الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(6) - (17) - بَابُ فَضْلِ الْعُلَمَاءِ وَالْحَثِّ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ
(96)
- 218 - (1) حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ أَبُو بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
===
(6)
- (17) - (باب فضل العلماء والحث على طلب العلم)
(96)
- 218 - (1) حدثنا بكر بن خلف) البصري (أبو بشر) ختن أبي عبد الرَّحمن المقريّ، قال أبو حاتم: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وفي "التقريب" صدوق، من العاشرة، مات بعد سنة أربعين ومئتين. يروي عنه:(د ق).
(حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي أبو محمد البصري، ثقة، من الثامنة، مات سنة تسع وثمانين ومئة (189 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن معمر) بن راشد الأزدي، مولاهم أبي عروة البصري، ثقة ثبت، من كبار السابعة، مات سنة أربع وخمسين ومئة (154 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن) محمد بن مسلم (الزهري) أبي بكر المدني، ثقة متقن عالم الحجاز والشام، من الرابعة، مات سنة خمس وعشرين ومئة (125 هـ)، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه: (ع).
(عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي أبي محمد المدني، ثقة فقيه زاهد ورع، من الثانية، مات بعد التسعين. يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته؛ رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله كلهم ثقات.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا .. يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ".
===
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله) سبحانه وتعالى (به خيرًا) كاملًا .. (يفقهه) أي: يصيِّره فقيهًا عالمًا (في الدين) الإسلامي، فالتنوين في خيرًا يدلُّ على الكمال؛ فلذلك فسرناه بالخير الكامل وهو الإيمان مع الفقه، والفقه في الدين: هو العلم الذي يورث الخشية في القلب، ويظهر أثره على الجوارح، ويترتب عليه الإنذار، كما يشير إليه قوله تعالى:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (1).
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة، ودرجته: أنه صحيح؛ لأن له شاهدًا من حديث ابن عباس أخرجه الترمذي، وفي "الزوائد": قلت: رواه الترمذي من حديث ابن عباس، وقال: حسن صحيح، وفي الباب عن أبي هريرة ومعاوية. انتهى، وغرضه: الاستدلال به.
وإسناد أبي هريرة ظاهره الصحة، ولكن اختلف فيه على الزهري، قرره النسائي من حديث شعيب عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وقال: الصواب رواية الزهري عن حميد بن عبد الرَّحمن عن معاوية، كما في "الصحيحين". انتهى "سندي".
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، فقال:
(1) سورة التوبة: (122).
(97)
-219 - (2) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ جَنَاحٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ:
===
(97)
-219 - (2)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير - مصغرًا - ابن ميسرة بن أبان السلمي أبو الوليد الدمشقي خطيب جامع دمشق.
قال ابن معين: ثقة، قال العجلي: ثقة، وقال مرّة: صدوق، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "التقريب": صدوق، من العاشرة، وقال البخاري: مات بدمشق آخر المحرم سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه: (خ عم).
(حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي مولاهم الدمشقي عالم الشام، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال في "التقريب": ثقة ولكنه يدلس، من الثامنة، مات آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
قال: (حدثنا مروان بن جناح) الأموي مولاهم الدمشقي، قال دحيم وأبو داوود: ثقة، وقال أبو علي النيسابوري: مروان ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "التقريب": لا بأس به، من السادسة. يروي عنه:(د ق).
(عن يونس بن ميسرة بن حلبس) - بوزن جعفر - أبي عبيد الدمشقي الأعمى، قال ابن سعد: كان ثقة، وقال ابن عمار وأبو داوود والدارقطني: ثقة، وقال العجلي: شامي تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "التقريب": ثقة عابد معمر، من الثالثة، قتل سنة اثنتين وثلاثين ومئة (132 هـ). يروي عنه:(د ت ق).
(أنه) أي: أن يونس بن ميسرة (حدثه) أي: حدث مروان بن جناح (قال)
سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "الْخَيْرُ عَادَةٌ وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ،
===
يونس بن ميسرة: (سمعت معاوية بن أبي سفيان (صخر بن حرب بن أمية الأموي أبا عبد الرَّحمن الشامي الخليفة الصحابي رضي الله عنه، حالة كونه (يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه: أن رجاله كلهم شاميون، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله كلهم ثقات.
(أنه) صلى الله عليه وسلم (قال: الخير) والحق (عادة) للمؤمن؛ أي: مقبول معتاد للمؤمن لا يرده بل يقبله قلبه السليم (والشر) والباطل (لجاجة) أي: ذو لجاجة وخصومة في رده؛ أي: غير مقبول عند المؤمن السليم العقل، بل يخاصم فيه مع الشيطان، فيرده عليه ولا يستمع إليه؛ والمعنى: أن المؤمن الثابت على مقتضى الإيمان والتقوى ينشرح صدره للخير، فيصير له عادة؛ ذلك لأن الإنسان مجبول على الخير، قال الله تعالى:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (1).
وأما الشر .. فلا ينشرح له صدره، فلا يدخل في قلبه إلَّا بلجاجة الشيطان ووسوسته وتسويل النفس الأمارة بالسوء، فيخاصمهما فيرده عليهما ولا يقبله منهما، وهذا المعنى هو الموافق لحديث:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، والإثم ما حاك في ضدرك وإن أفتاك المفتون".
والمراد: أن الخير موافق للعقل السليم، فهو لا يقبل إلَّا إياه، ولا يميل إلَّا إليه، بخلاف الشر؛ فإن العقل السليم ينفر منه ويقبحه، ويحتمل أن المراد
(1) سورة الروم: (30).
وَمَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا .. يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ".
(98)
-220 - (3) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ جَنَاحٍ أَبُو سَعْدٍ،
===
بالخير والشر: الحق والباطل، وللحق نور في القلب يتبين به أنه الحق، وللباطل ظلمة يتضيق بها القلب عن قبوله، فلا يدخل فيه إلَّا بتردد وانقباض للقلب عن قبوله، وهذا هو الموافق للمثل المشهور: الحق أبلج والباطل لجلج من غير أن ينفذ، ويحتمل أن يكون هذا بيان ما ينبغي أن يكون المؤمن عليه؛ أي: اللائق بحاله أن يكون الخير عادته والشر مكروهًا له، لا يدخل عليه إلَّا باللجاجة والخصام مع الشيطان والنفس الأمارة بالسوء.
(ومن يرد الله به خيرًا) كاملًا .. (يفقهه) أي: يصيره فقيهًا عالمًا في الدين) وأبي سلام.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة عن أصحاب "الأمهات"، وفي "الزوائد": رواه ابن حبان في "صحيحه" من طريق هشام بن عمار بإسناده ومتنه سواء.
فدرجته: أنه صحيح، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة رضي الله عنه.
* * *
ثم استأنس المؤلف رحمه الله تعالى للترجمة بحديث ابن عباس رضي الله عنهما، فقال:
(98)
- 220 - (3)(حدثنا هشام بن عمار) السلمي الدمشقي.
قال: (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الدمشقي.
قال: (حدثنا روح بن جناح) الأموي، مولاهم (أبو سعد) الدمشقي، قال عثمان الدارمي عن دحيم: ثقة، إلَّا أن مروان أخاه أوثق منه، وقال أبو نعيم:
عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ".
===
يروي عن مجاهد مناكير لا شيء، روى له الترمذي وابن ماجة حديثًا واحدًا وهو هذا الحديث:"فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد"، قال الساجي: هو حديث منكر، وقال ابن حبان: هو منكر الحديث جدًّا، يروي عن الثقات ما إذا سمعه الإنسان .. شهد له بالوضع، روى عن مجاهد عن ابن عباس: "فقيه واحد
…
" الحديث، وقال النقاش: يروي عن مجاهد أحاديث موضوعةً، وقال في "التقريب": ضعيف، من السابعة.
(عن مجاهد) بن جبر أبي الحجاج المخزومي، مولاهم المكي، ثقة إمام في التفسير وفي العلم، من الثالثة، مات سنة إحدي، أو اثنتين، أو ثلاث أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن) عبد الله (بن عباس) الهاشمي رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من خماسياته؛ رجاله ثلاثة منهم شاميون، وواحد طائفي، وواحد مكي، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه راويًا متفقًا على ضعفه؛ وهو روح بن جناح.
(قال) ابن عباس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقيه) أي: عالم (واحد أشد) أي: أتعب (على الشيطان) في إضلاله (من) إضلال (ألف عابد) المراد بالعدد: مطلق الكثرة؛ وذلك لأن العالم بعلمه ينجو من فتنته ويرد شبهته وتسويله، وذلك أن غاية همة العابد أن يخلص نفسه من مكايد الشيطان، وقد لا يقدر عليه فيدركه الشيطان من حيث لا يدري، بخلاف الفقيه؛ فقد يخلص الله تعالى على يديه العباد من مكايد الشيطان، بخلاف العابد، فإنه ربما يشتغل بالعبادة وهو في حبائل الشيطان ولا يدري.
(99)
- 221 - (4) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُودَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ،
===
وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته: الترمذي؛ أخرجه في كتاب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة.
ودرجته: أنه ضعيف (11)(32)؛ لأن في سنده راويًا متفقًا على ضعفه، وغرضه: الاستئناس به.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي الدرداء رضي الله عنهما، فقال:
(99)
- 221 - (4)(حدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي أبو عمر البصري (الجهضمي) أي: المنسوب إلى الجهاضمة؛ محلة في البصرة، ثقة، من العاشرة مات سنة خمسين ومئتين (250 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا عبد الله بن داوود) بن عامر بن الربيع الهمداني أبو عبد الرَّحمن البصري المعروف بالخريبي -بضم المعجمة وفتح الراء- كوفي الأصل سكن الخريبة؛ وهي محلة بالبصرة.
قال ابن سعد: كان ثقة عابدًا ناسكًا، وقال معاوية بن صالح عن ابن معين: ثقة صدوق مأمون، ووثقه أبو زرعة والنسائي، وقال الدارقطني: ثقة زاهد، قال في "التقريب": ثقة زاهد، من التاسعة، مات سنة ثلاث عشرة ومئتين (213 هـ). يروي عنه:(خ عم).
(عن عاصم بن رجاء بن حيوة) -بفتح فسكون ففتح- الكندي الفلسطيني.
قال ابن معين: صويلح، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وذكره ابن حبان في
عَنْ دَاوُودَ بْنِ جَمِيلٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ؛ أَتَيْتُكَ مِنَ الْمَدِينَةِ مَدِينَةِ
===
"الثقات"، وقال في "التقريب": صدوق يهم، من الثامنة. يروي عنه:(د ت ق).
(عن داوود بن جميل) - مكبرًا - الشامي. روى عن: كثير بن قيس، ويروي عنه: عاصم بن رجاء بن حيوة.
ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الدارقطني: مجهول، وقال مرّة: هو ومن فوقه إلى أبي الدرداء ضعفاء، وقال الأزدي: ضعيف مجهول، وقال في "التقريب": ضعيف، من السابعة. يروي عنه:(د ق).
(عن كثير بن قيس) الشامي. روى عن: أبي الدرداء في فضل العلم، ويروي عنه: داوود بن جميل. ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الدارقطني وابن سميع: ضعيف، وقال في "التقريب": ضعيف، من الثالثة. يروي عنه:(د ق).
(قال) كثير بن قيس: (كنت جالسًا عند أبي الدرداء) عويمر بن زيد الشامي الصحابي المشهور رضي الله عنه في مسجد دمشق) - بكسر الدال وفتح الميم - سميت باسم دمشق بن نمروذ اللعين، وهو رجل صالح آمن بإبراهيم؛ لأنه أول من بناها، وبها مسجد إبراهيم الخليل.
وهذا السند من سداسياته؛ رجاله أربعة منهم شاميون، واثنان بصريان، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه راويين مختلفين في ضعفهما؛ وهما داوود بن جميل، وكثير بن قيس؛ لأن ابن حبان وثقهما.
(فأتاه) أي: فأتى أبا الدرداء (رجل) من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، (فقال) الرجل:(يا أبا الدرداء؛ أتيتك) وجئتك (من المدينة مدينة
الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُ بِهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَمَا جَاءَ بِكَ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: وَلَا جَاءَ بِكَ غَيْرُهُ، قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا .. سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ،
===
الرسول صلى الله عليه وسلم لحديث) أي: لتعلم حديث (بلغني) من خبر الناس (أنك تحدث به) أي: بذلك الحديث (عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال) أبو الدرداء: أ (في جاء بك تجارة؟ ) أي: قصد تقليب المال لغرض الربح، بتقدير همزة الاستفهام، وما نافية.
(قال) الرجل: (لا) أي: ما جاء بي قصد التجارة، (قال) أبو الدرداء:(وَلَا جاء بك غيره؟ ) أي: غير ذلك الحديث من الأمور الدينية أو الدنيوية، (قال) الرجل:(لا) أي: ما جاء بي غير ذلك الحديث.
(قال) أبو الدرداء: (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سلك) ودخل أو مشى (طريقًا) قريبًا كان أو بعيدًا (يلتمس) ويطلب (فيه) أي: في ذلك الطريق أو في ذلك المسلك أو في سلوكه (علمًا) أي: تعلمه، والجملة الفعلية صفة لطريقًا، أو حال من فاعل (سلك)، ويحتمل أن هذا الحديث هو الحديث المطلوب للرجل، أو غيره ذكره تبشيرًا له وترغيبًا في مثل ما فعل .. (سهل الله) سبحانه وتعالى الله) والضمير عائد إلى (من) أي: يسر الله سبحانه لذلك السالك بسبب العلم (طريقًا) موصلًا (إلى الجَنَّة) أي: وفقه أسبابًا وأعمالًا موصلةً إلى الجَنَّة، وهذا إما كناية عن التوفيق للخيرات في الدنيا، أو عن إدخاله الجَنَّة بلا تعب في الآخرة.
قال الطيبي: وإنما أطلق الطريق والعلم؛ ليشملا في جنسهما أيَّ طريق
وَإنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ
===
كان؛ من مفارقة الأوطان، والضرب في البلدان، إلى غير ذلك، وأي علم كان؛ من علوم الدين قليلًا أو كثيرًا، رفيعًا أو غير رفيع.
(وإن الملائكة) الكرام (لتضع) أي: لتبسط (أجنحتها) جمع جناح، وجملة (إن) معطوفة على الجملة الشرطية، وكذا الجملة التي بعدها، ووضع الأجنحة يحتمل أن يكون على حقيقته، وإن لَمْ يشاهد؛ أي: لتضعها لتكون وطاءً له إذا مشى، أو تكف أجنحتها عن الطيران وتنزل لسماع العلم، وأن يكون مجازًا عن التواضع؛ تعظيمًا لحقه ومحبة للعلم.
وقوله: (رضًا) بالقصر وبالمد .. حال من فاعل (تضع) على تأويله بالمشتق؛ أي: مرضين (لطالب العلم) أو راضين بما صنع، أو مفعول له؛ أي: لأجل إرضائها لطالب العلم بما يصنع؛ من حيازة الوراثة العظمى، وسلوك السنن الأسنى.
(وإن طالب العلم) الديني (يستغفر له) إذا لحقه ذنب، مجازاة على حسن صنيعه بإلهام من الله تعالى إياهم ذلك؛ وذلك لعموم نفع العلم؛ فإن مصالح كلّ شيء ومنافعه منوطة به، قال الطيبي: هو مجاز من إرادة استقامة حال المستغفر له. انتهى، قال القاري: والحقيقة أولى.
(من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء) وفي رواية: (في البحر) جمع حوت، خصها بالذكر لدفع إيهام أن من في الأرض لا يشمل من في البحر، كذا قيل، (وإن فضل العالم) أي: الغالب عليه العلم؛ وهو الذي يقوم بنشر العلم بعد أدائه ما توجه إليه من الفرائض والسنن المؤكدة (على العابد)
كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ؛ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ".
===
أي: الغالب عليه العبادة؛ وهو الذي يصرف أوقاته بالنوافل مع كونه عالمًا بما تصح به العبادة .. (كفضل القمر) أي: ليلة البدر، كما في روايةٍ (على سائر الكواكب) والنجوم، قال القاضي: شبه العالم بالقمر والعابد بالكواكب؛ لأن كمال العبادة ونورها لا يتعدى من العابد، ونور العلم يتعدى إلى غيره.
وعبارة السندي: فإن كمال العلم كمال يتعدى آثاره إلى الغير، وكمال العبادة كمال غير متعد آثاره، فشابه الأول بنور القمر، والثاني بنور سائر الكواكب، وفيه تنبيه على أن كمال العلم ليس للعالم من ذاته، بل تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم، كنور القمر؛ فإنه مستفاد من نور الشمس، ثم المراد بالعالم: من غلب عليه الاشتغال بالعلم تدريسًا وتصنيفًا وكتابةً مع اشتغاله بالأعمال الضرورية، وبالعابد: من غلب عليه العبادة مع اطلاعه على العلم الضروري، وأما غيرهما .. فبمعزل عن الفضل.
(إن العلماء) العاملين بعلمهم (ورثة الأنبياء)، وإنما لَمْ يقل: ورثة الرسل؛ ليشمل الكل، قاله ابن الملك؛ (إن الأنبياء لَمْ يورثوا) - بالتشديد - من التوريث (دينارًا ولا درهمًا) أي: شيئًا من الد نيا، وخُصَّا؛ لأنهما أغلب أنواعها؛ وذلك إشارة إلى زوال الدنيا، وأنهم لَمْ يأخذوا منها إلَّا بقدر ضرورتهم، فلم يورثوا شيئًا منها؛ لئلا يتوهم أنهم كانوا يطلبون شيئًا منها يورث منهم، (إنما ورثوا) - بالتشديد أيضًا - أي: ! نما ورثوا أممهم (العلم) والدين.
(فمن أخذه) أي: أخذ العلم ووفق به .. (أخذ) من وراثتهم (بحظ وافر) أي: أخذ حظًا وافرًا ونصيبًا كاملًا تامًا؛ أي: لا حظ أوفر منه، والباء زائدة للتأكيد، أو المراد: أخذه متلبسًا بحظ وافر من ميراث النبوة، ويجوز أن يكون
(100)
- 222 - (5) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ،
===
(أخذ) بمعنى الأمر؛ أي: فمن أراد أخذه .. فليأخذ بحظ وافر ولا يقتنع بقليل.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود؛ أخرجه في كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، والترمذي؛ في كتاب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، وقال: حدثنا محمود بن خداش البغدادي، أخبرنا محمد بن يزيد الواسطي، أخبرنا عاصم بن رجاء بن حيوة عن قيس بن كثير عن أبي الدرداء
…
الحديث، ثم قال: ولا نعرف هذا الحديث إلَّا من حديث عاصم بن رجاء، وليس إسناده عندي بمتصل، هكذا حدثنا محمود بن خداش هذا الحديث، وإنما يروى هذا الحديث عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن داوود بن جميل عن كثير بن قيس عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أصح من حديث محمود بن خداش المذكور في هذا الباب بإسقاط داوود بن جميل.
وحديث أبي الدرداء هذا أخرجه أحمد والدارمي، وقال المنذري في "تلخيص السنن": قد اختلف في هذا الحديث اختلافًا كثيرًا، ثم ذكره مفصلًا، من شاء الوقوف على ذلك .. فليراجعه. انتهى "تحفة الأحوذي".
وهذا الحديث لكثرة طرقه وكثرة من أخرجه درجته: أنه حسن؛ لأن طرقه لكثرتها يعضد بعضها بعضًا، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به، كما أشار إليه الألباني.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما، فقال:
(100)
- 222 - (5)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير - مصغرًا - السلمي
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ شِنْظِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
===
الدمشقي، ثقة، وفي "التقريب" صدوق مقرئ كبر فصار يتلقن، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ عم).
قال: (حدثنا حفص بن سليمان) الأسدي أبو عمر الكوفي القارئ؛ وهو حفص بن أبي داوود.
قرأ على عاصم بن أبي النجود، متفق على ضعفه وتركه، قال ابن معين: كان حفص وأبو بكر من أعلم الناس بقراءة عاصم، وكان حفص أقرأ من أبي بكر، وكان كذابًا في الحديث، وكان أبو بكر صدوقًا وفي "التقريب"، من الثامنة، مات سنة ثمانين ومئة (180 هـ). يروي عنه:(ت ق).
قال: (حدثنا كثير بن شنظير) - بكسر المعجمة وسكون النون وكسر ظاء معجمة وسكون التحتية وبراء آخره - المازني أبو قرة البصري. روى عن: محمد بن سيرين، ويروي عنه:(خ م د ت ق)، وحفص بن سليمان، وجماعة.
وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله تعالى، قال أحمد: صحيح الحديث، وقال الساجي: صدوق وفيه بعض الضعف، وقال ابن حزم: ضعيف جدًّا، وقال في "التقريب": صدوق يخطئ، من السادسة.
(عن محمد بن سيرين) الأنصاري، مولاهم أبي بكر البصري، أحد الأئمة الأعلام، ثقة، من الثالثة، مات سنة عشرة ومئة (110 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أنس بن مالك) بن النضر الأنصاري الخزرجي أبي حمزة البصري رضي الله عنه.
وهذا السند من خماسياته؛ رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد شامي، وواحد
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ،
===
كوفي، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه راويًا متفقًا على ضعفه؛ وهو حفص بن سليمان شيخ القراء.
(قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلب العلم) الديني وتعلمه (فريضة) أي: فرض مؤكد (على كلّ مسلم) أي: على كلّ شخص مكلف ذكرًا كان أو أنثى؛ ليخرج غير المكلف من الصبي والمجنون، وقال السخاوي في "المقاصد": الحق بعض المصنفين بآخر الحديث: "ومسلمة"، وليس لها ذكر في شيء من طرقه وإن كانت صحيحة المعنى.
قال البيهقي في "المدخل": أراد - والله تعالى أعلم - العلم الذي لا يسع البالغ العاقل جهله، أو علم ما يطرأ له، أو أراد أنه فريضة على كلّ مسلم حتى يقوم به من فيه كفاية، وقال: سئل ابن المبارك عن تفسير هذا الحديث، فقال: ليس هو الذي يظنون، إنما هو أن يقع الرجل في شيء من أمور دينه، فيسأل عنه حتى يعلمه، وقال البيضاوي: المراد من العلم: ما لا مندوحة للعبد منه؛ كمعرفة الصانع، والعلم بوحدانيته، ونبوة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكيفية الصلاة؛ فإن تعلمه فرض عين.
وقال الثوري: هو الذي لا يعذر العبد في جهله، وقال الشيخ أبو حفص: هو المشهور؛ فإن غيره اختلف في العلم الذي هو فريضة، فقيل: هو علم الإخلاص مأمور به كما أن العلم مأمور به، وشهوات النفس تُخرِّب مباني الإخلاص من المأمور به، فصار علم ذلك فرضًا، وقيل: معرفة الخواطر وتفصيلها فريضة؛ لأن الخواطر في نشأة العقل، وبذلك يعلم الفرق بين لمة الملك ولمة الشيطان، وقيل: هو طلب علم الحلال، حيث كان أكل الحلال فريضة، وقيل: هو علم
وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ".
===
البيع والشراء والنِّكَاح والطلاق، إذا أراد الدخول في شيء من ذلك .. يجب عليه طلب علمه، وقيل: هو علم الفرائض الخمس التي بني عليها الإسلام، وقيل: هو طلب علم التوحيد بالنظر والاستدلال والنقل، وقيل: هو طلب علم الباطن؛ وهو ما يزداد به العبد يقينًا، وهو الذي يكتسب بصحبة الصالحين والزهاد والمقربين؛ فهم ورثة علم النبيين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. انتهى، انتهى من "السندي".
قوله: "فريضة" لغة في الفرض؛ كالشريطة في الشرط، وليست التاء للتأنيث، فجمع الفريضة فرائض، والفرض فروض؛ كالشرائط والشروط.
(وواضع العلم عند غير أهله) أي: والمعلم الذي وضع العلم وأفتاه لمن لا يصلح لحمله ولا يقدر أن يحمل عنه ويتعلم؛ كأن يدرس الكتب المطولة للمبتدي، أو علم الطب لمن لا يصلح للعلاج، وعلم الزراعة لمن لا يصلح لها؛ أي: وواضع العلم بالتدريس والتعليم والإفتاء عند من لا يليق به؛ لعدم الاستعداد له .. (كمقلد الخنازير) والحيوانات الخسيسة ومطوقها (الجوهر) النفيس (واللؤلؤ والذهب)، ووجه الشبه: وضع الكل في غير المحل اللائق به.
قال الطيبي: هذا يشعر بأن كلّ علم يختص باستعداد وله أهل، فإذا وضعه في غير موضعه .. فقد ظلمه، فمثَّله بتقليد أخس الحيوانات بأنفس الجواهر؛ تهجينًا لذلك الوضع وتنفيرًا عنه، وفي ذكر هذا التشبيه بعد قوله:"طلب العلم فريضة" .. إعلام بأنه ينبغي لكل أحد طلب ما يليق باستعداده وفهمه ويوافق منزلته ودرجته بعد حصول ما هو واجب من الفرائض العامة، وعلى العالم أن يخص كلّ طالب بما هو مستعد له. انتهى.
وفي "الزوائد": هذا الحديث إسناده ضعيف؛ لضعف حفص بن سليمان.
(101)
- 223 - (6) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
===
وهو مما انفرد به ابن ماجة، قال السيوطي: وسئل النواوي عن هذا الحديث، فقال: إنه ضعيف؛ أي: سندًا، وإن كان صحيحًا؛ أي: معنىً، وقال تلميذه جمال الدين المزي: هذا الحديث روي من طرق تبلغ رتبة الحسن، وهو كما قال؛ فإني رأيت له نحو خمسين طريقًا، وقد جمعتها في جزء. انتهى.
فدرجته حينئذ: أنه حسن، وغرضه: الاستشهاد به.
وقال الألباني: الحديث صحيح دون قوله: "وواضع العلم
…
" إلى آخره؛ فإنه ضعيف جدًّا.
قلت: فالحديث صحيح المتن، ضعيف السند.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما، فقال:
(101)
- 223 - (6)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي.
(وعلي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي.
(قالا: حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي الكوفي.
(عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي.
(عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني.
(عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه.
وهذا السند من خماسياته؛ رجاله ثلاثة منهم كوفيون، واثنان مدنيان، وحكمه: الصحة.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا .. نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا .. سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ .. يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا .. سَهَّلَ اللهُ
===
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نفَّس) بالتشديد؛ أي: فرج وكشف وأزال (عن مسلم) وكذا مسلمة (كربة) واحدة -بضم فسكون- أي: غمًّا وهمًّا وشدّةً (من كرب الدنيا) -بضم ففتح جمع كربة، كغرفة وغرف؛ أي: من هموم الدنيا وشدائدها .. (نفَّس الله) سبحانه وتعالى؛ أي: كشف الله (عنه) أي: عن الذي نفّس عن أخيه كربة (كربة من كرب يوم القيامة) أي: شدة من شدائد يوم القيامة.
(ومن ستر مسلمًا) على عيوبه أو بدنه المكشوف، وعبارة السندي: أي: بثوب، أو بترك التعرض لكشف حاله بعد أن رآه يرتكب ذنبًا .. (ستره الله) سبحانه وتعالى على عيوبه (في الدنيا والآخرة، ومن يسر) بالتشديد؛ أي: سهل (على معسر) من الإعسار؛ أي: على مدين فقير بالتجاوز عن الدين كلًّا أو بعضًا أو بتأخير المطالبة عن وقته .. (يسر الله) سبحانه وتعالى (عليه) أي: على ذلك المتجاوز أموره (في الدنيا والآخرة، والله) سبحانه وتعالى (في عون العبد) أي: في إعانته على أموره بأي وجه كان من جلب نفع أو دفع ضر (ما كان العبد) المعين (في عون أخيه) المسلم.
(ومن سلك) ودخل (طريقًا يلتمس) ويطلب (فيه) أي: في ذلك المسلك أو في تلك الطريق (علمًا) من علوم الدين .. (سهل الله) أي: يسر الله سبحانه
لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ
===
وتعالى (له) أي: لذلك السالك (به) أي: بسبب سلوكه ذلك المسلك (طريقًا) موصلًا له (إلى الجَنَّة).
قال النواوي: قوله: "من نفس عن مؤمن كربة
…
" إلى آخره، هذا الحديث عظيم جامع لأنواع من المعلوم والقواعد والآداب، ومعنى "نفس كربة": أزالها، وفيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما تيسر من علم أو مال أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة أو غير ذلك، وقوله: "من يسر على معسر" مسلم أو غيره بإبراء أو هبة أو صدقة أو نظرة إلى ميسرة .. "يسر الله عليه في الدنيا" بتوسيع رزقه وحفظه من الشدائد "والآخرة" بتسهيل الحساب والعفو عن العقاب. انتهى "مناوي".
قال الأبي: قوله: "ومن ستر مسلمًا" ليس من لوازم الستر عدم التغيير، بل يغير ويستر، فمن وجد سكرانًا .. فلا يجب عليه رفعه إلى الحاكم.
نعم؛ إذا طلبه الحاكم بالشهادة .. تعين عليه أن يشهد.
(وما اجتمع قوم) من المسلمين (في بيت من بيوت الله) سبحانه وتعالى، بيت الله خرج مخرج الغالب، وكذا لو اجتمعوا في غير المسجد، وفيه فضيلة الاجتماع لتلاوة القرآن وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، كذا في "النواوي"، قال القاضي: ولعل الاجتماع الذي في الحديث للتعليم بدليل قوله: "ويتدارسونه
…
" إلى آخره، قال الطيبي: بيت الله شامل لجميع ما يبنى لله تقربًا إليه من المساجد والمدارس والربط؛ أي: ما اجتمعوا في مسجد من مساجد الله تعالى حالة كونهم (يتلون) ويقرؤون (كتاب الله) سبحانه وتعالى؛ أي: يقرأ كلّ منهم بنفسه (ويتدارسونه بينهم) أي: يقرؤونه معًا بالترتيب، قيل: هو شامل لجميع ما
إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ .. لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ".
===
يتعلق بالقرآن؛ من التعلم والتعليم والتفسير والاستكشاف عن دقائق معانيه .. (إلَّا حفتهم) وأحاطت بهم (الملائكة) أي: ملائكة الرحمة، أي: طافوا بهم وأداروا حولهم تعظيمًا لصنيعهم.
(ونزلت عليهم السكينة) وهي: ما يحصل به صفاء القلب بنور القرآن، وذهاب ظلمته النفسانية، (وغشيتهم) أي: غطتهم وسترتهم (الرحمة) أي: رحمة الله تعالى وإحسانه إليهم ورضوانه عنهم، (وذكرهم الله) سبحانه وتعالى (فيمن عنده) عندية شرف وقرب من الملأ الأعلى، الطبقة الأولى من الملائكة، قيل: ذكرهم مباهاة بهم.
(ومن أبطأ به) الباء للتعدية، يقال: بطأ به - بالتشديد - وأبطأ به بمعنىً؛ أي: أخره في الآخرة (عمله) السيئ أو التفريط عن اللحاق بمنازل المتقين أو عن دخول الجَنَّة أولًا
…
(لَمْ يسرع به نسبه) أي: لَمْ يرفعه شرف نسبه حتى يجبر نقصه. انتهى "أبي".
وفي "السندي": أي: من أخره عن الشيء تفريطه في العمل الصالح .. لَمْ ينفعه في الآخرة شرف النسب، وقيل: يريد أن التقرب إلى الله لا يحصل بالنسب وكثرة العشائر، بل بالعمل الصالح؛ فمن لَمْ يتقرب بذلك .. لا يتقرب إليه بعلو النسب. انتهى.
وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته: مسلم؛ أخرجه في كتاب الدعوات، وأخرجه أيضًا في كتاب الأدب.
ودرجته: أنه صحيح، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
(102)
- 224 - (7) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ
===
ثم اسشهد رحمه الله تعالى خامسًا لحديث أبي هريرة بحديث صفوان رضي الله عنهما، فقال:
(102)
- 224 - (7)(حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد الذهلي أبو عبد الله النيسابوري.
قال النسائي: ثقة ثبت إمام، أحد الأئمة في الحديث، وقال في "التقريب": ثقة حافظ جليل، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومئتين (258 هـ). يروي عنه:(خ عم).
(حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ، من التاسعة، مات سنة إحدى عشرة ومئتين (211 هـ). يروي عنه:(ع).
(أنبأنا معمر) بن راشد الأزدي أبو عروة البصري، ثقة ثبت فاضل، من كبار السابعة، مات سنة أربع وخمسين ومئة (154 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عاصم) ابن بهدلة - اسم أمه -، وهو (ابن أبي النجود) -بفتح النون وضم الجيم- الأسدي مولاهم أبي بكر الكوفي أحد القراء السبعة.
وثقه أحمد والعجلي وأبو زرعة وغيرهم، وقال في "التقريب": صدوق له أوهام حجة في القراءة، من السادسة، مات سنة ثمان وعشرين ومئة (128 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن زر بن حبيش) بن حباشة الأسدي أبي مريم الكوفي، ثقة جليل مخضرم، مات سنة إحدي، أو اثنتين، أو ثلاث وثمانين (83 هـ)، وهو ابن مئة وسبع وعشرين سنة. يروي عنه:(ع).
(قال) زر بن حبيش: (أتيت صفوان بن عسال) بتشديد السين المهملة
الْمُرَادِيَّ فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: أَنْبِطُ الْعِلْمَ، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ خَارِجٍ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إِلَّا وَضَعَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ أَجْنِحَتَهَا؛ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ".
===
(المرادي) -بضم الميم- نسبة إلى مراد؛ بطن من مذحج الجملي -بفتح الجيم والميم- الكوفي رضي الله عنه، غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة، روى عنه، وسكن الكوفة. وروى عنه: زر بن حبيش، وعبد الله بن سلمة المرادي، و (ت س ق)، وغيرهم.
وهذا السند من سداسياته؛ رجاله ثلاثة منهم كوفيون، وواحد بصري، وواحد صنعاني، وواحد نيسابوري، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله كلهم ثقات.
(فقال) صفوان لي: (ما جاء بك؟ ) أي: أي غرض وأي حاجة جاء بك إلينا؟ قال زر: (قلت) لصفوان: غرضي الذي جاء بي إليك أني كنت (أنبط العلم) -بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الباء- بوزن أضرب؛ أي: كنت أطلب العلم الديني، أي: أتعلمه، قال السندي: من نبط البئر؛ كضرب ونصر، إذا استخرج ماءه، ومنه استنباط الإحكام من أدلتها، والمراد: أطلب العلم وأستخرجه من قلوب العلماء وأحصله في قلبي.
(قال): أحسنت؛ (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من خارج خرج من بيته) أي: ما مسلم خارج خرج من منزله (في طلب العلم) أي: لغرض طلب العلم .. (إلَّا وضعت له) أي: بسطت (الملائكة) له (أجنحتها) ليمشي عليها؛ (رضًا بما يصنع) أي: لأجل رضائهم بما يصنع ويفعل من طلب العلم.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة، ودرجته: أنه صحيح، وغرضه: الاستشهاد به.
(103)
- 225 - (8) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ صَخْرٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
===
وفي "الزوائد": رجال إسناده ثقات، إلَّا أن عاصم بن أبي النجود اختلط، والمتن من رواية أبي داوود صحيح معلوم.
* * *
ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر له رضي الله عنه، فقال:
(103)
- 225 - (8)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي.
(حدثنا حاتم بن إسماعيل) المدني أبو إسماعيل الحارثي مولاهم.
قال ابن سعد: كان أصله من الكوفة، ولكنه انتقل إلى المدينة فنزلها، ومات بها سنة ست وثمانين ومئة (186 هـ)، وكان ثقة مأمونًا، ووثقه العجلي وابن معين، وقال في "التقريب": صدوق يهم، من الثامنة، مات سنة ست أو سبع وثمانين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن حميد بن صخر) ويقال له: حميد بن زياد، أبي صخر المدني الخراط.
روى عن: أبي سعيد المقبري، وأبي حازم، وأبي صالح السمان.
قال الدارقطني: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أحمد: ليس به بأس، وقال عثمان الدارمي عن يحيى: ليس به بأس، وقال إسحاق بن منصور وابن أبي مريم عن يحيى: ضعيف، وقال في "التقريب": صدوق يهم، من السادسة، مات سنة تسع وثمانين ومئة (189 هـ). يروي عنه؛ (م د، ق).
(عن) أبي سعيد (المقبري) كيسان بن سعيد المدني، ثقة، من الثانية، مات سنة مئة (100 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) رضي الله عنه.
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ جَاءَ مَسْجِدِي هَذَا لَمْ يَأْتِهِ إِلَّا لِخَيْرٍ يَتَعَلَّمُهُ أَوْ يُعَلِّمُهُ .. فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَنْ جَاءَ لِغَيْرِ ذَلِكَ
===
وهذا السند من خماسياته؛ رجاله كلهم مدنيون إلَّا أبا بكر بن أبي شيبة؛ فإنه كوفي، وحكمه: الصحة، على شرط مسلم.
(قال) أبو هريرة: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من جاء مسجدي هذا) أراد مسجده، وتخصيصه بالذكر إما لخصوص هذا الحكم به، أو لأنه كان محلًا للكلام حينئذ، وإلا .. فحكم سائر المساجد كحكمه، وجملة قوله:(لم يأته إلَّا لخير) حال من فاعل (جاء)، والضمير المنصوب عائد إلى (المسجد) أي: حال كونه آتيًا إياه للخير لا لغيره، والمراد بالخير: العلم؛ أي: حالة كونه لا يأتيه إلَّا لعلم (يتعلمه) من الناس (أو يعلمه) غيره بالتدريس والإفتاء مثلًا.
قال السندي: والكلام فيمن لَمْ يأت الصلاة فيه، وإلا .. فالإتيان لها هو الأصل المطلوب في المساجد.
وقوله: (فهو بمنزلة المجاهد) جواب الشرط؛ أي: فذلك الآتي لغرض التعلم أو التعليم بمنزلة الغازي (في سبيل الله) لإعلاء كلمته وإعزاز دينه، ووجه مشابهة طلب العلم بالمجاهدة في سبيل الله: أنه إحياء للدين، وإذلال للشيطان، وإتعاب للنفس، وكسر ذرى الشهوات، كيف وقد أبيح له التخلف للتفقه عن الجهاد؟ ! فقد قال تعالى:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً .... } الآية (1).
(ومن جاء) هـ (لغير ذلك) التعلم أو التعليم؛ أي: ممن لَمْ يأت الصلاة
(1) سورة التوبة: (122).
فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى مَتَاعِ غَيْرِهِ".
(104)
- 226 - (9) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي عَاتِكَةَ،
===
كما تقدم .. (فهو بمنزلة الرجل) الذي يدخل السوق، حالة كونه (ينظر إلى متاع غيره)، وليس له ما يبيعه ولا ما يشتريه، بل لينظر إلى أمتعة الناس، فهل يحصل له فائدة بذلك؟ فكذلك هذا، وفيه أن مسجده صلى الله عليه وسلم سوق العلم ومركز الدين ومأخذه، فينبغي للناس شراء العلم بالتعلم والتعليم.
وهذا الحديث مما انفرد به ابن ماجة، ودرجته: أنه صحيح، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استأنس المؤلف رحمه الله تعالى للترجمة ثانيًا بحديث أبي أمامة رضي الله عنه، فقال:
(104)
- 226 - (9)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي.
(حدثنا صدقة بن خالد) الأموي مولاهم أبو العباس الدمشقي. روى عنه: هشام بن عمار، ويروي عنه:(خ د س ق).
قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ثقة ثقة ليس به بأس، وقال ابن معين ودحيم وابن نمير والعجلي ومحمد بن سعد وأبو زرعة وأبو حاتم: ثقة، وقال في "التقريب": ثقة، من الثامنة، مات سنة سبعين أو إحدى وسبعين أو ثمانين أو أربع وثمانين ومئة.
(حدثنا عثمان بن أبي عاتكة) سليمان الأزدي أبو حفص الدمشقي القاص.
روى عن: علي بن يزيد الألهاني، ويروي عنه:(د ق)، وصدقة بن خالد، وقال: مات سنة خمس وخمسين ومئة (155 هـ).
عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
===
وكان ثقة كثير الحديث، وقال ابن سعد: كان ثقةً في الحديث، وقال العجلي: لا بأس به، وقال ابن حبان في "الثقات": مات سنة اثنتين وخمسين ومئة (152 هـ)، وقال يعقوب بن سفيان: ضعيف، وقال في "التقريب": ضعفوه في روايته عن علي بن يزيد الألهاني، من السابعة.
(عن علي بن يزيد) بن أبي زياد، ويقال: ابن أبي هلال الألهاني - بهمزة مفتوحة ولام ساكنة - نسبة إلى الهان، أخي همدان، ويقال: الهلالي أبو عبد الملك، ويقال: أبو الحسن الدمشقي صاحب القاسم بن عبد الرَّحمن.
قال أبو حاتم: ضعيف الحديث، أحاديثه منكرة، وقال البخاري: منكر الحديث ضعيف، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال الساجي: اتفق أهل العلم على ضعفه، وقال في "التقريب": ضعيف، من السادسة، مات سنة بضع عشرة ومئة. يروي عنه:(ت ق).
(عن القاسم) بن عبد الرَّحمن الشامي أبي عبد الرَّحمن الدمشقي الأموي، مولاهم مولى خالد بن يزيد بن معاوية صاحب أبي أمامة.
قال ابن معين: القاسم ثقة، والثقات يروون عنه، وقال العجلي: ثقة، وقال في "التقريب": صدوق يرسل كثيرًا، من الثالثة، مات سنة اثنتي عشرة ومئة (112 هـ). يروي عنه:(عم).
(عن أبي أمامة) صدي بن عجلان الباهلي الصحابي المشهور رضي الله عنه، له مئتا حديث وخمسون حديثًا، سكن الشام، ومات بها سنة ست وثمانين (86 هـ).
وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه: أن رجاله كلهم شاميون، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه راويًا متفقًا على ضعفه؛ وهو علي بن يزيد الألهاني، وكذا عثمان بن أبي عاتكة ضعيف.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ، وَقَبْضُهُ أَنْ يُرْفَعَ"، وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ هكَذَا، ثُمَّ قَالَ:"الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ شَرِيكَانِ فِي الْأَجْرِ، وَلَا خَيْرَ فِي سَائِرِ النَّاسِ".
===
(قال) أبو أمامة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم) أي: الزموا (بهذا العلم) الديني بالتعلم والتعليم، والإشارة فيه إلى علم الدين الذي بعث به صلى الله عليه وسلم لنشره؛ فإنه المعهود في محاورة الحاضرين بحضوره في ذهنهم، فصح الإشارة إليه، (قبل أن يقبض) ويرفع من بينكم، (وقبضه أن يرفع) أي: من عندكم برفع من جاء به من الدنيا.
(وجمع) صلى الله عيه وسلم (بين إصبعيه الواسطى و) السبابة (التي تلي الإبهام) أي: ضم إحداهما إلى الأخرى مشيرًا بهما (هكذا) أي: إلى جهة السماء لبيان جهة الرفع، أو ضم بينهما مشيرًا إلى قرب، أوان القبض لما بينهما من الاتصال، (ثم قال: العالم) الذي يعلم العلم (والمتعلم) الذي يتعلم العلم (شريكان في الأجر) أي: في نيل الأجر والثواب، (وَلَا خير في سائر الناس) أي: في باقيهم ممن لا يعلم ولا يتعلم، وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم:"من يرد الله به خيرًا .. يفقهه في الدين"، فأشار إلى أن طالب الفقه كالفقيه، ومن لا فقه له ولا طلب .. فلا خير له؛ لتنزيل الحرمان عن خير الفقه منزلة الحرمان عن مطلق الخير.
وهذا الحديث مما انفرد به ابن ماجة، ودرجته: أنه ضعيف (12)(33)؛ لأن في سنده راويًا متفقًا على ضعفه؛ وهو علي بن يزيد الألهاني، وغرضه: الاستئناس به.
(105)
- 227 - (10) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا دَاوُودُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو
===
ثم استأنس ثالثًا للترجمة بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(105)
- 227 - (15)(حدثنا بشر بن هلال الصواف) أبو محمد النميري -بضم النون- البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة سبع وأربعين ومئتين (247 هـ). يروي عنه:(م عم).
(حدثنا داوود بن الزبرقان) الرقاشي البصري، متروك، وكذبه الأزدي، من الثامنة، مات بعد الثمانين ومئة. يروي عنه:(ت ق).
(عن بكر بن خنيس) - مصغرًا - الكوفي العابد، نزيل بغداد، صدوق له أغلاط، أفرط فيه ابن حبان، من السابعة. يروي عنه:(ت ق).
(عن عبد الرَّحمن بن زياد) بن أَنْعُم -بفتح أوله وسكون النون وضم المهملة- أبي خالد الأفريقي المصري، ضعيف في حفظه، من السابعة، مات سنة ست وخمسين ومئة (156 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(د ت ق).
(عن عبد الله بن يزيد) المعافري أبي عبد الرَّحمن الحُبلي المصري. روى عن: عبد الله بن عمرو، ويروي عنه:(م عم)، وعبد الرَّحمن بن زياد بن أنعم.
وثقه ابن معين وابن سعد والعجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، ثقة، من الثالثة، بعثه عمر بن عبد العزيز إلى أفريقية ليفقههم، فبث فيها علمًا كثيرًا، ومات سنة مئة (100 هـ)، ودفن بباب تونس.
(عن عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل القرشي السهمي أبي محمد المكي رضي الله عنهما، مات في ذي الحجة ليالي الحرة على الأصح بالطائف.
وهذا السند من سداسياته؛ رجاله اثنان منهم مصريان، واثنان بصريان،
قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ بَعْضِ حُجَرِهِ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ؛ فَإِذَا هُوَ بِحَلْقَتَيْنِ، فَإِذَا إِحْدَاهُمَا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ وَيَدْعُونَ اللهَ؛ وَالْأُخْرَى يَتَعَلَّمُونَ وَيُعَلِّمُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "كُلٌّ عَلَى خَيْرٍ؛ هَؤُلَاءِ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ وَيَدْعُونَ اللهَ؛ فَإِنْ شَاءَ
===
وواحد مكي، وواحد كوفي، وحكمه: الضعف، وفي "الزوائد": إسناده ضعيف، داوود وبكر وعبد الرَّحمن كلهم ضعفاء.
(قال) عبد الله بن عمرو: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم) أي: يومًا من الأيام (من بعض حجره) أي: من بعض بيوت أزواجه، جمع حجرة، نظير غرفة وغرف، (فدخل المسجد) الشريف؛ (فإذا هو) صلى الله عليه وسلم راء (بحلقتين) تثنية حلقة -بفتح فسكون- وهو المشهور، وقد جوز كسر اللام وفتحها، وأنكر بعضهم فتحها، وقال آخرون: هي لغة ضعيفة، والفاء في قوله:(فإذا) عاطفة ما بعدها على دخل، وإذا فجائية؛ أي: فدخل المسجد ففاجأه رؤية حلقتين.
(إحداهما) أي: إحدى الحلقتين (يقرؤون القرآن) أسند الفعل إلى ضمير الجمع المذكر؛ نظرًا إلى كون الحلقة بمعنى الجمع المستديرين في الجلوس كالدائرة (ويدعون الله) سبحانه وتعالى، أي: يذكرونه بالدعاء والتسبيح والتكبير والتحميد، (و) الحلقة (الأخرى) بعضهم (يتعلمون) أي: يستمعون العلم من غيرهم (و) بعضهم (يعلمون) أي: يملون العلم ويلقونه على غيرهم؛ أي: بعضهم متعلم وبعضهم معلم.
(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلّ) من الحلقتين (على خير؛ هؤلاء يقروؤن القرآن ويدعون الله) أي: على عمل صالح مرضي عند الله تعالى؛ (فإن شاء) الله سبحانه وتعالى إعطاء الداعين دعواتهم وهم أهل الحلقة الأولى ..
أَعْطَاهُمْ، وَإِنْ شَاءَ .. مَنَعَهُمْ، وَهَؤُلَاءِ يَتَعَلَّمُونَ وَيُعَلِّمُونَ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا"، فَجَلَسَ مَعَهُمْ.
===
(أعطاهم) طلباتهم وحوائجهم؛ إذ لا وجوب عليه تعالى، (وإن شاء) منعهم؛ أي: حرمانهم من طلباتهم .. (منعهم) أي: حرمهم من طلباتهم، فلا يجيب لهم دعواتهم، وفي ذكر هذا في شأن الحلقة الأولى وعدم ذكره في الثانية إشعار بأن إعطاء هؤلاء مطلوبهم كالمحقق، وفيه إشارة إلى بون بائن بينهما، وقد خرج بعضهم حديث:"من يرد الله به خيرًا .. يفقهه في الدين" على هذا المعني، فقال: لا يدري أحد أنه أريد له الخير في الدنيا إلَّا الفقهاء، وكأنه مبني على أن المعنى: أن من أراد الله به الخير .. يفقهه لا غيره؛ بناء على اعتبار مفهوم الشرط، لكن هذا المعنى بعيد، وهذا الإطلاق لا ينبغي شرعًا، فليتأمل. انتهى "سندي".
ثم قال: (وهؤلاء) المشتغلون بالعلم تعلمًا وتعليمًا (يتعلمون) في أنفسهم (ويعلمون) غيرهم (و) هم على ما أمرت به من التبليغ؛ لأنه (إنما بعثت) أنا حالة كوني (معلمًا) للأمة بما علمني الله تعالى به، وفي هذا إشعار بأنهم منه وهو منهم، (ذ) من ثمة (جلس) النبي صلى الله عليه وسلم (معهم) أي: مع المشتغلين بالعلم رضًا بعملهم.
وهذا الحديث مما انفرد به ابن ماجة، فدرجته: أنه ضعيف (13)(34)؛ لأن في إسناده ضعفاء ثلاثة، كما مر آنفًا، وغرضه بسوقه: الاستئناس به للترجمة.
* * *
فجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: عشرة أحاديث:
الأول منها للاستدلال، وثلاثة للاستئناس، وستة للاستشهاد، كما مر تفصيله.
والله سبحانه وتعالى أعلم