادِ رضي الله عنهم

- ‌(11) - (15) - فَضْلُ بِلَالٍ رضي الله عنه

- ‌(11) - (16) - فَضَائِلُ خَبَّابٍ رضي الله عنه

- ‌(11) - (17) - فَضْلُ أُبَيِّ بْنِ كعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنهم

- ‌(11) - (18) - فَضْلُ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه

- ‌(11) - (19) - فَضْلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رضي الله عنه

- ‌(11) - (20) - فَضْلُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ رضي الله عنه

- ‌(11) - (21) - فَضْلُ أَهْلِ بَدْرٍ رضي الله عنهم

- ‌(11) - (22) - فَضْلُ الْأَنْصَارِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ

- ‌(11) - (23) - فَضْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا

- ‌(1) - (12) - بَابٌ: فِي ذِكْرِ الْخَوَارِجِ

- ‌(2) - (13) - بَابٌ: فِيمَا أَنْكَرَتِ الْجَهْمِيَّةُ

- ‌(3) - (14) - بَابُ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً أَوْ سَيِّئَةً

- ‌(4) - (15) - بَابُ مَنْ أَحْيَا سُنَّةً قَدْ أُمِيتَتْ

- ‌(5) - (16) - بَابُ فَضْلِ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ

- ‌(6) - (17) - بَابُ فَضْلِ الْعُلَمَاءِ وَالْحَثِّ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ

- ‌(7) - (18) - بَابُ مَنْ بَلَّغَ عِلْمًا

- ‌(8) - (19) - بَابُ مَنْ كَانَ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ

- ‌(9) - (20) - بَابُ ثَوْابِ مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ

- ‌(10) - (21) - بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُوطَأَ عَقِبَاهُ

- ‌(11) - (22) - بَابُ الْوَصَاةِ بِطَلَبَةِ الْعِلْمِ

- ‌(12) - (23) - بَابُ الانْتِفَاعِ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ بِهِ

- ‌(13) - (24) - بَابُ مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ

الفصل: ‌(11) - (14) - فضل سلمان وأبي ذر والمقداد رضي الله عنهم

(11) - (14) - فَضْلُ سَلْمَانَ وَأَبِي ذَرٍّ وَالْمِقْدَادِ رضي الله عنهم

===

(11)

- (14) - (فضل سلمان وأبي ذر والمقداد رضي الله عنهم

أما سلمان .. فقصته طويلة، ملخصها: أنه هرب من أبيه لطلب الحق، وكان مجوسيًا فارسيًا من رامهرمز من قرية يقال لها: حي، وقيل: بل من أصبهان، وكان أبوه مجوسيًا من قوم مجوس، فلحق براهب، ثم براهب، ثم بآخر، وكان يصحبهم إلى وفاتهم، حتى دله الأخير إلى الحجاز، وأخبره بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقصده مع بعض الأعراب فغدروا به وباعوه في وادي القرى ليهودي، ثم اشتراه منه يهودي آخر من بني قريظة، فقدم به المدينة.

فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأى عليه علامات النبوة .. أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كاتب عن نفسك" وأعانه صلى الله عليه وسلم بما كاتب عليه نفسه، فكان سبب عتقه، وكان يعد من موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك، وكان يكنى أبا عبد الله، وكان ينسب نفسه إلى الإسلام، فيقول: أنا سلمان ابن الإسلام، عاش مئتين وخمسين سنة، وقيل: مئتين وخمسًا وسبعين سنة، وقيل: ثلاث مئة وخمسين سنة، قال ابن الجوزي: والأول أصح، ومات سنة ست وثلاثين بالمدائن، وكان أول مشاهده الخندق، وجملة ما حفظ له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستون حديثًا، في الصحيح منها سبعة، والله أعلم.

وأما أبو ذر .. فاسمه جندب - على الأصح - ابن جنادة بن عمرو بن مليل بن حرام بن غفار بن كنانة، من كبار الصحابة، أسلم بعد أربعة، ثم انصرف إلى بلاد قومه، فأقام بها حتى قدم عام الحديبية بعد أن مضت بدر وأحد والخندق،

ص: 69

(25)

- 147 - (1) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى

===

ويدل على سبقية إسلامه حديث مسلم، وكان غلب عليه التعبد والتزهد، فكان يعتقد أن جميع ما يفضل عن الحاجة كنز، فإمساكه حرام، ودخل الشام بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فوقع بينه وبين معاوية نزاع في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ

} الآية (1)، فشكاه معاوية إلى عثمان، فأقدمه عثمان المدينة فزهد فيما في أيديهم، واستأذن عثمان في سكناه الربذة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن له في البدو، فأقام في الربذة في موضع منقطع إلى أن مات سنة اثنتين وثلاثين على ما قاله ابن إسحاق، فصلى عليه ابن مسعود منصرفه من الكوفة في ركب، ولم يوجد له شيء يكفن فيه، فكفنه رجل من الركب في ثوب من غزل أمه، وكان أوصى ألا يكفنه أحد، ولي شيئًا من أعمال السلطان، وخبره في ذلك معروف، وله مئتا حديث وأحد وثمانون حديثًا؛ اتفقا على اثني عشر حديثًا، وانفرد (خ) بحديثين، و (م) بتسعة عشر.

وأما المقداد .. فهو المقداد بن الأسود بن عمرو بن ثعلبة الكندي، البهراني حلفًا، أبو عمرو بن الأسود صحابي مشهور، تبناه عبد يغوث، له اثنان وأربعون حديثًا؛ اتفقا على حديث، وانفرد (م) بثلاثة، مات سنة ثلاث وثلاثين (33 هـ) وهو ابن سبعين سنة.

* * *

(25)

- 147 - (1) - (حدثنا إسماعيل بن موسى) الفزاري أبو محمد الكوفي، نسيب السدي وقريبه.

قال أبو حاتم ومطين: كان صدوقًا، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال

(1) سورة التوبة: (34).

ص: 70

وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدِ قَالَا: حَدَّثَنَا شَرِيك، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ الْإِيَادِيِّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ

===

ابن حبان في "الثقات": يخطئ، وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ذاك الفاسق يشتم السلف، وجزم البخاري ومسلم في "الكنى" وابن سعد والنسائي وغيرهم بأنه ابن بنت السدي، والله أعلم، وقال في"التقريب": صدوق، من العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(د ت ق).

(وسويد بن سعيد) بن سهل الهروي، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(م ق).

(قالا: حدثنا شريك) بن عبد الله النخعي الكوفي، صدوق، من الثامنة. يروي عنه:(م عم).

(عن) عمر بن ربيعة (أبي ربيعة الأيادي) الكوفي، قال في "التقريب": مقبول، من السادسة. يروي عنه:(د ت ق).

(عن) عبد الله (بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي المروزي أبي سهل، قاضي مرو.

وثقه ابن معين وأبو حاتم، وقال في "التقريب": ثقة، من الثالثة، مات سنة خمس ومئة، وقيل: بل خمس عشرة (115 هـ) وهو ابن مئة سنة. يروي عنه: (ع).

(عن أبيه) بريدة بن الحصيب - مصغرًا - ابن عبد الله بن الحارث الأسلمي المروزي الصحابي المشهور رضي الله عنه، له مئة وأربعة وستون حديثًا، وانفرد (خ) بحديثين، و (م) بأحد عشر، أسلم قبل بدر، ومات بمرو سنة ثلاث وستين (63 هـ). يروي عنه:(ع).

وهذا السند من خماسياته؛ رجاله ثلاثة منهم كوفيون، واثنان مروزيان، وحكمه: الصحة.

ص: 71

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "عَلِيٌّ مِنْهُمْ - يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثًا - وَأَبُو ذَرٍّ وَسَلْمَانُ وَالْمِقْدَادُ".

===

(قال) بريدة بن الحصيب: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله) سبحانه وتعالى (أمرني) الظاهر: أنه أمر إيجاب، ويحتمل الندب، وعلى الوجهين فما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم .. فقد أمر به أمته، فينبغي للناس أن يحبوا هؤلاء الأربعة خصوصًا (بحب أربعة) من الرجال على الخصوص، (وأخبرني) الله سبحانه وتعالى (أنه) تعالى (يحبهم) أي: يحب هؤلاء الأربعة (قيل: يا رسول الله؛ من هم؟ ) أي: بيّن لنا أسماءهم حتى نحن نحبهم أيضًا لمحبة الله ورسوله إياهم.

(قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (على) بن أبي طالب (منهم) أي: من أولئك الأربعة، (يقول) النبي صلى الله عليه وسلم (ذلك) أي: قوله: على منهم (ثلاثًا) للإشعار بأنه أفضلهم، أو يحبه قدر ثلاثتهم، قاله القاري، (و) منهم (أبو ذر) الغفاري، (و) منهم (سلمان) الفارسي، (و) منهم (المقداد) بن الأسود بن عمرو بن ثعلبة الكندي.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي؛ أخرجه في كتاب المناقب، باب مناقب علي رضي الله عنه، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك، وأخرجه الحاكم أيضًا في "المستدرك".

فنقول: هذا الحديث: درجته أنه حسن، وغرضه: الاستدلال به، ولا تغتر بما قاله الألباني رحمه الله تعالى هنا.

* * *

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث بريدة بحديث ابن مسعود رضي الله عنهما، فقال:

ص: 72

(26)

- 148 - (2) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ

===

(26)

- 148 - (2)(حدثنا أحمد بن سعيد) بن صخر (الدارمي) نسبة إلى دارم بن مالك؛ بطن كبير من تميم، أبو جعفر النيسابوري، ثقة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة ثلاث وخمسين ومئتين (253 هـ). يروي عنه:(خ م د ت ق).

قال: (حدثنا يحيى بن أبي بكير) اسمه نسر -بفتح النون وسكون المهملة- القيسي العبدي، أبو زكرياء البغدادي، قاضي كرمان، ثقة، من التاسعة، مات سنة ثمان أو تسع ومئتين (209 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا زائدة بن قدامة) الثقفي أبو الصلت الكوفي، ثقة ثبت، من السابعة، مات سنة ستين ومئة (160 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).

(عن عاصم) ابن بهدلة اسم أمه، وهو (ابن أبي النجود) -بفتح النون وضم الجيم- الأسدي مولاهم، أبي بكر الكوفي، أحد القراء السبعة، صدوق له أوهام، من السادسة، مات سنة ثمان وعشرين ومئة (128 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن زر بن حبيش) - مصغرًا - ابن حباشة -بضم المهملة - الأسدي أبي مريم الكوفي، ثقة مخضرم، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث وثمانين (83 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن عبد الله بن مسعود) بن غافل الهذلي أبي عبد الرحمن الكوفي رضي الله عنه.

وهذا السند من سداسياته؛ رجاله أربعة منهم كوفيون، وواحد بغدادي، وواحد نيسابوري، وحكمه: الصحة.

ص: 73

قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلَالٌ، وَالْمِقْدَادُ؛ فَأَمَّا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم .. فَمَنَعَهُ اللهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ .. فَمَنَعَهُ اللهُ بِقَوْمِهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ

===

(قال) ابن مسعود: (كان أول من أظهر إسلامه سبعة) يعني: أن المسلمين يخفون إسلامهم في بدايته خوفًا من إذاية المشركين، وهؤلاء السبعة سبقوهم بإظهار الإسلام، وأولئك السبعة هم:(رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر) الصديق، (وعمار) بن ياسر، (وأمه سمية) -بضم ففتح وياء مشددة- بنت خباط -بمعجمة مضمومة وموحدة مشددة- مولاة أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، كانت سابعة سبعة في الإسلام، عذبها أبو جهل وطعنها في قبلها فماتت، فكانت أول شهيدة في الإسلام، وكان ياسر حليفًا لأبي حذيفة، فزوجه سمية فولدت له عمارًا فاعتقه، وكان ياسر وزوجته وولده منها ممن سبق إلى الإسلام.

(وصهيب) - مصغرًا - ابن سنان أبو يحيى النمري، الرومي المنشأ، سبته الروم من نينوى، فابتاعته كلب، فقدمت به مكة فابتاعه ابن جدعان فأعتقه، شهد بدرًا، من السابقين، (وبلال) بن رباح -بفتحتين - المؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه حمامة مولاة لبني جمح وهو مولى لأبي بكر الصديق، (والمقداد) بن الأسود بن عمرو الكندي.

(فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فمنعه الله) سبحانه وتعالى؛ أي: عصمه وحفظه من أذاهم (بعمه أبي طالب) بن عبد المطلب، (وأما أبو بكر) الصديق .. (فمنعه الله) أي: حفظه من شرهم (بقومه) وأقاربه؛ لأنهم محترمون فيهم، (وأما سائرهم) أي: باقي السبعة، وهم خمسة أنفار ..

ص: 74

فَأَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ وَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ وَصَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا،

===

(فأخذهم المشركون) وأمسكوهم (وألبسوهم أدراع الحديد) جمع درع؛ وهو الزرد المصنوع من الحديد؛ لما فيها من الثقل على لابسها وحرارتها عليه، (وصهروهم) من صَهَر كمنع بمعنى عذّب؛ أي: عذبوهم (في) حرارة (الشمس، فما منهم) أي من هؤلاء الخمسة المذكورة (من أحد .. إلا وقد واتاهم) أي: واتى المشركين ووافقهم (على ما أرادوا) منه من ترك إظهار الإسلام.

قال السندي: هكذا في النسخ الصحيحة؛ وهو من المؤاتاة بمعنى الموافقة، وفي "الصحاح" في باب الهمزة: واطأته على الأمر مواطاة إذا وافقته عليه، وقال الأخفش: قوله تعالى: {لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} (1) هو من المواطأة، قال: ومثلها قوله: {أَشَدُّ وَطْئًا} (2) بالمد؛ أي: مواطأة، قال: وهي مؤاتاة السمع والبصر إياه. انتهى.

والمعنى: إلا وقد وافقهم على ما أرادوا وطلبوا منه؛ من ترك إظهار الإسلام، ثم رأيت القاضي البيضاوي ذكر في تفسير قوله تعالى:{فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا} (3) وفي قراءة: آتيا من المؤاتاة؛ أي: لتوافق كل واحدة أختها فيما أردتُ منكما، وقال الشهاب في "حاشيته": المؤاتاة مفاعلة؛ ففي "المصباح": آتيته على الأمر إذا وافقته، وفي لغة لأهل اليمن تبدل الهمزة واوًا، فيقال: واتيته على الأمر مواتاة وهو المشهور على ألسنة الناس. انتهى.

(1) سورة التوبة: (37).

(2)

سورة المزمل: (6).

(3)

سورة فصلت: (11).

ص: 75

إِلَّا بِلَالًا؛ فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللهِ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَخَذُوهُ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ، فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ.

(27)

- 149 - (3) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ،

===

قلت: ثم رأيت في "الصحاح" قال: تقول: آتيته على ذلك الأمر مؤاتاة إذا وافقته وطاوعته، والعامة تقول: واتيته.

(إلا بلالًا؛ فإنه هانت عليه نفسه) أي: صغرت وحقرت عنده (في الله) سبحانه وتعالى؛ أي: لأجله تعالى وفي دينه، (وهان) أي: ذل وخس (على قومه) أي: عند قومه ومواليه (فأخذوه، فأعطوه الولدان) أي: ولدان مكة، (فجعلوا) أي: شرعوا (يطوفون) أي: يتجولون (به) أي: ببلال (في شعاب مكة) أي: في أوديتها وزقاقها وهم يضربونه (وهو) أي: والحال أن بلالًا (يقول): الله (أحد) الله (أحد) أي: معبودي واحد.

وهذا الحديث مما انفرد به ابن ماجه، وفي "الزوائد": إسناده صحيح؛ لأن رجاله ثقات، ورواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "المستدرك" من طريق عاصم بن أبي النجود به.

فنقول: درجة هذا الحديث: أنه صحيح، وغرضه: الاسشهاد به، والله أعلم.

* * *

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث بريدة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما، فقال:

(27)

- 149 - (3)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي.

ص: 76

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ،

* * *

(حدثنا وكيع) بن الجراح.

(عن حماد بن يسلمة) بن دينار التميمي مولاهم أبو سلمة البصري، ثقة عابد، من الثامنة، مات سنة سبع وستين ومئة (167 هـ). يروي عنه:(م عم).

(عن ثابت) بن أسلم بن موسى البناني أبي محمد البصري، ثقة عابد، من الرابعة، مات سنة بضع وعشرين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن أنس بن مالك) الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي حمزة البصري رضي الله عنه.

وهذا السند من خماسياته؛ رجاله ثلاثة منهم بصريون، واثنان كوفيان، وحكمه: الصحة.

(قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله (لقد أوذيت في) إظهار دين (الله) سبحانه وطلب رضاه وتبليغ كلمة التوحيد أذىً كثيرًا بالفعل بعد التخويف بالقول، (و) الحال أنه (ما يؤذى) بالبناء للمفعول (أحد) منكم غيري في الله سبحانه، فمقامه أرفع فأوذي على قدر مقامه، (و) الله؛ القد أخفت) بالبناء للمفعول؛ أي: هددت وتوعدت بالتعذيب والقتل (في) الدعوة إلى (الله) وإظهار دينه، (و) الحال أنه (ما يخاف) بالبناء للمجهول أيضًا، ولا يهدد (أحد) منكم غيري في الله سبحانه، وقوله:(أخفت) -بضم أوله وكسر ثانيه- من الإخافة؛ أي: خوفت في دين الله تعالى وما يخاف أحد منكم مثل تلك الإخافة.

ص: 77

وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وَمَا لِيَ وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا مَا وَارَى إِبِطُ بِلَالٍ".

===

(و) الله؛ (لقد أتت) أي: مضت (علي) في حياتي ليلة (ثالثة)، ولفظ الترمذي:"ولقد أتت عليّ ثلاثون ما بين يوم وليلة"، (و) الحال أنه (مالي) أي: ليس لي (ولبلال طعام) أي: مأكل (يأكله ذو كبد) رطب -بفتح فكسر- أي: حيوان (إلا ما) أي: شيء قليل (وارى) أي: ستره وغطاه (إبط بلال) - بكسر الهمزة وسكون الموحدة وتكسر - وهو ما تحت المنكب؛ والمعنى أن بلالًا كان رفيقي في ذلك الوقت، وما كان لنا من الطعام إلا شيء قليل بقدر ما يأخذه بلال تحت إبطه.

وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته: الترمذي؛ أخرجه في أواخر أبواب الزهد، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال أيضًا: ومعنى هذا الحديث: حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم هاربًا من مكة ومعه بلال إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمل تحت إبطه. انتهى كلام الترمذي، وأخرجه ابن حبان أيضًا، وكذا في "الجامع الصغير" قال المناوي: بإسناد صحيح.

فحينئذ درجة هذا الحديث: أنه صحيح، وغرضه: الاستشهاد به.

وعبارة "تحفة الأحوذي" هنا: قال في "اللمعات" قوله: (ومعه بلال) أفاد أن هذا الخروج غير الهجرة إلى المدينة؛ لأنه لم يكن معه بلال فيها، فلعل المراد خروجه صلى الله عليه وسلم هاربًا من مكة في ابتداء أمره إلى الطائف إلى عبد كُلَال -بضم الكاف مخففًا - رئيس أهل الطائف ليحميه من كفار مكة حتى يؤدي رسالة ربه، فسلط على النبي صلى الله عليه وسلم صبيانه، فرموه بالحجارة حتى أدموا كعبيه صلى الله عليه وسلم، وكان معه زيد بن حارثة لا بلال. انتهى.

ص: 78

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وكذا قال القاري في "المرقاة"، وقال: وقول الترمذي: ومعه بلال لا ينافي كون زيد بن حارثة معه أيضًا مع احتمال تعدد خروجه عليه الصلاة والسلام، لكن أفاد بقوله: معه بلال أنه لم يكن هذا الخروج في الهجرة من مكة إلى المدينة؛ لأنه لم يكن معه بلال حينئذ. انتهى.

* * *

وجملة ما ذكره المؤلف في فضل هؤلاء الثلاثة رضي الله تعالى عنهم: ثلاثة أحاديث:

الأول للاستدلال، والباقي للاستشهاد، وكلها صحيحة.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 79